عرض مشاركة واحدة
قديم 22-08-22, 09:50 AM   #12

ريحانة اليمن

? العضوٌ??? » 491868
?  التسِجيلٌ » Aug 2021
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » ريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond repute
افتراضي

Center]]الجزء الثالث

استيقظت فزعا من نومي لا افهم ما يجري لتباغتني عائشة
-انا اتالم بشدة . يبدو ان الوقت حان
اتصلت لامي فزعا لتأتي من فورها وما ان رأت عائشة وتحدثت معها قليلا حتى عاونتها على ارتداء ثيابها وانطلقنا الى المشفى
اتصلت بأمها لاخبرها بما يجري وقد اخبرتني انها ستحاول المجيء بأقرب فرصة..قامت الطبيبة بفحص عائشة لتقوم بعدها بادخالها غرفة الولادة
دخلت معها انا وامي، امي تقرأ لها القرآن فوق راسها وانا امسك بيدها وامسح على وجهها وادعو الله لها
استمرت حبيبتي تعاني من الالام المخاض طويلا طويلا ..كان قلبي يتقطع لمنظرها وليس بيدي شيء افعله لها لم ترضى عائشة باخذ اي نوع من المسكنات خوفا من ان تضر طفلها او نفسها باي شكل وتحملت الالام المخاض بصبر وهدوء كانت الممرضة تأتي كل حين للاطمئنان ولمساعدة عائشة كذلك... ثم فجأة توقف الوقت!
امتلأت الغرفة بصراخ الرضيع .. قامت الممرضة بتقميطه واعطتني اياه لاحمله .. لا يمكنني وصف شعوري.. كانني انا وهو لوحدنا منفصلين عن العالم .. كل شيء ساكن من حولي .. لا ادرك اي شيء سوى ملمسه وملامحه الصغيرة قبلت وجنته وبدأت اكبر في اذنه لافاجئ بصوتي يرتجف … لقد كنت ابكي! ما ان انتهيت حتى التفت الى عائشة لاجدها تبكي هي الاخرى اقتربت منها قبلت راسها وحمدت الله لها بالسلامة …
قررنا تسميته حمزة.. وهكذا بت اكنى بابي حمزة

……

مع مجيء حمزة الى حياتنا تضاعفت السعادة اضعافا .. كنت اشتاق لصغيري بشكل لا يصدق فتراني احسب الدقائق حتى اعود الى البيت لاحمله واداعبه وكان هو بطبعه لطيفا حلو المعشر خفيف البكاء. احضرت له الكثيييير من الالعاب ما هو لعمره وما هو اكبر.. حتى اني احضرت له دراجة! بيتنا بات محل العاب اكثر من كونه بيتا
-لن يفسده احد سواك بكل هذا الدلال
-حبيب بابا . يستحق هذا واكثر ولو استطعت لاحضرت له نجوم السماء
… كنت مهووسا بهذا الصغير..حتى اني كنت اقوم بتغيير حفاضته احيانا واساعد عائشة في تحميمه… عائشتي الحبيبة باتت اجمل من ذي قبل وعاد وجهها للاشراق مجددا ..
وما ان انهت فترة نفاسها حتى عادت الي عروسا مجددا .. ان سألتموني متى احبتتها اكثر .. فاقول لكم اني في كل يوم احبها اكثر من الذي قبله
وان كنت اظن ان مشاعري تجاهها كانت حبا في كتب الكتاب فان ما اشعر به الان يفوق الحب باضعاف..

….
لربما تتسائلون امام هذه المثالية في الوصف عن مشاكلنا انا وعائشة .. لا يخلو بيت من مشاكل بالطبع ولكننا كنا نتجاوزها كلها لتكون هذه المشاكل سببا في اذكاء الحب بيننا ! فكما اوصيتها من بداية الزواج فان مشاكلنا لم تتعدى عتبة غرفة النوم وما ان تغضب مني حتى تصارحني بما اغضبها فارضيها وما ان اغضب حتى ترضيني .. وللحق فان مشاكلنا قليلة لا تذكر والحمد لله ولعل اكبر مشكلة صادفتنا .. كانت اضطرارها للخروج لعيادة احدى نساء الحي .. وكان الطقس شتاء والبرد قارصا . والسيل يهدد القرية لانخفاضها جغرافيا ولوقوعها بين جبلين ! خابرتني لتطلب الاذن بالذهاب فرفضت قطعا..حاولت استرجائي بشتى الطرق:
-انه عمل انساني يا عبيد .. اخشى ان يصيبها شيء ان لم اذهب
-الجو لا يسمح يا عائشة وقد تعرضين نفسك لموت محقق .. اتصلي بها واخبريها بما يجب عليها فعله دون الذهاب لها
-لا يفيد علي معاينتها بنفسي
-لا يا عائشة اياك والذهاب ثم انت لست طبيبة وقد لا تتمكنين من مساعدتها في كل حال
-احاول على الاقل.. لا يمكنني تركها تموت .. ثم بيتها ليس بعيدا جدا
-ولا يمكنني تركك تموتين عائشة.. اياك والذهاب.. هذا قول فصل .. والان اذهبي واهتمي بحمزة ودعيك من مساعي الانتحار خاصتك
اغلقت الخط وتابعت عملي، يومها عدت الى البيت متاخرا جدا بسبب سوء الطقس وانقطاع الطرقات كما ان السيل داهم القرية واغلق الشوارع الرئيسية فيها .. وصلت البيت اخيرا بشق الانفس مشتاقا لحبيبتي وحمزة .. واتوق لدفئ بيتنا وطعام دافئ يزيل عني عناء الطريق لافاجئ بالبيت فارغا من اهله .. هرعت لبيت اهلي اطرقه ..فتحت لي امي وكانت نظرات التوتر بادية عليها
-اهلا حبيبي لقد عدت اخيرا
-اماه اين عائشة وحمزة اهما لديك
-نعم حمزة في الداخل تفضل
-وماذا عن عائشة؟
نظرت لي امي بتوتر واضطرب حالها
-امي اجيبي اين عائشة؟
-لقد خرجت منذ العصر لعيادة احدى المريضات ولم تعد الى الان لقد خرج والدك منذ قليل للبحث عنها واظن
انهما في طريق العودة .. ادخل لاضع لك الطعام
لكم ان تشعروا بالنيران التي اشتعلت داخلي ..
-اين بيت تلك المريضة؟
-ادخل الان بني انت متعب وعليك بالراحة
-امي ارجوك صفي لي البيت
وما ان اخذت العنوان حتى هرعت الى المكان غير مكترث بنداءات امي لي…
كان الوصول للبيت المذكور ضربا من المستحيل بسبب السيل الذي قطع الطرق.. لكنني حاولت جهدي معرضا نفسي للخطر حتى تمكنت اخيرا من بلوغ البيت طرقته ليفتح لي رجل البيت
-السلام عليك يا جار
-اهلا اهلا ابا حمزة تفضل ادخل
-اعذرني فانا على عجلة من امري ..مرة اخرى باذن الله.. اتيت اسال عن اهل بيتي ان كانت هنا فقد اتت لعيادة اهلك اليوم
-اه نعم انها مع زوجتي فوق، كانت تود الرحيل لكن سوء الاحوال منعها من ذلك
-دعها تخرج لي اذن
لينادي على ابنته الصغيرة طالبا منها ان تنادي زوجتي
كان الغضب يغلي داخلي غليا خاصة مع وجود رجل البيت داخل بيته
جاءت عائشة وقد كانت تفرك يديها من التوتر
سلمت على الجار ليشكرني على صنيع زوجتي، ثم غادرت واياها دون ان انطق بكلمة واحدة
تمكنا واخيرا من العودة لبيتنا بشق الانفس ، لافاجئ بعدم عودة ابي الى الآن! الامر الذي دفعني للمغادرة مجددا كالمجنون للبحث عنه لكن دون جدوى ! طلبت مساعدة رجال الحي .. لتبدأ محاولة العثور عليه .. استمرت محاولاتنا الى الشروق لم نقطعها سوى لصلاة الفجر ثم واخيرا تمكنا من العثور على والدي بخير وعافية في اطراف القرية محتميا في جذوع احد الاشجار وقد احاطه السيل من كل جانب
تمكنا من اخراجه لاعود به الى البيت ..بعدها استلقيت في فراشي وغططت في نوم عميق لم استفق منه الا قرابة الظهر
حاولت عائشة ارضائي الا اني لم التفت اليها حتى.. كنت غاضبا حد الانفجار وقد اعتزلتها كليا فلم يخاطب لساني لسانها ابدا
حاولت معي بشتى الطرق .. بكت كثيرا .. اعتذرت ..اقسمت على عدم تكرار ما فعلت.. ولكني كنت اقسى من الصوان ..هجرتها ولم اعد اكلمها
كانت اطول فترة زعل تمر من بداية الزواج استمرت اسبوعا كاملا . حتى ان عائشة طلبت من امي محادثتي لعلي اهدأ دون فائدة
-اماه ارجوك لا تتدخلي فيما بيننا
-بني انها مدركة لخطأها فسامحها ارجوك.. لقد ذبلت كثيرا واخشى ان يصيبها شيء
دعيها فهي تستحق
بكت عائشة كثيرة وتدهورت صحتها لكني لم الن فقد كادت بفعلتها ان تقتلني او تقتل نفسها او تقتل ابي كما انها اضطرت للبقاء في منزل رجل غريب الامر الذي كاد يقودني للجنون فانا شديد الغيرة عليها
المهم اخيرا رق حالي لها خاصة بعدما اتت بثياب مساجين لا اعلم من اين احضرتها او من اين اتتها الفكرة .. كانت قد ربطت يديها بالحبال كذلك لتقول
اهلا سيدي الشرطي.. علمت انك غاضب فجئتك مستسلمة لتسجنني لديك واني ارجو حكما مخففا لعلمي طيبة قلبك
رق قلبي اخيرا لها خاصة مع رؤية هزالها الواضح لابتسم لها اخيرا واضمها الى صدري
قررت العفو عنك على الا تعيدي ما فعلت مجددا
بكت عائشة على صدري طويلا هذه الليلة عاتبتني بطول الجفاء واقسمت الا تكرر ما فعلت طوال حياتها.
……

مضت الايام وصغيرنا يكبر امام اعيننا وانا افرط بتدليله كما تقول امه .. انه الان في الثالثة من عمره .. سبحان الله ما اسرع الايام ! كان حمزة طفلا مهذبا ، لماحا ومحببا الى القلب…عيناه نسخة والدته اما ملامحه فتشبهني.. كانت حياتنا سعيدة جدا ومثالية
وزاد جمالها حمل عائشة للمرة الثانية
كان يمكن لحياتنا ان تظل سعيدة كما الان ولكن دوام الحال من المحال.. ولا حول ولا قوة الا بالله..

..
صحونا على محاولة اغتيال الرئيس ومحاولة انقلاب فاشلة .. ساد الهرج والمرج .. انعدم النظام وتدخل الجيش.. تم البدء بحملة اعتقالات واسعة كنت انا من بينها! انا الذي لا ناقة لي ولا جمل .. ولكن في هذه الظروف تكثر الوشايات فلا تعرف الصادق من الكاذب وقد كنت انا ضحية هذه الوشايات … في البداية وضعوني في السجن المركزي للمحافظة كان والدي يزورني يوميا للاطمئنان علي وقد حاول إخراجي بشتى الطرق لكن دون جدوى.. كانت ايام السجن طويلة قاسية وقد ذقت فيها أصنافا من العذاب لاعترف بشيء لم ارتكبه فلم افعل .. صبرت على الاذى كثيرا واظهرت جلدا وقوة
كانت امي وزوجتي وحمزة ياتون لزيارتي مرة من كل اسبوع وقد كنت احاول ان اظهر لهم بمظهر القوي الذي لا يلين او ينكسر..وان كنت قد بدأت اضعف .. كانوا يسمحون لي ان اختلي بهم شيئا يسيرا من الزمن ، اشبع عيناي برؤيتهم واطمئن عليهم .. كانت عائشة تصبرني وتبتسم في وجهي دائما باثتة قوة خفية داخلي على عكس امي التي ما ان تراني حتى تنهمر دموعها فاخذها في حضني مطبطبا عليها ، اواسيها واحثها على الصبر لعل الله يحدث بعد ذلك امرا…

مضت ثلاثة اشهر وانا في السجن وقد علمت انا ووالدي ان وشايتي صعبة وتهمتي كبيرة وقد تيقنت من عدم خروجي او على الاقل ليس قبل وقت بعيد جدا
ما زالت عائشة وامي تواظبان على زيارتي اسبوعيا .. اليوم هو يوم الزيارة كنت مشتاقا لهن كثيرا
وعلى غير العادة كانت عائشة حزينة وقد غابت ابتسامتها المعتادة كانت بطنها قد انتفخت قليلا فقد قاربت شهرها الرابع
اخبرتني بصوت يرتجف ان الطبيبة تظن انها طفلة لكنها غير متاكدة وستتاكد في المرة القادمة تحسست بطن زوجتي بحب وقبلته استودعتها الله هي وجنينها وحمزة ..عانقتها بقوة ففي داخلي شعورمريع بالفقد لا افهمه! وقد بكت عائشة ..بكت لأول مرة امامي مذ سجنت.. لاعتصرها داخلي عصرا .. بكى حمزة كذلك لبكاء امه .. لاقوم باحتضانه هو وامه ..احتضنتهما عميقا جدا لا أقوى على تركهما ابدا .. كانني في داخلي اشعر انها المرة الاخيرة.. كانت عائشة تتشبث بي اكثر فاكثر وانا ادفنها داخلي اكثر فاكثر .. اردت البكاء بشدة.. شعرت بحنين كبير لم افهم سببه تمنيت لو يدوم هذا الحضن الى الابد لكنني عوضا عن كل هذا ابعدتهم عني اخيرا مكفكفا دموع عائشة
-كوني بخير حبيبتي واهتمي لطفلينا.. باذن الله قليلا بعد وسترينني امامك
-هما في عيناي.. اهتم انت بنفسك وكن بخير لاجلنا وسانتظرك اعدك انني سانتظرك حتى لو لاخر العمر
كانها كانت تعلم انني لن اعود وانها اخر مرة ستراني !
نظرت حينها لأمي كانت تنتحب بصمت, لأذهب إليها مقبلا يديها بعمق لتقوم باحتضاني فأحضنها انا الآخر, أتشبث بها كطفل صغير يحاولون ابعاد أمه عنه, أقبل رأسها وانا اشعر بالدموع تكاد تطفر من عيني, سألتها الرضى:
- قلبي راضٍ عنك يا حبيبي, يا نور عيني وبإذن الله نفرح قريبا بخروجك وإنارتك لبيتك يا روحي
-اوصيك بعائشة وحمزة يا امي لا يضيمهما شيء في غيابي
-اتوصيني على ابنتي وحفيدي؟ والله اني لاحبها كاكثر مما احبك, اهتم لنفسك فقط يا قلب امك لعلك تعود الينا قريبا
وفي داخلي كنت اشعر اني لن أعود!
وبالفعل بعد يومين تم نقلي لسجن اخر غير هذا
لم اعرف مكانه لكنه يبدو منعزلا لوعورة الطريق التي سلكناها وطولها . كانت كانها طريق بين الجبال!
وهناك بدأت سلسلة عذاب لا تنتهي استمرت 7 سنوات كاملة جردتني انا ومن معي من انسانيتنا بل ومن انفسنا!
….


في السجن ينعدم الوقت يصبح بلا معنى فاليوم كالامس والامس كقبله .. عجلة الايام رتيبة لا تدور .. ولا امل لك بالمستقبل .. كيف وقد أخذونا لسجن منعزل دون اية محاكمة او تهم واضحة على خلفية سياسية؟ لعل الموت اقرب لنا من الحرية
لن اطيل عليكم ما تكبدته طوال السبع سنوات لكيلا اتعب قلوبكم وادمي اعينكم ولاني لا اريد اجترار الذكريات كذلك .. رفقاء كثيرون منا قضوا تحت التعذيب .. زبانية السجن يتلذذون بهذا بل وبعضهم يتنافس مع الاخرين في كمية الارواح التي ازهقها. كاننا مجرد حشرات تدوسها اقدامهم!
في زنزانتي كنا خمسة .. واحد ويدعى ابراهيم كان حديث السن في الخامسة عشرة.. كنت اشفق عليه جدا فاي ذنب يكون قد ارتكبه ليلقى هذا المصير وهو الذي لم يرى من الدنيا شيئا بعد…
ما زال صوته يهدر في راسي للان وهو تحت وطأة التعذيب.. كنت اصرخ عليهم حينها اطالبهم بتركه واخذي بدلا منه .. لياتي احد الحراس ضاحكا .
-لا تقلق لك نصيب ايضا وان شئت ضاعفنا لك العذاب
…..

ورغم كل شيء فقد كنت احاول بث الروح المعنوية لدى رفقاء زنزانتي … اذكرهم بالآخرة.. احدثهم عن الجنة. .. اذكر لهم قصص الصحابة والتابعين وصبرهم على الابتلاءات …فذاك بلال يعذب في رمضاء مكة… وال ياسر يعذبون حتى الموت …لذا فلنصبر ولنصبر فاما الموت فالجنة وأما الحرية… اما هذا السجن فمرحلة انتقالية فانية وعذابنا فيها لن يدوم! .. كما كنت حريصا جدا على الصلوات ولكوننا ممنوعون من الخروج اطلاقا من الزنزانة تحت اي ظرف سوى لغرفة التعذيب فلم اكن اعرف مواقيت الصلاة الا من الضوء الذي يصلنا من النافذة الصغيرة في اعلى الجدار.. كنت استعين بالظل لمحاولة تحديد الوقت .. فاصطف ويصطف رفقائي واكبر يهم للصلاة.. ومع الوقت بدأ رفاق الزنازين الاخرى بالانضمام الينا للصلاة …حتى أنه ذات مرة اصطف تقريبا معظم السجناء في الزنازين لأصلي بهم صلاة الفجر .. كبرت الله اكبر.. ليصل مدى صوتي من هذه الزنزانة الضيقة الى اعالي السماء الواسعة .. لم يعجب زبانية السجن وضعنا يومها .. وإن كانوا سمحوا لنا قبلا بالصلاة رغم قيامهم بالضحك والاستهزاء كلما وقفنا نصلي ... لكن اليوم ومع كل هذا الجمع .. .. فقد شعروا ان في الامر خطورة ولعلهم خافوا من قيامنا بتمرد جماعي ان استمرينا بهكذا صلاة .. . لذا دخلوا علينا يضربون ويركلون .. وقد طالتني العديد والعديد من الركلات لاقع على وجهي فأقوم وانهض مستمرا في صلاتي .. فيبالغون في ضربي ولكني كنت اكثر منهم عنادا.. لاستمر بالصلاة والقراءة حتى لم اعد أقوى على القيام!
ومن بعد هذا اليوم منع اي تجمع للصلاة وان كان لاثنين ولم يسمح الا بصلاة الفرد لوحده على شرط ان تكون سرية دون جهر! ولكني طبعا لا اتوب ولا استسلم.. فان كنت لم اعد اؤم احدا خوفا من بطشهم عليه فاني لم اتنازل عن الجهر في الصلوات الجهرية .. بل كنت اصليها باعلى صوتي متعمدا اغاظتهم . فياتون ويضربون ويضربون حتى لا اقوى على الوقوف … لاعيد الكرة في الصلاة التي بعدها والتي بعدها فلا انا امل ولا هم …
….

ذات مرة جاءوا لأخذ ابراهيم لغرفة التعذيب وقد كانوا أخذوه لها البارحة كذلك وقد عاد منها يومها مليئا بالكدمات لا يقوى على الوقوف …حاولت منعهم وطلبت منهم اخذي بدلا عنه فلم يقبلوا .. مع سماع صوته يعذب فقدت اعصابي فتوجهت للحارس مطالبا اخذي مكان ابراهيم لينظر لي باستهزاء
-الم تتعب من هذا الطلب شيخنا . ثم لا تقلق لك نصيب مرتب ايضا
لأقوم بالبصق في وجهه لعلي امسح ابتسامته الكريهة
قام بمسحها وهو ينظر الي
-اقرأ الفاتحة على روحك
ودعني رفقاء السجن يومها كالشهيد وقد كنت مدركا اني لن اعود
لن اصف لكم بشاعة ما حدث لي بعدها من تعذيب
ولكنني لم اصرخ .. وقد كنت دائما لا اصرخ .. نصحنا حازم وهو احد رفقاء الزنانة الخمسة بالصراخ
لا تحبسوا صراخكم فهذا يساعد على تحمل الالم

لكني لم اكن اريد ان اجعلهم يتلذذون بتعذيبي فلم اكن اصرخ .. وقد كنت ارى مضاعفتهم لعذابي لحثي على الصراخ فاكون اكثر عنادا منهم واكتفي بقول ..احد احد .. تماما كما بلال حينما عذب بالصخرة في رمضاء مكة ..
يومها كان التعذيب فوق طاقتي .. لم يترك ذلك الحقير الذي تفلت في وجهه وقد تسلم تعذيبي برحابة صدر ..بقعة من جسدي الا واذاقها مر العذاب ورغم هذا لم اصرخ
شعرت بكل ذرة من جسدي تنفصل عني ثم تعود .. ورغم هذا لم اصرخ .. كنت احاول تذكر ايات من القرآن تحثني على الصبر واصبر نفسي بالجنة .. ثم اخيرا فقدت الاحساس بجسدي وبت اغيب عن الوعي رويدا رويدا لاغرق في دهاليز الظلام!
…….

استيقظت بعد اسبوع كامل .. لافجأ انني ما زلت على قيد الحياة .. حاول رفقائي تطبيبي قدر استطاعتهم ومعالجة جروحي ومنعها من الالتهاب بطرقهم البدائية .. كنت بحاجة طبعا لعلاج مكثف لذا كان موضوع نجاتي ضربا من المستحيل . وبالفعل داهمتني حمى قوية بعد استيقاظي لأكون في عالم الصحو وغير الصحو .. استمرت الحمى شهرا كاملا .. وصلت بها الموت مرات ومرات ولكن ما زال في العمر بقية .. بعد شهر بدأت الحمى تخف تدريجيا وبدأت جراحي تلتئم .. كان هذا ضربا من المعجزات … وبعدها باسبوع تمكنت أخيرا من النهوض والجلوس لافاجئ بغياب إبراهيم وحازم لاعلم من رفقائنا انهم قضوا تحت وطأة التعذيب
بكيت يومها ولاول مرة كطفل صغير… بكيت أصدقاء ورفاق عشت معهم اسوء ايامي فكانوا خير معين .. بكيت ابراهيم وحداثة سنه ..بكيت حسرة والديه عليه .. ثم بمعاونة رفقائي صليت عليهم صلاة الغائب ودعوت الله لهم بالرحمة والمغفرة ..

…..

كانت حصتنا من الطعام رغيفا يابسا لكل واحد وكوبا واحدا من الماء يوميا ..كنت ابل الرغيف بالماء ليسهل علي هضمه .. وللحق دون بله بالماء يكون اكله شبه مستحيل ليبوسته وتحجره ! قد يكون الرغيف متعفنا احيانا فأقتطع الجزء المتعفن واتناول ما تبقى .. واحيانا يكون كله متعفنا فاتركه وتطيب نفسي منه …
رفيقي حامد كان قد حصل على رغيف متعفن لمدة ثلاث ايام متواصلة.. اظنهم تعمدوا هذا .. لمعاقبته على الصراخ في وجه احد الحراس … لاقوم انا بمشاركته حصتي.. رفض في البداية
بالكاد يكفيك يا شيخ
-طعام الواحد يكفي الاثنين يا حامد .. كل بسم الله
قاسمته طعامي لافاجئ بحصولي انا على رغيف متعفن !
-اترى يا شيخ قلت لك لا تطعمني فهؤلاء وحوش لا بشر
-لا عليك يا صديقي.. فنحن هنا نتقاسم المصير نفسه . فلا يضيق صدرك
حينها حاول امجد رفيقنا الثالث مشاركة خبزه معنا الا اننا رفضنا رفضا تاما ولكن بعد خمسة أيام قبلنا المشاركة تحت وطأة الجوع الشديد وخوفا من الهلاك . لياخذ حصته من الخبز المتعفن هو الاخر ..وقد كان العفن شديدا بحيث لا يمكننا التفكير في تناوله حتى
-ها قد أصبحنا ثلاثة منحوسين الى الان.. قال حامد ساخرا
-يبدو ان علينا تناول الخبز المتعفن .. اجابه امجد
-لو سمحت انا اريد العفن الأخضر فهو الذ ورائحته اشلب .. علق حامد بسخرية

وبالفعل مع تقدم الأيام لم نعد نجد بدا من تناول الخبز المتعفن لنبقى على قيد الحياة وقد كنا نغمض اعيننا ونغلق أنفنا وناكل اليسير الذي يمكننا من المواصلة أحياء .. وقد كنا نتندر كثيرا باكلنا هذا الخبز
-الحمد لله .. لقد ادوا مهمتهم على خير وجه.. فنحن الآن متعفنون من الداخل والخارج.. عقب حامد مازحا
…..

وهكذا مع اختصار الكثير والكثير والكثير من المعاناة انقضت السبع سنوات.. ودعنا فيها رفقاء كثيرين قضوا نحبهم لنصلي عليهم صلاة الغائب ونودعهم الى الابد ننتظر دورنا.. كان حامد قد قضى أيضا في سنتنا الخامسة .. مخلفا خفة دمه وتندره الدائم.. ولم يتبقى سواي وامجد وقد كان امجد كثيرا ما يتندر في من سيموت اولا
-اظنني ساموت قبلك يا شيخ فأنت كالقط بسبعة أرواح
-الاعمار بيد الله يا امجد وما السجن الا سبب ومتى حانت ساعتنا سنموت ولو كنا نياما في اسرتنا.
……

ثم وفي سنتنا السابعة وقد كنا آيسنا الخروج .. اذ بنا نفاجئ ذات يوم بدخول الحراس علينا ليشبعونا ضربا ثم قاموا بتقييدنا وربط عيوننا واقتادونا كما يتم اقتياد الخواريف أثناء الذبح.. ظننت أنهم سيبيدوننا جماعيا هذه المرة ولكن عوضا عن هذا اخذونا داخل شاحنة.. لتقود بنا إلى حيث لا ندري.. ثم بعد مدة طويلة توقفت الشاحنة والقوا بنا على الطريق وغادروا تاركين ايانا لوحدنا!

……
[/center]


ريحانة اليمن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس