عرض مشاركة واحدة
قديم 05-07-22, 12:29 AM   #259

نورهان الشاعر
 
الصورة الرمزية نورهان الشاعر

? العضوٌ??? » 477398
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 2,761
?  نُقآطِيْ » نورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond repute
افتراضي

(2)
كانت تجلس فوق مكتبها منكبه على عملها، بينما تضع في أذنيها السماعات،x و هي تنصت إلى أحد أغاني القيصر، لقد كان المطرب المفضل عند أمها بجانب عبد الحليم،x كما هو المطرب المفضل لديها أيضا،x لطالما إعتادت في الماضي العمل و هي تنصت لأغانيه، فتصنع حيزا خاصا بها، ترحل بروحها و عقلها إلى مكان بعيد، فتلك الموسيقى الجميلة، تبدوا كبلسم للجراح و أحانها تنساب على الروح بسلاسة فتراقصها كعاشق وفي.
و رغم أنها إنقطعت عن هذه العادة لمدة بعد وفاة أمها،x إلا أن هناك عادة لا تموت أبدا،x قد تخمد لفترة بسبب الظروف، لكنها سرعان ما تعود لتحيى من جديد بقوة أكبر و نفس أطول،x بعض الطباع لقوتها تصير أشبه بعضو من جسمنا، متصل به دون أمل في إنفصال ، وقع نظرها على التاريخ المكتوب أسفل شاشة الحاسوب، و هي تقوم بإدخال الأرقام الجوفاء عليه، فكم كانت تلك الأرقام باردة عكس تلك التي في الأسفل و التي تشع نارا، نارا تلقف لهيبها روحها الملتاعة، لتشعر بقبضة تعتصر قلبها و هي تدرك أن ما يقارب الشهرين مرا على وفاة أمها، اه كم الأيام تمر بسرعة، هي لا تكلف نفسها الوقوف و لو للحظة حتى نعيش فيها ألامنا كما ينبغي و لا تهدينا من عندها وقفة حداد صغيرة ترثي معنا فيها ما ذهب، هي فقط تمضي، تمضي بسرعة و تجبرنا على المضي معها، ما فات عندها مات، و ميتها لا تكرمه بدفن أو عزاء، لا تذرف عليه دمعة و لا تغزل له رثاء، ذاك الميت الذي هو عندنا كل الحياة، و نبض الروح و عيشها، هو لها مجرد واحد بين أعداد لا تحصى، كحبة رمل ما كان ليهتم بها من أفلتها من بيده ، فكل الحبات عنده سواء، إن أخذ الريح واحدة فهناك بدلها ألفا،x كانو في بدايات الشتاء،x و الأن قارب الربيع على الدخول،x أحقا سيأتي ربيع! أحقا ستزهر الورود من جديد و تنسى رفيقتها؟ أستخرج الفراشات لتطير و توليبها ما عادت موجودة؟ أستستعيد الأشجار وريقاتها و هي تكتسي حلة فصلها الحبيب؟أسيغرد السنون. أسيحلق الطير؟ أحقا هكذا ستتعقب الفصول كأن شيئا لم يحدث؟ هكذا ستستمر الشمس بالشروق، و هي غابت شمسها للأبد تاركه الليل سرمدا معها، تكتسي وشاح شتاء قاسي، أمطاره سم و رياحه هم. شهران مرا! كل شهر يحمل ثلاثين يوما و كل يوم يحمل ألف هما، و الألم لايزال قويا كما كان. شهران و كأن الزمان توقف،x أو خرج عن نطاق العد. فلم تعد تحسب بأيامه أبدا. فقد الزمان الإحساس بها ففقدت هي إحساسها به و تعادلا!
"علمني حبك أن أحزن
و أنا محتاج منذ عصور
لإمرأة تجعلني أحزن
لإمرأة أبكي فوق ذراعيها مثل العصفور"
كانت كلمات الأغنية التي تردد صداها في قلبها،x يخاطب نفسها الحزينة تماما،x و قد أدركت الأن تماما،x ماذا يعني أن يجعلك حب كبير تحزن. ترابط غريب هو ذاك الذي بين الحب و الحزن، و كأن الأحزان ما هي إلا أنفاس الحب، و كأن الدموع ليست إلا قطرات العشق، فيوم تتعلم أن تحب، ستتعلم أن تحزن، فكل عاشق في الأصل حزين، ذاك أن الحب شعور من فرط سموه، لا نستطيع ملامسته دون أن نشقى، و هو إحساس روحي كما الحزن، و كلما كبر الحب و عظم، كبرت معه مأسيه و أحزانه، الحب لا يستمر في السعادة بها، فهي شعور قصير لحظي، و الحب أبدي سرمدي، لم يجد له رفيقا مخلصا غير الأحزان.
"أدخلني حبك سيدتي مدن الأحزان
و أنا من قبلك لم أدخل مدن الأحزان
لم أعرف أبداً أن الدمع هو الإنسان
أن الإنسان بلا حزن ذكرى إنسان"
إنقطع صوت الأغنية،x ليرتفع بدله رنين الهاتف مخرجا إياها من أفكارها المريرة و عالمها الحزين،x أجابت بسرعة ما إن رأت إسم بيلسان يظهر على الشاشة. و هي تتنحنح قبلا لتجلي صوتها الذي خرج مبحوحا من طول صمتها الثقيل
_نعم حبيبتي.x كيف حالك؟
ردت عليها بيلسان ببشاشتها المعهودة
_أنا بخير يا جميلتي و أنت؟
حركت أماني رأسها و هي تجيبها و قد تسرب لها بعض القلق أصبح ملازما لها و هي في بعدها عن حبيبتها، فلا ترى أي مكالمة إلا ندير شؤم.
_بخير.x بخير. ك.. كيف حال أمنية؟
إبتسمت بيلسانx و هي تقول بحنان و بهجة صادقة
_هي بخير الحمدلله،x لقد بدأت تخرج من قوقعتها،x و اليوم سيأتي رائد عندنا ليخطبها من أمي.
نزلت دموع أماني دون إرادتها،x و هي تبتسم بألم بينما تقول بسعادة غلفها الحزن.
_حبيبة قلبي.x كم تمنيت أن أكون معها في هذا اليومx المهم في حياتها. لا أصدق أني سأفوته. و لن أكون معها بعد طول إنتظاري له
شعرت بيلسان بألمها و ودت لو كان بيدها شيء لتخفف عنها فقالت لها برقة شديدة، رغم علمها أن لا شيء سيريحها
_أعدك أن أصف لك كيف كانت الخطبة بالتفصيل، لن تشعري أنك لم تكوني معنا أبدا، حتى النظراتx سأصفها لك، يعني ستكونين حاضرة في قلب الحدث.
إبتسمت أماني بألم و هي تستمع لكلمات بيلسان بلهجتها المرحة، لكنها ما كانت لترتاح أبدا و ألمها يزداد قوة و هي تتخيل تلك اللحظات.ألا يكفي أن أمها لن تكون موجودة فيها لتبارك بها، لما ستحرم هي الأخرى للوقوف بجانبها؟ أخرجها صوت بيلسان من أفكارها و هي تقول لها
_أنا الأن ذاهبت إلى المنزل لأخذ أمنية للتتجهز قبل حفلة الليلة.
عضت أماني على شفتيها شوقا و قلبها ينفطر حزنا بسبب بعدها عن حبيبتها و توأمة روحها. حركت رأسها و هي ترفع يديها لتمحو دمعة هربت من عينيها، بينما تودعها قائلة
_حسنا. حسنا غاليتي إعتني بنفسك و بأمنية. أحبك.
_و أنا أيضا حبيبتي إلى اللقاء.
فصلت أماني الخط، لتستند برأسها على ظهر الكرسي، و هي مغمضة العينيين. إبتسمت بألم و هي تتذكر أنها لن تحضر هذا اليوم المهم جدا في حياة توأمتها، هي هنا تجلس على بعد ألاف الكليمترات، تجلس دون أن تفعل شيئا، دون أن تستطيع مرافقة أختها التي ظلت وحيدة تماما بعد وفاة أمهما،لن تخرج معها حتى يختاران الفستان معا، لن تشاكسها و هي تحدثها عن حبيبها فتجعل وجنتيها تكتسيان لون الحياء، لن تضع العقد على رقبتها بيديها، لن تقوم بتصفيف شعرها برفق، لن تشاهدها واقفة أمام حبيبها يلبسها خاتمه بيديه، لن ترى نظرات السعادة و الحب المتبادل بينهما، بل ستكون سببا في قتل هذهx السعادة ببعدها هذا، لقد كانا دوما معا في كل تفاصيل حياتهما، و أجبرا على الإفتراق الأن و هما في أمس الحاجة لأن يكونا معا. كم الحياة غريبة جدا بظلمها الذي لا توقفه حدود، فهو يتتفنن دوما في إتعاسنا أيما تفنن، و كأن عداء الإنسان مع الحياة يعود إلى يوم وجوده بها و سيستمر إلى يوم الفناء.
رنين الهاتف قطع مرة أخرى سيل أفكرها، دلكت جبينها بيديها تحاول التخلص من صداع رأسها الشديد قبل أن تحمل هاتفها مجيبتا على الخط، دون أن ترى من المتصل،x فحتى ذاك الفعل البسيط كان ثقيلا عليها، ردت بصوت مرهق، خرج مثقلا بأحاسيسها المؤلمة
_نعم.
أتاها صوت رائد يحييها برقة و قد تسرب لها شحنات سعادته
_أماني كيف حالك؟
إرتسمت إبتسامة جميلة على شفتيها و هي تنادي إسمه بإستغراب و ألفة، و كأن قلبها تقبل أن هذا من سيكون زوج أختها، و بالتالي أخا لها. و كأن سعادته عادتها لثواني.
_رائد.
وصلها صوته يقول برزانة مغلفة بالحنان
_كنت أريد أن تكوني معنا هذا اليوم فرح أمنية لن يكتمل بدونك.
عضت على شفتيها بألم و هي تحاول إبتلاغ غصتها قبل أن ترد عليه بثبات، تمنع نفسها من الإنفجار في البكاء
_بل سيكتمل، يجب أن يكتمل، أنت تستطيع تعويضها يا رائد أمنية تحبك.
أجابها بجدية
_لكن لا أحد سيعوض مكانك أماني. أنت تعنين الكثير لها، فلست مجرد أخت.فعليا أنت من ظللت لها من دمها.
حركت رأسها بيأس و هي تقول
_اه يا رائد! أوتظن أني سعيدة ببعدي هذا؟! أنا أحترق يا رائد! أحترق! لكن ليس باليد حيلة،قدومي في هذا الوقت لن يسعدها بل سينغص عليها فرحها! هذه كانت دية نجاة أمنية، هذا كان الإتفاق حتى تغطى مصاريف علاجها، إتفاق دفعته بدمي! دفعته من روحي و قلبي الذي يحترق لكن كله فداها. إخترت فرقا يتبعه لقاء و إن طال، فما كنت لاقدر على فراق إجباري لا لقاء بعده أبدا.
صمت قليلا دون أن يجد ما يقول، أصوات أنفاسهما خلالها هي ما كانت تؤكد أن الإتصال لم ينقطع بعد، رغم إنقطاع الكلمات التي فقدت المعنى، نلوذ إلى الصمت حين لا ينفع الكلام و حين ينتهي ما يقال، و حين نرغب في إيصال معنى لن تستوعبه الحروف. و الصمت القاتل هو النابع عن العجز و قد كان هو ما يجمعهما في هذا الحين، تنحنح رائد يقطع السكوتx ليتابع بعد لحظات بلهجة دافئة رغم أن صوته خرج مبحوحا يفضي بعجزه و ألمه
_أماني أنت أخت رائعة. صديقيني أمنية محظوظة بك كثيراً. أزمة و ستمر لتعودان كما كنتما دوما.
إبتسمت بسخرية مريرة و هي ترد عليه بصوت يقطر ألما.
_أجل معك حق رائعة، بإمارة أنني هنا و أختي تخطب، رائعة بإمارة أن أختي كانت تموت دون أن تجدني معها، رائعة بإمارة ترك لأختي الوحيدة التي لا تملك سواي! هل ترى أشد من هذا روعة أخبرني! أترى شيئا أجمل من كل هذا! أنا أحترق هنا في بعدها! أنا أختنق و لا أستطيع إلا أن أكره نفسي!
غلبتها غصة بكاء أفلتت منها في كلماتها الأخيرة، و قد إنهارت نفسها، لكنها رغم ذلك قاومت نفسها بشدة، تطرد الضعف منها، رفعت يديها تمسح دموعها بقسوة، و كأنها تريد الإنتقام منها، وصلها صوته الحاني المملوء بمشاعر جميلة.
_أماني أنت ضحيت بسعادتك لأجلها تصوري أنها تعرضت لتلك الأزمة و قد فقدتما كل مالكما! كيف كانت ستجري العملية باهظة الثمن، إن لم تفعلي ذلك كنا سنخسر أمنية لا قدر الله.
دون شعور منها صرخت به توقفه عن سرد الإحتمال المفجع و هي تقول بصوت مرتجف
_شواا! لا تكمل أرجوك كل ما أريد أن تكون بخير بخير فقط! و الله لا يهمني نفسي وسط كل هذا.
أجابها بنفس النبرة الحنونة يطمئنها بدفئ
_هي بخير الان. أجل هي تتألم بسبب بعدك هذا شيء طبيعي، لكنها لا تكف عن حبك أبداً.
إرتسمت إبتسامة جميلة على شفتيها، و الدموع لا تزال عالقة في عينيهاx فبدا مشهدا غريبا و مؤثرا و كأنه لقاء الشمس بالقمر
_أسفة رائد، أسفة جدا.
سألها بإستفهام عاقدا حاجبيه و قد إستغرب تغييرها للحديث.
_على ماذا تأسفين أماني؟!
أغمضت عينيهابشدة و هي تأخذ نفسا عميقا، قبل أن تقول بصوت غلفه الندم.
_أحتاج لأن أعتذرك الأن، فقد ظلمتك كثيرا بالماضي، كان حكمي عليك قاسيا و غير عادل.و رغم أنني أخطأت في حقك،x إلا أنك قابلت سوء ظننا بكل إحسان. أنت شخص رائع جدا أمنية ببصيرتها الطيبة من أدركت ذلك و إنجرفنا نحن وراء المظاهر الخادعة ظنينا أنها الحقيقة و غيرها الخطأ، معروفك فوق رأسنا إلى يوم تغادر الروح الجسد. آسفة. آسفة جدا على كل شيء. أتمنى أن تسامحني و تغفر لي زلتي
وصلها صوته يقول بنبرة أخوية مليئة بالإمتنان
_أماني تعلمين أنني مدين لك كثيرا فلولاك، لما كنت لأستطيع الإقتراب من أمنية التي أحيتني من جديد، لم أكن لأخطب اليوم الفتاة التي أحبها أكثر من نفسي، ذاك حلم ما كنت لأمل يوما بالحصول عليه، و بفظلك أنت أصبح حقيقة. ما كنت لأتجرأ على الإقتراب منها هكذا وحدي. فرغم حبي الشديد لها إلا أني كنت أخشى الإقتراب من حلمي الكبير خوفا من أن أجده سربا. ربما لولا ذلك، لكنت الأن قد أضعت الطريق، لا أتخيل أبداً حياتي من دونها، أنا ممتن جدا لك، لأنك جمعتنا. شكرا جزيلا لك.
مسحت دمعة عن خدها و هي تقول بإمتنان
_بل أنا التي أشكرك يا رائد. لولاك لكانت أمنية ميته الأن، هي حية بفضل قلب أبيك بعد الله، لو لم تكن بجانب أمنية لدمرت تماما. مجددا أقف أمامك عاجزة عن إيفائك الشكر الذي تستحق
رد عليها بود و نبرته قد عكست إنفعاله و فضحت حبه الكبير الذي يكنه لأختها
_أمنية افديها بروحي يا أماني، و أبي غفر له الله، ما فعل شيئا جميلا في حياته قبل هذا.ربما هذه صدقة جارية على روحه يتجاوز الله بها ذنوبه و يعفو عنه. لم أنتظر على فعلي جزاءا أو شكورا.فكل همي كان أن أراهاx معفاه، و قد حدث ذلك فلا شكر في الدنيا عادله.
حركت رأسها و هي تعقب
_رحمه الله والدك و غفر له، جميعنا بشر و نخطئ، بإذن الله تلقاه في جنة الرحمان . مبارك لك رائد، أعلم أنني لا أحتاج بأن أوصيك على أمنية، لكن لا تتركها أبدا. إعتني بها فهي جوهرة نادرة. و زهرة تحتاج للحب و الرعاية، كن سندها و أمانها، كون سعادتها و شفاءها، كن بقربها دوما حين تحتاجك، إجعلها تنسى الماضي و تثوق للحاضر.
قال لها بلهجة صادقة تحمل أسمى معاني الحب و العشق.
_أمنية في عيني و قلبي يا أماني. بل هي عيني و قلبي. و أنا سأكرس حياتي من أجلها، فأنا قبلها لم أكن إنسان، قبلها ما كنت حيا، و بها بعث للدنيا مرسول عشق.
إبتسمت برضى و قد إطمأن قلبها قليلا و هي تعرف أن أختها ستكون بخير و إن لم تكن هي بجانبها الان، تضحيتها لم تذهب هباءا. أسعدها أن تعلم أن امنيتها الغالية، قد ربحت حبا عظيما كهذا و عاشقا مخلصا كرائد، و هما لم تملكا يوما رجلا بحياتهما يقف بجانبهما و يساندهما، و تلك فطرة طبيعية تحتاج إليها كل أنثى، و قد بعث الله لهما رائد ليملأ هذا المكان.
مجددا شكرته و هي تقول بلهجة مليئة بمشاعر الإمتنان الصادق
_شكرا جزيلا لك يا رائد إعتني بنفسك. إلى اللقاء.
رد عليها بإبتسامة و لهجة مرحة
_كفي عن شكري كل ثانية أرجوك! كرهت الكلمة منك، فقد أصبحت مملة كثيرا الأن، نحن قد أصبحنا عائلة الأن، و هذا واجبنا تجاه بعضنا، أنت أيضا إعتني بنفسك أماني و لا تكلفيها أكبر من طاقتها. إن أحتجتني في أي شيء لا تترددي أبدا بالإتصال بي، أنت الأن أختي و أنا مسؤول عنك. فهمت؟
إبتسمت و هي ترد عليه.
_ش... إن شاء الله سأفعل.
إبتسم عليها لما إبتلعت كلمة شكره بطاعة، ليقول بمرح.
_هكذا أريدك أحسنت الأن. و لا تنسي أنا هنا دوما إن إحتجتني في أي وقت، إلى اللقاء الأن.
أومأت برأسها دون أن تقول شيئا،x و ما إن إنقطع الخط، حتى إنهارت مقاومتها تماما، فكل ذلك كان أكبر منها بكثير، فاق إحتمالها و تجاوز طاقتها، رغم محاولاتها للتحكم في نفسها إلا أن للمقاومة حدودا. سقطت أماني على سطح مكتبها تبكي بمرارة و هي تخبئ وجهها بين ذراعيها،x ترتجف كاملة من فيض مشاعرها المكبوتة، و جسدها يهتز ببكائها الشديد دون أن تستطيع حبس نفسها، فقد كان الألم أقوى، أقوى بكثير من إستطاعتها. فالبعد لا يرحم أبدا، البعد كسكين مسموم غرز في قلبها دون رحمة.
_أماني هل أنت بخير؟!
وصل إليها صوت فراس القلق دون أن تستطيع الرد عليه أبدا. كانت فقط تبكي بصوت مخنوق و مقهور، بينما جسدها يهتز بأكمله. إقترب منها يحاول رفع رأسها ليتحدث معها، و هو يحدثها بحنان شديد
_أماني أجبيني أرجوك، أنت تقلقينني عليك.
لكنه لم يتلقى منها جوابا و قد إنكمشت على نفسها تماما، لتكمل وصلة بكائها المرير و قد زاد صوته الحنون من تهييج مشاعرها، كم تمنى جذبها إلى أحضانه في هذه اللحظة، ليدفن كل ألمها في صدره، تمنى من كل قلبه أن يداويها كما دواته بذاك العناق المسروق على ضفاف البحر، حين أحس بإنتماء لم يشعر به قبلا، و كأنه غارق رسى على بر الأمان، حين أدرك لحظتها و هو يعتصرها بين صدره أنه وقع في حبها، بل عشقها حد النخاع، تلك النسمة الربيعية التي زارته شتاءا، قد أهلكت قلبه و سكنت روحه دون نية في المغادرة.
إنحنى إليها قليلا يستنشق عبير شعرها و هو يهمس بصوت حاني مثقل بالمشاعر. و قلبه العاشق يتمزق على محبوبته
_إهدائي عزيزتي. إهدائي أرجوك.
ظلت وصلت بكائها مستمر،x و لم تتوقف كلماته المواسية،x و رغبته الشديدة في إعتصارها بين ذراعيه، لكنه لم يفعل ذلك. و إكتفى بمواستها بكلمات حملت إهتمامه و حبه.
بعد مدة كانت قد هدأت قليلا،xو أنخفض صوت نشيجها مع إنخفاض إرتجافها، رفعت وجهها الجميل إليه، لتلتقي عيونه البنية بالعسل المخلوط بالخضرة في عينيها، المتوشحتان بالدموع، تمنى أن يرفع يده يكفف دموعها و يتحسس بشرتها الصافية التي كانت أصابعه أولى بلمسها من هذه الدموع الدخيلة، كيف سيصبر الأن على بعدها و قد علم أنها توأم روحه. ناولها منديلا أنيقا، مطرز الجوانب بلون فضيx و هو يقول ببشاشة
_تفضلي إمسحي دموعك التي تحجبك عنا.
أمسكت منه المنديل تزيل به دموعها عن وجهها، و لا زالت بضع شهقات تخرج من صدرها لطول وقت بكائها، سألها برقة شديدة.
_بخير؟
حركت رأسهاx بنعم،x بينما إصطبغت وجنتيها بحمرة الخجل من قربه، و بضع إنشات تفصله عنها، حتى ترأت لها ملامحه الوسيمة عن قرب بطريقة تخطف الأنفاس، و قد نست في حضرته ما أبكاها، و كأنه ما ظل غيره في الكون. أحاطها وجوده بمشاعر لم تعرفها يوما،x و لم تجربها قبلا مع شخص غيره،x مشاعر تجعل قلبها ينبض بقوة و كأنه في سباق مراتوني،x يجري و لا تعلم إلى أين يريد الوصول.
دفعت كرسيها للوراء، لتنهظ بخطوات متعثرة هاربة منه و هي تتجه لكأس الماء لتشربه دفعة واحدة و هيx تتمتم.بصوت مختنق من الخجل، و وجهها كله إكتسى اللون الأحمر رداءا له، كما عينيها اللتان تهرب بهما منه متبثتة على قاع الكأس.
_أسفة.
نهظ من مكانه، حيث كان يجلس على حافة مكتبها. ليقف حيث كانت تقف، قرب الرف الذي يطل على الشارع الموضوع به قنينة ماء كبيرة. وضع يده على حافة الرف بينما يقف مقابلا لها. لم تستطع مقابلة نظراته لتركز عينيها على الأرض، عضتا شفتيها بتوتر بينماx لاتزال ممسكة بكلتا يديها الكأس الفارغ،x إبتسم قائلا برقة و صوت هامس بينما عينيه تتجولان على ملامحها الجميلة.
_فك أسر شفتيك.
رفعت رأسها إليه بصدمة، بينما كانت على وشك الإنفجار من الخجل، و قد زحفت الدماء لتلون وجنتيها بالأحمر القاني بعد أن كان وجهها قد بدأ يستعيد لونه الطبيعي لتوه. إبتسم ببعض الإستمتاع و هو لا يحيد عينيه عنها، بدت لذيذة جداx بخجلها هذا و عينيها المتسعتين بشدة بطريقة بدت فيها كمجرتين لا نهاية لهما،x سحب الكأس الفارغ من يديها لتحس بنبضات قلبها ترتفع أكثر بعد أن لامست أصابعه أصابعها، ليحمل قنينة الماء يملأx من جديد كأسها، ليقربه إليها قائلا بنفس البسمة.
_تفضلي، إشربي قليلا.
رفعت يدها المرتجفتين لتتناول منه الكأس ، حاولت ما أمكنها تفادي لمس يديه، لكنها لم تفلح بذلك لترتجف يديها بشدة عندما وقعت أناملها الرقيقة في أسر كفيه القويتين، أمسك الكأس بقوة يحيط كفها الواهنة كي لا تفلته و يسقط منها، و لم يتركها إلا بعد أن طمأنته بنبرة خافتة أنها لن تسقطه، فأبعد يده ببطئ دون أن يشبع من نعومتها، لكنه لم يحد بعينيه عن وجهها. كالمرة الأولى شربته كله دفعه واحدة، علها تطفئ النيران التي توقدت بداخلهاx لتتنفس بعدها بعمق.و هي تخرج تنهيدة عميقة من صدرها، و كأنها ترمي بها أثقالا تجثم عليه، إبتسم بدفئ و هو يقول لها بحنان
_بصحتك.
أومأت برأسها و هي تهمس بخفوت بينما ترفع يديها لتعيد خصلة هاربة وراء أذنها
_شكرا
تفحصها بعينيه قبل أن يسألها بخفوت بنبرة مليئة بالإهتمام النابع من حب خالص.
_هل أنت بخير الأن؟
أومأت برأسها بموافقة و هي ترد عليه بنبرتها الرقيقة و قد رفعت عينيها للحظة كي تنظر إليه، لكنها سرعان ما أخفضتهما حين وجدت نفسها في مواجهة عينيه الترابيتين التي تشع بمشاعر أربكتها.
_أجل.
تردد قليلا قبل أن يسألها
_ما الذي حدث؟
لم تنظر إليه و هي تهز رأسها بنفي مجيبة بصوت فارغ
_لا شيء.
لعق شفتيه و هو يستقيم في وقفته، لا يعلم لما أحس بالإنزعاج من إقصائها له، و قد عادت لرفع الحواجز بينهما بعد أن ظن أنها الاقرب إليه، همس بصوت رغما عنه كسته نبرة الضيق
_حسنا أفهم أنك لا تريدين إخباري لا بأس.
أحست بإنزعاجه منها، فرفعت رأسها إليه و هي تقول بنبرة متألمة
_خطبة أختي اليوم.
عاد إلى مكانه و هو ينظر إليها عاقدا حاجبيه بتعجب، يسألها
_ و هل هذا شيء يدعوا للبكاء بحق السماء؟!
قالت بقهر و قد غلبتها غصة البكاء
_لكنني لن أكون معاها!
رفع حاجبيه يقول ببساطة
_هذا هو المشكل؟! أستطيع أن أحجز لك الأن في الطائرة و تكونين لديها خلال ساعتين على الأكثر
حركت رأسها بنفي و هي ترد عليه بألم
_هناك أسباب أخرى أشد. لن تسمح لي بالذهاب أبدا.
أسرار غريبة تلفها، رغم بساطتها إلا أن الغموض يحيط بها من كل إتجاه، لم يتوقف عن التساؤل، عن ما سيجعل فتاة مثلها، تترك عائلتها و إرثها، لتغترب وحيدة في هذه المدينة، لكنه يؤمن أن الظروف قد تكون أقوى منا.لذا تعلم أن لا يحكم على أحد، ما دام لا يعرف أسبابه، قال لها برقة
_ حسنا و أنا لن أسألك عنها. لكنني أتمنى دوما أن تكوني مرتاحة
إبتسمت له إبتسامة صادقة، نابعة من أعماق قلبها و هي تقول له بإمتنان.
_شكرا لك.
لحظات من الصمت عمت قبل أن تضيف.
_ربما سيأتي وقت أخبرك فيه بكل شيء حين أستطيع.
تهللت ملامحه بسعادة و هو يحس براحة غريبة تملأ صدره لكنه لم يضف شيء، فقط أهداها إبتسامة جميلة، جعلت الراحة تتسرب لخلاياها. فذلك الوعد كان يكفيه ليفتح له أبواب الأمل على وسعها.
__________



التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 05-07-22 الساعة 01:18 AM
نورهان الشاعر متواجد حالياً   رد مع اقتباس