عرض مشاركة واحدة
قديم 18-12-21, 10:30 PM   #236

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 720
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي الفصل الثالث والثلاثون

الفصل الثالث والثلاثون........
كان يقود السيارة بهدوء تام طول طريق العودة بدون اي صوت سوى بعض اصوات ابواق السيارات من حولهما قاطعة رحلة الصمت والتي اختلقوها بينهما ، حانت منه التفاتة نحو الجالسة بجواره وجهها للنافذة وظهرها مقابل له بسكون مريب عبث بأوتار اعصابه بطريقة مختلفة عن رحلة الصمت بذهابهما ، وهو اكثر شيء اصبح يكرهه بحياته مؤخرا هو محاولة قراءة صمتها والذي تتقن كتمانه بطريقة لا تستطيع على اكبر الخبراء فك رموزه المعقدة ! وهذا الأمر هو الذي يحيل دائما بتقدم علاقتهما والتي لا تكد تتقدم قليلا حتى تعود للرجوع للوراء !

قطب جبينه وهو يلمح قبضتها تضرب على ركبتها بحركة رتيبة تبين مدى التوتر الذي تعايشه بهذه اللحظات ، فهي رغم تمثيلها الجمود والثبات بدور الفتاة الصلبة والتي لا تسمح لشيء بالتأثير عليها فقد نسيت بأنه لم يغفل عن الارتجاف الذي داهمها بلحظة اخبارها عن تواجد شقيقتها بالمشفى والذي ظهر باهتزاز تلك الاحداق الزرقاء بجنون ، وهو ما جعله يجزم بأنها تكاد تموت من الخوف لمعرفة اي شيء عنها من نظرة واحدة لتلك العينين الغائمتين ببحر احزانها واللتين لا تستطيع السيطرة على مشاعرهما الثائرة !

رفع يده بهدوء وهو يقبض بلحظة على قبضتها المتصلبة بقوة نخرت مفاصلها بدون ان يسمح لها بتحريرها بممانعة واضحة منها ، لتسكن بعدها للحظات وهي تعود لهدوئها بدون ان تصدر ممانعة اخرى سرعان ما ستخبو بصميم روحها الباردة ، ليتنفس عندها الصعداء وهو يعود للقيادة بتركيز اكبر بدون اي مشتتات منها او قلق عليها .

بعد عدة دقائق كان يوقف السيارة امام بناء المستشفى الحديث ليفلت عندها قبضتها على مضض ما ان احتاج لكلتا يديه بمهمة ايقاف السيارة بالشكل الصحيح ، ولم يكد ينتهي من ايقاف السيارة حتى خرجت الجالسة بجواره باندفاع وهي تنطلق بعيدا عنه باتجاه مدخل المشفى ، ليزفر بعدها انفاسه بغيظ وهو يحك جبينه بقوة من كل شيء يتعرض له ، وبلحظات كان يلحق بها على نفس المسار الذي كانت تسير به ، وما ان اصبح بداخل بهو المشفى حتى كاد يهتف باسمها وهو يلمحها تكمل طريقها بعيدا عنه ، ليتوقف بآخر لحظة ما ان غيرت مسارها فجأة باتجاه مكتب الاستقبال القريب من المدخل ، لتجري بعدها حديث سريع مع رئيسة الاستقبال لم يدم سوى لثواني قبل ان ترحل بعيدا عنها باتجاه السلالم المؤدية للطوابق العليا .

ابتسم بميلان حفر بتقاسيم ملامحه وهو يقول بخفوت مرتخي
"يبدو بأنها ما تزال بعقلها بعد كل شيء"

ليعض بعدها على طرف شفتيه بضيق وهو يلمحها تصعد السلالم عوضا عن المصعد ليهمس بلحظة ببؤس
"ولكنها ما تزال حمقاء بعقل نملة !"

وصلت (ماسة) للطابق المطلوب وهي تسير بالممر الطويل بخطوات سريعة متجاوزة كل ما قد يؤخرها عن الوصول ، وهي تشعر بالطريق تمتد امامها بدون ان يظهر لها وجهة نهايتها شبيه بحياتها المفتوحة مجهولة النهاية والمصير ، حتى لمحت بنهاية الرواق من دفعها لتسرع بخطواتها اقرب للجري وهي تنطلق نحوه مباشرة ، وما هي ألا لحظة حتى انقضت عليه بلمح البصر وهي تمسك بياقة قميصه بكلتا يديها صارخة به بعصبية مفرطة اصبحت تتشبه بعصبية والدتها
"اين هي روميساء ؟ ماذا فعلت بها ؟ ألم تكن امانة بعنقك ! كيف تتجرأ على تعريضها لكل هذا ؟"

امسك بيديها الذي افاق من صدمته من هجومها الضاري وهو يحاول تهدئة ثورة غضبها هامسا برفق اقرب للترجي
"اهدئي يا ماسة ، فكل هذه العصبية الآن لن تجدي نفعا ، صدقيني لا شيء سيساعدها اكثر من الدعم المعنوي والمساندة بمثل حالتها....."

قطعت سير كلامه بهجوم اكبر وهي تهز ياقة قميصه بدون ان تجدي طريقته معها وهي تصرخ بنفس الغضب الهائج الذي تحول لاهتزاز لا إرادي
"ماذا تعني بهذا الكلام يا احمد الفكهاني ؟ هل حدث مكروه لها او للطفل ؟ كيف وصلت للمشفى ! تكلم ماذا حدث لها بغيابي ؟"

تجمدت يديه فوق قبضتيها بتسمر على ذكر امر الطفل حتى مرت سحابة داكنة طافت فوق ملامحه للحظات غادرة ، لتشدد اكثر على ياقة قميصه برعشة خاطفة وهي تشعر بشيء مسنن يجثم فوق صدرها بقوة ، قبل ان تزيد من ضغط اسنانها على طرف شفتيها ومن تسارع انفاسها وهي تهمس بلحظة بوجوم حاقد لون مقلتيها بدموع القهر
"لقد حدث مكروه للطفل صحيح ؟ وانت لا تستطيع الكلام لأنك عاجز عن مواجهة حقيقة فعلتك !"

قابلت الصمت التام من جهته وهو ما دفعها بثواني للصراخ بتهدج وهي تهز ياقة قميصه بهستيرية الغضب
"لا تبقى صامتا هكذا ! تكلم هل كلامي صحيح ؟ هل انت المتسبب بحالتها ؟ تكلم....."

انتفض وهو يمسك بذراعيها ليبعدها عنه بالقوة قائلا بغضب فقد زمامه بلحظة جنون
"كفى يا ماسة ! توقفي عن لومي ! فأنا لم افعل اي شيء لتلوميني هكذا"

سكنت بمكانها ما ان قصف صوت آخر بنبرة جليدية
"احمد اترك ماسة الآن"

ارتجفت قبضتيه فوق ذراعيها لوهلة قبل ان يفلتها بسرعة ما ان تدارك نفسه ، ليمسد بعدها على جبينه بارتباك وهو يشيح بوجهه جانبا هامسا بهدوء متوتر
"اعتذر ، يبدو بأنني قد فقدت اعصابي قليلا"

تلبدت ملامحها ببرود حاقد وهي تمسح على ذراعيها بارتجاف طغى على مفاصلها ، لتلتفت من فورها بتأهب باتجاه باب الغرفة والذي فُتح بلحظة لتخرج منه الممرضة المسؤولة عن حالتها ، ولم تشعر بعدها بنفسها وهي تخطو نحوها بخطوتين لتعيق طريقها وهي تمسك بذراعها بحركة مفاجئة لتهمس لها بجدية يشوبها بعض الخوف
"ماذا حدث لروميساء الفاروق ؟ وهل هي والطفل بخير ؟"

اومأت الممرضة برأسها بتوجس وهي تحاول التكلم بعملية جادة
"اجل يا آنستي روميساء الفاروق قد اصبحت الآن بحالة مستقرة وستستطيع استعادة وعيها بغضون دقائق ، ولكنها للأسف قد اجهضت الطفل بسبب حالتها الحرجة والتي وصلت بها للمشفى ، وحمد الله على سلامتها"

اضطربت ملامحها بغمامة ظهرت على تقاطيع بشرة وجهها الجليدية وهي تلتقط المقطع الثاني من كلامها هامسة بارتعاش عابس
"الطفل قد رحل !"

عقدت حاجبيها بتوجس اكبر وهي تربت بكفها على كتفها هامسة بمواساة وكأنها تتعامل مع مريض
"لا بأس يا آنستي ، فأنا متأكدة بأن الله رزقه كبير وسيعوضها بغيره الكثير"

ارتمت كفها بجانب جسدها بسكون هيمن على كيانها بخواء توسع بمحيطها بلحظات ، لتنسحب بعدها الممرضة من امامها وهي تكرر على اسماعهم نفس العبارة العملية
"حمد لله على سلامتها"

بينما الشخص الثاني الذي صدم بالخبر كان يوقف الممرضة وهو يقول لها بهدوء جاد
"هل نستطيع رؤيتها الآن ؟"

حركت الممرضة رأسها بالنفي وهي تقول بحزم
"لا عليكم الانتظار حتى تستعيد وعيها بالكامل ويسمح لكم بالدخول ، غير هذا لا استطيع مساعدتكم"

اومأ برأسه بتفهم وهو يراها تغادر بعيدا عنهم ، ليوجه بعدها نظراته لشقيقه الهادئ بدون اي انفعال او لمحة تدل على وجوده معهم قبل ان يتنحنح بجمود وهو يقول بهدوء جاد
"هلا اخبرتنا ما حدث مع زوجة شقيقي ؟ وكيف وصلت للمشفى ؟"

اخذ عدة لحظات قبل ان يقول بجمود باهت
"لقد اخبروني بالمنزل بأنها قد وقعت على اول درجات السلم وغابت عن الوعي ، ولا اعلم حقا كيف حدث هذا معها فقد وجدوها ملقاة على اول درجات السلم بعد فوات الآوان !"

تغضن جبينه بارتباك وهو يشعر بأجواء خانقة اصبحت تحوم حول ثلاثتهم بمشاعر مفرغة ، ليقول بعدها مجددا بلحظات بحاجبين معقودين بتفكير واجم
"واين كنت بذلك الوقت يا احمد ؟ أليس اليوم عطلة عن العمل ؟"

قبض على يديه بقوة المشاعر المتضاربة بجوف روحه وهو يجيبه بهدوء بارد
"لقد كان لدي عمل طارئ اليوم واضطررت لمغادرة المنزل من الصباح الباكر"

شحنت الاجواء بينهم ببرودة المكان الساكنين به للحظات فاصلة ، وهي كل ما احتاج من صاحبة الملامح الجليدية والتي كانت تعصر قبضتيها لتصقل بها سطح روحها الثائرة ، لتعود بثواني للانقضاض السابق على نفس الشخص وقبل ان تدركه كان الآخر يكبل ذراعيها من الخلف بدون ان يسمح لها بالوصول له ، لتحاول عندها الرفس والمقاومة وهي تصرخ بجنون محدق استبد بها بثورة متوحشة
"لن اسامحك يا ابن الفكهاني ، لن اسامحك على تعريضها لكل هذا الاذى ، لقد كانت امانة بعنقك ، كيف تجرؤ على الافراط بها وبالطفل الذي كان من المفترض ان يكون بداية سعادتها ؟ وكله من اجل الذهاب لعملك تركتها تعاني كل هذا الاذى !"

قاطعها بغضب الذي كان يشدد على ذراعيها بضراوة وهي تكاد تفلت منه صارخا بها بحزم
"توقفي عن هذا يا ماسة ، وألا سنطرد من المشفى إذا بقيتِ على هذا الغباء !"

لكنها لم تصغي له وهي تصم اذنيها عن سماع صوته مقاومة تقييده لذراعيها صارخة بالواقف امامها بشراسة دموية برزت الدموع الندية بمقلتيها الواسعتين
"لقد كانت سعيدة ، كانت سعيدة بذلك الطفل ، ما كان عليك ان تدمر تلك السعادة ! فهي قد عانت كثيرا من قبل وتستحق ان تحصل على تلك السعادة ، لما لم تحاول الحفاظ على سعادتها اكثر ؟ لما عليكم ان تكونوا دائما سبب كل اذى ومعاناة لنا بالحياة ؟ إذا لم تكن بقدر هذا الحمل ما كان عليك منذ البداية ان ترتبط بها وتعيشها بكل تلك السعادة ؟!"

صرخ (شادي) بقوة اكبر وهو يكبل كتفيها هذه المرة بذراعيه خدرت اطرافها المنتفضة بذبذبات غضبها التي خرجت عن السيطرة
"اخرسي يا ماسة ! ألم تسمعي ما اقول ؟ احمد ليس له علاقة بما حدث مع روميساء ، فهو كان خارج المنزل ولم يكن يعلم بأن كل هذا سيحدث معها"

تنفست بارتعاش وهي تنفخ على خصلات شعرها الطويلة بثورة لم تخبو ولو قليلا ، لينطق بعدها الواقف امامهما بعد صمت دام طويلا وهو يقول بهدوء جاد بدون اي حياة
"انتِ على حق بكلامكِ ، يبدو بأنني بالفعل لم اكن بقدر هذا الحمل بحماية زوجتي وطفلها ، حتى ضاع منا الطفل والذي لم يكد يظهر بحياتنا سوى من ايام قليلة ، وبدل ان اهتم بها بشكل اكبر واكون بجانبها بتلك اللحظات المهمة تخليت عنها ورحلت للعمل بأكثر فترة احتاجتني بها حتى فقدنا بالنهاية طفلنا بدون ان اكون معها"

هدئت الاجواء بينهم لثواني على وقع كلماته الباردة مثل وصمة ألم طبعت بداخل كل منهم ، ليقول (شادي) من فوره بملامح صارمة بعتاب
"ما هذا الذي تتفوه به يا احمد ؟ هل هذا الكلام يخرج منك حقا ! انت تعلم جيدا بأن هذا هو قدرها ولم يكتب للطفل عمر ليعيش به وكان عليه ان يرحل باكرا كما هو مقدر له ، لذا عليك ان تدعو ربك ان يرزقك غيره بدل هذا اللوم الفارغ"

رفع (احمد) رأسه بهدوء نحوهما وهو يبتسم ببرود مريب هامسا بشرود خاوي
"ولكني بكل الأحوال ملام لأني لم اكن بجانبها عندما احتاجتني ، فلو بقيت معها اليوم كما هو مخطط او اجبت طلبها بسرعة لكان موت الطفل اخف وقع عليها عندما اشاركها حزنها بتلك اللحظات بدل ان تتجرعها وحدها ، يعني تركها وحدها كان اشد قسوة من موت الطفل نفسه !"

غيم الصمت على ثلاثتهم بدوامة هالكة سوداء ابتلعت اصواتهم ، لم يخرج بعدها من الصمت سوى الذي استدار بعيدا عنهم وهو يهمس بخفوت ثابت
"سأخرج قليلا ، فأنا احتاج بشدة لاستنشاق الهواء"

غادر بعدها على طول الممر بدون ان يسمع اي رد منهما ، لينتفض بعدها الجسد الساكن بمكانه بمبادرة للتحرر وهي تهمس بفحيح خافت بعد ان غاب عنها الغضب
"اتركني ارجوك"

تنفس فوق رأسها بهدوء لوهلة قبل ان يرخي ذراعيه من حولها بصمت ليخفض باللحظة التالية قيوده عنها بثواني ، تحركت من امامه وهي تنفض شعرها الفوضوي بعيدا عن كتفيها حتى ضربت بعض الخصلات وجهه ، لتقف بعدها امام باب الغرفة التي تقبع بها شقيقتها بسكون احتجز عالمها ، وبلحظة كانت تريح جبينها فوق إطار الباب البارد بصمت وهي تنشج بأنفاس مضطربة ازدادت تخبطا بخلجات روحها حتى تحولت لأنين خافت غير مسموع مثل الطنين بأذنيها بلسعة الألم .

ابتلعت انفاسها برجفة غادرة ما ان شعرت بملمس الكف الدافئة وهي تمسح على رأسها بهدوء اخترقت هالة صمتها المحتجزة بأنين جروحها ، لتتمسك بكفيها بإطار الباب بقوة وهي تهمس من بين انفاسها المتسارعة بمرارة بالغة
"لقد كانت دائما بجواري بكل لحظات حياتي ، وعندما احتاجتني لم اكن بجوارها ، اتمنى لو استطيع يوما ان اكون مثلها وافعل كما تفعل معي ، ولكني دائما هكذا ضعيفة بائسة !"

اغمضت عينيها بقوة وهي تعصر جفنيها بحرقة ابت ان تتركها وهي تخرج على شكل دمعة صغيرة تحررت من اسوار مقلتيها لتروي جفاف محياها ، والواقف بجوارها ما يزال يربت على رأسها برفق وهو يمسح على شعرها بدون ان يقدم لها اكثر من هذا وهو اقصى ما كان يستطيع ان يفعله بحياته وكما كانت تفعل معه سابقا زوجة والده الراحلة بكل مراحل سنوات عمره .

______________________________
كانت جالسة على مقاعد الانتظار بسكون وهي تنظر امامها بدون اي حياة تحجرت معها الدموع بمقلتيها الغائمتين بزرقة داكنة لم يخفى عنها لمحة الحزن الجديدة والتي اسرتها ، لتتنفس بعدها بهدوء ظاهري زاد من تخبطات قلبها النابض بقفصها الصدري بقوة وهي تقبض على يديها فوق ركبتيها ببرودة نخرت مفاصلها وسكنت هناك ، وكل هذه الصراعات كانت تحيط بعقلها الباطن وهي تنظر امامها مباشرة باتجاه باب الغرفة الجامد بدون ان تحيد عنه للحظة بحرب عتيدة بينهما .

اتسعت عينيها بانقباض غريزي ما ان فُتح باب الغرفة امام انظارهم المترقبة بانتظار ، لتخرج منه الممرضة ذاتها وهي تتنقل بنظرها بين ثلاثتهم لوهلة قبل ان تومأ برأسها بابتسامة هادئة وهي تقول بعملية
"يمكنكم رؤيتها الآن فقد اصبحت حالتها مستقرة وقد استعادة جزء من وعيها ، ولكن لا يسمح سوى بدخول فرد واحد لها كل مرة ويكون من اقرب الاشخاص لها"

نهضت (ماسة) من فورها وهي تنوي المبادرة بالدخول اولاً قبل ان يسبقها الذي قال بصوت جهوري نافذ
"انا سأدخل لها اولاً فهي تكون زوجتي وانا اقرب الاشخاص لها ، لذا هل تسمحين لي ؟"

التفتت نحوه بلمح البصر وهي تزم شفتيها بامتعاض هامسة من بينهما ببوادر الغضب الذي لم يخمد بعد
"ومن سمح لك بأن تقرر من تلقاء نفسك بأنك من اقرب الاشخاص لها ويسمح لك بالدخول ! هل تظن بأن الامر سيكون بكل هذه البساطة الدخول لها وفعل ما تشاء بها لأنها فقط زوجتك ؟ انت عليك ان تكون آخر شخص يسمح له بالدخول لها !"

نظر لها للحظات صامتة بدون اي تعبير يعلو ملامحه وهو يكرر كلامه قائلا بتشديد
"ومع ذلك انا الذي سأدخل لها اولاً وليس احد آخر !"

عبست ملامحها باستهجان وهي تصرخ من فورها بفورة
"انت ألم تسمع ما قلته لك للتو !......"

قاطعها الذي شدد على ذراعها بلحظة وهو يهمس برفق منخفض
"يكفي يا ماسة ، فأنتِ ستحصلين على دوركِ برؤيتها بعد احمد ، لذا لا تعجلي من نصيبك واتركي احمد يدخل لها اولاً"

ضيقت عينيها بقسوة وهي تشيح بوجهها جانبا بعيدا عنه بدون كلام آخر ، وهو ما اعطاه الفرصة ليقول لشقيقه بابتسامة جادة باتزان
"يمكنك الدخول لها الآن يا احمد"

تدخلت الممرضة بعد ان مللت من انتظار انتهاء حديثهم بالقتال على الدور قائلة بجدية
"ولكن لا تنسوا لديكم فقط عشر دقائق مهلة لرؤيتها لأنها ما تزال تحتاج للراحة وليس من الجيد ان تتعرض للضغط او التعب"

اومأ برأسه بجمود وهو يتقدم بعيدا عنهم باتجاه باب الغرفة والتي تحمل بداخلها كل شيء يخصه بالحياة وكل هاجس حلم بها من لحظات ، ليمسك بعدها بمقبض الباب بقوة وهو يدفعه بكل قوة خائرة اضمحلت على مدار الساعات الفائتة لتبقي له فقط جسد فارغ بعقل بعيد وقلب توقف عن النبض .

تسمرت عضلاته بالكامل بتصلب ارتسم على محياه بلحظة وهو يدلف للغرفة بخطوات بطيئة بتثاقل بدأ يتعب قدميه....ليوزع بعدها نظراته بالمكان بضياع مشتت غاب عنه المنطق والعقل باحثا عن طريقه وملاذه بأرضه الوسيعة مثل التائه بطرق الحياة المفترقة والذي اضاع اغلى ما يملك من بين يديه بلحظة غفلة غادرة...قبل ان تفلت منه زفرة مرتجفة شعر بها تخرج من صميم فؤاده المتهدج بألم وهو يلتقطها اخيرا جالسة فوق السرير بسكون هادئ ورأسها متجه للجهة الاخرى المقابل للنافذة بدون ان تظهر منها شيء...وهو يتأمل هيئتها الجانبية والتي كانت بمثابة الحياة بالنسبة له وهي ترسمها بلوحتها الحزينة التي تنبض بها بشعرها الاسود الطويل المتحرر على طول كتفيها وصولا لخصرها لينسدل بالنهاية فوق ملاءة السرير...ويديها الصغيرتين مضمومتين معا عند حجرها برقة مع موصل غذائي رفيع مرتبط بمعصم كفها الايمن ليتتبع مساره للحظات والذي يوصل للعبوة المعلقة بجانب الاسطوانة الطويلة بجوار السرير ليبث لها مكونات حيوية وطاقة لتمدها بجسدها الضعيف .

ابتلع ريقه بثبات وهو يتقدم نحوها عدة خطوات اخرى وبذات اللحظة يستغل الفرصة للشبع من صورتها الجديدة وهو يحاول الوصول بشتى الطرق لتعابير محياها او شحوب ملامحها او خضار احداقها الزاهية وكل ما تاق له بشدة وقتله الشوق لتذوقه ، وما ان اصبح على مقربة من سريرها حتى تنحنح قليلا وهو يجلي صوته والذي خانه من الفرحة الوليدة من مرآها امامه بكامل صحتها وهو يهمس بقدر ما يستطيع من خفوت اجش مبتسم
"كيف حالكِ يا روميساء ؟ هل تشعرين بأنكِ افضل الآن ؟"

تشنجت ابتسامته لوهلة ما ان قابل الصمت التام منها وكأنها لم تسمعه ، ليتنفس بعدها بقوة اكبر وهو يمسد على جبينه لثواني قبل ان يعود للكلام وهو يتمتم بمرح مرتبك
"أتعلمين بأنكِ اكبر ظالمة ! لقد اثرتِ قلق الجميع عليكِ حتى كدنا نتقاتل مع طاقم الاطباء فقط من اجل رؤيتكِ والاطمئنان عليكِ ، فأنتِ إذا لم تكوني تعلمي مهمة جدا بحياتنا يا روميساء واكثر مما تتصورين !"

خرجت عن صمتها الساكنة بمكانها وهي تهمس ببرود مريب
"انا اعتذر"

اضطربت ملامحه وهو يقطب جبينه بتصلب لوهلة ليقول بعدها برفق جاد
"لا يا روميساء ! لا داعي للاعتذار على شيء ! فقط كنت امزح معكِ لأبدل الحزن عنكِ يا عزيزتي والذي لا يليق بكِ ابدا......"

قاطعته بنفس الهدوء البارد وهي تشدد على يديها المضمومتين بانقباض
"لم اكن اعتذر على هذا ، بل اعتذرت عن الذي تسببت به لطفلنا وانعدام مسؤوليتي بحمايته ورعايته بالشكل الصحيح ، انا اعتذر يا احمد"

عقد حاجبيه بضيق وهو يتمتم بعبوس واجم
"ما هذا الكلام الغريب الذي تنطقين به يا روميساء ؟ انا لم اطلب منكِ اي اعتذار على هذا ! وايضا هذا هو القدر المكتوب للطفل فقد كتب له الرحيل قبل ان يولد ، وبإذن الله ربنا سيرزق لنا ويبعث غيره الكثير"

مرت لحظات صمت قصيرة قبل ان تعود للهمس بخفوت مرتجف مع غصة حزن واضحة
"ولكنه فرحتنا الاولى يا احمد وثمرة حبنا والتي كادت ان تخرج للحياة ! كيف تريدني ان اتجاهل او ان اتناسى مثل هذا الأمر ؟ لقد كان من المفترض ان يكون التعويض عن كل ما لاقيناه بعلاقتنا وعن كل ما لاقيته بحياتي ! ولكني بكل غباء قد افرطت بهذه الهدية الغالية والتي لن يستطيع اي شيء بالعالم تعويض خسارتها"

غيم الصمت بينهما للحظات اطول قبل ان يقطعه قائلا بحزم جامد
"كفي عن هذه السخافات يا روميساء ، فكل شيء قد حدث وانتهى ، وليس بيدنا فعل شيء ، المهم عندنا هي سلامتك وعودتك لنا بصحة كاملة فهو اكثر ما يهمنا الآن"

شددت اكثر على قبضتيها برجفة مريرة وهي تهمس ببحة الحزن وكأنها تكلم نفسها بدون ان تسمع اي صوت آخر
"اعتذر حقا يا احمد ، لقد قتلت حبنا بذلك الطفل وخذلت الجميع بعدم حفاظي على الامانة ، سيكرهني الجميع الآن لأنني لم احافظ على اول طفل للعائلة ، سيكرهني خالي محراب لأني قد افرطت بأول حفيد له بالعائلة وهو لم يكد اصبح يحبني ، انا لست بقدر هذه المسؤولية لأحمل طفل معي قد يعاني بسبب استهتاري واهمالي....."

امسك بكتفها بقوة وهو يقول بصرامة قاطعة بعد ان ضاق ذرعا من سماع هذيانها
"اصمتِ يا روميساء ، انتِ لست الوحيدة المذنبة بكل هذا ، فأنا احمل جزء من الذنب كذلك لأني لم اكن معكِ بتلك اللحظات وتخليت عنكِ بسبيل اللحاق بالعمل ، لو فقط كنت متواجد معكِ لتغيرت امور كثيرة بتلك اللحظة الفاصلة من خسارة كل شيء !"

انتصبت بمكانها لوهلة قبل ان تلتفت نحوه لأول مرة وهي تنظر له مباشرة هامسة بابتسامة صغيرة بضعف
"لقد كنت وحيدة يا احمد ، وكم احتجتك بجواري !"

تجمدت ملامحه بتشنج وهو ينظر لإمارات الاسى التي تعلو تقاسيم ملامحها الشاحبة باحمرار طفيف شكل ظلال حول عينيها الخضراوين واللتين لم ينطفئ بريقهما فحسب بل فقدتا لونهما النادر الزاهي لتتحولا للون اخضر قاحل قريب من الابيض الشاحب كما عرفها ولمحها بأول ايامها بينهم ، ليخفض بعدها يده عن كتفها ببطء وهو يشيح بوجهه جانبا محاولا السيطرة على الانفعال المتدفق بداخله مثل فوهة بركان ثائر ليقول بلحظة بجمود مضطرب
"انا ، انا اعتذر يا روميساء ، لم اكن اعلم....."

قاطعته من فورها وهي تعود بنظرها للنافذة وكأن شيء لم يكن هامسة بشرود خافت
"لا بأس يا احمد ، ليس هناك داعي للتبرير ، فأنا اتفهمك تماما واقدر ظرفك والذي دفعك للانشغال عني ، انا فقط اصبحت اكثر حساسية وتأثرا لأنني كنت وحيدة بتلك اللحظات ولم يكن هناك احد بجواري ليساندني او ينقذني"

ارتفع حاجبيه بوجوم وهو ينظر لها قد عادت لشرودها السابق متجاهلة وجوده تماما ، ليحاول بعدها الكلام مجددا قبل ان تسبقه صاحبة الصوت البارد وهي تهمس بخفوت
"اريد البقاء لوحدي يا احمد ، لذا رجاءً هلا خرجت ؟"

اتسعت عينيه بدهشة لحظية وهو يسمع نبرتها الباردة وهي تطرده بكل بساطة ، وبدون ان تعطيه الفرصة للكلام تدخل صوت آخر من خلفه يقول بنفس النبرة الباردة مع موجة غضب عارمة
"ألم تسمع ما قالته لك ؟ لقد قالت لك اخرج"

تجهمت ملامحه وهو يستدير نحو الواقفة فوق رأسه لا تريد تركه وشأنه وهي تحشر نفسها بكل شيء يخص زوجته ، ليحاول بعدها تمالك اعصابه قائلا بجدية صارمة
"ما لذي تفعلينه يا ماسة ؟ ألم تخبركِ الممرضة ان تنتظري حتى يأتي دورك !"

تقدمت امامه بخطوات واثقة قبل ان تقف مقابلة له تماما وهي تهمس بخفوت ساخر
"وألم تخبرك الممرضة بأن مدة رؤية المريضة فقط عشر دقائق ! وانت قد انهيت مهلتك بالفعل ، لذا رجاءً هلا تركت وقت لغيرك بهذه الزيارة فهذا الذي تأخذه دوري انا !"

قبض على يديه وهو يطبق على اسنانه بقسوة ليهمس بعدها بوجوم ساخط
"لم انتبه للوقت جيدا ، لذا هلا تركتني بعض الوقت معها ؟ فأنا احتاج للتكلم....."

قطعت كلامه بقسوة صارمة وهي تلوح بذراعها جانبا تدعوه للخروج
"لقد اخبرتك بأن مهلتك قد انتهت ، ونحن لا نريد ان نخالف قوانين الممرضة من اجل صحة شقيقتي ، فأنا ارى بأن محاولاتك كلها لن تجدي نفعا معها فقد رأيت بوضوح نتيجة محادثتك معها يا سيد احمد ، والآن اخرج رجاءً"

زفر انفاسه باقتضاب وهو يحيد بنظراته للساكنة بمكانها بدون اي ردة فعل وهي تعود لوجودها الحاضر الغائب ، لينظر بعدها للواقفة امامه والتي كانت تشير بذراعها باتجاه الباب بدون ان تتزحزح من مكانها وبدون ان تأبه بفارق العمر الكبير بينهما ، تحركت قدميه على مضض وهو يغادر من الغرفة بأكملها بدون ان ينسى ان يلقي نظرة اخيرة متحسرة على زوجته الشاردة والتي لم يطمئن للآن لوضع حالتها جيدا والتي تظهر تدهور كبير بصحتها النفسية والمعنوية .

تنفست (ماسة) ببرود وهي توجه نظراتها للشاردة بالنافذة بحالة من الهدوء والذي يحيط بها بين مقتطفات حياتها عندما يتخلل بها حزنها وانكسارها من شيء ما يخص عالمها الحافل ، جلست بعدها على طرف السرير بجوارها وهي تهمس بخفوت قلق سيطر على غضبها المغمور بداخلها على مرأى شكل شقيقتها الحزين والذي لا يقارن برؤيتها امامها معافه سليمة
"روميساء كيف تشعرين الآن ؟ هل انتِ بخير ؟"

انتصبت رأسها وهي تديرها نحوها ببطء لتهمس بعدها بابتسامة مندهشة بوهن
"ماسة انتِ هنا ايضا ! كيف وصلتِ للمشفى ؟ واين اختفيتِ منذ الصباح الباكر ؟"

زمت شفتيها بارتجاف وهي تهمس باستياء حانق
"هذا ليس الوقت المناسب ولا المكان المناسب لتحقيقكِ يا روميساء ! انتِ التي عليكِ ان تخبريني كيف وصلتِ إلى هنا ؟ اريد ان اعرف كل شيء حدث بغيابي !"

ادارت عينيها الخضراوين بعيدا عنها وهي تهمس بخفوت مبتسم
"لم يحدث شيء اكثر مما تعرفينه !"

احتدت ملامحها وهي تهمس بعبوس غاضب
"هذا ليس جواب سؤالي يا روميساء !"

نظرت لها بحدقتيها الواسعتين للحظات قبل ان تشق ابتسامة باهتة محياها هامسة بأسى
"لقد فقدت الطفل يا ماسة ، كل الآمال والتي علقتها عليه واحلامي قد فقدتها كلها بغمضة عين وبدون ان اشعر بها حتى ، كما سلب مني الجميع سعادتي سابقا وعيش الحياة الهانئة بكنف عائلة تحبني عادوا وسلبوا مني سعادتي بالطفل ، لم اتمنى بحياتي شيء كما تمنيت ان يبقى معي فترة اطول ، اعلم بأنه من الجنون قول هذا ولكني تمنيت كثيرا لو حملته بين ذراعي او مسحت على شعره او شممت من رائحته الزكية لتكون لي ذكريات جميلة معه نصنعها سويا بكل يوم ودقيقة ! ولكن حتى بهذا قد بخلت عليّ جنية الامنيات ولم تحقق شيء من هذا ، يا لجنوني يبدو بأنني ما ازال أهلوس بألعاب وامنيات الطفولة....."

صمتت بارتجاف ما ان قطع هذيانها الصوت الصارخ ببكاء مكتوم وهي تضرب على السرير بقبضتيها بقوة
"كفى يا روميساء ، توقفي عن التكلم عن الطفل بهذه الطريقة وكأنه قد اصبح كل محور حياتكِ واساسها على حساب حياتكِ انتِ وصحتك ووجودك بالعالم ، فقد نسيت بأن هذا الطفل كاد ان يودي بحياتكِ ويجعلك تتركينها فقط بسبيل احضاره للكون ، فأنتِ قبل كل شيء عليكِ ان تفكري بالناس من حولك وبمشاعرهم المكنونة وبوجودكِ الاساسي بعالمهم ، فهذا الطفل مجرد جنين لم يدرك قيمة وجودكِ بعد وليس فتاة ضعيفة ما تزال تعتمد على وجودكِ معها والنور الاخير المتبقي لها بطريق حياتها ، ارجوك فكري بها اولاً قبل ان ترتكبي اي تهور آخر ، ارجوكِ يا روميساء"

رمشت بمقلتيها بارتعاش لحظي وهي تنظر لحالة شقيقتها الصغرى والتي تواجهها لأول مرة منذ فترة طويلة ، وهي تعلم جيدا بأن هذه الحالة لا تلازمها سوى عندما تشعر بالخطر المهدد بحياتها والذي يتشكل بالنسبة لها بخسارة فرد من المقربين لها وهي مجرد فترات قصيرة من الخوف والرهاب قبل ان تعود لما كانت عليه بالسابق لتتأقلم عندها مع الوضع الجديد وشعور الفقد والذي بدأ من وفاة والدتهما ، وبأحيان اخرى كانت تحدث معها بأوقات دوامها بالعمل والدراسة والتي كانت تضطرها للتأخر عن العودة لها والمبيت خارجا بمكان عملها ، وكانت قد ظنت بأنها قد تخلصت من تلك الحالة بآخر فترة لهما بمنزل زوج والدتهما بعد ان تأقلمت على وضعهما الراهن ولم تعد تبالي بوجودها معها !

رفعت كفها الموصل بها الانبوب المغذي بهدوء وهي تربت على رأسها المنخفض بكل حنان تملكه نحوها وبنفس الطريقة ذاتها والتي كانت تستخدمها معها على مدار سنوات من طفولتهما وهي تهمس لها برفق مرح
"يبدو بأنني قد تصرفت بقسوة معكِ عندما فضلت ذلك الطفل عليكِ ، ولكني اعدكِ بألا تتكرر مرة اخرى فلا احد يستطيع ان يحتل مكان بقلبي غيركِ انتِ ، لذا ارجو منكِ ان تعفي عني زلتي يا صغيرتي ، هل تصافينا الآن ؟"

هدئت انفاسها لوهلة قبل ان تهمس بخفوت خاوي بمرارة
"لقد خفت كثيرا ، خفت من خسارتكِ يا روميساء ، ارجوكِ لا اريد ان يحدث معي هذا مجددا"

امسكت بجانب وجهها وهي ترفعه برفق وما ان تقابلت عينيها الدامعة بعينيها الشاحبة حتى همست لها بابتسامة رقيقة بمودة
"لا تقلقي يا ماسة ، كل شيء سيكون بخير"

زمت شفتيها بشهيق مكتوم ودموعها تسيل فوق بشرتها الثلجية بغلالة اسرتها بعيدا ، لتهمس بعدها ببهوت ساخر وهي تطبق على اسنانها بشدة
"ما تزالين على نفس العادة ! مهما كان الوضع الذي نمر به دائما تقولين هذه العبارة ، مهما كان مدى الألم او الجرح الذي تعيشين به تقولين لي بكل بساطة كل شيء سيكون بخير ! ولكنه بالحقيقة لا شيء بخير ، فأنتِ تتألمين تحترقين على ابنك الذي مات جنينا بداخلك ولا تقولين تحبسينها وترسمين الابتسامة كما كنتِ تفعلين معي على الدوام ، أليس كذلك ؟"

سحبت يدها عن وجهها بصدمة دامت للحظة قبل ان تنفجر بالضحك إلا ارادي وهي تغطي فمها بكفها هامسة بتعجب مستاء
"يا إلهي حقا انتِ غريبة ! لقد كنتِ تتذمرين من لحظة بسبب حزني على ابني الراحل ، والآن تتذمرين لأني اخفي حزني بداخلي ولا اظهره لأحد ، حقا انتِ غريبة الاطوار يا ماسة !"

كانت تراقبها بهدوء وهي تسعل من فرط الضحك ليرتفع بعدها حاجبيها بانشداه بلحظة ما ان تحول الضحك لبكاء هستيري فقدت السيطرة عليه وهي تغطي وجهها بكفيها بشهيق منتفض بحدة مثل حالة الغريق الذي لا يستطيع العوم ، تنهدت ببطء لوهلة وهي تعانق كتفيها بذراعيها بقوة لتتركها تأخذ فرصتها بتفريغ الشحنات المحصورة بصميم روحها المشروخة بعد خسارة بذرة سعادتها والتي لم تستطع ان تنمو او التبرعم بمكان لم يخلق لها ، وهي تستمع لصوتها المتقطع ببحة البكاء بغصة ذبحت روحها
"لقد رحل يا ماسة ، لم استطع الحفاظ عليه ، لذا رحل وتركني ، هل اخطئت بالتفكير بحمل طفل تبين بأنه اكبر من مسؤوليتي ؟"

كانت تمسح بكفيها على ظهرها وشعرها برفق هامسة بحزن عميق شارد
"اعتذر على عدم مساعدتك عندما كنتِ تحتاجين لي ، اعتذر لأني لم استطع حمايتك والطفل كما وعدتك ، ولكن كل ما استطيع قوله لكِ الآن بأني اعدكِ بأن احميكِ بكل قوتي واكتشف المسبب الرئيسي بحالتك وحينها لن اتوانى عن تلقينه درسا لن ينساه بحياته كاملة ، وهذا وعد حقيقي مني"

يتبع...........


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس