عرض مشاركة واحدة
قديم 05-07-22, 12:22 AM   #258

نورهان الشاعر
 
الصورة الرمزية نورهان الشاعر

? العضوٌ??? » 477398
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 2,761
?  نُقآطِيْ » نورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond repute
افتراضي







الفصل الثامن

يا أحلامي الصغيرة
كيف كبرت في غفلة عني
كيف أنعشت صدري بالحنين
و رافتني عبر السنين
لتختفي فجأة و أنا على بعد خطوة منك
لتتركينني و قد كنت ملاذي
يا أحلامي أثت جدرانك بالأمل
و لمعت رفوفك دون ملل
زرعت فيك وردا بالألوان
و رصعتك بنجوم بريقها فتان
خبأتك في قلبي يا أحلامي
و جعلتك مهجة أيامي
ضممتك لصدري و سلمت لك أمري
رعيتك كطفلي الصغير
و أخذتك دوما معي للسرير
فكيف حبيبتي تجابهينني بالجفاء و قد كبرت؟
كيف تغيرت عني في الخفاء و تجبرت؟
كيف شعرت بعيدا عني بالإكتفاء و تمردت؟
لا تكوني قاسية علي فأنت من دم قلبي
لا تعاديني فأنت رفيقتي في دربي
جودي علي يا حبيبتي بالوصال
أنيري أيامي يا بارعة الجمال
لا تتركيني وحيدة بعد عمر من ولاء
لا تسحبي مني أمالي و تملئنني بالخواء
ظلي معي كما كنت دوما وفية طفلتي
لا تكبري علي فأنا منك و أنت مني


(١)
_لكنك جميلة، جميلة جدا.
نفس الجملة سمعتها اليوم من نائل،x لكن شتان ما بين هذه و تلك،x فالأن هي تشمئز من الكلمة التي جعلت كل أحشائها تنقلب بنفور شديد . كرهتها بكل جوارحها و كأنها سم لفظ ليردها قتيلة،x لكن حينما سمعتها من نائل كان الأمر مختلفا تماما و قد شعرت أنه أهداها حياة!x فما بين كلمة رفعتها إلى عنان السماء من شخص و فتحت لها أبواب السرور،x إلى نفس الكلمة رمتها إلى سابع الأرض و أدخلتها للأبواب الجحيم! فكيف للكلمة أن تحمل معنا فوق معناها على حسب الشخص الذي تلفض بها، و كأنها حروف جوفاء، لا تسقى بالروح إلا من بين شفتي ناطقها، الذي يمنحها المعنى من أحاسيسه و روحه.
ضربته بين رجليه بقوة و قد تملكتها طاقة غريبة ناتجة من خوفها و غريزتها الطبيعية في الدفاع عن النفس، و عقلها يصور لها أحباءها ما قد يطولهم إن وصل هذا المسخ لمبتغاه،x أطلق صرخة مزعجة صمت أذنيها و هو ينتفضx كوحش جريح، ينطوي على نفسه، لكن قبل حتى أن تأخذ أنفسها إنقض عليها بتوحش أكبر،x و هو يفض قميصها الذي سمع أزيز إنقطاعه كجرح شق صدرها،x كانت تقاومه بشراسة، تدفعه بكل قوتهاx دون أن يتزحزح من مكانه، و كأنه حائط من صخر، و رغم إحساسها بقوتها التي تخمذ xشيئا فشيئا إلا أنها لم تتوقف عن المقاومة، و ركله بيديها و رجليها، لكن ذلك ما كان يزيده إلا رغبة وحشية، و هو لا يقبل الخسارة أمامها أبدا، لكن فجأةx وجدته يبتعد عنها تماما مسحوبا بقوة عظيمة،x رفعت عينيها لتجد نائل،x قابضا عليه يضربه بقوة، فزار إطمئنان غريب صدرها، و قد كانت أشبه بالغريق الذي أوشك أن يستسلم للأمواج فيجد نفسه فجأة فوق بر الأمان و كأن كل ذلك لم يكن إلا كبوسا مزعجا، أسرعت هي إلى الصغير الذي كان جالسا امام أمه مختبئا في نفسه،x و هو يبكي بصمت،x عانقته و هي تربث على شعره قائلة بحنو رغم إنتفاضة جسدها كاملا من هول ما تعرضت له و نبرتها المرتجفة ككل شيء فيها.
_لا بأس يا حبيبيx كل شيءx سيكون بخير لا تخف.
رفع رأسه إليها يسألها بإهتمام و عينيه النجلاوتين الأشبه بكون واسع ينظران إليها بين دموعه.
_هل أنت بخير يا خالة،x هل أداك أبي بسببي؟
ضمته أكثر لصدرها و قلبها ملهوف مما كان سيشهده الصبي الصغير. أحقا هناك أسر تعيش بهذا شكل؟! طبعت قبلة حانية على شعره الأسود و هي تطمئنه قائلة
_أنا بخير،x بخيرx يا حبيبيx لا تخف.
إقتربت من السيدة الملقاة على السرير دون حراك كجثة غادرتها الروح، لتجس نبضها الذي كان منخفضا جدا تأوهت تقول بخوف شديد و قد تقبضت ملامحها بألم
_يا إلهي إنها تموت.!
_ه... هل ستموت أمي؟
قالها الصغير و هو ينظر إليها بخوف، عيونه الجميلة تبرق بتوسل أن تنفي الأمر و صدره الصغير يعلوا و ينزل بسبب تنفسه المضطرب. مسحت دمعة فرت من عينيها و هي تحرك رأسها بنفي بينما تطمئنه بصوت خرج منها مرتجفا.
_كلا كلا يا صغيري أمك ستكون بخير.
إقتربت منها نائل و هو يتصفحصها بقلق. يمسك وجهها بين يديه و عينيه تتجولان على جسدها الذي ظهرت عليه بضع ردود من الجزء الذي كشف عنه الجزء المنقطع. سألها بقلق بينما يزيل عنه معطفه يدثره بها ساترا ما ظهر منها و هو يغض بصره.
_سارة هل أنت بخير؟ هل أذاك؟
مجرد كلامه بلهجته الدافئة كان كفيلا بزرع الطمئنينة في قلبها،x تلك الطمئنينة التي نهشها الوحش قبل قليل نهشا، إبتلعت ريقها و هي تنظر إلى غابات عينيه اللتان تجلبان لها السكينة و تدثرانها بالأمان، ثوان و هي تحاول إمتصاص قوتها منه، قبل أن تعود لواقعها و هي تحس بيديه يشدان على ذراعها مطالبا إياها لتطمئنه على نفسها، حركت رأسها بموافقة و هي تقول بخوف شديد تترجاه و هي تستدير لتنظر للمرمية على السرير غارقة في دمائها و أنين الطفل الصغير يقبض قلبها
_أنا بخيرx بخير. لكنها تموت يا نائل يجب أن نأخذها حالا للمشفى.
إبتعد عنها مرغما و هوx يتأكد من سلامتها و قد كان جسده كاملا مشتعلا بنار الغضب الجنوني، بحيث إن أطلقه الأن كان ذلك كفيلا بتدمير المكان بأسره، منظرها و هي تعافر ببنيتها الضعيفة ذاك الوحش الأدمي الذي تجرأ على إنتهاك حرمتها، جعل الدم في عروقه يغلي سعيرا، و كأن النار إشتعلت في أوداجه، x إتجه إلى السيدةx المرمية فوق السرير، لينحني قليلا حتى وصلx لمستوها ثم حملها بين ذراعيه، أخرج هاتفه من جيبه ليتصل بالشرطة،x حتى تأتي وراء ذلك الوحش المكبل في الأرض. و هو يسرع بخطواته خارجا من الوكر القذر بعد أن نداها بصرامة لتتبعه.
نهظتx سارة من مكانها بصعوبةx و هي لا تعرف كيف لرجليها المرتجفتين كالهلام أن تحملا ثقل جسدها، جسدها الذي تحسه أطنانا من الحديد بسبب الهم الذي يتقلها الأم أمسكت يد الصغير بيديها الباردتين كالثلج، و هي تشد عليها بقوة و كأنها تحافظ على رباط نفسها من خلاله،x ليتجهوا جميعا للأسفل،xيجتازون درج المبنى المهترئ و كأنه خرج من تحت أنقاض الحرب، فلا تصدق أنه يمكن أن يكون مأوا لمخلوق غير الجرذان، رائحة العفونة تفوح من أرجائه فتثقل القلب و توجع الرئة، كان به طاقة سلبية غريبة تجاوزت مظهره السيء.
فتح نائل سيارته ليضع السيدة بحرص في المقعد الخلفي،x بينما ندى سارة لتجلس بجانبها تضع رأس الغائبة عن الوعي في حجرها، و قد غطى شعرها الأسود الطويل ملامحها تماما، فحجب بياضها الشاحب، كليل سقط على السماء دون سابق أنذار،xx فتح المقعد الأمامي للصغير يجلسه به و يربط له حزام الأمان، رغم أنه لم يصل السن القانونية بعد،x إلا انه لم يكن هناك حل أخر، فالضرورة تبيح المحظورة. كان يعلم أنها قوية رغم ما حصل إليها و قد علمتهم مهنتهم أن يتجردوا من أحاسيسهم و ضعفهم من أجل القيام بواجبهم.قال لها بصوت حازم لا يخلو من الرقة.
_هيا سارة،x حاولي أن تقومي بالإسعافات الأولية لها ريثما نصل،x بعدها سنرسل أحدا وراء سيارتك لإحضارها.x
حركت له رأسها بالموافقة،x لتباشر عملها. و هي تحاول أن تؤجل اللحظة التي تعلم أنها إقتربت، تمنع إنهيارها الحتمي بصعوبة و كأنها تحت تأثير مخدر الصدمة. كل خلايها ترتجف من الداخل، إنذار إلى نوبة كانت قد نستها منذ إجتازت عتبة الطفولة، غير أنه لا يبدو أنها قد غادرتها يوما، بل كانت راقدة في عقلها الباطن و ما حدث معها اليوم يصر على إيقاظها بقوة، في كل ثانية كانت تذكر نفسها بالصبي الصغير الذي قد يتيتم أن هي سمحت لضعفها أن يهزمها، تستنشق عطره الرجولي المشبع به معطفه الثقيل.لتساعد نفسها على الإبقاء على وعييها بمعجزة.
بعدx لحظات كانت السيارة تتوقف أمام باب المستشفى،و قد إنطلقت كالسهم تضرع الأرض،x لتنزل منها سارة بسرعة،x منادية أحد الممرضين بصوتها المرتجف الذي بدى و كأنه يخرج من أعماق بئر سحيق.
_هيا يا شبابx بسرعة أحضروا عربة متنقلة،x و جهزوا غرفة العمليات!
ثم عادت مسرعة عند نائل لتمسك يد الصبي تخرجه من السيارة. و هي تقبل رأسه محاولة بته طمئنينة لا تملكها هي. ففاقد الشيء أحيانا قد يعطي!
كان الممرضون قد أتوا بالعربة،x ليضعوا عليها المرأةx الغائبة عن الوعي، يتبعهم نائل و هو يلقي تعليمته بجدية،x و العرق يتصبب على جبينه رغم البرودة الثلجية للجو!
xx كان الصغيرx خائفا جدا،xيتشبت بيده الصغيرة في سارة بقوة،xو عينيه تتبعان أمه المبتعدة بقلب ملهوف، دون أن يجرأ على الذهاب وراءها، دموعه البريئة تغسل وجنتيه و هي تنزل بصمت عليها،x إنحنت على ركبتيها إليه، لتقارب قامتها قمته الصغيرة، رفعت يديها تمحو بها دموعه و قد نسيت أن خدها أيضا يحمل دموع ممثلة، إبتسمت له بحنو، تطمئنه بلهجة رقيقة بعد أن طبعتx قبلة على وجنتيه.
_لا تخشى يا حبيبي أمك ستكون بخير بإذن الله. ستعود سالمة إليك.
سألها بلهفة و قد بدى أنها إكتسبت ثقته، فأصبح يصدق كل ما تقوله له، بعد ما لم تخذله وقت إعتاد أن يخدعه الجميع
_حقا؟!
أومأت برأسها بتأكيد و هي تحمل كفيه الصغيرتين تقبل باطنهما بينما تقول له بحنان.
_بالتأكيد.x صغيري بالتأكيد. سأتركك الأن مع صديقتي لأذهب أنا لرؤية أمك. إتفقنا.
حرك رأسه موافقا.x لتقف هي منادية بصوت عالي رغم إرتجافه
_حسناء.x حسناء!
أتت حسناء مهرولة إليها و قد إتسعت عينيها بصدمة لما رأت حالتها، شهقت واضعة يدها على فمها و هي تسألها بقلق شديد
_يا إلهي سارةx ما بك حبيبتي؟ هل أنت بخير؟
تحدث سارة بجدية تقول لها بعجالة
_ في ما بعد يا حسناء لا وقت الأن.x إبقي مع هذا الطفل.
لتنحني للصغير تسأله برقة قبل أن تذهب
_لقد نسيت أن أسألك عن إسمك صغيري.
حرك الطفل رأسه و هو يجيبها بصوته الطفولي الممزوج ببحة البكاء.
_إسمي جود
إبتسمت له بحنان و هي تقول برقة
_جود؟xما شاء الله إسمك جميل جدا يا صغيري،x أنا إسمي سارة،x سأكون سعيدة إن وافقت أن نصبح أصدقاء.
حرك رأسه موافقا و هو يقول،x بينما يمد لها يده الصغيرة كعلامة للصداقة
_موافق.
أمسكتx يديه لتقبلها قائلة بحنان شديد
_حسنا يا جود البطل.x من الأن نحن أصدقاء،x الأن ستذهبx مع حسناء لتتنولا شيئا لذيذا،x و أنا سأحاول معالجة أمك إتفقنا صغيري
حرك جود رأسه و هو ينظر إلى حسناء. التي كانت تتجول بنظرها على الصبي و سارة بفضول و قلق دون أن تعرف ما حدث.أعاد نظره مجددا لسارة ليقول بطاعة و عينيه الجميلتين تتوسلانها
_حسنا لكن عديني أن تنقدي أمي.
حركت رأسها بموافقة تكتم غصتها و هي تجبه برقة.
_أعدك صغيري.
طبعت قبلة على جبينهx لتعتدل في وقفتها تسلمه لحسناء و تقف في مكانها لتنظر إلى إبتعادهما، كانت متعبة جدا مرهقة من هول ما حدث إليها، إلا أنها لحد الأن بدت كما لو أنها قد فقدت ذاكرتهاx مؤقتا عن ما حدث لها،x إستدارت للذهابx إلى الغرفة حيث ترقد أم الطفل،xو هي ترفع يديها لتمسح عبراتها، تحاول أن تتحكم في ضعفها، لتخرج منه قوة لا تملكها! تنهدت بثقل أنفاسها التي تجثم على صدرها، و قبل أن تتخذ خطوتها في الدخول، أحست بظل وقف أمامها يحجب عنها الضوء، لتنتفض رغما عنها و هي تستدير إليه واضعة يدها على قلبها و قد منعت شهقتها من الإنفلات. عادت أنفاسها للإنتظام و عي
تجد نائل ورأها،x نظر لها نظرات غريبة يتفحص وجهها الشاحب و عينيهاx الزائغتين. لثواني إكتفى فقط بالنظر إليها و هو يتفحص كل خلاجتها و سكانتها،x صدرها الذي يعلو و يهبط بطريقة رتيبة،x ريقها الذيx تبتلعه بين الحين و الأخر فيظهر ذلك في عضلات رقبتها،x حتى يديها اللتان تضمهما إلى صدرها يرتجفان! عاد يرفع نظىه إلى عينيها الليليتين قبل أن يقول بصوت خرج منه مبحوحا، لكنه مثقل بعواطفه الحنونة
_إرتاحي أنت سارة، أنا و باقي الطاقم الطبي سنتكلف بكل شيء.
حركت رأسها بنفي و هي تقول بينما تشد بيديها لا شعوريا على ياقة المعطف، حتى إبيضت أصابعها
_كلا. أريد أن أكون معكم لقد وعدت الصغير، يجب أن أنقدها مهما كان!
عض على باطن خده و هو يتنهد بقوة، قبل أن يومئ
برأسه قائلا
_ حسنا كما تريدين لكن إذهبي أولا لتغيير ملابسك.
إنتفضت رغما عنها و هي ترفع يديها تغلق سترته، و قد نسيت في خضم حربها مع نفسها و أشباح الماضي ما ترتديه! يجتاحها عطره الرجولي الدافئ، فيغلف كافة أوصالها، ما علمته متأخرة أنها ما كان تستمد قوتها حتى الأن إلا من رائحته التي تطوقها باعثتا الأمان في صدرها، وجدت فيه جنانا من الأمان و الإحتواء، هي التي لا تمنح أمانها لأحد بعدما عانته في طفولتها، هي التي لا تأتمن غير أبيه و أخيها على نفسها، وجدت أنها أعطته بالكامل كل روحها! علمت أنها ستنهار تماما ما إن خلعت عنها المعطفx الأن، فتشبتت به كمن يتشبت بسترة نجاته، لتحرك رأسها بقوة و هي تقول بإعتراض شديد و كأنها أم يرغبون سلبها رضيعها.
_كلا أريد أن أبقى بها!
يا إلهي ماذا تفعل به هذه المرأة!x صورتها الأن و هيx تضم معطفه لها ستجعله يسهر ليال طويلة يتخيلها و هوx يتمنى لو أن جسده كان مكان المعطف ليمنحها كل الدفئ و الأمان الذي تحتاج.x يبدوا أنه سيظطر إلىx حضن هذاx المعطف كثيرا بعد أستعادته له،x يتشمم رائحة عطرها الممتزج برائحته هو،x مجرد الخيال ألهب مشاعره!x مشاعره الملتهبة الأن بعواطف غريبة من الحمائية و الرغبة بالإحتواء،x فهو يراها أمامه طفلة صغيرة،x تائهة بعالم مليء من الوحوش،x و رغم ضعفها الذي تشع منه كل ذرة بجسدها إلا أنها تصر علىx الحفاظ على إتزانها،x و إظهار نفسها أقوى! طال شروده بها كثيرا، و لم ينل منها أي مبادرة و هيx تصر علىx حضن معطفه بطريقة أوجعته علم أنها بحالة غير طبيعية فلم يشأ مجادلتها و هو يحرك رأسه هامسا بصوته المبحوح.
_حسنا إذن دعينا ندخل بسرعة لا وقت لدينا الأن!
تبعته دون تضيف شيئا و ما كان لها ما تضيف في الأصل! و هي لا تزال تتشبت بسترته دون أن تعتقها للحظة من يديها، تستنشق عطره عله يمنحها الطاقة اللازمة لتحتفض بوعيها الأن، كانت تعلم أن مقاومتها هذه لن تطول و قد عادت إلى ذاكرتها، ذكريات طفولة سوداء، جعلتها تصاب بالخرس لأكثر من سنتين! ذكريات لم تشفى من ألمها إلا بعد سنين طويل من العلاج و المتابعة الطبية، وقت ما لم يكن والدها يتركها للحظة أبدا، ينيمها معه على سريره، ليحميها حتى من كوابيسها ليلا، و يبدوا أن تلك الكوابيس لن تنتهي أبدا. فها هي تعود للصحو من مرقدها بقوة شديدة، ظنت أنها أصبحت أكبر من أن تؤثر بها ذكريات الطفولة، لكنها كانت مخطئة!
______

كانت بيلسان في طريقها للعودة للمنزل مساءا، بعد أن إنتهت من علمها،x قررت أن تتمشى على رجليها قليلا رغم بعد المسافة بين الشركة و منزلهاx لكن الجو جميل جدا فأغراها على المسير برفقته، خصوصا أنها كانت تود سرقة بعض اللحظات للتفكير في هدوء، و دوما حين كانت تود فعل ذلك تختار المشي لوقت طويل مع أفكارها، تحس أنها بذلك تستطيع تنظيم تفكيرها و فهمه بوضوح. لقد كانت دوما تحب الخلوة مع نفسها لوقت طويل، و المشي مع نسمات الهواء العليل، التي تداعب خصلات شعرها البنية،x فتجعلها ترفع يديها لترتبها بإستمرار،xو رغم تأففها من الأمر إلا أنها لا تجمعه في ربطة تعفيها من معركتها هذه. و كأن هذا الأمر أيضا من طقوس إختلائها الغريبة، خصوصا أن مدينتهم تكاد لا تهدو أبداً من الرياح التي تظل مشتغلة بها طوال أيام السنة، طريق بيتهم أتى في مكان منعزل عن المدينة، و قد أتى ذلك على هواها فهي تحب الهدوء كثيرا، و بطبعها لا تميل للأماكنx الصاخبة.
كان منزلهم يقع بجانب البحر الذي تعشقه كثيرا بطريقة غير مفهومة، ذاك الذي تربت و كبرت على زرقته، تعانق أمواجه من بعيد، و تسر له بكل خوالجها دون أن تكل أو تمل، ففي البحر تعاويذ سحرية غريبة تجعلك تعشقه دوما، و تمنحه ثقتك و أسرارك دون تفكير، ذاك أنه بزرقته المتلألئة و صوته الحاني يحتوي روحك بطريقة لا يجيده سواه، ذاك البحر الذي أكل من أرواحنا الكثير، و خط بيده نهاية العديد من بني جنسنا، لن توقف عن حبه يوما و الثقة به دوما، ففيه سحر رباني غريب، شفاء للنفوس و راحة للقلوب. زرقته أمواجه زبده، و قطراته التي قد تتطاير عليك و هو يصدم الصخور بقوة، فتتناثر كشظايا زجاج ناعم، لا يجرحك إن لامس جلدك بل يمنحها الأمان.
كان الشارع شبه خال في هذه الساعةx من المساء،x بل هو هكذا في كل الأوقات، كثيرا ما حظرها والديها من ممارسة عادتها المجنونة و التجول على رجليها دون رفيق، فما عاد في الدنيا أمان، لكنها بعنادها تصر دوما على ذلكx فهذا الهدوء يروقها كثيرا لأخذ وقت طويلx في تأملx كل ما يحيط بها سواء في العالم الخارجي أو حتى داخل نفسها،x هي دائما و منذ صغرها كانت تحب الإنعزال بنفسها عن الناس،x و الإكتفاء بذاتها دون أن تسمح لأحد بإختراق عالمها الخاص،x لكن مع أماني و أمنية الأمر كان يختلف تماما،x فهي تعتبرهما جزءا منها.xو كأنهم ثلاثتهم يشكلون روحا واحدة، قلبا واحد. لقد كانت دوما مرتبطة بهما بطريقة غريبة و غير مفهومة، إن كانتا هما توأمتين فهي توأمتهما الثالثة و إن لم تنجبها نفس البطن، هناك علاقة نرتبط بها بحكم الدم، و علاقات أخرى تفرضها علينا الأرواح دون أن نفهم لها معنى تنهدت،x تنهيدة مثقلةx بالهم و قد إكتست الدموع عينيهاx ، و هي تتذكر الحالة التي وصلت إليها توأمتيها بعد وفاة خالتها الحبيبة توليبx و التي كانت تعتبرها دوما اما ثانية لها، توليب بموتها مات معها كل جميل، و أخذت بيديها كل الأمان و الراحة، فكيف حقا إنسانة واحدة كانت تحمل في كتفيها أسرة كاملة؟! فتشتت من بعدها الجميع؟!x أمانيx التي تعاني بعيدة بسبب تلك الافعى المسماة بخالتها و قد نفيت مرغمة إلى مكان لا حبيب و لا رحيم لها به،x و أمنية الصغيرة الحساسة التي فقدت فجأة كل عائلتها، فوجدت نفسها وحيدة تماما بعدما كانت مدللة الجميع، من كان يدري يوما أن كل هذا سيحدث؟xأن تلك السعادة و الأمان سيختفيان و كأنهما لم يوجدا يوما! سيذهبان دون نية بالرجوع، فبين ليلة و ضحها إنقلب كل شيء!
لكن صدقا لا يجب إيئتمان الحياة ابدا. فغدرها يأتي على غفلة منا و كم يكون قاسيا و مجحفا.
في غمرة أفكارها لم تنتبه للعينين اللتان كانتا تتربصان بها بإبتسامة خبيثة إرتسمت على شفتيه النجستين، و قد أتت فريسته للمصيدة بقدميها.
سهلت عليه المهمة و هي تستدير إلى أحد الأزقة المهجورة لتختصر الطريق. دون أن تعلم ما يحاك وراء ظهرها من شر لها، كانت قد أصبحت على بعد مسافة قريب من منزلهم،x لكنها أول ما إستدارت في الزقاق المظلم،x حتى شهقت بهلع و هي تحس بيد تدفعها للحائط،x لتكبل يديها.

_إلى أين العزم يا جميلة.
صوت رجولي خشن همس قرب أذنها بصوت مزعج كطنين الذباب. حاولت إبعاده عنها بقوة و هي تصيح به.
_إبتعد عني أيها الحقير ماذا تفعل؟ إبتعد؟!
أكمل بلهجة منخفضة تقطر وعيدا
_شو !x كوني فتاة مطيعة كي لا أؤذيك.
كانت تزيحه عنها بقوة و هي تصيح فيه بجنون
_إبتعد.x إبتعد.
إتسعدت عينيها و هي تراه يسحب من جيب سرواله سكينا لمعت فضيته على الضوء الخافت للشارع و هو يقول.
_هات ما لديك بسرعة. و إلا زينت وجهك بندب جميل يرافقك طوال حياتك.
قالها و هو يسحب حقيبتها دون أن يعتق يديها. و نظراته ترتكز على العقد الثمين الذي كان يزين رقبتها و هو هدية من غاليتها توليب. حاول أخذه منها،x
لكنها أبعدت يده بعنف و هي تصرخ بإندفاع.
_لن تأخذه أبدا!
إنتفخت أوداجه و قد إحمرت عينيه بشدة و هو يقول.
_ترفعين صوتك علي يا إبنة ***.x و الله لن تمر سليمة!
أغمضت عينيها و هي تخفي وجهها بيديها بينما شقت صرخة مرتفعة حنجرتها و هي ترى السكين يرفع عاليا يستهدف وجهها بالضبط!
إنتظرت أن يسقط المصل الحاد على أي من أطرافها، تستقلب نهاية مأساوية لم تتخيلها لنفسها، و بدلا من ذلك، أحست بإبتعاده عنها بقدرة قادر، لتزيح يديها عن وجهها و هي تنظر بقلق تخشى أن ينزل عليها السكين من حيث لا تحتسب.
لكنها صدمت و هي تراه مستلقيا على الأرض، يعتريه رجل أخر بدا أقوى منه بنية يسدد له اللكامات.xدون أي مقاومة منه!
إنحنتx تجمع محتويات حقيبتها التي تناثرت على الأرض بعد أن سحبها منها بعنف، يديها ترتجفان و هي لم تخرج من تأثير صدمتها بعد،x كانت تنوي الهروب من كل هذا،تصب لعنتها على كل شيء!
لكن قبل أن تذهبx بقلة ذوقها متجاهلة الرجلين السارق و المنقد أوقفها صوت ينادي بتهذيب.
_إنتظري يا أنسة!
إستدارت إلى الشخص الذي أنقذها و الذي لم ترى وجهه إلا الان،x كان شابا في أواخر العشرينات أو أوائل الثلاثينات،x أقل ما يقال عنه أنه وسيم،x بشعره الأشقر المصفف بعناية،x و عينيه البنيتين العميقتين، إقترب منها قائلا بأدب و بنبرة رخيمة.
_هل أنت بخير أنستي؟
كان شكله و طريقة حديثة تليق بمن يصطلح عليهم"الجنتل مان"،x و التي كانت دوما على ثقة بعدم وجودهم إلا في الروايات التي تحب قراءاتهم دائما للترفيه عن نفسها.x لكنها بتأكيد لم تكن غبية حتى تصدق وجودهم. رأته يقترب منها بينما يترك مسافة مناسبة بينهما و هو يسألها
_هل أذاك؟
حركت رأسها بالنفي و هي تجيبه بكبرياء.
_لا أنا بخير.x شكرا لك.
قالتها و هي تتجاوزه لإكمال طريقها إلى المنزل، فلم تعرف لما شيء فيه جعلها تشعر بالتوجس، أو ربما هي فقط الحادثة أثرت على تفكيرها،xدوما كانت لا تحب الإختلاط مع الرجال أو الحديث معهم، فهي تحس أنهم مخلوقات تافهة لا تطيق غباءهم.x غير أنه إستوقفها قائلا.
_إنتظري لا يمكن أن أتركك تسرين لوحدك بعدما تعرضت له.
رفعت حاجبيها قائلة بسخرية و هي تحاول التحكم في إنفعالها لا تريد أن تفرغ غيظها عليه و قد أنقدها، لكنها لم تستطع منع فظاظتها معه و التي لطالما أخبرتها أمها أنها ستكون سببا في تعنسها، و هي تبعد أي مخلوق ذكر من حياتها.
_و من أنت.x الوصي شرعي علي مثلا؟ أم رجل الامن الذي يسهر على حماية المواطنين؟
إبتسم و هو يتحدث بصوته الشجي،x الذي ييدوا و كأنه يلقي شعرا.
_كلا لا هذا و لا ذاك أنستي، أنا فقط رجل شهم لا يمكنه ترك فتاة جميلة تتعرض للخطر، و تجاهل ذلك.
إبتسمت بإستهزاء قائلة بسخرية و هي تزم شفتيها
_تبارك اللهx يا أب الشهامة. إبتعد عن طريق أرجوك.
قالتها و هيx تتجاوزه بخطوات سريعة إلا أنها اضطرت لتتوقف من جديد حينما سمعته ينادي بإسمها.
_بيلسان.
إستدارت إليه عاقدة حاجبيها بتوجس و قد بدأ الشك يلعب بعقلها،x و هيx تسأله بنبرة إتهام.
_كيف عرفت إسمي؟!
إتسعت إبتسامته و هوx يقول
_لا تقلقيx بالتأكيدx لم أكن أتجسس عليك.
رفع يده يناول لها بطاقتها الشخصية و هوx يقول.
_أسقطت هويتك،x يبدوا أنك نسيتها و أنت تتهفتين لتحملي قلم الحمرة من الأرض.
تدرجت وجنتيها خجلا و هي تسحب منه البطاقة بعنف محاولة مدارات حرجها و هي تقول له بغيظ.
_لم يكن هناك داع لتقرأ ما لا يعنيك. من الأدب أن تناولها لي دون تفحصها.
غمزها قائلا.
_لا تقلقي بالتأكيد لم أقرأ تاريخ ميلادك أعلم أن النساء جميعهم يكرهون أن يعرف عمرهم دون أن أفهم السبب لذلك.
تأففت بسؤم، تسرع خطاها للهروب من هذا الثرثار التي سقطت معه. متجاهلة كلماته المستفزة، و هي تحاول ضبط أعصابها كي لا تسقط حقيبتها بضربة قاسية على رأسه، لا تعلم لما أي إقتراب من الجنس الأخر لها يجعلها مستَفزة و غاضبة بجنون. لا تطيقهم بالمرة و هذا بالضبط نزل على قلبها أثقل منهم جميعا! لكن المسكين يظن نفسه لطيفا بطريقته السمجة!
و رغم أنها تجاوزته لتكمل طريقها،x إلا أنه ظلx متتبعا أثرها حتى دخلت للمنزل، صفعت الباب وراءها ثم إستندت بظهرها عليه،x و هي تغيد ترتيب أنفاسها المهتاجة،x بسبب هرولتها السريعة و هي تهرب من تتبعه،x وجدت نفسها رغما عنها تفكر في ذلك المجنون الذي تتبعها حقا حتى البيت دون أن يتركها. و لا بد أنه لازال واقفا هناك! إستعادت ملامحه الوسيمة و شكله الأنيق، و تمنت لو تطل من عين الباب كي تتأكد من وجوده! حركت رأسها يمنة و يسرة تحاول رمي تلك الأفكار من رأسهاx و هي تقول.
_منمق أكثر من اللزوم،و ثقيل على القلب بكلامه.
_ما بك تتحدثين وحدك كالهبلاء، و ما تلك الإبتسامة المرسومة على شفتيك؟ ثم ما سبب صفعك للباب بهذه القوة، هل أخبرك أحد حبيبتي أننا لسنا محتاجين إليه، فقررت تهديم جدرانه؟!
قالتها نارين و هي تستند بذراعها على حافة باب المطبخ، تحمل منشفة الصحون بيديها. إستقامت بيلسان في وقفتها و هي تقترب منها لتطبع قبلة على وجنتيها و هي تقول لها بمداعبة
_لا تهتمي حبيبتي هي الحالة أتتني و حسب.
رفعت نارين حاجبيها و هي تقول زمة شفتيها
_من المسكين الذي تحرش بك فإكتشف أنه وقع في العم قدور؟
ضحكت بيلسان و هي تقول بصدمة مفتعلة، بينما تضع يدها على موضع قلبها.
_أنا قدور يا نونو حرام عليك! و الله هذا ظلم في حق أنوثتي و رقتي!
حركت نارين و هي تقول
_في صد الرجال أنت جيش جبار، لا وجود لمن يقهره.
أكملت بيلسانx ضحكها و هي تتجاوز أمها متجهة إلى الحمام بينما تقول مغيرة الموضوع.
_سأغسل يدي ريثما تنزلين الطعام الجوع يقتلني!
قالت أمها بإستنكار في موشح أصبح معروفا لديها من كثرة تكراره
_أنا أحضر الطعام و أنزله و ما دورك أنت يا ست البنات. قوليلي ما مهمتك في الحياة بالله عليك!
ضحكت بيلسان و هي تقول بينما تتورى خلف باب الحمام
_أرجوك و الله متعبة جدا، أغلقي هذه السيرة المزعجة، لقد قررت إعتزال الزواج فقط كي لا أطبخ. أنا و أبي تعبنا من أجل إقناعك بإحظار سيدة لتساعدك لكنك لا تقبلين، لذا هو إختيارك يا أم بيلسان.
___________







التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 05-07-22 الساعة 01:21 PM
نورهان الشاعر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس