عرض مشاركة واحدة
قديم 18-12-21, 10:38 PM   #237

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 720
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

جلست على الاريكة بجانب النافذة وهي تشرد بالستائر المتطايرة من نسمات الهواء الموسمية والتي تتقلب بين كل ثانية بأجواء مختلفة حسب مزاج الطقس والذي لا تستطيع التكهن بالطقس الذي سيجلبه معه بالأيام القادمة....ونحن علينا فقط بالتأقلم معه ومجاراة التغيير الجديد بالأجواء القادمة مع الطقس بدون ان يكون لدينا رأي بقراراته او تصرفاته والتي تسير على جميع المخلوقات بالأرض والتي لا حول لها ولا قوة ولا حيلة لها بالمقاومة او الرفض...لأنها ببساطة حتى لو ابدت الرفض فهي غير مسموعة وكلامها سرعان ما سيتلاشى بالمكان مثل الحيوان المحجوز بقفص المبادئ والقوانين والتي حكمته لسنوات...وهذا كان حال حياتها الماضية بمنزل عائلتها والتي قيدت حركاتها وانفاسها منذ ولادتها لهذه اللحظة وهم يزرعون بها ذلك الخوف الغريزي من اختراق مجالهم والذي رحلت عنه وهربت ما ان فاض بها الكيل .

تنهدت بتعب وهي تكتف ذراعيها ببرودة نخرت عظامها من تحت سترتها الربيعية...لترفع بعدها ساقيها لفوق طرف الاريكة وهي تريح جبينها فوق ركبتها المنتصبة بصمت تام غيم على هوة حياتها المظلمة شبيه بسواد الليل الواسع المنتشر بالعالم الآن بوحدة موحشة غاب عنها ضوء القمر ورفيق دربها بالحياة .

لطالما شعرت بالوحدة القاتلة تحاصر حياتها بمنزل عائلتها الكبير والذي لا يقارن بمنزلها الآن بدون اي رفيق معها او قريب بسبب انها الابنة الوحيدة لوالديها...وكل المناسبات والحفلات والتي كانت تقام بعائلتها بين كل فترة واخرى والتي تجمع بها كل افراد وفروع العائلة النبيلة لم تستطع التآلف بها يوما او صنع العلاقات بها بسبب الفارق الكبير الذي كان يحجز العلاقة المبنية بينهما والتي تربطهم بها فقط المصالح لا اكثر....فهي لم تنسى يوما تلك النظرات المستنكرة من اصحاب المقام العالي والذي كانوا يحتلونه كبار العائلة بسبب نسب والدتها المتواضع والذي كان يجلب لها الكثير من النفور بمحيط غير مكانها....لذا لم يكن هناك اي رفيق بحياتها سوى المربية اللطيفة والتي اهتمت بها بطفولتها وصباها حتى اصبحت اقرب صديق لها بالمنزل وبمراحل حياتها المتقلبة...ولكن شاء القدر ان ترحل من حياتها بنهاية عمر الرابعة عشر مثل كل شيء جميل سرق من حياتها بسبب تغير مكان عملها بمنطقة اخرى بعيدا عنها ومن حينها لم تراها او تلمحها بحياتها مطلقا...وحتى رقم هاتفها قد مسح من جهازها بعد ان حرمت من هاتفها من وقت تلك المشكلة والتي دمرت كل كيان كانت تملكه بتلك العائلة .

اضطربت انفاسها بانفعال وهي تعانق ساقيها على ذكرى تلك المشكلة والتي دفعتها لفعل كل ما وصلت له الآن واضطرت عليه...الحقيقة حياتها كانت روتينية اقرب للنمطية قبل وفاة والدتها والتي تحولت من حينها لجحيم متدفق جعلها تتمنى الموت اكثر من مرة وخاصة بعد زواج والدها للمرة الثانية بمن تليق بمستواه والنقيض عن والدتها تماما...لتتشارك مع والدها بجعل حياتها بالخمس سنوات جحيم لا يطاق انهك كيانها واستنزف كل طاقتها ليحرموها من العيش بسلام مثل جميع البشر بالعالم...وكل ما اكتشفته بعدها بأن زوجة والدها تلك كانت تخطط منذ البداية للتخلص منها بالتعاون مع الحاقدين عليها بسبب عدم رضاهم بزواج والدها الأول والذي حدث رغم عن الجميع وكأنها جرثومة او لقيطة بالعائلة الافضل نزعها عنهم قبل ان تتكاثر...وآخر مشكلة سببت المعاناة الحقيقية لها عندما اتهمت بشرفها وبتهمة لم ترتكبها بحياتها وهي ما تزال ترى وجه والدها الصارم والذي تعلو ملامحه علامات الشرر المجنون وهو يقول بصوت هادئ مهيب بحكم مرتبته العالية
"ما هذا الذي اسمعه من الناس يا ميرا ! هل يخرج من ابنتي عائلة مونتريال مثل هذه التصرفات الشائنة والتي قد تودي بسمعتنا بالتراب ؟ هل لديكِ تفسير على هذا الكلام يا ميرا !"

تذكر جيدا موقفها امام الاتهام الباطل وهي تصرخ ببكاء بدفاع مستميت بالرغم من انها تعرف جيدا نتيجة كلامها
"كذب يا ابي ! اقسم لك بأن كل هذا كذب ! انا لم ارتكب اي شيء شائن قد يؤثر بسمعة عائلتنا ، حتى انني لا اعرف من ذلك الشاب الذي يتكلمون عنه وانا لم ألمحه ولم اقابله بحياتي ؟ انا لا اسمح لكم بأن تتهموني بذلك الاتهام الباطل بدون اي دليل يثبته !....."

اغمضت عينيها بقهر وهي ما تزال تسمع صوت الصفعة ترن بأذنيها والتي طبعت على وجنتها بقوة جمدتها بمكانها بثواني وهي تشعر بها مؤلمة اكثر من اي مرة سابقة صفعها بها وهي تصيبها بالصميم ، لتسمع بعدها كلماته القاسية والتي اصابت قلبها برصاصات طائشة وهو يصرخ بها ببوادر الغضب المجنون وهو يخرج كل القهر المكبوت بداخله ناحيتها
"تريدين دليل يا فاجرة ! وما هو تفسيركِ إذاً للرسائل والتي وصلت لهاتفك والصور والتي انتشرت على الصحف والقنوات ! ماذا تريدين ان تثبت بعد ان وضعتي رأسي بالوحل وكل سلالة عائلتك ؟ ولا اعلم ايضا إذا كان هناك المزيد من الخفايا وراء علاقتك المحرمة بذلك الشاب اللقيط ! لماذا فعلتِ هذا ؟ لماذا يا لعينة ؟"

نقلت نظراتها باهتزاز ناحية الواقفة بجواره وسبب الكوارث بحياتها وهي تقول له برقة الافعى والتي تزرع سمها بضحيتها ليصبح طوع امرها ورهن إشارتها
"اهدئ يا عزيزي فكل ما تفعله معها لن يفيد بشيء بعد ان انتشرت الفضيحة وانتهى ، انا ارى بأن الحل الوحيد هو عقد قرانها بذلك الشاب والذي سيزيل الفضيحة عن العائلة ويطمرها بعيدا وكأن شيء لم يكن ، وهذا افضل حل نملكه بالوقت الراهن وبعدها نفكر بالأمور الاخرى التي تخص اتمام زواجها ، فهو بالنهاية اختيارها هي واكيد يتناسب مع مستواها الرخيص"

ابتلعت ريقها بتعثر مرتعب وهي تشعر بقلبها ينشق لنصفين ما ان قال والدها قراره النهائي بحقها والذي كان اقسى من جلد السوط نفسه
"حسنا اسمعوا جميعا قراري النهائي ، نحن سنعقد قران هذه الفاجرة على ذلك الشاب بغضون اسبوع وبالأسبوع الذي يليها ستحلق بأول طائرة لبلد آخر ، فأنا من هذه اللحظة قد سحبت مسؤوليتي كاملة منها ولم اعد اعترف بها ابنة لهذه العائلة والتي لطخت سمعتها ودنستها بفعلتها الحقيرة ، وإذا حاولت العودة او لمحت وجهها بحياتي فلن تتوقع عندها ما سأفعله بها حينها واجرم به ، سمعتِ يا فاجرة !"

شهقت بارتعاش بدون صوت وهي تنشج بمكانها ما ان استوعبت بآخر كلماته بأنه يتكلم عنها هي ليس عن احد آخر فهي ما تزال الابنة الوحيدة لهذه العائلة بعد كل شيء والتي لم تنجب غيرها بروح المعاناة ، وهي تشعر بنظرات تلك المرأة الشامتة والتي وصلت اخيرا لمبتغاها بكل تلك الخطط والتي حاكتها من حولها على مدار خمس سنوات كاملة تجرعت بها المرار والوجع حتى فاضت وامتلت ، ولم تشعر بعدها بنفسها وهي تصرخ لا إراديا بوجع تجاوز احتمالها وضربها بشدة
"انا لم افعل اي شيء خاطئ ، كله من افعال زوجتك الشمطاء والتي تتقصد دائما ان توقعني بالمشاكل ، ولكني لا اسمح لها ابدا باتهامي بشرفي فهذا كثير جدا ويتجاوز مدى احتمالي ! لماذا لا تصدقني لمرة واحدة فقط ؟......"

وهذا كان آخر كلماتها قبل ان تصيبها صفعة اقوى عن السابق ألقت بها ارضا وهي تجثو على ركبتيها بسكون جمدتها الصدمة التي تلي الحادثة ، ليصرخ فوقها بصوت جهوري خشن يتخلل به النفور
"اخرسي يا لعينة ، هذه التي تتكلمين عنها زوجة والدك وبمقام والدتك ! كان عليكِ ان تحترميها ولو قليلا بدلا من اتهامها بفعلتك الحقيرة ! ولكنكِ ستبقين هكذا حقيرة وفاجرة ولا تستحقين ان يشفق عليكِ احد"

انتفضت بقوة وهي تركع امام قدميه بخضوع لتتمسك بقماش بنطاله الفاخر هامسة بتوسل مترجي بحرقة لاسعة
"انا اعتذر يا ابي ، فقط اتوسل إليك لا ترغمني على الزواج من ذلك الشاب ، فأنا لا اريد الزواج منه ، سأفعل كل شيء تطلبه مني وحتى مستعدة لأقبل قدميك فقط لا تخرجني من حياتك بهذه الطريقة ، فلا تنسى بأني ابنتك الوحيدة وليس لك غيرها بحياتك !"

نفض قدميه بعيدا عنها بقوة وهو يصرخ بتسلط قاسي
"اغربي عن وجهي ، فأنا لن اعترف بوجود فاجرة مثلكِ ابنة لهذه العائلة ، وانسي تماما بأنكِ تملكين عائلة تعيش هنا فقد توفيت عائلتك وكل من فيها من هذه اللحظة والتي انتشرت بها فضيحتك والتي لا تدل على انتمائكِ لنا ، لذا استعدي جيدا لرحيلك من هنا مع الشاب والذي اخترته بنفسكِ وحتى ذلك الوقت لا اريد رؤية شكلكِ امامي مجددا"

رمشت بعينيها بدموع خائنة تسربت على محياها بدون ان تشعر بجوف المعاناة والتي عاشتها بتلك اللحظات لتكون مثل وصمة طبعت بحياتها ، لترفع كفها بارتجاف وهي تمسح على خديها المغرقين بالدموع بخواء اكتسح حياتها لوهلة ، اخذت عدة انفاس للحظات وهي تتذكر التشتت والضياع والذي لازمها طويلا قبل ان تلمع بارقة الأمل بحياتها وهي تشق طريقها نحوها ولم يكن سوى شخص واحد لمحته بعزاء والدتها ولم تراه من بعدها مطلقا .

رفعت رأسها بانتباه وهي توجه نظراتها للمنضدة الجانبية والتي تعلوها الهاتف الذي كان يصدر صوت الرنين الصاخب مخترقا عالمها الصامت ، لترفع بعدها كفها وهي تلتقط الهاتف بهدوء لتنظر بعيون متسعة لهوية المتصل والذي بان بوضوح (لينا) ، ولم تأخذ منها سوى عدة لحظات قبل ان تلقي بالهاتف جانبا بدون ان تجيب ، فقد اصبحت بالآونة الاخيرة مهملة بكل شيء يحدث معها وغافلة عن كل الاخطار والتي تحوم من حولها بظاهرة برود تجتاحها لأول مرة بعد ان يأست وتعبت ، واي شيء قد يحدث معها مستقبلا لن يكون بسوء ما سبقه وجربته !

اراحت خدها على ركبتها بجمود وهي تشدد من تطويق ساقيها متذكرة تلك الكلمات الواثقة والتي اخترقت كيانها بسحر وبأجمل ما سمعته اذنيها

(انا اعدكِ يا وفاء بأن اكون السند والصديق والزوج لكِ ، وما دام هناك نفس متبقي بداخلي فأنا باقي على الوعد لآخر رمق ، فقط كوني معي دائما ولن احتاج لشيء آخر بحياتي ، هل انتِ موافقة ؟)

عصرت جفنيها بقوة حتى عادت الدموع للسيلان على خديها المحتقنين وهي ترثي كل تلك الذكريات اليتيمة والتي خدعت بها كذلك ، لتهمس بعدها بشرود واهي افلتت بتعب السنين
"يا ليتني لم اصدقك ، يا ليتني لم ألتقي بك"

______________________________
وقف عند باب المكتب المفتوح وهو يشاهد الجالس خلف المكتب يعمل على الاوراق بين يديه بملامح صارمة تعلو وجهه العبوس ذو التجاعيد النافرة الغير قابلة للين او الارتخاء مع انعقاد الحاجبين المحتدين واللذان لا يتخلل بهما المرح وكأنه قد ولد بهذه الملامح وخلق بها ليرعب كل الكائنات والمخلوقات المتواجدة على سطح الأرض بسطوته وجبروته ، وهذا الامر هو ما دفع نفور الجنس الناعم منه وعدم القبول بالارتباط بكائن مثله اكثر ما يجيده هو الغضب واصدار الأوامر ، وآخر من قبلت به كان اجبار من عائلتها المسؤولة عنها لترغم على الارتباط به بغير رضاها فقط لأنها يتيمة بلا والدين ، لتتلقى على مدار نصف سنة الذل والهوان والتجريح والضرب فوق تخلي عائلتها عنها حتى دفعتها بالنهاية للهروب من الحياة بأكملها بدون ان يحدد احد وجهتها المجهولة وإلى إين آل مصيرها ! وكل ما يعرفه بأنه لم يحاول احد البحث عنها او التفكير طويلا بأمرها بعد اقدامها على هذه الفعلة والتي جعلت الجميع ينفر منها ويقطعون معرفتهم بها كما كانوا لا يعترفون بها قبلا عندما ألقوها لوقر الوحش .

قبض على يديه بتشنج سرى على طول عضلات ذراعيه المشدودتين وعبث اللسعة القديمة بهما ، ليتنفس بعدها بجمود وهو يعود للنظر لذلك الوجه العبوس والذي كان هذه المرة يعبث بهاتفه الارضي بملامح ازدادت شراسة مع ظهور تجاعيد اكثر صلابة افترست وجهه ، بدون ان يدرك احد ذلك الاهتزاز الطفيف بحدقتيه الحادتين والوهن والذي اصبح يتسرب لسطح ملامحه والذي لا يلمحه سوى اقرب الاشخاص له ! ولم يظهر سوى مؤخرا وتحديدا منذ اسبوع من مواجهة ابن شقيقه بمكتبه ، وبالرغم من انه لم يعرف ما حصل بينهما بتلك المواجهة ولكنه يجزم بأنها لم تكن مواجهة ودية بين اي اقارب تربط بينهم المودة والرحمة ! فهو على علم تام بكامل اعمال والده بعائلة (جواد) والذين ذاقوا منه الويل والعذاب كما سبق واذاقه له ولكل من يعرفهم ، لذا هو متأكد تمام اليقين بأنها كانت مواجهة حامية الاطراف كادت تقضي عليهما او تقتل احدهما للآخر ، ولكن كل شيء انتهى بدون اي اضرار او جروح وهذا ما يحيره ويثير ريبته للآن ! ويبدو بأن والده لم ينسى كذلك تلك المواجهة والتي يبدو اثارت غضبه وسخطه بالأيام الفائتة وكأنه قد كبر مئة سنة للأمام او ظهر عجزه النادر امام خصومه !

قطب جبينه بجمود ما ان سمع ذلك الصوت الخشن بنبرة تستطيع ان ترعب اعتى الرجال وهو يوجه الكلام له قائلا بتصلب
"إذا كان لديك شيء قيم تكلم ، وإذا لم يكن كذلك فارحل"

تلبس ملامح الهدوء الجليدي بقناع يخفي به كل انفعالات معالم دواخله وهو يرفع ملف اوراق بيده قائلا ببرود
"لقد وصل هذا الملف مع واحد من رجالك وطلب مني ان اسلمه لك ، فهو يحمل معلومات مهمة قد تثير اهتمامك"

رفع رأسه مثل طلقة الرصاص وهو يصوب نظراته نحوه بجمود ليضرب بلحظة سماعة الهاتف مكانها بقوة ، قبل ان يعتدل بجلوسه قائلا بأمر قاطع
"ضع الملف امامي"

تقدم بخطوات ثابتة بدون ان يأبه بنظراته التي تدل على اهمية هذا الملف بين يديه ، وما ان وقف امامه حتى وضع الملف برفق فوق سطح المكتب بانصياع تام ، ليراقب بعدها الذي امسك بالملف بلحظة وهو يقلب بين اوراقه باهتمام بالغ ، قال بعدها بلحظات وهو يرفع حاجبيه بتفكير ساخر
"لم اكن اعلم اهمية هذه الاوراق بالنسبة لك ! هل هي تخص صفقة جديدة ومعلومات الرهينة القادمة ؟"

حدق به للحظات قبل ان تعتلي شبح ابتسامة ملامحه اظهرت التجاعيد حول شفتيه وهو يهمس بصوت اخفض بفحيح ماكر
"هذه صفقة مهمة يا اوس ، وهي ما تفصلنا عن الانتقام من الخائن المدعو مازن ، وتصفية حساباتنا الاخيرة معه ، ولكي يفكر مئة مرة قبل ان يتلاعب معنا مجددا"

غامت ملامحه وهو ينحدر بنظراته للملف لوهلة قبل ان يتمتم بجمود صخري
"هل هذه المعلومات ستدمر سمعة مازن ؟ ام انها تخص تدمير غيره بسبيل الانتقام منه ؟"

عقد حاجبيه بضيق وهو يتقدم بجلوسه بلحظة قائلا بابتسامة انحنت بشراسة
"يا لك من احمق ساذج ! هل نسيت طريقتنا بالانتقام من اعدائنا وكيفية تنفيذها ؟ إذا انتقمنا منه مباشرة فلن يكون هناك اي متعة او انتصار ، اما إذا حاولنا التحايل والوصول له عن طريق اقرب المقربين منه سيكون انتقامنا آن ذاك اكثر متعة وسنصل لهدفنا المنشود بطريقة اسرع !"

اتسعت عينيه باستيعاب وهو يهمس بوجوم عابس
"هل هذه المعلومات تخص شقيقة مازن ؟ ولكني ظننتك قد ابطلت عن هذه الفكرة واستسلمت !"

ضرب الملف على سطح المكتب بقوة وهو يقول بصوت محتد شرس
"من قال بأني استسلمت او تراجعت عن الفكرة ؟ انا فقط كنت اجهز نفسي للاستعداد للهجوم من جديد فلا تنسى عندما تريد القفز عاليا تحتاج للرجوع خطوتين للوراء لتكون القفزة اعلى ، وايضا انت الذي انسحبت وهربت من اكمال الخطة بجبن تجاوز توقعاتي !"

امتقعت ملامحه بلحظة وهو يشيح بنظراته هامسا بنفور جامد
"اخبرتك بهذا من قبل لن اكون جزء من هذه الخطة الحقيرة والتي تتنافى مع مبادئي ، ويمكنك تسمية انسحابي من خطتك هروب او جبن ، فأنا لن اغير نظرتي نحو هذه الخطة"

ازداد انعقاد حاجبيه بتجهم للحظات وهو يهمس بجفاء بارد
"حسنا يا اوس إذا كنت لا تريد المشاركة فالأفضل لك المشاهدة بصمت والاستمتاع بما ستحول له الأمور بالأيام القادمة ، فهذه الأيام ستحمل لنا الكثير من المتعة والحماس والذين كنا نفتقدهما منذ زمن"

شرد بنظراته بعيدا عنه وهو يتمتم بعدم اهتمام
"وماذا تخطط ان تفعل بها ؟"

ارجع ظهره للمقعد بملامح مسترخية قائلا بجدية
"ستعرف كل شيء بالوقت المناسب ، لذا لا تتعجل وتحلى بالصبر"

حرك عينيه بملل وهو يتمتم بجمود
"لقد تحليت بالصبر طويلا ولن تفرق بضعة أيام اخرى"

انقلبت ملامحه بغموض وهو يتقدم بجلوسه قليلا ليضم قبضتيه فوق الملف بقوة قبل ان يقول بتصلب مريب
"لقد تأخرت اليوم بالعودة للمنزل ! بل بالأحرى انت اصبحت بكل يوم تتأخر فيه بالعودة حتى حلول الليل ! وانا اعلم جيدا بأنك لا تذهب لمقر العمل سوى بالصباح وتغادر منه قبل مغيب الشمس واحيانا لا تحضر مطلقا ، إذاً اين تقضي وقتك بعد المغيب وطول ساعات الليل ؟ هل لديك جواب على هذا السؤال ؟"

حرك رأسه للأمام وهو يتمتم ببؤس
"هل انا ملزم بالإجابة ؟"

تعقدت ملامح والده بجمود وهو يقول بغضب بدأ ينضح بصوته الخشن
"لا تلعب معي يا ولد ! واجبني عن السؤال بكل وضوح ، هل تفعل امور من وراء ظهري لن تسرني ابدا ؟"

مالت ابتسامته ببرود وهو يدس كفيه بجيبي بنطاله قائلا بتمهل شديد
"لا تقلق يا ابي ليس هناك شيء مما تفكر به قد يرتكبه ابنك بفضل تربيتك له والتي لا يحسد عليها ، والتي جعلتني نموذج للوفاء والاخلاص ستدفع كل من اعرفهم للامتثال بي والتعلم من تربيتك"

شدد من القبض على يديه وهو يقول بصوت جهوري قانط
"اسخر كما تشاء ، فأنت لن تغير صورتك الحقيقية والتي زرعتها جينات والدك ، وحتى لو غيرت تربيتك وحاولت التمرد على ذاتك فأنت ستبقى ابن والدك والذي تربيت على يديه ، هل سمعت هذا ؟"

عقد حاجبيه ببطء متوحش وهو يضم شفتيه بكبت ليهمس من بينهما بانفعال هادر
"كم اكره هذه الحقيقة ! واكره صاحبها اكثر"

تغضن جبينه بجمود وهو يقول من فوره باقتضاب
"لم تجيب على سؤالي السابق يا اوس ؟"

زفر انفاسه بضيق وهو يقول بلا مبالاة متعمدة
"ليس بالأمر المهم ، فقط كنت اساعد صديق لي بمنطقة بعيدة بالعمل على مشروع جديد يخص بناء عيادة خاصة بمرضاه بسبب انقطاع الموارد الصحية بتلك المناطق"

ضيق عينيه الصقرية لوهلة وهو يقول بشك
"هل هذه الحقيقة ؟"

حرك رأسه بإيماءة غير مرئية تقريبا وهو يهمس باختصار
"اجل"

قطب جبينه بعدم رضا وهو يقول بلحظة باستهجان
"عليك مساعدة نفسك اولاً بدلا من اضاعة الوقت بمساعدة الآخرين ! فأنت تحتاج لهذا كثيرا"

اومأ برأسه مجددا بدون اي حياة وهو على وشك الرحيل قائلا بجمود
"سأعمل على هذا ، والآن اعذرني !"

قال بسرعة من خلفه وهو يوقفه بإمارات صارمة اعتلت تجاعيد محياه
"متى ستفكر جدياً بحياتك يا اوس !"

سكن بمكانه للحظات وهو يجيب بنبرة خاوية
"عندما تفكر بتركي وشأني"

ضرب على سطح المكتب فجأة وهو يقول بتجهم اكبر
"اوس انا لا امزح معك ! لقد اصبحت بعمر الثلاثين واكثر وانت بلا هدف ولا عائلة تحمل اسمي ، ألا ترى بأنه قد حان الوقت المناسب لتبني لنفسك عائلة ترث مجدي وتكمل مسيرة اعمال العائلة !"

حرك رأسه جانبا وهو يبتسم شبه ابتسامة ساخرة قبل ان يهمس باستهزاء خافت
"احلامك كبيرة جدا يا ابي ! انا ارى بأن تضع هذه الاحلام برجل آخر من رجالك الوفيين ، لكي لا نظلم انفسنا ونتأمل بشيء مستحيل المنال ، فأنا متأكد بأنه لا احد سيقبل بصنع علاقة معنا سوى فاقد العقل او الأهل"

زاد من تقطيب حاجبيه بجمود لبرهة قبل ان يلوح بيده قائلا بجدية
"ولما قد يكون مستحيل او بعيد المنال ؟ وهناك مئات العائلات سيتمنون الارتباط بنا ومن اكبر عصابات البلد ! فقط بإشارة واحدة مني استطيع ان اجعلهن يركعن امامك ليصبحن رهن إشارتك وخاتم بأصبعك ، انت فقط اطلب واختر التي تعجبك وكل شيء مستحيل سيصبح بمتناول يدك"

انحنت زاوية من شفتيه بارتخاء وهو يحاول السيطرة على الوجوم الذي احتل كيانه وتربص بروحه الباردة ، ليهمس بعدها بلحظات بقسوة حجرية سكنت ملامحه
"هل تظنني من الجنون لنظلم معنا فتاة اخرى كما فعلت سابقا ؟"

ارتفع حاجبيه ببطء متمهل اخذ منه لحظات قبل ان يهمس باشمئزاز ساخر ما ان ادرك فحوى كلامه
"هل تظن بأني قد ظلمت معي تلك المرأة العاهرة ؟ لقد كانت مجرد امرأة ضعيفة جبانة لم تستطع تحمل مسؤولياتها الزوجية ورعاية طفل لذا هربت بجلدها ! ولكنها للأسف قد اورثت جيناتها الغبية بابنها ليكون نسخة اخرى تافهة عنها....."

قاطعه بصراخ مفاجئ بمرارة انضحت بصوته بدون ان ينظر له
"كفى يا ابي ، لا اريد سماع اي كلمة تسيء لوالدتي بأي شكل !"

صمت للحظات بملامح متغضنة بجمود ليشيح بعدها بوجهه جانبا وهو يتمتم بجفاء
"يا لك من احمق ! ما تزال تدافع عنها بعد ان تخلت عنك وهربت ! كما كنت تدافع من قبل عن عائلة عمك بعد ان توقفوا عن الاعتراف بك ، حقا ابن والدتك الغبية !"

سكنت انفاسه بضيق منهك وهو يشدد على يديه بجيبي بنطاله ليصلب بعدها جسده بلحظة خاطفة قبل ان يكمل طريقه لخارج الغرفة هامسا بآخر كلماته بنفس البرود الذي عاد لتلبسه
"تصبح على خير"

اكمل طريقه بالممر الطويل وهو يرفع يده بارتجاف ليدلك على ذراعه الآخر بخدر مؤلم عاد ليلازمه من جديد ، ليتوقف بعدها عن السير وهو يريح جسده بالجدار بجانبه بإرهاق استبد به واخذ كل ذرة طاقة بداخله ، لينظر عاليا جدا وعقله يموج بأفكار زرعها والده بداخله مثل السم والذي ينخر جسده على الدوام حتى يخضع لحكمه ويخر صاغرا له ، وكل هذا قد بدأ منذ اللحظة والتي سحبته تلك اليد القاسية وهو يعاندها ويرفسها لتأخذه من البيت الدافئ والذي احتواه يوما بطفولته وهو ما يزال يسمع نداءه الباكي بلهاث انفاسه وتعثر خطواته
"اتركني وشأني ، لا اريد الرحيل معك ، اريد البقاء مع امي ومع اشقائي ، اريد الذهاب لهم"

ولكن صاحب تلك اليد والتي كانت تسحبه بقوة لم يرأف بحاله ولم يهتم لتعثر قدميه اكثر من مرة ، كما لم يهتم للهتاف الباكي من خلفه وتلك الأم تتوسله برجاء مكسور
"اترك الطفل يا متحت ، ما يزال صغيرا على فعل هذا به ! ارحم سنه الصغير !"

وبعدها لم يرى تلك العائلة بحياته وهو يلقى بمكان انعدمت الرحمة والرأفة به وفقد كل معالم الدفء بحياته ببرودة لم يتخلل بها الضوء يوما ، ليتوقف عمره عند العاشرة وتقريبا عند وفاة عمه (مصعب) ليسحب حينها من كنف العائلة والامان ليقضي باقي سنوات حياته بين ضرب وتوبيخ وقسوة حتى صنعت منه تلك الصورة المشروخة والتي وصل لها وزرعت بداخله على مرور الأيام ، ولن ينسى ذلك اليوم المصيري والذي قطع به كل علاقة تربطه بتلك العائلة التي احتوته وآوته يوما ، عندما توفيت ابنة العائلة الصغيرة ورفيقة لعبه وصديقته المقربة وكل ما كانت تمثله بحياته فهي لم تكن فقط ابنة عمه بل كانت افضل شقيقة صغرى من الممكن ان يحصل عليها ، وقد كانت وفاتها صدمة على الجميع وحسرة بقلوبهم المفطورة بها وعلى عمرها الصغير .

حينها بذلك الوقت عندما حضر عزائها ما يزال يذكر نظرات شقيقه الكبير (جواد) والذي كان يشيعه بها ويغذيها بحقد شعر به على بعد امتار بمأساوية اللحظة والتي كانوا يعايشونها بتلك الفترة ، ليتذكر كلماته الخافتة بحقد وكراهية حملهما معا والتي همس بها على مقربة منه ما ان حاول التواصل معهم
"إياك وان اراك مرة اخرى او ان ألمحك بالقرب من عائلتي ، فنحن الآن لم يعد هناك اي صلة تربط بيننا وبين والدك سوى الكره والنفور ، لذا حاول قدر الإمكان صنع المسافات بيننا والبقاء بعيدا عنا ، لأني اعدك إذا رأيتك مرة اخرى بعزاء شقيقتي او بالقرب من امي فلن امررها لك كما الآن ، سمعت يا ابن متحت !"

ما يزال يشعر بانتفاضته بعد كلماته وهو يصرخ به ما ان اعطاه ظهره بقهر مكبوت من حبس الدموع بروحه
"ولكنكم ما تزالون عائلتي يا جواد ! وعمتي هيام تكون امي والتي توفيت هي شقيقتي الصغرى غنوة ! كيف يهون عليك ان تقول مثل هذا الكلام لفرد من عائلتك ولشقيقك ؟...."

قاطعه بصرامة حادة جمدته بمكانه كما كل شيء يدور من حولهما
"لست شقيقي ولن تكون انت ابن متحت ! لا تنسى نفسك فقط لأننا اهتممنا بك بفترة انشغال والدك عنك ، فأنت بالنهاية ستعود لأصلك الحقيقي ولجذور والدك المرسومة بخريطتك الوراثية ، لذا لا تحاول اتخاذها حجة لتتقرب منا فنحن لم نعد نشكل بالنسبة لك اي شيء ولا عائلة عمك ، والآن اغرب عن وجهي لكي لا اريك شيء لن يعجبك يا اوس متحت !"

بعد تلك الكلمات القاسية رحل الذي كان يحتل مكان شقيقه الكبير بعائلته ومثله الأعلى بالحياة ، وهو يراقب بعينيه الحمراوين بحرقة الدموع الواقف بجانب والدته وهو يعانق كتفيها ويربت على ظهرها ورأسها مدفون بصدره ببكاء ونحيب مذبوح يشعر به ولا يستطيع مساعدتها او مواساتها بسبب الحاجز والذي بنى بينهما ، وهذه كانت آخر مرة يلمح بها تلك العائلة والتي فقد كل الحق بالاحتماء بها او طلب العودة لها .

افاق من افكاره وهو يدس السيجارة الجافة بفمه والتي وجدها بجيب سترته بدون ان يجد القداحة ، وهو يدخن هواء فارغ بدون فتيل يشعله شبيه بحياته والتي فرغت من جميع من تخلوا عنه وخرجوا من دائرة حياته ، ليغمض بعدها عينيه وهو يتذكر كلام والده عن غيابه الطويل بالليل والكذبة والتي نسجها من خياله ، ولكنها بحقيقة الأمر كذبة صادقة فهو حقا يعمل مع صديقه على بناء عيادة والفرق بأنها بمقابل فقد اصبح يعمل بوظيفة عامل مأجور وافضل ما استطاع إيجاده وعمل به لتكون نقطة يستطيع البدء بها وقلب صفحة جديدة بحياته خالية من اي اخطاء او ذنوب من الماضي وندوب من الحاضر ، وكل ما يتمناه ان يكتب له النجاح بهذه الطريق والتي اختارها بعد عناء طويل ، فهل ستكون بداية موفقة ام فاشلة مثل خطأ مجيئه على الحياة والتي لم يكتب له العيش بها بهناء ؟

______________________________
وقف امامها بملامح صارمة وهو يكتف ذراعيه بتصلب قائلا بأمر لا يقبل الجدال
"انا سأبقى ملازم هذا المكان ولن اتركه لأي ظرف ولا من اجل رضى غيري ، فهذه الموجودة بالغرفة تكون زوجتي انا وتخصني اكثر منكم ، وهذا آخر كلام عندي"

ردت عليه المقابلة له بشرارات حاقدة وهي تلوح بذراعها هامسة من بين اسنانها بقنوط
"اخبرتك بأننا لا نحتاج لخدماتك هنا ولا لوسائلك لتحسين حالة روميساء التي كنت انت المسبب بها ، لذا ارحل من هنا رجاءً وارحنا من وجودك الغير نافع والغير مفيد من كل الجهات ، فأنا التي سأبقى بجوارها وليس احد آخر غيري"

تصلبت خطوط ملامحه والتي اظهرت التعب والصراع والذي يعاني به منذ الصباح وهذه العلقة تزيد بؤس يومه مرارة وكأنه ينقصه وجودها وسماع تعليقاتها اللاذعة والتي تجيد تصويبها عليه ، ليشيح بعدها بوجهه جانبا بزفرة متعبة عبرت عن كل شيء يشعر به وهو يتبعها بالهمس بجمود ما يزال يحافظ عليه
"قولي ما تشائين يا ماسة ، ولكني لن اغادر من هذا المكان ، فكما هي شقيقتك هي زوجتي كذلك ! ولا تنسي بأنكِ انتِ ايضا لم تكوني معها بتلك اللحظات !"

احتدت ملامحها بلحظة بعواصف احتلت مقلتيها الزرقاوين وهي تشدد من القبض على يديها هامسة بخفوت شرس
"كيف تجرؤ على مقارنتي بحالتك ؟ انت يا سيدي تجاوزت بإهمالك واستهتارك حد خسارة طفلكما الأول وثقة روميساء بنفسها معك ! والآن حاول استعادة ثقتها بنفسها وبك ايها البطل المغوار"

اطبق على اسنانه بحالة من التماسك والثبات وهو يتحلى بالصبر بشق الأنفس قبل ان يفقد عقله وينسى مبادئه امامها ، ليقول بعدها وهو يوجه كلامه هذه المرة للساكن بمكانه يراقبهما بدون ان يشارك بحل الخصام بينهما
"شادي لا تبقى واقف هكذا مثل الاخرس ! حاول السيطرة على زوجتك العلقة فقد بدأ صبري ينفذ معها ويثور ، لك صبر ايوب حقا بالتعامل مع هذه المخلوقة !"

امسكت خصرها بتحفز وهي تحرك رأسها جانبا باستفزاز هامسة ببرود
"فقط العاجز عن الدفاع عن نفسه هو الذي يسمى بالأخرس ، كان الله بعون روميساء مع زوج معدوم الشخصية مثلك"

ضيق عينيه الرماديتين بحلول عاصفة وهو يقول بآخر صبر متبقي برأسه
"شادي"

تدخل الفرد الثالث بينهما لأول مرة وهو يقف بجوار زوجته قائلا بهدوء يحسد عليه وهو يفك التشاحن بينهما
"هذا النزاع الطفولي لن يفيد روميساء ولن يساعدها بحالتها ، انا ارى ان نستمع لكلام ماسة فهي عندها وجهة نظر سديدة ، بقاء ماسة افضل بجانب شقيقتها بما انها تعايشت معها وتفهمها اكثر منا وهي الآن بحاجة لوجود اقرب شخص لها بحياتها وليس من ضمن قائمة من تخلوا عنها بالماضي ، وانت يا احمد يمكنك المغادرة والعودة للمنزل واخذ قسط من الراحة حتى صباح الغد فأنت لم ترتاح على مدار ساعات العمل وبعدها ملازمة المشفى طول النهار حتى حلول الليل ، وايضا لا تنسى بأننا لم نخبر احد من العائلة عن قصة إجهاض روميساء ! وانت الشخص المناسب ليوصل لهم هذه الرسالة ويطمئنهم على استقرار حالتها ، فأنت لديك مسؤوليات اخرى عليك اتمامها بجانب الاهتمام بزوجتك يا احمد"

تغضن جبينه بغمامة كاسرة اكتسحت محياه بثانية وهو يتمنى بهذه اللحظة لو يتخلص من كل مسؤولياته الملقاة على عاتقه والبقاء بجانب زوجته لآخر رمق بحياته ، ولكن قدره ان يكون الابن الكبير للعائلة والذي يأخذ جميع الادوار بها برداء المثالية والذي عليه تقمصه دائما بدون اي سبيل للفرار ، قال بعدها بعدم اقتناع بحاجبين منحنيين بوجوم
"ولكني يا شادي احتاج بشدة للبقاء معها ، وايضا من سيهتم بتلبية احتياجاتها ومستلزماتها ؟....."

قاطعه (شادي) بهدوء وهو يبتسم برفق
"لا تقلق يا احمد فأنا موجود مع ماسة هنا ونحن لن نتخلى عنها ، وسنهتم بكل شيء يخصها من احتياجات وطلبات ، وليس هناك داعي للتعجل على رؤيتها فأنت غدا صباحا ستراها امامك وهي بصحة افضل وتبقى بجوارها !"

زفر انفاسه بنفس الوجوم لوهلة ليقول بعدها برضوخ يائس
"حسنا لا بأس ، سأعتمد عليكما بمهمة رعايتها ، لذا ارجو منكما ان تحرصا على الاهتمام بها جيدا وتخبرون بكل ما يستجد عنها"

تحركت التي قالت بكلمة واحدة ببرود جليدي
"واخيرا !"

انسحبت بعيدا عنهما عدة خطوات لتجلس على مقاعد الانتظار بجمود نحت على ملامحها الصخرية ، ليقول (شادي) بمواساة وهو يربت على كتف شقيقه بدعم
"لا تقلق من شيء يا احمد ، كل شيء سيكون تحت السيطرة ، ويمكنك الرحيل وانت مطمئن البال فزوجتك ستكون بين أيدي امينة"

اومأ برأسه بهدوء وهو يوجه نظراته لباب الغرفة قائلا بلهفة خفية
"حسنا اريد رؤيتها قبل ان ارحل....."

قاطعه الصوت البارد وهي تنظر بعيدا عنهما
"روميساء الآن نائمة بعد ان اخذت الدواء ، ولا نريد ان نزعجها بزيارة لن تغير شيء بحالتها !"

نظر لها (شادي) بضيق وهو يتنهد بيأس وكأنها مأمور شرطة يشرف على الغرفة بمنع اي مخلوق بدخولها ، ليتحرك بعدها الذي استدار بعيدا عنهم على مضض وهو يقول بتردد واضح
"لا تنسوا اعلموني بأي جديد يحدث مع روميساء ، وانا سأحاول غدا القدوم للمشفى قبل شروق الشمس"

اومأ (شادي) برأسه وهو يلوح له بيده بجانب رأسه بطاعة ، ليعود بعدها للكلام قائلا بسخط وهو يكمل طريقه بعيدا عنهما
"وحاول ايضا السيطرة على زوجتك العلقة بعيدا عن زوجتي ، فأنا لا اريدها ان تصبح نسخة اخرى عنها"

اخفض ذراعه ما ان اختفى شقيقه عن نظره ليلتفت بعدها للجالسة بمكانها بدون حراك وكأنها تمثال حي رسم من الرخام القاسي الغير قابل للكسر ، ليتنهد بعدها بوجوم وهو يتقدم امامها عدة خطوات قبل ان يقف بالقرب منها قائلا بجدية غامضة
"هل هذا اسلوب تتكلمين به مع زوج شقيقتك ؟ لقد كدت تتعاركين معه بنزال حامي وكأنه من عمرك !"

لم تظهر اي ردة فعل على محياها سوى لمحة ابتسامة هازئة وهي تهمس بخفوت
"لقد كنت احاول ان اكون قمة بالتهذيب معه ، ولكنه من كان يستفزني بتصرفاته الصبيانية"

ارتفع حاجب واحد بخفة وهو يقول بتعجب ساخر
"ليس هناك احد صبياني اكثر منكِ ! فقط اتمنى لو تتحلين ببعض الصبر والهدوء والحلم وعقلانية اكثر امام من يكبركِ عمرا ويتكلم معكِ بلباقة وادب"

التفتت نحوه بعبوس وهي تهمس بقنوط غاضب
"لم يتكلم معي بلباقة بتاتا ! لقد اطلق عليّ لقب علقة ، هل يعجبك ان يطلق الناس على زوجتك اسم علقة ؟"

تغلبت عليه ابتسامة متسلية بتمايل وهو يقول بحزن زائف
"حسنا انتِ تستحقين الحصول على هذا اللقب فقد كنتِ مستفزة بشكل لا يطاق حتى كدت اجزم بإصابة احمد بجلطة حتمية بأي لحظة ! ولولا ان احمد من النوع الهادئ الذي لا يتأثر بالوسائل المستفزة لكان قتلكِ وقطع لسانك ، واراهن بأن يكون هناك احد بالعالم يتحمل انقلاب مزاجك وغضبك الجانح والذي لا يقدر احد على الصمود امامه !"

حركت رأسها ببرود وهي تنظر بعيدا هامسة بتفكير شارد
"انت على حق لم يكن هناك احد يصمد امام غضبي واستفزازي قبل ان يعلن سريعا استسلامه امامي ، حتى حصلت على ألقاب كثيرة بسبب هذا الأمر طول مسيرة حياتي ، مثل مستفزة ، وقحة ، جريئة ، حرباءة ، صبيانية ، شفرة ، جرثومة ، متوحشة ، زرقاء"

عقد حاجبيه عند آخر كلمة وهو يهمس بحيرة واجمة
"ماذا تعني زرقاء ؟"

رفعت رأسها بانتباه وهي تبتسم بغرابة لتميل برأسها جانبا هامسة بحزن اسر عقله لوهلة
"لقد كانت كلمة ابتكروها اعدائي عندما فرغت كلمات الاستفزاز من رأسهم ، ليطلقوا عليّ كلمة زرقاء بسبب ان اللون الازرق يميل للحزن والكآبة والبرود بردود الافعال ومن اجل ان تناسب لون عيناي ، لذا اصبح لقب يخصني وحدي حتى اشتهر بكل مكان اذهب إليه"

تغضن جبينه بجمود وهو يفيق من هالتها التي سحرته كالعادة بلحظات حزنها النادرة ، ليخفض بعدها رأسه قليلا وهو يميل بنفس طريقتها ليصبح وجهها مقابل لوجهه لا يفصل بينهما سوى سنتمترات قليلة ليهمس عندها بابتسامة مسترخية بخفوت اجش
"ولكنهم لا يعرفون بأن اللون الازرق هو اجمل الألوان بالعالم والتي لا تليق سوى من يحمل سمات عينيكِ مثل تموج البحر بالعواصف وتلون السماء بالسحب ! وكل من يطلق عليكِ ذلك اللقب يكون من دافع الغيرة لا اكثر بسبب تفردك بلون عينان غير موجودة بأسواق العدسات"

انفرجت شفتيها لوهلة وهي تحاول تصليب نفسها بهالة قيدت حركة مفاصلها المتصلبة ، لترمش بعينيها بضيق ما ان شعرت بأنفاسه الساخنة تلفح وجهها وتطير خصلات غرتها الطويلة ، ليهمس بعدها بلحظات بخفوت مثير
"تعجبني خصلات غرتك الطويلة وهي تتمرد امام عينيكِ لتحجب الألوان عن ناظرها بعناد شبيه بصاحبتها !"

انتفضت فجأة وهي تدفعه بقبضتيها لتستقيم واقفة بلحظة قبل ان تلتفت نحوه لتلوح بسبابتها بوجهه قائلة بجمود
"إياك والاقتراب مني مجددا يا شادي الفكهاني ، فنحن الآن بمشفى عام وليس من اللائق ان نمسك بهذا الشكل ، لذا احفظ كلمات غزلك ولحظاتك العاطفية بمكان يتناسب مع الموقف"

وقف امامها بلحظة وهو يعض على طرف شفتيه هامسا من بين اسنانه بإثارة
"اعدك ان اردها لكِ مضاعفة يا ماسة"

غادرت من امامه وهي تلوح بذراعها هامسة ببرود مستفز
"سنرى يا شادي الفكهاني !"

دخلت بعدها لغرفة شقيقتها وهي تتركه واقفا من خلفها يتوعد لها بالكثير وبشوق جارف للخلوة معها كما ينبغي ولكن بعيدا عن كل مشتتات الحياة والتي اصبحت تقيد علاقتهما بسلاسلها المتينة ، وكل ما يطمئنه ويريح قلبه بهذه اللحظات بأنها قد عادت لحالتها السابقة المعهودة والمختلفة عن التي جاءت بها للمشفى وكأنه جنون من نوع آخر قد تلبسها وغير تصرفاتها الشبه طبيعية !

يتبع............


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس