عرض مشاركة واحدة
قديم 31-08-22, 10:25 PM   #30

ريحانة اليمن

? العضوٌ??? » 491868
?  التسِجيلٌ » Aug 2021
? مشَارَ?اتْي » 53
?  نُقآطِيْ » ريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond reputeريحانة اليمن has a reputation beyond repute
افتراضي

الجزء السابع
-عبيد الله!
لاصرخ دون وعي
-عبيد الله! ماذا تعني بهذا؟
لم اعطه حتى وقتا ليجيب بل قلت من فوري
-عبيد الله على قيد الحياة، لم يمت؟؟؟ حقاااا؟ ارجووك اجبني يا اخي
امسكت يد اخي وانا ارتجف بل ارتعد ، كان جسمي ينتفض بشدة كأنما أصابته حمى، ليقوم اخي بامساكي ومحاولة تهدئتي
-عائشة، اهدئي ما الذي أصابك
ثم اجلسني في المقعد القريب لأقول ودموعي تسبقني
-اقسمت لك بالله ان تريح بالي، أحقا ما سمعت ، أهو حي؟ ألم يمت
-نعم، نعم انه حي وهو بخير، هدئي من روعك حبيبتي
لأقوم من فوري قائلة وانا انتفض
-ياااا الله، الحمد لله ، شكرا لك ياا رب، يا رب ان كان هذا حلما فلا تجعلني استيقظ منه
ثم التفت إلى أخي ممسكة يديه قائلة بلهفة واضحة:
-خذني اليه, ارجوك يا وليد، اتوسل اليك
-هدئي من نفسك الآن يا عائشة
لاكمل دون وعي
-هل علم بزواجي؟ مؤكد غاضب مني أليس كذلك، لقد وعدته ان انتظره! لكنني والله مظلومة،ولا يد لي في هذا الزواج، سيسامحني صحيح ؟ صحيح يا وليد
لم يجب الوليد لألتفت إليه قائلة
-خذني إليه، هلا فعلت؟ سأكون ممنونة لك طوال عمري إن فعلت
-هو يعرف مكان بيتنا يا عائشة، لا تقلقي سيأتي من نفسه ان أراد
-ربما لا يعرف بطلاقي
-بل يعرف
-أأخبرته؟ هل رأيته، كيف يبدو،هل تغير أم ما زال كما هو؟ أتكلمتما، دعني أكلمه ارجوك
عائشة أنت الآن في العدة لا تنسي، بعد انتهائها ننظر ماذا سيحصل
-عدة! ااه نعم، ربما لاجل هذا لم ياتي بعد! لعله ينتظر انتهاء العدة!
على اية حال، سأقوم بإحضار حمزة لك الاسبوع القادم كما وعدتك ثم سأعيده بعدها

غادر اخي ، وتركني مع ذكرياتي! ولاول مرة منذ ثلاث سنوات ونصف أخرجت قميص عبيد الله وصورته الأثيرة ، شممت القميص بقوة لعلي التقط رائحته المنسية، انتحبت بصوت عال، وانا أشعر أن قلبي سيخرج من مكانه
فعبيد الله حي ،حي لم يمت! رملت سبع سنين وتحملت وصبرت لأجل لا شيء، ضحيت لسعادة اخي فخنت وعدي لعبيد الله، عاد اخيرا ليراني تزوجت، يا ليتني مت قبل هذا بل يا ليتني هجرت اخي وغادرت الى غير رجعة ولم أتزوج بعد عبيد الله! أتراه سيسامحني؟ ايظن أنني استبدلته بآخر وأنني تزوجت حبا بالزواج؟
مؤكد مجروح مني بقوة! لكنه سيصدقني، نعم نعم، فعبيد الله الذي اعرف سيدرك انني مظلومة في هذا الزواج ولا ذنب لي به ومؤكد سينصفني!
…….

جاء حمزة لزيارتي في الأسبوع التالي
لقد كبر حبيب قلب أمه، يا الهي كم انا مشتاقة له ، قمت بتحضير كل ما يحب واخذت اجازة من عملي لأتفرغ له كليا ولأعوضه غيابي الطويل عنه مع اني والله لو جلست العمرين لما عوضته!

كان كثير الكلام عن والده! سعيدا جدا به ، أخبرني الكثير والكثير ، عن عملهما سويا في زراعة الأرض ومذاكرتهما العلم الشرعي، عن نزهاتهما للجبل والبحيرة وتعليمه الصيد والسباحة! كان شديد التعلق بوالده، مما جعلني أتعلق به بشدة انا الاخرى، كنت احثه على الكلام كل حين وبداخلي شوق كبير لمعرفة كل هفوات وسكنات عبيد الله..

انقضى الاسبوع كالحلم ليفارقني حمزة وقلبي يعتصر ألما على بعده لكنني اصبر نفسي بلقائه بعد شهر بإذن الله

….

مرت الشهور وانقضت عدتي، زارني خلالها حمزة لأسبوع من كل شهر، كنت أرى تباعده عني شيئا فشيئا ، فقد بدأ يكبر ويشب عن الطوق ولم يعد ذلك الطفل الصغير، كان الأمر يؤلمني قليلا خاصة حينما ارى رغبته بالعودة الى والده سريعا ، صحيح انه لم يصرح بالأمر لكني كنت اشعر به من نظراته وكلامه المبطن!
كنت اصبر نفسي بعودتي انا الاخرى الى عبيد الله بعد انتهاء عدتي وبهذا نعود عائلة واحدة مترابطة.
بعد انقضاء العدة بت اترقب بشوق كبير مجيء عبيد الله، تخيلت أن اراه يطرق بابنا في نفس يوم انتهاء العدة بل كنت شبه متاكدة من هذا لكنه لم يأتي، انتظرته في اليوم التالي ولكنه لم ياأتي ايضا ولم يأتي في اليوم الثالث ولا الذي بعده ولا الذي بعده، انقضى الأسبوع الأول فلم يأتي تلاه اسبوع آخر فآخر، كان قلقي وتوتري يتضاعفان في كل يوم، ما الذي أخره؟
ثم كان يوم مجيء حمزة للزيارة، لم أعرف النوم يومها بل حتى أني قمت بتهيئة حقيبتي للذهاب ، فمؤكد سيأتي عبيد الله مع حمزة هذه المرة لأخذي! كنت اعد الدقائق لوصولهما!
لكن جاء حمزة لوحده! لكم شعرت بالألم والاحباط والخيبة! لم لم يأتي؟ أتراه لم يعرف اني اصبحت حرة وبامكاننا اللقاء اخيرا؟ أما اشتاق لمحو سنين الغربة مثلي ؟ ما الذي أخره اذا؟ لربما لم يعرف بانقضاء عدتي؟ أم لعله يظن انني لا اريد العودة! أم ربما هو لا يرغب باعادتي؟ وعند هذه النقطة شعرت بالخوف الشديد بل بالفزع، نعم اعلم انه حزين أو ربما غاضب لزواجي لكن أيعقل أن يتخلى عني ويتركني للأبد ؟ لا لا، عبيد الله الذي أعرفه لا يفعلها! نعم قد يخاصمني، يغضب مني لكنه أبدا لا يقصيني من حياته، مؤكد سيأتي ربما تأخر ليعلمني بهذا أنه غاضب لكنه مؤكد سيأتي مؤكد!
ولكنه لم يأتي، مر شهر فاثنين فثلاثة ولم يأتي، كنت فزعة وخائفة، لم تأخر هكذا؟ لم افهم ولم ارد ان افهم ؟ ثم اخيرا حزمت امري واتخذت قراري!

جاء حمزة لزيارتي كما الاتفاق مكث عندي أسبوعا ثم وفي يوم ذهابه، أعددت نفسي وحقيبتي للذهاب معه! جاء اخي كعادته لإعادة حمزة ليفاجئ بطلبي
-انا ذاهبة معكما يا وليد
-ذاهبة؟ الى أين؟
-الى عبيد الله بالطبع فمكاني هناك
-ما هذا الذي تقولينه يا عائشة، كفي عن هذه الترهات،فمتى ما أراد اعادتك فهو يعرف طريق بيتنا
-يبدو انه لم يعد يعرفه! لذا لا بد لي من الذهاب
-انت لست بالرخيصة لاعيدك إليه هكذا! ان كان يريدك فليأتي هو، والآن ادخلي بيتك وتعقلي
-لا والله لن أفعل، بل إني ذاهبة معك، ارجوووك يا وليد
-لا أرضى لك المذلة يا عائشة
-عبيد الله لا يذلني
-لقد تغير، سنين السجن احالته شيئا آخر، إنه ليس عبيد الله الذي تعرفينه.
-مهما يكن، ارجوك خذني وانا أتحمل كل شيء
رضخ اخي لطلبي أمام إلحاحي وإصراري الكبيرين وهكذا غادرت اخيرا الى مكاني الحقيقي وحيث انتمي وكلي شوق لتكتحل عيناي برؤية حبيبي اخيرا!

……

ولقد صدق اخي! فهذا الذي رأيته ليس عبيد الله الذي أعرف!
لقد آلمني بشدة غضه البصر عني فور ان لمحني رغم نقابي، تأملت ان أرى بريق عينيه التي أعرف، لافاجئ بعينين جامدتين لا حياة فيهما، لم ينطق بأي كلمة حينما رآني ولا حتى بسلام عابر، بل غادر من فوره مصطحبا أخي كأنني وباء يريد الفرار منه، شعرت بالحرج الشديد ورغبت بالبكاء، كنت مدعاة للشفقة بكل تأكيد!
حاولت والدته تلطيف الجو بأن دعتني للجلوس قربها مطمئنة عن احوالي، ما زالت هي كما اعرفها بقلبها الدافئ وابتسامتها المشرقة.
أصرت على دعوتنا للغداء حاولت التملص الا أنني لم انجح، لأقوم بمعاونتها.
تناولنا الغداء، الرجال لوحدهم وانا ووالدة عبيد الله لوحدنا بالطبع، ثم استأذنا للمغادرة

كنت قد طلبت من أخي سابقا ان نبيت الليلة في القرية شرط أن نعود من غدنا، وافق بصعوبة، وهكذا قمنا بالتوجه الى بيت الضيافة لنبيت فيه، وقد صحبت حمزة ليبيت معي فانا سأشتاق اليه كثيرا بعد ذهابي
في داخلي كان هنالك امل خفي، لعل عبيد الله صدم برؤيتي واحرج من وجود اخي ، لربما لو رآني لوحده لكان لقاؤنا غير اللقاء، لذا سأحاول الذهاب مع حمزة في الغد إلى أرض عبيد الله فمن جهة أنا راغبة برؤيتها ورؤيته يعمل بها ومن جهة اخرى كنت امني نفسي اني ساعثر حينها على زوجي الذي اعرف ولاجل هذا اصررت على المبيت الليلة ويا ليتني لم أفعل!



لم اتمكن من النوم جيدا، كنت اتحرق لمجيء الفجر، لذا ما إن بزغت أشعة الشمس حتى صحبت حمزة ميممين وجهنا شطر المزرعة
وهناك كان عبيد الله يعمل، يبدو انه ياتي مبكرا من الفجر، شعرت بقلبي يطرق ما ان رأيته وشعرت بحنين شديد اليه، كم تمنيت لو ركضت اليه مرتمية في أحضانه، لكنني عوضا عن هذا اكتفيت بمراقبته عن بعد
قام حمزة بتحيته ملوحا بيده
-ابي نحن هنا
التفت عبيد الله ، شعرت بتفاجئه من قدومي إلا أنه سرعان ما أخفى انفعالاته ليقول
-اهلا يا حمزة تعال لمعاونتي
ركض حمزة تجاه والده ليقوم بمعاونته في غرس احدى الشتلات، قام عبيد الله بمتابعة عمله دون الاكتراث لوجودي، تألمت وجرحت لكنني مشيت فوق جراحي لأتوجه أنا إليهما قائلة
-كيف حالك يا عبيي… يا أبا حمزة
-بخير
-ماذا تفعلان؟ أتقومان بغرس شجرة
حينها قام عبيد الله بالوقوف نافضا التراب عن كفيه قائلا:
-قم بسقيها الماء يا حمزة
ثم توجه الى صخرة بعيدة ليجلس عليها دون أن يلتفت الي حتى
شعرت بالدموع تحرقني ، تكاد تسقط من عيني، لكنني امسكتها قسرا
وجدتني أعود من حيث أتيت أجر أذيال الخيبة متجرعة الذل والاهانة، لا ادري متى وصلت بيت الضيافة وكيف وصلت غرفتي لكنني وجدتني انتحب بقوة مستلقية على سرير الغرفة واشعر بالألم يعتصرني! هذا ليس عبيد الله! ليس الحبيب الذي افتقدته منذ 7 سنوات، لقد استبدلوه في سنوات السجن استبدلوه بشخص أكثر قسوة وجلفا، اعيدوا لي عبيد الله الذي اعرف، أعيدوه لي!

…..
لعلكم تسألوني عن مشاعري حين رأيتها، أتستغربون ان قلت لكم انها لم تحرك بي مثقال ذرة؟ كأنها لم تعد تعنيني، بل لعلها اصبحت غريبة عني وليست عائشتي الحبيبة التي كانت تجري مني مجرى الدم!
بل حتى اني استصغرتها بفعلتها، لم أتت؟ ما الداعي لقدومها، أكانت تظن أنها بهذا تستعطفني؟ على العكس، فقبلا كنت أشعر بالحنين إليها حتى انني كدت اهم بزيارتها أكثر من مرة، اما بعد ان رأيتها هنا وبعد ان جاءتني الى المزرعة فلم أشعر تجاهها الا بالبرود وبشيء من الشفقة!
الشهر الماضي ذهبت لزيارة صديق زنزانتي أمجد صحبت حمزة معي ليتعرف على رفيق الكفاح، استقبلني في بيته كخير ما يكون ، عرفني على ابنائه، واصر على استضافتي لثلاثة أيام، أكرمني خلالها أيما إكرام، كان يعمل في مزرعة أخيه للخيول، علمت حمزة امتطاء الخيل وتسابقنا كثيرا، كان أياما رائعة ! وقد وعدني برد الزيارة هو الآخر.
محظوظ هو! فقد عاد ليجد زوجته الوفية بانتظاره وقد صبرت كثيرا على البلاء فقد حاول أهله إخراجها من بيتها ورميها الى الشارع ، واهلها استثقلوها وأطفالها، لكن رغم هذا لم تستسلم بل بقيت صامدة تربي اطفالها بصبر واحتساب حتى جاءها فرج الله فقد عاد أخو امجد من بلاد الغربة مفتتحا مزرعته للخيول ليقوم بكفالتها هي وابنائها، هذه هي الزوجة الأمينة الوفية وليست كعائشة والتي ظننت فيها خيرا لتخونني كأبشع ما يكون ، يبدو انني ما عرفتها حق المعرفة!
في داخلي كنت أشعر بالغيرة من صديقي، وقد تألمت من هذا الشعور، أأغار منه، من أمجد؟ ومتى كنت أغار وانا المؤمن الراضي بقضاء الله تعالى ، متى أصبحت أنظر الى ما عند غيري؟
سامحك الله يا عائشة, سامحك الله فأنت السبب!

الجزء الثامن والأخير
……
عدت الى ملحق أخي اتجرع الذل والإهانة، علمت أنني خسرت عبيد الله الى الأبد، لذا عدت أعيش مع الماضي، مع عبيد الله الذي غاب من سبع سنين فلم يعد!

ما زال حمزة يزورني مرة من كل شهر ، وقد كان كثير الكلام عن والده كما دائما، لكنني ما عدت اطيق الإستماع إليه، ما عدت أحب حديثه عن أبيه ، لذا ما ان يبدأ بالحديث عنه حتى احاول جهدي تغيير الدفة …

مضت الشهور تلو الشهور، ليصلني خبر اثقلني وآلمني، والد عبيد الله يصارع سكرات الموت!
ما إن علمت بالخبر حتى هرعت برفقة الوليد ، لا أقوى على مزيد من الفراق، رحماااك يا رب

كان الإمام محمود جد حمزة قد كبر واثقلته السنين فشاخ مبكرا، ما زلت أذكره كالجبل الصامد الذي لا تهزه الريح العاصفة فإذا بي أراه ممددا على سريره لا يقوى على الوقوف، انهمرت دموعي رغما عني و انكببت على يديه أقبلهما، دعى لي على فراش موته، دعى لي بالرضى والسعادة، ليفارقنا بعدها بيوم واحد ، مخلفا وراءه حزنا عميقا لا يندمل!
فها قد فقدت أبي الثاني، من كان لي ظهرا وسندا وعزوة، ذهب ورحل هو الآخر وتركنا نتجرع مرارة الفقد.

…..

قلت زيارات حمزة لي بعدها ،فقد أخبرني أنه لا يقوى على ترك جدته وأبيه بعد وفاة جده خاصة في الفترة الأولى ، لكنه وعدني أن يزورني متى سنحت له الفرص.

شعرت بالفخر، فيبدو أن حمزة قد كبر واصبح رجلا ذا مسؤولية يعتمد عليه وإن كنت اتحرق شوقا للقياه .
زارني بعد شهرين من وفاة جده ثم زارني في الشهر التالي ثم انقطعت زيارته لثلاث شهور، ليزورني بعدها لكن ليس لوحده فقد صحبه أبوه وجدته…

استغربت قدومهما مع حمزة وهما اللذان لم يفعلاها سابقا، لأصدم برغبة عبيد الله إعادتي الى ذمته، لم اصدق أذناي، ما الذي تغير، لم يفعلها؟ وانا اللتي آيست منه ! شعرت أن في الأمر سرا لكنني وجدتني أوافق بالطبع، فمكاني ليس هنا، مكاني كان دائما هناك، ويكفيني أنني سأكون قرب حمزة ، ومن يدري لعلي انجح باستعادة عبيد الله ، وهكذا وجدتني بين يوم وليلة زوجة عبيد الله مجددا
لأغادر مع حقيبتي الوحيدة برفقته وأمه وحمزة الى بيتنا الذي هجرناه طويلا.
…….
لوهلة شعرت أنني سأدخل البيت لأجد حمزة ذا الثلاثة أعوام يلعب بألعابه، وعبيد الله جالس في مكتبته يقرأ وانا أعد الشاي له ليلتقطه من يدي مقبلا كل اصبع منها بحنان ممتنا لتحضيري كوب شايه!
لكنني عوضا عن هذا وجدت الصالة الداخلية قد تحولت الى غرفة نوم، فقد كان هناك سرير عوضا عن الأريكة وفي زاوية الغرفة وضعت خزانة أرفف مفتوحة وبداخلها ثياب عبيد الله واغراضه في اشارة صريحة لعدم الإقتراب منه او التعدي على خصوصياته
شعرت بالإهانة والألم لكني تجرعت جراحي ولم أعلق.. لأدخل غرفة النوم وأقوم بالبدء بترتيب حقيبتي في صمت…



كانت أيامنا الأولى باردة كالجليد، لم نكن نتبادل الكلام إطلاقا ، وكان كلامنا يتوجه إلى حمزة فنخبر بعضنا ما نريد من خلاله وحتى هذه الطريقة لم تستخدم الا للضروريات
فمثلا حينما تحتاجني امه وتطلب منه أن يناديني فإنه يقول لحمزة - حمزة قل لأمك أن أمي تريدها
مع الوقت بات حمزة يتضايق من هذا الأسلوب هو الاخر ليقول حينما نستخدمه
-قولا لبعضكما ما تريدان واتركاني في حالي!

…..
مع الأيام بدأ صبري ينفذ وضيقي يتضاعف، أيعقل أن تستمر حياتنا على هذه الشاكلة الى الأبد؟ أيعقل أن نعيش كالأغراب في بيت واحد لا نتبادل الكلام حتى!
لأقوم بالإنفجار أخيرا في وجه عبيد الله بعد أن ضاقت بي السبل
-اخبرني فقط لم تزوجتني وانت لا تريدني بل لا تطيقني حتى
اكتفى بالصمت دون أن ينظر إلي حتى. لأصرخ بجنون:
-على الأقل انظر إلي! أيعجبك حالنا؟ إلى متى سنظل هكذا؟
لم أجد ردا ايضا
-هل أوصاك والدك بهذا؟ أهذا هو السبب الذي دعاك للزواج بي
ومرة اخرى لا رد، لأقول بعصبية
-أجبني على الاقل لارتااااااح! أكانت هذه وصيته قبل وفاته؟
ليكتفي بإيماء رأسه بالإيجاب ثم نهض خارجا من البيت كله ليتركني وحدي أتجرع مرارة الحقيقة
لا أخفيكم أنه كانت تساورني الشكوك حيال الأمر, وقد شككت أن لأبيه دخل ما, لكن أن أعرف معرفة اليقين فالأمر مختلف والألم أقوى وأشد، فهنا وصلتني رسالته واضحة، لولا وصية أبي لما اعدتك ولما كان لي بك حاجة!
……

اعتزلت غرفتي في الايام التالية، غير قادرة على الخروج حتى، كنت بدأت افقد طاقتي ورغبتي في المواصلة ، وقد بدأت برفع راياتي تمهيدا للإستسلام، كنت أظن أنه يكفيني أن اكون قرب عبيد الله لكنني كنت مخطئة، فوضعنا هكذا أشد إيلاما بكثير من عيشي بعيدا عنه!
وقد كدت بالفعل اغامر بالإستسلام التام لولا أن راودتني فكرة جهنمية، فرغم كل شيء ورغم الأسباب والظروف فعبيد الله زوجي، ولي حق فيه، وعلي ان اقاتل لاسترجاع هذا الحق فهو في النهاية حق مشروع! وهكذا قررت من غدي ان ابدأ بمحاولة استرداد عبيد الله باستعمال كافة الوسائل المتاحة!

…….

استيقظت قبل الفجر، قمت برش عطري الذي كان عبيد يحبه جدا، تزينت وبالغت في التزين حاولت إظهار مفاتني لكن راعيت وجود حمزة بالطبع ، وتوجهت الى المطبخ من فوري لأعد لعبيد الله إفطاره قبل ذهابه للعمل
أعددت له الفطائر التي كان يحبها، امتلأ البيت برائحتها الشهية، رسمت ابتسامة على وجهي وجلست انتظره….

دخل البيت ، نهضت من فوري مرحبة
اهلا بحبيبي وقلبي، أنرت البيت، تعال لتأكل فقد اعددت الفطور
حاولت اقتياده الى المطبخ لافاجئ به جامدا بشدة لا أقوى على تحريكه، التفت إليه لأراه بلا ملامح، ساكن كالجليد فلم افهم أسعيد هو أم غاضب، قام بتجاهلي كليا ليتوجه الى الصالة من فوره ، أخذ منها بعض الأشياء على عجل ثم غادر تاركا إياي لوحدي أشعر بالصقيع والإهانة
كادت الدموع تطفر من عيني لكنني تماسكت مصبرة نفسي بأن هذه الجولة الاولى فقط ، ولا يجب ان استسلم من البداية.

قمت بالعديد من المحاولات في الايام التالية ، حاولت إعداد الشاي له مع التدلل امامه، قمت بفرض نفسي واختيار ملابسه له ليرتديها، حاولت الرقص، حتى أنني تجرأت ذات يوم واقتربت منه بعد عودته من العمل محاولة فك سترته كما كنت افعل سابقا، يومها أمسك يدي وقام بإزاحتها بقسوة وخرج من البيت غاضبا ودموعي تسبقني! من بعدها بات يعود للبيت للنوم ليس إلا! اما أنا فلم أعد أجرؤ على النظر في وجهه حتى وقد بدأت أدرك أنني في حرب خاسرة لا أمل لي فيها!



اعتكفت في غرفتي لا أخرج منها ، أتجرع الإهانة تلو الإهانة ، شعرت أنني قد وصلت الى أقصاي وعلي العودة من حيث أتيت! ولكن ما حدث بعدها بيومين عاد لإذكاء القليل من الأمل في نفسي
كنت اقوم بسقي الأزهار في الشرفة ،وانا ادندن، كنت في قمة تركيزي فيما أفعل، أداعب بتلات الزهور بحنان كبير، فأنا محبة للنباتات أرعاها كأطفالي، أحدثها وألاطفها، ولا تستغربوا فالنباتات كائنات حية شديدة الحساسية تشعر بلمساتنا وكلامنا فإن عاملناها برفق أزهرت وإلا ذبلت وماتت، رفعت رأسي فجأة لافاجئ بوقوف عبيد الله أمامي ينظر إلي بحنان فائض وعيناه تلمعان،ما إن انتبه إلي حتى غض بصره مكتسيا الثوب الجليدي، لكن كانت لنظراته الأولى الاثر الاكبر في جعلي اتفائل باستعادته يوما ما!

يومها تجرأت على التسلل الى الصالة اثناء نومه، وقد كنت أفعلها أحيانا سابقا، أتسلل الى الصالة بهدوء أراقبه من بعيد بحنان شديد، فحينما ينام وترتخي ملامحه، يعود كما كان سابقا، يعود عبيد الله الذي أعرف، فأجلس أراقبه ، اراقب سكناته وخلجاته لكنني لا أجرؤ على الإقتراب واكتفي برؤيته من بعيد، لكن يومها شعرت برغبة عارمة في الاقتراب لأفعل! مشيت ببطئ أحاول ألا أظهر أية ضوضاء، وصلت إليه، كنت قريبة جدا منه، لا تفصلنا إلا بضع إنشات فحسب، شعرت بالحنين الشديد إليه و برغبة ملحة في لمس ملامحه الحبيبة، لكني تفاجئت من مظهر ظهره، كان نائما على بطنه عاري الصدر، يخفي ظهره بغطاء خفيف لكني وجدت آثار جروح أعلى الظهر، قمت بازاحة الغطاء من على ظهره رويدا رويدا، لأضع يدي على شفتي مانعة خروج شهقتي..
عدت إلى غرفتي بسرعة لأقوم بالبكاء بعنف محاولة كتم صوتي كان قلبي يتقطع لهول ما رأيت!
فظهره كان عبارة عن خرائط من الجروح والكدمات بعضها قديم والآخر ما زال محمرا تبدو عليه آثار الإلتهاب! يا ترى ما الذي فعلوه به في السجن، أعذبوه بلا رحمة ، لقد أحالوه شخصا آخر، دمروه ودمروني معه ! يا ليتني أكون قادرة على تطبيب جراحه وتضميدها، يا ليته يجعلني أحاول، أتراني كنت أنا أيضا جرحا إضافيا لجراحه، لعله كان يأمل أن يعود ليجدني في انتظاره لأداويه كما كنت أفعل فإذا بي أكون طعنة أخرى تذكي جراحه! هل من أمل أن يسمح لي بمساعدته الآن، أم تراني أتيت متأخرة ، متأخرة جدا!

….

ويبدو أنني بالفعل أتيت متأخرة! فمن يومها قام بحمل أغراضه وتوجه إلى غرفة الاطفال الثانية والغير مستعملة ليبدأ بالمبيت فيها مغلقا الباب بالمفتاح خلفه في إشارة واضحة لرفضه حتى أن أراه وأرى آلامه ، تألمت بشدة فها هو يقصيني كليا عن حياته رافضا أن أطلع على أي تفصيلة تخصه.

استمر اعتزاله في الغرفة لاسبوعين لم اكن اراه خلالهما، فهو يغادر باكرا قبل الفجر ولا يعود الا آخر الليل متوجها من فوره إلى غرفته مغلقا اياها.

ضقت ذرعا بهذه الحال، لأنتظره ذات ليلة، وما إن دخل حتى باغته قائلة
-عبيد الله انتظر
كان يهم بالدخول إلى الغرفة لأضيف من فوري
-اسمعني أرجوك،لا تدخل للغرفة قبل ان تسمعني!
كاد أن يفتح الباب إلا أنه توقف، كان ظهره مصوبا تجاه الباب لم يلتفت إلي حتى، لكنه وقف ينتظرني أتكلم على الأقل
تزردت ريقي لأقول بصوت مرتجف باك
-عبيد، ارجوك اسمعني، صدقني انا مظلومة، لم أرد الزواج إطلاقا لكن ظروفي كانت أقوى، لو علمتها لعذرتني، عبيد الله القديم كان سيعذرني، ارجوك اعطني فقط فرصة الشرح
ليكتفي بقوله
-تأخرتي كثيرا, فعبيد الله الذي تعرفينه قد مات
شعرت بقلبي يحترق، وعلمت حينها أنني قد خسرته للأبد هذه المرة!

……..
بعدها بثلاثة أيام أخبرني حمزة عن مخططاته الذهاب مع والده في رحلة تخييم للبحيرة نهاية الأسبوع وقد طلب مني أن أرافقهم
-لا عليك بني، اذهب أنت مع والدك واستمتع بوقتك أما أنا فإنني أفضل البقاء هنا
-لكن يا أمي المكان هنالك آسر، ستحبينه جدا
-لا عليك يا بني، فأنا أفضل البقاء في البيت
-أميييي، ارجوك تعالي هذه المرة مؤكد ستقضين وقتا ممتعا
-حمزة صدقني أفضل البقاء في البيت
-اميييييي اجوك!
كان لحوحا جدا يريدني أن أرافقهم، لعله ظن انه بذهابي ستتحسن نفسيتي فأنا في الفترة الاخيرة كنت كثيرة الشرود حزينة
حاول إقناعي بشدة لكنني كنت متمسكة برأيي ثم كانت الليلة التي تسبق الرحلة
جعلني أعد لهم الفطائر والشطائر وشيئا من الحلويات لذا فقد كنت منهمكة في إعدادها وكان يحاول اقناعي المجيء معهم بشتى الطرق
دخل علينا عبيد الله ، سمع توسلات حمزة الشديدة ورفضي المستمر ليقول
بإمكانك المجيء إن أحببتي!
وهكذا وجدتني أصعد معهم الجبل فجرا!
…..
كنت أصعد والذكريات تعصف بي، لكم صعدت الجبل مع عبيد الله فيما مضى، نغذ السير من الفجر لنصل الى البحيرة منفصلين عن العالم، كنت أعشق هذه الرحلات وأنتظرها بفارغ الصبر، هنا تماما كدت أتعثر مرة لولا أن أمسكني عبيد الله في اللحظة الاخيرة، وهنا جلسنا نستريح من عناء الرحلة، هنا تعبت من السير حينما أتيت في حملي بحمزة وخفت أن يصيب الجنين شيء ليقوم عبيد بحملي متابعا السير
ذكريات سعيدة لكنني شعرت بها تخنقني وبصعوبة حاولت كبح دموعي!
وصلنا البحيرة أخيرا ، قام حمزة ووالده بنصب الخيمة ثم توجها من فورهما لإحضار الأخشاب لإيقاد النيران ، أحضرا الأخشاب ليقوما بعدها بالتوجه للبحيرة لاصطياد السمك والسباحة
بعد ذهابهما توجهت من فوري للجلوس على الصخرة القريبة، كثيرا ما جلسنا عليها أنا وعبيد فيما مضى، يجلسني في حجره لنراقب الشروق والغروب، معجزتي الخالق المتجددات في كل يوم، اقتربت من الصخرة، تحسستها بيدي، أتخيل عبيد وعائشة الجالسين عليها، شعرت بالدموع تطفر مني، جلست أخيرا انظر للبحيرة وعقلي مسافر للبعيد .
كنت يومها جالسة في حجر عبيد الله نراقب الغروب لأقول له
-عبيد، اأترى قد يأتي يوم تتوقف فيه عن حبي
-ما هذا السؤال حبيبتي، كيف طرأ في بالك
-عندي فضول لأعرف
-لا اظن يا حبيبة الفؤاد فحبك متأصل داخلي يعيش داخل روحي فلا أظنني افعلها الا لو انتزعوا روحي مني
-ولكن الدنيا متقلبة ولربما فاجأتنا بتقلباتها
-نعم هي متقلبة لكن حبي لك ثابت ، ولا أظن أن أي ظرف مهما كان قادر على زحزحته!
وكم كنت كاذبا! فها قد تقلبت الدنيا لأصبح الغريبة لا القريبة، البغيضة لا الحبيبة أم أنهم في السجن نجحوا بالفعل بانتزاعي من روحك ؟

……

عاد عبيد الله وحمزة قرابة المغرب يحملان صيدهما من السمك، قاما بالصلاة ليقوما بعدها بإشعال النيران، قام عبيد الله بتنظيف السمك وتجهيزه للشوي، ادخل عيدانا خشبية داخله وجلس يشوي الأسماك بتركيز
بعد انتهائه قام بتوزيع حصصنا علينا ثم اخذه حصته وقام بالذهاب بعيدا ليأكلها، إنه يرفض حتى أن نأكل طعامنا سوية!
حاولت التركيز في طعامي مانعة نفسي من التفكير في أي شيء آخر، كان حمزة يكلمني بحماس عن كل ما فعلاه،عن اصطيادهما السمك وكيف تمكن من اصطياد اكبر واحدة! عن قفزهما في البحيرة وسباحتهما الطويلة، وعن نيتهما القيام غدا برحلة تجديف في البحيرة كما أنهما سيحاولان اصطياد الأرانب البرية، حاولت مشاركة حمزة حماسه وأن أبتسم له واطري على مهاراته وإن كنت في داخلي أكاد أنفطر من الحزن!
بعد حين توجه حمزة لوالده يتسامران ويتحدثان وبقيت أنا جالسة لوحدي، بعد صلاة العشاء دخل حمزة لينام داخل الخيمة ليتركني أنا ووالده لوحدنا تفصل بيننا مسافة جيدة، لم يبادلني كلمة واحدة بل لم يكترث لوجودي حتى ، جلست طويلا انظر إلى اللاشيء ثم أخيرا دخلت الخيمة لأنام أنا الأخرى، لا أعلم اين قضى عبيد الله ليلته هو الآخر لكن مؤكد ليس معنا!
….
استيقظت فجرا لأحضر الفطور، قمت بتقوية نيران الأمس ووضعت إبريق الشاي، شاي الجبل هنا له نكهة أخرى لا يمكن أن تجدها في أي مكان آخر، استيقظ حمزة بعدي بقليل قام بالوضوء ليصلي الفجر مع والده، أما أنا فقد كنت أصلي لوحدي فلم أجرؤ على الإنضمام إليهم وإن كنت محبة لهذا، ثم بعدها جلسنا للفطور لأفاجئ بعبيد يجلس مبتعدا رافضا الإقتراب من الطعام أو تناول شيء منه، ااه ما زالت جراحي منه تتوالى، يا ليتني لم آتي، فلم أنل شيئا سوى تجرع مرارة الذكريات مع مرارة التجاهل!
بعد الإفطار توجه عبيد الله وحمزة من فورهما إلى البحيرة ليقوما بالبدء بتجهيز القارب، حاول حمزة حثي على المجيء لكنني رفضت.
بعد أن غادرا شعرت بحزن عميق، أظنني على بعد خطوة من الإكتئاب! عادت لي الذكريات المؤلمة، رأيتني وعبيد الله داخل البحيرة يحاول تعليمي السباحة دون جدوى، كنت متشبثة به بشكل جنوني رافضة تركه،حاول أن يجعلني ابتعد عنه قليلا ليجدني متشبثة به أكثر فأكثر بفزع لقول ضاحكا:
-إن بقيت هكذا فلن تتعلمي السباحة أبدا
-لا يهم لا اريد المهم ألا تتركني… لأزيد من تعلقي برقبته
ليضحك قائلا
-يا مجنونة أنت تخنقينني!
-لا يهم المهم ألا تتركني
-أتعلمين إنني أشعر أنك تتحججين بخوفك لتتشبثي بي ليس إلا، ألا تكفيك أحضاني لك في كل وقت
-لا لا تكفيني، اريد حضنك دائما فهو لي وليس لأحد آخر، ولا يحق لأي أحد منعي من هذا الحضن وإن كان أنت
-يا لجبروتك
ليحاول بعدها التملص مني
فأشهق بفزع متشبثة به بشكل جنوني دافعة إياه لأسفل وأنا أبلبط الماء من حولي بفزع
ليتمكن أخيرا من اخراجنا من البحيرة ضاحكا
-يا مجنونة ، مؤكد لن أتمكن من تعليمك السباحة مهما حاولت بل قد تقتليني قبل هذا بكل تاكيد

كنت أتجرع الذكرى بمرارة ودموع القهر تسبقني، شعرت بداخلي برغبة قوية للنزول في البحيرة لعلي أبرد على نفسي فأنا أشعر بالإحترااااق، لأجدني أدخل البحيرة دون وعي مني ، استمريت بالدخول حتى لم أعد أتمكن من الوقوف على قدمي لافاجئ بنفسي أغرق، شعرت بالفزع الشديد لكنني كنت من اليأس بحيث لم أحاول المقاومة بل تركت نفسي أنزل للقاع، كنت مستسلمة أنتظر الموت، بدأت اشعر بالإختناق وشعرت بدنو أجلي ! لأشعر بعدها بيدين قويتين تنتشلانني لأدفن بعدها داخل صدر قوي، لم أعلم حقا ما يجري فقد كنت في عالم الصحو وغير الصحو، شيئا فشيئا بدأت أستفيق لأجد عبيد الله فوق رأسي يحاول إنعاشي ونظراته مليئة بالقلق! مؤكد أنا في حلم قلت في نفسي لأغرق في غيبوبتي من جديد.
شعرت بنفس حار يتدفق داخلي وبمياه باردة تصب فوقي، بدأت بالرجوع لوعيي شيئا فشيئا لأجد عبيد الله فوق راسي، إذن لم أكن أحلم و لدهشتي فقد كانت نظراته قلقة بشدة، قمت بمحاولة الجلوس لأجدني أشعر بالدوار ثم فجأة وجدتني داخل صدر عبيد الله! لم أصدق نفسي أعبيد الله يحتضنني ؟ أيعقل
سمعته يقول بهمس
-الحمد لله الحمد لله
بدأت الدموع تتساقط من عيني لافاجئ بعبيد الله يمسحها
-أتقتلين نفسك يا عائشة؟
-لم أكن أنوي هذا رغبت بدخول البحيرة فوجدتني أغرق
-ماذا كنت سأفعل بعدك اجيبيني!
لم أصدق ما أسمع لأنظر إليه دون تصديق ، كانت نظراته حنونة وقلقة في الوقت نفسه لم أشعر إلا بنفسي أرتمي داخل أحضانه، أبكي بعنف!
شعرت بقبلاته الحنونة على وجهي وبمسحه على رأسي
-هشششش هوني عليك حبيبتي
لأزداد في بكائي أكثر، اكتفى بتطويقه لي حتى هدأت اخيرا، حاول بعدها إبعادي عن أحضانه لأرفض بشدة
-اتركني هنا فقد تعبت طول الجفاء وأريد العودة لموطني أخيرا
اكتفي بالصمت محتضنا إياي ، أضفت بعد حين
-هلا تركتني أداوي جراحك؟ أعلم أنني تأخرت كثيرا لكنني واثقة من قدرتي على مداواتها إ سمحت لي
لم يجب لأقول بترج
-أرجوك ، دعني أداويها لنعود كما كنا فقد شبت من طول الفراق
-باذن الله يا …قلب عبيد الله


تمت

الخاتمة

لعلكم تتسائلون عن مصير أبطالنا بعد ذلك
أحب أن أطمئنكم أنهما وجدا السعادة أخيرا وتمكنا من إعادة حبهما القديم، لم يكن الأمر سهلا في البداية فكلاهما مثقل بالآلام والجراح وما زالت ندوب السجن واضحة لدى عبيد الله، لكن بكثير من الصبر والتضحيات خاصة من عائشة نجحا أخيرا في تجاوز محنتهما سويا، كثيرا ما كانت تنتاب عبيد الله الكوابيس لكن عائشة دائما ما كانت حاضرة، كثيرا ما كان يشرد لكنها كانت موجودة لتعيدها اليه، كثيرا ما كان يعتزل العالم لكنها كانت موجودة لتملأ عليه حياته ، وكان هذا كل الفرق ، سماحه لها بالإقتراب جعل من شفائهما ممكنا ، نعم مرحلة التعافي كانت طويلة جدا، لكنهما تمكنا من عبورها سويا، ليتمكنا أخيرا من الوصول لبر الأمان ليرتاحا ويشيخا سويا.



ريحانة اليمن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس