عرض مشاركة واحدة
قديم 26-08-22, 10:26 PM   #24

ريحانة اليمن

? العضوٌ??? » 491868
?  التسِجيلٌ » Aug 2021
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » ريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond repute
افتراضي

الجزء الخامس

……

استيقظت بعد مدة من الزمن غير مدرك لوضعي، شعرت بالرياح الباردة تصفعني ، احتجت وقتا لأدرك اني كنت ممدا على القمة قريبا جدا من المنحدر! ما الذي أفعله هنا؟ ولم لست في السجن؟ ثم فجأة بدأت اذكر بعض الامور، عودتي لاهلي رؤيتي لامي وابي وحمزة، عائشة وزواجها، وعند هذه اللحظة عادت لي كل أحداث الأمس وعاد الألم يصفعني بقوة !
كان الوقت ليلا ولكني لا أدري ما هو بالتحديد، جلست على قمة المنحدر انظر للاشيء وفكري مسافر بعيدا، حاولت تذكر أيام السجن، كل ما تلقيته هناك ،كل معاناتي وألمي لعل هذا يخفف من وطأة خيانة عائشة لي فإذ بي أرى السجن اهون ، وعذابه ارحم! رباااه رحماك بقلب عبد ضعيف لم يعد له في الدنيا حاجة!
لم اعلم كم مضى من الوقت وانا على حالي لكن بدأت ملامح الفجر بالبروز نهضت ابحث عن ماء للوضوء ، مشيت مدة من الزمن حتى وصلت الى البحيرة الصغيرة ، توضأت بالماء البارد ثم شرعت بالصلاة..
صليت بخشوع وخضوع وكل ما حولي ساكن.. ناجيت الله طويلا..رجوته ان يساعدني ويخفف عني مصابي، دعوت لأصدقاء لي قضوا في السجن ، اطلت في صلاتي حتى تورمت قدماي، شعرت بصفاء ذهني بعدها وبالسكينة تغمرني، ليت الوقت يتوقف هنا عند هذه اللحظة!
بعد انتهائي من الصلاة ،جلست اسبح واستغفر واقرأ الاذكار حتى بزوغ الشمس،بعد الشروق صليت ركعتي الضحى وجلست افكر في وضعي وماذا علي فعله ، شعرت برغبة عارمة في رؤية عائشة.. اريد فقط ان اسالها لم فعلت ما فعلت وهي التي وعدتني أن تنتظرني لاخر العمر؟ لم آثرت نفسها وتزوجت ولم تكتفي بحمزة وتربيته كما تفعل الكثيرات؟ لربما ان قمت برؤيتها وسؤالها قد اجد الراحة لنفسي !
قمت من فوري وعدت قاصدا البلدة ، وما ان وصلت البيت حتى وجدت أمي تنتظرني على الباب والدموع في عينيها، المسكينة عذبتها وعذبت نفسي، توجهت من فوري إليها مقبلا يديها ورأسها
اسف يا نور عيني ما كان علي إقلاقك هكذا
بعد مدة عاد ابي من صلاته، أخبرته برغبتي الذهاب الى بلدة عائشة
-انتظر يومين لأجمع رجال القرية ونتوجه كلنا الى هناك
-لا داعي يا أبي دعني اذهب لوحدي واحل الأمور بنفسي
-يا بني اخشى عليك من التهور
-لا تقلق يا أبي فما زلت ابنك الذي تعرف
-انتظر على الأقل حتى يأتي اهل القرية لرؤيتك
-لا باس بعد عودتي يزورونني
وهكذا أعدت امي لي حقيبتي على مضض ولكني طمأنتها اني ساعود في غضون أيام قليلة ولن أتأخر ، حاولت إقناعي بالذهاب بعد تناول الغداء لكني رفضت بل آثرت الذهاب من فوري قبل ان تبدأ قوافل المهنئين بالوفود فلا طاقة لي باستقبال اي احد الآن.. وهكذا غادرت من فوري الى المناطق الحدودية
لم يكن دخولي الى دولة عائشة سهلا هذه المرة ، فأنا الآن سجين سياسي ورغم حصولي على العفو كما علمت إلا أن هذا لا ينفي التهم الموجهة ضدي، قاموا بتفتيشي بدقة متناهية ثم أخذوني للتحقيق، قام الضابط بالتحقيق معي طويلا مستفسرا عن رغبتي بالسفر ووجهتي ، واخيرا بعد أكثر من 30 ساعة سمحوا لي بعبور الحدود
ثم واخيرا بعد وقت طويل تمكنت من الوصول لبلدة عائشة، كان الوقت قرابة المغرب، توجهت من فوري لمنزل والديها فلم أجده؟ لم اجد الا بقايا بيت محترق ؟ لم افهم ما يجري وماذا حصل؟
استوقفت أحد المارة استفسره
-لقد احترق البيت منذ خمس سنوات
-واهله اين هم؟
-ابو الوليد وافته المنية قبلها بعام أما زوجته فقد ماتت في الحريق رحمهم الله جميعا
شعرت بالألم يعتصرني، رحمهما الله فقد كانا كأبواي تماما ولم اجد منهما الا كل حب وترحيب
ذهبت بعدها إلى البيت الثاني الذي اعرفه هنا، بيت الوليد أخي عائشة ، طرقت الباب ليفتح لي الوليد، نظر لي بريبة واستفسار كونه لم يعرفني
-السلام عليكم
-وعليكم السلام اهلا يا اخ
-الم تعرفني؟ أنا عبيد الله زوج اختك
نظر لي بتفرس شديد والصدمة تعلو وجهه
-عبيد الله!!! أيقعل؟!
-يبدو انه ما زال في عمري بقية فلم امت بعد
كان مصدوما ومرتبكا بشدة
-يا الهي .. سبحان الله سبحان الله .. ادخل تفضل
-اقتادني الى المجلس غادر قليلا ثم عاد
-يا مرحبا بك، سبحان الله ، وقد كنا نظنك مت منذ امد ، الحمد لله على سلامتك
-سلمك الله ورحم الله والديك حزنت لما اصابهما فقد كانا عزيزين علي كوالداي تماما
-ورحم الله أمواتك كذلك كلنا على هذا الطريق، أخبرني عن حالك واحوالك أين كنت طوال هذا الفترة؟
-هذا كلام يطول شرحه ولكني والحمد لله بخير، وقد اتيت اليوم لاسترد امانتي لديكم
هنا وجدته متوترا بشدة فيبدو أنني باغته بصراحتي ودخولي مباشرة صلب الموضوع
-اما علمت أنها تزوجت منذ أمد
-بلى، ولكني قد عدت الآن فلذا عليكم اعادتها لي
-ما هذا الكلام يا صهري؟ إنها متزوجة منذ سنين ولها عائلة
لعله شعر بفظاظة ما قاله أمامي ليحاول ترقيع كلامه
-اعني ظنناك ميتا فزوجناها ، أنقوم بتطليقها منه؟ اترى هذا يصح؟
-وتزويجها وزوجها حي يصح برأيك
-لكننا ظنناك ميتا
-على كل حال فانها تعود لزوجها الأول كما قال الشرع يا أبا خالد
هنا شعرت بتفاقم ارتباكه
-ما هذا الذي تقوله؟
-أظنك تعلم انني ضليع جدا في المسائل الفقهية
-دعنا نسأل اهل العلم
-وها انا من اهل العلم اجيبك، على أية حال فالمحكمة هي التي ستفصل بيننا وتبث في الموضوع
-محكمة! لا داعي لايصالها لهذا يا عبيد
-لا داعي؟ بل هناك كل الداعي يا.. أبا خالد ،والآن اعذرني علي الذهاب
-لم تشرب قهوتك بعد
-لا داعي بارك الله فيك
لأغادر من فوري أمام ملامح وجهه المصفرة .. حسن ان سألتموني عن المسألة من منظور الشرع اقول لكم ان جمهور العلماء من الشافعية والحنفية والحنابلة اجتمعوا على أن مردها لزوجها الأول، أما المالكية فقد رأو مردها الى الثاني ان كان دخل بها وعلى اية حال هنالك قول عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في المسألة فقد حكم بانتظار المرأة زوجها أربع سنين فان لم يظهر حكم عليه بالموت فتعتد وتزوج! أما القول الراجح كما أرى فهو تخيير الزوج الأول فإن شاء أبقاها للثاني مع أخذ صداقها وان شاء اعادها اليه ونهاية للفصل في الأمر يرجع للمحكمة الشرعية فتنظر في المسالة وتبث في الأمر!
اما ان سألتموني عني أنا ماذا اختار فصدقا لا اعلم! على اية حال رغبت بشدة برؤية زوجها والتعرف إليه، التعرف على الذي استبدلتني به! سالت احد الجيران عن صهر الوليد فأخبرني انه يسكن البلدة المجاورة وهي لا تبعد أكثر من ربع ساعة بالسيارة وقد أخبرني أنه يسمى براجح .. كان العشاء قد اذن لأذهب لاصلي في مسجد القرية وبعد انقضاء الصلاة توجهت من فوري الى البلدة المجاورة وقد عرض بعض اهل الخير توصيلي بالسيارة مشكورين..
وصلت البلدة وسألت عنه، دلوني لبيته لكنني لم أطرقه، لم أجرؤ، او ربما لم أرغب ! تمكنت من اخذ نمرة هاتفه من أحد الجيران وقمت بالاتصال به من بقالة الحي، اخبرته انني بحاجة للتكلم معه في موضوع مهم واتفقنا على اللقاء في مقهى البلدة
سألت عن مكان المقهى ثم توجهت له انتظره وطلبت لي قدحا من الشاي
بعد مدة دخل رجل بدين حاد الملامح تبينت أنه راجح من ترحيب ساقي المقهى له
-اهلا اهلا بالسيد راجح تفضل تفضل ماذا ترغب ان احضر لك
نهضت من فوري اليه
-السيد راجح كيف حالك؟ انا الذي خابرتك قبل قليل
نظر إلي نظرات متعالية متفحصة لأقوم باقتياده الى طاولتي
-ماذا تحب ان اطلب لك
-فنجان قهوة
طلبت من الساقي أن يحضر له طلبه ليباغتني قائلا
-من انت وماذا تريد?
-في الواقع والدي كان صديقا قديما لوالدك
-اها
-وقد ترك له دين في رقبته وقد جئت لاسترداده
-دين؟ ما هذا الهراء الذي تقوله
-عذرا يا رجل ، اي هراء تقصده اقول لك لي دين لديكم وقد اتيت لاخذه
-هيي ، وهل تراني احمق لأصدقك
-عذرا يا رجل لم تتكلم هكذا وانت حتى لم تسمع كل كلامي بعد؟ أتظنني آتي اليك دون ميثاق ودليل؟
-لان اولاد الحرام كثر وما يدريني لعلك تنصب علي
-اقول لك لك معي أوراق تثبت صحة قولي
-اوراقك هذه بلها واشربها ، لو كنت اعلم ان هذا هو الموضوع لما أتيت، قال دين لوالدي قال! هذا ما كان ينقصني
ليغادر من فوره أمام صدمتي الحقيقية بما أرى! أيعقل أن هذا الكائن هو زوج عائشة؟ حقا؟ لعلهم أخطأوا ؟؟ فهذا سفيه لا أخلاق له وبخيييل حد المرض.. أيعقل ان تستبدلني بهذا الشيء؟ أتستبدل الثرى بالثريا؟ يا ليتها احسنت الاختيار على الأقل!! شعرت باهانة فظيعة ان يتم استبدالي بمثله! ولكني أدركت أخيرا قراري بخصوص عائشة!


قمت بالمبيت في بيت الضيافة في القرية لأغادر من غدي الى دولتي فما عاد لي حاجة في البقاء هنا.. أما عائشة فقد تركتها للحياة التي اختارتها فلا أظنني قادر على إعادتها وقد استبدلتني بآخر وطعنتني في مقتل وإن كنت شديد الرثاء لها للمصيبة التي تسمى زوجها.. وسامحني الله ففي داخلي شعرت بشيء من الرضا، فلعل الله عاقبها بهكذا زوج جراء ما فعلت بي!


تمكنت اخيرا من الرجوع لبلدتي بعد أن تعذبت في النقطة الحدودية، طويت صفحة عائشة من حياتي كليا وأغلقت قلبي بالمفاتيح.. لأركز على امي وابي وأرعاهما في شيخوختهما وأرعى حمزة واعوضه عن غيابي الطويل..
اتصلت بالوليد جملة واحدة هي التي قلتها وأغلقت الخط في وجهه بعدها معلنا بهذا إغلاق صفحة عائشة نهائيا
- فلتذهب أختك لحياتها, لا اريد منكم شيئا وسامحنا الله واياكم.
كنت قد فقدت وظيفتي بالطبع ولا امل إطلاقا في العودة اليها بعد ان اصبحت سجينا سياسيا ولا أمل ايضا بايجاد وظيفة أخرى، لأجد نفسي اعمل في الارض وهي ارض صغيرة لنا كانت مهملة ، لأقوم باصلاحها وحرثها وزراعتها، فنقتات مما تجوده وأبيع الفائض عن حاجتنا.. كان العمل مضنيا لكني أحببته، احيا مع الأرض، اتنفس ترابها..أعاركها وتعاركني، أليس منها واليها نعود؟ كانت يداي قد تشققتا واغلظتا من العمل القاسي كما بدأت بكسب بعض الأرطال جراء طعام والدتي اللذيذ .. كثيرا ما كان حمزة يرافقني ويعاونني في أعمال المزرعة وقد توطدت علاقتنا كثيرا حتى بات صديقي المقرب اكثر من كونه ابني.


……


السلام عليكم، ها انا ذي عائشة، لعلكم ترغبون في معرفة الحكاية من منظوري انا..ولربما رغبتم في معرفة ماذا حدث معي بعد عبيد الله ..
عشت مع عبيد الله خمس سنين كالجنة، كانوا من اجمل سنوات حياتي رزقت فيها بهديتي الاثيرة حمزة، ولكن تلتها سبع سنين عجاف، ذقت فيها من الجراح والمآسي الكثير، وهكذا هي الدنيا ليست دائمة لأحد نتقلب فيها من حال إلى حال والحمد لله على كل حال, والمؤمن مبتلى فاكثر الناس بلاء الانبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، فاسأل الله الثبات وأن يتقبلني ويرفع عني ما انا فيه..
بعد سجن عبيد الله اخذوه لسجن آخر لم نعرف أين هو، بحث عمي كثيرا وشغل العديد من الوساطات دون فائدة، كأن الأرض انشقت وابتلعته ثم بعد ثلاثة أشهر من البحث والتقصي وصلنا خبر موته من شخص ثقة أكد لنا وفاته في السجن! كان وقع الخبر مزلزلا علي فقد رملت وفقدت الحبيب والرفيق والصديق واطفالي تيتموا! لقد اخذ بي الحزن مبلغه حتى واتتني الام المخاض باكرا ونزلت المياه المحيطة بالجنين ، كنت حينها في نهاية شهري الخامس ولا امل من حياة الطفلة ان هي ولدت ، ولكن لم يكن هنالك ما يمكن فعله ولم يتمكن الاطباء من ايقاف المخاض، وضعت طفلتي بعد ثلاثة ايام من وصول خبر وفاة ابيها، ارادوا اخذها بعيدا فور ولادتها لكنني اصررت على أخذها، كانت متخلقة لكن شكلها غريب ليس ادميا بعد للحد الكافي ، وكانت تبكي بصوت لا يكاد يسمع، احتضنتها وانا ارتجف وابكي وقلبي يتقطع عليها، صغيرتي تتالم ربما وانا ما بيدي حيلة احتضنتها لصدري اشمها واقبلها، اشم قطعة من عبيد الله تسكنها ، حاولت الممرضات اخذها مني خوفا علي الا انني رفضت وتشبثت بها حتى لفظت انفاسها الاخيرة بين ذراعاي ، وهكذا فقدت طفلتي وانتهت عدتي سريعا كذلك! .. كان لفقدها جرحا إضافيا, لم استطع تجاوز موتها بين ذراعاي بسهولة لتظل ترافقني في كوابيسي طويلا.
حاولنا الوصول الى جثة عبيد الله ولكن كان هذا ضربا من المستحيل، وهكذا تم الاكتفاء بصلاة الغائب دون قبر او جنازة ، مكثت في بيتي شهرا كاملا بعد وفاة عبيد الله لم أتركه وقد جاء اهلي للمكوث معي، فلم اكن قادرة على ترك بيتي بعد ولم استطع كذلك مفارقة امي الثانية والدة عبيد الله بل كان علي مواساتها والتخفيف عنها وانا التي احتاج لمن يواسيني، كانت كل قرنة في البيت تنبض بالذكريات مما جعل الامي تتضاعف كما ان فقدي لطفلتي ضاعف من حزني اضعافا، ولكني لم اجرؤ على الرحيل، كنت انتظر دخول عبيد الله علي في كل يوم، ففي داخلي كان هنالك إحساس خفي بان كل هذا كابوس وسأصحو منه قريبا! ولكن نهاية كان علي المغادرة الى دولتي فاهلي لا يمكنهم البقاء اكثر كما انهم راوا تعلقي الشديد في البيت كمن يتعلق بالاطياف وخافوا علي من الجنون ان انا بقيت.. وهكذا بعد شهر من رحيل عبيد الله رحلت انا الاخرى تاركة البيت فارغا من اهله.. جمعت بعضا من حاجياتي واخذت شيئا من ثياب عبيد الله اذكره بها، كان قميصا ابيض احبه عليه جدا، استنشقت رائحته بعمق رتبته باتقان ووضعته في حقيبتي المتواضعة بكل تأن خوفا عليه كأنما هو طفلي وليس مجرد قميص، واخذت صورة لنا تجمعنا كان قد التقطها لنا بعض الهواة في احد رحلاتنا سوية ، وقد كانت الصورة الوحيدة التي أملكها لعبيد الله فلم يكن شغوفا بالتصوير على اية حال، اما صورة عرسنا الموضوعة في الصالة فقد آثرت ان ابقيها مكانها ليشهد المكان على قصتنا التي بدأت هنا، ثم كان يوم الرحيل..
كان محملا بالدموع والأسى ، ففراق والدا عبيد الله يعز علي، بكت والدة عبيد كثيرا، بكت فراق حفيدها وبعدها عنه، فها هي تفقد ابنها وحفيدها وكل ما يخصه في فترة وجيزة، وعدتها بالزيارة كلما سنحت لي الفرص وهكذا تفرقنا اخيرا بعد حفلة طويلة من العناق والدموع..
عدت مجددا الى بيت اهلي وغرفتي القديمة، لاجدها على حالها كأنني لم افارقها قط، ولكني عدت ارملة اتجرع الاحزان يرافقني حمزة والذي أثقل كاهلي بسؤاله عن والده كل حين فأجيبه انه قد سبقنا الى السماء ليرد علي برغبته الذهاب معه فأخبره اننا سنذهب كلنا يوما ما، ليس الآن لكن مؤكد يوما ما سنذهب!
في ايامي الاولى كنت معتكفة في غرفتي مع ذكرياتي وصورة عبيد الله وقميصه، اشتمه كل حين والمس ملامح حبيبي واقبلها واذكر طفلتي ورحيلها وكيف قضت بين ذراعاي
حاول اهلي اخراجي من حزني دون جدوى ثم اخيرا اجبراني على العودة الى عملي القديم في روضة الاطفال لعلي انسى قليلا واتجاوز المحنة، رفضت بداية لكنهم اصروا وحدثوا مديرة الروضة التي رحبت بعودتي فقد كانت تحبني جدا، وهكذا وجدتني اعود الى حياتي السابقة قبل الزواج ، والفرق الوحيد هو حمزة واحزاني
للحق كان فعل اهلي خيرا لي، فقد انشغلت مع الاطفال وعالمهم البريء حتى اذني ، اغرق في احاديثهم الطفولية واضع كل عقلي وفكري معهم مانعة اياه من السفر بعيدا، كان العمل في الروضة رثاء لروحي خاصة ان حمزة كان يرافقني الى هناك وشيئا فشيئا باتت عائشة تعود لسابق عهدها وتتغلب على حزنها
بعد عودتي من العمل كنت انهمك حد الثمالة في اعمال المنزل فقد اخذت عهدا على امي الا تلمس شيئا سوى تحضير الطعام متعللة بان هذا ينسيني الامي ويمنعني من التفكير، كما اني كنت احرص على اخذ حمزة في نزهات قصيرة اعرفه بها على بلدتي، وهكذا كنت اشغل نفسي في النهار حتى لا يكون معي وقت لحك راسي حتى ، اما في الليل بعد أن ينام الجميع فقد كنت امسك قميص عبيد الله اشمه واقبله واتجرع الذكريات، ارثيه واناجيه واحدثه بكل ما حصل معي في يومي، ثم اقوم فاتوضأ واصلي ما شاء الله لي ان اصلي وادعو الله له فهو يحتاج الآن الى الدعاء كاكثر ما يكون..
ومرت الايام، وقد جاءني خلالها عدد من الخطاب رددتهم كلهم دون تفكير، حاول اهلي اقناعي ببعضهم لكني كنت اثور كالمجنونة فلا والله لا استبدل عبيد الله باحد، وان كنا افترقنا في هذه الدنيا فاني على امل اللقاء في الجنة!
اهلي كانوا خائفين علي جدا، كانوا خائفين ان يحدث لهم شيء لا قدر الله فابقى لوحدي لكنهم كانوا يرضخون امام اصراري الشديد على الرفض، ثم بعد قرابة السنة تعب ابي علينا فجأة، اخذناه مسرعين للمستوصف ثم بعد فحص الحالة حولونا الى المستشفى المركزي، وهناك بعد ان اجرى بعض التحليلات صعقنا بالخبر القاسي، فابي مصاب بالسرطان في مراحله المتقدمة! قام اخي الوليد باخذ ابي الى مشفى العاصمة فالطب هناك متطور اكثر، لكن السرطان كان قد نهش جسد ابي حتى يأس الأطباء من علاجه، مكث في المشفى شهرين لم يتحسن خلالها ليقوم اخي باعادته الى البيت ليموت بيننا فهذا ارحم له من ان يموت وحيدا في المشفى
لم نكن نتركه ابدا كانت امي مرابطة عنده، وانا بعد عودتي من العمل اجلس اسامره واضاحكه انا وحمزة وقد تاتي زوجة الوليد واطفالها في بعض الايام، اما الوليد فقد كان يعود من عمله مباشرة الى منزلنا، كنا نتسابق فيما بيننا في من يخدمه اكثر لعلنا نفوز ببره ، حاولنا التسرية عنه قدر استطاعتنا وقد ظل حتى يومه الاخير مرحا متفائلا تماما كما عرفناه !
توفي ابي بعد ان مكث بيننا شهرا كاملا، ورغم معرفتنا وجاهزيتنا لموته الا ان وقع الخبر علينا كان شديدا خاصة انا، ااه ليت الاباء لا يموتون ولا يمرضون، فقدهم مؤلم، مهلك للروح ، فقدهم يعني ذهاب السند والظهر الذي نحتمي به ! وهكذا في غضون عام واحد فقدت ثلاثة من اعز الاشخاص على قلبي!
بعد وفاة والدي كانت امي لحوحة جدا تقصد تزويجي فقد كانت خائفة من ان يصيبها مكروه لتقضي هي الاخرى لا قدر الله، ولكني كنت كالصوان لا الين بل كنت اثور وازبد ان تجرأ احد على مجرد التعريض بالامر، حاولت امي وحاول اخي حتى زوجته حاولت فلم يطلهم سوى زوبعتي التي باتوا يخشونها فلم يعودوا يفاتحوني في الموضوع الا لماما وبالتلميح الخفي ولكن دون جدوى!
وانقضى عام آخر، ثم وفي نهايته كانت الفاجعة! كنت في الروضة انا وحمزة حينما وصلنا نبأ احتراق البيت هرولت مسرعة اركض كالمجنونة وقلبي سقط في قدمي من الرعب، امي اهي بخير؟ وصلت لاجد البيت محترقا بشكل فظيع كانما اصيب بقذيفة، كنت خائفة على امي اناشد المارة وكل من ارى ان يطمئنني عليها، رباااه لا تفجعني بها، رحمااااك يا رب
ولكن قضاء الله نافذ ولا راد لقضائه والحمد لله، قضت امي في الحريق وقد تبين ان سببه هو انفجار انبوبة الغاز ، تلك التي اشترتها بنصف الثمن!! وقد كانت سعيدة وهي تخبرني بهذا! يومها لم ارتح للامر ورجوتها ان تعيدها ولا تستعملها فاخبرتني أنني ابالغ فكان في هذا هلاكها!
بعد ان علم اخي الوليد بالامر استشاط غضبا وتوعد لصاحب جرات الغاز باشد العقاب وبالفعل ما ان بزغ فجر اليوم التالي حتى ترقبه واشبعه ضربا وركلا ولولا تدخل اهل البلدة لكان الرجل قد قضى بين يدي اخي، نهاية حل الموضوع وتمت لملمته اما المجرم فلم يعاقب فجرات الغاز التي كان يحملها كانت سليمة ولم يكن هنالك اي دليل على كون جرتنا مغشوشة!
وهكذا ذهبت امي وضاع حقها واصبحت انا يتيمة الابوين مشردة دون مأوى بين يوم وليلة لقاء جرة غاز بنصف الثمن ولا حول ولا قوة الا بالله.


ريحانة اليمن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس