دة الفصل الاول و قضمت العجوز من الخبز قضمة كبيرة و تمتمت:
-من دونه ،أشك في قدرتي على تكديس الثروة التي أمتلكها أو في التأثير الذي لي على العديد مندوائر العمل. و ضحكت بليندا ، و تناولت قطعة من الخبز بدورها و قالت:
-لقدقابلت اشخاصا أضخم جثة منك سيدة دونيكان. و حثتها السيدة دونيكان قائلة:
-ضعيالمربى و الزبدة على قطعة خبزك يا عزيزتي و لا تخافي. فأنت تعرفينني جيدا و تعرفينأنني لا أمانع. و هزت بليندا رأسها و قالت:
-إنه لطف منك ، و لكن لا يجب عليأن أفعل ، فسيجعلني هذا سمينة ، و من سمع من قبل بفنانة سمينة؟ سيفسد هذا شكلي. فالمفروض بالفنانين أن يبقوا جائعين لا أن يسمنوا بالمربى و الزبدة.
-سيستلزمالأمر كثيرا لتسمني أيتها الشابة ، فأنت نحيلة ، و جميلة و جسدك متناسق بطبيعته. وطباعك حلوة غير أنانية تتناسب مع جمال شكلك. و نظرت بليندا إلى الأعلى نحو وجهرفيقتها:
-أتمنى أن لا تسافري سيدة دونيكان. فأنا أفضل أن أحتفظ برفقتك على أنأحتفظ بمالك أو منزلك ، أو حتى أن أشارك فيه.
-هذا إطراء زائد يصدر عن فتاة شابةلإمرأة عجوز. و لكنني قد أتخذت قراري ، و سأهاجر. و قطبت بليندا جبينها و وضعتآخر قطعة خبز في فمها ، و نفضت يديها:
-هل أنت متأكدة من أن حفيد أخيك سيكونمتعاونا؟ -أنا واثقة. واثقة تماما... و لماذا؟ لأنني أمرته بذلك ، و لم أطلب منهو لأنني عندما آمر شخصا بشيء ، حتى و لو كان عنيدا و رأسه يابس مثل حفيد أخي فيتعامله التجاري ، فهم عادة ينفذون ما أريد ، و كما ترين فإن حفيد أخي قد ورث الكثيرمن عناد عمته العجوز!. لقد كتبت له و أعلمته بالوضع. و سيعود اليوم من الأرجنتين. ويستطيع أن يحتج قدر ما يريد ، لقد أبلغت المحامين و وقعت على الوثائق التي أعطيبموجبها هذا المنزل له و لك لتتشاركا به على الدوام. و سيكون ملككما معا ، و أرجوأن تنتبهي لكما معا و ليس لنفسك فقط.
-ولكن سيدة دونيكان ، عندما تعودين إلىإنكلترا أين ستسكنين؟ -لن أعود إلى إنكلترا. سأقضي بقية أيامي في نيوزيلندا معشقيقتي. و أظهرت بليندا بعض الإعتراض إلا أن المرأة العجوز أمسكتبيدها:
-لنواجه الأمر. أنا عجوز و أيامي تكاد تكون معدودة. و لا أستطيع تحمل سوىرحلة واحدة بإتجاه واحد ، و عبر العالم مباشرة ، و لن أستطيع بعد خمس ، أو لنقل عشرسنوات إذا كنت محظوظة أن أتحمل رحلة العودة.
-و لكنك ستحتاجين لمالك سيدةدونيكان. و ابتسمت في وجه بليندا:
-هل حقا تريدين التحدث معي حول كمية المالالتي تركتها لك؟ لن أحتاج إلى مالي. فشقيقتي أرملة ثرية مثلي ، يبدو أن هذا إرث فيالعائلة! و سيكون عندنا من المال أكثر ، بل أكثر بكثير ، مما نحتاجه في أواخرأيامنا. ضغطت السيدة دونيكان على زر قرب المدفأة فأقبلت إمرأة مسنة و لكن أقلعمرا من مخدومتها ، و أنحنت مبتسمة للعجوز ثم لبليندا التي كانت تضع الأطباق فيالصينية و قالت:
-لا تزعجي نفسك يا آنسة.. هذا عملي أنا... و سألتهابليندا:
-هل أنت تواقة للذهاب إلى نيوزيلندا يا ليديا؟ -كثيرا جدا يا آنسة ،فلم أغادر إنكلترا من قبل. و قالت إيلين دونيكان:
-و بما أننا سنسافر بحرا ،فسنشاهد الكثير من العالم في الطريق... و وقفت بليندا و قالت:
-إعذريني سيدةدونيكان؟ -طبعا يا عزيزتي.. فلديك عملك. و أنت مشغولة ، تماما كما حفيد أخيمشغول بعمله ، و لا وقت أمامكما لأي شيء آخر ، و لا تشغله إمرأة في حياته ، علىالأقل لا يتكلم عنهن. و لكن لا أعتقد أنه يقول لعمته الكبيرة كل شيء! كلما دخلتبليندا الغرفة الكبيرة التي تدعوها المرسم تشعر بالنشاط. و بسبب كرم السيدة دونيكانالذي لا يصدق ، تستطيع أن تعتبر المرسم مرسمها الآن. فلم تعد تشغله إعارة أوإمتيازا ، و لكنه أصبح هبة.. نصف المنزل الآن ملكها... و لا يهمها واقع أن يشاركهافيه رجل لا تعرفه ، حسب وصف عمته له طبيعة مسيطرة و صعبة و غير مرنة. لكن لا بد أنيكون عنده بعض الصفات الإنسانية. و يجب عليهما أن يتوصلا إلى إتفاق ما بينهمابالنسبة لإدارة هذا المنزل... و قد أوحت السيدة دونيكان ، أن له مركز مرموق في عالمالصناعة ، كونه مدير قسم في شركة إليكترونيات عالمية. و قالت عنه:
-إنه قاس فيتعامله التجاري. و أي رجل عند القمة يجب أن يكون هكذا. لا لكي يصل فقط إلى القمة بلحتى يبقى فيها. و أخذت أدوات التلوين و بدات تخلط الألوان و هي تفكر... ترى كيفيبدو في تعامله مع الناس؟ ستعرف في القريب العاجل ، إذ يتوقع وصوله في أي وقت منهذا اليوم. لا بد أنه قطع آلاف الأميال من الأرجنتين إلى لندن ، و سيمضي لي لته هناكقبل أن يستقل سيارة أجرة إلى دير بشاير ، حيث سيمارس عمله الجديد هنا. و سمعتصوت سيارة تدخل الممر الذي يقود إلى مدخل المنزل و أسرعت نحو النافذة التي تطل علىالممر. و كل ما أستطاعت أن تراه كان شعر رأسه الأسود ، و عرض كتفيه ، و بقية طولجسده من الزواية التي تستطيع الرؤية منها. حركات الرجل كانت سريعة و ثابتة ، أخرجمعطفه و حقيبته الصغيرة من السيارة و أغلق الباب ، و فتح الصندوق و أخرج حقيبتينمنها في لحظات. و كأنما القادم الجديد في سباق دائم مع الوقت ، و يبدو أن الوقت هوالخاسر الدائم معه. و لم تنزل بليندا إلى الأسفل ، فقد شعرت بالخجل من لقاءالرجل الذي ستكون شريكة له في ملكية هذا المنزل القديم و الجميل ، و شعرت بالخوفأيضا. فقد تكون شخصيته من الصعب التفاهم معها. و هي في حالتها هذه دخيلة و هو عضومن العائلة ، و الأفضل أن تحتجب عن المسرح و أن تستأجر مكانا تعيش فيه أو أن تعودإلى منزل والدتها الصغير ، و تجد لنفسها عملا بالقرب من هناك ، و قرعت ليديا بابالمرسم قائلة:
-السيدة دونيكان تريدك يا آنسة. السيد غاردنر وصل و تريدك أنتقابليه! و أخذت تنظف الدهان عن يديها ، ثم أخذت مشطا عن طاولة الزينة ، فقد كانالمرسم أيضا غرفة نومها ، زودتها مضيفتها فيه بسرير و عدة أدوات راحة أخرى ، و مشطتأطراف شعرها الطويل ، الذي طالما وعدت نفسها بأن تذهب إلى الحلاق لتقصه ، و لكن دونأن تجد الوقت الكافي. هل تغير ثيابها؟ لقد كانت ترتدي ثياب العمل العادية ، وتبدو في كل مظهرها كفنانة حقيقية. و إذا كان يحب الفنانين ، فإنها تبدو رائعة ، ولكن ماذا إذا لم يكن؟.. إنه لا يحب الفنانين. تستطيع أن ترى هذا بوضوح في قسماتوجهه الأسمر القاسي ، الوسيم و عيناه الضيقتان. و كان طويلا أيضا ، و شعره كثيف وقاتم ، و ملابسه فاخرة ، و تصرفاته حادة. و الجو المحيط به هو لرجل ، على الرغم منتودده السطحي ، إلا أنه في الداخل يملك تحت هذه القشرة ذهن متوقد و صافي ، و تحفظمنعزل لا يمتلكه سوى النخبة المحظوظة. و بما أن بليندا لم تكن من النخبة المحظوظةهذه فقد استطاعت أن تلاحظ ذلك على الفور. على كل الأحوال ، ابتسمت له ، و كانللإبتسامة عدة صفات مختلطة! كانت جميلة ، غير واثقة ، و مع ذلك مرحبة ، و تغطيالإرتبارك الذي ساورها عند مشاهدته. و قالت بثقة بالنفس لم تكن تشعر بها حقا:
-مرحبا سيد غاردنر. و نظر إلى يدها الممدودة ، ثم نظر إليها ، و للحظة فظيعةاعتقدت أنه سيرفض يدها و يقابلها بالتالي بإزدراء ، و لكن بأدب جم ، حتى و لو ظاهريوضع عدائيته الظاهرة للعيان ، جانبا و مد يده للقاء يدها. كانت قبضته ثابته ،مصافحة عمل ، ليس أكثر ، و دامت ثانيتين كما خمنت بليندا. و من الغريب كيف شعرتبأنها "عدوته" بالرغم من أنه لم يوجه لها أية كلمة. و قالت السيدةدونيكان:
-غارث.. أليست جميلة؟.. أليست بهية المنظر؟ أليست كل شيء قلتهلك؟ -عمتي.. لا يمكن لإمرأة أن تبلغ حد الكمال كما وصفت الآنسة هامر ، بالطبع.. لقد كنتي كمن "يبيعني" إياها. و يحتاج الأمر إلى بائع قوي الحجة "ليبيعني" أيةإمرأة. إنهن مفيدات كسكرتيرات ، أو طباخات ، أو ممرضات عندما يكون المرء مريضا. ولكن ما عدا ذلك ، لا أرى أية حاجة ملحة لأن يمتلك الرجل واحدة منهن فيحياته.
-غارث.. سفرك إلى الخارج لم ينفعك. لقد جردك من الصفات البشرية. لو أنرجلا يحتاج إلى إمرأة في حياته لتعيد الدم إلى عروقه فهو أنت يا إلهي يا ولد ، أنتفي الثالثة و الثلاثين من عمرك ، و مع ذلك تتكلم و كأنك أعزب جاف العاطفة سريعالغضب. و هذا ما يجعلني سعيدة لأن أكون بعيدة النظر بأن أضع الشروط التي وضعتها علىالمبلغ الهائل من الأموال التي جعلت المحامين يضعونها قيد الأمانة لصديقتي الشابةبليندا هامر. و سألتها بليندا:
-قيد الأمانة سيد دونيكان؟ -أجل.. قيدالأمانة يا عزيزتي.
-و ما كان قصدك ياعمتي؟ أنت عجوز غريبة الأطوار لا يمكنالتنبؤ بنواياك ، و أنا لا أثق بك أبدا..!
-أشكرك يا ابن أخي العزيز... أنت تعنيبقولك التوبيخ ، و لكنني أتقبلها و كأنها إطراء لي. أعترف بأنني غريبة الأطوار ، وبثروتي أستطيع أن أكون ما أشاء. و أعترف بأنني لا يمكن التنبؤ بما أنويه ، فأنا علىالدوام كنت مسرورة بعمل كل شيء مسرف في الخيال، و هذا سبب قراري بالسفر آلافالأميال عبر العالم في عمري المتقدم ، الثامنة و السبعين هذا. و لو كنت في مكانك ،لما وثقت أبدا بنفسي أيضا! و أشارت إلى بليندا التي كانت تقف إلى جانبها ، و دعتابن شقيقها ليقف إلى الجانب الآخر. و أخذت يديهما و جذبتهما أمامها حتى التقيا وقالت:
-دعني يا غارث أقدمك لزوجة المستقبل بليندا هامر. بليندا هذا غارث غاردنر، زوج المستقبل... و ردت عليها بليندا:
-سيدة دونيكان لا يمكن انك تعنين ماتقولين! و نظرت إليها إيلين ، ثم قال غارث:
-عمتي هذا أمر غير معقول! ونظرت إليه إيلين أيضا و قالت:
-لقد حذرتك... و لكنني سأكون لطيفة معكما.. سأعطيكما ستة أشهر. إذا تزوجتما ستتسلم بليندا مبلغا محترما من المال كل شهرلمساعدتها في عملها الفني... و ستحصل على مال وفير تصرفه كيفما شاءت! و قالتبليندا:
-و لكن... إذا لم نتزوج؟ -سيعود مالي إلى عمل خيري مفضل عندي "منزلالقطط" أنت تكره القطط ، أليس كذلك يا غارث؟ و حصتها في المنزل ستعود إليك و عندهاستضطر هي إلى مغادرة المنزل. و قاطعتها بليندا:
-و لكن سيدةدونيكان.
-آسفة يا عزيزتي ، قد يبدو علي أني لطيفة ، و لكن في داخلي ، أنا قاسيةو عجوز مزعجة. و أحب أن أفعل ما أريد ، حتى و لو عنى ذلك الإساءة للناس. و حفيد أخيورث أخلاقي ، لذلك أحذرك عندما تتزوجان... و صرخ غارث بالكلمات من بينأسنانه:
-لن يكون هناك زواج! إنه أمر مناف للعقل! أنت مجردة من الضميرّ!
-وأنت كذلك يا غارث... مثل الميل إلى الزواج من الرجال الأثرياء و وراثتهم بعدموتهم... مثل شقيقتي أتذكر؟... مثل هذه القسوة وراثة عائلية، و لا تستطيع أن تحتجيا غارث. فأنت تملك ما ورثته من العائلة من أخطاء. و أنا أتكلم معك بطريقتك: إما أنتتزوج هذه الفتاة ، و تأخذ المال مقابل الجمال و الذكاء و العاطفة ، و هذه أشياء لاتملكها أنت ، و تعطيها فرصة للعيش الهنيء ، إذا لم يكن الباذخ ، لما تبقى من حياتها، أو أن لا تتزوجها و ستعود إلى ما كانت عليه من الفقر و التشرد قبل أن أضمها تحتجناحي. و إذا تركت هذا البيت ، لن يعود عندها بيت تلجأ إليه.
-لن يكون هناكزواج! و ارتجفت شفتا بليندا لعنف لهجته و قالت:
-لا أريد أن أتزوج سيدةدونيكان ، خاصة إلى... إلى...
-لا يا عزيزتي... لا تستطيعين وصفه إنه جلف فظ ،إنه غير متمدن ، إنه.. إنه. و ارتجف صوتها و اختنق ، و أسرع غارث ليقف أمامها ويمسك بيدها:
-أنا آسف يا عمتي... أعتذر ، أعتذر بكل إخلاص... و لكن يا عمتي... الوضع مستحيل ، و يجب أن تعرفي هذا. لم أشاهد هذه الفتاة سوى منذ دقائق.. لا أستطيعأن أضع "السرج" على ظهري...
-تضع "السرج"! مع مثل هذه الساحرة ، المحببةالجذابة.. فاستدار و نظر إلى بليندا:
-لا شك أنها كذلك. فصديقتك الشابة ، قدسوقت نفسها لك بقدرة و خبرة بائع قدير. و كيف تعرفين أنها صادقة ، و أن البضاعةالتي باعتها لك ليست زائفة.. ثانوية... و مستعملة؟ و تصاعد الدم في وجه بليندا وقالت بغضب:
-أرجوك المعذرة سيدة دونيكان.. لدي أعمال أريد أن أنهيها!
-طبعايا بليندا.. و التفتت إلى غارث:
-هذه الفتاة متعصبة لعملها. إنها مشغوفةبه.
-و هذا ما يجعلنا إثنين من نوع واحد ، على الأقل أصبح لدينا شيء مشترك و هومحبة أعمالنا. و نظرت إليه بليندا من عند الباب و قالت:
-و هذا شيء ضئيل جداسيد غاردنر. و إبتسم بسخرية و استدار إلى عمته:
-لو أننا وافقنا على إقتراحكالسخيف بأن نكون رجلا و زوجته ، على الأقل لن نضطر لأن نقف في طريق بعضنا البعض. سأكون منشغلا حتى أعلى رأسي بالعقود و المشاريع و اللقاءات و ستكون هي في مرسمهامنشغلة تماما برسم خيبتها و صدمتها و اضطراباتها العصبية على الكانفا ، و الورق أوأي شيء يستخدمه الفنانون هذه الأيام. و أجابته بليندا:
-شكرا لك لتخفيضكمستوى قدراتي الفنية و مهنتي إلى درجة الإضطرابات النفسية. و إعذرني لقولي هذا ، ولكن مع أنك قد تمتلك الذكاء لتحويل نفسك إلى "ملك أعمال" فأنا أشك في إمتلاككالإحساس الضروري لتعجب بعمل فني حتى و لو شرح لك بالكلمات. أنا أرسم لأريح نفسيمن التوتر العصبي. أنا أرسم لأني أحب الرسم ، و لأنه لا يوجد شيء بداخلي ، لا قوةغير مسؤولة تدفعني و لا تتركني لأرتاح. و أنت بما أنك رجل في القمة لا بد تعرف عنالقوى الدافعة و التي تعطينا شيئا مشتركا أيضا!... و صفقت الباب وراءها ، و سمعتمن وراءه ضحكات سيدة المنزل التي كانت تطلقها برضى و سرور... وقف غارث غاردنر فيمنتصف غرفة المرسم ، و يداه في جيوبه يتحدث إلى بليندا:
-ماذا سنفعل بخصوصالموضوع؟ لقد دفعت عمتي إلى هذه النهاية أليس كذلك؟ -لا بد أنني في نظرك مصابةبداء عصبي سيد غاردنر ، و لكنني لم أصل إلى هذا المستوى من الجنون. لا بد أنك لمتأخذ فكرة عمتك على محمل الجد؟ -و هل تأخذينها أنت؟ -بالطبع. لا...
-هللديك أصدقاء شبان؟ -واحد أو إثنان.
-هل هناك واحد خاص؟ -ربما ، على كلماذا يعني لك هذا لو أن عندي صديق؟ و إبتسم بسخرية و إتكأ على حافةالنافذة:
-أريد أن أعرف مدى المنافسة التي سوف أواجهها ، و كم من منافس يجب أنأتغلب عليه لأكسب "الجائزة".
-لا تهتم ، فالإتفاق لاغي ، بالنسبة لي لم أفكر بهأبدا. إعطني فقط ستة أشهر هنا و هذا كل ما أطلبه. و بعدها سأجد مكانا آخر أعيشفيه.
-و تتخلين عن المال؟ و عضت شفتها و لم تجب. و أخذ يتجول في الغرفة ، يحدق بالصور غير المكتملة ، والرسمات البدائية المنتشرة على الأرض ، و التي أخذ يرفسها برجله ليديرها أو ليزيحهالينظر إليها. و التقط بعض طين الخزف ثم رماه من يده و نظفها بمنديله. ثم تقدم إلىجانبها يراقب ضربات فرشاتها على اللوحة.
-هل هذا ما تفعلينه طوال اليوم؟ تستغلينعمتي كممول لك ، تقدم لك كل إحتياجاتك ، و ليذهب كل العالم إلى الجحيم؟ -أنامدرسة ، إنني أدرس الفنون في مدرسة محلية كبيرة ، لهذا ترى أن لدي بعض من التفكير ،مع صغره ، و لكنه كاف لأن أكسب معيشتي و أهتم بنفسي حتى النهاية.
-نهايةماذا؟ -نهاية أيامي حتى لا يضع السرج على ظهري رجل.
-بكلمة أخرى ليس لديكالنية أن تلتزمي برغبات عمتي؟ و في هذه الحالة لن تحصلي على مالها. كم أنت بحاجةلهذا المال؟ كم هي بحاجة لهذا المال؟ بحاجة إليه كثيرا ، و بيأس. من أجل والدتهاو ليس من أجلها شخصيا. و لكن لو قالت له الحقيقة ، سيعتبر أن ذلك بمثابة وضعه أمامأمر واقع ليتزوجها ، و ليريح والدتها من متاعبها المالية الكبيرة. عليها أنتعترف أنها بحاجة إلى المال. و لكن ثمن الوصول إليه كان أكبر من أن تتحمله ، حتى ولو كان سيريح والدتها من الحمل حتى لا تعمل بعد الآن. و لكنها تعلم أن عليها أنلا تدفع هذا الرجل ليكون مجبرا على الزواج منها أبدا. إنه قاس و لا رحمة في قلبه ،هكذا قالت عمته ، و صلب في مبادئه ، و ما عليها إلا أن تنظر إليه لتعرف هذا. و إذااقتنع بتنفيذ أمر ما فلن يتردد في الوسائل التي توصله إليه. و إذا كان بزواجه منهاسيقوم بعمل خير لوالدتها ، فلن يتردد بالزواج منها. و لكن فكرة الزواج من هكذا رجلأرعبتها. لذا قررت أن تلعب أوراقها بمهارة. فقالت:
-إنني أريد المال برغبةكبيرة.
-لمن تريدينه؟ -و لمن غيري؟ سيكون مالي ، و سأحتفظ به! سأستخدمه لدفععملي ، و لكي أتحمل المنافسة ، سأصرفه على الثياب ، الثياب المكلفة الجميلة ، وسأشتري سيارة ، ليس سيارة صغيرة بل كبيرة ، و أتباهى بها على زملائي فيالمدرسة... و تحرك عن النافذة ، و وقف في وسط الغرفة ينظر إليها قائلا:
-شكراآنسة هامر لأنك قلت لي هذا... و أيضا لإظهار جزء من شخصيتك لي ، و التي أبقيتهامخفية عن عمتي.. ماذا قالت؟ حلوة.. مرحة ، جميلة المظهر ، ذكية و عطوفة؟ يا إلهي ،لا تعرف عنك سوى القليل لتقوله لي! و قد أستخدم كلمات بدائية لأصفك. كلمات مثل جشعةو و محبة للمال و أنانية بكل ما في هذه الكلمات من معنى! و التقت عيناهما ،عيناها واسعتان غير مصدقتان ، و عيناه ضيقتان فيهما إزدراء ، و خرج من الغرفة. إذا.. ها هو الآن يحتقرها لجشعها و أنانيتها و هو تماما ما قصدت إليه ، لن يتزوجهابعد الآن بالتأكيد. و هذا ما أرادته. و اختار غارث قسما منفصلا من المنزللأستخدامه الخاص ، غرفة نوم كان يستخدمها في الماضي ، و غرفة جلوس كانت تعرف بغرفةالإحتفالات. و غرفة الطعام الكبيرة التي رفضت بليندا أن تشاركه بها. و هناك غرفةأصغر منها ملاصقة لغرفة جلوسه اقترحت السيدة دونيكان أن تستخدمها كغرفة طعام و أصبحمفهوما أن بليندا إضافة إلى المرسم الذي تشغله ، سوف تستخدم الغرفة الملاصقة لهكغرفة نوم. كما أن هناك مطبخ كبير في الناحية الخلفية للمنزل ، و على الرغم منأنه مزود بأحدث الأدوات إلا أنه لا زال يحتفظ بطرازه القديم. و تم الإتفاق على أنيستخدمانه مشاركة و بالتساوي. و قال غارث إنه سيحضر طعامه بنفسه ، مما أدهش بليندا، إلا أنه أجاب أنه يفعل هذا عن قصد حتى يزيل أي حاجة للمرأة في حياته. فاحتجت عمتهقائلة:
-لا لزوم لهذه الفظاظة.. و سألته بليندا و قد ظنت أنها تمكنت منه:
-و ماذا بشأن الغسيل؟ -أستخدم الغسالة ، أو الأفضل أن أرسل ملابسي إلىالمصبغة ، فتعود إلي نظيفة و مكوية و موضبة ، أفضل من عمل أية إمرأة ، و أيةزوجة... فقالت بليندا:
-يا إلهي من ستتزوجك سيكون أمامها مهمة صعبة ، سوفتمزق نفسها لتستطيع العيش بمستواك... و أجابها:
-لن تتزوجني أية إمرأة. و تدخلت عمته:
-غارث! ستغير رأيك. يجب ذلك ، و إلا سيثقل هذا ضميرك لماتبقى من حياتك ، لأنك عامدا متعمدا ستحرم هذه الفتاة من إستلام الهبة التي حضرتهالها.
-و أنت يا عمتي عامدة متعمدة حضرت لي فخا لتدفعيني للزواج ، و لن تستطيعيإنكار هذا!
-لن أنكره ، و طبعا فكرتي تناسب ما في ذهنك ، فأنت بحاجة إلى ترويضأيها الفتى ، و إمرأة وحدها ، جميلة و كاملة تستطيع...
-لا تقولي هذا يا عمتي ،ليس هناك من لها هذه الصفات في هذه الأيام ، و بالتأكيد لن تكون فنانة قادرة علىادعاء مثل هذه الصفات الحميدة القديمة الطراز... و لم تتابع العمة الموضوع ، ولكن بليندا كانت تعرفها جيدا لتعلم أنها مستاءة من تصرفات حفيد أخيها غير المحتملة، و لكن هذا أسعدها. فلم تكن تريد أن تتزوج هذا الرجل. و عزت نفسها بأنها لو لمتحصل على المال ، فإن أمها لن تستفقد الراحة المالية لأنها لا تعرفها أصلا. وتركتهما السيدة دونيكان لوحدهما ، فقال غارث:
-آمل أن تتذكري الأوقات التيأستخدم فيها المطبخ آنسة هامر..
-لا تقلق سيد غاردنر. سأتذكر، فعقاب النسيانسيكون فظيعا! و ضحك و تحول وجهه الوسيم القاسي القسمات إلى وجه دافئ. و كان لهذاالتحول تأثيره على سرعة نبضات قلب بليندا. و فكرت: الرجل من جنس البشر على كلالأحوال! و لكن هذه المظاهر البشرية لم تدم طويلا و عاد إلى سخريته عندما قالتله:
-ليس لدي نية الصدام معك بأية طريقة. في الواقع سأكون مسرورة لو تدبرناأمرنا بحيث لا نلتقي حتى على مسافة للكلام.
-هل وجودي ثقيل عليك؟ إذا الشعورمشترك آنسة هامر! أرجوك أن تبقي بعيدة عن طريقي ، فأنا رجل مشغول دائما ، و لاأستطيع إبقاء باب مكتبي مقفلا و أنا في مثل هذا المركز و سأمضي معظم امسياتي فيغرفة المطالعة على مكتبي. و كل ما أطلبه منك الهدوء ، و إذا كنت ستشاهدين التلفزيونأو تستمعين للراديو ، فأخفضي الصوت قدر المستطاع ، و سيكون كل شيء على ما يرام. و إبتسمت متحدية:
-و إذا لم أفعل؟ و قطب محدقا بعينيها الزرقاوينالواسعتين فأردفت:
-لن تستطيع طردي... أليس كذلك؟ -أستطيع أن أقابل الأذىبمثله آنسة هامر ، فلدي وسائلي الخاصة. و قد أكون أكره النساء ، و لكن معرفتي بهنأكبر مما تعتقدين. فلا يزال لهن مكان في حياتي ، مع أن هذا المكان صغير . و إذااحتجتهن للعمل ، أستخدمهن ، و إذا احتجتهن للمتعة ، أعرف أين أجدهن. إذاً.. إذاأزعجتيني زيادة أو دفعتيني زيادة ، فيجب أن تعرفي ماذا ستتوقعين... و إبتسمت لهبعذوبة:
-لقد أخفتني سيد غاردنر ، لقد جعلتني أرتجف. و تقدم نحوها خطوةبطيئة متعمدة ، فأسرعت للخروج و أغلقت الباب وراءها ، ثم فتحته ثانية و قالت:
-أحيانا أكون إجتماعية جدا ، فأقيم الحفلات الصاخبة للعديد من أصدقائي. ومعظمهم فنانون ، و عندما تستحوذ عليهم روح الحفلة ، لن تستطيع إسكاتهم.. أنا آسفة. و أغلقت الباب ، ثم فتحته ثانية لتقول:
-سنرحب بك دوما إذا انضممت إلىحفلاتنا. و أقفلت الباب و هربت إلى غرفتها قبل أن يتمكن من الرد. يوم سفرالسيدة دونيكان قالت لابن أخيها إن السيدة هوغند التي تنظف المنزل ستستمر بالحضورمرتين في الأسبوع و لكنه قال:
-لا لزوم لها ، فأنا قادر على أستخدام المكنسةالكهربائية.
-هنا أكثر من دفع ماكنة كهربائية أيها الفتى فوق السجاد. و إذا لمتأتي السيدة هوغند ، فستترك الأمور لبليندا لتجد نفسها تنظف و تنفض الغبار و تلمعالأثاث. و أنا أعرف طرق الرجال.. يقصدون عملا و يبدون بشكل حسن ، و لكن بعد ذلك... و عاملا الحديقة سيستمران في عملهما ، أجرة الثلاثة مع المحامين و سيرسلون لهمأجورهم كل أسبوع. عند البوابة ، و الخادمة ليديا تنتظر في السيارة ، التفتتإليهما غامزة:
-كل ما عليكما أن تفعلا ، هو أن تتعلما كيف تعيشان معا ، و هذاهو الزواج في الحقيقة. و ضحك ابن اخيها عاليا و قال:
-لقد قلت لك من قبل ،أنتعجوز ماكرة. و لكن ليس كل حيلك ستنجح ، فلست مستعدا لتغيير عادات حياتي ، بأنأغير معاملتي للنساء و أحمل أعباء زوجة لمجرد أن انقاد إلى حبك للخير الذي في بعضالأحيان تقوده العاطفة فقط.
-أنت عنيد يا غارث. و لكنني أعند منك ، أنا أحبالقطط ، و أنت لا تحبها ، و مع ذلك فأنت مصمم أن تستفيد منك القطط ، أليس كذلك؟ وهل ستضع استفادة القطط من الثروة قبل مصلحة هذه الفتاة؟ لا أصدق يا غارث. أعرفك وأنت طفل ، و أنت لست شريرا كما تحاول أن تبدو. إنه ليس شريرا يا بليندا ،حقيقة! و ضحكت بليندا:
-سيلزمني الكثير لأقتنع بهذا!
-استمع إليها ياغارث ، لقد بدأت بتمزيق صفحات كتابك. لقد قابلت أخيرا من هي ند لك. و لن تجد سهولةفي إكتسابها كما تعتقد. و قال ببرود:
-لن أحاول حتى أن أفعل. عند البوابةعانقته و طلبت منه أن ينحني لتقبله. و قبلت بليندا و الدموع فيعينيها:
-لقد كنتي لي كالحفيدة يا عزيزتي ، لقد كنت عجوزة مزعجة وكنت لطيفة معي ، و شعرت معك بأنني أصغر عمرا. استمري في رسمك و المال الذي ستحصلينعليه مني سيساعدك كثيرا يا عزيزتي. و هزت بليندا ، رأسها و لم تستطع أن تتكلمفتابعت العجوز قولها:
-قد لا تريني ثانية ، و أنت أيضا يا غارث. دعوني أركمامعا. ضع ذراعك حولها. دعوني ارى كيف يبدو منظركما معا لأحمل الصورة في ذهني إلىالجهة الثانية من العالم. و ببطء محاولا عدم إظهار ضيقه ، أطاعها ، و استجابتبليندا عندما لمسها: -عانقها يا غارث ، لمرة واحدة ، لأجلي أنيا ولدي العزيز ، سأكون مسرورة أكثر مما أستطيع التعبير عنه.. و تمتم: أنتعجوز ماكرة. و استدار لبليندا و وضع ذراعاه حولها و جذبها نحوه و وضعت يداهاحوله ، وبقيا هكذا ، و بدا لبليندا أنه وقت طويل ، طويل لجعل جسدها حارا و يرتجفإلى أن احترق وجهها بالإرتباك ، ثم الغضب. لم يكن هناك لزوم لهذةالإطالة ، فلم يكن هذا ما طلبته السيدة دونيكان. لا بد أنه يفعل هذا لمجرد إزعاجها، و قد نجح. و لكنها علمت أن عليها أن لا تظهر الإنزعاج ، ليس أمام السيدة العجوزالتي من الممكن أن لا يرياها ثانية. و عندما تركها آخر الأمر ، استدارت بليندامبتعدة عنه بإتجاه العجوز و هي تبتسم ، لتشاهد سرور إيلين الزائد. و قالتالعجوز:
-ستة أشهر! كم كنت غبية! كان يجب أن أشترط ثلاثة فقط. هذا ما سيستغرقهالأمر بينكما. لقد أصبحتما في منتصف الطريق إلى الحب بالفعل! و قالت بليندابسرعة:
-سيدة دونيكان.. إنه ليس... و لكن ذراع غارث حول وسطها اشتدت عليهامحذرة ، و قال مبتسما:
-قد تكونين على حق يا عمتي إيلين... قد تكونين على حقتماما. و لوحت العجوز بيدها مترددة ، و أطالت النظر إليهما ، قبل أن تخرج نهائيامن حياتهما... |