عرض مشاركة واحدة
قديم 29-04-08, 05:29 PM   #4

monaaa

نجم روايتي وعضوة في فريق التصميم

 
الصورة الرمزية monaaa

? العضوٌ??? » 4165
?  التسِجيلٌ » Mar 2008
? مشَارَ?اتْي » 12,874
?  نُقآطِيْ » monaaa has a reputation beyond reputemonaaa has a reputation beyond reputemonaaa has a reputation beyond reputemonaaa has a reputation beyond reputemonaaa has a reputation beyond reputemonaaa has a reputation beyond reputemonaaa has a reputation beyond reputemonaaa has a reputation beyond reputemonaaa has a reputation beyond reputemonaaa has a reputation beyond reputemonaaa has a reputation beyond repute
افتراضي





مرت لحظات تشابكت فيها عيونهما، لم تمر سوى بضعة أيام منذ رأته آخر مرة، ومع ذلك فهوة الزمان والمركز والظروف التي تفرقهما بدت غير ممكنة الردم.
خفق قلبها وكأنه الطبل يدوي في الادغال، أما أنفاسها فتسارعت وتهدجت .. سألته وهي تراقبه يقف ليحييها: ماذا تفعل هنا؟
كانت عيناه باردتين وتصرفاته متحفظة: انت من طلبتي رؤيتي!
- لقد قيل لي انني سأقابل السيد اندروس لوكربي .. انت لست ! هل انت!
أخرجت الرسالة من جيبها وأمسكت بالشيك: هل انت من وقع هذا؟
- أجل التوقيع توقيعي لماذا؟
عاد الى كرسيه ثم دعاها بصمت لتحتل المقعد الاخر .. لكنها بقيت واقفة فهي الان لا تعدو ان تكون رسولة أبيها الحاملة إليه غضبه وسخطه والاهم كلماته نفسها:
- لماذا؟ لماذا؟! او تظن أن هذا المال قد يعوض أبي عما فعله سائقك به؟ أو تظن أنه سيعيد إليه قدرته على استخدام ساقيه؟ أو يسمح له بالانضمام لبعثات البحوث التي اعتادها والتي كانت له أعظم بهجة في حياته.. أم هل سيعيده استاذاً يسدى النصح والارشاد لطلابه في دروسهم وابحاثهم؟
تراجع آنـدي في كرسيه ليراقبها بهدوء. بينما هي تكمل بصوت يرتفع شئياً فشئياً: والدي يرى انكم تدفعون المال لإراحة ضميركم وهو على حق. لقد شاهدته للمرة الاولى يوم دخلت منزلنا وشاهدت بالضبط الحالة التي أوصلته شركتك اليها.. فقد غدا مقعداً ودائماً مجبر في الاعتماد على الاخرين لقضاء حاجاته ..
تبللت عيناها بالدموع لكنها لم تسمح لنفسها بالضعف أمامه، كان قد أمسك قلماً راح يرسم بواستطه خطوطاً .. وكان عمله هذا دليل على عدم اكتراثه.. تابعت: كان رجلاً رائعاً ذو قامة شامخة مسيطره، صاحب فكر متقدم طالما فاق فيه اقرانه .. كان صاحب شأن في الجامعة كلها، فالمجلات العلمية والصحف كانت تستشيره في مضمار اختصاصه وها هو الان كما تعرف يعيش تعيساً في كوخ صغير منفي اكاديمياً.
وتلاشى صوتها وأحست بضعف ساقيها . . فسارت الى المقعد الذي رفضت الجلوس عليه مسبقاً.. رمى آنـدي القلم من يده واستوى في جلسته .. ثم قال: هناك شئ غفلت ذكره وهو أن الحادثة حصلت بسبب خطأ ارتكبه والدك لا شركتنا.
كورت الشيك في يدها : وهناك شئ غفلت عنه انت وهو ان المال لن يشتري الصحة التي حرمتموه منها.
رمت الغلف والشيك المكور في وجهه كما قال لها والدها .. فاصطدم بوجهه قبل أن يقع ارضاً. دفع كرسيه الى الوراء، ثم التف كالصاروخ حول الطاولة ووصل اليها ليمسك معصميها قبل ان تستطيع التفوه بكلمة اعتذار. قالت وهى تتألم: لقد طلب مني .. والدي ان ارمي هذه الرشوة في وجهك .. انني فقط افعل ما طلبه.
لوى ذراعها الى الخلف، ثم جذبها نحوه.. وهو متقلص الوجه مشتعل العينين بلهيب يكاد يحرق عينيها.. قال بصوت خشن: ايتها الثعلبة .. أيتها الكلبة ناكرة الجميل .. سوف
فصاحت: لقد اخبرتك انها لم تكن فكرتي! .. لقد نفذت اوامر والدي .. أرجــوك!
ارتجفت شفتاها: انت تؤلمني .. اه انت تؤذيني فإن كسرت ذراعي فسأعجز عن طباعة كتاب أبي وهذا سيؤخر النشر اكثر .. ارجـــوك!
وببطء وعلى مضض تراخت قبضته فحل الارتياح مكان الالم لكن بعد ارتدادا الدم الى التدافع من جديد في ذراعها عاودها الالم فراحت تدعك ذراعها اليسرى بيدها اليمنى لكن الالم استمر .. لكن الماً في مكان اخــر كان اشد وقعاً .. والدمـوع التي جاهدت لتكبحها انفجرت وانهمرت على خديها.. فخرج منها نحيباً جعلها تشيح بوجهها عنه: آسفـة لانني هدرت وقتك.
سمعت وقع اقدامه وراءها.. حسبته سيرميها خارجاً .. فكرت .. عليها ان تسبقه و تخرج بكرامتها ، استقرت يداه القويتين على كتفيها .. وراحت اصابعه تمسحان برقة كتفيها .. وانسلت يده تبحث عن يدها.. ثم جذبها خلفه نحو الباب وقال: تعالي معي .. جوليا.. سأغيب ساعة تقريباً .. عندما أعود ارغب في رؤية والدي.
أغلق الباب ثم قادها الى الباب الرئيسي حيث شاهدت على بابه من جديد اسم آندروس لوكربي .. وعلى الباب الاخر اسم آينر لوكربي ..
- أين سنذهب؟
- سترين بنفسك
اصطحبها الى الفناء الخارجي للمبنى حيث سيارته تقف في مكان خاص بها فتح بابها ثم أجلسها فيها وجلس هو على مقعد السائق.. انطلقت السيارة بهما فوق الطريق. ولم تمض برهو حتى تركت السيارة الشارع المزدحم الى طريق أقل استخداماً، بعد فترة قصيرة من المسير انعطفت يميناً فتراءت لهما خضرة ساحرة لسهول منطقة اونتاريو الممتده بجلال وحشي حتى تكاد تلامس السماء الرمادية الزرقاء بينما تقف أمامها بعيداً جبال تشرف على شلالات نياغارا التي يعتبرها سكانها الاصليون مقدسة. اوقف آنـدي السيارة على جانب الطريق فوق العشب. وما أن توقف صوت المحرك حتى عم سكون غزا السيارة عبر النوافذ المفتوحة مسيطراً على الافكار عبر العيون والآذان ليصل الى الجسد عبر تنفس الهواء العليل المندفع نحوهما. الجمال المحيط بهما نفل اليها شرارات محت حزنها، ورغم ذلك عجز المنظر الممتد امامها عن الاستئثار بإعجابها ، سألته: لماذا جئت بي الى هنا؟
- هنا يمكننا التكلم بهدوء بين أذرع التلال الساكنة بعيداً عن كل الضغوط.
- عما نتحدث؟
- عن المال الذي رميته في وجهي!
- رميته بناءاً على أوامر أبي
- وإن رجع الخيار لك؟
فكرت في الاجابة: فإذا قالت نعم .. فما هو السبب الذي ستدعم به ردها؟ عندما وقعت الحادثة اعترف والدها بشروده الذي سبب الواقعة وهذا يعني ان لشركة التأمين كل الحق في إنكار مسؤولية الزبون. تنهدت وهي تتأمل المنظر الملتف حولها والذي نسجته اشعة الشمس بلونها الذهبي فألفت بعضاً من ضيائها فوق المنبسطات، لكن هذه الشمس لم تلبث ان دثرتها الغيوم فمنعت عنها ضياءها وسبيلها الى الارض. عندما تكلمت كان صوتها متوتراً: قد يكون المال مساعداً لنا .. فأنا بحاجة لسيارة أخرى .. فالتي نملكها لن تدوم طويلاً .. وأنت تعرف هذا بالطبع.
- هذا يعني ان المال الذي قدمته لكم كان سيحل مشكلة.. و مع ذلك لم تقبلوه؟
- لا استطيع قبوله.. فلن استطيع ابداً مخالفة رغبات والدي .. إن معاناه أبي كبيرة هذا دون أن تلقي عليه إبنته عبئاً آخر .. مهما كان السبب.
فتحت باب السيارة لتخطو خارجها فوق العشب الناعم .. وراحت عيناها تطوفان بالجبال والسهول لتجد ان قرية تقع كالعشب في كتف احدى التلال وهي قرية بنيت منازلها من حجارة رمادية وسطوحها من آجر أحمر وهناك بضع مبان منتشرة يضع فيها المزارعون غلالهم، اما الاشجار المتفرقة والخمائل الخضراء فتختفي جاذبة الانتباه في وقت واحد الى الحياة البشرية، والى دفئ الحياة التي حولها. دنا آنـدي منها فجذبها اليه ليلف ذراعه على خصرها: بروك ... كم أحب ان تحتويك ذراعاي من جديد .. اتمانعين؟
وقبل ان يدع لها فرصة الرد .. التفت ذراعاه حول جيدها فدفن وجهها في صدره .. وبينما هي تحاول جاهده تحريك رأسها يمنة ويسرة فوق صدره في محاولة مزيفة للخلاص، اندفعت ذراعاها الى عنقه .. تلفه بشوق متجاوبة بعنف مع عناقه .. ابتعدت عنه ووقفت تحدق فيه .. وقد هالها ما فعلت .. لقد اندفعت في التجاوب وراحت عيناها تنطقان من غير كلام .. عاجزة انا عن مقاومتك .. لانني اجدك لا تقاوم .. نعم لقد سمع رسالتها الصامتة وحرقت عيناه عينيها.. فجذبها من جديد اليه.. غطاها بذراعيه، ثم انزلها ببطء الى الفراش العشبي .. كانت المرجة التي استلقيا فوقها شديده الانحدار لكنهما لم ينتبها في غمره عواطفهما الى هذا الامر الا بعد ان تدحرجا معاً ببطء اولاً ثم بسرعة مبتعدين عن الطريق نحو الاسفل، الى ان وصلا الى مكان مستوٍ، تمسكهما ببعضهما ودحرجتهما سوياً أثارهما واضحكهما فاتسعت عيناها بالبهجة وامتلأ وجهه بالسعاده.
رفع رأسه نحوها ما أن ذراعيه استمرتا حيث هما كطوق فولاذي حولها، حدق في وجهها فحاولت إبعاد ارتباكها فقالت: على سترتك قطع من العشب.
- وفي شعرك أغصان .. وفي عينيك شعاع الشمس..
- لا يمكن ان تكون هنا! فأنت في منتصف يوم عمل ..
- وإن يكن! فأنا صاحب العمل
صاحب العمل .. الرئيس في شركة لوكربي .. التي سلبت والدها هناءه.
- بماذا تفكرين الان! لقد تلبدت الغيوم في عينيك مكان الشمس .. لكني سأعيدها من جديد ..
وامطرها بوابل من القبلات على رأسها وشعرها .. وانهاها على أنفها .. اغمضت عيناها وهي تدرك عمق أحاسيسها وأحاسيسه.. رغباتها ورغباته .. حاجاتها وحاجاته ..
عندما ابتعد عنها أخيراً همست بصوت مبحوح:
آنــدي .. والدي سيتساءل عن سبب تأخري .. وعما فعلت ..
امسك ذقنها وقال: وهل ستخبرينه ..
ابتسامته الساخرة وعيناه اللتان تطوفان بوجهها اخجلتاها .. لكنها احست بسؤاله وكأنه ظل طويل يمتد فوق صباح ذهبي، فقالت: إنه يشعر بالمرارة آنـدي وهو غاضب بسبب الشيك وبسبب الطريقة ..
حاولت ازاحته عنها لكنها كانت كمن يحاول إزاحة شاحنة بيديه..
- الطريقة ؟
- الطريقة التي ..
ازاحت رأسها جانباً لتقع عيناها على منبسط من الارض ساحر.. لو أخبرته فسيبتعد عنها جسداً وروحاً .. وهي .. لا تريد ذلك .. أعاد أصابعه برقة لتمسك ذقنها ويجعلها تلتفت إليه فقالت: الطريقة التي استقبل بها فرداً من أفراد عائلة لوكربي التي لن يسامحهم على ما فعلته شركتهم به.
ابتعد آنـدي عنها، ليتكئ الى مرفقيه ويحدق هو الآن في الجبال الخضراء والسهول الذهبية، لقد تركها وهي تتوق الى قربه.. لكنه تراجع الى عالم قاس يختلف عن عالم هذه اللحظات الثمينة التي مرت بهما.. وقالت: وهو الى ذلك متكبر لن يقبل المال..
- بل فلنصفه بأنه عنيد، والى متى ينوى الاستمرار في لومنا على شئ كان هو السبب في حدوثه؟ أخبرتني أنكما بحاجة للمال .. أليس هناك طريقة لإقناعه؟!
- أبداً يا آنـدي .. إنه يعتبر المال إراحة لضميركم لذا طلب مني رمي الشيك في وجهك!
عاد للتدحرج نحوها .. وأسرها بين ذراعيه: وهذا ما فعلته بالضبط أيتها العفرية المشاكسة .. فهل أضربك على مؤخرتك على هذا؟
وأدارها على وجهها ثم هبط بيده لا بلطف كثير .. مرة .. مرتين ثلاث مرات على مؤخرتها ، هربت بروك منه ناقمة ممتقعة اللون فتدحرجت مبتعده عنه، ووقفت وراحت تنظف نفسها ،
و وقف ببطء ليواجهها فرأت شعلتين من نار في عينيه .. فاستدارت لتهرب وأخذت تلهث صاعده المرتفع نحو الطريق، ووصلت السيارة وارتاحت واضعة يديها فوقها جاعلة منها حاجزاً بينه وبينها، وأنقذها منه مرور سيارات على الطريق .. فأشارت إليها ضاحكة والواحده تمر تلو الاخرى فقال: كم أنت محظوظة يا فتاه .. وإلا لكنت ..
نظرته الساخرة الى شكلها المشعث كشف مكنونات أفكاره..
أثناء العوده قالت له: ثمة عشب وأغصان على سترتك .. فماذا سيظن العمال بمديرهم عندما يصل الى المكتب وهو..
- سيقولون كان يتدحرج مع فتاه فوق العشب كما سيقولون إنني بشر على كل الاحوال! هيا امسحي عني كل الأدلة.
مددت يدها ضاحكة تلتقط القطع عن رأسه وسترته ومررت يدها على كميه وكتفيه، وتاقت يدها لأن تكمل المشوار الى ظهره، لتستعيد ذكرى عناقهما، فنظر إليها وكأنه أدرك ما تفكر فيه: متى نلتقي ثانية؟
فأحست بعدم الاسقرار في داخلها، فارتجفت وقالت: لا استطيع الاجابة عن هذا ..
بعد صمت قصير قال آنـدي: هل أفهم من هذا إنك راغبة لكنك لا تريدين مخالفة إراده والدك؟
- لن أخالفه أبداً فهو يعتمد عليَ كل الاعتماد ..
عندما اقتربا من منزلها قال: إذن لا مال ولا لقاء .. أهذا ما تريدينه؟
أوقف السيارة على بعد عده منازل من منزلها فشكرته بصمت : أجل هذا ما أريده..
وبنبره قاسية قال : حسناً هذا ما سيكون لك .. ألن تنزلي من السيارة؟
برودته جعلتها تحمر خجلاً .. إذن هو لا يطيق صبراً ليتخلص منها! رغم تلك اللحظات الذهبية التي عاشاها.. ها هي تتأخر في الخروج من السيارة منتظره منه قبلة وداع.
صفقت الباب وراءها ثم انحنت لتقول : شكراً على النزهة آنـدي .. لقد استمتعت بهذه الفرصة..
- شكراً لك على اللحظات الرومانسية .. فأنا تمتعت أيضاً.
فهمت المغزى المزدوج لكلماته فشدت شفتيها ونظرت إليه دون أن تظهر تعبيراً على وجهها ..انزلقت نظراتها بشكل عفوي الى فمه لكنها ما لبثت ان ترجلت مسرعة .. وعندما انطلق بالسيارة مبتعداً ، أحست قلبها يخفق بألم..
نهاية الاسبوع التالي، توقف "فان" أحمر يحمل إسم لوكربي خارج المنزل، كانت بروك تقف أمام النافذه تنظر للخارج لأن افكارها أصبحت في المده الاخيرة لا تفارق صورة الرجل الذي أحاطته ذراعيها ، ومع ذلك فقد بدا وكأنه تحول الى سراب .. عندما لمحت اسم لوكربي امامها .. اعيدت لها الحياه فمن قد يزورهما غيره؟ إنها لا تعرف إنساناً آخر من شركة لوكربي!
تعرفت الى السائق تـوم، أما الراكب الذي كان يتهيأ للنزول عن المقعد الامامي فهو غريب بالنسبة لها لكن وجهه يشبه شخصاً تعرفه.. وما ان استقام الزائر المنحني الظهر بسبب تقدمه في السن، حتى شاهدت بروك شعره الرمادي ووجهه الذي لوحته الشمس، كان الرجل نسخة أكبر سناً من آنـدي .. طافت عيناه بالمنزل البسيط أمامه، والتقتا بوجه الفتاه الناظرة الى الخارج، انحنى ليكلم تـوم ، فتحرك الفان مبتعداً.
لوكربي آخر يسعى لزيارة منزلهما! نظرت الى ابيها المستغرق في القراءة .. هل سيخذل رجلاً يماثله عمراً؟
ابتسم الرجل وهو يغلق بوابة الحديقة وراءه متأنياً، فقالت بروك بسرعة: أبي .. ثمة غريب قادم إلينا.
قطب ستانلي ستون حاجبيه: من هو هذا الرجل أهو جارنا هاملتون؟
- قلت لك غريب يا أبي!
وضع كتابه جانباً وبدا عليه السرور: أنا ارحب بالغرباء في منزلي، فلم يحدث أن رددت غريباً عن باب داري.
توجهت بروك الى ردهة المدخل بعد أن علت الطرقات الباب، كان الرجل يقف أمام العتبة مبتسماً، وكان عليها أن ترفع رأسها لتنظر الى وجهه.. على وجنتيه خطوط عميقة حفرها الزمن، وحول عينيه خطوط خطتها ابتسامته : آنسة ستون؟
صوته عميق ويحمل لكنة المنطقة التي عاش فيها طوال حياته: اسمي لوكربي . . آينر لوكربي.
فرك يديه معاً، وبدا عليه القليل من الارتباك. امتدت يدها ثابتة ومتحدية: أهلاً بك في منزلنا سيد لوكربي .. تفضل أرجوك.
تكلمت بصوت مرتفع ليسمع والدها، فجاءها صوته حاداً من الداخل.
- لوكربي !! لن أستقبل أي فرد من هذه العائلة في منزلي. في المرة السابقة استغفلني وجعلني أمد يد الصداقة له .. أخرجيه من هنا يا بروك..
احست بالارتباك وهمست: أرجوك انتظر لحظة سيد لوكربي.
عادت الى غرفة الجلوس لتواجه والدها فقالت بصوت خفيض فيه نبرات حاسمة غاضبة: أما قلت إنك لم ترد غريباً عن باب دارك يوماً !! أعلمك يا أبي إنه رجل هرم لا ذاك الشاب..
- سيد ستون؟
وإذا بالرجل في الغرفة ينظر بلطف الى الرجل الجالس في الكرسي المتحرك.
- أن كنت لا تريدني هنا فسأذهب .. فأنا لم أدخل يوماً عنوة الى مكان او منزل لست مرغوباً فيه، خاصة إذا كان المنزل منزلك.
كأنما دخول الزائر الفجائي قد نزع أسلحة ستون ، فنظر الى العينين البنيتين للرجل الكبير ولم يعد بوسعه إنكار الخجل واللطف الممزوجين معاً، دون أي ريب بالكبرياء في محيَا الرجل. لا بد أن وميضاً قوياً قد أضاء شعلة الغفران التي طال دفنها في دماغ ستون. فقال بصوت أجش: اهلاً بك في منزلي.
علمت بروك كم كلفته هذه الكلمات من عذاب فسألت بسرور: أترغب في شراب سيد لوكربي؟
فقال الزائر: لا أشرب شيئاً .. لم ألمس شراباً منذ ان كنت أقود الشاحنة ولن أفعل الآن، فقلبي الهرم يسبب لي المتاعب وعلىً الحذر .. فما رأيك بفنجان شاي؟
- بالطبع وانت ابي؟
هز رأسه إيجاباً. تبدد شحوب ستانلي فالغضب الذي اعتمل في نفسه وجعل عيناه باردتين تحول الى شئ من الادب في استقبال الغريب الذي بدا شبيهاً بذاك الذي يحمل اسمه، أهو والده؟ بدا وكأنه يحتل الغرفة.. بينما كانت تهئ إبريق الشاي سمعت أحاديثاً تصدر عن غرفة الجلوس لم يحدث ان صمتت لحظة. عندما دخلت حاملة صينية الشاي كان آينر لوكربي يقول: أجل .. نحن عائلة عصامية سيد ستون.
لم يبد على والدها الامتعاض عندما لم يرفق اسمه بلفظة استاذ.
- والد والدي في القرت الماضي كان يعنى بالجياد والعربات، وقد ورث والدي عنه هذا العمل لكن الحيوانات غدت في عصرنا الات نقل جبارة.
هز رأسه شاكراً بعد أن قدمت له بروك الشاي وسأله ستون: أكان هذا بعد العربات البخارية؟
هز آينر لوكربي رأسه بقوة ونشاط: تغيرت بدورها .. يا الهي كم تغيرت! لكن تقليداً واحداً استمر .. تناقل العمل من الاباء للابناء .. أما انا فلدي ولدان آنـدي وتود وآنـدي هو الرئيس الحالي للشركة .
التفت الى بروك ثم الى والدها وأشار الى صدره: كان عليً ان اتقاعد لكنني أعرف أنه يدير الشركة بكفاءه وأنه يعرف كل شئ من الالف للياء، اما تود فقد سعيت الى ان ينال ولداي أفضل مستوى تعليمي وقد فاق آنـدي أخاه في كل شئ فقد كان الاول في مدرسته لكن تود لم يرغب قط في العلم .. فتزوج وها أنا انتظر زواج أنـدي الذي تدخل حياته الفتيات ويخرجن ، لكنه لم يجد يوماً من يرغب في الحفاظ عليها! هذا ما يقوله!
ضحك الزائر عالياً ، ثم ارتشف رشفة كبيرة من فنجان الشاي ووضعه أمامه فارغاً ، فابتسم ستانلي ستون وسأل: أما زالت شركتكم تزدهر؟
- لن يتركها ولدي دون أن تزدهر.
قالت بروك: يقول آنـدي إنكم مصممون على الا تعتمدوا على أي إنسان.
فهز رأسه بقوة؟ لقد قدمت إلينا عروض .. لكن ما هو لوكربي سيبقى لوكربي.. إنه فخر العائلة، لدينا حوالي العشرين مركبة، بعضها للحمولات الضخمة أي شاحنات تقدر على حمل ستة عشر وثمانية عشر طناً، وقد تصل بعض الحمولات الى اثنين وثلاثين طناً.
سأله ستانلي وقد تخلي عن كل تحفظه: هل تحملون المستوعبات؟ (containers)
هز آينر رأسه: ومقطورات برادات أيضاً للنقل العالمي ..
فقالت بروك: لطالما تساءلت عن ماهية هذه الشاحنات؟
- إنها مقطورات للنقل عبر القارات ويمكن أن تختم في جمارك بلد ما حيث تبدأ رحلتها ولا تفتش أبداً في أي بلد تمر به حتى تصل الى مقصدها وهذا امر مفيد جداً.
يبدو انه تذكر سبب مجيئه في هذه اللحظات، ورفع يده الطويلة ليفرك مؤخرة رأسه، وامتدت ساقاه لتتقاطعا فوق بعضهما، ليس بسهولة بل بتوتر، أخذت إحدى قدميه تتحرك الى اليمين والى اليسار، فقدمت له بروك قطعة بسكويت ورفضها.
- لدى آل لوكربي أموراً كثيرة تحتاج الى عناية .. فولدي آنـدي يتولى الامور المالية وكل الامور الاخرى، بينما تود يدير الكاراج.
فسألته بروك: حيث صُلحت سيارتي؟
- أتعلمين أنه شرف كبير أن يصلحها لك آنـدي بنفسه‍! إنه لا يفعل هذا عاده، خاصة لغريب .. لا شك انك اعجبته.
اصطبغ وجه بروك بحمرة الخجل فضحك ، وأخفت لنفسها خبر تقدم علاقتها بابنه الى منحنى حميم، ووجد ستانلي ملاحظة آينر مثيرة للاهتمام ومسلية، فقال أمام ذهول ابنته: ولم لا تعجبه؟ إنها فتاه جميلة وذكية !
- أنت محق سيد ستون ، يحق لك الفخر بابنتك، وأعتقد أن لديها لمسة السيدات.. أنت ارمل اليس كذلك؟ مثلي تماماً .. أنا أشتاق لزوجة.
أخذ يحدق بحزن في قدمه المتحركة وكأنها ليست جزءاً منه وتنهد مكملاً: لقد كانت طيبة معي .. زوجة تود ابني تدير المكتب . . وابن اخي ديفيد يدير قسم السير من المصلحة، يأخذ التعليمات من الزبائن وما الى ذلك.
قالت ستانلي: يبدو الامر أكثر تعقيداً من تنظيم أعمال ولو كانت ضخمة، أكثر مما كنت أظن.
وجدت بروك أباها يتقبل شيئاً فشيئاً وجود لوكربي في حياته، لكن إذا أرادت مقابلة آنـدي في يوم ما كما طلب، فهل سيعترض؟ أم أنه .. ثم تذكرت أن اسبوعاً مر لم يتصل فيه آنـدي بل لم يقم بأي جهد لمواصلة معرفتهما!
قال آينـر: لقد أتيت لرؤيتك من أجل محطة إملاء الوقود التي نملكها .. المضخات تعمل على طريقة الخدمة الخاصة والموظف الذي يقبض الثمن ترك العمل ذلك أنه غدا في السبعين من عمره وهو يعاني من ألم في ظهره، وتيد يدير ورشة التصليح والمحطة معاً، لكنه لا يستطيع أن يكون في كل مكان، وهذا يعني أنه لن يكون لديه الوقت للجلوس في المكتب لقبض المال لذا كنا نتساءل .. إذا كنت أنت يا استاذ ..
وأخيراً .. لقب الوالد المعترف به .. الاطراء الرقيق .. بطاقة الاعتماد .. الورقة الرابحة .. آينر لوكربي ليس بغبي .. وتابع: إذا كنت تستطيع الاستغناء عن ابنتك الذكية لتساعدنا في مكتب القبض في محطة بيع الوقود، إلى ان يعود العامل الرئيسي.
وهذه كما تأكد لبروك طريقة أخرى فكر فيها الرئيس للالتفاف على كره والدها المتجذر لهم، ولرفضه القاطع قبول أي مساعده مالية، فهل سينظر الى العرض كما هو أم سينظر إليه كما يعني؟
واحمر وجه ستانلي ستون .. أنما ليس غضباً وزادت حمرة وجهه من جراء استغراقه في الانتباه لمحادثة زائره، الفروقات في المركز والوضع الاجتماعي ذابت بينهما، لقد برهن أينر لوكربي على انه رجل مثير للاهتمام وهذا هو كل ما يهم، رد ستانلي: بالطبع يمكنني الاستغناء عنها طالما أن الترتيب مؤقت شريطة أن توافق معي.!


monaaa غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس