الموضوع: الحب... إستثناء
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-01-22, 08:19 PM   #4

ندى.سعيدى

? العضوٌ??? » 494068
?  التسِجيلٌ » Oct 2021
? مشَارَ?اتْي » 4
?  نُقآطِيْ » ندى.سعيدى is on a distinguished road
افتراضي الحب.... إستثناء/ الفصل الثاني

2
نظر أيهم لما حوله بحذر، المكان مهجور ويبدو عليه القذارة، تقدم إلى بيت يتهاوى بالسقوط، دفع الباب بحدة هاتفا بحدة
_ أين هى؟!
وأخيرا إنتبه لجسد ملقى فى زاوية مقيدا، إنها إلينا تبدو هادئة،ترمش بحذر، وحين تقابلت أعينهما أشاحت ببصرها بعيدا، إعتقدت أنه أنقذها كما يفعل سابقا، لكن فى الحقيقة سينقذها لأنها هنا بسبب غبائه، ونظر إلى الشاب الذى إختطفها
_ أحمد لم أعتقد أن الأمر سيصل بك لإختطاف أشخاص لا علاقة لهم بالأمر!!
ليرد الأخر بلامبالاة
_لاأهتم، أنا أريد مالى، أنا أحتاجه وأنت تتجاهل رده لى.

تنهد أيهم بتعب، لقد إضطر للإستلاف منه كى يعالج أمه التى إنتكست صحتها فجأة، وهو يكافح ليعمل ويجنى المال، لكن الظروف ضده، فضغط على شفته السفلى كى لايطلق سبابا عنيفا إحتراما لوجود إلينا هنا، ثم أدخل يده لجيبه جاذبا حزمتان من المال مقدما إياها له
_هذا مالك، أعتذر عن تأخرى فى سداده.

خرج أحمد من المكان كأن شيئا لم يكن، بينما أيهم توجه ليفك قيدها، وللتو إنتبه إلى فستانها القصير الكاشف لجميع تفاصيل جسدها، ولم يشعر بنفسه وهو يضغط على كفها ليساعدها على الوقوف إلا حين إحمر مرفقها، فتراجع للخلف ماسحا وجهه بتعب، لقد أذاها وألمها وهى لم تتذمر، بل إلتزامت الصمت، فخرج متجاهلا إياها لتسير خلفه لكنها همست بضياع حين مرت بزقاق مظلم
_أيهم!!! أيهم ...أيهم هلا ساعدتنى!!! أنا خائفة...

توقفت خطواته السريعة، وشعر ببعض الذنب لأنه تركها رغم أنه يعلم برهبتها من الظلام، فعاد للخلف ممسكا بيدها خاذبا إياها بسرعة حتى يخرجا من هذا المكان الخطير الذى يضيق النفس.

حاولت إلينا مجارات خطواته قدر الإمكان لكنها تشعر بالألم والوخز الشديد فى قدميها العاريتان، فجذبت كف يدها بحدة صائحة
_توقف عن قيادتى كأنى ذبيحة.

تأفف بضيق، لم يكن بحاجة لفتيل كى يشتعل، فصاح بها معلقا على وضعها
_من حقى قيادتك، هل رأيت حضرتك ماذا ترتدين؟! ماذا لو رأك شخص؟! ماذا لو إعتدى عليك شخص؟! تكلمى؟!

إبتلعت ريقها، إن كانت هناك صفة واحدة سيئة فى إلينا فهى حين تكتفى بالصمت فى أسوء المواقف التى تتطلب صراخها، لذالك تراجعت خطوة للخلف ثم تنهدت بتعب
_ أعتقد أنى أعرف طريق العودة.

فغر فاهه على درجة تمالكها لأعصابها هذه، وبعدها جذب سيجارة سامحا لها بالمرور متحديا جنونها، لتسير بكبرياء غير مهتمة بعواقب فعلتها وهى فى الحقيقة لاتهتم، لذالك مشيت بلا إحساس، شردت فى تفاصيل الطريق، ولم تحس بالسيارة التى تمر إلا حين هتف فيها أيهم برعب من حادث كان وشيك، فشهقت بصدمة من زوجى الضوء الذى يحجب عنها الرؤية، غير أن جسدا قويا دفعها فى أخر لحظة، حاميا إياها من حادث سير.

وتحت وميض البرق، تمكن أيهم من رؤية إهتزاز حدقتيها برعب واضح، وتمكنت هى من رؤية هلعه وارتفاع صدره ونزوله بخوف واضح، وبدل أن يلومها وينفعل تنهد براحة ومسح على كتفيها بحنية
_هل أنت بخير؟!

أرادت أن تجيبه بنعم، لكن جسدها ترنح بتعب، ذالك أن نسبة السكر إنخفضت لديها، وهو كشف ذالك فاندفع ملتقطا جسمها مقربا إياها من أقرب رصيف كى تجلس وأمسك بكف يدها فاركا إياه بين كفيه لعله يبث لها الدفأ
_أخبرينى أين تقيمين؟! ربما المكان قريب من هنا، لأنه كما ترين لايوجد محل مفتوح لشراء شيء سكرى لك.
سحبت يدها بهدوء منه وابتسمت بهدوء
_لاتقلق، سأكون على مايرام لاتتعب نفسك بى.

تنهد بتعب من عنادها، إلينا مستعدة للموت مقابل عدم الإعتراف بضعفها أمام أحد ما، فنزع سترته مغطيا رجليها المكشوفة، ثم رفع قدميها نافظا إياهم من التراب وتكلم بصوته اللطيف
_ لما لاتتكلمى!! هل نحن متخاصمان؟!

زمت شفتيها بضيق طفولى فقرص خدها وانفجر ضحكا
_ إسمعى صحيح أننا لم نتفق فى أى فكرة لكن هذا لا يعنى أن تتكتمى حول كل شيء لدرجة موتك.
نفخت بضيق، وهربت ببصرها منه، ليوليها ظهره قائلا
_ هيا إصعدى على ظهرى...
سمع تنفسها المضطرب، فابتسم ملطفا الأجواء
_هيا مثل الأيام الخوالى.

إبتسمت له ببساطة ووضعت رأسها بين تجويف عنقه، ثم أحاطت يديها بظهره، فسمحت له بقيادة طريقها نحو المجهول متذكرة ذالك اليوم فى أول لقاء بينهما، إذ عادت لغرفتها بغيرة واضحة من سعادته بينما هى تملك كل شيء ولا يمكنها حتى الإبتسام مجاملة، بعثرت مكتبة قصصها، مزقت مابقى من ألبوم صورها، شتمت وبعدها إنفجرت فى نوبة بكاء، مالذى يملكه هو ولاتملكه هى؟!! ومازاد الطين بلة، أنها إتُهِمت بسرقة عقد من البيت، يعنى كما ظلمت شخصا بريئا ظلمها القدر، وانتبهت من شرودها على صوت أيهم
_هل تذكرين حين هربت أول مرة من بيتك، لقد تمكنت من إعادتك لمنزل أبيك بهذه الطريقة...

سمع إضطراب تنفسها، ثم تكلمت بما يخالج صدرها
_ أيهم...أنت لاتكرهنى صحيح!!! أنت لست مثل الجميع؟!
إلتفت إليها مبتسما، ثم توقفا أمام النزل الذى تقيم هى فيه، أراد أن يهمس لها أنه مجنون بحبها، لكنه تدارك خطأه فى أخر لحظة وأجاب
_أنا لايمكننى الغضب منك، لأنك صديقتى إلينا، أنت تملكين مكانة مميزة عندى.
كانت ليلة مميزة بالنسبة لكيلاهما، فليلتها عادا طفلين يتذكران مغامرات الطفولة، وكان دون إدراك منه يتغزل بشخصيتها، بينما هى بعفويتها تبدى إعجابا برجولته، وهكذا مع بداية يوم جديد فهما عادا كما كانا من قبل، مقربان.

.......................
_سلمت يداك ليلى....
_بالهناء والشفاء.
كانت خطيبته تتجنب النظر لعينيه، لأنه سيرى فيهما اللوم، وهو عارف ومقر بذنبه، لقد قضى وقتا ممتعا مع إلينا بينما هذه المسكينة قلقة عليه، فتنهد مخبرا إياها بكامل الحقيقة
_ليلى، أنت تعرفين أحمد صديقى!؟
أومأت برأسها بنعم، فابتسم مواصلا
_البارحة ليلا، بعد خلودك للنوم إتصل بى طالبا منى النقود التى إستلفتها منه لعلاج أمى.

وتلقائية رفعت عينيها متفحصة ملامحه باحثة عن أثر لعراك، ولتطمئن قلبها بأنه بخير، فأمسك أيهم بكفها ماسحا عليه مسترسلا فى حديثه
_ لم نتشاجر، كل مافى الأمر أنه إختطف صديقا لى مقابل المال.
_هذا غير عادل!!

هتفت باستنكار واضح، ليواصل ماسحا على يدها مطمئنا إياها
_لاتنفعلى فالأمور كلها حلت، هذا الصديق كان إلينا.
لتقاطعه بغيرة واضحة
_من الجيد أن الأمور كلها حلت.
نبرة الجفاء فى صوته جعلتها يدرك أن ليلى خصمة لايستهان بها إن نفاستها أنثى على قلبه، وخفف من الأجواء حين أخبرها بسر
_قبل ذهابى لهناك إتصلت بى أمها، قدمت لى النقود اللازمة، وعقدنا إتفاق.
_إتفاق!!!

أومأ برأسه مؤكدا، ثم وقف متوجها للنافذة لعل الهواء البارد يعيده لتفكيره السليم
_والدتها طلبت منى إعادتها للمنزل مقابل تقديم عرض عمل فى إحدى البلدان الخارجية، فرصة مثل هذه لاتعوض...لكن...
قبض على يديه وهو يصفع نفسه بمدى سوء سلوكه
_لكنى لاأريد أن أخونها، فى النهاية أنا صديقها الوحيد.

إبتسمت ليلى لصراحته وطيبة قلبه، فمادام قد أخبرها بكل شيء، معنى هذا أنها تعنى له الكثير، فوقفت متوجهة لمكانه واضعة يدها على كتفه مساندة إياه فى قراره
_أنت ستفعل سلوكا نبيلا، إعادة لم شمل العائلة، أليس هذا عظيما!!! بالنهاية إلينا ستنسى كل شيء بمجرد خروجها للسهر، أو سفرة سياحية، هى لم تكن يوما وحيدة، نقودها تجعلها مالكة للجميع، هى فقط أنانية تتهم الجميع كونها وحيدة كى تبقيكم فى صفها مثل الحاشية، أتساءل فقط كم من شاب يقول نفس كلامك المشفق عنها؟!

نظر لها بغير تصديق من تحليلها لوضع إلينا إنطلاقا من أحكام مسبقة، فتساءل
_ أهذا رأيك؟!
_أجل، بالنهاية بعقد العمل ستعالج أمك، ستعوض لها تعبها، لاتكن أنانيا أنت أيضا وتخذل أمك.
كلامها الأخير أقنعه، هو قد يفعل المستحيل لأجل الخروج من الفقر، الفقر ليس عيبا، لكنه كالوباء القاتل، يغلق عليك أبواب التنفس والراحة، يضيق عليك الخناق، حتى تموت متعفنا.

إبتسم لها أيهم ثم نظر للوقت فى ساعته وخرج متحججا بالعمل، يشعر بالراحة لأنه أعلم ليلى بلقائه بصديقته، لكن على من يكذب؟! ومن يخدع؟! داخل أعماقة، فى تلك الظلمات، تحتل إلينا مكانة قوية، والبارحة تأججت شعلة الحب، ربما خطيبته محقة، إلينا توهم الجميع أنها وحيدة، من يدرى، لقد غابت خمسة سنوات!! إنهما التناقض بعينه، هو يعرف أن مبادئه صحيحة وسليمة، بينما إلينا لن تتنازل أو تغير من مبادئها مهما كلف الأمر، إذن فى نهاية المطاف مهما تقدم الزمن سيبقيان فى نفس النقطة، لاهو يملك جهد التقدم لها، ولاهى تملك قدرة التنازل والإقتراب، أفق ياأيهم وضعكما مستحيل، لايمكن لشيء ثابت أن يتغير، الثابت ينكسر، لكن لايلين.
...........................

ضيقت إلينا عينيها بسبب طول فترة شرودها فى الأفق البعيد، تشعر بتبعثر أفكارها، لولا أيهم لماتت البارحة بسبب إنخفاض نسبة السكر لديها، هى مهملة لنفسها؟! نعم هى كذالك، ثم إنفجرت ضحكا، ماذا فيها لو خسرت حياتها؟! هل سيتغير شيء؟! لا، هل سيحزن أحدهم لأجلها؟ لا، هل سيتوقف الزمن؟! بالتأكيد لا، إذن لاخسارة من موتها، تذكرت كيف طلب منها أيهم البقاء حتى موعد زفافه، حين اوصلها للنزل، تذكرت أن موعد طائرتها قد فاتها، لكنه ترجاها أن تبقى، صفعها بحقيقة إرتباطه بأخرى، لكن هذا لم يغير شيئا، فهى متعودة على رحيل الجميع.

"أجلى سفرك حتى موعد زفافى"
"زفافك!!"
"أنت تعلمين أن الدنيا لاتقف على أعتاب باب أحد، أنا شخص موضوعى أتأقلم مع المتغيرات، تقبلت رفضك لى، فى النهاية ارتبطت بليلى إبنة خالتى"
فاجأته بردها الغريب، فهى إبتسمت له بغموض وعلقت
"خيرا فعلت، أنت شخص ناجح لأنك تتجاوز مايزعجك، سأعمل على أن أكون مثلك، لكنك تعرف الفرق، أنا أقف على كل حادثة وكلمة، أنا لا أنسى ولاأتناسى"

نظرت إلينا إلى رعشة يدها، الجو ليس بارد، وبالتأكيد هذا ليس بسبب نقص السكر، هذا بسبب صدمتها، حتى أيهم صديقها وجد بديلا لها! هل هى وحيدة؟! نعم هى كذالك رغم أن كل ذرة من عقلها تصيح أنها لاتحتاج لمن يهتم بها، ولن تحتاج، وتحت وقع بعثرة أفكارها دلفت إلى داخل الغرفة بدل بقاءها فى الشرفة وصبت لنفسها كأس نبيذ، جولة من الثمالة، جولة من عالم وردى أمر جيد، لكنها لاتريد الهروب، لاتريد الكذب على نفسها أيضا، مما تريد الهرب بالضبط؟ ألم تختر البقاء وحيدة بمحض إرادتها؟! غير أن الطفلة الصغيرة التى بداخلها أجابت " هم من البداية رفضوا التمسك بك"

رمت إلينا بكأس النبيذ فى الحائط معبرة عن سخطها، وحملت سترتها وحقيبة ظهرها لتخرج من هذا السجن الذى وضعت نفسها فيه.

سارت فى شوارع لاتعرفها، ودخلت فى أزقة غريبة، ترى الجميع أزواجا إلا هى وحيدة، ترى السعادة على وجوه الجميع، إلا وجهها، فلم تهتم، ودست يديها بجيب سترتها لتوقف الإرتجاف المفاجىء الذى إنتابها، وفجأة توقفت حين أحاطت بها تخيلات لأشخاص تكرههم ويكرهوها، أبيها، جدتها، زوجة أبيها، صديقاتها، زملاء العمل، أيهم، خطيبة أيهم، أطفال الحى و....

لتنطلق راكضة بكل مالديها، ستهرب، ستنجو بنفسها من دوامة وحدتها، ستعيش لأجل نفسها، ستحلم وتفتخر بنفسها، سترمى كل أفكارها الغبية بعيدا عنها، هذه هى إلينا، بعد مصارحتها لنفسها تعود قوية كما لم تكن من قبل.

وحين أحست ببعض الدوار نتيجة لإنخفاض السكر لديها، توجهت لأقرب مغازة موجودة، تجولت فيها باحثة عن أفضل شيء قد يسعدها ويحسن ميزاجها، فاشترت العديد من أكياس رقائق البطاطا، لدرجة أنها لم تتمكن من رؤية أي شيء أمامها، لهذا إصطدمت بجسد ضخم، لتسقط أرضا وجميع مشترياتها متبعثرة، لتتأفف وتنهض نافضة ثيابها من غبار وهمى وبعدها تعاود جمع مشترياتها غير مهتمة بالجسد الذى أسقطها، وحين همت بالسير سمعت صوتا مألوفا يناديها، لكنة مميزة لم ولن تنساها ماحييت، فازداد شحوبها واصفر وجهها وهى تقول بخفوت
_أ..أبى!!
..................
_كيف يمكننى إعادة إلينا لك ياسيدتى؟!
مسحت علياء وجهها ببعض الحيرة، إمرأة تملك جمالا ساحرا، إنها نسخة من إلينا فى كل شيء، حتى فى الملامح وطريقة الجلوس والإنفعال، كان على شخص دقيق مثل أيهم ملاحظة هذا، لكن السؤال المطروح، لما لم تظهر والدتها طيلة الثلاثة عشر سنة التى رافق فيها إلينا.

بدا على علياء الحيرة، فسألته
_ أنت تعرف طباعهها، مارأيك هل ستتقبلنى؟!
_للصراحة سيدتى، إلينا إنسانة لاتنسى، يؤسفنى إخبارك هذا، لكن ألاترين أن تدخلك متأخر جدا؟! إبنتك شخص مهمل لنفسه فهل ستسهتم بغيرها، هى وحيدة، دوما وحيدة، بغض النظر عما فعلته، فهى ستتجاهلك تماما، سيتطلب منك الأمر محاولات عديدة وعدم اليأس حتى تتمكن من تقبلك.
_كنت أعلم هذا، كنت أعرف أنها لن تسامحنى، ياربى ساعدنى...

أنزل بصره متظاهرا بتحريك السكر الوهمى فى قهوته المرة يتجنب النظر فى عينيها حتى لا يرى صورة إلينا، إلى أى مدى تأذت فتاته بسببها حتى لاتذكرها فى أى حديث، ولاحتى فى أسوء مواقفها، لو كان يملك النفوذ لأخذها رغما عنها وعن الجميع، لو كان قادرا فقط!! لكنها لم تعطيه فرصة حتى، واستغفر ربه إلى حيث جرفته مشاعره الغبية حين شاهد دبلة خطوبته، علامة إلتزامه بواحدة أخرى، ورفع رأسه حين تكلمت والدتها
_أريد إنقاذها من سوء نفسها، أريد الإعتذار لها عن كل ماسببته لها، أريدها أن لاتصبح مثلى، هى تعيش هكذا بسببى، أنا مذنبة فى حقها، صدقنى أنا سأعمل على تعويضها، سأحتضنها كما لم يفعل أحد، سأحبها كما لم يحبها أحد، إنها إبنتى، عليك أن تثق فى شعور الأمومة.

نفى برأسه ببعض السخرية
_ قد أثق بشعور الأمومة، لكن لاأثق بأفعالك سيدتى، طيلة فترة صداقتى مع إلينا لم تتطرق لذكرك حتى...إعتقدت أنك ميتة، لكن بالفعل أنك ميتة بالنسبة لها على مايبدو.

أرادت التكلم والدفاع عن نفسها، لكنه رفع يده موقفا إياها
_أنا لاأحاسبك، أنا فقط أقدم لك صورة صغيرة عن حقيقة الوضع وصعوبته، قد لايعنينى الأمر، لكن صدقا لو لم يحتويها أحد يوقفها عن جنونها فصدقا ستواصل إحتراقها داخليا حتى تتحول لرماد وتندثر.

سمع شهقات والدتها الباكية، وتساءل فى داخله عن مدى فداحلة فعلتها حتى تنساها طفلة مثل إلينا، وانتفض كيلاهما على رنة هاتفها، لترد عليه وتزداد وتيرة دموعها نزولها وهى تسقط الهاتف قائلة
_إلينا فى المشفى!!.
..................................

راقب حامد تحرك الممرضات فى كل مكان، لكن لا أحد يخبره بحال إبنته، تفاجأ حين قابلها فى المغازة، بعد غياب دام سبعة سنوات، هكذا يلتقيان كالغرباء!! وردة فعلها تلك!! كان يتقدم نحوها بشوق بينما هى تتراجع بذعر، حالتها كانت هسترية، جسدها ينتفض رغما عنها حتى فقدت التحكم فى أطرافها لتسقط الأكياس ثانية، هربت بعينيها منه، هل تخافه!! تمنى أن يموت قبل أن يرى فتاته هكذا؟! وبمجرد ماوضع يده على كتفها، سقطت أرضا كجثة هامدة، وفيما بعد أخبره الطبيب أنها تعانى من مرض السكرى، وضعها ليس خطيرا فهى لا تتعاطى مادة الأنسلين،وهذه أول مرة يكتشف مرض ابنته! وأعرب عن قلقه بشأن إهمالها لوضعها الصحى الذى ليس فى إستقرار، طلب منه رؤيتها، لكن الطبيب أخبره بصريح العبارة " أسف، المريضة أكدت وكررت أنها لاتريد من أى أحد أن يقابلها، وأنا قبلت بطلبها خوفا من تعقد وضعها الصحى"

أحاط حامد رأسه بيديه، واستعاد شريط ذكرياته معها، إلينا، تلك الفتاة التى كرهها لأنها ولدت منذ البداية أنثى، كانت مميزة بشعر أحمر ونمش فى وجهها، لكنه إستعار بها، كلام والدته بشأن المرأة ضعيفة، وهى ستدمر شرفه بجمالها الفاتن جعله يقصيها من حياته، تزوج بثانية وثالثة، لكن القضاء أصر على أن تكون الحضانة لديه بسبب رفض الصغيرة الذهاب للعيش مع أمها، لم يحترم رغبتها، بل كرهها، هى ستضع حدودا لحريته، والأهم زوجته سترفضها، لهذا بنى خطة غبية، سيجعلها تكره المكوث عنده وتعود لأمها، لم يعلم أن المسكينة لم يكن لها ملجأ، لهذا قبلت العيش فى جحيمه، لينتهى بها المطاف هاربة من المنزل حين بلوغها سن الثامن عشرة، وهو لم يكلف نفسه عناء البحث عنها مرددا "للجحيم، لو كان فيها خيرا لبقت".

ورفع رأسه على وقع خطوات قادمة نحوه، عرف الشاب مباشرة من ملامحه، بينما المرأة التى معه لم يعرفها، أيهم، إبن حارس القصر، صديق إبنته الوحيد
إقترب منه أيهم قائلا ببعض القلق
_ماذاوحصل لها؟! كيف ...

تنهد حامد مجيبا بصوت نادم
_قابلتها فى المتجر، وضعت يدى على كتفها فانهارت، إنها ماكثة فى غرفتها رافضة مقابلة أحد.
إستندت علياء على الحائط بانهيار وقالت بحزن
_هل تكرهك أنت أيضا؟

الأن فقط إنتبه لملامحها، تقدم إليها بغضب، تختفى لمايقارب خمسة عشرة سنة وتعود الأن، تبا له إن سمح لها بالبقاء، لكن نظرات أيهم القلقة نحو باب غرفتها أخبره أن هذا ليس للوقت المناسب للمواجهة.
.................

مسحت إلينا وجهها لعلها تخرج من حالة شرودها، لكن عقلها مازال متوقفا فى نقطة واحدة، أبيها!! كيف ظهر؟ لماذا ظهر؟ لابد أنه يريد معاقبتها على هروبها؟! سيكرر نفس الكلام الذى حفظته عن ظهر قلب " أنت لم تجلبى لنا غير الهم والعار والبؤس" سيحرمها من تناول الطعام، والدخول للحمام، سيرميها للبرد تحت المطر...

مجرد التفكير فى الأمر جعلها تشعر بالإختناق، فتوجهت للنافذة فاتحة إياها متنفسة بسرعة كأنها كانت فى سباق، تمنت لو أنها قادرة على البكاء لكن قلبها متحجر، هناك ضغط هائل يتراكم شيئا فشيء مجثما على قلبها، فقط لو إنهمرت دموعها كما كانت تفعل سابقا فسيخف عنها هذا الضيق، لكنها لن تفعل، سابقا هى ضعيفة، الأن هى قوية، قوية بمبادئها، عملها، مالها، والأهم قراراتها التى لن يثنيها عن فعلها أحد.
_ألن تكفى عن الهروب؟!

إلتفت إلى صاحب الصوت، لايعقل أنه أيهم!! كيف عرف مكانها؟ كيف دخل لهنا؟! هى لم تعد تفهم شيئا، وهو لاحظ إهتزاز حدقتها، وابتلاعها لريقها ببعض الدهشة، فابتسم مقدما لها كأس قهوة مثلجة
_هل هذه ستساعدك على الهدوء؟!

إبتسمت بفرحة من مفاجأته البسيطة، يعرف كيف يغير لها ميزاجها، ليت الجميع مثله، وهو لن يبقى هكذا لأنه مرتبط بأخرى! إذن مواصلة البعد أفضل لكيلاهما.
_هل سأحمله كثيرا؟
_أووه لقد شردت.

أخذت منه كأس القهوة ثم جلست على حافة الفراش مرتشفة منه بتلذذ، بينما أيهم حمد الله داخله بأنها لم تسأله عن سبب معرفته لمكانها، كل ماكتفت بفعله هو إبتسامة بسيطة باهتة، لم يعد يعنيها من الحياة والناس أى شيء.



التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 13-01-22 الساعة 07:52 PM
ندى.سعيدى غير متواجد حالياً