عرض مشاركة واحدة
قديم 09-01-22, 01:58 AM   #255

روز علي
 
الصورة الرمزية روز علي

? العضوٌ??? » 478593
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 720
?  نُقآطِيْ » روز علي is on a distinguished road
افتراضي

خرجت من السيارة وهي تنظر من حولها بتأمل صامت وهواء النسائم الربيعية يتلاعب بخصلات شعرها المتحررة مع غرتها التي تمردت امام عينيها وهو يلفح وجهها بنعومة مثل قبلات الصباح ، لترفع بعدها كفها وهي تبعد خصلات غرتها الملتصقة بعينيها حتى تتضح الرؤية امامها قبل ان تعود للتبعثر امام وجهها بعدم انصياع ، افاقت من سراب افكارها على قوة اليد المتسللة التي امسكت بكفها بدفء متناقض عن برودة الهواء المتراقص من حولهما وكأنه بصيص النور الذي انقشع بقاع الظلام والوحشة ليزيح ضباب الصقيع عن روحها بطريق خفي امتد بين قلبيهما .
سار امامها وهو يسحبها معه بصمت بخطوات متساوية مع دقة خطواتها وكأنهما يشكلان نفس إيقاع الخطوات ، وقفا بعدها امام سور الجسر الذي يصادف بأنه مكان تلاقيهما لمرتين على التوالي ليكون اليوم هو ثالث لقاء بينهما بنفس المكان ولكن الاختلاف بأن مجيئهما إليه كان بإرادتهما الحرة بدون تدخل الاقدار او الصدف بذلك .
كتفت ذراعها الحرة عند صدرها برعشة باردة وهي تشدد على طرف سترتها الجلدية هامسة بخفوت شديد لكي لا تفسد هدوء اللحظة
"وماذا الآن ؟"
ساد الصمت بينهما طويلا بثقل جبهات الرياح وبهدوء امواج البحر واللذان كانا يخوضان نزال حامي بينهما وهو يعبث بقلوب السامعين ، حادت بنظراتها نحو الساكن بجوارها بهدوء وهي تتأمل جانب وجهه الظاهر لها وهو يخفض جفنيه على عينيه بملامح اعتادت على الاسترخاء والبرود بحالة استقرار وهدوء تام وكأنه لا شيء يخوضه بحياته المسالمة والفارغة من الهموم والمآسي ، ولكنه بالواقع مجرد مرآة امام العالم يخفي بها الكثير من الاسرار وهي تحجب كل المشاعر بمكنونها بدون ان تتسرب للخارج بمهارة اجاد تقمصها ! فقط لو تعلم كيف ستستطيع سبر اغوار هذا الرجل الجليدي شديد الكتمان ؟
ضيقت حدقتيها الزرقاوين ما ان التقطت همسته الغادرة من شفتيه المتصلبتين
"هل اكتفيتِ من هذا التأمل ؟ فلن تصلي لشيء حتى لو حاولت ذلك !"
ارتفع حاجب واحد بتعجب وهي تهمس بخفوت مشتد
"هل اصبحت تجيد هواية قراءة الافكار ؟"
ارتفعت ابتسامته ببرود وهو ما يزال مغمض العينين ليهمس عندها بهدوء اجش
"لم افعل ، فقط معكِ استطيع ان اجيد كل شيء"
انحنت زاوية شفتيها بشبه ابتسامة وهي تهمس بخفوت ساخر
"كما تجيد كذلك اللعب بكلمات الغزل لتسرق قلوب الفتيات !"
شدد على يدها بقوة وهو يهمس بأمر حازم
"هششششش ، اصمتِ يا ماسة"
عضت على طرف شفتيها وهي تدير عينيها جانبا لتهمس بعدها بلحظات بصوت مغتاظ
"هلا توقفنا عن هذا الصمت واخبرتني بما تفكر بفعله ؟ ولما نحن هنا من الاساس ؟"
فتح طرف عينيه وهو يحدق بها بجمود قبل ان يتمتم بوجوم مستاء
"يا لكِ من قليلة صبر ! هل اصبح الهدوء الاستمتاع بأصوات الحياة صعبا عليكِ ؟"
نظرت للأمام بهدوء وهي تهمس بلحظة بعدم اهتمام
"يبدو بأنني شخص صعب الارضاء"
زفر انفاسه بهدوء وهو ينظر لها هذه المرة عن كثب قائلا بابتسامة جادة
"حتى لو كنتِ كذلك فلن اتوقف قبل ان انال هدفي منكِ !"
اخفضت عينيها قليلا وهي تحدق بحذائيها الرياضيين هامسة بلا مبالاة
"افعل ما تشاء ، ولكن تذكر عليك بالانتهاء بغضون عشر دقائق فقط قبل ان تعيدني للمنزل"
نظر لها للحظات قبل ان يفلت كفها وهو يتقدم امام سور الجسر عدة خطوات ليسند عليه مرفقيه بصمت ، نظرت بعدها نحوه بعينيها الواسعتين بضباب توسع بداخل روحها وهي تقبض على كفها الفارغة بجمود خاوي .
تنهدت بهدوء وهي تسير للأمام خطوتين قبل ان تصبح بجواره لتسند عليه مرفقيها مثلما يفعل ، قال بعدها بهدوء وهو يقطع صوت هياج البحر اسفل الجسر
"اسمعي صوت البحر يا ألماستي وتمعني به فهو من يبتلع احزاننا من جوف المعاناة ومشاعرنا المدفونة بواقع الحياة ليعيدنا مجرد اطفال عراة مولودين بالحياة لأول مرة ، لذا اغتنمي هذه الفرصة بالإفضاء له بكل ما يعتمل بداخلك وبكل انفعالاتك الداخلية التي تضيق بكِ بالحياة ، لا تتركي شيء محبوس بداخلك بل حرريه واطلقيه بأمواج البحر فهذه فرصتك لعيش الحياة الفريدة والحرة بدون اي قوانين او قيود تحد من طاقتك المختزلة والتي كتمتها سنوات طويلة"
التفتت نحوه برجفة خاطفة وهي تهمس بشفتين مرتجفتين بانفعال
"ماذا يعني هذا الكلام ؟"
حرك رأسه قليلا وهو يتابع كلامه بابتسامة اتسعت بهدوء واثق
"اليوم سأقدم لكِ يوم حر تستطيعين به فعل ما يحلو لكِ من جنون ورغبات تتمنين بخوضها والحصول عليها ، وانا اليوم متفرغ تماما لكِ وعلى اتم الاستعداد والتأهب لتقبل اي جنون او تفريغ طاقة قد يصدر منكِ ، لديك اربع وعشرين ساعة لعيش الحياة المتهورة بكل انطلاق وبذراعين مفتوحتين ولن يوقفك احد عن فعلها ، وانا اعدكِ بأن احاول مساندتك بهذا اليوم والذي سيكون به شادي لكِ فقط ، لذا افعلي كل ما يخطر ببالكِ يا ماسة فأنا لن امنعك"
انفرجت شفتيها بارتجاف وهي ترفع حاجبيها بآن واحد قبل ان توجه نظرها لأسفل الجسر وهي تهمس بهدوء مفكر
"تقصد استطيع فعل اي شيء ارغب به مهما كان !"
اومأ برأسه بقوة اكبر وهو يهمس بخفوت عميق
"اجل يا ماسة اي شيء"
عقدت حاجبيها بهدوء مترقب وهي تحدق بأمواج البحر المرتفع هامسة ببساطة
"كم يبلغ عمق البحر ؟"
عقد حاجبيه بحيرة غزت ملامحه بثانية وهو يلتفت بوجهه قائلا بجمود
"هل هذا سؤال ؟......"
بتر كلماته الاخيرة لوهلة والتي انحبست بفورة انفاسه وهو يشاهد الجسد الذي ارتفع فوق سور الجسر بخفة الريشة قبل ان يقفز بعيدا بلحظات معدودة وهو يهبط بسلاسة لعمق المحيط والذي تلقفه بسهولة بين امواجه العالية ، تنفس بتهدج منفعل وهو يفيق على الوضع الحالي وعينيه تجوبان البحار ذهابا وإيابا بحثا عن الكائن الذي انغمر بداخله بدون ان يتبقى له اثر وكأنه فص ملح وذاب ! ليمسح وجهه بكفيه باستغفار وهو يستعيد المشهد امامه والذي حدث من لحظات وكأنه مشهد هزلي قصير من فيلم تافه ! اخفض بعدها كفيه وهو يأخذ وضعية الاستعداد بدون ان يفكر لثانيتين بوضع اخذ قلبه هو زمام الأمور وحجب اي صوت لعقله ، ليقف بلحظة فوق سور الجسر قبل ان يلقي بنفسه لعمق البحر كما فعلت بجنون دفعه ليسير على خطاها .
غاص بداخل البحر وهو يسد انفه بيد وذراعه الاخرى تتحرك بالمكان وعينيه ما تزالان تبحثان عنها مثل جوهرة غالية ضاعت منه بوسط المحيط ، ليلمحها بعدها على بعد امتار اخذت انتباهه وسمرته عن الحركة للحظتين كانت كافية لتقلب كيانه وتعيث الدمار بكل مكان داست عليه ، وكل هذا وهي تبادله النظر بالمثل بعينيها الواسعتين بلون زرقة المحيط السابحين به وهي تعوم فوق تيارات البحر التي اثارتها من حركة جسدها او قد تكون من ذبذبات خاصة بجسدها المميز بكل شيء والذي يجيد السباحة بمهارة !
افلتت منه شهقة وقد نسي حبس انفاسه بعد ان وقع اسير موجتها المجنونة التي قد تغرقه بقاع المحيط ، ليلتقط بعدها إشارتها وهي تحرك اصبعها الخنصر عاليا باتجاه سطح المحيط بدعوة ليسبح معها خارج البحر ، تحرك من فوره وهو يسبح عدة امتار قطعها بثواني قبل ان يخرج رأسه فوق السطح وهو يأخذ عدة انفاس بعد ان نقص منه الاكسجين بسبب لحظة غفلة ، ليبحث بسرعة بعينيه عن اثرها وهو يلتقط رأسها التي برزت من بعيد قبل ان تخرج كاملة بلحظة لتتبادل عندها النظر معه طويلا وابتسامة متسعة تألقت على شفتيها الدمويتين بسعادة الجنون ، وحال لسانه يردد بداخله بوجوم عابس
"ما لذي فعلته بنفسي ؟"
خرجت من البحر على سطح اليابسة وهي تعصر خصلات شعرها بقوة بعد ان تبللت بالكامل ، بينما الذي خرج من خلفها وهو يتنفس بلهاث جائح كان ينقض عليها بلحظات وهو يديرها نحوه بذراع ليلوح بالذراع الاخرى عاليا باتجاه الجسر صارخا بغضب مستنكر
"ما هذا الذي فعلته للتو ؟ ألم يتبقى ذرة عقل برأسك ! ما هو تفسيرك للتصرف الذي بدر منكِ الآن ؟ يا إلهي ! هل انتِ مجنونة ؟ لقد ظننت ؟ لقد ظننت ؟......"
زفر انفاسه بفورة الانفعال وهو يحاول ترتيب كلماته الاخيرة بصعوبة الموقف الذي مر به ، ليتمسك بعدها بذراعيها بقوة وهو يهزها منهما بحركة خفت عن السابق وهو يصرخ بتهدج الغضب
"لماذا فعلتِ هذا يا ماسة ؟ هل تعلمين ما كان سيحدث لكِ لو انكِ لا تجيدين السباحة ؟ لكنتِ الآن جثة هامدة بقاع المحيط بدون ان ينجدك احد !"
حركت رأسها جانبا وهي تنفض شعرها المبتل هامسة بثقة
"انا اتقن السباحة جيدا ، وايضا انت الذي اخبرتني ان افعل اي شيء اريده وقد رغبت بفعل هذا بشدة"
اطبق على اسنانه بجمود وهو يقربها منه اكثر حتى اصبح على بعد شعرة منها وهو يهمس امام وجهها بغضب ثائر تملك به
"انا لا امزح معكِ يا ماسة ! فهذا الموضوع بالغ الاهمية ولا يوجد تلاعب به ! ماذا كان سيحدث لكِ لو لم تستطيعي السباحة جيدا او فقدت وعيكِ وانتِ تحاولين العوم ؟ ألم تفكري بهذا وانتِ تقذفين بنفسكِ بالبحر يا معتوهة !"
طرفت بعينيها عدة مرات حتى سقطت قطرات المحيط عن رموشها لتنزلق على بشرة وجهها حتى وصلت لشفتيها الدمويتين وهي تتبعها بالهمس بابتسامة شاحبة بثقة
"اعلم بأنه لن يحدث لي اي مكروه لأنك ستنجدني وتتلقفني بالوقت المناسب ، فأنا اثق بك يا شادي وثقتي بك لا تخيب !"
تشنجت ملامحه وهو يحاول تمالك اعصابه بشتى الوسائل بعد ان عبثت به بطريقة محترفة ، ليفلتها بعدها بطريقة باردة وهو يمسح على شعره بقوة يكاد يقتلع خصلاته ليهمس عندها بجفاء منخفض
"يا لجنونك ! لا اعلم متى ستدركين قيمة حياتكِ والتي اصبحت معلقة بغيرك ؟"
ضمت شفتيها بوجوم وهي تشاهد الذي ابتعد من امامها عدة خطوات قبل ان يستوي جالسا على طرف اليابسة بصمت مريب ، تنفست بعدها بتصلب وهي تعيد خصلات شعرها المبتلة لخلف اذنيها برتابة ، اخذت لحظات اخرى قبل ان تتحرك على مضض لتجلس بجواره على نفس المكان بصمت تام لا يقطعه سوى صوت تكسر الأمواج على طرف اليابسة وهي تجر معها كل ما تلامسه امواجها .
طوقت ساقيها بذراعيها بقوة وهي تهمس بخفوت مشتد
"هل انا مجبرة الآن على الاعتذار ؟"
حاد بنظراته نحوها لبرهة قبل ان يعود بنظره للأمام وكأن شيء لم يكن ، وهو ما جعلها تحمر غضبا لتهمس عندها بتشدق ساخر
"انا لم اخطئ بشيء لقد كنت اتبع كلامك السابق ، يعني انت الملام بيننا وليس انا !"
عاد لتجاهلها بصمت اطول وكأنه لا وجود لها وهو يريح مرفقه فوق ركبته المنتصبة بحالة جمود لا يقبل التسامح ، لتعض بعدها على طرف شفتيها عدة مرات بيأس قبل ان تهمس بلحظة بخفوت اشد خرج فوق صوت الامواج بلمسة رقيقة
"انا اعتذر"
خرج صوت الموج بقوة اكبر وهو يتكسر على محيط عالمهما وكأنه يشاركهما اهمية اللحظة والمشاعر المقتبسة من احاديثهما المضطربة بين دفء وبرودة وتوق ، اعتلت ملامحه ابتسامة مسترخية وهو ينظر لها بطرف عينيه هامسا بسخرية
"واخيرا تنازلتِ يا آنستي ! كان عليكِ فعلها منذ البداية بدل كل هذا العناد الشرس وتلبس رداء الكبرياء المغرور ، فلا ضير من تقديم بعض التنازلات بعلاقتنا بين الحين والآخر !"
كورت شفتيها بامتعاض وهي تهمس بكلمة واحدة بغيظ
"تبا لك !"
اشاحت بوجهها جانبا وهي تتنفس بانفعال غاضب لتحدق بعدها بالموج الهادر والذي هدئ من فورة مشاعرها المتداخلة بمفعول سحري ، اخترق بلحظة سمعها صوته الهادئ وهو يهمس ببرود
"من اين تعلمتِ السباحة ؟"
عقدت حاجبيها بشحوب وهي تتمتم بنبرة باردة بشرود
"لقد كان هناك بالمدرسة دورات عن السباحة ونوادي رياضية وانشطة ، لم اكن ارغب بالانضمام لأي من تلك النوادي او المشاركة بالأنشطة الرياضية فلم تكن جزء من هواياتي يوما ، ولكن هناك بعض من الفتيات الحاقدات قد ارفقوا اسمي بدورات السباحة علما بمعرفتهم بعدم رغبتي بالمشاركة بأي من تلك الانشطة الرياضية ، لذا ارغمت على اخذ دورات سباحة واللعب بالمسابقات الرياضية سنة كاملة وقد استطعت ان احرز ميداليات عديدة وجوائز بهذا المجال وبعد نهاية سنتي الثانية بالإعدادية خرجت منه نهائيا"
تغضن جبينه بتفكير جامد وهو يتمتم بغموض عابس
"كان بإمكانكِ الانسحاب منذ لحظة معرفتك بتسجيل اسمكِ بنادي السباحة ، ولكنكِ مع ذلك لم تفعلي واستمريت للنهاية ! لماذا يا ترى ؟"
التفتت نحوه بابتسامة متراقصة على طرف شفتيها وهي تهمس بمكر الثعلب
"لقد كنت اريد الثأر منهن وكسرهن بطريقتي لكي لا يحاولن الاستهانة بي مجددا ومحاولة منافستي ، لأن كل من يرفع راية الحرب عليّ ويكون البادئ انا بالمقابل سأرفع عليه راية النصر واكسر غروره العالي ، وهذا ما جعلني استمر بالمشاركة ولعب بذلك النادي حتى حققت النصر الذي كنت آمل للوصول له بنهاية الأمر"
حدق بها للحظات وهو يتأمل من جديد ملامحها الرخامية القاسية التي لا تقبل للخضوع او الانكسار بعد كل الذل الذي تجرعت منه والإهانات المتسابقة بحياتها مع زوج والدتها وعصابته ، ومع ذلك ما تزال تحافظ على روحها الشرسة القوية وكرامتها التي تفوق الجميع بدون ان تسمح للصغير او الكبير بتقليل من شأنها بقوة نادرة تناقض طبيعة بيئتها التي تربت بها من المستحيل ان يجد مماثل لها او تخلق عند احد ! فهو يعلم جيدا استحالة ان يخرج بشري حي وينجو بعد ان يتعرض للقليل مما جربته بتلك البيئة الملوثة والتي تخرج اسوء النوعيات من البشر بعد ان يفقدوا هوياتهم وحقيقتهم وتلوثهم دناءة العالم واهوائها بالحياة حتى يتدمروا كلياً ، ولكنها بالرغم من انها خرجت حية وحافظت على هويتها الحقيقية ولم تنجر مع معاصي البشر لم تستطع انقاذ روحها المبتهجة المحبة للحياة والتي فقدتها للأبد !
ابتسم بميلان طفيف وهو يهمس بجمود جاد
"تملكين سمات الاجرام منذ صغرك"
رفعت يدها وهي تعيد خصلة شعر طويلة عن جبينها لفوق رأسها لتعود للنزول امام ملامحها وهي تنفخ عليها لتطير عاليا هامسة بغرور
"شكرا على المديح"
عبست زاوية من شفتيه وهو يراقب حركتها العابرة التي اثارت الكثير بداخله قلب كيانه بلمح البصر...ليدور بنظره كالعادة بدون إرادة منه على ملامحها المرسومة بعناية ببشرتها الرخامية البيضاء والتي زادت تلألؤ ولمعان مع مياه المحيط والذي نحتها بدقة ابدع الخالق بصنعها....يتوسط ذلك الوجه انفها الطويل النحيف المرسوم بكبرياء مع عينين واسعتين بزرقة المحيط الداكن يتخلل به ألوان سماوية شاحبة غير مرئية سوى للناظر عن قرب تحتلها بحار من دموع تأبى تركها والسقوط بسحر خاص بها....ليكتمل مع شفتيها الحمراوين اللتين تنقلبان للون الدموي بكثير من الاحيان ممتلئتين بعض الشيء ومستقيمتين بالعرض لتتناسب مع رسم ملامحها الدقيقة...وإذا كان قد اكتشف من لحظة مهارتها وقوتها بالحفاظ على هويتها وكرامتها فقد اكتشف كذلك مهارتها بالحفاظ على جمالها وفتنتها من السرقة منها والذي استطاعت بحق الحفاظ عليه بدون ان يمسه احد او ينتهكه بسوء او حتى استخدامه كوسيلة بما لا يصح !
رفع رأسه عاليا عندما وصل لأفكار خطيرة وهو يتمتم بشرود عميق بقوة صوت البحر الهائج
"يا للإجرام الذي اراه ! انتِ لستِ مجرمة بعالم العصابات بل مجرمة بفتنتك والتي تستطيع هزيمة جيش كامل من الرجال بنظرة عابرة لهم !"
ادارت عينيها للأمام وهي تهمس بشبه ابتسامة ساخرة
"هل انا جميلة لهذا الحد ؟"
اخفض مرفقه عن ركبته وهو ينظر لها بجمود ليقول بعدها بهدوء بارد
"جميلة هذه الكلمة مجحفة بحقك ! فقد تجاوزتِ الجمال وتصنفتِ بخانة المجرمين بحق الجمال ، حتى كل افراد عائلة الفكهاني قد استطعتِ ان تفوقي جمال افرادهم بالرغم من انكِ اخذتِ لون اعينهم !"
ارتفع حاجبيها بوجوم وهي تشدد من ضم يديها امام ركبتيها هامسة بشرود
"اعتقد بأنك على حق بالرغم من شبهي الكبير بأمي فقد كان الجميع يرى بأني قد فقتها جمالا ، واعتقد بأن السبب يعود لشقاء الحياة والتعب بالعمل حتى اخذ الجمال من امي بالذبول تدريجيا والاختفاء حتى انتهت امرأة يائسة حزينة !"
صمتت الاجواء بينهما للحظات هدئ معها صراع الموج بحالة سكون ، ليقطع الصمت بعدها الذي اراح كفيه خلف ظهره وهو يهمس بنبرة بعيدة عن المرح غيرت ملامحه للهدوء المتصلب
"سأخبركِ الآن بسر يخص حياتي الشخصية لم ابوح به من قبل ولا اظن بأنه بهذه الاهمية ! ولكن مع ذلك اريد ان اخبركِ به الآن بما اننا اصبحنا متسالمين مع واقعنا ولا شيء يحيل بيننا بحياتنا الخاصة والتي اصبحت مكشوفة لكلينا"
نظرت له بتركيز شد انتباهها وهو يتابع كلامه قائلا بهدوء عميق
"انا بالواقع لدي والدتان واحدة منهما هي والدتي الجينية والتي ارتبطت بها بالحبل السري الذي يربط الجنين بأمه ، والاخرى والدتي الروحية التي ارتبطت بها برابط خفي امتد بين قلبينا وعلقنا ببعضنا بدون اي احكام وراثية او صفات ، القصة بالمختصر بأن والدي تزوج بامرأة تكبره بالعمر بخمس سنوات اختارها كبير العائلة بسبب الاعمال التي تربط بين العائلتين ، ولأنه لا احد يرفض امره وقوانينه الصارمة تسير على الجميع وافق والدي بدون ان يبدي اي اعتراض على الامر ، ولكن الذي حدث بعدها بسنوات وعند وفاة كبير العائلة قرر والدي الزواج للمرة الثانية من التي وقع قلبه بحبها ولأنه اصبح يدير كل اعمال العائلة بسبب انه الابن الوحيد لها لم يستطع احد مناقشته بقراره ، لذا تزوج ابي للمرة الثانية بكل سهولة على زوجته الاولى والتي تقبلت الأمر بكل هدوء وصمت وبدون اي تدخل من الطرفين فأهم شيء عند البشر ألا تحمل المرأة لقب مطلقة حتى لو تزوج عليها زوجها عشرات المرات ، وتلك المرأة التي تزوجها كانت فتاة صغيرة من عائلة بسيطة جدا اقرب للشعوب الفقيرة وهي تكون والدتي ، لقد عاشت المرأتين واولادهما بنفس البيت مع كبير العائلة لمدة ست سنوات تقريبا بدون اي مشاكل ، ولكن بعدها قررت زوجته الثانية الانفصال عنه فجأة لترى حياتها بعيدا عنه ما ان اكتشفت بأن عمرها يضيع هباءً بين جدران المنزل بدون فائدة وهي ما تزال صغيرة والعمر امامها طويل ، لذا بقيت تحاول مع والدي مرات كثيرة ليحررها ويطلقها حتى جعلت حياته عبارة عن جحيم ليخضع لها بالنهاية ويحقق رغبتها بالانفصال بكل تحضر وهدوء ، لترحل تلك المرأة تاركة كل شيء وراءها بدون ان تعير احد اهتمام وبدون ان تهتم لمصير الطفل الذي انجبته وبعدها تخلت عن مسؤوليته فقط لتعيش الحياة التي كانت ترغب بها منذ سنوات بعيدا عن كل الأقفاص والقيود"
كانت تشرد بكلماته بجمود بدون اي تعبير يسكن ملامحها وهي تفكر فقط إذا كان هذا من محظ الصدفة ام لعبة من القدر ؟ ولكن كيف يعقل ان تتشابه قصته مع قصتها باختلاف بين الوالدين والتي تشكلت بمعاناة زواج والده الثاني ومعاناتها بزواج والدتها الثاني ولكن الفكرة تبقى نفسها وهي تجربة الفقد بسن صغيرة جدا لا يدركون معناها ؟ ومع ذلك يبقى حاله افضل منها فقد انصفه القدر مع زوجة والد حنونة عوضته عن كل الحنان المفقود بعد رحيل والدته بعيدا لتكون له كل شيء خسره بحياته .
عادت بنظرها له لتصطدم بعينيه المحدقة بها بلحظة وهو يقول بابتسامة مستهزئة بهدوء
"يبدو بأن حياة بعض الناس لم تكن سهلة كما هو ظاهر"
ابتلعت ريقها بتخبط مرتعش وهي تهمس بأسى خافت
"هل حاولت رؤيتها يوما ؟ واين تعيش الآن ؟"
حرك رأسه للأمام وهو يلتقط حجر صغير من امامه هامسا ببرود
"لا لم ارها بعد ان تركتني بعمر الخامسة ، وقد كانت تعيش فيما مضى ببلد بالخارج مع زوجها الذي تزوجت منه فور انفصالها عن ابي"
ارتفع حاجبيها بانشداه وهي تستوعب كلامه الاخير بلحظة لتهمس من فورها بصدمة
"هل تقصد بأنها قد توفيت ؟"
رمى الحجر بعيدا على طول ذراعه حتى وصل لآخر الموج والذي سحبه معه ، ليقول بعدها بابتسامة جانبية بدون شعور
"اجل لقد توفيت منذ ثماني سنوات بالمرض عندما كنت بالثانية والعشرين من عمري ، وقد اخبرني ابي قبل وفاتها بأيام برغبتها برؤيتي لآخر مرة ما ان اكتشفت بأنها على حافة الموت ، ولكني قد تجاهلت الأمر بتعمد وتركت الأيام تسير بي وكأن شيء لم يكن ، وعندما قررت اخيرا الذهاب لها ورؤيتها كانت قد فارقت الحياة ورحلت قبل يومين بسبب تأخري بالوصول عليها كما هي تأخرت بالسؤال عني"
اتسعت مقلتيها الغائمتين لوهلة قبل ان تخفض نظراتها بشرود برمال اليابسة لتهمس بعدها بخفوت ساكن
"هل تشعر بالندم لأنك لم تحاول ان تسرع بالذهاب لها بالرغم من انه كان لديك الفرصة لرؤيتها ولكنك لم تسمح للفرصة بالمجيئ ؟"
قطب جبينه بجمود وهو يلتقط حجر آخر من على الارض اكبر حجما وهو يهمس امامه بابتسامة قاسية
"لقد شعرت بالندم بالفعل وكثيرا ايضا ، ولكنه سرعان ما سيختفي ويتلاشى بين مجريات الحياة واحداثها ومع الأيام لن يبقى منه سوى الذكرى والحزن الذي يرافقه ، ولكنه لا يقارن بالسعادة التي شعرت بها عندما جعلتها تجرب القليل مما شعرت به سابقا عندما انتظرتها ايام وسنوات لتشفق عليّ وتسأل عني حتى قتلت آخر ذرة امل من شغف الانتظار الذي انتهى واختفى بمرارة تبقى عالقة بالفم بطعم لا يزول"
شددت على ساقيها بقوة وهي تهمس مع نفسها بحزن تغلب على ملامحها الباردة والامواج تمسح بنعومة على سطح اليابسة وكأنها تمسح على آلامهما
"ولكنك مع ذلك مشتاق لها وبشدة وتتمنى لو تراها يوم واحد فقط تطلب منها الغفران والسماح لأنك هربت من مواجهتها ، فهذا ما اشعر به كذلك عندما افكر بوالدي والذي لا املك معه اي ذكريات سوى بعض الصور الموجودة بقطع من ورق تعيدني للوراء سنوات لأعيش طفولتي بها واتمنى لو اعود لتلك السنوات فقط لأعيشها ليوم واحد ! فقط يوم واحد !"
ابتسم بهدوء وهو يقذف الحجر عاليا ليهمس بلحظة بخفوت قاتم
"اشتقت إليها بشدة ! كيف لا اشتاق لها وانا الذي كنت احفظ تفاصيلها اكثر من نفسي ولم اكن سوى طفل بالخامسة ؟ فقط لو سمحت لنفسي برؤيتها ليوم واحد لكانت اشياء كثيرة تغيرت ومنها التخلص من الندم الذي يكاد يؤكلني ، ولكن اعود واقول بأن هذا هو القدر ومن نحن لنخالف القدر !"
انتفضت من شرودها على صوت الحجر الذي ألقى به بقوة ليسبب هذه المرة صوت مرتفع بمنتصف المحيط مثل شرخ سيحتاج للوقت لترميمه ، لترفع بعدها حدقتيها باتجاه الذي وقف على قدميه وهو ينفض التراب عن ملابسه قائلا بهدوء جاد
"هيا بنا يا فتاة لنذهب ، ام اعجبكِ الجلوس بالعراء هكذا وتأمل المحيط مثل المجانين ؟"
تنهدت بهدوء وهي تقف على قدميها لتنفض سترتها برفق هامسة بعبوس
"هل ما يزال لديك شك بأنك لست مجنون ؟"
التفت نحوها بنصف وجهه وهو يهمس بتصلب ساخر
"انتِ المجنونة بيننا وانا فقط احاول ان اجاري جنونك لكي نكون متعادلين"
حركت كتفيها باستخفاف وهي تمر من جانبه هامسة بغمزة ساخرة
"اجل واضح يا سيدي المحترم والمنصف مع زوجته"
عقد حاجبيه بجمود وهو يلحق بها بخطوات واسعة بدون ان ينسى شتم نفسه لأنه من فتح هذا النقاش منذ البداية .
وصل كليهما امام السيارة وهو يبحث بجيوب بنطاله عن مفتاح السيارة بدون ان يجده ، ليشتم بعدها بقوة وهو يفتش بجيوب سترته بدون ان يجد شيء كذلك ، ضرب بعدها إطار عجلات السيارة بقوة حتى لفت انتباهها وهي تهمس بحيرة
"ماذا هناك ؟ أليس مفتاح السيارة معك ؟"
امسك رأسه بغضب وهو يهمس بتفكير بائس
"اعتقد بأنه قد ضاع مني عندما قفزت بالبحر ، ولا اعلم كيف سأجده الآن ؟"
عقدت حاجبيها بتفكير وهي تهمس بعفوية
"هل تستطيع الاتصال بأحدهم ليحضر لنا مفتاح بديل عنه ؟"
اخفض يديه بسرعة وهو يخرج الهاتف من جيب بنطاله وبلحظة كانت تتسع عينيه بصدمة وهو يهمس باستنكار
"لا يا إلهي ! ليس انت ايضا !"
عبست ملامحها وهي تهمس بوجوم
"ماذا حدث هذه المرة ؟"
فتح غطاء بطارية الهاتف وهو يتمتم بضيق
"لقد دخل الماء بالهاتف ، لذا لم يعد يعمل"
ارتفع حاجبيها بتفهم وهي تهمس ببساطة
"هذا بديهي ، ماذا تتوقع ان يحدث بعد ان رميت نفسك بالبحر والهاتف بجيبك ؟ اكيد هذا ما سيحدث له فهو لم يصنع ضد الماء !"
حاد بنظراته نحوها بضيق تكاد تحرقها بنظراته وهو يحرك رأسه هامسا من بين اسنانه بانفعال حانق
"هلا اعرتني صمتكِ من سماع هذه التفاهات ؟ فأنتِ آخر شخص عليه ان يتكلم بعد كل ما اوصلته لنا وفقط المجنون هو الذي يقذف نفسه من اعلى الجسر !"
زمت شفتيها بامتعاض وهي تشيح بوجهها جانبا هامسة باستهجان
"لم يقل لك احد افعل كما فعلت المجنونة !"
شدد على اسنانه حتى شعر بصوت احتكاك انيابها وهو يحاول اعادة تشغيل الجهاز بعد فك البطارية وارجاعها بدون ان يجدي نفعا معه ، التفت نحوها بسرعة وهو يمد يده قائلا بأمر جاد
"اعطيني هاتفكِ يا ماسة"
لوت شفتيها بوجوم وهي تهمس بخفوت حانق
"ليس معي لقد تركته بالحقيبة بداخل السيارة"
قبض على يده الممدودة وهو يضرب بها زجاج السيارة بقوة هامسا بقنوط
"سحقا ! أليس هناك حل لهذا الوضع ؟ اي سيارة عابرة او مساعدة تنجدنا من هذه الكارثة !"
تغضن جبينه بصدمة وهو يشاهد التي سارت بعيدا عنه باتجاه الطريق ، ليهتف بسرعة من خلفها بصرامة قاطعة
"مجنونة عودي إلى هنا ! إلى اين تفكرين بالذهاب بهذا الوضع ؟"
توقفت قليلا وهي تلتفت بوجهها هامسة بخفوت بارد بجدية
"سأذهب لأبحث عن اي سيارة او مساعدة تخلصنا من هذا الوضع ، فلا تنسى هذا اليوم هو يومي الحر واستطيع ان افعل به كل ما ارغب فيه بدون اي اعتراض او قيود ، لذا إياك وان تقف بطريقي وكن عند كلامك ، وإذا كنت لا تريد المجيئ معي يمكنك انتظاري هنا عند السيارة"
ارتفع حاجبيه باستنكار ما ان اكملت طريقها بعيدا عنه ليمسح عندها بكفيه على وجهه مستغفرا ربه عدة مرات من هذه الكارثة المتجولة امامه ، وما ان اصبحت على بعد امتار منه بالطريق الفارغ نسبيا حتى سار نحوها بسرعة وهو يصل لها بثلاث خطوات واسعة ، ليمسك بلحظة بكفها بإحكام وهو يقول بخشونة هادرة مكملا طريقه معها بهدوء
"كم مرة اخبرتكِ إياكِ والسير وحدكِ بمكان مجهول لا تعرفيه ! انتِ فقط تنتظرين اي فرصة سانحة لكِ لتهربي مني وتعيشين حياتك المجنونة والتي ستعرضك للموت الاكيد بدون اي حس بالمسؤولية !"
كانت تسير معه بتناغم بدون كلام اختفت معه كل الاحاديث والتي فقدت معناها وجوهرها ليتبقى الصمت رفيق لهما مدى الحياة برقة المشاعر التي بدأت تتحرر من قيودهما بتسرب متمرد اطلقوا له العنان .
_______________________________
كان يسير معها على محاذاة الطريق والذي فرغ من المارة والمركبات تماما وكأنها واحة من الصحراء دخلوا لها وتاهوا برمالها المتحركة بدون سبيل للخروج ، وهو يتنفس بكل ثانية بفتيل مشتعل على وشك التسرب وحرق الارض ومن فيها ، وعينيه فقط تبحثان عن اي بصيص امل او إشارة على وجود حياة بطريق ممتد رسم بدون نقطة نهاية على ما يبدو بأن رسام هذه الخريطة كان يعيش بحالة يأس دفعه ليشكل هذا الطريق الخالي من اي بناء معماري او بشر .
توقف بجمود ما ان شعر بكفها تشد على سترته ليلتفت بعدها للخلف هامسا ببرود
"ماذا ؟"
رفعت كفها وهي تشير للافتة المعلقة على طرف الطريق لينظر عندها للمكتوب عليها والذي كتب بأحرف كبيرة وجود سكان على بعد عدة امتار ، ليحيد بعدها بنظراته نحوها وهو يهمس بضيق
"نبيهة جدا"
عاد للسير امامها عدة خطوات قبل ان يشعر بكفها وهي تسحب من قبضته خلسة ، وما ان التفت نحوها بتجهم حتى تسمر بمكانه وهو يراها تقف بمنتصف الشارع تفرد ذراعيها على جانبيها وهي تتهادى بخطواتها بتمايل وكأنها تسير على خيط غير مرئي ، عبست ملامحه بغضب بدأ باحتلال كيانه وهو يراقب اطراف الطريق الفارغ ليوجه بعدها نظره نحوها قائلا من بين اسنانه بتهدج غاضب
"ماذا تظنين نفسكِ فاعلة ؟ هل جننتِ لتقفي بمنتصف الشارع وكأنكِ تقولين للسيارات اقتلوني ؟ ألا تعلمين بأنه يمنع للبشر السير هنا فهو موجود لمرور المركبات وليس لنا !"
حركت رأسها جانبا طيرت الخصلات على كتفها وهي تهمس بابتسامة مائلة بمرح وكأنها تحتضن الحياة
"اعلم هذا جيدا ، ولكني دائما ما كنت اتمنى بصغري ان افعل هذا وقد وجدتها فرصة مناسبة لاغتنماها ، فهذا يومي انا واريد فعل كل ما كنت محرومة منه سابقا ورغبت به بشدة لأعيش حياتي ليوم واحد فقط ، وانت ليس لديك اي حق بالاعتراض لأنك من قرر بالبداية مسار هذا اليوم !"
قطب جبينه بجمود وهو يمسك نفسه عن سحبها وتقييدها بعامود بمنتصف الطريق ليتخلص من جنونها قليلا ويفكر بمهرب من هذه المصيبة ، ليقول بعدها بلحظات بكل هدوء ارتسم على ملامحه بحرفية
"اسمعي يا ألماستي هذا ليس الوقت المناسب للعب وإغاظتي وتذكيري بالكلام الذي فات ، فنحن الآن بمصيبة حقيقية تلزم علينا التفكير بها وإيجاد حل سريع لها بالوقت الراهن ، واعدك عندما نخرج من هذا المكان سأحقق لكِ امنيتك بعيش الحياة التي تشائين مهما بلغ مدى خطرها ، فقط بعد ان ننتهي مما نحن فيه !"
مالت ابتسامتها بأسى وهي تهمس بخفوت مستاء
"ولماذا لا تحقق امنيتي من الآن ؟"
ردّ عليها من بين اسنانه بلهيب حارق
"ماسة"
ادارت وجهها ببرود وهي تستمر بالسير بالطريق بنفس الخطوات المتمايلة وذراعيها مفرودتين للهواء هامسة بخفوت غير مبالي
"لا تقلق يا شادي لن استطيع ان اوقف سيارة تنوي قتلي ما لم يكتب لي عمر لأعيشه ! وإذا كان لدي فرصة اخرى بالحياة فلن اتوقف عن اغتنماها والاقتصاص منها"
ارتفع حاجبيه بجمود اكبر وهو يشعر بنفسه يكلم طفلة طائشة تريد الاستمتاع بأيامها الاخيرة من الحياة قبل ان تخرج روحها للسماء ! وهذا بحد ذاته يبعث الجنون برأسه ويحرق اوتار اعصابه بفتيل مستعر تلاعبت بأعواد ثقاب قلبه !
زفر انفاسه بهدوء وهو يشير بجانبه بأمر قائلا بآخر قشة مشتعلة برأسه
"تعالي وقفي بجواري يا ماسة ، لكي لا نفتعل فضيحة بمنتصف الشارع سنندم عليها كلينا......"
قاطعته بصرخة حماس وهي تشير بيدها باتجاه جهة معينة
"انظر يا شادي لقد وجدت بارقة الأمل التي ستنجدنا"
حاول الكلام قبل ان تسبقه بالجري بعيدا مثل الطلق باتجاه المكان الذي اشارت له ، ليلحقها بعدها بسرعة وهو يلمحها تقف امام سياج منزل محاوط بالشباك الحديدية ويملك بوابة كبيرة من قضبان عالية مثل اسوار السجن ، وما ان وصل لها حتى امسك بذراعها بقوة وهو يهمس بانفعال هادر
"ألن تتوقفي عن هذا الجنون ؟ لقد مللت من اللحاق بكِ وانتِ تقفزين من مكان لآخر وكأني اهتم بطفلة لم تتجاوز العاشرة !"
ارتفع حاجبيها بعبث وهي تربت على يده القابضة على ذراعها هامسة بمكر
"ألم تكن تقول عني بأني قليلة صبر ! ماذا حدث لك الآن ؟"
اطبق على شفتيه بكبت وهو يفلت ذراعها ليمسك بكفها بقسوة كادت تكسر مفاصلها ، لتعض بعدها على طرف شفتيها هامسة بقنوط
"قاسي يا شادي !"
ابعد نظراته عنها وهو يحدق بالمكان الحالي وبالمنزل المحمي بسياج حول حديقة كبيرة يظهر بناء المنزل بوسطها ، ليتقدم بعدها امام البوابة الخارجية والتي كانت مغلقة بقفل يدوي حديدي لا يفتح سوى من الداخل لكي لا يسمح لأيً كان بدخول المكان ، تجول بنظره حول البوابة للحظات وهو يهمس بحيرة واجمة
"يبدو بأن هذا المنزل محمي جيدا ، ومن سابع المستحيلات تجاوز هذه البوابة المسورة ، اعتقد بأنه لا امل لنا بهذا المكان"
اومأت برأسها بصمت وهي تحدق بقضبان البوابة هامسة بخفوت
"ألا تستطيع اخراج يدك من خلال الباب وفتح القفل ؟ فأنا اذكر بأن احدهم اخبرني بأنه يجيد فعل كل شيء عندما يكون معي !"
حاد بنظراته نحوها لثانية قبل ان يعود بنظره للأمام هامسا بجفاء
"ظريفة جدا !"
ابتسمت وهي تهمس بخفوت مستفز
"إذاً ألا تستطيع فعلها ؟"
زفر انفاسه لوهلة قبل ان يفلت كفها بتردد وهو يهمس لها بتهديد محذر
"إياكِ والتحرك من مكانك"
وقف بعدها امام البوابة وهو يخرج ذراعه من خلال فتحات القضبان ليصل للجهة الاخرى وهو يحاول الوصول لقفل الباب ، لترتخي بعدها مفاصله بتخدر مرهق وهو يهمس بيأس
"لا فائدة القفل بعيد عن متناول يدي !"
تشنجت ملامحه بألم ما ان شعر بشيء مسنن يمزق طرف قميصه وهو يرجع ذراعه بسرعة ، لينظر بعدها لطرف القميص عند مرفقه وهو يشتم بكبت
"سحقا لقد كان قميصي المفضل ! هل انتِ سعيدة الآن ؟"
عقد حاجبيه بتوجس وهو يلتفت بسرعة هامسا بخفوت
"ماسة !"
عندما لم يجدها مكانها رفع رأسه تلقائيا وهو يحدق بالكائن الذي يعتلي قضبان البوابة وهو يصعدها باستخدام يديه وقدميه مثل حركات القرود البرية ، اتسعت عينيه باستيعاب ضرب رأسه بلمحة خاطفة وهو يصرخ بلحظة بغضب جانح على وشك حرقها
"ما لذي تفعلينه بالأعلى يا مجنونة ؟ هل فقدت عقلكِ بالكامل ! ألم اقول لكِ لا تتحركي من مكانك ؟ لما لا تصغين للكلام ؟"
التفتت بنصف وجهها بصعوبة وهي تهمس بلهاث متسارع بحماس
"لا تقلق يا شادي انا فقط احاول ان اعيش حياتي كما احب واهوى ، انت فقط انتظرني هنا حتى اصل للجهة الاخرى من البوابة وافتحه لك"
تنفس بثورة اكبر وهو يشير بذراعه نحوها صارخا بغضب نافذ
"ماسة انزلي حالاً ، ارحميني وانزلي يا مجنونة ، هل تريدين ان تفقديني صبري يا فتاة ؟"
ولكن التي كانت تصعد بسلاسة بدون اي تفكير او خوف وصلت للجهة الاخرى من البوابة وهي تهمس بغمزة متحدية
"لا تخف عليّ يا شادي فأنا اعرف جيدا ما افعله !"
تجمدت ملامحه وهو يمسك بقضبان الحديد قائلا من بين اسنانه بتوعد ناري
"فقط عندما امسك بكِ اعدكِ بأن اذيقك الويل كما آلمتني !"
اومأت برأسها بقوة تطايرت معها الخصلات بتحرر منطلق وهي تمد ظهرها للخلف باستعداد وتأهب للقفز ، وبلحظة كانت تقفز بعيدا عن القضبان بحرية وهي تنزل على الارض برشاقة لتستوي واقفة على قدميها بوضعية الهبوط وكأنها تمارس رياضة مجنونة خاصة بها وحدها لا يتقنها سواها .
اخرج انفاسه بزفير متعب وهو يريح جبهته على قبضته الممسكة بالقضبان الحديدية بحالة سكون وكأنه يحاول ضبط مشاعره الثائرة والتي اجادت اشعالها وحرقها وتبريدها بآن واحد تحت بركان خامد ، ليعود بعدها لتدفق البركان بداخله بحالة نشاط وهو يستمع لصوتها الخافت ببحة رقيقة وكأنه يسمع اسمه منها لأول مرة
"شادي"
رفع رأسه ببطء وهو يصطدم بوجهها القريب منه لا يفصل بينهما سوى القضبان العالية المسورة بشباك حديدية بينهما وكأنها حدود علاقتهما المؤلمة والتي لا يستطيع اي منهما تجاوزها لكي لا يصله الاذى ويكون رفيق له ، تنفس بجمود اجتاح كيانه بلحظة وهو يقبض على يديها الممسكين بالقضبان بتقييد محكم ليهمس بكلمة واحدة بحدة ثائرة
"لن ارحمك !"
شقت ابتسامة ساخرة شفتيها وهي تهمس باقتضاب
"إذا بقيت هكذا لن استطيع فتح الباب لك ! وبالمقابل سنبقى عالقين هنا ولن تستطيع الوصول لي مهما حاولت !"
شدد على يديها اكثر حتى سمعت صوت احتكاك مفاصلهما بحديد القضبان البارد وهو يهمس بتشديد متوعد
"سأصل إليكِ يا عزيزتي وحتى لو كان بيننا مئة باب ومئة قفل لن يوقفني عن الوصول لكِ !"
ارتفع حاجبيها بشحوب لحظي وهي تتراجع بسرعة ما ان افلت قيود يديها بقسوة ، لتنظر بعدها لذراعه التي امتدت بأقصى طولها للقفل والذي ما ان لامس طرف القيد حتى فتحه بلحظة ، اندفعت البوابة الحديدية باتساع امام عينيها المشدوهتين وهو يدلف للداخل بثقة وكأنهما يملكان المكان والذي سطو عليه بكل بربرية وهمجية .
تحركت لا شعوريا وهي تشهق بوجل ما ان لمحته وهو يندفع نحوها مثل الصائد الذي اوقع بفريسته ، وبخطوتين كان يمسك بها بتقييد وهو يديرها نحوه ليحاوط عنقها بيده برفق هامسا امام وجهها بهجوم شرس
"ماذا قلتِ للتو ؟"
حركت رأسها بالنفي وهي تعض على طرف شفتيها هامسة ببراءة مزيفة
"لم اقل شيئا ! وماذا يمكن ان اقول ؟"
تلمس عروق عنقها بأصابعه القابضة وهو يهمس بخفوت اجش تحول لثورة اخرى بعيدة عن الغضب
"حقا لم تقولي شيئاً !"
امتعضت ملامحها باحمرار طفيف وهي تحرك رأسها بإيماءة مهتزة ، ليقترب اكثر من وجهها وهو ينوي تقبيلها قبل ان ينحرف لأذنها ليهمس بها بخفوت مشتعل
"إياكِ والابتعاد عني مجددا ، لأنكِ إذا كررتها اقسم لكِ هذه المرة بأني لن ارحمك ! وهذا آخر تحذير لكِ ، حسنا !"
ابتلعت ريقها بارتعاش تحت اصابعه وهي تومأ برأسها من جديد ، اخفضت بعدها جفنيها براحة وهي تشعر بشفتيه على خدها بلمسات ناعمة رقيقة وكأنها قبلات غير ملموسة ، قبل ان تحيط ذراعيه بجسدها بدفء مغمور بالمشاعر وهو يحتضنها بقوة زادت تدريجيا بطريقة تستطيع ان تستشعر بصدق نواياها وتختلف عن اي عناق آخر فقد كان عناق روحي قبل ان يكون جسدي ، وهي تسمع همسته الخافتة بأمواج شعرها تصل لأذنها بوضوح
"مجنونة ولا تقدرين كم يؤلمني جنونك هذا !"
اتسعت ابتسامتها بنعومة وهي تربت بكفها الشاردة على ظهره بلمسات هادئة ، وبلحظة كان يبتعد عنها ببطء شديد بدون ان يترك تواصل جسديهما وهو يقطع سيل المشاعر الهادر عن كليهما والذي اقتحم برودة الاجواء من حولهما بلحظات غادرة اقتطفوها من الحياة .
امسك بكتفيها برفق وهو يهمس بابتسامة جادة اطفئت كل ما يجيش بداخلهما من ثورات
"هيا بنا لنكمل ما بدأناه"
امسك بكفها بهدوء وهو يسحبها معه باتجاه المنزل الذي يتوسط الحديقة ، ما ان وقف امام الباب حتى طرق عليه عدة طرقات بأدب وهما ينتظران اي استجابة من صاحب المكان ، وبعد عدة لحظات كان يفتح الباب من قبل رجل يناهز السبعين من عمره بشعر ولحية اصطبغا بالبياض وبملابس رثة وهو يبدو شبيه برجال اهل الكهوف من العصور الجاهلية .
قال الرجل بصوت خشن متحشرج وهو يبادر بالكلام
"مرحبا ، هل من خدمة ؟"
اخذ (شادي) سياق الامور وهو يقول بعملية جادة
"نحن نعتذر على الإزعاج يا سيدي ، ولكننا قد ضعنا بالطريق بعد ان تعطلنا سيارتنا بمنطقة مقطوعة عن البشر ، ولا نملك اي وسيلة تواصل من اجل ان نتكلم مع معارفنا ونستطيع الخروج من هذا المكان ، لذا لو سمحت إذا كنت فقط تملك هاتف بحوزتك ستكون قدمت لنا معروفا كبيرا !"
حرك عينيه بينهما ببعض الاضطراب التقطته الساكنة بجواره وهي تشدد على يده بتشبث حتى حفرت اظافرها براحة كفه ، وما ان التفت نحوها وهو ينظر لها بحيرة حتى همست بخفوت وصله واضحا
"لنرحل من هنا"
تعقدت ملامحه بعدم استيعاب وهو يعود بنظره لنفس الرجل الذي قال بابتسامة تشققت حول شفتيه بارتياب
"انا اعتذر منكما ولكني لا املك هاتف ، فكما ترى انا رجل منزلي ولا احب استخدام التقنيات الحديثة ! وافضل العمل بالمزارع والحقول والاهتمام بحديقة منزلي الكبيرة ، لذا اعتذر حقا على عدم مساعدتكما ، واتمنى حقا ان تجدا السبيل للخروج من هنا والعودة لمنزلكما"
تنهد بوجوم اكتسح محياه وهو يهمس بسرعة بفكرة طرأت على باله
"حسنا هل تعلم مناطق او بنايات قريبة من هنا نستطيع الوصول لها سيرا على الاقدام ؟ فأنا متأكد بأننا قد رأينا لافتة تشير إلى وجود مناطق سكنية قريبة من هنا !"
عقد حاجبيه بتفكير جامد قبل ان يشدد على إطار الباب بحركة عابرة وهو يقول بتركيز مشتت
"اجل صحيح ، هناك فندق بنهاية الطريق الفرعي على يساركم تستطيعون السؤال هناك والاستفسار منهم على اماكن تصليح السيارات ، والآن عذرا منكما عليّ الذهاب ! واتمنى لكما كل التوفيق"
ارتفع حاجبيه بدهشة ما ان اغلق الباب بوجهه ليهمس بعدها بصوت مرتفع بوجوم
"شكرا على المساعدة ، ونعتذر على الازعاج مجددا"
اخفض صوته وهو يهمس بخفوت متجهم
"هل هكذا يعاملون الضيوف عادة ؟ حقا الحياء مات عند البشر !"
ارتفع حاجبيه بتجهم اكبر وهو يلتفت ناحية التي سحبت كفها من قبضته وهي تغادر بعيدا عنه ببساطة ، ليتنفس بعدها بغيظ وهو يلحق بها بسرعة بخطوات واسعة وصلت لها للحظات ، وما ان تجاوزت البوابة المفتوحة حتى امسك بذراعها يوقف اندفاعها وهو يهمس بغضب
"إلى اين تفكرين بالذهاب ؟ ولما كل هذه العجلة ؟ بعد كل ما فعلته بنا ونحن نتوسل الناس لكي نجد اي احد يخرجنا من هذا المكان ! ومع كل ذلك لا يوجد اي تقدير منكِ بالحالة التي نمر بها....."
قاطعته بصوت باهت بجمود
"وذلك الرجل ليس بالخيار المناسب ليساعدنا"
احتدت ملامحه ببطء جامد وهو يديرها نحوه بلحظة ليمسك بكتفيها قائلا بحزم جاد
"وماذا به ذلك الرجل ؟ لما كل هذا التأهب والاحتراس نحوه ؟"
ردت عليه بجواب مختصر بجفاء
"لأنه من مدمنين المخدرات"
ارتفع حاجبيه بصدمة دامت للحظة قبل ان يقول بتفكير هادئ
"كيف عرفتِ بهذا ؟ هل تعرفينه ؟"
اشاحت بوجهها جانبا وهي تهمس بنفور محتد
"لا لا اعرفه ، ولكني استنتجت ذلك من اضطراب حركة عينيه واجوبته المختصرة السريعة وحركات يديه وهو يحاول التخلص منا بأي طريقة قبل ان يكشف امامنا ويفتضح امره !"
قطب جبينه بجمود وهو يتنفس لوهلة ليمسد بعدها على كتفيها بحركة لا شعورية وهو يقول بجدية هادئة
"وكيف عرفتِ بكل ذلك الكلام ؟ هل هناك مدمنين مخدرات بعصابتك ؟......"
صمت بكبت وهو يشدد على اسنانه بدون كلام ، ليقطع سير افكاره صوتها الهادئ وهي تنظر له بعينيها الواسعتين بسكون الموج
"ليس كذلك هو الامر ، ولكن دراستي بعالم العصابات وببيئة نشأتي جعلتني اعرف كل شيء يدور من حولي وافهم العالم الذي تكيفت معه ، لقد كانت مجرد دراسة سريعة لكي استطيع حماية نفسي بذلك المستنقع وعدم التأثر به"
تنفس بقوة وهو يحرر ابتسامة مسترخية قبل ان يزيح خصلات شاردة عن كتفها هامسا بهدوء
"ولماذا كل ذلك الخوف من الرجل ؟"
زمت شفتيها بتشنج وهي تهمس باقتضاب
"لا اعلم ! ولكنه يذكرني بأمور لا ارغب بتذكرها"
ابتسم بهدوء وهو يضرب بأصبعيه السبابة والوسطى على جبينها بخفة ليقول بلحظة امام وجهها بحرارة
"كيف تخافين وزوجكِ بجانبك يا حمقاء ؟ عليكِ الوثوق بزوجكِ اكثر وبقدرته على حمايتكِ فأنتِ ألماسته وهو من المستحيل ان يفرط بها !"
لوت شفتيها بابتسامة وهي تهمس بشرود
"اعلم ذلك"
تشنجت ابتسامته وهو يقبل جبينها بعمق هامسا بصوت اجش هادر
"كوني بخير يا ماسة من اجلي"
انحنت عينيها بصمت تام وهي تشعر بكفه تعود للتملك على يدها بتسلل وكأنها تعرف طريقها مسبقا وهو يرفعها امام وجهيهما هامسا بنبرة جادة بخفوت
"لا تتركي يدي مجددا فقد تعبت من اللحاق بها ، فهذه اليد ملك صاحبها الجديد والذي استولى عليها مسبقا وانتهى"
ابتسمت بارتجاف خافت بدون ان تعلق على كلامه الاخير وهو يطبع قبلته الحارة على الخاتم الألماسي الذي يحتل بنصر كفها ببصمة ختمت على العهد بينهما لمدى غير معروف المصير .
______________________________
كانت تدلف لجناحها وهي تمسك ابريق الماء بيديها والذي ذهبت لتملئه بعد ان فرغ ورحل من كان يهتم بهذه المهمة ، وهي لا تعلم حقا إلى اين تختفي تلك الفتاة بكل مرة تغيب عنها بدون ان تترك لها اثر مثل الشبح ؟ وهذه عادتها منذ كانا اطفال تفلح بالاختباء بعيدا عن عينيها وتتقن اخفاء كل اثر عنها حتى تتعب وتستسلم من البحث عنها بلعبة الغميضة والتي كانت تجيدها بحق ضمن ألعاب كثيرة كانتا تقضيان اوقات طويلة بلعب ولهو بها بمتعة وسعادة حقيقية ، ولكن اين رحلت تلك الأوقات والروح المرحة والتي كانت ترافق لعبهما على الدوام مثل ذكرى خالدة سرعان ما تبخرت بواقع الحياة ومآسيها والتي استنزفت منهما كل طاقة حياة وبهجة موجودة بداخلهما ؟!
وقفت بجمود لوهلة وهي تحدق امامها بشرود غيم على نظراتها المأسورة بالماضي وهي تذكر جيدا اللحظة التي فارقت فيها السعادة عائلتهما وبدأت منها سلسلة الحزن والبؤس بعالمهما ونقطة تحول كل شيء ، وقد كانت منذ وفاة والدهما الغالي الذي كان وجوده هو اساس تلك العائلة ومصدر قوتها بالحياة وبخسارتها اعلنت دمار كل شيء محيط من حولهما وانهدمت المباني العالية والحصون التي كانت تحمي عالمهما الصغير وتبعدهما عن اوجاع الواقع .
اغمضت عينيها على دموع اسيرة وهي ما تزال تسمع صوته الحنون الدافئ يتدفق بحنايا روحها ما ان يعود للمنزل بساعة متأخرة من الليل ويكون الظلام قد ساد المكان وهو يعلن عن عودته بصوت جهوري عميق يعيد الحياة لجدران المنزل الخاوي
"لقد عدت للمنزل"
فقط ثلاث كلمات تُخرج الطفلتين من جحرهما لتجريا بأقصى سرعة بروح الطفولة الشقية وهما تهتفان باسم واحد يتردد بأصواتهما الصغيرة بحماس
"ابي ، ابي ، ابي"
وما ان تبدأ الطفلتين بالقفز امامه بحماس بذراعين مفتوحتين طلبا لحملهما عاليا حتى يتلقف بدايةً الصغيرة التي لا تتجاوز الثلاث اعوام ، ليرفعها بعدها عاليا وهو يقذفها بخفة والضحكات تنتشر بعنان السماء بسعادة وكأنها تملك العالم ، بينما تشد الطفلة الاكبر بنطال والدها طلبا لتجربة تلك المشاعر الابوية الجياشة وهي تصرخ بغيرة متلهفة
"دوري يا ابي ، دوري"
ابتسم ذلك الوالد بحنان متعب وهو يقول لها بنفس النبرة الدافئة بعبوس مزيف
"ألم تكبري على حملك يا روميساء ؟"
زمت شفتيها الصغيرتين وهي تحرك رأسها بتصميم هامسة بعناد
"بل اريدك ان تحملني مثل ماسة تماما"
ضحك بصوت اجش خافت وهو يقول بابتسامة هادئة تغضنت معها زوايا عينيه بحنان يخصه لهما وحدهما ونفس الحركة التي ورثتها منه
"حسنا يا اميرتي ، كل شيء ألا غضبك"
عادت الابتسامة لتتألق على ثغرها وهي تراه يسند الصغيرة على كتفه لينحني نحوها وهو يرفعها بذراع واحدة قبل ان تستقر على كتفه الآخر ، لتتشبث عندها بعنقه بسعادة ورأسها الصغير مستريح على كتفه هامسة بأذنه بمحبة غامرة
"احبك يا ابي"
لتأتي الاجابة المعتادة بتنهد طويل متعب قائلا بصوته الحنون الخافت
"وانا ايضا احبكما يا صغيرتاي"
فتحت جفنيها ببطء وهي تنظر للفراغ المخيم عليها ببرودة تختلف عن الدفء بذكرياتها واشباح الماضي البعيد تحوم من حولها بدوامة اهلكت كيانها بدون سبيل للراحة ، شعرت بعدها بتشوش بالرؤية وغلالة من الدموع تقيد حدقتيها الساكنتين على اثر ذكرى عائلتها الراحلة التي تركت الغصة بقلوبهما ، لترفع يدها تلقائيا وهي تمسح على عينيها بهدوء شديد بدون ان تسمح للدموع بالتسرب من مقلتيها او الضعف من احتلال روحها مجددا بعد كل ما حدث بآخر فترة .
اكملت سيرها بخطوات هادئة بطريق غرفتها وهي تمحي كل ذكرى بعيدة عن مخيلتها ، وما ان دلفت للغرفة بتلقائية بدون ان تنتبه للباب المفتوح حتى اصطدمت نظراتها بالكائن المستولي على غرفتها بدون سابق إنذار ، وهي تنظر له يجلس على الاريكة بكل اريحية وهيمنة واضعا ساق فوق الاخرى ونظراته مسلطة عليها وكأنها كانت تنتظر قدومها بفارغ الصبر لتلقي بشباكها عليها وتدخلها بحوار العيون الصامت الخاص بهما والذي يحمل كل المشاعر المطمورة بين عتاب وحزن وجفاء اصبح يتخلل خيوط علاقتهما مؤخرا حتى فقد اسلوبهما لذته الخاصة .
قبضت على ذراع ابريق الماء بقوة وهي تنحرف بنظراتها قليلا هامسة بخفوت حذر
"ما لذي تفعله هنا يا احمد ؟"
ارتفع حاجبيه ببطء جامد بدون ان يغير وضعية الجلوس وهو يهمس باستهجان بارد
"ألم يكن من الأفضل ان تقولي مساء الخير لزوجك بدل هذا الاسلوب الجاف معه ؟"
حركت رأسها بشرود وهي تهمس بخفوت شاحب
"مساء الخير يا احمد"
قطب جبينه بعدم رضا وهو يقول بجمود اكبر
"ألا يمكنك قول هذا الكلام وانتِ تنظرين لي ؟ فهذا من واجبات الادب واللباقة قبل ان تكون من واجباتك اتجاه زوجك !"
تنهدت بهدوء وهي تنقل حدقتيها امامها لتعلق بتحديق عينيه الصامت قبل ان تهمس بصعوبة شعرت بتحجر بحلقها
"مساء الخير"
ارتخت ابتسامته قليلا وهو يحرك رأسه بالنفي ليقول بعدها بتصلب غير متسامح
"ليس هكذا يا روميساء ! اريدكِ ان تقوليها بلطف اكبر بدون ان تظهر وكأنكِ مجبرة على قولها ، حسنا ؟"
زمت شفتيها بوجوم وهي تطلق سراح انفاسها لوهلة لتقول بعدها بصوت اكثر رقة بدون اي حياة
"مساء الخير يا احمد"
ابتسم بهدوء بدون ان تلين ملامحه وهو يتمتم بلحظة بوجوم
"اين هي الابتسامة الجميلة ؟ ألم اذكرك بها سابقا !"
شحبت ملامحها بلحظة وهي تحني حدقتيها بعيدا على ذكرى بعيدة اقتحمت مخيلتها ، لتقول بعدها بشفتين مشدودتين بقنوط
"هلا توقفت عن هذا يا احمد رجاءً ؟"
عقد حاجبيه بهدوء وهو يعتدل بجلوسه ليسند كفيه فوق ركبتيه بدون ان يحيد بنظراته عنها قبل ان يهمس بجدية هادئة
"لا بأس سنتوقف عند هذا الحد ، والآن اخبريني لما اخذت كل هذا الوقت بالعودة لجناحك لقد انتظرتك طويلا ؟"
عبست ملامحها بضيق وهي تهمس ببرود خافت
"لقد ذهبت لملء الابريق بالماء ، وايضا لم اكن اعلم بأنك تنتظرني بغرفة جناحي !"
حرك رأسه بتفكير عابس وهو يهمس بسخرية
"هل اصبح جناحنا خاص بكِ وحدكِ واحتاج للإذن لدخوله ؟ فقد لاحظت بأنكِ انتِ وماسة قد غزوتما المكان وكأنه ملك لكما وحدكما !"
نظرت له بهدوء لوهلة وهي تكرر نفس السؤال الأول الجاف
"ما لذي تفعله هنا يا احمد ؟"
قبض على يديه فوق ركبتيه وهو ينهض عن الاريكة قائلا بابتسامة جانبية
"وما لذي سيكون يفعله زوج بغرفة زوجته برأيك ؟ لقد اتيت للنوم معكِ أليس هذا واضحا !"
رفعت حاجبيها ببهوت وهي تحاول تركيز تفكيرها بشيء واحد بعيدا عن الخيالات المرهفة التي مرت بخلدها بحرارة نبضات قلبها التي تكاد تودي بها ، لتقول بسرعة باستنكار عابس وهي تعود لشخصيتها الصارمة
"ما هذا الكلام يا احمد ؟ هل هذا وقته الآن ؟ هل ترانا بوضع مناسب لمثل هذه المواقف العاطفية ؟....."
قاطعها بهدوء بالغ وهو ينظر لها بقوة
"ولماذا لا يكون الوقت مناسب ؟ ما لذي يمنعنا من عيش الحياة بطبيعية كما كانت قبل ايام ؟ فأنا بعد كل شيء ما زلت احتاجكِ واريدكِ بجواري ولم اعد احتمل هذا الفراق بيننا والذي يكاد يقضي على الذرة الاخيرة من صبري ، لذا قدري قليلا ما اعانيه وعودي لي كما كان من المفترض ان يحدث قبل ايام وتحديدا منذ اللحظة التي تركتك بها زوجة شغوفة محبة !"
حركت رأسها بالنفي بتشتت وهي تهمس بوجوم خافت
"لا يا احمد لا استطيع بالوقت الحالي ، وايضا قد تعود ماسة بأي لحظة وليس من اللائق ان ترانا بهذا الشكل !....."
قاطعها مجددا بغضب اكبر وهو يشدد على اسنانه بقسوة
"ماسة مجددا ! ألن ننتهي من هذه القصة ؟ لما عليكِ ان تدخليها بأي جدال او نقاش يحدث بيننا ؟ لقد بدأت اشعر بأن وجودها بحياتنا اصبح اكبر من وجودنا بحياة بعضنا وكأنه كائن عالق بيننا بدون طريقة للخلاص منها ! احيانا كثيرة تشككين بمقدار حبكِ ومصداقيتك بهذه العلاقة يا روميساء !"
ردت عليه بسرعة بعبوس مرتجف
"لم اقصد اي شيء من هذا يا احمد ! انا فقط قلقة عليها منذ الصباح فهي قد تأخرت كثيرا بالعودة من الجامعة وهذا ليس من عادتها !"
تجمدت ملامحه وهو يتقدم امامها عدة خطوات قائلا بجمود باهت
"وايضا شادي لم يعد كذلك ! واراهن بأنهما سيكونان معا الآن بمكان بعيد عنا يقضيان اجازة الربيع !"
رفعت حدقتيها الواسعتين نحوه وهي تهمس بتفكير
"هل تعتقد هذا حقا ؟"
ضيق عينيه بقسوة وهو يهمس بابتسامة شقت طريقها بشفتيه باستهزاء
"اجل صحيح ولن تستطيع للأسف القدوم لتمثيل دور الدفاع بيننا والاحتماء بها بعيدا عن براثني"
اتسعت حدقتيها الخضراوين بانشداه وهي تهمس بغضب حانق
"انا لا احتمي بأحد يا احمد ؟ وعليك ان تعلم بأن العالم هو الذي يحتمي بي وليس العكس ! فلو انك رأيت اطفال بلدتي والذين كانوا دائما يحتمون بي ضد المتنمرين الاوغاد لما قلت هذا الكلام عني !......"
قطعت سيل كلامها بذهول ما ان وصل لها بخطوة ليمسك بكتفيها بتصلب بعث رعشة خاطفة بأنحاء جسدها ، ليتبعها بالهمس بخفوت اجش وهو يلامس بشفتيه جبهتها العريضة
"اعلم هذا يا روميساء ، وليس لدي اي شك بكلامك ، فأنتِ هكذا دائما رائعة مع الجميع وسخية بهدر مشاعرك بعطاء فاق الحدود وكأنكِ خلقتي زهرة متفتحة يحق لهم الاستنشاق من رحيقها ، ولكن كل هذا يتوقف عندما تصلين لزوجك ذلك الرجل الذي تحمل منكِ الكثير وما يزال بسبيل ان يستنشق من رحيقك يوما ويحصل على الإذن بذلك !"
ابتلعت ريقها بوجل وهي تخفض عينيها هامسة بتعجب ساخر
"انت تبالغ بتصوير الأمور يا احمد ! انا فقط اعيش بدوامة حزني الخاصة على الطفل والذي لم احظى بفرصة قضاء الوقت معه قبل ان يسرقه القدر سريعا مني ، لقد كان غالي جدا ولم اعرف كيفية الحفاظ عليه كما يجب حتى ضاع مني ببساطة !"
تنفس امام جبينها حتى لفحها بأنفاسه الحارة وهو يهمس بانفعال هادر
"هذه ليست خسارتك لوحدك بل خسارتنا معا ، لذا توقفي عن حبس نفسكِ بدائرة لوم الذات هذه وشاركيني بعض من مشاعرك وألمك ، واعدك بأن اقدم لكِ كل المساندة والدعم الذي تحتاجينه"
زفرت انفاسها بهدوء وهي تحاول الابتعاد عنه هامسة بجمود خافت
"لا بأس يا احمد فأنا بخير والحمد الله ، وهذه ليست نكسة مهمة حتى اتألم منها هكذا ، وايضا كل هذه المصاعب من اجل ان تختبر صبرنا بالحياة وقوتنا بتجاوز المحن ، وبالنهاية لا احد ملام هنا غيري بسبب استهتاري وانعدام حس المسؤولية عندي"
تصلبت شفتيه بصمت وهو ما اعطاها الفرصة لتلتف من حوله وهي تسير باتجاه السرير ، لتضع بعدها ابريق الماء فوق المنضدة برفق قبل ان تمسك بشريط الدواء امامها لتخرج منه قرص ، بينما التفت نحوها الساكن بمكانه وهو يهمس بجمود متيبس بدون اي تعبير يعلو ملامحه
"وإذا اخبرتكِ بأنكِ لستِ الملامة بكل الذي حدث وهناك من دفعك للوصول لهذه الحالة ! هل هذا سيريحك من الألم ولوم نفسك ؟ ماذا......"
تسمرت ملامحه لوهلة وهو يرى التي كانت توليه ظهرها بوضع انحناء امام المنضدة وكفيها تستندان على سطح الطاولة وكأنها على وشك الإغماء ، ليتحرك بسرعة بلحظة جزع وهو يقف بجوارها بلحظة ليمسك بذراعها وهو يسند ظهرها لذراعه الآخر هامسا بخفوت مضطرب
"روميساء ما بكِ ؟ هل انتِ بخير ؟"
قبضت اصابعها على سترته بتشبث وهو يساعدها على الوصول للسرير على بعد خطوات منها قبل ان يجلسها عليه برفق وكفيه تدلكان ذراعيها لا شعوريا ، ليهمس بعدها امام رأسها المنحني بوهن بنبرة هادئة
"هل انتِ بخير يا حبيبتي ؟"
طرفت بعينيها برجفة على اثر كلمته البسيطة وهي ترفع عينيها الواسعتين بوجل نحو الوجه الذي يعلو رأسها ، لتنحدر بعدها بنظراتها لكفيها اللتين ما تزالان تتمسكان بقماش سترته وهي ترخي مفاصلهما تدريجيا قبل ان تسحب كفيها بسرعة ، لتعيد بعدها خصلات شعرها لخلف اذنها بجمود هامسة بهدوء ظاهري
"انا بخير ، شكرا لك"
استقام بمكانه وهو يتنفس بكبت ليهمس بعدها بتصلب
"ما كان هذا الذي حدث ؟"
مسحت بكفها على جبينها بارتباك وهي تهمس بخفوت متعب
"لا تقلق فقد اصابني دوار طفيف وهو عادة ما يراودني بين الحين والآخر ويرحل بعدها ، لذا لا داعي للخوف من شيء فهو ليس بالأمر الخطير"
احتدت ملامحه وهو يلاحظ شيء شد انتباهه ليلمح قرص دواء موضوع بجانب كأس من الماء فوق المنضدة ، استدار بعدها جانبا وهو يلتقط قرص الدواء قائلا بتفكير جامد
"هل هذا موعد تناول الدواء ؟"
نظرت له للحظات قبل ان تهمس بابتسامة هادئة
"اجل لقد حان موعد الدواء وقد تأخرت بتناوله فقد كان من المفترض ان اتناوله بعد العشاء مباشرة ولكني قد نسيت ذلك ، فأنا قد اصبحت بالآونة الاخيرة انسى اشياء كثيرة تضيع من ذاكرتي قصيرة المدى ، ولولا تنبيهات ماسة لي عن مواعيد الادوية لما كنت تذكرتها !"
تجهمت ملامحه بلحظة وهو يحدق بقرص الدواء هامسا بجمود
"الآن عرفت سبب شعورك الدائم بالدوار"
تغضن جبينها بحيرة وهي تنظر لقرص الدواء والذي استقر براحة كفه وهو يمده نحوها قائلا بأمر
"تناولي الدواء"
امتثلت لأمره وهي تضع قرص الدواء بداخل فمها لتمسك بعدها بكأس الماء والتي قدمها لها لتشرب منها على مهل ، وما ان انتهت حتى اخذ منها كأس الماء وهو يتمتم بحزم جاد
"مرة اخرى إياكِ وان اعرف بأنكِ تهملين بمواعيد دوائك ، فأنا عندها لن اكتفي بتنبيهك مثلما تفعل شقيقتك معك بل سأراقبك ليل نهار حتى اتأكد من التزامك بمواعيد الدواء كما يجب"
عضت على طرف شفتيها بامتعاض بدون ان تعلق على كلامه وهي تكتف ذراعيها بحالة عدم رضا ، لتقول بعدها بتذكر وهي توجه له نظرات حائرة
"كنت تتكلم معي عن شيء ما ولكني لم اسمعك جيدا ! عن ماذا كان ؟"
عقد حاجبيه بجمود للحظات وهو يحاول قول شيء ليزفر بعدها بأنفاسه بضيق وهو يشيح بوجهه جانبا قائلا ببرود
"سأخبرك حين يحين الوقت المناسب"
ضيقت حدقتيها الخضراوين بحزن لحظي وهي تضم قبضتيها معا عند حجرها بقوة ، لتتسع حدقتيها بلحظة اندفعت بها الدماء بأوردتها ما ان انحنى امامها بدون مقدمات ليهجم على شفتيها بقبلة جائحة اقرب للانقضاض اكتسحت كيانها ، وما ان حررها قليلا وهو يضرب انفاسه بوجهها المحترق باحمرار حتى رفعت كفها تلقائيا وهي تحجب شفتيها عنه هامسة بأنين خافت
"توقف عن هذا يا احمد ، قد تأتي ماسة الآن بأي لحظة ولا افضل ان ترانا بهذا الشكل المثير للشبهة !"
كتم انفاسه بأسنانه المحتدة وهو يهمس من بينهما بانفعال متهدج وكفيه مستريحتين على جانبيها ليدنو منها اكثر
"وماذا يعني هذا ؟ نحن لا نفعل اي شيء خاطئ وكله بحدود الشرع والزواج ! هي فقط الكائن الدخيل بيننا والملزم على الرحيل وقد نتخلص منها هذه المرة للأبد !"
احتدت عينيها الخضراوين وهي تهمس بكلمة واحدة من تحت كفها بتصميم
"لا"
عصرت جفنيها فوق عينيها بارتجاف ما ان اقترب بوجهه منها وهي تشدد بكفها على شفتيها ، لتشعر بقبلته وهي تطبع على ظاهر كفها بعمق وصلتها عبر سخونة انفاسه والتي تخللت مفاصلها المنقبضة ، وبلحظات كان يستقيم بعيدا عنها وهو يستعيد ضبط طوفان المشاعر بداخله بدون ان يفلت من قيوده ، ليقول بعدها بابتسامة هادئة امام عينيها المشدوهتين بشحوب
"سأعطيكِ قدر ما تريدين من الوقت للتعافي جسديا ومعنويا ، وحتى ذلك الحين سأنتظر عودتك لي من تلقاء نفسك فلا تعذبيني بنار الانتظار اكثر من هذا"
انحنت حدقتيها بعيدا عنه وهو يغادر لخارج الغرفة بصمت ساد بالمكان بعد غيابه ، لتخفض كفها بعيدا عن شفتيها بارتجاف مفاصلها التي تخللت بها قبلته الحارة ، لتنفض كل هذا عن رأسها بلحظة وهي تخرج من الدرج بجانبها مجموعة اوراق مرسومة مع علبة من ألوان الشمع ، لتستند من فورها على السرير وهي تكمل رسمتها الناقصة بلون الشمع بيدها والتي اعادتها لهوايتها المفضلة والتي وجدتها وسيلة للتخلص من الكبت المحبوس بداخلها وهي تفرغه بأحب هواية عليها والشيء الوحيد الذي فعلته من اجلها بحياتها التي تكرست للجميع فقط حتى نسيت طريقة كيفية اسعاد نفسها !

يتبع..........


روز علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس