عرض مشاركة واحدة
قديم 04-06-22, 12:39 AM   #31

روايات نور محمد

? العضوٌ??? » 500766
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » روايات نور محمد is on a distinguished road
افتراضي ضجيج الصمت-نور محمد


الفصل الخامس والعشرون (الخاتمة)

بعد مرور عام على وفاة الصغير

"طوال الفترة الماضية، تحديداً منذ أن عاد عمر لطبيعته بمساعدة نسمة، تطورت علاقتها هي وكرم بشكل كبير خاصة وهو يرى تعلق الصغير بها والذي اعتبرها صديقته المقربة، كما أنه هو أيضاً أحب وجودها وقد لفتته شخصيتها المرحة واللطيفة كثيراً، وهي أيضاً... كان إعجابها يزداد به في كل مرة تراه فيها.
كثرت مقابلاتهما في الفترة الأخيرة فقد كان يمر على عيادتها ليصحبها معه في آخر اليوم إلى مقاهي مختلفة كي يتحدثا في الكثير والكثير من الأمور بل ويتشاركان الصمت في بعض الأحيان، وبالنسبة إليها... شخصٌ يشاركها الصمت كما يشاركها الحديث لهو جدير بالإعجاب والحب.
وفي أحد المرات، كانت قد أنهت آخر جلساتها لذلك اليوم مع إحدى الحالات لتجد كرم يطل عليها من الباب بابتسامة رائعة أصبحت تحب رؤيتها كثيراً ليقول"
- مساء الخير يا نسمة!

"ضحكت قائلة"
- مساء النور! اتفضل

"جلس أمام مكتبها ليقول"
- أنا كنت جاي عشان اعزمك على العشا

"ثم نظر حوله وهو يقول"
- متهيألي أنتِ خلصتي شغل، صح؟

"اومأت برأسها ليتبع بابتسامة"
- يعني موافقة؟

"ردت بابتسامة قائلة"
- موافقة!

"ذهبا سوياً إلى أحد المطاعم الراقية، قاما بطلب الطعام ليأخذ النادل طلبهما ويرحل، التفت كرم إلى نسمة ليسألها قائلاً"
- يومك كان حلو النهاردة؟

"ابتسمت قائلة"
- كل الأيام في العيادة حلوة

"قال بابتسامة مُحرَجة"
- بصراحة أنا كنت بخاف من الدكاترة النفسيين

"ابتسمت ضاحكة لتقول"
- ليه؟ أنت مابتؤمنش بالطب النفسي؟

"قال سريعاً"
- لا بالعكس، أنا بشوف إن الناس كلها محتاجاه أصلاً

"ثم صمت للحظات ليقول"
- بس بصراحة كنت بخاف منهم عشان بتخيل إنهم بيتأثروا بالمرضى وممكن يبقوا شبههم

"ضحكت قائلة"
- أنا بقى بعرف اسيطر الحمد لله، عمري ما قعدت ادام مرايا وفرقت شعري من النص

"ضحك منها كثيراً لتضحك هي الأخرى أيضاً، قال أخيراً"
- عارفة يا نسمة؟ أنتِ دمك خفيف أوي

"اومأت برأسها بابتسامة خجولة قائلة"
- بيقولوا

"جاء العشاء أخيراً ليتناولاه سوياً في أجواء من المرح حتى انتهيا تماماً، التفت كرم إلى ساحة الرقص قبل أن يلتفت إليها ثانية ويقول بابتسامة"
- إيه رأيك نرقص؟

"ارتبكت قليلاً في خجل قبل أن تومئ له بابتسامة ويقوما سوياً، وأثناء الرقص، كانت تشعر بأنه يريد قول شيءٍ ما... مثلما كانت هي أيضاً تريد.
ساد الصمت بينهما قبل أن يقطعه هو قائلاً بهدوء"
- كان في حاجة عايز أقولك عليها

"نظرت إليه ليُكمل فاتبع قائلاً بابتسامة"
- أنا حاسس كده إني حبيتك

"تسارعت دقات قلبها وأحمر وجهها قليلاً، ارتسمت ابتسامة صغيرة على وجهها وهي تحيد بنظرها عنه ليتبع قائلاً"
- وأنتِ؟

"صمتت قبل أن تقول في مزاح لم يخذلها في هذه اللحظة المربكة"
- أنا مش عارفة أنت حسيت كده من امتى لإني اكيد سبقتك في الإحساس ده

"وجد نفسه يضحك من ردَّها الغير متوقع ليقول بعدها"
- طيب إيه رأيك نتجوز؟

"ابتسمت ضاحكة لمجاراته لها في حديثها الغير مألوف لتقول بنفس الطريقة"
- ده اقتراح هايل

.....

"مرت فترة، تم فيها تحضير كل شيء خاص بمراسم الزواج من حفل الزفاف ودعوة الناس، وكان عمر متحمساً للغاية لأن نسمة ستعيش معه في المنزل وسيصبح قادراً على رؤيتها كل يوم وسيكون بإمكانهما التنزه واللعب كثيراً.
كان حماس عمر وسعادته أكثر ما يُشعِر كرم بالراحة حيث كان قلقاً بشأن موافقته، ولكنه لم يكلِّفه الكثير من العناء فبمجرد أن أخبره بما ينوي، سَعِدَ الصغير كثيراً وطلب منهما أن يسرعا حتى تأتي نسمة إلى المنزل ويعيشون سوياً.
وفي أحد الأيام، كان رامـي موجوداً في شركته الخاصة فشعر كرم بأنها ستكون فرصة مناسبة لإخباره بشأن زواجه، وعندما دخل إليه، ابتسم رامـي قائلاً"
- أهلاً يا كرم! اتفضل!

"جلس كرم ليقول بابتسامة"
- بقالك مدة ماجيتش هنا

"رد رامـي قائلاً"
- أنت عارف بعد سفر رامز وأنا بقيت شايل مكانه كمان يعني الشغل زاد هناك ومابقيتش آجي هنا كتير، بس أنا معتمد عليك يا كرم! أخبار الشغل إيه؟

"مر الوقت وهما يتحدثان في أمور العمل، وعندما انتهيا، قال كرم"
- رامـي! في خبر كنت عايز أبلغك به

"ثم اتبع بابتسامة"
- أنا ونسمة هنتجوز

"نظر له رامـي بابتسامة سعيدة ليقول"
- بجد؟ هايل!

"قال كرم في امتنان"
- بصراحة مش عارف اشكرك ازاي إنك كنت سبب إني اتعرف على إنسانة جميلة زيها

"ابتسم رامـي قائلاً"
- نسمة صديقتي من زمان وفعلاً هي إنسانة هايلة، أنا متأكد إنكم هتكونوا سُعدا مع بعض

"ثم اتبع متسائلاً"
- والفرح امتى؟

"ابتسم كرم قائلاً"
- آخر الشهر

"قال رامـي متعجباً"
- بسرعة كده؟

"ضحك كرم ضحكة خفيفة قائلاً"
- مافيش حاجة تخلينا نستنى

"ابتسم رامـي قائلاً"
- معاك حق، ألف مبروك يا كرم!

.....

"عاد رامـي من الشركة إلى المنزل ليجد شمس تقف في الشرفة المطلة على الحديقة مستندة بمرفقيها إلى السور، خلع سترته ثم ألقى بها على الأريكة ليتوجه ناحيتها ويطوِّقها بذراعيه من الخلف ويقبِّل وجنتها قائلاً"
- وحشتيني!

"نظرت له بابتسامة قائلة"
- وأنت كمان

"ابتسم متسائلاً وهو ينظر إلى الداخل"
- أمال دادة إسراء فين؟ مش سامعلها صوت كده

"ابتسمت قائلة"
- مشيت أول ما أنا رجعت من الشغل، بنتها كانت عايزاها فأخدت اجازة النهاردة

"قال في مكر"
- أحسن برضو

"ضحكت ليتبع قائلاً"
- صحيح! كرم ونسمة هيتجوزوا

"ابتسمت في سعادة قائلة"
- بجد؟ ده خبر حلو اوي!

"ابتسم رامـي قائلاً"
- فرحهم كمان اسبوعين، وكرم عزمنا عشان نحضر

"اومأت موافقة لتقول"
- أكيد

"ثم صمتت للحظات قبل أن تقول"
- طيب... ممكن ندى تيجي معانا؟

"قال متسائلاً"
- ندى؟! اشمعنا؟

"ردت شمس بهدوء"
- ندى حالها اتغير خالص من ساعة ما هي ورامز سابوا بعض، رجعت تشتغل بس حياتها لسة زي ما هي... حزينة، على طول في البيت ومابتخرجش أبداً، وأنا ماتعودتش اشوفها كده ومش عايزاها تكمل كده

"ظل رامـي صامتاً لتتبع شمس قائلة في رجاء"
- من فضلك يا رامـي! الفرح هيكون فرصة كويسة إنها تغيَّر جو وتشوف ناس بدل حبسة البيت دي

"نظر لها قبل أن يقول بابتسامة"
- ماشي

"ابتسمت في سعادة قبل أن تتبع"
- حيث كده بقى فأنا عاوزة فستانين جداد، واحد عشاني والتاني عشان ندى

"نظر لها في تعجب قائلاً"
- وعشان ندى ليه يعني؟

"قالت في دلال"
- ده هيكون هدية يا رامـي! أنا عارفة إنك مش هتكسفني

"أمسك بذقنها ويقول في مكر"
- أنتِ مستغلة يا حبيبتي!

.....

"مر أسبوعان حتى جاء يوم الزفاف، عادت ندى من عملها كالعادة لتبدِّل ملابسها وتقوم بإعداد طعامها بنفسها وتتناوله في المطبخ وحيدة.
عامٌ كامل مر على غيابه وهو لا يهتم، ألا يشتاق؟ هل استطاع حقاً بدأ حياة جديدة من دونها؟ وكيف هي تلك الحياة؟ هل ارتبط بامرأة أخرى؟
مجرد الفكرة كانت تشعل النار في داخلها بقسوة.
عامٌ كامل وهي لا ترى أحداً إلا في العمل فقط، لم تخرج إلى أي مكان ولم تذهب إلى عائلتها إلا مرات قليلة، كانت العزلة هي رفيقتها الوحيدة بعد رحيله.
عامٌ كاملٌ مر على أحلام تراه فيها قد عاد لتستيقظ في سعادة قبل أن تتلفت حولها وتكتشف أن ما رأت لم يكن سوى... حلم، وربما هو لا يرى مثله أبداً.
قطع شرودها صوت طرقات متتابعة على الباب لتتوجه ناحية الباب وتفتحه في قلق لتجد شمس أمامها تحمل حقائب عدة وتدخل فجأة لتقول"
- شيلي عني حرام عليكي الشنط كتيرة

"نظرت ندى إليها في تعجب لتقول"
- إيه الشنط دي كلها؟

"التفتت شمس لها قائلة"
- أنا هقعد عندك لغاية بالليل

"ازداد تعجُّب ندى لتقول"
- طب ورامـي؟

"قالت شمس وهي تفتِّش في الحقائب"
- هيعدي علينا ياخدنا بالليل ونروح معاه الفرح

"قالت ندى متسائلة"
- فرح إيه؟ أنا مش فاهمة حاجة!

"التفتت شمس إليها لتقول بابتسامة عريضة"
- كرم هيتجوز، والنهاردة فرحه، ورامـي وأنا وأنتِ هنروح

"هزت ندى رأسها نفياً لتقول"
- لا يا شمس! مش هقدر

"هزت شمس رأسها هي الأخرى نفياً لتقول"
- مافيش اعتراض، هتيجي يعني هتيجي

"قالت ندى في هدوء"
- من فضلك افهميني، أنا مش قادرة اشوف حد ولا اخرج من البيت، وكمان أنا ماعرفش حد هناك

"قالت شمس في تعجب"
- ازاي ماتعرفيش حد؟ أنا إيه؟

"تنهدت ندى قائلة"
- بلاش أحسن

"قالت شمس في هدوء"
- الفرح ده فرصة كويسة إنك تخرجي من البيت وتغيري جو شوية، مزيكا ورقص وفرفشة كده بدل الجو الكئيب ده

"ظلت ندى صامتة قبل أن تتبع شمس قائلة في سعادة"
- وكمان أنا جبتلك هدية

"نظرت لها ندى متسائلة لتخرج شمس ثوباً رائعاً باللون البنفسجي لتمسك به أمامها وتقول"
- إيه رأيك؟ ذوقي يجنن

"قالت ندى في دهشة"
- أنتِ كمان جبتي الفستان؟

"قالت شمس ضاحكة"
- أمال هسيبلك حجة ترفضي بيها ولا إيه؟

"ثم اتبعت"
- أنا كمان جبت فستاني هنا وجبت كل الحاجات اللي محتاجينها عشان نكون جاهزين في الميعاد، يلا بسرعة مش باقي كتير

"حل المساء، وأصبحت كل منهما جاهزة تماماً. منذ وقتٍ طويل لم تذهب ندى إلى أية مناسبات ولم ترتدِ ثوباً للسهرة جميلاً كهذا الذي ترتديه، لقد رأت نفسها في المرآة مشرقة كما السابق، ولأن فكرها أصبح يتمحور حوله دوماً، فقد ذهب إليه لتفكر... هل لو كان هنا سيعجبه الثوب؟ إنه يحب هذا اللون عليها كثيراً.
انقطع تفكيرها عندما سمعت صوت شمس من خلفها يقول في انبهار"
- شكلك حلو اوي

"نظرت لها ندى بارتباك لتقول"
- أنا قلقانة مش عارفة ليه

"ابتسمت شمس قائلة"
- لأن بقالك كتير ماشفتيش حد، طبيعي تقلقي، بس هنكون سوى... ماتخافيش!

"ثم سمعتا صوت جرس الباب لتقول شمس في سعادة"
- ده أكيد رامـي! أنا هروح افتح على ما تجهزي

"وعندما فتحت الباب، نظر رامـي لها متأملاً إياها في ثوبها باللون الأسود والذي يصل إلى ركبتيها في نعومة بانبهار لم يتغير منذ أن أحبها، نظر إليها أخيراً ليقول"
- إيه الجمال ده!

"عبثت بخصلة من شعرها في دلال قائلة"
- دي حاجة بسيطة

"دخل من الباب ثم اقترب منها كثيراً ليقول في مكر"
- هو أنتِ ليه مش بتوريني أي فستان تشتريه غير لما تلبسيه في يومه؟

"ضحكت قائلة في مكر هي الأخرى"
- عشان ابهرك

"ثم ابتعدت عنه قليلاً عندما سمعت صوت قدوم ندى التي ابتسمت قائلة"
- أنا جاهزة

.....

"كان حفل الزفاف رائعاً ومليئاً بالمدعوين، الأمر الذي أشعر ندى بالتوتر بعد الفترة الطويلة التي قضتها بعيداً في عزلتها، توجهت مع رامـي وشمس ناحية الطاولة الخاصة بهم وجلسوا عليها حتى أتى العروسان ليبدأ العُرس.
كانت رقصتهما الأولى رائعة للغاية وقد كانت سعادتهما ببعضهما البعض واضحة للجميع، كانت نسمة تبتسم طوال الرقص وذكرى واحدة تخطر في بالها... المرة الأولى التي رأته فيها... لم تكن تتوقع أبداً أن الرجل الذي رأته في ذلك اليوم وأعجبت به إعجاباً عابراً سيصبح زوجها يوماً ما.
خمسة أعوام مرت... تغيَّر فيها كل شيء.
هو الآخر لم يكن حاله مختلفاً عنها، لم يكن يتخيل في يومٍ من الأيام أن يحب امرأة أخرى بعد زوجته، والتي كان غيابها صادماً له، والآن... أمامه المرأة الوحيدة التي استطاعت أن تدخل قلبه بمنتهى الخفة والهدوء. هو الذي كان يظن أن حياته قد انتهت بالفقد، لم يكن يعلم أن حياته ستبدأ للتو.
بعد انتهاء رقصتهما، جاءت الرقصة الثانية والخاصة بجميع الثنائيات الموجودة بالعُرس، عندها... التفت رامـي إلى شمس وقال بابتسامة"
- نرقص؟

"اومأت برأسها بابتسامة ليقوما سوياً ويبدآ الرقص، ولحسن الحظ، كانت الأغنية الخاصة بهذه الرقصة هي نفس الأغنية التي رقصا عليها يوم الزفاف، ابتسمت شمس في سعادة ليسألها رامـي قائلاً"
- بتضحكي على إيه؟

"نظرت إليه بابتسامة رائعة لتقول"
- الأغنية دي هي نفس الأغنية اللي رقصنا عليها يوم فرحنا

"تذكر رامـي ذلك اليوم الذي يراه أجمل يومٍ في حياته، أسند جبينه إلى جبينها ليقول بابتسامة ماكرة"
- طب قوليلي بتقول إيه

"ضحكت شمس قبل أن تبدأ بغناء الأغنية مرة أخرى وهي تشعر أن الزمن قد عاد خمسة أعوام إلى الوراء مجدداً، وهو يركز انتباهه على الكلمات التي تصدر منها هي أكثر من تلك التي يسمعها وقد راقه صوتها هي أكثر من أي صوتٍ آخر.
كانت ندى تتأملهما أثناء الرقص في شرود، لطالما كانت تؤمن أنهما يليقان ببعضهما كثيراً ولا غنى لأحدهما عن الآخر أبداً، حتى رقصهما كان مميزاً عن البقية... كان يميزه الشعور لا الحركات الجافة، وكأنهما يرقصان بمفردهما على هذه الساحة الواسعة.
عادت بذاكرتها إلى يوم عُرسهم جميعاً منذ خمسة أعوام، لقد رقصت هي الأخرى رقصة مميزة معه، هما أيضاً كانا مميزين قبل أن يرحل، هل كان يرى هو الآخر أنه هو وهي مميزان؟ وإن كان يرى ذلك، كيف رحل هكذا دون أن يلتفت؟ هل حقاً قابل من يكون مميزاً معها أيضاً؟ إنه...
انقطع شرودها عندما انتبهت ليدٍ وُضعت على يدها لتلتفت فتتسع عيناها في صدمة... هل... عاد؟؟
كان يجلس أمامها وهو ينظر إليها دون كلمة، شعرت بأن أعصابها على وشك الانهيار تماماً قبل أن تخرج منها همسة مشتاقة"
- رامز!!

"قام من مكانه ليمسك بيدها ويأخذها معه خارج القاعة إلى الشرفة الواسعة المجاورة لها والتي كانت خالية من أي أحد إلاهما، ودون كلمة... وضع يديه حول خصرها لتلف هي الأخرى يديها حول عنقه ويبدآن الرقص على أنغام الأغنية التي يرقص عليها البقية بالداخل وسط صمت يضجُّ بما هو أكبر من الكلمات.
كانت تتمسك به أثناء الرقص بقوة وكأنها تخشى أن تفلته فيختفي، أغمضت عينيها لا تريد فتحهما حتى لا يتحول كل ما تشعر به الآن إلى حلم سيختفي بمجرد أن تستيقظ، لقد عاد... إنه هنا... هو هنا.
كان هو الآخر مغمضاً عينيه وهو يفكر... كيف استطاع أن يبتعد لعام كامل؟ عندما سافر في البداية، ظن أن الأمر سيكون سهلاً، وأن غضبه منها سيدفعه رغماً عنه إلى النسيان، ولكن العكس هو ما حدث.
عام كامل تطارده فيه طوال الوقت بكل ما بينهما من ذكريات وأوجاع، لقد اشتاقها بشكلٍ جنوني لم يكن يتخيله.
عامٌ كامل ظل فيه يسأل عنها بين فترةٍ وأخرى ليخبره رامـي بأنه لا جديد يطرأ عليها سوى الانعزال والوحدة، الحمقاء... تعذِّب نفسها في وجوده وفي غيابه.
شعر بالامتنان لتلك الصدفة التي جعلته يحدِّث رامـي ليخبره بأنه سيذهب في آخر الأسبوع إلى زفاف كرم ونسمة لينتهز تلك الفرصة ويعود إليها مجدداً.
بعد كل شيء، لن تحلو له السعادة ولن يحلو له التيه إلا معها هي.
وبعد انتهاء الأغنية التي أخرجت جميع ذكرياتهما معاً على هيئة دموع غزيرة صامتة، انتهت رقصتهما أيضاً.
رفع رأسه عن كتفها ليرى عينيها دون أن يبتعد عنها، قالت بصوت منخنق محاولة السيطرة على دموعها عندما رأت نظرته المشتاقة والمعاتبة"
- أنا آسفة!

"ظل ناظراً لها نفس النظرة دون رد فاتبعت وقد جرت الدموع فجأة"
- هعمل أي حاجة عشان تسامحني... وترجعلي

"ظل صامتاً للحظات ثم قال في هدوء"
- هسامحك بشرط

"نظرت إليه في أمل بعينين مغطاة بالدموع، ابتسم ابتسامة هادئة ثم اتبع"
- هنجيب 3 ولاد و 3 بنات، أقل من كده مش هقبل

"اومأت موافقة سريعاً ثم تعلقت في رقبته وقبَّلته في سعادة وفرح.
وفي الجانب الآخر... عندما انتهت الرقصة وقبل أن يتركا الساحة، اقتربت شمس من رامـي وهمست إلى جوار أذنه بابتسامة سعيدة"
- أنا حامل!

"نظر إليها في ذهول قائلاً"
- بجد؟

"اومأت برأسها إيجاباً لترتسم على وجهه ابتسامة كبيرة قبل أن يفاجئها بأن حملها وأخذ يدور بها في سعادة وهو يقول بصوت عالٍ سمعه الحضور"
- شمس حامل!

"تسلطت الأضواء ناحيتهما فجأة وسط تصفيق الحضور في سعادة وخاصة نسمة التي كانت تدري معنى وجود هذا الطفل الجديد بالنسبة لكليهما... حياة جديدة على وشك البدء للجميع."

.....
الخاتمة
بعد مرور خمسة أعوام

- أنا مش عارف مين مجنون يجيب ست عيال في خمس سنين!

"قالها رامـي مخاطباً رامز الذي كان يسير ذهاباً وإياباً في قلق على ندى التي كانت في غرفة العمليات لأجل ولادة الصغير الجديد ليكتمل فريق صغارهما بستة أطفال كلٌ منهما أجمل ممن سبقه... منهما تؤامان كل منهما ولدٌ وبنتٌ، وطفلة صغيرة في عمر العام، نظر له رامز في تعجُّب قائلاً"
- إيه الجملة دي؟ ليه محسسني إني عايش في بيتك وزاحملك الصالة عندكم؟

"قال رامـي في غيظ"
- صالة إيه؟ أنت مش بتفكر في الغلبانة اللي جوة دي؟ هي أرنب؟

"قال رامز بابتسامة عابثة"
- هي مبسوطة! أنت مالك؟

"ثم اتبع قائلاً"
- وبعدين المرة دي أهم من أي مرة

"نظر له متسائلاً"
- اشمعنا؟

"جلس رامز إلى جواره ليقول"
- احنا أول مرة خلفنا أدهم ورقية، وتاني مرة كريم وفرح، وتالت مرة فريدة، المفروض المرة دي زياد يجي بقى عشان اكمل التشكيل صح

"قال رامـي وقد تذكر شيئاً هاماً"
- صحيح! أنت ازاي كل ده ماتعرفش نوع البيبي إيه؟

"هز رامز رأسه في نفي ليقول بابتسامة كبيرة"
- مش عايز اعرف، عايز اتفاجئ

"نظر له رامـي متعجباً ليقول"
- أنت كل ما بتكبر كل ما بتتجنن زيادة

"نظر له رامز بنصف عين قائلاً"
- بكبر؟! اتكلم عن نفسك!

"ثم التفت إلى شمس التي كانت تتابع حوارهما وظهرها يؤلمها بسبب كثرة الضحك وهي تشعر أنها على وشك الولادة الآن... فقد أنجبت طفلاً أسمته آدم تيمناً بصغيرها الراحل، ومن بعده شمس، وها هي الآن تنتظر مازن عما قريب، وقال"
- ما تقولي حاجة لجوزك العجوز ده!

"تمسكت شمس بذراع زوجها لتقول مدافعة"
- مين قال عجوز؟! ده قمر!

"نظر إلى رامـي بابتسامة ساخرة ليقول"
- طيب أنا هروح اجيب قهوة، اجيبلك معايا يا قمر؟

"وكزه رامـي في ذراعه ليقوم رامز ضاحكاً ليحضر القهوة، وعندما وصل إلى الطابق السفلي الأخير، لمح امرأة شعر بأنه يعرفها ليتوقف عن سيره ويعاود الالتفات لها مجدداً، اتسعت عيناه في ذهول... إنها نانسي.
كانت تجلس على الكراسي الموجودة في الطابق وإلى جوارها طفلة صغيرة وطفلٌ آخرٌ بداخلها لم يأتِ بعد.
أخذ يراقبها حتى وجد زوجها قد أتى إليها من الخارج ليقبِّل وجنتها ووجنة الصغيرة بابتسامة حنونة، من الواضح أنهما ينتظران موعداً مع الطبيب لأجل حملها الذي يبدو أنه على وشك أن يثمر عن طفلٍ صغير عما قريب جداً.
ابتسم في هدوء لهذا المشهد وشعر براحة كبيرة في داخله خاصة وهو يتأمل تعابير وجهها التي تمتلئ بالحب وهي تنظر إلى زوجها وتحدثه كثيراً، إنها سعيدة... أخيراً.
الآن فقط يمكنه القول أنه قد شعر بالراحة اللانهائية التي لا تشوبها شائبة، لم يعد في حاجة لشرب القهوة كي ينصلح مزاجه، لقد انصلح للتو.
وعندما عاد وجلس إلى جوار رامـي مجدداً بابتسامة هادئة، نظر له متسائلاً"
- إيه اللي حصل؟

"نظر له رامز قبل أن يقول في راحة"
- مافيش... مبسوط

"شعر رامـي بأن هناك شيء ما يريد قوله، ولكن قبل أن يسأله، وجد هاتفه يرن ليجد اتصالاً من المنزل"
- ألو!

"جاءه صوت طفلته الصغيرة شمس التي كانت تبكي لتقول"
- بابي!

"قال في قلق"
- مالك يا شمس؟ بتعيطي ليه؟

"قالت الصغيرة بصوتٍ باكٍ"
- أدهم باسني في خدي

"نظر إلى رامز وهو يقول"
- أدهم باسك؟ ليه؟

"حاد رامز بنظره عنه، قالت الصغيرة"
- عشان كان بيصالحني

"سألها قائلاً"
- عمل إيه؟

"قالت الصغيرة وهي تبكي"
- شد شعري عشان كنت بلعب مع كريم

"عاد لينظر إلى رامـز وهو يقول"
- شد شعرك؟!

"همس رامز في غيظ مما فعل ابنه"
- غبي!

"قال رامـي مهدئاً الصغيرة"
- ماتعيطيش يا شمس! أنا مش هتأخر وهجيلك على طول، خليكي مع آدم والعبوا سوى، ماشي؟

"وعندما أغلق الخط، نظر إلى رامز ليقول"
- ابنك بيبوس بنتي ليه؟

"قال رامز في وداعة"
- بيصالحها، أنت مش قلت شد شعرها؟

"نظر له رامـي في غيظ دون رد ليتبع هو قائلاً"
- بصراحة أدهم عايز يتجوز شمس

"نظر له رامـي في دهشة ليتبع"
- أنت عارف إنه خلاص قرب يخلص حضانة، يعني جاهز... قلت إيه؟

"رد رامـي في جدية غريبة"
- أنا ماعنديش بنات تتجوز قبل ما تخلص حضانتها

"نظرت إليهما شمس في ذهول وهي تقول"
- إيه اللي بتقولوه ده؟

"نظر لها رامز متسائلاً"
- عندك مانع؟

"كادت أن ترد قبل أن يخرج الطبيب من غرفة العمليات أخيراً ليتقدموا ناحيته، سأله رامز في لهفة"
- طمنني يا دكتور!

"ابتسم الطبيب قائلاً"
- مبروك! مدام ندى جابت ولد

"ضحك رامز في سعادة قائلاً وهو ينظر إلى رامـي وشمس"
- ولد! بقوا تلاتة وتلاتة بجد، أنا بقى عندي ستة

"عانقه رامـي في سعادة ليقول بابتسامة كبيرة ممازحاً إياه"
- مبروك الفرقة!

****

إلى اللقاء في الجزء الثاني "ما بعد الضجيج"

الجمعة من كل اسبوع


روايات نور محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس