عرض مشاركة واحدة
قديم 03-03-11, 11:07 PM   #9

* فوفو *

نجم روايتي


? العضوٌ??? » 6485
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 93,121
?  نُقآطِيْ » * فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute* فوفو * has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثالث
على حافة الجحيم

عادت بليندا من مدرستها إلى بيت مهجور. شعرت بالفراغ و كأنما هو نوع من المشاعر و ليس واقعا. و علقت معطفها في الردهة ثم تطلعت نحو السلالم و الأبواب المغلقة ، تستمع إلى الصمت. لو أنها تستطيع رسم الفراغ. فكيف سيبدو؟ صفحة بيضاء؟ و لكن لا يوجد شيء إسمه فراغ...
من حولها كان هناك أشياء تذكرها بالحياة و بالحركة ، و بالسيدة دونيكان التي كانت تعيش هنا كانت تملأ المكان. تذكرها بنفسها و هي تطير إلى مرسمها عندما تطلب منها السيدة دونيكان أن ترى رسوماتها...
الفراغ...؟ و أخذت ترتعد. كيف للمكان أن يكون فارغا في وقت يتواجد غارث فيه في كل مكان من حولها. وقع أقدامه على السلم ، وجوده في المطبخ معها ، وقع صوته و هو يتكلم في المرسم؟ هل أصبحت متعودة على هذا الرجل حتى أنها "تفتقده" بالفعل؟...
لم تكن تشعر بالجوع... فصعدت إلى مرسمها لترسم... ربما بالفرشاة و الألوان تستطيع الخروج من هذه الكآبة التي أثقلت ساقيها ، و أطاحت بشهيتها.
و مرت بغرفة نوم غارث ، و نظرت عبر الباب النصف مفتوح. الغرفة تتخبط في الفوضى ، و السرير غير مرتب. كم ستبقى على هذا الوضع؟ حتى السيدة هوغند لا تستطيع التعاطي مع غرفة بهذه الفوضى. و هكذا ، و هي تشعر مثل مجرم مبتدئ ، يرتعد من توقع أن يلقى القبض عليه ، يتطلع حوله يفتش عن طريق للهرب عندما تدعوه الحاجة للنجاة بحياته ، و دخلت الغرفة!
علاقة ثياب ملقاة على الأرض ، مدت يدها لتلتقطها و كأن لها أسنان على وشك أن تعضها. و التقطت بنطلونا ملقى على السرير ، و طوته و وضعته على رف ، ثم القت فوقه سترة. و نظرت إلى الخزانة. هل ستجرؤ على فتحها؟ و بما أنها قد بدأت فيما تعمله ، لم يكن امامها بديل آخر.
و وضعت البذلة بين باقي الثياب ، و الحذاء بين الأحذية الأخرى. و علقت ربطات العنق في مكانها المخصص. الفراش... هل تمتلك الشجاعة الكافية لترتيبه؟ و هل ستتحمل النتائج مهما كانت؟ هذا السرير لا يمكن أن يبقى دون ترتيب ، إلى وقت لا تعلم مدته ، ربما أسبوع أو عشرة ايام؟ بيجامته زرقاء اللون ، و طوت بنطلون البيجاما و فتشت عن السترة ، يبدو أنه لا يرتدي السترة عند النوم...
عندما أنهت ترتيب السرير ، نظرت من حولها ، و شعرت و كأنه في الغرفة ، يراقبها عبر مرآة طاولة الزينة ، أو مرآة الخزانة ، أو من المرآة الطويلة المثبتة إلى الحائط. كان و كأنه في كل مكان من حولها ، و استدارت لتركض هاربة من الغرفة... من قوته... من الشعور به.. من سيطرة وجوده... و بينما هي تنظر إلى سريره لبضع لحظات ، لم تستطع أن تنكر بأنها تتوق إلى عودته...
و مرت ثلاثة أيام ، و لم يعد بعد ، و لم يتصل ، و لم يرسل جوابا ، و لا حتى بطاقة ، و لكن لماذا يتصل بها؟ إنها إنما تشاركه المنزل فقط بسبب نزوة من عمته الثرية...
مساء يوم الجمعة أنهى أطول أسبوع أحست به بليندا ، و جاء براد إلى المنزل لزيارتها. و جلس في المرسم يراقبها و هي تعد الرسمات التي سترسلها إلى العرض في المطعم... كان يجلس إلى طاولة و يداه تمسكان بأطرافها يرقب السماء و الغروب و الشمس تتحول من برتقالية إلى حمراء داكنة.. و قالت بليندا آمرة:
-أبقى كما أنت... لا تتحرك.. سأرسمك.
و ابتسم ، و لم يتحرك ، و قال:
-فنان يرسم فنانا.. سأرسمك يوما ما ، و أنتقم لنفسي. و لكن للأسف الطريقة التي أحب أن أرسمك بها ، لن تسمحي لي بها.
-أحضر لنفسك موديلا محترفا ، فأنا فنانة مألوفة لك ، و لن أنفعك..
و وضعت اللمسات الأخيرة على رسمتها ، و قال براد:
-إنني أرسم الموديلات طوال الوقت. و أرغب أن أرسمك. و لن أخبر أحدا أعدك بهذا. و سأضع الرسم فوق سريري و أحدق به عندما أستلقي عليه.
و سمعا صوتا عند الباب ، صوت سعال خفيف ، و أوقعت بليندا القلم من يدها. إنه غارث... و احمر وجهها لدرجة الإحتراق ، و امتد هذا إلى كل جسدها. كم من السخف أن تشعر بالذنب هكذا ، و هما جالسان فقط لا يفعلان شيئا.! و لكن كم سمع غارث مما كانا يقولانه؟
يبدو أنه الكثير.. فعيناه بدتا باردتان ، و قال براد:
-مساء الخير!
و وضعت بليندا الرسم من يدها و سارعت لتقدمهما لبعض. و تركهما و خرج.
و قال براد:
-يا إلهي قد يعتقد أي إنسان أنك زوجته و قد ضبطنا في وضع مشبوه!.. في المرة القادمة عندما يكون حارس طهارتك مسافرا لا تدعيني لزيارتك يوم رجوعه.
و التقط معطفه و خرج... و لحقت به إلى السلم:
-براد، الأمر ليس كما تصورت. أنت تتخيل الأشياء!
-قد أكون فنانا ، و لكنني أبقي مخيلتي تحت السيطرة التامة ، و ما أشاهده بعيني لا أستطيع الشك فيه. هذا الرجل يعتقد أنه يمتلكك!
لم يهمها كم سمع غارث ، فليس من حقه أن يدخل إلى مرسمها دون دعوة منها ، و لا أن ينظر إليها و إلى ضيفها و كأنهما في أحضان بعضهما. و ما شأنه بكل هذا؟
-براد إنه يكره النساء لقد قلت لك هذا...
و لكن براد دخل سيارته و ابتعد... و جاءها نداء من الطابق العلوي:
-آنسة هامر!...
-نعم سيد غاردنر؟
-لقد دخل أحدهم غرفتي؟
-أجل سيد غاردنر... لا سيد غاردنر. لقد رتبتها و رتبت الفراش و..
-أنا لا أذكر أنني اعطيتك الإذن لترتبي الفراش.
-لا... لم تفعل سيد غاردنر ، و لكنني لم أتحمل المرور أمام غرفتك و رؤية الفوضى فيها لمدة أسبوع أو أكثر...
-كان بإمكانك إدارة رأسك ، أو إقفال الباب.
-في المرة القادمة سأفعل.. في المرة القادمة لن أهتم أبدا لو رجعت تعبا أو جائعا من رحلتك لتجد الفوضى بإنتظارك.. في المرة القادمة ، لو تعلمني متى ستعود ، لن أكون حتى في المنزل!
-و أين ستكونين؟ في منزل صديقك ، و الأوضاع معكوسة؟ و هل سيكون هو من يرسمك ، كما يتوق لأن يفعل؟
-هذا أمر يخصني لوحدي ، و ليس لديك الحق لتستمع لمحادثتنا.
كان عليها أن تكون غاضبة ، و إلا لانفجرت بالبكاء. لقد تطلعت بشوق لعودته ، و مع ذلك فهاهما يتشاجران ثانية ما أن وطأت قدماه المنزل ، و صرخت به:
-ماذا ذهاك! ماذا ذهانا؟ ألا نستطيع أن نلتقي ، و لو بعد أسبوع ، و نكون مرحين مع بعض؟ حسنا.. أنت لا تحب النساء. أنسى إنني إمرأة. تخيل بأنني من الجنس المختلط. بأنني غير موجودة ، أي شيء تحبه ، و لكن لا تستمر بالصياح في وجهي ، و إتهامي ، و كأنك تصفعني...
و ركضت نازلة الدرج نحو المطبخ. و تبعها ، و لكنها وقفت عند المغسلة تنتحب ، و تقدم نحوها و وضع يداه على كتفيها:
-بليندا؟
و جففت دموعها فتابع:
-أن تطلبي من رجل أن ينسى بأنك إمرأة ، أمر مستحيل.
-إذن من الأفضل أن أرحل.. أليس كذلك؟ بما أن من الواضح أنك لا تتحمل وجودي في المنزل؟
و أخذ يتجول في المطبخ:
-إذا رحلتي.. فأين ستذهبين؟
و أجابت:
-سأجد لنفسي مكانا.. غرفة... سرير في غرفة...
-و تتخلين عن كل هذا؟... أليس من الأفضل أن أرحل أنا..؟
-و لكن.. و لكن سيكون هذا خطأ. خطأ بالكامل. إنه في الواقع منزلك ، و ليس منزلي ، أجل.. إنه منزلك. لقد أشركتني عمتك به بدافع الرعاية... لا أستطيع العيش هنا بمفردي... لقد اكتشفت ذلك هذا الأسبوع.
-هل شعرتي بالوحدة؟ أتحبين رفقتي؟
و أرادت أن تعترف ، و لكن سيكون هذا نهاية كل شيء ، لن تسطيع أن تبقى هنا لو اعترفت. و تابع كلامه و هو يغادر المطبخ:
-يجب أن نفكر بشيء نفعله حول هذا الأمر...
اليوم التالي كان يوم السبت ، و بعد الظهر أتى نويل جيميز ، ليأخذ اللوحات. و دعته بليندا للدخول ، و لم يكن قد دخل المنزل من قبل. و عندما رأى الكتابات فوق الأبواب ضحك و أخذ يقرأ إحداها:
-الكلب صديق... مخلص و صادق... و هو أفضل من إمرأة مستغلة.
و وضع ذراعه حول خصر بليندا و جذبها نحوه قائلا:
-و هذه المرأة تستغلني. فأنا أقدم لها فرصة ، دون مقابل ، لتبيع لوحاتها لزبائن أثرياء ، و ماذا تعطيني في المقابل؟ حب مصلحة؟
و بينما هما في هذا الوضع ، نزل غارث السلم. و تبادل نويل معه إنحناء التحية ، و تجاوزهما غارث و دخل غرفة جلوسه ، و سألها نويل:
-أين هو مرسمك؟ فوق أم تحت؟.. تعالي يا حلوتي و أريني أين هو.. و سأفعل ما تبقى...
كانت الرسومات موضوعة في كومة فوق بعضها ، و بينما أخذ نويل يقلبها معجبا بكل واحدة منها ، تركته بليندا لتحضر الشاي في المطبخ ، و دخل عليها غارث و توقف مستديرا ليعود أدراجه ، و لكنه غير رأيه ، و قالت له بليندا:
-يوجد فنجان شاي إضافي.. هل تحب أن تأخذه؟
-لا ، شكرا ، أفضل أن أصنع واحدا لنفسي.
-و لكن لماذا؟
و تجاهل كلامها و حضر لنفسه صينية ، قفالت بمرارة:
-أنا آسفة لأن أصدقائي لا يعجبونك ، و لكن العقد لا ينص على أن تصنف زواري و أن لا تمنحهم فرصة الدخول إلى هذا المنزل القديم الفخم.
و لم يتحرك لسخريتها ، و غرق أكثر بالصمت فقالت صارخة:
-من تظن نفسك لتعامل كل من أدعوه بمثل هذا الإزدراء؟ أنتظر حتى تأتي بشخص ما إلى هنا.. سوف أعامله أو أعاملها ، و كأنها النفاية التي تنتظر أن يلتقطها عامل التنظيفات!
و أخيرا استطاعت أن تغضبه ، و لكنها جفلت من الغضب الذي أثارته. و استدار ليواجهها:
-أنظري يا فتاة... لا أهتم أبدا كم من الرجال تدعينهم إلى المنزل. فعمتي لم تعينني حارسا لك. أنت كبيرة كفاية لتعرفي ماذا تفعلين.. و إذا كانت طريقتك بالحياة العبث مع رجل بعد الآخر ، إذا تابعي طريقتك... و من أنا لأمنعك من التمتع؟ و لكن لا تهاجميني مثل كلبة متوحشة صغيرة ، و كأنما تسببت لك بإصابة ، أخرجيني من ذهنك ، فأنا لا أهتم بك ، و لا أهتم بالتطفل عليك. اعتبريني شخص حيادي، و غير مهتم ، و غير مبال بك إطلاقا.
و أرتجفت شفتاها ، و احمرت عيناها و صاحت بصوت جاف:
-أنا لست هكذا ، أنا لا أعبث مع الرجال. و أعتقد أن عليك أن تعتذر. يجب أن تعرف أنني لست هذا النوع من الفتيات.
-كل الدلائل التي شاهدتها حتى الآن تشير دون شك إلى العكس. أما بالنسبة للإعتذار... لن أعتذر و لو على حياتي! فأنت من بدأ الصدام!
و خرج من المطبخ...
كانت اللوحات ، تباع في مطعم جيميز بأسعار أعلى مما كانت ستحصل عليه لو عرضتها عبر قنوات عادية. نويل لم يكن يسمح لها بتعليق الكثير منها في غرفة واحدة. علقا أربعة في قاعة المطعم الكبيرة. و ثلاثة عند المدخل الواسع ، و أربعة أخرى على حائط مدخل غرفة المؤتمرات.
بعد الإنتهاء قال نويل:
-لقد قمت بواجبي و وزعت عمل صديقتي و سأجلس الآن و أمتع نفسي بإنتظار أول زبون يدفع المال لإحدى قطعها الفنية...
و تأبطت بليندا ذراعه و قالت:
-و الرسامة المحظوظة تحصل على شيك ضخم.
و رد عليها:
-أما أنا ، رجل الأعمال القنوع ، فأحصل على مبلغ عمولة أقل.
-تسطيع قبض عمولتك طالما تبيع لي اللوحات.
-و لكنني أرد الأرباح إلى العمل يا حلوتي ، هكذا يصر والدي... و لكنني أفعل هذا و أنا مسرور. سأدعوك إلى العشاء ، و لكن أمامنا ساعة قبل الموعد ماذا سنفعل؟
-سنجلس في غرفة الاستقبال بالطبع.
و أحست و هي تقول هذا بعدم الإرتياح ، فلماذا يظن الجميع أن الفنانات لا أخلاق لهن؟
-و أضيع ساعة مع فتاة جميلة في غرفة الاستقبال؟ ماذا تظنين بي؟ إضافة إلى أنني أريد أن أخطبك!
-لا تكن سخيفا يا نويل... و لا تتحدث بخفة عن مسألة جدية كهذه.
-و من يتحدث بخفة؟ تعالي معي لنسير في الحديقة ، نحن في شهر نيسان و قد حل الربيع. و أنت تعرفين ما يقال عن الربيع و عن الشبان. و أنا أرجو أن يكون للربيع نفس التأثير على الشابات أيضا!
الحدائق حول المطعم كانت مليئة بالزهور ، و الأشجار بدأت تطرح البراعم ، و شمس المساء كانت دافئة ، و قال لها نويل:
-تعالي إلى الخلف ، المكان أهدأ هناك.
و وجدت تلة خضراء تمتد صعودا من المطعم ، و تسلقاها معا.
و أخذ نويل يدها و قال:
-كنت أعني ما أقول.. يا حبيبتي!
-أنت لا تحبني يا نويل!
-لا أحبك؟ أحب النظر إليك ، أحب عينيك الحالمتين. أحب ابتسامتك ، شعرك ، و... و كل ما فيك... ماذا تريدين أكثر؟ أستطيع توفير الأمان لك ، و مستقبل مؤمن ، و كل المال الذي تريدينه ، و مرسم يتغلب على كل الفنانين. هذا بالإضافة إلى معارض خاصة بك.
و ابتسمت له:
-آسفة يا نويل... أنا لا أهتم بالزواج.
الزواج! الكلمة أعادت إلى ذهنها وجهه البارد و الوسيم ، كلما نظر إليها أوصل ساقيها إلى حالة شاذة من الضعف ، و حجم ذاتها إلى حجم طابع بريد. و جذبت يدها من يد نويل... و قالت:
-على كل الأحوال.. لا تعرف شيئا عني ، عن حياتي ، عن خلفيتي... و قطب جبينه و قال:
-و ما نوع خلفيتك؟
-الفقر... والدة أرملة مكافحة لتربي شقيقي و شقيقتي...
-هل هذا كل شيء؟ تزوجيني و سأسكب المال في حضنها إلى أن تعتقد أنني مجنون!
-آسفة يا نويل.. إنه لطف منك ، و لكنني لا أستأهل... سأكون صفقة خاسرة لك.
-أعتقد أنني أنا الحكم في هذا. فلدي الخبرة الكافية.
و حاول إقناعها ثانية و هما يتناولان العشاء. و انهمك السقاة بإرضاء ابن صاحب المطعم ، و الفتاة التي يعيرها كل هذا الإهتمام المحبب. و تمتعت بليندا بوجبتها ، و هي تعلم أنها بعد رفضها عرض نويل ، سيمر عليها زمن طويل لن تتمتع به بمثل هذه الضيافة.
و لكنها قللت من أهمية إصرار نويل ، إذ قال لها:
-إنها المحاولة الأولى. و عروض الزواج مني ستتبع في اوقات متلاحقة!
و أجابته بإبتسامة عنت بها تلطيف كلماتها:
-ستضيع وقتك سدى...
و قررت بقدوم نهاية الفصل الدراسي أن تقيم حفلة في منزلها. و وعدها براد أن يحضر للحفلة عددا كبيرا من الفنانين من كلا الجنسين ، و عندما دعت نويل وعد بإحضار عدد من الضيوف أيضا. و حذرتهما قائلة:
-إنها حفلة يحضر كل ضيف فيها طعامه ، فلست طباخة ماهرة ، و ليس لدي الوقت الكافي لتحضير الطعام.
بعد المدرسة ، و قبل أن يحضر غارث إلى المنزل. أخذت بليندا ترتب المكان بسرعة و تعيد ترتيب المقاعد ، و تبعد الآنية الصينية الفاخرة. فمع أنها تنوي كبح جماح فضولهم ، إلا أن الفنان عندما يرى شيئا جميلا ، لا تستطيع ضمان أن لا يتناوله متفحصا.
و فتح الباب ، و دخل غارث ، و ذهبت بليندا لتستقبله ، مترددة بخجل فقد كانا لم يتبادلا الحديث منذ أكثر من أسبوعين.
-غارث؟ سأقيم حفلة هذه الليلة... هل... هل تحب أن تنضم إلينا؟ سأرحب بقدومك كثيرا.
-شكرا لك.. لا أستطيع.. فأنا حيوان غير إجتماعي ، و أنا لا أختلط مع أقراني بسبب متطلبات العمل.
و شعرت بخيبة الأمل ، و لكن ماذا كانت تتوقع؟ قبول مرحب ، و كأنما هو واحد من ضمن حلقة أقرانها؟ من المؤكد أنه سيختلط مع أقرانها كما يختلط الأسد مع قطيع من الغزلان!
-هذا يعني أنك ناسك؟
-لن أذهب بعيدا إلى هكذا إدعاء ، لنقل إنني متعصب حول الناس الذين أختار لأن أكون إجتماعيا معهم.
-و أصدقائي ليسوا من الصنف الجيد بالنسبة لك؟
-أصدقائك ليسوا أصدقائي. و أصدقائي ليسوا أصدقائك. لنترك الأمر هكذا.
-كيف استطاعت عمتك أن تظن أننا سنستطيع العيش ما تبقى من حياتنا معا في سلام!
-من المستحيل حدوث هذا.. أليس كذلك؟ لقد وصفتيني بأنني اكثر شخص بغيض قابلته في حياتك.
و عضت على شفتها... و ناقشته ثانية.. دائما تجادل:
-و لماذا يجب أن تكون دائما مزعجا؟
و لكنه لم يرد ، و نظر إليها لثواني ، ثم استدار و ابتعد.
في البداية حضر إثنا عشر شخصا ، و بتقدم الأمسية وصل عدد أكبر ، و أحضر الجميع طعاما ، و أحضر بعضهم أطباقا و أكوابا من الممكن التخلص منها. و فتحت بليندا ، و فتاة أخرى ، علب السندويشات ، و الحلوى ، و البسكويت و وضعتاها في الأطباق.
و امتلأت غرفة طعام بليندا بالرجال و النساء بعضهم يجلس على المقاعد القليلة و البعض الآخر على الأرض أو يتكأون على الجدران ، و أحضر أحدهم مسجلة أدارها و جذب نويل بليندا من مكانها على الأرض و بدأ الرقص معها ، و لم تمض ثوان حتى انضم الأخرون لهما ، و توقفوا عن الرقص ليتناولوا الطعام و استمرت الموسيقى تصدح بصوت مرتفع ، و أرتفعت أصوات الضحك و الحديث لتتغلب على صوت الموسيقى.
و غادر أول ضيف الحفلة عند الواحدة بعد منتصف الليل. و لم يخرج آخر ضيف قبل الثانية. و عرض نويل على بليندا أن يساعدها في تنظيف المكان ، و لكنها عرفت أن ذلك حجة ليبقى معها على انفراد ، و في الردهة أخذها بين ذراعيه و قال:
-لقد قلت هذا من قبل.. و أقوله مجددا... هل تتزوجيني؟
-لا يا نويل.. لقد قلت لك...
و لكنه أسكتها بضمها إليه بقوة ، و سمعت صوت حركة في أعلى السلم ، فجذبت نفسها مبتعدة عن ذراعي نويل. و استدارت مذعورة ، و حدقت إلى أعلى السلم ، و لم ترى سوى ظل ، إختفى فورا...
هل سمعها غارث؟ هل شاهدهما؟ و دفعت نويل إلى الباب.
-لدي مدرسة غدا.. و لن أستطيع التدريس إذا تأخرت ، أرجوك إذهب. لقد تمتعت بوقتي.. شكرا لك.
و حاول جذبها ثانية ، و لكنها لم تستجب. و عندما ذهب ، جلست على الدرج و هي تعبة.. هل تنظف المكان الآن؟ غرفة الطعام لا تهم ، و لكن المطبخ... لو أن غارث يراه كما هو الآن...
و على الرغم من الأطباق الورقية و الأكواب البلاستيكية ، فإن العديد من الصحون و الأكواب الزجاجية جرى إستخدامها. و لن تسمح لنفسها بأن تترك حتى سكينا واحدة دون تنظيف.
ظهيرة اليوم التالي شعرت بالإرهاق ، و بألم حاد في رأسها و ضعف في ساقيها. و عزت ذلك لعدم نومها كفاية في الليلة السابقة. و عرض عليها براد أن يتولى آخر صف لها ذلك اليوم. فقبلت العرض و عادت إلى المنزل. و لكن بدل أن ترتاح بدأت بتنظيف غرفة الطعام.
و قبل أن يعود غارث ، صعدت إلى مرسمها و هي تشعر بإزدياد الألم في رأسها ، و كل ما تحتاجه الآن هو الدفء. و سمعته يصل ثم يدخل غرفة نومه. و تسللت بدورها إلى غرفة نومها ، و خلعت ثيابها و دخلت الحمام لتغتسل. و أراحها الحمام قليلا ، و لكنه لم ينعشها تماما. ثم عادت إلى غرفة النوم و أرتدت ثياب نومها ، و تذكرت بأنها نسيت زجاجة الماء الساخن لتضعها في الفراش.
و هبطت نحو المطبخ لتحضر الزجاجة ، فوجدته جالسا إلى الطاولة ، و قد وضع جريدة المساء أمامه ، يتناول طعامه. و وقف عندما رآها قائلا:
-لقد إعتقدت أنك تناولت وجبتك ، و إلا لتركت المطبخ لك.
-أرجوك إبقى حيث أنت.. أنا... لست جائعة.
-و هل تعشيتي في الخارج؟ ربما في مطعم جيميز؟
-لا.. أنا ذاهبة إلى الفراش.. فأنا تعبة.
-تبدين بالفعل شاحبة ، مع إحترامي لك ، التأخر في السهر لا يناسبك... فهو يوتر النساء، ناهيك عن إفساد الجمال...
-لست أهتم.. لست جميلة زيادة لأفسد جمالي...
-أنت تعلمين أن هذا ليس صحيحا.
و ساد صمت هنيهة ، و بعد أن ملأت زجاجة الماء الساخن قالت متحدية:
-و ماذا تعرف أنت عن مشاعر النساء؟
-أكثر ما تتخيلين.. فأنا لم أعش حياة رهبانية.
-ما تعنيه أنك استخدمتهن لحاجاتك الأنانية. ثم رميتهن.
-نحن نتكلم باشياء خطرة. و بلباسك هذا تبدين عرضة للتهجم. كل فلسفة تحرر النساء في العالم ، و التي تعرضينها علي الآن ، لن تحميك لو قررت أن أرمي كل تحفظ جانبا ، و أستخدم قوتي لأحطم كل حواجزك. ثم أنفذ ما قلتيه : أستخدمك لحاجاتي الأنانية ، ثم بعد ذلك أرميك...
و أمسكت بزجاجة الماء الساخن المطاطية و لفت يديها حولها ثم ركضت خارج المطبخ. و في الفراش حاولت أن تنام ، و لكن ألم الرأس كان يضربها و كأنه المطرقة على الجدار. و على الرغم من حرارة كيس الماء فقد إرتجفت.
و بعد برهة ، تسلل صوت إلى حلمها. و تبين لها بعد أن استفاقت تماما أنه صوت موسيقى تصخب عاليا حتى كادت تهز المنزل ، منبعثة من غرفة جلوس غارث ، و لا بد أن الباب مفتوح.
كان يعلم أنها نائمة. و يعلم أنها تعبة من الليلة الماضية.. إذا لماذا يفعل هذا؟.. للإنتقام؟.. طريقة دنيئة للإنتقام من الصوت الذي صدر عن حفلة أمس؟
كان وجهها يحترق ، و هي تقف شعرت أن ساقيها ضعيفتان ، و صرخت من أمام الباب بكل عزمها:
-أرجوك يا غارث.. أخفض الصوت!
لم يكن بإمكانه أن يسمعها ، فصوت الموسيقى مرتفع. و يجب عليها أن تنزل ، إذا استطاعت قدماها أن تحملاها. و عاد الألم إلى رأسها ، و أخذت تستند إلى درابزين السلم خطوة خطوة و يدا فوق يد و قدما فوق قدم.
و لم يرد عليها أحد عندما قرعت الباب. و أدارت المقبض و خطت إلى الداخل. لم يكن هناك. لقد أدار الصوت إلى أقصى إرتفاعه و غادر الغرفة. و بينما هي تنسحب من الغرفة ، سمعت حركة عبر الردهة و كان واقفا عند باب المطبخ ينظر إليها بسخرية... و قال:
-لقد عرفت الآن مدى الإزعاج. لقد عرفت كم هو مستحيل النوم في ظل أصوات تصخب و ترتفع.
و أمسكت بليندا بالباب لتتكأ عليه ، و نبضات قلبها تصخب ، و شفتيها جافتان ، و توسلت إليه قائلة:
-أرجوك يا غارث.. أرجوك أطفئ الصوت!
و بقي واقفا.. واقفا فقط.. في مواجهتها ، و ذراعاه متشابكتان و ظهره على حافة الباب. و استمر الصوت يصخب من خلفها و جسدها يرتجف ، و رأسها يتحرك من جانب إلى جانب صارخة:
-أرجوك.. أرجوك يا غارث.. أنا آسفة عن الليلة الماضية.. لن يحدث هذا ثانية ، أعدك!
-لا أصدقك!
سخريته ، أخلاقه التي لا ترحم.. قلة شفقته جعلت رأسها يسقط على صدرها و جسدها يرتخي.. و أخذت عيناها تتوسلان إليه و كأنها تقول:
"أعطني بعضا من قواك ، احملني ، أمسك بي..." و سحبت نظرها عنه.. ماذا تحاول أن تظهر؟ حاجتها إليه؟ حاجتها لحبه؟ و احتبس نفسها في حلقها. بطريقة ما يجب عليها الابتعاد عنه ، و عن الصوت المصم داخل الغرفة هذه. ستعود إلى فراشها و ستدفن رأسها في الوسادة و تغطي أذنيها.. لا يمكن لها أن تتوسل إلى برودة هذا الرجل الذي لا يحتمل..
و أمسكت بمقبض الباب لتدعم نفسها ، و خطت إلى الأمام و لكنها ترنحنت و بقي يراقبها... هل يظن أنها تمثل عليه؟ و قال لها دون مبالاة:
-لقد قلت لك.. سهر الليالي لا يناسبك.. و ما يبدو عليك الآن هو البرهان.
-غارث أنا مريضة... لست تعبة... بل مريضة.
و بقي غير مصدق لها. بقي حيث هو ، و ذراعاه متشابكتان. السلم كان بعيدا عنها ، و هي تحتاج للعون.. العون.. ممن؟ ليس من غارث غاردنر.
و تحركت قدماها ببطء و تحركت ساقاها معهما. و وصلت إلى أول السلم.. ثم إنهارت ، و وضعت يداها على أذنيها و صرخت بضعف و يأس. صوت الموسيقى كان يدفعها للجنون، و الرجل الساخر اللامبالي يمزقها بتصرفاته ، نصفها يكرهه و نصفها الآخر يريد عونه ، قوته أن تلفها بالمساعدة...
-ألن تكملي صعودك؟
و لم تستطع الإجابة لأنها كانت تبكي...
-ماذا تحاولين أن تفعلي ، أن تجعليني أشعر بالأسى عليك؟ أنت فنانة؟ أنت ممثلة!...
كان و كأنه يتحداها أن تكمل طريقها صعودا على السلم ، على هذا الجبل... و شدت على درابزين السلم ، و جذبت نفسها لتقف على رجليها. و لكنها ترنحت و وقعت... و تحرك كالبرق. و أصبحت بين ذراعيه دون حراك... ضعيفة و ترتجف. و رفعها و تحرك بها نحو غرفة الجلوس ، و ضغطت رأسها على صدره لتمنع صوت الموسيقى الداوي. و شعرت بالأمان عندما أطفأ الصوت. و شعرت في لحظة بأنها خارج الزمن.
و حملها برفق إلى غرفتها ، و وضعها في السرير ، و وضع الأغطية فوقها.. و عندها فقط لاحظت أنها لم تكن ترتدي روب المنزل.. و إنحنى فوقها ، و وضع يده على جبينها ، و ربت على شعرها:
-هل تقبلين إعتذاري؟.. لو أنني علمت...
-لقد قلت لك...
-أنا آسف.. هل تريدين أن أتصل بالطبيب؟
-لا.. شكرا لك...
-إذا لم تتحسني في الصباح.. سأستدعيه..
و سألته بقليل من القلق:
-أين أنت ذاهب؟..
هل استطاع أن يسمع نبرة الخوف في صوتها؟
-لأحضر لك بعض الحليب ، و أقراص دواء لتخفيض حرارتك.
كان البخار يتصاعد من الحليب عندما قدمه لها ، و ساعدها على الجلوس ، و سوى الوسادة من خلفها لترتاح عليها ، ثم قال لها:
-لقد كنت أبلها.. كنت غاضبا منك ، و الغضب أعمى عيناي عن الحقيقة.
و ابتعد عنها نحو النافذة و جذب الستارة لينظر إلى الخارج.
-بليندا؟ ألا تنوين أن تضعي حدا لبؤس صديقك و تتزوجيه؟
-من؟ نويل جيميز؟ إذا لقد سمعت ما قاله؟
-و كيف لي أن لا أسمع؟ لقد منعتيني من النوم بنجاح لساعات و كنت أتجول في المنزل أتساءل ماذا سأفعل عندما نظرت و شاهدت منظركما المؤثر ، و سمعت عرضه للزواج منك.
-لا.. لا أظن أنني سأتزوجه.
-و لماذا لا؟ ماذا تأمل فتاة بمركزك أن تنال أكثر؟ أم أن السبب براد؟
-أنا مولعة بكليهما..
-مولعة؟ ما هذه الكلمة مثل الحليب و الماء. لا تولعي بي أبدا ، أتسمحين؟ لا أستطيع تحمل ولعك.
إذا هو ينذرها ، يعلمها بأدب أن عليها أن تستثنيه عندما يتعلق الأمر بالزواج ، و لكن كلماته التالية أدهشتها:
-لو تزوجتك كما ترغب عمتي.. فماذا ستفعلين بالمال الذي سيعود إليك؟
و أعادت رأسها للوراء ليغرق في الوسادة ، و أخذ منها كوب الحليب الفارغ ، ثم وقف ينظر إليها ، ماذا ستفعل بالمال؟ ستعطيه لأمها. و لكن هذا شيء يجب أن تحتفظ به في مطلق الأحوال لنفسها يجب أن لا يشعر أبدا بأنه مجبر بالتضحية لأجلها بزواج من غير حب لا معنى له.
-ألم أقل لك؟ سأصرفه على نفسي أشتري به الأشياء التي طالما رغبت فيها.
و أدارت وجهها لتنظر إليه ، و أدركت من التعبير الذي كسى وجهه أنها ببطء و تأكيد تدفعه بعيدا عنها ، و تابعت:
-كل قرش منه سأصرفه على نفسي.. على نفسي فقط.
-شكرا لإبلاغي بهذا
و توجه نحو الباب... و أغمضت عينيها و قالت:
-هل صدمتك أنانيتي؟
-لقد أصابتني بالغثيان!
-و لكن ألا أتصرف بهذه الطريقة كامرأة؟ ألا أؤكد هكذا ما تؤمن به؟ ألا أبرر كرهك للجنس الآخر؟
و فتح الباب و هو يقول:
-استدعيني ليلا لو احتجت إلي...
و لم تحتجه ليلا... بل تاقت إليه.. و لكنها لم تستدعه...


**************************


* فوفو * غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس