مساء الروقان
كل غاضب سيأتى عليه يوم ويهدأ، لكن من خاب ظنه لن يهدأ قلبه أبداً.
مرت ايام منذ ذلك اليوم، كانت تتهرب خلالهم من رؤيته لكنه رغم ذلك، يأتي كل يوم امام المكتبة في زاوية يظن انها لا تراه بها لكنها تراه دوماً يختلج قلبها حينما تشعر بحضورهُ، ورغم كل ذلك لا تقدر ان تغفر،
كانت تقف حتى شعرت انه اليوم طالت وقفته " عم فؤاد سوف اذهب لشراء شئ وأتي بسرعة "،
ليهز العجوز رأسه بهم ليتمتم " يظنان انني لا اعلم شئ لكنني ارى بقلبي مايحدث"،
كانت تعبر الطريق نحوه بغضب رغم تسارع نبضاتها " هل تعلم ان وقفتك اصبحت بلا معنى .. لما لا تعود للمنزل نحو والدك او ابحث عن فتاة تتلهف لرؤيتك .. اخبرتك منذ المرة الاولى انني لا اريد رؤيتك حتى .. لماذا انت مصمم "،
كان ينظر نحوها بأبتسامة ضعيفة " واذا كنت اقف ماهي مشكلتك لم اقترب نحو مجالك لمتر حتى .. لذا عودي لعالمك لا تتطالبيني بفعل او عدم فعل شئ هذا لا يعنيك"،
كانت تنظر له بذهول " انت .. انت كيف تجروء!! .. ااه لعنة الله عليك "، لتضرب الارض بقدمها بغضب وهي تهود مسرعة نحو المكتبة، تاركه اياه خلفها ينظر نحوها كذلك الحلم الذي نتمناه ونعلم ان اليد قصيرة لن تصل إليه،
في اليوم التالي .. كانت تسير جوار صديقتها نحو الجامعة وهي تضحك " سوف ننتهي من اختبارات النصف الاول من العام ونتنفس قليلاً .. اظن ان تلك الاختبارات ان مرت بخير سوف اطمئن "،
لتتنهد رنيم " بدر انتِ لا يُطمئنك شئ سوى ان ينتهي العام كاملاً .. لذا ياحبيبتي لا ترددي كلماتك الهبلاء تلك "،
" ونعم الصديقة ياروني .. انا الخاطئة انني اتحدث مع طبيبة بائسة مثلك "،
لتقصفها بسخرية " من يراك يظنك كتلة من البهجة والتفاؤل يابنت ؟"،
لتضرب كتفها بكتف رنيم بقوة " اخرسي ياباردة .. انا شعلة من الامل انك تأخذين سعادتك مني ياناكرة الجميل "،
لتردد " نعم نعم من يراك من يومان وانتِ تكادين تقطعين يديك من الكأبة لا يصدق انك ترددين تلك الكلمات ياكاذبة "،
لتقف كلتاهما عند البوابة الكبيرة لتحضتنها رنيم فجأة " سوف انتظرك لنغادر سوياً ..لا عمل لنا اليوم .. لذا لا مبرر لتغادري دوني "،
لتنظر نحو صديقتها لتتنهد مبتسمة " انى احاول لأجلكما ولأجلي "،
لتلتفت نحو مبنى المحاضرات وهي تسير ببطئ تتمنى ان تراه لو يظهر كما كان يظهر فجأة امامها، كادت تصل للسلالم حتى اوقفها ذلك الشاب " اين انتِ لم اعد اراك .. هل انتِ بخير لقد علمت ماحدث "،
لترمقه بضيق " شكراً لسؤالك .. ليس لدي وقت هناك محاضرة الان "،
ليسير جوارها " نعم محاضرة الاحصاء .. انا في طريقي اليها دعينا نذهب سوياً"،
لتقف فجأة " دون مبررات .. اخبرني ماذا تريد بكل ماتفعله .. انا لا احب تلك الطريق تتقرب لي دون سبب "،
ليقف امامها بثقة وصراحة " اريد ان نكون اصدقاء .. اتمنى الا يكون لديك مانع هناك كثير من المشاريع التى تتطلب المشاركة كفريق لذا لما الا اتقرب من متفوقة مثلك"،
لتنظر نحوه ضاحكة بذهول " انت صريح بشكل وقح حقاً .. تلك الاسباب ادعى ان اتركك وارحل .. لكن تعلم لقولك ماتريد سوف اوافق على تلك الصداقة البشعة "،
ليكمل السير نحو قاعة المحاضرات وهما يضحكان، دون ان ينتبه احدهم لتلك النظرات الغاضبة خلفهما.
قبل اشهر من نهاية العام الدراسي .. كانت ألما تستعد لتغادر المنزل، ورغم الرعب لتلك البداية المصيرية الا انها في تلك اللحظة يتفاقم داخلها حزن لا تعلم له نهاية،
" ألما هل انتِ مستعدة .. لقد وصلت السيارة بالاسفل "، لتجدها ساهمه " ماذا حدث ياعزيزتي "، لترتمي بين ذراعيها باكية " ياللهي يا ألما لا تبكي حتى لا الحقك ايضاً.. لا تخافي سوف تمر الاختبارات بأفضل حال وتأتين لنحتفل بالعطلة معاً "،
لتعتدل ألما وهي تنظر لها بألم " نعم سوف نحتفل لن يهمنا شئ اخر"، لتقف وهي تتحرك نحو باب المنزل " اوصلي لرنيم سلامي حينما تعود "، لتغلق الباب خلفها وهي تخطو الدرج ببطئ وحزن الدنيا تحمله داخل قلبها وهي تتذكر احداث الايام الماضية،
ليلتان تسبقان مغادرتها ..
كانت تدور بالغرفة وهي تجد محادثته تشير لتواجده ورغم ذلك لا يجيبها، لتجلس على فراشها بضيق وهي تعاود ارسال رسالة واثنان حتى وصلت للعشر رسائل متتالية وهو لا يجيب، لتضع الهاتف على المنضدة جوارها وتستلقي بوضعية الجنين، ودمعاتها تتسابق بالنزول وهي تتذكر كيف كان معها منذ تعارفا بالعام الماضي، كان الوحيد الذي يساندها بل ويشجعها دائماً رغم عدم اعترافه لها بأي مشاعر، لكن منذ اعترف بحبه واخبرته انها تبادله ذلك الشعور واصبح يراوغها بل ويتحجج ليخلق مشكلة بينهما،
لتمسك الهاتف وهي تمسح دموعها بعنف " ايها القذر .. لقد رأى جميع الرسائل ولم يجيب .. حسناً "، لتكتب رسالة طويله تسبه بها بغضب لتمر ثواني ويظهر قرأته لها، ليكتب ببرود : انتِ تظنني انني هكذا سوف اجيب .. انتِ مخطئة، ليغلق هاتفه دون ان يعيد مراسلتها ومازالت ترسل المئات،
كانت تعتصر الهاتف بين يديها وهي تتخذ مقعدها في عربة المدرسة، دون ان تددري ان هناك عينان تتربصان ظهورها بأي لحظة ليرفع الشاب هاتفه بسرعة : سيد حامد لقد رأيتها تغادر ذلك المبني وتستقل عربة لمدرسة (..)،
ليجيبه الطرف الاخر : حسناً عد للبلدة الان .. سوف اكمل انا من هنا، ليغلق المكالمة وهو يربت فوق ذراع المقعد الخشبي " بقى خطوة بيننا يا ابنة ابي وامي .. كنت اعلم ان فررتِ لأخر الدنيا لسوف اصل إليك "، لينهض وهو يفكر ان عليه الوصول لتلك المدرسة،
سوف تتنازل وتتخلى عن فطرتك السليمة لأجل مصالحك وهواك، سوف تسحق الاضعف وتسخر من الابطئ بل وستنهب الاقوى، ستكون النسخة الاسوأ منك.
كانت تجلس على الاريكة ببعض الارهاق وهي تنظر نحو بدر بتعجب " ماذا حدث.. هل انتِ قلقة لمغادرتها نحن نعلم انها لن يمسها سوء داخل اسوار المدرسة .. لذا لا توتري نفسك بلا معنى "،
لتتنهد " لا اعلم يارنيم اشعر بشئ بتلك الفتاة لم تكن طبيعيه بتاتاً "،
لتحملق رنيم في الفراغ بلا معنى " اظن انها اذا ارادت ان تقول مايؤرقها ستقوله لك .. هي لا تتحفظ بأسرارها معك بالذات انتِ امها الصغيرة يابدورة "، لتهم بالوقوف ضاحكة "علينا الاستعداد للأختبارات .. لدي بعد غد اول اختبار عملي مع ضغدع مسكين"،
لتستلقى بدر على الاريكة بخمول " اما انا فمازال الوقت باكراً على ضغط المذاكرة سوف اتمتع ببعض الراحة قبل الاختبارات"، لم تكد تغمض عينيها الا وكان هاتفها ارتفع رنينه بأزعاج " اتمنى ان يكون اتصال هام الا وسوف اقتل المتصل "، لتجيب دون رؤية واضحة " نعم .. من معي!! "،
ليأتى رد المستنكر " انتِ لم تسجلين رقمي حتى الان لا اصدق ؟؟"،
لتنظر للأسم بدهشة " عابد اعذرني لم اكون بوعيي لأرى اسمك .. ماذا حدث لتتصل في الصباح الباكر هكذا .. هل الجامعة تحترق؟ "،
يجيبها بدهشة " بالطبع لا "،
لتردد " اذن لا يوجد سبب فعلى للاتصال وايقاظي الان؟"،
كان على الجانب الاخر ينظر للهاتف بصدمة وهو يجيبها " بدر لقد اتفقنا على الخروج سوياً اليوم .. وانتِ من أكد على الامس "،
لتعتدل وهي تفيق رويداً رويداً " اسفه عابد لكنني لا اتذكر شئ حالما استيقظ .. يكفي انني كنت منذ الفجر اساعد ألما بتجهيز حقيبتها لتغادر .. لذلك لم اصدق ان انام قليلاً "،
ليردد بصوت مكتوم " لا يهمك اذن لنؤجلها ليوم اخر "،
لتقف وهي تسير نحو غرفتها " لالا اعطني نصف ساعة وسوف اتجهز ونذهب سوياً .. لقد استيقظت "،
ليدب بصوته الحماس " لن تندمين اليوم .. سوف اريك المدينة وكل ما كنتِ تتمنين رؤيته "،
لتجيبه ضاحكة " اتمنى ان يكون اليوم يستحق مايجعلني اتخلى عن النوم .. فاالنوم اعز من اي شئ لدي في الدنيا "،
ليأتيها صوت ساخراً " اذن على الشعور بالغرور لانك تنازلتي عن نومك الغالي لنتقابل "،
لتقصفه بالرد " لا بل تنازلت لاستمتع بيوم في شوارع المدينة قبل ضغط الاختبارات يامغرور "،
بعد نصف ساعة كانت تغادر المنزل وهي تهاتفه " اين انت لقد انتهيت .. حسناً بجوار الميدان سوف انتظرك .. وداعاً "،
كانت تعترض طريقها رنيم وهي تتفحصها " الي اين انتِ ذاهبة الان!! "،
لتبتسم " سوف ازور شوارع المحروسة الاثرية .. يالله لقد اتيت وانا اود رؤية كل شئ هنا بشدة "،
لترفع حاجبها بحده " ومع من ياحبيبتي! "،
لتفتح الباب وهي تغادر " انتِ تعلمين هل هناك احد غيره انه عابد "،
لتطرق على الطاولة بجوارها برتابه " انا لا اشعر بالراحة نحوه .. منذ الخلاف الذي حدث وكأنه يتعمد الاقتراب اكثر "،
لتنظر نحوها ببرود " اخبرتك مراراً هو مجرد صديق .. وبه الخير يعلم رغبتي في الخروج وعرض مرافقتي ومابذلك "،
لتضرب رنيم الارض بعصبيه " لكن ذلك الاسلوب ليست من شيامنا او تربيتنا .. اصدقاء داخل اسوار الجامعة لكن خارجها لا .. وبالذات شخص لم نعلم عنه شئ بالاساس غامض بكل شئ "،
لتتابع بدر سيرها " اتمنى ان تتذكري انني لم اتلقى تلك التربية الفاضلة مثلك ياطبيبة .. ان كنت تريني سيئة لتلك الدرجة اخبريني لأرحل واترك لك ارضك الفاضلة "، لتغلق خلفها الباب بقوة،
هي تكمل طريقها نحو مصير لم تكن تعلم عنه حتى الخطوط العريضة، مجرد هاوية في دنيا الحياة الواسعة تلك الصغيرة التى اصابها الخيبة من اقرب الناس اليها.
كانت تقف ترتدي نظرات الشمس وهي تتلفت تبحث عنه بتأفف، لتجده في بداية الطريق لتتحرك نحو بضيق " انا لا احب ان يتركني احد ويتأخر بتلك الطريقة .. هناك مايسمي الاعتذار او الاتصال ؟"،
ليخرج يده من خلف ظهره وهو يرفع تلك الزهرة الحمراء " اعتذر لقد كنت ابحث عن متجر للزهور فلا يمكنني مقابلة انسة جميلة مثلك دون اعطيها زهرة تساوي جمالها "،
لتمسك تلك الوردة بتعالي " تلك لن تجعلني اعفو تأخرك "، لتتحرك مبتعده عنه بحده،
ليعترض طريقها " انتِ لست مرنه بالتعامل لتعلمين .. لقد اعتذرت وقدمت اسبابي تأخري على الموعد لم اقصد ذلك "،
لتتمشي جواره على طول الطريق " حسناً .. لكن عليك ان تعلم انني اكرهه من يتركنى اقف لأنتظر .. انا لم اعتد يوماً انتظار او اعتذار "،
ليسير معها ضاحكاً " اذن انتِ صعبة على الحذر منك بعد ذلك .. فأنتِ يمكنك في اي وقت الغدر بي "،
لتبتسم بهدوء " انا لا اغدر بأحد .. لكن من يكذب على واعرف اعلمه كيف يكون الاخذ بالحق "،
كان يشير نحو المبني الضخم في الجانب الاخر " هذا هو المتحف .. سوف نزوره في اول رحلتنا الان ومن بعده بعد المناطق الاثرية بالجوار "،
كانت تنظر نحو المتحف الضخم وعينيها لتلتمع كنجمة تشتعل في السماء، والاخير ينظر نحوها بأنبهار كأول مره وقعت عينيه عليها حينها
هل يمكن ان نحب احد بتلك الدرجة من اول لقاء، ام انه ساحر لدرجة ان يجذبنا في مداره بسرعة!!
وقت الغروب فوق التله بوسط المدينة .. كانت تجلس على مقعد من تلك المقاعد المتراصة وهي تنظر للمدينة المتلئلة بأنوارها بالاسفل، ليتجه نحوها وبيده كوبان من الحلبسه الساخنة " انظري هذا هو المشروب الرسمي للجلوس هنا .. اتمنى الا تكوني من تلك الفتيات اللتي تتكبرن على الحلبسه وكأنها فعل مشين !! "،
لتضحك بسعادة " لا اطلاقاً لقد اعتدت على احتسائها طوال الشتاء حينما كنت وحدي .. لذا انا لا اتكبر على رفيقة الشتاء اللذيذة "،
لتمسك كوبها من يده وهي تشعر بالدفئ يتسلل نحو قلبها، لا تعلم لما ذلك المشروب بالذات يجعلها تشعر كأن دفئ الكون يسكنها، هل لأنه يذكرها بوالدتها الحنون ام لانها تتذكر ماضي كانت فيه سعيدة،
ليقاطعها فجأة " هااي .. اين شردتِ حالما امسكتي الكوب ورأيتك ساهمه في الفراغ .. هل انت بخير؟"،
لتبتسم كمن ادرك مكان تواجه " لا شئ .. كنت اتذكر المشروب من بين يدي أمي"،
ليتسأل " اين هي اذن .. لما لا تعيشين معها "،
ليتحشرج صوتها بضيق " لقد توفت منذ اعوام .. حينما كنت بالعاشرة من عمري "،
ليظهر الاسف على محياه " اسف لم اقصد جعلك تتذكرين .. رحمة الله عليها "،
لتعتدل بجلستها ضاحكة " ماهذا الوجه المتأثر يارجل لم اعلم ان لديك بعض الاحساس لقد تفاجئت "،
ليرمقها بطرف عينيه بسخط " هل تعلمين انتِ خفيفة الظل .. لا تلقي نكات امام احد مره اخرى "،
لتبتسم بصمت وهي ترفع محتوى الكوب نحو فمها، لتشعر حينها بروح والدتها يسكنه، هي التى تبحث عن بقاياها بكل شئ حولها فيكفي ان الايدي الفاسدة بالماضي لم تترك لها ولو مجرد صورة تنظر ملياً بها كل مساء لم يتركوها تحتفظ بملامح أمها الحنونة فلعلها جعلت ايامها السوداء اهون والطف؛ لكن منذ متى ترك لها اباها المدعو لم يكن يوماً اسم على مسمى هل ادرك جدها ان ولده لن يكون صالحاً كما اسمه!!
كانت تجلس امام طاولتها الصغيرة وهي تمسك قلمها الزهري زو الريشه الناعمة وهي ترسم بعض الاوجه معدومة الملامح، حينها كانت تجلس بالاريكة خلفها أمها وهي تنسج بالخيوط تلك الجوارب الصغيرة لقدم صغيرتها الجالسة، لتسقط كرة الصوف من بين يديها فجأة مبتعدة لنهاية الحائط لتلتفت الصغيرة نحو والدتها مبتسمة " لا تنهضي امي سوف احضر الكرة لك "، لتقف الصغيرة وهي تركض نحو الكرة لتتحرك وهي تعيدها نحو والدتها " امي خذي الكرة "، لكن والدة الصغيرة كانت تجلس ساهمة دون حراك، لتقترب نحو ذراع والدتها " أمي هل انتِ بخير ؟؟ .. امي هل انتِ غاضبة لانني ارسم وتركت واجباتي .. اجيبيني امي .. ااامي "، ليسقط جسد السيدة على الارض من هزات الصغيرة لتصرخ ببكاء " سااعدوني .. امي لا تتركيني قفي لا تسقطي ااامي .. يالله "، لتسقط الصغيرة من شدة الصراخ وكانت الجارة تدلف للمنزل بسرعة،
بالمساء .. كانت تجلس بين ملابس والدتها صامته تنظر نحو الخزانة التى تفتحها الجارة، لتقفز نحوها صارخة " لا تلمسي ملابس امي .. ان رأتك سوف تغضبي .. اخرجي من الغرفة لا تقتربي منهااا "، لتتنفس بسرعة وهي تتفحص ملابس والدتها بالخزانة لتدلف داخل الخزانة بين الملابس لتنام، للمرة الاولى منذ سنوات لن تنام بين احضان والدتها اليوم هي تعلم معنى ان يبرد الانسان رغم حرارة الصيف، اليوم رحلت من كانت تدفئ ايامهالقد ماتت والدتها احن قلوب الدنيا.
كان عابد يحرك يده امام عينيها " هاي لقد شردت مجدداً "، ليردد " هل كان اليوم سئ لتلك الدرجة "،
لتنظر نحو بتركيز " لا اطلاقاً لقد كان من اسعد ايام انت لا تعلم كم وددت بتلك الرحلة "، لتضحك " لكنني ارهقت فقط اريد ان انال قسط من الراحة وانام .. لقد تخليت عن النوم لأجل اليوم .. لذا يكفي ذلك حتى الان "،
ليقفا سوياً مغادرين التله نحو سيارات الاجرة، كانت تجلس بجوار النافذة وهي تغلق عينيها لتشعر بهواء الليل اللطيف ليبرد نار قلبها المتألم، جميع الآلم تتقلص عبر السنوات الا فراق والدتها يزداد داخل قلبها سنة بعد اخرى، حينما يقترب ذكرى وفاتها كأنما النار تنشب داخلها فتجعلها تمرض لأيام كتلك الايام حينها،
امام المنزل كانت تودعه " حسناً اراك نهاية الاسبوع بالجامعة "،
ليجيبها بدهشة " لماذا لن تأتين غداً ؟؟ "،
لتمسد جبينها بأرهاق " لا اعتقد انني قادرة على التحرك ليومين .. لذا اراك بعد يومين من الان .. الى اللقاء "،
لتصعد على الدرج بأرهاق " اوف اتمنى ان اصل للفراش وانام .. ياللهي يوم لا ينتهي على خير ابداً "،
لتضع مفتاحها بالباب لتجد صوت يناديها من الخلف " بدر "،
لتهتز يديها لتفتح الباب بسرعة، لتسرع خطواته قبل ان تغلق الباب " انتظري .. انا لم أتي لك لأجل شئ "،
لتأتي رنيم من الداخل على صوت هارون الصائح " ماذا يحدث .. لماذا تتركيه يقف هكذا "، لتنظر نحوه مبتسمه " تفضل بالدخول ياهارون "،
ليحول نظره نحو رنيم " اعذريني لن ادخل المنزل .. لقد اتيت لاخبركما بما حدث اليوم بمدرسة الصغيرة .. لقد اتصلت بي المديرة اليوم بوقت الظهيرة "،
لتنظر بدر نحوه بسرعة " ماذا .. لما اتصلت بك لا افهم بأي صفه ها !! "،
لتنكزها رنيم بجانبها " ولماذا اتصلت هل حدث شئ ؟؟ "،
ليجيبها بأسف " نعم .. لقد حاول احد اقاربها يدعى حامد ان يأخذها من ادراة المدرسة اخبرهم انه اخاها لكنهم منعوه لان للمدرسة قوانين لا يمكن المساس بها .. لذلك ابلغتني السيدة بعد رحيله واخبرتها ان لا تجعله يراها ابداً لانه يشكل خطر عليها "، ليكمل بضيق " ما اريد فهمه لما لم يخبرني احدكم ابداً بقصة اخاها المجنون ذاك .. على اقل تقدير كنت وضعت احتياطات حتى لا يمسسكم اذى .. هل هو من احرق المنزل حينها ؟؟"،
لتضغط بدر على نواجزها بعصبيه " ولما نخبرك .. كان يمكن ان نخبر من هم اهل ثقة ليس مجرد مخادعين بأسم الصداقة .. لا اعلم هل تعايرنا على مساعدتك .. اسحبها اذن لا نريد منك شئ "، لتتركه وهي تتجه نحو الداخل، كان ينظر نحوها وعينيه تغيم بحزن،
لتقترب منه رنيم " اعتذر على اسلوبها الجاف .. لكن انت تعلم ماحدث لم يكن هين عليها "،
ليهز رأسه بضيق " لاعليك لا داعي للاعتذار .. المهم ان تتخذان الحيط فذلك المدعو حامد لن يترككم او يترك الصغيرة .. ان حدث شئ اتصلي بي سوف اتي بسرعة "،
لتبتسم بأمتنان " هارون انت نعم الصديق والاخ .. لو كان لدينا اخ لما ساندنا وساعدنا مثلما تفعل "،
ليودعها بأبتسامة واهنه " لا يوجد كلمات شكر او عرفان بيننا .. لا تترددي ان حدث شئ اخبريني فقط .. وداعاً "،
لتتنهد وهي تغلق الباب لتنظر نحو صديقتها بحده " نحن نترك الخلاف جانباً حينما تأتينا المصائب مابالك يابدر لم تعودي تعقلين تصرفاتك "،
لتشد الاخيرة شعرها بعصبيه " اتركيني بحالي .. يكفيني مابي .. الم يذهب كالبطل المغوار ليحل الازمة ويصبح هو الطيب وانا الشريرة التى لا تفهم .. هل تريدين ان اصفق له ايضاً "،
لتجيبها رنيم ببرود " اظن انك تحتاجين للنوم قليلاً بعد يومك الحافل .. لأنك لا تعلمين ماذا تقولين الان .. لنتحدث غدا تصبحين على خير "،
لتجلس بدر على الاريكة بتعب وهي تمسك هاتفها وتضرب ارقام الصغيرة " اهلا يالومي .. كيف حالك ياحبيبت قلبي .. هل انتِ بخير ان ضايقكك احد اتصلي بي او بالدكتورة الباردة .. لا ياصغيرتي كنت اود الاطمئنان ان لا احد يزعجك فقط .. حسناً حسناً تصبحين على خير "،
لترفع عينيها نحو السقف وهي تردد
الم يكن سهلاً لو كنت رجلاً عادياً،
لا تلفت لك الانظار، فلا يراك احد غيري مبهراً،
تسير بين الاقوام دون لمعان، ولا منصبك يظهرك ولا جاهك يضويك،
لتكون لي انا دون صعوبات، اختارك دوماً دون ان اخشى السنة الناس،
فلا تتكرر تلك الحكاوي القديمة : الفقيرة اغوت ابن السلطان،
الا يمكننا ان نكون مجرد قصة منسيه بين ارفف البشر،
لا يحسدنا احد ولا ينظر نحونا متلصص،
الا يمكن ان نبقى معاً، فلا يمكن ان ينطق لسان بأعتراض!!
يتبع ...