نوفيلا: وكان جبره ثاويا *مكتملة* بسم الله الرحمن الرحيم
شكر خاص للأخت والصديقة سميرة الحيان على مساعدتها في انتقاء العنوان..وهذا تفسيرها وشرحها له وتبسيط معانيه..
"الجبر يأتي بعد الكسر ومجازا بعد الألم والوجع خاصة الأذى النفسي، وحين يكون باستحقاق وبعد صبر فإنه يكون بمثابة الراحة التامة المريحة، فنقول ثاويا أي جعل النفس تقرّ وترتاح وتسكن في هدوء، وفي مثوى تنتهي فيه كل الهموم فنقول المثوى الأخير أي الملاذ الأخير المستقر الأخير أي النهاية، وهذا الجبر جاء نهاية للألم والوجع والعذاب النفسي للبطلة مجازا، عندنا في المغرب مثلا عند زواج العروسين نقول الله يثاويهم أي يجعل كل واحد سكن للثاني واستقرار له و بئرا يستر كل واحدا الآخر في انسجام وتلاحم..
ويقال جبر الخاطر هو المواساة بعد الحزن، وثاويا من المثوى أي المستقر أي المواساة التي تسكن الأحزان وتهدئها.."
إهداء:
إلى نفسي التي تعايش تخبّطي وتقلّب مزاجي..إلى تلك الأوقات التي تنتابني فيها ومضات يأس وفقدان شغف.. وشعور بأنني قد وصلت لنقطة النهاية ولم يعد لدي ما أضيفه..وعقلي قد بات صفحة بيضاء وفقدت كل أدواتي للكتابة.. لتتبعها تلك الانتفاضة التي تُنصف قدراتي.. تومض كمنارة مشعّة تضيء دربي..وتواكب رحلة عشقي وشغفي في انتقاء كلماتي..أنسج بها بساطًا سحريًا يحملني على أجنحته لسبر أغوار تلك المواطن التي كانت تتراءى لي بعيدة يكتنفها الغموض..مواطن تهفو إليها نفسي لأنهل منها أعبئ منها دلاءً من الشغف والإلهام..وأروي بها حروفي وأفكاري فتُزهر مورّدة يانعة.. تغمر قلبي بالانتشاء والاكتفاء و تنشر الدفء في أوردتي..إليك يا "أنا" أهدي كل انجازاتي..
***
كلمة للكاتبة:
هذا العمل هو امتداد لعمل سابق بطلته أطلّت علينا فيه وغزلت حكايتها بين أسطر هذه النوفيلا..ليس جزءًا ثانيًا لا يكتمل إلا بقراءة الجزء الأول..بل فقط امتداد له.. وأبطال العمل الأول سيظهرون في هذا العمل أيضًا..لمن يرغب في معرفة قصتهم فهي متوفرة بعنوان:
"حين لامست النجوم"
***
"تقفل الخط وهي تضعه على صدرها تتنهد بعشق تملك الفؤاد حدّ الوله، ليهتز الهاتف بين يديها معلنًا عن وصول رسالة..
ترى ماذا نسي ذلك العابث لم يقله؟
فتحت الرسالة لتجدها من وفاء وقد ابتدأتها بملصق مضحك يعبر عن تذمر طفولي متضايق بينما كتبت:
" أليس لديكما غرفة تكملان فيها وصلة غرامكما الصباحي هذا بدل الشارع؟ لقد فضحتمانا أمام الجيران.."
تضحك آية بابتهاج مضاعف بينما تنقر سريعًا وترد بملصق آخر تعبر فيه عن عدم اهتمامها وهي تعلن لها بهدوء:
" أنت تغارين فقط.."
ملصق آخر مضحك يعبر هذه المرة عن اشمئزازها وهي ترد بنزق:
" رحماك ربي!..أنا أغار؟..أتعلمين؟ قصتك مع لقمان تسبب لي الغثيان..أنا أكره الرومانسية بكل أشكالها.."
تضحك آية بمرح وهي ترد عليها بصبر:
" سنرى يا وفاء..سنرى عندما ستقعين في الحب"
يصلها ملصق آخر عبر عن ضجرها لتبتسم بسعادة غير متأثرة بمزاج وفاء المتكدر..ثم وضعت الهاتف جانبًا وتناولت مفكرتها تبدأ بكتابة فصول الحكاية التي تاقت إلى كتابتها منذ أمد بعيد..قصة حبها مع لقمان..الآن فقط ستبدأ بنسج فصولها بحبر لن يجف أبدًا..بصبر ستنهل من نبعها ترتوي وتروي حبيبها معها حد الاكتفاء."
***
نوفيلا: وكان جبره ثاويًا
***
استهلال..
ليلة مقمرة مضيئة بنجوم تناثرت على عباءة السماء كحبّات ماسية متلألئة، تحاكي تلك المفرقعات المدغدغة في صدرها، تفشي سر سعادة وبهجة طفرت وتناثرت وغمرت كل شيء حولها.. ليتحول إلى ورود وقلوب حمراء مرفرفة..
شفتاها لا تتوقفان عن تراقصهما بتلك الابتسامات المرتجفة بإثارة وترقّب ..غدًا يومها الموعود.. خطبتها على حبيب العمر..ذلك اليوم الذي طال انتظارها له..ثماني سنوات لم تكن بالهينة وانتظارها لم يذهب سدى.. فها هو القدر سيكافئها أخيرًا بما حلمت به ورسمت له أحلامًا مزدانة بالوعود والامنيات..
"مراد"..ذلك الاسم المنقوش بحروف من ذهب على جدران قلبها.. اسم حمل كل معاني قصص العشاق في الحكايا القديمة.. أول من منح الإذن بالولوج لفؤادها بعد أن اعتصم عن السماح للحب بطرق بابه..مرادها في هذه الحياة وحلمها..
تتمرغ في فراشها الوثير تخفي وجهها في وسادتها وحديثهما قبيل دقائق يرسل رجفات متتالية إلى أوصالها، وترفرف له فراشات نابضة بالحب والشوق تدغدغ الفؤاد..
" أخيرًا يا وفاء.. غدًا سألبسك خاتمي وأقيدك بي إلى الأبد..
ألا ليت الغد يأتي..
وقد نال الفؤاد من وصالها ما يشتهي"
ابتسامتها الحالمة تتراقص بجذل على شفتيها، وغزله المتجرئ يفجر بها مشاعر تختبرها لأول مرة، تأخذها وتحلق بها فوق غيوم وردية ناعمة..
"صبرًا أيها القلب.. ثم صبرًا..
مكتوب أن تجبر الخواطر جبرًا..
غدًا سنروي أشواقنا بعناق وضم..
وورود الشفاه والوجنتين نقطف..بقبل ولثم"
يزداد اشتعال وجنتيها حياءً وخجلًا وفطنتها تقودها إلى معاني كلماته ..
فتهز برأسها نفيًا وهي ترد بملاوعة وشقاوة:
" قل للحبيب أن الشوق يغالبنا..
وأن الحلال في الوصال مرادنا..
فصبر جميل حتى يجمع الله بيننا..
فننهل الشهد في بيت يضمنا.."
" ماذا تعنين؟"
يصلها سؤاله المفعم بخيبة أمل يحاول مداراتها وعدم تصديقها، لترد عليه بنفس الدلال تلاوعه:
" أعني أن الغد سيكون خطبة فقط وليس عقد قران، لهذا أنت لا تحلّ لي بعد ولا أحلّ لك..لا نريد أن نغضب الله ليتم نعمته علينا.."
" يا لك من قاسية وجامدة المشاعر، لا أعرف كيف وقعت في حبك وتعلقت بك هكذا؟.."
تضحك بشقاوة تزيد من احتراقه وهي تجيب بنفس أسلوبه:
" ويا لك من وقح متهور..كيف سمحت لنفسي بالتعلق بك هكذا؟"
يزمجر من عنده وهو يعلن لها بتهور لحظي فجائي:
" أنت تختبرين صبري وحسابك معي قد ثقل كثيرًا، ولكني لن أسكت..غدًا سأحدث والدتك وشقيقك لنعقد قراننا بعد أسبوع، وأرني عندها كيف ستمنعينني عنك"
تعثّرت أنفاسها في صدرها وتسارع نبضها من قراره الفجائي، لتسأله بتوجس تحاول تأكيد ما سمعته:
" ماذا تقول؟ ألا يفترض أن يكون عقد القران مع العرس في يوم واحد"
" أجل.. هذا قبل أن أعرف أنك تنوين التمنع علي حتى بعد خطبتنا، لهذا سأعجل بعقد قراننا ولن يقف شيء في طريقي بعدها..ها؟ هل تسمعين؟ ..لا شيء سيقف في طريقي.."
تبلّل شفتيها ومعاني كلماته يصل إليها والتي لم يتوانى عن الإفصاح عنها بجرأة أكبر واعدًا متوعّدًا:
" سأحصل على حقي منك كاملًا يا وفاء، سأتربّص بالشيخ الذي سيعقد قراننا، وما إن ينطق بجملة بارك الله لكما وبارك عليكما سأنقضّ عليك وأحصل على قبلتي التي تنوين حرماني منها..أعدك"
حرارة مداهمة تصهرها وأثر كلماته الجريئة جرأة حميميّة تذيبها..تفنيها.. لتهمس بخجل مستحكم:
" أيها الوقح!.. ألا تستحي؟"
يبتسم بوقاحة أكبر وكان بمقدورها أن تتخيل ابتسامته تلك..ابتسامة تفيض جرأة وفتنة تذيب الصّخر.. بينما يزيده حياؤها وكلماتها الرادعة له برقّة ونعومة تماديًا وجرأة:
" ولماذا أستحي؟ إنها ثماني سنوات عجاف حرمتني فيها حتى من مجرد كلمة أعبر فيها عن أشواقي و لواعج قلبي..ولقسوتك وتجبرك ترفضين إرواء ظمئي إليك غدًا ولو بقبلة.. على الوجنتين فقط أنا راضٍ.."
" كانت ثماني سنوات عجاف علي أنا أيضًا يا مراد.."
همستها الخافتة الخجولة ترتحل عبر الأثير إليه فتغمره بالرضى وتمحو كل السخط الذي كان، ليهمس لها بلهفة ولوعة:
" هل يضنيك الشوق يا قلب مراد كما أضنى فؤادي؟ فانيًا كل ذرة صبر أتحكم بها"
تتراقص شفتاها بابتسامة خجولة ويدها ترتفع تلامس تلك الحرارة التي اشتعلت لها وجنتاها وتوهجتا..ثم تغمض عينيها تتنهّد بعشق فاض وغمر بسيوله كل حصونها وهدم جدران صبرها..
تسحب أنفاسًا مثقلة هامسة بسرعة قبل أن تخونها شجاعتها:
" وكيف لا أكون؟ وأنت مرادي في هذه الحياة.."
ثم أقفلت الخط بسرعة تاركة إياه في ذهوله غير مصدق أنها قد عطفت عليه أخيرًا وعبرت عن مكنون قلبها.
المقدمة،الفصل الأول والثاني... أسفل الصفحة.
الفصل الثاني، الثالث، الرابع، الخامس الفصل السادس والأخير
التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 24-07-24 الساعة 02:49 PM |