عرض مشاركة واحدة
قديم 21-04-12, 12:59 AM   #1497

malksaif

نجم روايتي وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية malksaif

? العضوٌ??? » 120710
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 2,545
? الًجنِس »
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » malksaif has a reputation beyond reputemalksaif has a reputation beyond reputemalksaif has a reputation beyond reputemalksaif has a reputation beyond reputemalksaif has a reputation beyond reputemalksaif has a reputation beyond reputemalksaif has a reputation beyond reputemalksaif has a reputation beyond reputemalksaif has a reputation beyond reputemalksaif has a reputation beyond reputemalksaif has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي عاشق ليل لا ينتهى

الفصل الرابع والعشرين

كيف يكون طعم السعادة ؟؟..أمحتمل أن يغلب شعورى الأن وأمنيتى الأزلية على وشك التحقق ...تنفست بعمق أشتم عطرها الأثر وعبقها الذى لم يتغير واجهت عيناى وإبتسمت ثم وخزتنى محاولة منعى من النظر اليها هكذا !..كم أعشق تخضب وجهها بلون حمرة الغروب كأنها لازالت كما هى مراهقة عنيدة وطفلة بريئة بداخل ربوعها تسكنها من المستحيل أن توأد ...مضى بعض الوقت حتى إستيقظت الفتيات بمنتصف المسافة وبدلنا المقاعد فجلست ميساء بجوار ليل و ريان بجوارى حتى يتسنى لى الحديث معها ومحاولة رأب صدع هوة ذكرى لن تندثر بسهولة ...تناولنا الطعام وغلبهم النعاس مرة أخرى تدثرت ريان بذراعى وسترتى وغرقت بسبات عميق حتى وصلنا ....
على عتبات جنة الله على الأرض ..هدأت خطى مواصلتنا بعد أربع ساعات مرت بلمح البصر ...مدرجات الفيروز وطنى الصغير شعرت بأشعة ذهبية محملة بعبق الماضى تتغلغل بمسامى لتنشر بهجة لا توصف بداخلى ...كيف كنا سنستغنى عن شبر واحد من ذلك المثلث المقدس الذى تحمل كل بقعة منة أثر تضحية ومعاناة لا تنضب ..مررنا على النصب التذكارى القابع مكانة منذ أيام الإحتلال عامود من الرخام وضع فوق سيارة محروقة خاصة بأحد لواءات الجيش الإسرئيلي الذي انفجر لغم في سيارته في عام 1976 وشرعت إسرائيل في تخليد ذكراه بإقامة هذا النصب التذكاري...ودخل من ضمن الإتفاقية السلمية المحافظة على ذكراهم الموبوئة بالخداع والكذب ..مثلة مثل نصبين أخرين أحدهما يقع وسط سيناء بمركز الحسنة وهو عبارة عن جندي إسرائيلي يحمل بندقية وترجع قصته إلي أن بعض المناضلين المصريين في سيناء قاموا بقتل الجنود الإسرائيليين داخل سيارتهم بهذا المكان والنصب الثانى علي شاطئ مدينة الشيخ زويد الحدودية لقد مررنا علية ونحن بطرينا لقريتنا عندما كنت هنا فى المرة السابقة هذه الصخرة عبارة عن قطعة صخرية جلبتها إسرائيل من جبل موسي ونحتت الصخرة علي شكل خريطة فلسطين بالمقلوب....وتبدو الصخرة لمن يراها من بعيد علي انها إمرأة بدوية بالزي البدوي، وكتبت اسرائيل عليها شعار سلاح الجو الاسرائيلي وأسماء خمسة عشر عسكرياً إسرائيلياً كانت قد سقطت بهم طائرة تجسس أثناء حرب الاستنزاف في هذه المنطقة علي الصخرة ووضعت النصب علي ربوة عالية علي بعد 20 مترا من شاطئ البحر..نصب لتخليد ذكرى جنودهم المحروقين أو المقتولين على يد بواسلنا العظماء ...هذا وللأسف لم تجد حتى مجرد نصب تذكارى يجمع رفات أولئك الأسرى المصريين الذين قتلوا غدراً علي أيدي الاسرائيليين في كل مكان بصحراء سيناء وخاصة مناطق القصيمة والحسنة وأم الكتاف ..مفارقات ساخرة , نصب تذكارى لعدو آثم ولا شىء, مجرد لا شىء لتخليد ذكرى أبناء الوطن التى تناثر رفاتهم فى كل شبر من أرضها الرملية ...ضاقت روحى عندما تذكرت خذلان أولياء الأمور ونفضت رأسى أبدد بعضاً من أوجاعى فالقادم لابد وأن يكون أفضل فالوطن لن يخذلنا بعد اليوم ...عندها إخترق ذهنى ملامح إيشا الباسمة وكأنها تهنئنى بالعودة الى جذورى بصحبة حبيبة العاشق ...تأملت الخيام البعيدة كنقطة صغيرة بجوف الصحراء وإبتسمت وأنا أفكر فى دين لابد أن يرد وقد أن أوان ردة لإيشا وزوجها ..حلمة الذى سعى لتحقيقة وتوفى على إثرة والذى كان شبحاً ترتعب منة إيشا رغم قوتها وكلما تشجعت وشرعت بتنفيذة تتبدد شجاعتها بمجرد التنفيذ " كتاب الخديعة الكبرى " الذى أن أوان إخراجة من البنك السويسرى لتعانق صفحاتة ضوء الشمس والحرية وجلاء الكذب ...فى رحلتى القادمة سأقوم بإيفاء دينى لزوجتى المتوفية وصديقتى المقربة لنفسى .... راقبت ليل وهى تنحنى لتحصل على صورة أوضح للكثبان الرملية البعيدة فقلت لها " سنذهب بجولة الى هناك .." إبتسمت ونزلنا من السوبر جت الحماسة تدب بجسد ليل وفتياتها , لاحظت نظرتها الغائمة وسمعتها تقول لريان " يا إلهى لقد مضى عمر طويل منذ أن رحلت من هنا ذات مرة ولم نعد ..كانت والدتك ميساء تصيح بفرحة كلما رأت مدخل العريش وكأنها ملكت الكون .." لمحت ألماً بعينيها ودمعة سقطت للداخل عندما تنشقت الهواء بعمق , أخرجت حقائبنا و أخذت أبحث عن وجة خالى وهدان الذى كان من المقربين لى ...وقد إتصلت بة قبل وصولى ليستقبلنا ..لمحت هيئتة المحببة بوجهة البدوى وشاربة الكبير جلبابة الأبيض ومعطفة الذى يصل لمنتصف ركبتة لبس البدو المميز الذى لم يتخلى عنة يوماً الى جانب غطاء رأسة المربعات الأحمروالأبيض وعقالة الأسود ..عندما لمحنى تهللت أساريرة وأقبل على يحتضننى , عرفتة على ليل وأحفاد أختة غير الشقيقة وإصطحبنا الى منزلة ...ذلك المنزل المتواضع الذى إكتنفنى عندما هربت بعد خطوبة ليل وبلال وسافرت منة الى بلاد الغربة ..ذلك الذى راقب مرضى وذبول صحتى وكان يهرع لأطباء مدينتة كى يعالجونى بلا فائدة ...وعندما قطعت علاقاتى بة بعد سفرى لم ينسانى وكان دوماً يطمئن على أحوالى من عبد الرحمن ..وحين عدت لسيناء كان أول من إستقبلنى بلهفة محمومة لفرط حبة لى ...دلفنا لداخل المنزل وإستقبلتنا إبنتة الوحيدة الزهراء تلك الفتاة الرقيقة التى توفى زوجها وترك لها طفلة رضيعة وهى بريعان شبابها عندما إنساق لوباء السفر والغربة عن طريق التهريب سعياً وراء أوهام يبنيها مصاصى دماء من البشر يقتاتون أحلام الشباب ليحولوها لرماد مظلم يغمر بظلامة كل من يقترب منة , توفى زوجها بعرض البحر ولم يجدوا يوماً جثتة فعادت لمنزل والدها محطمة وبائسة لنصيبها ....قابلتنا بحفاوة وكرم عربى وأخذت تتحدث مع الفتيات كأنها تعرفهم منذ زمن ..أما ليل فقد إنزوت كعادتها وشعرت بقلقها وتوترها يصل لى على شقيقها فما كدنا نجلس حتى قلت موجهاً حديثى لخالى " سأذهب أنا وليل الى مقر أخيها علىّ لنطمئن علية وسنعود قريباً .." فقال خالى بإستنكار " لم ترتاحوا من السفر حتى الطعام لم تتناولوة ماذا يا إبن أختى أتجعل أحفادى وليل يظنوا إننا بخلاء .." ردت ليل قبلى بهدوء وقالت " لا خالى أعلم أنكم أهل كرم ولكن لا أستطيع الجلوس بطمأنينة قبل أن أرى علىّ فأنا قلقة علية لم أراة منذ بدء الثورة .." قال خالى بعملية " ماذا يعمل شقيقك وأين مكان إقامتة ؟؟..." أجبت " إنة ظابط شرطة ويعمل بمركز شرطة ثالث العريش .." إتسعت عينا خالى بتعجب وقال بتلعثم " أة حسناً سأذهب معكم لنراة بسيارتى " لهجة خالى دبت الرهبة بأوصالى ودلفت ليل لتغير ملابسها فى حين أخذتة بجانب وسألتة عن سبب توترة فقال " إن المركز إحترق بكاملة أركان فى خامس يوم من الثورة وأخشى أن يكون علىّ من ضمن المصابين .." فكرت هنيهة وقلت " لابد إنة بخير ..فقد تحدث مع ليل ونحن بالطريق " فقال خالى بثقة " الله يستر ..."

تحرك موكبنا الثلاثى بعد إحتجاجات عابثة من ريان وميساء لكى يحضروا معنا ولكن قلبى أنبأنى بشىء ما قد حدث لعلىّ ولم أحب حضورهم معى ..إقتربنا من المركز الذى روعنى منظرة وقد كساة ثوب أسود متفحم فوضعت يدى على فمى أمنع صرخة وقال أركان " إن المركز إحترق بخامس يوم سأهبط مع خالى لنسأل عن علىّ ولا تقلقى إنة سيكون بخير بإذن الله .." لم أستطع البقاء بإنتظارهم وصممت على الذهاب معهم الى داخل القسم المتفحم أبواب السجون يعاد تركيبها عن طريق عمال بعد أن كانت محطمة بالكامل , أثار الخراب الذى حل بة كانت تتجلى برعونة على الجدران والنوافذ المحطمة ...دلف الشيخ وهدان وسأل أول أمين شرطة يقابلة وعاد الينا مكفهر الوجة ففقدت نبضة من نبضات قلبى وهو يقول " إنة بمشفى القوات المسلحة ..كان هنا عندما إحترق المركز يحاول منع هروب المساجين وأصيب .." شعرت بالأرض تميد تحت قدمى وأسرعت الى السيارة التى أخذت طريقها نحو المشفى ..لم أعرف كيف وصلنا وكيف دلفنا للداخل وتوقفنا أمام غرفة من غرف المرضى , مجرد أطياف وحركات مبهمة تتحرك من حولى ..شعرت بهلعى يسحب القوة من جسدى حتى شعرت بأطرافى تثلج وتتصلب...خرجت الممرضة وسأل أركان عن غرفة شقيقى فأنبأتة أنها بنهاية الرواق ...رائحة المطهرات والأدوية نفذت لمسام دواخلى وشعرت برغبة جارفة فى التقيؤ ولكننى أمسكت نفسى لأقصى درجة وأنا أشعر بالدماء تهرب من أوردتى ...فتح أركان الباب ولمحت جسد شقيقى الصغير يغطية غطاء أبيض وبجوارة زميل ببدلتة العسكرية .....عندما رأنى هب واقفاً ...أننى أعرفة إنة عمرو الذى ساعدنا يوم مشكلة صلاح الدين .....تسمرت عيناى على ساق شقيقى الموضوعة بالجبس ووجهة يحمل ضمادة كبيرة تصل من جبهتة لعينة لتغلقها ثم تتجة لوجنتة حتى رقبتة لم أستطع تمالك نفسى وصرخت " علىّ .." إتسعت عيناة الوحيدة دهشة وقال " ليل ..." لم أشعر بنفسى إلا وأنا أهرع الية وإنفجرت بوجهة صارخة " لما لم تخبرنى ؟...لماذا فعلت ذلك ؟.." مد يدة وأمسك بيدى ودفنت رأسى بصدرة وقال يهدئنى بتعب كنت أشعرة بمكالماتة الهاتفية ولمت نفسى من تكاسلها عن الهرع الية " لا تقلقى حبيبتى أقسم أننى بخير لم أحب إثارة رعبكم هذا كل شىء ...إننى بخير صدقينى .." نوبة البكاء التى جرفتنى لم أستطع إيقافها وشعرت بالكون يصغر على وجودى ليخنقنى ثم شعرت بيد تمسك ذراعى بحزم وصوت أركان يصلنى من فجوة بعيدة سحيقة " ليل لا تفعلى بنفسك هذا إهدئى حتى لا تسوء نفسية علىّ" حاولت التماسك وإظهار صلابة لم تعد جزء منى وهمست "أنا بخير ماذا حدث علىّ؟؟ .." سحبنى ليجلسنى بجوارة وسحب أركان كرسياً بجوارنا فى حين إختفى عمرو رفيق علىّ والشيخ وهدان ...قال على بإرهاق " كنت أحاول توقيف بعض المساجين الفارين وإحترق المركز وأنا بداخلة ولم أستطع الهروب وترك زملائى فإندفعت محاولاً إخراجهم فتهدم جزء من المكان على رأسى ولم أشعر بشىء بعدها سوى حضورى للمشفى ..إحمدى الله ليل لقد توفى أحد رفاقى فى ذلك اليوم على يد أحد البلطجية الحمد لله أننى لازلت أتنفس وسطكم ..لم أحب إخباركم وكانت كلمتى الوحيدة لا تخبروا أهلى حتى أنهض .." تساقطت دموعى على وجنتى وقلت بلا وعى " متى كبرت هكذا وأصبحت تخفى عنى الأشياء المصيرية بحياتك إذا لم أكن أنا من يقف بجوارك فى تلك الظروف من سيفعل ؟؟.." مسد أركان يدى وهمس بحزم رجولى" لاتزيدى تعبة ياليل .." صمت وأنا أراقب طفلى ورجلى الصغير بملامحة الشاحبة ووجهة المحتقن بإصابات ظاهرة غير تلك التى تخفى تحت الشاش الأبيض وهمست " ما هى إصابة وجهك ؟.." تلمس الضمادة بسخرية وقال " لقد لهفتة النيران ولكن الأطباء قاموا بعمليات تجميل وأخبرونى أننى سأكون بخير المهم أنها لم تصيب عينى بسوء كان من الممكن أن يكون الوضع أسوأ حبيبتى ..أعتذر عن إزعاجى لكِ ياليل لم أحب إزعاجكم وسط قلقكم على صلاح وأركان .." ضممت رأسة بصدرى وصمت أخفى غصة حارقة أشعلت أحشائى وجعلت جسدى ينتفض , تساقطت دموعى بصمت مقهور ..وأنا أنظر لأركان الذى تجهمت ملامحة وهو يتأملنى وكسا الحزن والوجع عيناة ....

وقفت تحت الشركة التى تعمل بها شذى أنتظرها بعد أن أعطيت أركان الأوراق التى طلبها من مكتبى بعد أن خرجت كعاصفة مدوية من مكتب سلامة ولحقنى أركان بأسفل مقر الشركة ..حاول معرفة ما يدور ولكننى رفضت التحدث فى حين إتصل بة سلامة كى يطمئن على حالتى مما أشعل الغضب الجارف بداخلى وسحقنى شعور بالندم للكلمات التى تفوهت بها بوجة أعز أصدقائى والسبب هى ...تلك المرأة التى تزحف لتدمر ركائزى وتدفعنى لحافة الهاوية بجنونها ...أو ربما ليست هى بعد كل الوقت الذى فكرت بة ولكننى أرفض الإنصياع للمنطق فبداخلى صوت ملح يخبرنى بأن المخطىء الوحيد هو أنا ...راقبت خطاها المسرعة بإتجاهى وهى تودع إمرأتين بعمرها تقريباً ...فتحت الباب وجلست بجوارى بلا كلمة واحدة ...تأملت وجهى المتجهم وقالت " ألا زلت غاضباً ؟؟.." فقلت بلا مبالاة " لقد ضربتى بكلامى عرض الحائط فلما أغضب؟؟ .." تنهدت بعمق وفتحت النافذة بجوارها لتصفعنى نسمات الشتاء الباردة وهمست وهى تستند برقة على الكرسى " لم أعد أريد الشجار على الأقل ليس اليوم فمعنوياتى مرتفعة لأقصى مدى لقد أتممت صفقتين اليوم " غلى الدم بشرايينى وشددت على مقود السيارة وعندما لاحظت إنعطافنا بعيداً عن حضانة عمار قالت " الى أين نحن ذاهبين ؟." قلت ببرود " سنذهب لتناول مشروباً لازال هناك ساعة حتى خروج عمار " نظرت لساعتها وغرقت بالكرسى مرة أخرى وهى تدندن بأغنية أجنبية ...ساد الصمت وكلمات سلامة تدور بذاكرتى كالرحايا كلما إنتهت بدأت مرة أخرى ..أحقاً لوالدتى علاقة بما يعتمل بنفسى اليوم إتجاة زوجتى ولكن كيف هذا وأنا لم أعترض يوماً على مافعلتة لقد كنت رجلاً بالغاً فى العشرين من عمرى عندما تزوجت مرة أخرى بعد وفاة والدى كانت شخصيتى مكتملة ولم تتأثر بما فعلتة نعم غضبت لأنها لم تحافظ على ذكراة ولكن الأمور مرت وإنتهى الأمر ...أوقفت السيارة بفندق هيلتون الذى قضينا بة شهر عسلنا الثانى عند عودتنا للقاهرة وخرجت وأنا أراقب محيا شذى المبتسم وقال "أصدقنى القول صدفة أم مرتبة ؟؟.." فقلت ببرود " هل هناك فرق كبير ؟.." رفعت حاجبها بسخرية وأجابت " لاأظن .." توجهنا للداخل وجلسنا على طاولة تطل على الحديقة الواسعة وقالت " لن أشرب شئ أنا جائعة سأطلب طعام " فقلت " ليكن " إنتقينا طعام من قائمة الطعام وطلبناة وطوال إنتظارنا كانت تهرب من عيناى المسلطة على ملامحها وتتحدث بصورة عابرة عن شكل الفندق بعد التجديدات التى ألمت بة ..ثم ساد الصمت ونظراتنا تتقابل برهة ثم تعود لتنسحب ...فقلت وأنا أمد يدى لها " هل أستطيع طلب هدنة حتى العودة للمنزل؟؟ " تنهدت بعنف وهمست " أنا أكثر منك أريد تلك الهدنة .."فقلت " كيف حال العمل ؟.." برقت عينيها بحماسة وقالت " ممتاز كنت قد إفتقدت إصدار الأوامر .." فقلت ممازحاً " ألا يكفيكِ إصدار الأوامر على رأسى ورأس عمار الصغير ياربى ما هذا الجبروت ؟؟" ضحكت وقالت بجدية " هل تعترض على أوامرى أو شىء كهذا ؟.." رفعت يدى بإستسلام ممازح وقلت " مستحيل أن أفكر بهذا .." وصل الطعام وإنهمكنا بتناولة ...لم أكن جائعاً فجلست أراقبها بفضول خفى ...يصيح قلبى فرحة برؤية ملامحها المسالمة وعينيها الكبيرتين ذوى الأهداب الطويلة والتى تغرقك بعاطفة غامضة كلما نظرت بهما ..نظرت بتعجب وهى تتأمل مراقبتى لها فقالت بإحراج " ما الأمر هل هناك شىء عالق بوجهى من الطعام ؟؟.." وأخذت تمسح وجهها بعفوية وأنا أبتسم بشغف خفى فأمسكت يديها المتحركة وقلت " لاشىء يا إمرأة إهدأى ..فقط كنت أتأمل ملامحك التى إفتقدتها .." إعترى ملامحها خجلها المحبب وقالت بمواربة " لقد إتفقنا هلى هدنة من الشجار لا هدنة من الإتفاق يا عمار .." ضحكت وأخذت قطعة خبز أقضمها بعصبية وقلت " لاتتوانى عن تذكيرى أليس كذلك ؟؟؟"هزت كتفيها بتأكيد وتابعت تناول طعامها فقلت بهدوء "إلى متى سنظل هكذا ؟؟" تناولت بعض المياة الفوارة وقالت "إلى أن تتغير .."فأجبت " هل تعتقدين أن رجلا يبلغ من العمر الخامسة والثلاثين ستغيرينة بعقاب كعقابك ..من يحب بصدق يحب عيوب نصفة الأخر قبل مميزاتة فلما لا تقبلينى كما أنا .." حدجتنى بنظرة واثقة وقالت بعملية " لم أطلب تغيير عيوبك التى إعتدت عليها بل طلبت تغيير عيوبك التى تدمر حياتنا ونعم أنا واثقة من أننى سأتمكن من تغييرك عمار حتى لو أقنعتنى بعكس ذلك لو كنت تحبنى بصدق كما تزعم ستتغير من أجلى ومن أجل عمار الصغير فلا أستطيع التعايش معك وأنا بكل لحظة تضعنى فى موقع المتهمة والسيئة .."قلت بمدافعة "لم أضعك بموقع السيئة شذى ولكن عليكِ التعامل مع طباعى وعيوبى على أنها نتاج حبى لكِ" أجابت بعفوية " الحب يعنى الثقة حبيبى وأنت لاتتحلى بها " فقلت بإنفعال " لو لم أكن أثق بكِ لم أكن لأتزوجك .." إبتسمت بخيبة أمل وقالت " تزوجتنى من أجل طفلك الذى لم تستطع تخيلة يحمل وشم ...طوال حياتة " فقلت بمهاجمة " هل تهذين شذى إذن أخبرينى بما كان قبل وجود عمار الصغير .." مسحت فمها بمنديل ورقى بأناقة وقالت "لا أدرى حقيقة وكلما شرعت فى البعد عنك أعود من أجل تلك النقطة بالذات عمار ..أتمنى أن تعرف ماذا يعنى هذا وتقدرة ....." أرجعت كرسيها خطوة وقالت "لقد إنتهيت لنشرب فنجان من القهوة حتى يتسنى لنا الوصول لحضانة عمار قبل خروجة .." هروب نظراتها حطم شىء بدواخلى غصة مؤلمة ألمت بخلجاتى ...تأملتها قليلاً وناديت النادل حتى يرفع الأطباق وطلبت فنجالين قهوة وجلسنا هادئين وكأن جداراً عازلاً ينمو بعنجهية بيننا ...أصبحنا كغريبين يتصارعان من أجل إثبات وجهة نظرة التى تدمر الأخر ...مرت برهة وعندما إنتهينا من القهوة ..خرجنا من الفندق وما كدنا نصل للسيارة حتى سمعت رجلاً ينادى بإسمها مجرداً فإخترق صوتة وعيى وتفجرت دماء الغضب بشرايينى إلتفت لتواجهنى عينا مديرها السيد مرجان الذى صافحتة بمودة وأخذت تعرفنا ببعضنا وبالوفد القادم معة وهو يمدح عملها ويشد على يديها مما جعل فولتات الكهرباء الحانقة تسرى بعظامى وتنخر بجسدى حتى كدت أقتلع رأس ذلك الرجل من على كتفية ولاحظت نظراتها الواثقة التى لم ترف لها رمش وأنهت اللقاء المصادفة بهدوءها العملى وركبنا السيارة ونار تحرق أحشائى ولا أجرؤ على التحدث أو لم أستطع التحدث بالكلمات ولكن ملامح وجهى أوصلت الرسالة كاملة إليها وتجاهلتها ببرود واثق وهمست " وها قد عدنا من جديد وكأن شيئاً لم يكن .."


مرت ساعتين على مكوثنا بالمشفى , ذهب خالى لطمأنة الفتيات ورفضت ليل إخبارهم بما يحدث ..خرجت من الغرفة لتدخين سيجارة ووقف بشرفة المشفى تلفح وجهى نسمات باردة محملة بأريج رملى ...أخذت نفس طويل من سيجارتى لتطفىء البركان الذى تفجر بأعماقى عندما رأيت حالة علىّ وإنهيار مهجة الوجدان ...علمت أن الأقدار بدأت بدورتها العابثة مرة أخرى وتذكرت ما حدث بالصباح ولاح فى أفقى غيمة بائسة ...حالة علىّ ليست مطمئنة وأخشى عقباتها ..أحسست برجفة بسترتى جراء هاتفى , وضعت السيجارة بين شفتى وأخرجت الهاتف لأجد رقم غريب فأجبت فوصلنى صوت أنثوى لم أتبينة ثم سرعان ما عرفت عن نفسها سلمى زوجة بلال الثانية قالت " كيف حالك أركان ؟.." فقلت بعملية " الحمد لله كيف حالكم وحال أركان الصغير ؟.." قالت بصوت رقيق " إنة بخير ويتوق لزيارة عمة الكبير لقد أخبرتنى عمتى أنك ستمر علينا هل أستطيع دعوتك للغداء معنا ؟.." ألقيت بعقاب السيجارة عبر الشرفة ونفثت دخانها المر وقلت " ربما مرة أخرى عندى ظروف تمنعنى ولكن بالتأكيد سأمر عليكم لأطمأن على أحوالكم .." فقالت برقة " هل كل شىء على ما يرام صوتك يبدو مجهداً...." أجبت " نعم ..نعم كل شىء على ما يرام ولكن لدى بعض الأمور العالقة سأنهيها وأمر عليكم .." ضحكت بخفة وقالت " سننتظرك بالتأكيد وأثق أنك لن تخيب رجائى بدعوة الغداء تلك وأحضر معك ليل والفتيات كما علمت فقد عرفت ريان بوجود شقيقها الصغير .." إخترقنى غضب جارف للهجتها الباردة وقلت " فلنترك أمر الغداء للظروف .." فقالت بتصميم " فلتعدنى إذن ..أنا لحوحة للغاية وأحب تقريب المسافات بين طفلى وعائلتة هذا إذا كنت تود رؤيتة بالفعل .." صمت برهة أفكر بحديثها المنمق ثم قلت " أعدك ننا سنتناول الغداء سوياً ذات يوم وكلى رغبة برؤية إبن أخى الصغير هذا الأمر لا يحتاج لتأكيد .." ودعتنى بلطف وأغلقت الهاتف ووصل لأنفى صوت عطر أعرفة جيداً فإلتفت لأواجة نظرات ليل الحانقة ووجها المتورم من البكاء والغيظ ...قالت ببرود " العملية المقرر إجراؤها لعلىّ كانت غداً ومن حسن حظنا أن الطبيب لدية متسع اليوم وقرر أن يجريها لة ..إذا كنت تود العودة للقاهرة مع الفتيات فى الصباح فيكون من الأفضل لأننى لا أريد إثارة فزعهم على خالهم .."حدجتها بنظرة متفحصة أحاول سبر أغورها المعقدة وسر برودها المفاجىء ...وقلت " سأستدعى صلاح ليأتى ويأخذهم ولابد من إخبار العائلة ليل فلن تنطلى عليهم أية خدعة سنقوم بها ...فهذا خيراً من أن يأتيهم الخبر من مصدر يروعهم ..." مسحت وجهها بإرهاق وقالت " سأتعامل مع الأمر بطريقتى وأنت إهتم بغداءك الذى وعدت بة ..." إقتربت منها ..رفعت حاجبى بدهشة ممزوجة بالعتب وقلت " الغداء سنذهب لة سوياً بعد أن نطمئن على علىّ ...فهناك بعض الأمور التى يجب أن ننتهى منها ...بشكل كامل كى لا تؤرقنا بالمستقبل " نظرت لى برهة وساد الصمت كلاً يحاول فهم الأخر بطريقتة حتى حضرت ممرضة تستدعيها للتحدث مع شقيقها ...عندما ذهبت تناولت هاتفى وإتصلت بأبى كى أخبرة ما يحدث ويحضر الى هنا كى يعتنى بالفتيات أو يصطحبهم معة للقاهرة حتى نعود بعلىّ...

مضى اليوم ثقيل على كاهلى ...أتساءل دوماً لما لحظات السعادة قليلة ولحظات الحزن تمر كالسنوات على عاتقنا أهذا ضعف منا أم ماذا ؟....ألقيت نظرة على ساعتى فوجدتها الواحدة بعد منتصف الليل ..علىّ لازال بغرفة العمليات وأركان يذرع الممر الطويل جيئة وذهاب ثم جلس بجوارى وأمسك يدى يشد عليها بلا كلمة يقرأنى جيداً هذا الرجل ويعرف اننى لاأحتمل كلمات المواساة فى أوقا ضيقى , الكلمات تبهت وتصبح بلا قيمة أمام أفعالة المؤازرة لى يكفينى دوماً وجودة بجوارى ...رغم حنقى منة لتحدثة بلهجة رقيقة مع زوجة أخية الأخرى إلا أننى واقعة تحت عجلة صراعات فوضوية لا تنضب بداخلى .....صوت جلبة أخرجنى من قلقى ووجدت ريان وميساء قادمين بإتجاهنا فسحب أركان يدة منى وهببنا واقفين , كانتا مصطدومتين وبكاؤهم لا يتوقف يرافقهم الشيخ وهدان الذى إعتذر وقال " لم أستطع منعهم عندما تأخرتم علموا بخطب ما يجرى " قاطعتة ميساء قائلة "أين هو وكيف حالة ؟.." أجاب أركان وأنا أضمهم لصدرى "إنة بخير فتيات لا أريدة أن يراكم هكذا وإلا أعدتكم للقاهرة فى التو "إنتفضت ريان بأحضانى وقالت "هل سنفقدة مثلما فقدنا والدى؟؟ "إنقبض صدرى وجذبها أركان ليواجهها بحزم "إنة بخير والعملية التى تجرى لة مجرد عملية تجميل لا ضرر منها ..."زاد نحيب ميساء الصامت ومرت ساعة أخرى وأعصابنا جميعا على حافة الهاوية ....حتى خرج الطبيب مبتسماً وسمح لنا برؤيتة من وراء الزجاج العازل كان مضمداً مما أثار نوبة فزع وتساؤلات أجاب عنها أركان وخالة ببراعة وأنا قد تلبسنى شبح الصمت قهراً على حال صغيرى الذى أثر تحمل عبئة بنفسة ورفض مشاطرتنا بة ..مسحت دمعة فارة بكم سترتى ووجدت الشيخ وهدان يقترب منى ويهمس " ياليل إحمدى الله إنة بخير وصدقينى سيشفى عن قريب فالأطباء هنا على مستوى وبإذن الله سيقف الله معنا " إبتسمت رغماً عنى لإثارة بعض الهدوء بالأجواء ...وإحتضنت ريان بلهفة وقلت " بإذن الله سيكون بخير "...

مرت الأيام مسرعة وتماثل خالى للشفاء وحضرت العائلة بأكملها حتى والدتى جاءت وهى منفجرة بالبكاء ..غيرت العملية كثيراً من ملامحة نصف وجهة أصبح أحمر اللون كالمسلوخ وملامحة الوسيمة تغيرت ولكن الأطباء أخبرونا أنة بالعلاج والوقت اللازم سيعود كما كان ...لقاء صلاح وخالى كان عاصفاً وبكى بأحضان خالى كطفل صغير حتى مازحة قائلاً" ما بك صلاح ؟؟...ياالله إننى بخير يارجل هيا إعطونى هاتف أحدكم كى أصور عالم الأثار الذى يبكى وأنشرها على شبكات الإنترنت"روحة المرحة لازالت تطغى , تمنع أية لحظة حزن ..من أن تسيطر علينا ...كلما تجهم أحد أخذ يلهوة بالحديث كان هو من يفرج همنا وكأنة ليس المصاب ..وإنما نحن ....إستأجر عمى أركان بيت لنقضى بة الوقت كى نكون بالقرب من خالى ورفض الإثقال على الشيخ وهدان بعددنا فبيتة لن يتسع لعائلتنا بأكملها ..كان البيت رائعاً كأنة إحدى تلك القلاع القديمة التى كانت بأيام الحروب فى مقدمة المنزل تتجلى المدنية بتحضرها وطرقها الأسفلتية وفى الخلف عالم لا يمت بصلة الى الحقيقة ..الكثبان الرملية تمتد الى مرمى البصر وبضعة خيام متفرقة نستطيع رؤيتها بوضوح لو وقفنا على سطح المنزل ..ريان كانت أكثرنا سعادة بالمنزل ورأت فية مهد بداية جديدة لم نحسب لها حساب رغم أنة مستأجر إلا أنها أخذت تحيك الأحلام على إستقرارنا بة فقد أحبت سيناء رغم كل شىء وعندما حدثتها عن أركان الصغير رفضت رؤيتة أو الإقتراب منة وبعد مرور ليلة واحدة وجدتها قادمة تطلب رأيى فى إخبار والدتها بالسماح بأن تراة فسعدت بموقفها ...وعندما سألتها عن سبب تغيرها قالت وحزن يستوطن ملامحها " أريد رؤية والدى بملامحة رغم كل ما فعلة ميساء لا أستطيع كرهة فحبة متأصل بدواخلى أغضب منة وأدير وجهى لذكراة ولكنى أعود لأتذكر كل ما فعلة من أجلى فيرق قلبى لة فقد كان هذا الرجل يحبنى بصدق ولازال مثالى وقدوتى بالحياة ...لازلت أفتقدة هل تصدقين هذا ؟..لهذا أريد رؤية طفلة هل يحمل ملامحة ..هل سيحبنى مثلما أحبنى والدى ...هل سأتمكن من حبة أنا الأخرى ؟.." حديثها جعل قلبى يتعاطف معها أكثر وأدركت كم هى هشة إبنة خالتى كما كانت تلقبها رغد دوماً , فقد صدقت على الرغم من قوة ريان المعلنة فخلجاتها أضعف وشديدة العطب لو أذاها شخصاً ما ...دقات هاتفى أيقظتنى من شررودى ووجدت رغد تطمئن على أخبارى وأحوال خالى فقلت " إنة بخير رغد ويتماثل للشفاء بصورة سريعة الحمد لله .." تحدثت قليلاً ولكن حديثها أخفى شيئاً ما فقلت محاولة جذبها لدائرة الإعتراف " تبدين مختلفة رغد هل هناك شىء ؟؟.." فأجابت بتلعثم " لالا شىء ميساء .." فصمت قليلاً وقلت " إعترفى رغد " حاولت المراوغة ولكننى ألححت عليها فقالت كمن تلقى قنبلة " لقد طلب الأستاذ براء عنوان منزلك من شقيقتى رحمة وحاول معرفة ولى أمرك كى يحدثة بشأن أمر يخصك .." وقع قلبى بين قدمى وشعرت بقشعريرة باردة تغمرنى ..تيبست يدى الممسكة بالهاتف وقلت " أمر ماذا أتظنين أحد أخبرة من الفتيات ؟؟.." تنهت بعمق وأكملت إعترافها قائلة " ميساء إنة يريد التقدم لخطبتك ...أعلم أنك كنتِ معجبة بة ولكنى أشعر بشىء يمزق حواسى عندما سمعتة خلسة يحدث رحمة بالهاتف وهى لا تعلم أننى عرفت وكان يجب ألا أخبرك و.." تحدثت وتحدثت ولكننى لم أستمع لحرف واحد مما قالتة فالصدمة أعجزت عقلى وأطرافى عن العمل , أغلقت الهاتف بشرود وهى لاتزال تتحدث على الطرف الأخر , جلست بإنهاك على طرف السرير , شىء غامض يسرى بأوردتى لاأعلم إن كان سعادة أم حزن ..كل ما أعرفة أننى كنت مرعوبة الى أقصى مدى ...دقات على الباب وصوت أصبح يلازمنى فى الأونة الأخيرة قال " ميساء والدتك تريدك بالأسفل .." خرجت حروف مبهمة من فمى وسمعت خطواتة تنصرف عن عتباتى وسقطت دموع لم أدرى لها سبباً....

قلبت الأوراق بين يدى وأنهيت جميع المتعلقات الخاصة بتصفية شركة سيناء لدفع القروض والديون الخاصة بشركة بلال فى القاهرة ولم أعد أحتاج سوى لتوقيع سلمى بإنهاء الأمور فكل شىء يخص هذة الشركة ملكها ...سأحاول إصطحاب ليل والأولاد معى لقد أخبرت طلال بالوضع كاملاً وتقبلة بشكل جيد حتى إنة أخبرنى أنة كان يعرف بكل ما يجرى ولأنة أصم وأبكم فهذا لا يعنى أنة يجهل بما يدور حولة فلغة الشفاة توصل كل ما قد يفقدة وقد كان والدة بارعاً فى الحديث مع زوجتة الثانية أمامة معتقداً أنة لا يفهم ولكنى خشى من موقف والدتة وسألنى " لما لم تخبرنى أمى بنفسها ؟.." فقلت " إنة تخشى أن تكسر أمامك وهذا سيحطمها من الداخل وقد إقترحت أن أخبرك أنا وأن أهون الأمر عليك ..ولكنك كنت أعقل منا جميعاً ياطلال " ضحك وأشار " إهتم بوالدتى جيداً فإذا أذيتها أو أحزنتها ستواجهنى ولن أسامحك ما حييت " صدمتنى كلماتة المغطاة والتى أدركت مغزاها إنة يعلم ما يدور بين ليل وبينى فقلت بلا أدنى ندم " أننى أحب والدتك منذ زمن بعيد وأريد التقدم لخطبتها منك هل توافق ؟؟.." حك ذقنة فى حركة ذكرتنى بشقيقى الشهيد وأشار " دعنى أفكر ثم أجيبك بعد أن أخذ رأى والدتى وميساء فهذا القرار لا يخصكم وحدكم كما تعرف .." إتسعت عيناى دهشة لحديث الفتى الصغير الذى يشبة كلام الرجال وإحترمت موقفة وصافحتة متفقين وإتفقنا على أن يخبرنى برأية بعد عودتى من الولايات المتحدة .....بهذا الحديث خطوت نحو المستقبل وإزحت بعضاً من ثقل الماضى من على كاهلى ....تناولت هاتفى وإتصلت على رقم سلمى , بعد التحيات المعتادة إتفقنا على أن نذهب لها فى مدينتها الأم الشيخ زويد لترانا وتمضى على الأوراق ورغم وجود نبرة خفية حدثتنى بها عندما أخبرتها عما أنتوى فعلة بالشركة إلا أننى قدمت حسن النية .....إتفقنا على أن أمر عليها بعد الظهر فى الغد ...نظرت لساعتى فوجدتها الثانية عشر , تناولت معطفى وتدثرت بكوفيتى الصوفية وتوجهت نحو المشفى للإطمئنان على علىّ وليل ..فليل رفضت تركة لحظة واحدة وأقامت شجار طويل مع المديرين لأنهم لم يسمحوا لها بالبقاء معة فقامت بنقلة لمشفى خاص ورفضت أن أدفع أية نفقات تخص بشقيقها مما أدى لشجار أخر بيننا وإتهمتنى بالتسلط ونبههتنى الى أن عائلتها مسئووليتها الخاصة فهذا أمر إعتادت علية منذ زواجها من بلال ..فأخبرتها بحزم أن الأمور التى كان يرضى بها بلال لا تخصنى وسنسير على طريقتى التى تقنعنى ...دام شجارنا اليومين وخاصة بعد أن نزلت لحسابات المشفى ووجدت كل المصاريف مدفوعة وهناك مبلغ أخر ليسحب منة ما يريدون ..ياالله كلما تذكرت ملامحها الغاضبة وهى تدلف لغرفة علىّ كالعاصفة كنت بقمة سعادتى , كظمت غيظها عندما رأت والدى يجلسان وأشارت لى بعينيها ورأسها بأنها تريدنى بالخارج ..سبقتنى وتبعتها وأنا أكتم ضحكى فأنا أعلم ما القادم قالت بعصبية " ما هذا الذى فعلتة أتحب وضعى بموقف حرج ؟ أخبرتك أن عائلتى مسئووليتى .." فقلت بنفاذ صبر " عائلتك هى عائلتى ليل وتوقفى عن هذا الهراء حبيبتى , تقبلى الأمر الواقع فلن أغير ما فعلتة ولو حدث مرة أخرى سأنفذ ما فعلتة بحذافيرة " شعرت بالدخان يخرج من أذنيها الصغيرتين ..توهجت ملامحها وقالت بغيظ " أقسم أننى سأردها لك أركان وسنرى من منا سيسير بقواعدة .." تركتنى ودلفت للغرفة وكلما نظرت اليها تجاهلتنى بعناد طفلة مما جعل ينابيع من السعادة تتفجر بداخلى ففرض سيطرتى على مهجة القلب والعين لها لذة خاصة لا تضاهيها أى متعة بالكون ...


بهاء الليل الصحراوى ذو حدين فالبرد قارس وجمال الأجواء يخلب لب من يراة ويشتم نسيمة السماء مرصعة بنجوم براقة ذكرتنى بدبلتى فنظرت لها قليلاً ثم إبتسمت وقبلتها خفية كم تشبة ذلك الليل .....كان غريب الدار محقاً فتلك البادية لا مثيل لأجوائها بسماؤها وعبقها كأنك بجزء أخر من العالم لا يمت بصلة لجمودة وعمليتة تتجلى فية أشياء روحانية سامية ..لا أعلم لما تراءى لى صورة شمس وطلال وشعرت بهم حولى ...كان منظر شمس مأساوياً عندما جاءت الى هنا وكأنها سحبت بقيود من حديد طوال الطريق ..أخرجناها عنوة من قوقعتها ..لاأعلم كم مضى على من الوقت وأنا أزرعها بأحضانى محاولة إمتصاص خوفها الى لاح بعينيها وكأنها تواجة أسوأ كوابيسها وعندما ساد الهدوء وإطمئن الجمع الغفير على علىّ أخذتها فى جولة حول المشفى محاولة إخراجها من حالة الصمت التى إندمجت بها لن أنسى قولها ما حييت " كل خطوة تذكرنى بة ..كل نفس أتنشقة ها هنا يفجعنى بوفاتة ..ولكننى سعيدة لحد الجنون هل تصدقين هذا ..كنت أهاب دوماً من العودة وهى أسهل مما تخيلتها وأكاد أشعر بة يكتنفنى فى كل رمشة عين .." تساءلت بينى وبين نفسى كيف سيكون حبنا أنا وأركان بعد مضى أعوام كثيرة من الأن أسيكون مثل حب شمس وطلال الذى لم يأخذ وقتة وظل بطلاً بنظرها وهى ظلت ملكة متوجة بحياته فلم يواجها مصاعب الحياة سوياً أم ستتخللة مواقف ربما تجعلنى أفقد ثقتى بة ويعود ليخذلنى مرة أخرى ....نفخت بكفى بعض أنفاسى الدافئة ودلفت الى داخل الغرفة وأغلقت باب الشرفة بحرص وجلست على الكرسى بجوار سرير علىّ أراقبة بملابسة البيضاء والجبس الطويل الذى إمتلأ بإمضاءات كل أفراد العائلة بناءاً على رغبة طلال حتى عمى عبد الله وقع بإمضاؤة وعمتى بصمت بصمة بإصبعها بجوار إمضاء زوجها وكانت لحظات سعيدة تبادلوا فيها المزاح ...وخففوا كثيراً من الأجواء المضطربة , تأملت وجهة الذى لايزال يحمل أثار من الحادث والتى تقبلها بصدر رحب وتنميت بأعماقى أن تزول ويكون رب الخلق بة رحيماً ...تغضنت ملامحة وهو يهمس " يا إلهى لم يعد بالكون مفسدين إلا رجال الشرطة .." كان يقرأ أخر الأخبار والهجوم الشرس على وظيفتة بصالحها وطالحها من قبل الإعلام والشعب أيضاً الذى فقد كل صلة بهذا الجهاز الذى أوسس من البداية لحمايتة ..كان يحاول تعويض ما فاتة من أخبار عند رقدتة بالمشفى عن طريق النت والجرائد ..أغلقت جهازة المحمول ودفعت يدة بإصرار وهو يحاول أخذة منى وقلت " دعهم يقولون ما يريدون لن تستطيع تغيير ما يحدث يكفيك ثقتك بذاتك وتنفيذك لقسمك الذى أديتة وبسببة أنت هنا .." تنهد بإرهاق وقال " لا يعلمون نصف الحقائق ليل ..كل شىء ورد بهذة الشبكات مخطط لة بدقة ...لاأدرى كيف سأعود مرة أخرى لعالمى ذلك " قلت بعملية " ستعود شامخاً فبينك وبين ربك تعلم ماذا فعلت وكيف كانت أفعالك مع الشعب الذى أؤتمنت علية وهذا يكفيك .." أسند رأسة على الوسادة وهمس " الأقوال ليست كالأفعال ليل .." صمت قليلاً أراقب هزيمة معنوياتة التى شطرت روحى ألماً علية وقلت محاولة تغيير مجرى الحديث " ألن تخبرنى عن زوجة المستقبل لقد سمعت أنها تدعى سارة ...جحظت عينية وهو ينظر لعيناى وقال بلهفة " من أخبرك ِ؟؟" ضجكت وقلت " هاتفك لم يكف عن الدق لحظة طوال العملية حتى إننى إضطررت فى النهاية لإغلاقة .." قال وهو يزدرد ريقة " أة إنها ..إنها .." مسح جبهتة التى تعرقت فقلت " يا إلهى فقط أخبرنى أنك تحبها وهى تحبك وتريد خطبتها هل هذا صعب لهذا الحد ؟؟.." ضحك وهو يعبث بشراشف السرير فقلت حانقة " ضابط شرطة فى ريعان شبابة ويشعر بالخجل ويتصبب عرقاً.." ضحك وقال " توقفى ليل إنكِ توترين أعصابى هكذا " إنفجرت ضاحكة وقلت " حسناً أيها المحب الخجول أخبرنى بكل شىء .." شرب رشفة مياة وقال " إنها أخت عمرو ..." فشهقت بعنف وقلت معاتبة " يا إلهى علىّ كيف تفعل ذلك ؟.." فقال بثقة " أفعل ماذا ليل إننا نتكلم بأضيق الحدود وأنا أحبها وهى أيضاً وعمرو يعلم بأننى سأتقدم لخطبتها عندما تستقر الأمور جراء وفاة بلال ..." صمت هنيهة أفكر بحديثة وقلت " عندما تخرج من المشفى سنذهب لخطبتها .." تهللت أساريرة وحاول كتم بهجتة فقلت " أفرج عن فرحتك أيها النقيب لا نريد إصابات داخلية تكفينا الخارجية أتوسل اليك " أفتر ثغرة عن إبتسامة هادئة كطباعة وهمست " سعيدة بحق لأنك وجدت من إختطفت عقلك قبل قلبك علىّ أتمنى لك السعادة من كل قلبى .."

دقات هاتفى قطعت حديثى مع سائق الأجرة السيناوى الذى ينتمى لقبيلة السواركة المنتشرة بضواحى العريش فأجبت ليصلنى صوت جورج صديقى العزيز قال " كيف حالك أيها الغريب " ضحكت وأنا أجيبة " لم أعد غريباً يارفيقى لقد عدت للوطن .." صفر بحماس وقال " هل إعترفت وصفيت الأمور ؟.." فقلت بهدوء " بعضها وبعضها .." قال يمازحنى " لا تخبرنى أنك تزوجت ؟؟..." فتنهدت بأمل وقلت " لم يصل الأمر لذلك الحد يا صاحبى .." صمت برهة وقال " حسناً أنا فعلتها قبلك تلك المرة " صرخت بحماسة وقلت " مستحيل أتمزح جورج أم ماذا ؟؟.."قال بجدية " سأحدد ميعاد الزفاف على موعد حضورك ولا أمزح سأخبرك التفاصيل لاحقاً لأننى موجود بالمطعم الأن والعمل مزدحم .." ضحكت وبداخلى غصة خفيفة " لقد إفتقدتك وإفتقدت العمل ..لم أتعود أن أكون عاطلاً وكسولاً هكذا ..."قال " تركت لك كل العمل الثقيل عند عودتك لن تجد لحظة راحة أعدك بذلك .." أخبرتة عن ميعاد عودتى للولايات المتحدة من أجل الصفقة ...وسألتة أن يبحث لى عن دور نشر جريئة ولا تهاب شيئاً ذات مصداقية ...سألنى عن السبب فقلت لة عندما أعود ستعرف ...وأغلقنا الهاتف بلقاء قريب فلم يتبقى سوى أياماً معدودة وأعود لبلاد الغربة الباردة ...إنقبض قلبى لهذا الخاطر وفكرت كيف سأتمكن من البقاء بلا ليلى فى تلك البلاد ..كيف سأتمكن من قضاء شهر كامل بعيداً عن عائلتى ..مزاح صلاح وعلىّ وشجار ريان وميساء وحكمة طلال الصغير الذى علمنى الكثير ..ودفىء أحضان والدى ..يساورنى دوماً هاجس بأن لا أعود ولكن الوعد وعد ولابد من الوفاء بة وإنهاء ما بدأتة من زمن بعيد ...



malksaif غير متواجد حالياً  
التوقيع









رد مع اقتباس