عرض مشاركة واحدة
قديم 03-03-11, 11:01 PM   #8

* فوفو *

نجم روايتي


? العضوٌ??? » 6485
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 93,121
?  نُقآطِيْ » * فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثاني
عدو النساء


ما أن ابتعدت السيارة عن الأنظار ، حتى أفلت غارث ذراعه من خصر بليندا ، و ابتعدا و أخذا يحدقان ببعضهما.
و تساءلت بليندا في نفسها ، ماذا تنتظر؟ عرض صداقة.. هدنة.. غفران ، غفران عن ماذا؟ ماذا فعلت بحق السماء؟
لم يبدو شيء في عينيه السوداوين المتفحصتين يريحها ، أو يلطف من إضطرابها. بل كان هناك تفحص غير متحيز و غير شخصي لوجهها تبعه تفحص لشكلها. هل يحاول أن يقرر كيف يصنفها ، في سبيل أن يقرر كيف سيستخدمها في المستقبل؟ و بأية صفة.. للعمل.. أو للتسلية؟... هذان هما الوظيفتان التي قال إنه ينظر إلى المرأة من خلالهما في حياته. هل تتناسب مع نظرته للأشياء أم أن عليه أن يخلق لها تصنيفا جديدا يناسبها؟
و استدار نحو المنزل و أخذ يقرأ بسخرية الكلمات المنقوشة على أعلى مدخله و المطلية بالذهب:
-من قدر له أن يدخل هذا البيت عليه أن يتخلى عن عدوانيته و أن يفرد جناح الإلفة و المحبة.
و نظر إليها بسخرية قائلا:
-هذا مدعاة للسخرية ، أليس كذلك؟ رسالة كتبت منذ عقود من الزمن و لكن و كأنها وضعت هنا خصيصا لنا... حسنا آنسة هامر المنزل لنا ، لك و لي.. هل نطيع أمر السيد... لا بد أنه سيد من كتب هذا ، فلا يوجد إمرأة تستطيع التفكير بهذا الكلام.. الذي كتب هذا الكلام منذ مئة سنة أو أكثر ، رجل مسالم ، كتبها بماء الذهب كأمر موجه لكل الداخلين؟ و هل سنعيش بتوافق تحت السقف القديم "لبراين ثورب"؟
-لن أراهن على ذلك سيد غاردنر.
-بصراحة ، و لا أنا كذلك.
و نظرت بليندا إلى المنزل بعيني من يملك ، أو بالأحرى نصف مالك ، و لم تتمالك أن تخفي شعورا بالفخر. فماذا يهمها حتى و لو أن حصتها في الملكية لن تدوم أكثر من ستة أشهر؟ فلو أنها عاشت هذه الستة أشهر بكامل حيويتها ، و رسمت كما لم ترسم من قبل ، لأصبحت هذه الفترة القصيرة من حياتها تاريخا لن تنساه أبدا.
و لم تشاهد بليندا غارث لبقية ذلك اليوم. المنزل كان كبيرا ، و توزعا ، كل في جناح خاص له. و كان من السهل أن يمضي شخصان مختلفان في حياتهما أياما طويلة دون أن يلتقيا ، حتى و لو كانا يعيشان داخل نفس الجدران.
مع أن اليوم كان الأحد و بليندا عادة تبقى في الفراش إلى وقت متأخر ، إلا أنها ذلك الصباح إستيقظت باكرا ، و أرتدت ثيابا عادية ، و ركضت نحو المطبخ لتحضر طعام الإفطار. و هنأت نفسها لأنها استطاعت أن تسبق وجود غارث في المطبخ ، و حضرت بعض الكورنفليكس و الحليب مع السكر و جلست إلى طاولة المطبخ الخشبية الكبيرة لتتناولها.
و دخل غارث بعد بضعة دقائق ، و أظهر الإمتعاض لوجود رفقة معه في المطبخ. و رفع حاجبيه و قال بأدب مصطنع:
-أعتقد أنك على وشك الإنتهاء من طعامك آنسة هامر.
-آسفة ، و لكنني لم أنته بعد ، فلم أصنع قهوتي.. لقد حضرت مبكرا سيد غاردنر!
-لا.. بل أنت من تأخرتي آنسة هامر.
و نظرت إلى ساعتها ، و وجدت أنه غير مخطئ ، و دفعت كرسيها بقوة فأوقعتها على الأرض ، و أقفلت الكتاب الذي كانت تقرأه ، ثم جمعت أطباقها و وضعتها في المغسلة ، و قالت:
-سأغسلها فيما بعد.
ثم خرجت.
-و ماذا عن قهوتك؟
-لن أتناولها..
-لا تتصرفي و كأنك ضحية. تناولي قهوتك.
و أرادت أن ترفض شاكرة. و لكن لماذا لا تتناول قهوتها؟ و بينما هي منهمكة في تحضير القهوة ، وقف غارث ينظر إلى الحديقة عبر النافذة. ثم صبتها و إنتظرت و هي جالسة على الطاولة لتبرد. و أخذت تراقب غارث و هو يحضر إفطاره. محاولة التظاهر بأنه غير موجود. رائحة البيض و اللحم المقلي ، أثارت شهيتها ، و لم تستطع إبعاد نظرها عن الطبق الذي حضره. و لكنها استطاعت في النهاية أن تغرق ذهنها بالكتاب أمامها ، منتظرة القهوة لتبرد.
-هذا مضر لك..
-و ما هو؟
-القراءة و أنت تتناولين الطعام. فهذا يتعارض مع عملية الهضم.
-أنا لا أتناول الطعام ، لقد إنتهيت ، و القهوة ليست طعاما.
-إنها جزء من وجبة طعام.
و ابتلعت ما تبقى من القهوة ، و كادت تشهق للسعتها الحارة في حنجرتها ، ثم غادرت الطاولة. و بينما هي تفعل ، أخرج كتابا من جيبه و فتحه أمامه كما كانت تفعل:
-هذا مضر لك. ستقول لك هذا عملية هضمك طوال الصباح!
و انفجر ضاحكا و هي تستدير لتنصرف.
صباح الأثنين ، اصطدما مرة أخرى في المطبخ عند الإفطار. و حدق بفستانها المرتب الجميل ، و بوجهها المزين بدقة ، و بشعرها الطويل الأشقر المضموم بضفيرتين إلى الخلف ، و على الرغم من ألوان ثوبها الزاهية ، إلا أنها كانت تبدو كمعلمة تماما. و بدا أن مظهرها قد أدهشه. هل يعتقد أنها غير محترمة تماما لأنها لم ترتدي ثيابا عادية للمدرسة؟ لو أنه سألها لكانت قالت له إنها تحتفظ بمظهرها كفنانة للأمسيات و العطلات.
و تناولا الطعام بصمت ، و نظر إلى طعامها العادي ، و نظرت بدورها إلى طبقه من البيض و اللحم. و لاحظ نظرتها فإبتسم و قال:
-هل ترغبين في شيء منه؟
و هزت رأسها بالنفي ، فأردف:
-إذا توقفي عن التحديق ككلب يجلس على رجليه ينظر بتوسل..
-بإمكاني أن أحضر نفس الطعام لو شئت. و لكنني أراعي رشاقتي.
- و من لا يفعل هذا؟
هذا الرجل يبدو واثقا بنفسه ، و لا يحتاج إلى أحد ، و خاصة إلى إمرأة. و لا يجب عليها أن تنجذب إليه. يجب أن تجبر نفسها على كراهية تصرفاته المسيطرة.. لا أن تنجذب لها...
و جمع أطباقه و وضعها في المغسلة و قال:
-لا تلمسيها آنسة هامر سأغسلها عندما أعود في المساء!
-لن ألمسها أبدا. فأنا لست خادمتك ، و لا مستأجرة في هذا المنزل ، فأنا أملكه... معك.
-أوافق معك.. لذا أتنمى بما أنك شريكة لي في.. هذا... المشروع ، أن تقومي بحصتك من الواجب و تبقيه مرتبا و نظيفا بطريقة متمدنة...
-و ماذا تظنني؟ أظنك تعتقد لأنني فنانة ، فأنا أكره النظافة و النظام ، و أتمرغ بالأوساخ و الفوضى.
-أنت قلتي آنسة هامر.. و ليس أنا.
-و لكن هذا ما عنيته بقولك.
-و أفترض أن عليك المشاركة بالعناية به أيضا ، للمحافظة عليه و إصلاحه عند الضرورة.
-و هل تعني.. ماليا؟
-و ما سواه؟
-و لكنني...
-و لكنك ماذا؟ لا بد أنك تتقاضين مرتبا؟ المعلمون هذه الأيام رواتبهم ليست سيئة. أليس كذلك؟
-الصغار لا يدفع لهم جيدا.
-و لكنك تعيشين هنا دون دفع إيجار. و لا مصاريف عندك سوى الطعام و الملابس ، و الأدوات الخاصة بنشاطك الفني؟
-أنا.. أنا أساعد والدتي.
-أتعنين أنك ترسلين لها المال؟
-أجل.. نصف مرتبي.
-فهمت.. أليس عندك والد.
-والدتي أرملة. والدي توفي منذ ثمان سنوات ، بعد سنة من ولادة شقيقي.
-إذا.. أنتم ثلاثة في العائلة؟
-لا.. بل خمسة ، فلدي شقيقتان واحدة في الحادية عشر و الأخرى في الثالثة عشر ، لذا لا مكان لي في البيت لأنه صغير. و عندما حصلت على وظيفة المدرسة هنا ، لم تأسف والدتي على رحيلي ، فقد أصبح المكان أوسع لمن بقي.
-و هل تعيش والدتك على مساعدتك فقط؟
-إنها تعمل دواما كاملا في مخزن حكومي ، و مع ذلك فالمال الذي تكسبه لا يكفيهم ثمن ملابس و طعام ، ناهيك عن إيجار المنزل. و هكذا فأنا مضطرة لمساعدتها. لا حاجة بك للقلق سأدفع ما يتوجب علي هنا. و لن أكون عبئا عليك ، و كشريكة ، يجب أن أدفع نصف الفواتير.
-يا فتاتي العزيزة ، من الواضح أن العبء المالي الذي يطوق عنقك لا يتركك في وضع تستطيعين الوفاء بهذا الوعد. من الآن و صاعدا ، و طالما كان ذلك ضروريا سأدفع الفواتير بنفسي. و لنكن صريحين ، ستكونين عبئا على رقبتي.
و صرخت به و هو يخرج من المطبخ:
-لن أكون عبئا عليك ، لن أكون أبدا طالما أنا حية.
و نظر إليها و هو يبتعد:
-لن أراهن على هذا أبدا.
في المدرسة ، و في غرفة الفنون ، أخبرت بليندا صديقها المدرس براد ، عن هبة السيدة دونيكان لها ، فأخذ يصفر ، و عندما قالت إنها تتشارك المنزل مع حفيد أخ السيدة دونيكان قال براد:
-لوحدك؟ أنتما فقط؟ أعتقد أنك تعرفين ماذا سيقول الناس؟
-ليقولوا ما يريدون.. سيكونون على خطأ تماما.
-و لكن الناس سيتوصلون إلى إستنتاجات خاصة مهما أنكرتي و سيكون أمرا واقعا أنك تعيشين معه.
-لو عرفت الرجل لعرفت كم سيكون مضحكا هذا الافتراض. إنه ليس إنساني حتى. إنه يكره الزواج أكثر من أي شخص آخر.
-و هل يكره النساء؟ و مع ذلك يسكن مع إمرأة في منزل واحد؟
-إنه منزلنا معا. سيضطر إلى العيش معي ستة أشهر على الأقل... لأن...
و توقفت عن الكلام ، فلا تستطيع أن تقول حتى لبراد الشرط الذي فرضته إيلين دونيكان ، و تابعت القول:
-لأنني بعد ذلك سوف أبحث عن مكان آخر أعيش فيه.
-و لكن لماذا يا بليندا؟ لا يمكنك طلب أكثر من هذا ، منزل قديم و جميل ، و فيه كل ما هو فاخر!و هو ممتاز لفنانة مثلك!
-لا فرق عندي! سوف أتركه.
و سمعا صوت أقدام في الممر تنبئ ببدء موعد التدريس ، فقالت له:
-أنت لم تزرني بعد؟ ليس لدي عمل هذا المساء. أتحب أن تزورني؟
-الليلة؟
-أجل.. تعال حوالي السابعة.. سيكون الساكن الآخر قد تعشى و إختفى في غرفة مكتبه.
و لكن عندما وصل براد ، لم يكن غارث قد تعشى ، حتى أنه لم يكن قد عاد إلى المنزل بعد. و على الرغم منها ، أخذت تفكر به ثم بدأت تقلق. و وبخت نفسها على إهتمامها به. ليس من شأنها ما يفعله غارث غاردنر في أوقات فراغه فلا بد أنه تعشى في المطعم ليوفر على نفسه عناء تحضير العشاء بنفسه.
و بدلا أن تستقبل براد في جناحها ، أخذت تجول معه في المنزل ليشاهده. و ضحك عندما قرأ الكتابات المتعددة فوق الأبواب ، و أعجب بالأثاث الأثري ، و بالآنية الصينية الرائعة ، و بالرسومات المعلقة على الجدران ، و أخذ يتفحصها آملا ، و هو يمزح ، أن يكتشف قطعة أصلية بينها لرسام مشهور.
-هل أنت مدركة أن بعض هذه الأشياء ثمينة جدا؟
-أنا شريكة في المكان فقط ، و لا أملكها ، و بالنسبة لي فهي لا تزال ملك للسيدة دونيكان ، و لكن حتى لو أن في نيتها أن نتشارك في هذه أيضا ، فلن يهمني الأمر. سأنتقل من هنا بعد بضعة أشهر. أتذكر هذا؟
-لا بد أنك مجنونة!
و دخلا المطبخ لتحضير القهوة و أخذ ينظر من حوله ، إلى كومة الأطباق في المغسلة:
-هل استخدمتها أنت أم شريكك؟
-لم أستخدمها أنا.
-ألن تكوني فتاة لطيفة و تغسليها؟
-لن أجلب لنفسي وجع الرأس؟ لقد قال أن أتركها ، و هكذا سأفعل.
و أنهت صنع القهوة ، و طلبت من براد أن يحملها إلى فوق ، و أطفأ سيجارته في منفضة على الطاولة و حمل الصينية عنها. و وقف عند باب المرسم.
-واو...!إنه فاخر!.
و وضع الصينة على الأرض ، إذ لم يكن هناك ما يضعها عليه. الطاولات كانت مغطاة بالفراشي و أدوات الرسم و أوراق الرسومات النصف منتهية. و بينما كانت بليندا تصب القهوة و هي جاثية أخذ برد يتجول و هو يشعل سيكارة أخرى ، قائلا:
-ألا تحبين أن يشاركك هذا المرسم فنان مناضل آخر ، صديق و زميل و أسمه براد سترونغ؟ ستفسدين نفسك لو عشتي في هذا الجو المترف طويلا.
-طالما لدي والدة و شقيق و شقيقتان يعيشون في ظروف صعبة ، لا أظن أنني سأفسد نفسي..
-إذا فلن ترغبي في مشاركتي هذا الدلال.
فابتسمت له و قالت:
-لا يمكن هذا يا براد.
-ألن يوافق الأخ الأكبر؟ هل هو متزمت ، مسقيم مثلك؟
-لا أعرف شيئا عن أخلاقه. كل ما أعرفه أنه يكره النساء ، و عنده "كره" خاص لي على الأخص.
-لا بد أنه رجل من حجر. فتاة جميلة في المنزل ، تملك الجاذبية حتى قمة رأسها ، و لا يستطيع أي رجل ، أن يقاومها ، و مع ذلك يتجاهلها؟
-إنك مخطئ ، فهو يعتبرني وباء ، إزعاج يجب أن يحتمله لفترة معينة.
-و إلى متى؟
-إلى أن أجد لنفسي مكان آخر.
عندما غادر براد ، حوالي العاشرة ، لم يكن غارث قد عاد بعد. أطباق فطوره كانت لا تزال حيث هي. من السخافة أن رجلا في مثل مركزه يجب أن يغسل أطباقه بنفسه. و بينما هي تغسل فناجين القهوة. قررت أن تغسل أطباقه ، و إلا ستبقى كل الليل كما هي. و أخذت تغسلها ، و عند إنتهاء آخر طبق سمعت صوت المفتاح يتحرك في قفل الباب. و أحست بشعور لص يضبط في مسرح الجريمة فوضعت الطبق من يدها و استدارت و وقفت و ظهرها إلى المغسلة و كأنها تخفي آثار الجريمة.
و بدا تعبا و هو يدخل المطبخ ، و تحركت عيناه منها نحو المغسلة. و حملته رجلاه نحوها و عندما وصل إلى مواجهتها قال:
-ماذا تفعلين هنا في هذا الوقت من الليل؟
-كنت... كنت أنظف فناجين القهوة.
-أطباق إفطاري.. لقد إعتقدت هذا... ألم أقل لك أن تتركيها؟ قلت لك سأنظفها بنفسي..
-الوقت متأخر سيد غاردنر. و فكرت أن أنظفها عنك. إعتقدت أنك ستكون تعبا...
-أنا تعب فعلا... لقد عملت إلى وقت متأخر. و لكنني أتأخر عادة في عملي و دائما أكون تعبا، و لكنني معتاد على هذا ، و معتاد أيضا على تنظيف أطباقي بنفسي حتى و لو بعد منتصف الليل.
-إعتقدت.. أنك ستكون مسرورا. فعلت هذا للمساعدة...
-في المستقبل ستساعديني في ترك أشيائي دون أن تمسيها آنسة هامر ، و بأن تسمحي لي بأن أدير حياتي كما أريد و بالبقاء بعيدا عن طريقي بالكامل. فأنا قادر على تدبير نفسي دون تدخل إمرأة أو مساعدتها و سأستمر هكذا.. هل فهمتي؟
-أجل فهمت جيدا أنك ناكر للجميل ، غير متمدن ، رجل لا يحتمل لا يعرف معنى كلمة "الأدب". و لا أعرف كيف أن عمتك كانت تفخر بك. و لا أعرف كيف أحبتك. أنت أكثر مخلوق كريه لا يطاق قابلته في حياتي. أفضل صفاتك أنك تكره المرأة ، لأن أية إمرأة قد تميل إليها ستكون حكيمة إذا استدارت عنك و هربت منك في الإتجاه المعاكس...

و وضعت يدها على خدها المحترق ، ثم على رأسها التألم ، ثم على فمها ، لأنها الطريقة الوحيدة لمنع تدفق الإهانات لهذا الرجل الذي يقف و يداه في جيوبه ، ينظر إليها بعينين تضيقان حتى كادتا أن تختفيا. و قال:
-أظن أنك يا آنسة هامر كنت تعملين. هل تدخنين و أنت ترسمين؟ و هل تدخنين و أنت تغسلين الأطباق؟
-أنا لا أدخن سيد غاردنر ، لقد كان عندي زائر.
-رجل بالطبع. شخص يدخن. مثل المدخنة كما أعتقد. لأن المنزل كله عابق برائحة الدخان.
-أجل إنه رجل. و هو يدخن ، و بما أنه ضيفي ، لا أستطيع عمل شيء بهذا الخصوص.. إنه زميل لي.
-فنان آخر؟ يدرس في نفس مدرستك؟ إذا كان جيدا مني أن أتأخر في الحضور إلى البيت؟ و كأنني كنت أعرف أنك تمتعين نفسك!
و أعطى الكلمة تركيزا ذا معنى جعلها تغضب.
-إذا كنت تفكر في إتجاه معين ، فأنت مخطئ.
-لا أعتقد إنني مخطئ في مثل هذا الوقت من الليل! أنا عادة أذهب إلى ما تأخذني أفكاري إليه. و هي تقودني إلى أماكن شقية و تعطيني أفكارا غريبة.
-على كل... ضميري مرتاح... فهذا بيتي كما هو بيتك. و إذا كنت تظن بي مثل هذه الظنون ، لماذا لا تكتب إلى عمتك الكبيرة و تخبرها كم أنا دون أخلاق ، و إنني أعطي المنزل سمعة سيئة ، و أنك ستطردني...
و وضع يداه على كتفيها:
-سأطردك.. خارج المطبخ.. أنت تعبة كثيرا ، و لا تعرفين ماذا تقولين ، و بالكاد قادرة على الوقوف على رجليك.
و حركها بالقوة نحو الباب ، و لكنها قاومته و حاولت تخليص نفسها... بينما كانت ذراعه تمسك خصرها تشتد عليه و عندما التفتت مستديرة وجدت نفسها تواجهه ، كان قريبا جدا منها حتى شعرت بأنفاسه على جبينها. و التقى الغضب في عينيها بالغضب في عينيه ، و أخذا يحدقان ببعضهما ، و بدا منصدما بقربهما من بعض بنفس قوة صدمتها.
و أجفلها الشعور بأنهما معا متلاصقين و خائفين ، و مع أنها جذبت نفسها من قبضته بيأس ، فقد أحست بشعور عميق يغمرها برغبة لأن تتلاقى معه في عناق يماثل ما جرى بينهما يوم سفر عمته.
و بينما هي تصعد السلم نحو غرفتها أطل من باب المطبخ و صاح:
-شكرا لك على تنظيف صحوني...
و لكن يبدو أن السيد غاردنر كان يفكر بطريقة مختلفة ، فهو يرفض أن يلقي بالا للإشارات المتكررة بأن بليندا لا ترغب في رفقته ، ففي مساء اليوم التالي بينما كانت مستغرقة في رسم منظر ريفي ، دخل عليها المرسم ، و لكنها لم تحييه ، بل شعرت بالتوتر و هو يقترب منها. عندما يقترب هذا الرجل تشعر بتجاوب مخيف و غير إرادي بداخلها ، و ما عليه سوى أن يدخل نفس الغرفة التي تتواجد فيها حتى يحدث لها هذا.
و وقف إلى جانبها يراقبها. و كان عليها أن تحارب التوتر الذي يسببه لها وجوده ، لأنها لا تستطيع أن تكون متوترة و أن ترسم في نفس الوقت.
و بعد برهة قال:
-أنت تغشين.
و نظرت إليه متسائلة. فأشار إلى صورة فوتوغرافية للمنظر الذي تقوم برسمه:
-أنت تقومين بنسخ هذا.
-إنه ليس غشا. لقد كان يعتبر هكذا في الماضي ، و لكن الآن يدعى التصوير الواقعي.
-كلمات جيدة.. و لكنه لا يزال غشا.
-إنه ليس غشا. و لماذا يكون غشا أن تنسخ صورة فوتوغرافية بدل أن تسافر إلى الريف و ترسم نفس المنظر؟ بطريقة ما سيظل الأمر "نسخا". في كلا الحالتين أنا أنقل المنظر كما أراه ، لا كما التقطته الصورة.
-و هل أنت فنانة تجارية؟
-بطريقة ما.. ربما.. و لكن ليس من سوء بهذا الأمر.
-إعتقدت أن الفن التجاري ينظر إليه الأصليون على أنه فن سيء.
-في الأيام القديمة ، كان على الفنان أن يكون له سيد ، شخص مستعد لدعمه ، و مثل هذا الشخص عادة ما يصر على أن يظهر في الرسم حتى و لو ضمن مجموعة من الناس. و مثل هؤلاء صعب إيجادهم في مثل هذه الأيام ، لذا فعلى الفنان أحيانا أن يرسم من أجل المال ، فعلينا أن نعيش ، و هكذا حلت الروح التجارية مكان الرعاية و الإحسان ، و أصبح الفن التجاري محترما.
-إنه تزويق جميل للكلام ، و لكنني فهمت ما تعنين.. و هل تحبين تعليم الفن للأطفال؟
-أحبه كثيرا.. تقول لطفل "ارسم". بعضهم يرسم و البعض لا يعرف كيف يبدأ ، فتقول له أرسم صديقك ، أو أمك. و هذا الأمر يدفعهم للعمل.
-حتى و لو كانت النتيجة رديئة؟
-لا يهم.. فعلى الأقل هي بداية.و لكنني أفضل تعليم الأكبر سنا. ففي الصف الخامس استطاعوا إما تحقيق مستوى فني أو الإنسحاب. و تستطيع تطوير نوع خاص من التفاهم معهم ، و التحدث إليهم على قدم المساواة ، فالمعلم و التلميذ قد يكونان على نفس المستوى من الذوق الفني.
-تجعلينني أبدو جاهلا. و يبدو عليك أنك أستاذة ماهرة.
و احمر و جهها و شكرته على تقديره غير المتوقع. فقال لها:
-لو طلبت منك ، هل بإمكانك أن تعلميني الرسم؟
و تطلعت نحوه لتلتقي بنظرته المتسائلة ، و قررت أن تتجنب ردا مباشرا:
-سيكون ذلك تحديا. معظم الناس ممكن تعليمهم. و هذا يعتمد على ما لديهم من خيال.
-ألا تعتقدين أن لدي خيال؟
-لقد بدأت أشك.
و ضحك عاليا ثم وقف خلف اللوحة التي كانت تعمل بها ، و نظر إلى وجهها ، ثم ترك عيناه تسرحان ببطء فيها ، و تحركت بإضطراب تتساءل عما سيقول:
-إذا أنا لا أملك الخيال... أستطيع أن أتخيلك دون صعوبة لا ترتدين...
-حسنا حسنا... لديك مخيلة. و هذا يعني إنني أستطيع تعليمك أن ترسم و تلون أيضا.. و لكن سعري مرتفع للدروس الخصوصية.
و تحرك ببطء ليقف إلى جانبها: -أنت تغرينني بأن ألزمك بتعليمي. و ربما بعد حصص الدرس أستطيع أن أعلمك شيئا بدوري.
و حركت رأسها حتى غطى شعرها وجهها المتورد ، و تابع:
-أتذكرين الوضع بيننا آنسة هامر؟ إنه وضع متفجر. و أنا أحذرك بأن لا تشعلي الفتيل ، فعندما يبدأ الإشتعال سيكون من الصعب ، إذا لم يكن من المستحيل ، إطفاءه. و لن يكون لديك من تلجأين إليه أو مكان تهربين إليه.
-لقد إعتقدت أنك تكره النساء سيد غاردنر...
-أكره النساء... أجل.. فالمرأة ليس لها مكان دائم في حياتي... و لكنني لا أنكر أنهن مفيدات أحيانا...
و ابتعد عنها و أخذ يتجول متفرجا على رسوماتها ، كل واحدة متطورة أكثر من غيرها ، و قال:
-نتائج أعمالك تذهلني. هل لديك نصير غني كما تسمينه.
-إنها السيدة دونيكان عندما كانت هنا ، لقد كانت دوما تدعمني. مع إنني كنت أعيد إليها ما تدفعه حتى آخر قرش. و الرد على سؤالك ، نعم ، حاليا...
-أوه و هل هو رجل أم إمرأة..
-إنه رجل.
-لا تقولي من هو.. سأصفه أنا.. إنه رجل رمادي الشعر ، يميل إلى السمنة. محفظته منتفخة ، و لديه زوجة غير متفاهمة معه. و لذا هو يدعمك...
و قالت بغضب ، و شعرها يتطاير و هي تدير رأسها بقوة:
-ماذا تظن بي بالضبط؟
-فنانة ، بأخلاق الفنانين. و لا تطلبي مني أن أصفهم ، فوصفي لهم قد يزعج إحساسك.
-أنت مخطئ بالنسبة لي سيد غاردنر.. مخطئ.. مخطئ!
-حسنا... لقد أوضحت وجهة نظرك... لقد إعتقدت للحظة أن الآنسة الحلوة بليندا هامر ، لديها نقطة ضعف مثلنا جميعا.
-و هل لديك نقطة ضعف سيد غاردنر؟... لا أعتقد أبدا!
-يوما ما آنسة هامر ، هذا الإنفجار بيننا سيحصل لا شك... و أنت من سيشعل عود الثقاب و ليس أنا... حسنا من هو هذا الثري الذي يساعدك ماليا؟
-عمتك لها صديقة زوجها يمتلك مطعما في المدينة ، و لقد شاهدت رسوماتي و أقنعت زوجها بأن أعرضها في مطعمه ، و أعتقدت أن رسوماتي ستبرز المطعم و تعطيه نكهة خاصة. و الرسومات معروضة للبيع ، و كل رسم معلق عليه سعره ، و بما أن المكان لا يرتاده سوى الأثرياء فإن البيع سائر على ما يرام.
-إنها طريقة ممتازة لدعم مدخولك.
-و لم لا؟
-و لم لا.. بالطبع.. و كيف تأخذين رسوماتك إلى المطعم.. تستأجرين تاكسي؟
-لا.. فلديهما ابن يتولى أمر المبيعات ، ضمن أشياء أخرى.
-آه.. إذا هناك رجل في المسألة.
-ليس بالطريقة التي تظنها.
-إنك تكررين القول بصورة دائمة حتى بدأت أصدق. ما أسم المطعم؟ ليس...
-إنه جيميز.
-آه.. نويل جيميز ، الأبن الذي يدير الأمور الإجتماعية ، العشاء و الإجتماعات الراقصة ، و ما إلى ذلك.
-و هو من يوفر لي النقل.
-و هل هو التالي على لائحة صداقاتك؟ أم أنه ، لماله ، هو رقم واحد و صديقك في المدرسة رقم أثنين؟
-ليس عندي أفضلية بالترتيب.
و ابتسمت و نظرت إليه ، لتجد بإندهاش أنه ينظر إليها بشيء من الغضب!
-صغيرة و شابة و بريئة ملعونة! أنت لست أفضل من بنات جنسك!
وجدت أن من غير المفيد إنكار اتهاماته ، لذا عادت إلى فرشاتها و رسمها ، و ليفكر كما يريد.
-بما أن علاقتنا علاقة غريبة ، و بما أن عمتك تظن أننا نتحرك و لو ببطء نحو حالة الزواج.. فهل لي أن أسألك كما سألتني عن وضع حياتك العاطفية؟
-أجل... يمكنك هذا... أنت تعلمين أنني عدت حديثا من الأرجنتين... كان هناك إمرأة ، جميلة و ذكية و صديقة مقربة لي. و عندما غادرت كانت مستاءة جدا، إذ كان علي أن أتركها ، و هذا ما أغضبها.
يدها التي كانت ترسم الغيوم في سماء اللوحة أرتعشت و أعطت الغيوم لونا أغمق مما كانت تنوي ، ثم توقفت و أرجعت الفرشاة بطء إلى الطاولة ، و أخذت تنظف يدها بقطعة قماش مغموسة بالمنظف.
-إذا.. أنت لست في الحقيقة من كارهي النساء الذي تتظاهر بأن تكون؟
-لقد قلت لك إن النساء ليس لهن مكان دائم في حياتي.
-إذا لقد كانت..
-هذا ليس من شأنك آنسة هامر.
-آسفة. لم يكن لدي حق لأسألك. أتمنى لو أن عمتك لم تمنحني نصف هذا المنزل ، و أتمنى لو أنها لم تضع هذا الشرط المستحيل... و أتمنى .. أن أغيب عن الوعي لستة أشهر و أستيقظ لأجد القصة كلها منتهية!
-حسنا لو قررتي أن تمضي الستة أشهر بسبات و نوم ، فسيكون لديك خيار جيد مع من تمضينه ، أليس كذلك؟ من يا ترى من بين صديقيك هو المحظوظ؟ أهو الفنان الفقير أم الثري؟ و لمعرفتي بالنساء ، أراهن على الأخير بكل مالي. فلديه الكثير ليقدمه لك.
و مر أسبوعان من أًصل الستة أشهر ، و كان أواخر آذار ، و الربيع مقبل بكل ما يحمله في الجو ، و الحياة البرية و البراعم المتفتحة ، و في عقول و قلوب بني البشر. و أمضت بليندا ساعات و هي تقف عند نافذة مرسمها ترسم الحدائق التي تحيط بالمنزل ، و رسمت العاملان في الحدائق و هما يعملان بنشاط و كأنهما يتسابقان مع الموسم ، و رسمت السيدة هوغند ، العاملة بالتنظيف. و رسمت مرة رسما جميلا لغارث ، يداه في جيوبه ، و هو يتحدث إلى أحد عمال الحديقة.
و نزل غارث في صباح أحد الأيام إلى المطبخ لتناول الإفطار و في يده حقيبة. و نظرت إليها بليندا بدهشة ، تحولت دون تفسير إلى خيبة ، ثم إلى إنزعاج. فقد كان مسافرا... و لكن إلى أين؟ إلى الخارج ثانية؟ و كم من الوقت؟.
-سأسافر لبضعة أيام.
بضعة أيام... قلبها الذي غاص بين ضلوعها عاد إلى الطواف ثانية و هو يخرج الفقاعات مثل زجاجة فارغة رميت إلى البحر ، و في هذه الزجاجة رسالة ، رسالة هامة ، و لكن لأنها كتبت بالرموز لم تستطع حل رموزها.
-مسافر إلى لندن... مؤتمر في المركز الرئيسي.
-لقد قالت لي السيدة دونيكان أنك تعمل لدى مؤسسة أميركية.
-أجل..
-و مكتبها في لندن؟
-هذا سؤال جيد... لم يكن يجب أن أقول المركز الرئيسي فقط بل المركز الرئيسي لإنكلترا. مكتب أميركا في نيويورك.
-لقد قالت السيدة دونيكان إنك ستنشئ مصنعا جديدا هنا.
-أجل.. في الواقع فرع جديد للشركة. و أنا رئيس هذا الفرع هنا. سنتخصص في صنع الترانزستورات للكوابل البحرية. يبدو عليك التأثر...
-فعلا... أنا متأثرة جدا.
-ألا تعتقدين أنني أملك الموهبة؟
-لم أقل هذا.. فأنت... بارع و ذكي.
-و ما هي المقدمات التي أوصلتك إلى هذا الإستنتاج؟
-حسنا... يبدو... عليك الذكاء.
و ضحك عالي ، و قال:
-لا أعلم هل أعتبر هذا إطراء أم إهانة.
-إنها الحقيقة... و لم أعني بها إهانة.
و أنهيا طعامهما بصمت ، و غسل أطباقه ، و عندما ذهب وقفت إلى المغسلة تغسل أطباقها. كانت تحب أن تودعه ، و لكنها لم تعرف كيف ، و لم تكن تعرف حتى إذا كان يريدها أن تفعل. و ساد صمت قصير ، و ظنت أنه ذهب ، و استدارت لتجده واقفا ينظر إليها من الردهة. و قال:
-إلى اللقاء بليندا.
فابتسمت ، و قلبها يتراقص. بكلمة واحدة حطم حاجزا ما بينهما ، و أجابته:
-إلى اللقاء يا غارث.
و إبتسم لها.
و أقفل الباب وراءه ، و تمنت لو أنها سألته متى سيعود.


***********************



* فوفو * غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس