عرض مشاركة واحدة
قديم 09-08-22, 01:45 AM   #395

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 941
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

انتهى من صلاة الظهر ليخرج من المسجد إلى باحته التي تركها الرواد فارغة بعد رحيلهم، اكتنفته الحرور من كل جانب فأغرقه الضيق حتى بددها إقبالها عليها بالنسيم الذي هدهد روحه وأسكنه الفردوس دون أن يبرح مكانه، فالشمس حارة وهي تأتي بالظل معها حين تطل، دفعه القلق ليتقدم منها، هبط درجتين وسار على الأرض الترابية ليندفع صوبها ويتوقف على بعد خطوتين يثبت قدميه على الأرض بأعجوبة، بداخله شيء يود الوصول إليها والسُكنى هناك عند هذا القلب البض الذي ينبض خلف ضلوعها يجعلها تتنفس بتلك السرعة، انشغل عن سؤالها كيف جاءت والتزم بالطواف على ملامحها، باغتته بجمودها وهدوء أنفاسها فيما تقر له:
- أريد أن أتزوج..
اتسعت عيناه دون انفعال آخر فاستفزته أكثر بحروف مختنقة:
- أريد الزواج من حافظ.
صرّ على أسنانه واحتقن وجهه، تبدد لطف الطقس الذي رافقها وهاجمته شراسة الصيف مجددًا، أشاح بعينيه عنها يخبرها بزفرة ثقيلة:
- لا تعرفين ماذا تريدين..
دحضت يقينه بنظرة إصرار وغياب منطق:
- أعرف أنني أريد الخلاص.
صمتها المفاجيء جلب الشفقة إلى قلبه، جعله يلين ويمسح على جبينه قبل أن يشيح بوجهه إلى الطريق الفارغ:
- خلاصك في الابتعاد عن هنا..
التقط شهيقًا وزفره يهدل أكتافه:
- ابتعدي عن المصرف والماء وكل الخرافات والهراء يا زمزم..
ازدرد لعابه ببطء وأسرته رفرفة رموشها المتباطئة، كاد يطلب منها أن تبتعد عنه من أجل سلامتها وسلامة عقيدة أهل البلدة، بادر بالتباعد عنها كيلا يقع في المحظور الذي يترنح على حافته وأطرق يغمغم في يقين:
- الزواج لن يخلصك كما تعتقدين..
همّ بالاستدارة فأوقفته بجملتها وجمدته محله:
- لكنني أريد حافظ، وسأتزوجه..
أغضبته فعاد يستدير ناحيتها يعارضها ببأس حروفه دون أن يرتفع صوته:
- لن تتزوجيه ولن تتزوجي غيره.
جمود ملامحها لم يتغير، غير أن بؤبؤي عينيها لم يتوقفا عن الاهتزاز والمرور السريع على كل شيء حولها، فيها شيء بعيد لا يلتقطه، شعور كريه يتسرب إليه يجعله يفتقد منها نظرة معينة وومضة خاطفة كانت تونسه بعد رحيلها، افتقد فيها جزءًا لا يستطيع تحديده، وتحدٍ جديد طفر من مقلتيها تزامن مع نطقها لجملتها المؤكدة:
- سأتزوجه هو تحديدًا.
رفع أحد حاجبيه ورشقها بأحجار الغضب:
- زمزم!
تجاهلت تحذيره الضمني ولغة جسدها المتحفزة لتمرر كفها فوق بطنها وتدمدم:
- أنا حامل في قبيلة جن..
تأفف من غرقها في لجة الخرافة فأشار لها صوب طريق العودة وتهكم:
- لست الطبيب النسائي، أنا شيخ المسجد كما تعرفين.
لا ينكر أن جملتها شوشته من جديد وشك في أنها تتلاعب به وتحاول الزج به بين طيات الضلال، لمس منها استقامة في عقلها قبلها وهذا الاعوجاج لا يروق له، رأى وجهها يكفهر وأنفاسها تتهدج فيما تطلب من بين أسنانها:
- ومأذون القرية، إذا زوجني حافظ.
استغفر بصوت مسموع وأنهى اللقاء دون تمهيد وبفظاظة متعمدة:
- اذهبي من هنا يا زمزم يكفي ترهات، أوجعتِ رأسي..
انصرف من أمامها تاركًا الأرض تتشرب السخونة من حولها وتلفظها بقسوة فتلهب الطقس أكثر من اللازم..
***
انتشله من غفوته إيقاع منتظم للدف، تقلب على فراشه هربًا من إزعاج الصوت الذي ظنه جزءًا من حلم، تزايد الصوت من حوله فتأفف وفرق أجفانه هربًا منه، صدمه استمرار الصوت المرتفع واستقام جالسًا على فراشه المغمور بعتمة طالت الغرفة كلها، استغفر بصوت مسموع ومد يده إلي الكومود جواره ويلتقط الهاتف وينقر الشاشة ليكتشف أن الوقت لا يزال باكرًا على صلاة الفجر وأن أمام منبه هاتفه ساعة عالأقل حتى يعلن عن موعد استيقاظه اليومي، استمر قرع الدف بالخارج مما أقلقه وأثار ريبته، نهض عن فراشه وأشعل ضوء الغرفة، توجه صوب الشباك ليفتحه فتحة صغيرة جدًا، مال برأسه قليلًا ينظر للخارج في حذر عاقد جبينه حتى توسعت عيناه صدمة، غمغم مشدوهًا كأنه بداخل الحلم فعلا ولم يستيقظ بعد:
-زمزم!
وزمزم بالخارج تحت ستار الليل المخملي كانت في عالم آخر، وحيدة أمام نافذته تحتضن الدُف إلى صدرها ولا يخيفها الظلام ولا فراغ الشارع من المارة في هذه الساعة الحرجة، بادلته النظرة بأكثر وداعة واقتربت برأسها إلى الحواجز الحديدية للشباك تهمس له وعيناها لا تستقران في محل:
- هل أنتَ بخير!
كاد يتأوه بصوت مسموع أو يصرخ، فلقد أوقعته في مأزق وستتسبب لهما في فضيحة مدويّة، جذب درفة الشباك للداخل بعنف وكبح صوته قدر استطاعته:
- هل أنتِ مجنونة يا زمزم!
تلفتت حولها وعانقت الدف لتجيبه ببراءة:
- نعم.
ضربته في عمق مؤلم فاختنق وزفر بقوة ليستدير ويهرول للخارج، صابته الصدمة بشلل في أفكاره وفقد بوصلة التصرف، كيف سيوصلها لبيت أهلها وكيف سيبعد أي شائعات حولهما هو لا يعرف بالتحديد، غادر غرفته فوجد أمه تخرج من غرفتها مندهشة وتسأله:
- هل سمعت أي صوت غريب قبل قليل؟
تنفس الصعداء وتقدم منها يقبل رأسها ويتشبث بها كأنها طوق نجاة، أمسك بكلا كفيها وشدد عليهما قبل أن يرضي فضولها ويخبرها:
- من الجيد أنكِ استيقظتِ، زم......
بتر بقية اسمها وحمحم بوقاره المعتاد يشير برأسه ناحية باب الصالة معدِلًا جملته:
- هناك فتاة في الخارج.
عقدت جبينها ثم رفعت أحد حاجبيها تتساءل في ريبة:
- فتاة!
أومأ لها مع زفرة حارة وأطبق أجفانه بقوة:
- أجل يا أمي، هيا نفتح الباب قبل حدوث شيء يتسسبب في أزمة..
تركها تتبعه وتوجه صوب باب الصالة الداخلي واجتازه إلى الممر الذي قطعه بسرعة فائقة وفتح الباب الخارجي الكبير ليجدها أمامه شبه ملتصقة بحافته، تمالك صدمته وزمجر بصوت مسموع يوبخها:
- بالتأكيد قد جُننتِ يا زمزم حتى تأتي إلى هنا الآن.
برمت شفتيها وأسبلت أهدابها تقطب جبينها وتغمغم في هدوء لا يعرف من أين أتت به:
- أريد الزواج.
كانت أمه قد وصلت ووقف بجانبه ورأت زمزم وسمعتها جيدًا مما جعلها تتوجس وتراقبهما بصمت، وزاد الطين بلة حين وجدت زوجة عمه مريم وابنها باسل يفتحان باب منزلهما القريب ويخرجان ليشاركهما الوقفة المريبة، باسل الذي تقدم برشاقته يسأل زمزم من خلف ظهرها:
- وهل منعك الشيخ من الزواج؟
أدارت رأسها للخلف ببطء وأجابته بعد رفرفة أهدابها:
- نعم.
انشده الجميع فتدخلت أم الشيخ تسألها بضيق:
- وما شأن الشيخ بكِ يا مخبولة أنتِ؟.
نظرت إليها زمزم بعينين معذبتين وانكمشت على نفسها تحت مراقبة الجميع لها من كل جانب، شعر الشيخ بألم حارق يغزو صدره، يستقر في عمق قلبه كشظية من الجحيم، تحشرج صوته فيما ينقل بصره بحزن عن زمزم ليقصد والدته ويحدثها بصوت متأثر:
- لا تقولي عنها مخبولة يا أمي.
شعرت بالريبة من طريقته ومن وقوف الفتاة أم المنزل قبل أي شيء وحتى استهداف عينيها له بتلك الوداعة، اضطرب قلبها فتهكمت تشيح بوجهها عنه وتركز على زمزم تعيد سؤالها بصيغة أخرى:
- ماذا تريدين من الشيخ يا سيدة العاقلين!.
أغضبته نبرة السخرية في صوتها فأمسك بيدها برفق:
- من فضلك يا أمي.
رأت تفاحة آدم خاصته تتحرك بعسر كأنه يزدرد لعابه بصعوبة، ضيقت عينيها أكثر تسبر أغواره فهالها عمق البئر وما يحيويه، قبضت زوجة عمه على عضد زمزم برفق وطالعتها صعودًا وهبوطًا مشفقة:
- كيف خرجتِ وحدك من منزلك في هذه الساعة المتأخرة يا ابنتي.
عجزت زمزم عن إجابتها فزاغ بصرها تقضم شفتيها بقوة، ربتت المرأة على كتفها وسألتها:
- زواج ماذا الذي تريدينه من الشيخ؟.
تدخل جبر برصانة يجيب بدلًا عنها:
- هناك رجل من خارج القرية تقدم لخطبتها وأنا رفضت عقد القران.
سمعوا صوت باسل الذي أطلق صافرة ومط شفتيه متقمصًا دور المفتش السري معلقًا:
- وهل هذا يستدعي أن تأتي إليكَ في هذه الساعة!
بدا حديثه مشككًا في النوايا فتجهم وجه جبر الذي حدثه حازمًا:
- لا يصح الخوض في النوايا بتلك الطريقة كما أنها بريئة ولا تفكر في عواقب أي شيء..
وافقته زوجة عمه التي ابتسمت لزمزم ورأتها شفافة ونقية أكثر من اللازم:
- الفتاة طيبة يا باسل وبالتأكيد لم تشعر بالخطر وأتت بنية صافية..
كزت الأم على أسنانها وغمغمت ترمق زمزم غاضبة:
نيتها الصافية جعلتها تفعل كارثة.
حدجت مريم بضيق وعادت تؤكد:
- لو كانت ابنتي لصفعتها الآن لخروجها هكذا وذهابها إلى بيت رجل غريب عنها.
زاد امتعاضها من الموقف وهزت رأسها بعصبية تشير إلى زمزم المحتضنة للدُف:
- ماذا سيقول الناس عنها وعن الشيخ!.
كانت فظة لكن فظاظتها نابعة من إحساسها بالخطر، ذلك الإحساس الذي عززه إصرار الفتاة على استهداف الشيخ والاحتماء به كأنها لا تعرف غيره وحين همست بصوت دافئ كأنه تستعطفه أشعلت أجراس التحذير عن أمه:
- أريد الزواج والإنجاب ياشيخ.
كانت عفوية وعفويتها مثيرة للألم، للوجع والحزن العميق الذي ناله جبر لتوه، لم تخفَ انفعالاته على أمه أو زوجة عمه التي شاركتها الصدمة فيما تنظران إليه، ثم إلى الفتاة التي تترصده بنظرات متفاوتة بين قوة وضعف، إصرار واحتياج، بينه وبينها انسجام غريب ليس في محله البتة، شيء مخيف أكبر من أي كل شيء سواه، اختلج قلب الأم التي تمسكت بذراع ابنها وحثته على إنهاء تلك المهزلة:
- كيف ستتصرف الآن.
تنهد بقلب مثقل ومر على زمزم يمنحها ومضة من حب والكثير من التعاطف وإلى زوجة عمه ثم إلى باسل بضيق وشزرة لوم:
- سنوصلها إلى بيتها أنا وباسل وزوجة عمي الآن لا تقلقي..
وقبل أي تعليق سمعوا صوت أختها التي أتت من بعيد مهرولة وخلفها زوجها:
ـ وجدناها الحمد لله!
وصلتها تلثهت وساعدها ابتعاد الجميع عنها لتكمشها وتعانقها من الخلف، كانت خائفة عليها أكثر من ناقمة، وتحت أنظارهم تفقدتها من رأسها لقدميها تتأكد من سلامتها وسلامة ملابسها قبل أن تصعد إلى وجهها وتربت على وجنتيها بخفة:
- لماذا يا زمزم، كيف تخرجين الآن وتأتين إلى هنا!!..
التقطت أنفاسها وأستأنفت متحسرة:
ـ كدنا نموت خوفًا.
جذبتها ناحيتها في حرج وأخبرتها ببوادر البكاء:
- أمك استيقظت ولم تجدك فجن جنونها..
وفيما تغرق في يأسها سمعت أم الشيخ تعلق والسخط ملازم لحروفها:
- كان عليكم غلق الباب بإحكام.
رفعت نجاح وجهها إليها بحدة لتتسع عيناها وتمسك بأختها تبعدها عنهم جميعًا وتغمغم بصوت مهزوز:
- معكِ حق، سنفعل ذلك.
أخفض الشيخ رأسه إلى أمه كي تتفهم الوضع:
- أرجوكِ يا أمي الأمر لا يحتمل.
وجدت زوجة عمه بُدًا من تلطيف الأجواء فاقترحت بهدوء:
- بإمكانك المجيء إلى بيتي بها يا نجاح حتى تشرق الشمس.
أعرضت نجاح عن ذلك وأخذتها أختها التي استسلمت ليدها وسارت جوارها بعيدًا:
- شكرا لكِ يا سيدة مريم سأرحل بها، زوجي معي.
أطاعت زمزم يد أختها التي ساقتها للذهاب، زمزم التي أدارت رأيها ببطء وولت انتباهها إليه وحده، أغرقته في الحرج لكنها منحته العذاب قبل رحيليها..
وبعد الرحيل، اشتعل جنون أمه التي أمسكت بكلا يديه حين دلفا وأغلقا بابهما عليهما وحدثته بصرامة مبالغ فيها:
ـ أقسم لكَ إن لم تزوجها للرجل الذي طلبها سأغضب غضبًا لن يمحوه شيء.
اهتز قلبه بل تهدم وتحول إلى حطام وعجز عن الرد فأردفت:
ـ لن أسمح أن يتحدث الناس عنكَ، أنتَ الشيخ وهي فتاة مخبولة ضلّ عقلها، لن تكسر هيبتك بين الناس ويقولون ركض خلفها وسلبت عقله بجمالها.
تماسك بأعجوبة وطمأنها باقتضاب:
ـ يا أمي، أنا لن أفتن الناس في دينهم وأهدم لهم ما يثقون به.
تنهد من عمق قلبه والعذاب يرافقه:
ـ لا تقولي عنها مخبولة، هي مجرد فتاة طيبة علينا أن نتعاطف معها بدلًا عن اكتساب ذنوب من التحدث عنها بالسوء.
تركها خلفه تكاد تبكي مما أحسته منه، ابنها غارق في حب طرح البحر ولم يكن عليه ذلك البتة..
***
لم يتأخر حافظ في زياراته، مارس عليها تلك الضغوط التي تسقطها أسيرة الخرافة، كل يوم تقريبًا يمر ويجالس عائلتها، ويحاول التحدث معها، ورغم تردد المشاعر بداخلها تشعر بأنه بداية خلاصها، عقبتها الوحيدة تتمثل في الشيخ الذي يرفض رفضًا باترًا أن يساندها في قرارها..
اختارت وقت العصاري كي تترك المنزل وتذهب إليه، ضغطها عليه حين ذهبت إلى بيته قبيل الفجر قد ذلل لها بعض الصعاب، ذهبت إلى المصرف وحيدة لكن عينيّ أختها كانتا لها بالمرصاد، تبعتها نجاح وزمزم صاحبة الخطوات السريعة وصلت قبلها، عند باحة المسجد الخارجية توقفت تنتظر خروج جميع المصلين من الداخل، حين خلا المكان رأته يغادر وحده في بادئ الأمر حتى انضم إليه الشاب الذي رأته عند منزله، لا تتذكر اسمه ولم تكن تنتبه لوجوده أصلًا، تلاقت عيناها بعيني الشيخ الذي دفع الشاب برفق وهمس له قرب أذنه لينصرف وبالفعل سار عدة خطوات وهبط درجتي الباحة، تعمد المرور من أمامها واعتقال بصرها في نظرة تخبرها أنه يراقبها جيدًا، أشرست عيناها وزمجرت ليرتد للخلف فلم يخدمه نحوله ويثبته كما يفترض بالرجال، وسارع بالرحيل متهربًا منها، وكانت وجهًا لوجه مع الشيخ، بينهما مسافة تبدو للمراقب لهما عادية، لكنها مساحة وطن مفقود وحكاية احترقت قصاصتها قبل النهاية السعيدة، قطعها الشيخ بتؤدة لأنه يعرف توابع تعجله جيدًا، هبط بدوره ووقف أمامها، يأسر جزءًا منها وجزء يتمرد ويصر على ضلاله، سألته بخفوت:
ـ أليس من حقي الزواج؟.
ذهب بعينيه إلى السماء يطلب العون من الخالق:
ـ من حقك يا زمزم.
وسؤال آخر لا يقل عنه وجعًا:
ـ ومن حقي أن أكون أمًّا؟.
أخفض رأسه دون أن يشملها في مجال رؤيته:
ـ من حقك أيضًا.
سألته مباشرة:
ـ إذًا لماذا تقف في طريقي!.
تحدثه كأن شعوره سراب وأن الألفة التي تغمره معها مجرد كذبة، رأى أختها تأتي من بعيد، واليأس بالفعل يسكنه، اقتربت الأخت في حذر تمسك بيد أختها تنهرها عن ملاحقتها له دون رداع:
ـ يكفي يا زمزم، الشيخ سيستاء من حصارك له.
أدارت رأسها ببطء إليها:
ـ أريد أن يعقد قراني أنا وحافظ.
ضغطت أختها على رسغها بقوة:
ـ رغم أنني لا أوافق على زواجك من حافظ هذا لكن ما شأن الشيخ بنا!.
رمتها إلى الشيخ جبر مع نظرة مشبعة بخيبة الأمل، ظنته سيأخذ موقفًا منذ البداية وقد تخاذل في رد فعله، وضغوط أختها أكبر منها، الجميع في المنزل بات على وشك الموافقة النهائية وهي الوحيدة التي تحارب في جبهة خاسرة، ربتت على كتف زمزم برفق وحانت منها التفاتة صوبه تستفزه:
ـ بإمكان الشيخ عمران عقد قرانك، لماذا تصرين على الشيخ جبر؟.
تاهت زمزم حين سمعت ذلك وفتشت بداخلها عن إجابة شافية فلم تجد وتمتمت غائبة في هيبته ووقاره اللذين يخفيان شيئًا كان يأخذها بعيدًا عن أعين الناس ويحيمها:
ـ لا أعرف لماذا أصر عليه.
سمعها الشيخ صحيحة وأوّلها كما يحلو لقلبه تمامًا، والقلب عليل بها لا فكاك له منها، والضمير لا يرضى، لا يقبل أن تكون ضحيته ويقايض على شِرعة الله ومنهاجه مقابل راحته هو..
كاد يخبرها أنه يعرف لماذا، وأن ما يحدث كله يستحقه، يستحق أن يفارق ما دام لا يستطيع اتخاذ القرار الذي يقربها منه ولكنه القدر، قد قال كلمته وما عليه سوى طاعته، أنهى كل تلك المهزلة ونحى بصره عن زمزم كليًا، لم ينظر إلى أختها كذلك وسلك درب التهرب من المواجهة متمتمًا في هدوء كئيب:
ـ سأعقد قرانها وقتما تحددون.
صُدمت نجاح مما تفوه به ونقلت بصرها منه إلى أختها التي تحدق به ضائعة بلا مرسى، أومأت نجاح دون حروف وقد علمت أن بعد هذا الحديث قد وقعت أختها في الدوامة التي كانت تخشى عليها منها..
***
عاد إلى بيته فوجد أمه في انتظاره أسفل شجرة التوت العملاقة تحتسي الشاى تكبت مشاعر غضب ولّدتها وسوسة باسل الجالس جوارها والتي ذكرتها بزيارة زمزم السابقة إلى منزلهم، أقبل عليهم وخلع حذاءه لينضم إلى الجلسة المغلقة يرمق باسل بغضب صريح:
ـ هيّا انهض يا باسل، كفى لعب أطفال.
مط باسل شفتيه ببرود واستقام واقفًا يودع زوجة عمه:
ـ إن احتجتِ شيئًا أنا أتسكع في الجوار سآتي في الوقت المناسب.
رفع جبر حاجبيه مستنكرًا تدخل الشاب اليافع في حياته ووقاحته الزائدة..
مضى باسل بعيدًا واختفى عن الأنظار فاقترب جبر من أمه يترفق في سؤالها:
ـ ما بكِ يا أمي.
تركت كوب الشاي من يدها على الصينية المستديرة وأراحت كفيها على فخذها:
ـ أكاد أغضب يا شيخ.
انحنى قليلًا يلتقط كفها يرفعها إلى فمه يقبلها بتبجيل خالص:
ـ لا تغضبي يا أمي، لا شيء يستدعي غضبك.
كرهت أن تمتهن وظيفة الجلاد لكنها مجبرة، ما شعرت به ورأته بعينيها لا يطمئن البتة ويعرضه للأذى وانخفاض القيمة والقدر في أعين الناس:
ـ والفتاة يا شيخ، الفتاة الطيبة.
أسر يدها بين راحتيه، ضغط عليهما برصانة وحافظ على ملامحه ثابتة لا تشى بما يستعر بداخله:
ـ الفتاة الطيبة ستتزوج يا أمي وترحل من القرية، سأعقد قرانها قريبًا.
أدهشتها سرعة استجابته، وتملكت من قلبها غصة فمهما يواري عنها ما يشعر به قلبها يدلها عليه، ارتجفت بسمة مريرة على ثغرها وأطبقت أجفانها بقوة تبتهل:
ـ فليعوضك الله بمن تملأ عليكِ حياتك وقلبك يا شيخ، لا حرمني الله منك أبدًا.
***
يتبع..


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس