عرض مشاركة واحدة
قديم 11-02-09, 12:08 AM   #7

زهرة الأوركيد
 
الصورة الرمزية زهرة الأوركيد

? العضوٌ??? » 59088
?  التسِجيلٌ » Nov 2008
? مشَارَ?اتْي » 162
?  نُقآطِيْ » زهرة الأوركيد is on a distinguished road
افتراضي

هلا و غلا فيكم
مشكورين على المرور و على ردودكم الحلوة
و هذا الفصل الرابع إنشاء الله يعجبكم


************************
الفصل الرابع
لا تكن قاسيا!


ظلت كولين جالسة في مكانها فترة طويلة ، بعد أن خرج جوليانو. ونظرت إلى الساعة التي رماها لها. كانت ساعة ثمينة ، كما لاحظت دون كثير من الأهتمام، ولكنها كانت تقول لها إن أمامها أقل من ساعة لتقرر إذا كانت ستنضم إليه على المائدة هذه الليلة .
كانت تعلم لماذا يريد أن يجبرها على تناول الطعام ، فلن يكون لديها الطاقة اللازمة كي تختبر "العمل الشريف".. إنها لا تشعر بالجوع فعلا ، وليس لديها شهية ، وهذا واقع واضح . ولكن هذا المستبد المكسيكي المتغطرس لن يتقبل هذا.
وتذكرت نظرته إليها عندما كانت تستيقظ ، و لكنها لم ترغب في أن تتذكر أنه لم يكن هناك قسوة في عينيه ، بل شيء قريب من الدفء. الدفء! وضحكت.. هذا مستحيل .
ومع ذلك فقد كانت هناك فكرة تقول لها إنه يستطيع أن يحادثها دون أن يحاول إهانتها .
وكأنما استيقظت فعلا الآن... فنزلت عن السرير وذهبت لتنظر خارج النافذة . وتأملت طويلا شجرة الخوخ التي تنمو خارج غرفتها تماما. ثم تحركت نحو خزانتها ، وهي تشعر بكراهية أكثر له، سوف تتناول العشاء معه ، إذ يبدو أنها مجبرة . إذا كان يظن بأنه سيتنعم طويلا مفكرا أنه هزمها ، فعليه أن يفكر ثانية!
عند الثامنة تماما ، حسب ساعة جوليانو التي في معصمها ، تركت الغرفة . واثقة أن فستانها الطويل دون أكمام يناسبها تماما ، فقد أخبرتها المرآة بهذا.
وتوقعت أن تشاهد رفيقها لا يزال غاضبا كما رأته آخر مرة ، ولكنها أخفت دهشتها عندما حياها بإجابية أكبر .
-هل ترغبين في شراب قبل الطعام يا كولين ؟
إذا.. لقد عادت "كولين" ثانية ، وخلعت الساعة وأعطتها له :
-لا.. شكرا سنيور .
-اسمحي لي إذا أن أرافقك إلى غرفة الطعام . تينا تنتظر أن تقدم العشاء .
كان وجه تينا دون ابتسام عندما صبت لها الحساء في طبقها . ولم تكن كولين تنتظر أن تبتسم لها ، ولكن على الأقل أن تبتسم لمخدومها ، وهذا ما لم تفعله .
ورغم أنها لم تكن تشعر بالجوع ، فقد رفعت ملعقة من الحساء إلى فمها . وكان الحساء لذيذا . وتناولت ملعقة أخرى ، ُم دخلت تينا ثانية ومعها طبق نسيت وضعه على المائدة ، وسمعت جوليانو يقول لها شيئا بالإسبانية،
وأحست أن شهيتها قد غادرتها بعد أن شاهدت تينا تبتسم وهي ترد عليه . فوقعت الملعقة من يدها.
-ألم يعجبك الحساء ؟
إن له عينا صقر تراقبانها! وردت عليه بأدب:
-الحساء لذيذ .
-لماذا لا تتناولينه كله إذا ؟
-لأن شهيتي للأكل ضعيفة ، لقد قلت لك هذا . أظن أن علي ترك مجال لما سيتبع الحساء .
ما تبعه كان كان أشهى لحم مشوي "ستيك" عرفته، قدمت معه السلطة . فقالت قبل أن تستطيع التراجع :
-لقد كنت أظن أن الطعام المكسيكي يقدم عادة مع الكثير من الفلفل الحار.
-وأنا ظننت أن الأفضل لك أن تأكلي الطعام الذي تعودت عليه ، طالما شهيتك بحاجة لتشجيع.
-وهل جعلت تينا تحضر وجبة إنكليزية خاصة لي ؟
-كانت مسرورة لهذا. ولقد هنأتها على الحساء على الطريقة الإنكليزية .
إذا لهذا ابتسمت له تينا ، فكل موظف يحب أن يمدحه رب عمله على عمله الجيد . لكنها يجب أن تنتظر طويلا قبل أن يمدح عملها .
بالطبع هي ليست بحاجة لمديحه.. ولاحظت أنه يراقب عدم تحرك السكين والشوكة في يديها، فقطعت قطعة صغيرة من اللحم . لقد تعبت تينا كي تحضر هذا الطعام الخاص ، لذا ، ومن أجلها ، وضعت قطعة اللحم في فمها.
-أخبريني شيئا عن حياتك في إنكلترا يا كولين .
كانت تتوقع وجبة طعام دون كلام ، فأدهشها سؤاله ولكنها أجابت بأدب :
-ليس هناك الكثير لأقول لك سينور.
-إذا أخبريني عن القليل الموجود، وناديني جوليانو بالمناسبة .
لقد قلت إنك لم تكوني تعملين في إنكلترا؟
-آه.. لا..
كانت لا تزال مستغربة لتنازله من عليائه وطلبه منها أن تناديه باسمه الأول ، وخاصة أن باقي عماله يدعونه "السنيور".
-حسنا.. أنا..
وسعلت . وتملكها الرعب من أنها سوف تستغرق في إحدى نوباتها حتى تدمع عيناها وتنقطع أنفاسها . ولكن هذا لم يحدث ، وابتسمت له بارتياح:
-لقد عشت في منزل كبير للغاية مع والدي .
ولم تعد تبتسم ، إذ أنها لم تتذكر فقط كم كان والدها مثيرا للمشاكل معها . بل أيضا كيف أنها وهي في الثالثة والعشرين قد اختصرت كل حياتها بهذه الكلمات القليلة .
لقد عاشت في ذلك المنزل الذي يشبه القبر الضخم مع والدها ، وهذا كان كل حياتها ووجودهاوأخرجها سؤال جوليانو التالي من أفكارها البائسة :
-ألم يكن لديك أم ؟
-لا.. لقد توفيت وأنا في السابعة.
-وهل سيكون والدك وحيدا دونك ؟
بوجود آغي باركر أو بدونها ، فهو لن يشعر أبدا بالوحدة. و لن يكون أكثر سعادة لو علم أنها أختفت عن وجه الأرض. لن يفتقدها أحد.
-سوف يتزوج ثانية عن قريب.
-أوه.. لهذا إذا قررت ترك إنكلترا.. فأنت لم تحبي زوجته المستقبلية.. أنت تغارين منها.
أغار منها! كم هو مخطئ ، فوصول آغي باركر أتاح لها فرصة الخلاص . إنها لا تحبها ، ولكن ليس بدافع الغيرة ، وستكون دائما ممتنة لها ،
فبسببها حصلت على حريتها... ةتطلعت بالرجل الذي كان يتفرس بها ومنعت ضحكة هستيرية من الأنطلاق... أية حرية هذه! فعندما تكون تذيب أصابعها حتى العظام في العمل لهذا المستبد ، فهي مازالت عبدة له كما كانت لوالدها.
-ظننت بأنك اتخذت قرارا حول سبب مغادرتي إنكلترا ، ولا تقل لي إنك غيرت رأيك واقتنعت الآن أنني لم أجئ إلى هنا لأنشب مخالبي فيما قد أستطيع الحصول عليه؟
وأحست فجأة بأنها اكتفت ، وغادرتها شهيتها ، فوقفت .
-ولكنك لم تنهِ طعامك بعد.
ووقف بدوره . وطوله الفارع يغطي عليها وهو يمنعها من الخروج ، القسوة في عينيه ذكرتها بايزابيلا وكيف هجرها شقيقها المخادع ، ونظر إلى قطعة اللحم التي لم تنهها بعد ثم عاود النظر إليها ، فقالت بعناد :
-لقد أكلت كل ما أستطيعه.
وعلمت بأنه سيجرها لتعاود الجلوس إذا لم تفعل بنفسها .
-إذا تناولت المزيد سوف أحس بالغثيان .
واختفت قسوته فورا. ومد يده ليمسك بذراعها ويسندها قائلا:
-وهل أنت مريضة ؟ لقد فكرت من قبل بشحوبك...
وردت عليه بجفاء:
-لم أشعر بأنني أفضل حالا في حياتي . ولكنني سأشعر أفضل بعشر مرات لو تركت ذراعي وسمحت لي بالذهاب إلى غرفتي .
وهي تتكلم كانت تفكر أن ليس هناك أمل بأن يفعل ماطلبت منه لذا ، وعندما ترك ذراعها ، وقفت دون حراك . بينما أخذت عيناه الزرقاوان تتفحصان شحوب وجهها.
-لا يبدو عليك...
-ليلة سعيدة يا سنيور.
ولم ترغب في البقاء لحظة أخرى لتسمع ما سيقول حتى لا يغير رأيه . وتجاوزته لتخرج ، فناداها:
-كولين!
وتوقفت عند السلم ، وأبقت ظهرها إليه حتى لا يرى عينيها المبللتين بالدموع، فتابع:
-سنخرج في وقت متأخر غدا صباحا.
وأخذت تفكر وهي مستلقية في الفراش ، من أين ستجد القوة اللازمة لتعلق الستائرفي الغد.
وأيقظتها نوبة سعال في الليل ، وتركتها مقطوعة النفس تشهق ، يجب أن يكون سعالها قد تلاشى الآن ولكن بما أنها منزوية لوحدها داخل ذلك المنزل فهي لم تتعرض كثيرا للشمس التي أمرها الطبيب أن تعرض نفسها لها.
وأرهقها السعال ، فاستلقت ثانية ، وبدأت على الفور بالسعال من جديد وأحست بالتعب ، فجلست في الفراش وهي مبللة بالعرق.
فرفعت الأغطية عنها ، وقد شغرت بحاجة ملحة لبعض عصير الليمون الساخن ، فهذا أوقف السعال من قبل ، سوف تنظف كل شيء من ورائها ولن تحس تينا بأنها كانت في المطبخ . واستندت إلى باب غرفتها محاولة إيقاف السعال قبل أن تفتحه.
زغطت فمها بيدها ، وذهبت إلى المطبخ حيث أضاءت النور وأغلقت الباب ، ولكن قبل أن تبحث عن الليمون جلست قليلا،
وأحست بالتعب والإرهاق، وبالسرور لأن أحدا لا يراها وهي على هذا الحال. كرامتها تطالبها بأن لايعرف جوليانو أي شيء عن هذا ، فسيقول بأنها تسببت به لنفسها لأنها لا تأكل جيدا ، وشعرت برأسها يدور.
وأجبرت نفسها على ترك الكرسي ، فهي بحاجة إلى قدر ما تستطيع من النوم كي تكون مستعدة لعمل الغد ، ولكنها لم تبتعد سوى خطوات عندما فتح الباب وراءها فالتفتت بسرعة .
ومن خلال نظرها الغائم رأت الرجل الذي لم ترد أن يعرف ما يحدث لها ليلا ، ولكن كلمة "يا إلّهي" التي خرجت منه بعد أن رآها أعطتها فكرة بأنه لم يكن سعيدا بما رآه.
وبدأت تترنح ، ووجدت راحة كبيرة عندما ، وبخطوة واسعة ، وصل إليها وأمسك بها ، وتعلقت به بضعف ، وأسندت جسدها عليه إلى أن أحست أن الدنيا من حولها تعود لطبيعتها، وعلمت بأنها لم تعد مهددة بالإغماء فحاولت التحرك ، ولكنها لم تستطع ، فبقيت متعلقة به ونسيت أنها لا تريده أن يعرف حالتها.
-لقد.. أتيت إلى هنا.. لأحصل على... بعضالليموناظة... الساخنة.. السعال لا يتوقف...
وتعلثمت بآخر كلمة قالتها ، وانهارت ثانية، وعادت تسعل السعال القاسي الجاف.. وكان جسدها مليئا بالعرق ، حتى أن ملابسها أصبحت مبللة ، ثم تحرك الكتف الذي عادت للاتكاء عليه ، وأبعدها قليلا لينظر إلى وجهها المجهد ، وفيما هي تقول له:
"أنا أسفة" لاحظت أن لا قساوة في وجهه
وظنت كولين أنها تهذي عندما شاهدت فمه يتحرك وكأنه يبتسم.. هل يبتسم لها؟ ثم بدأت يداه القويتان تحركانها نحو الكرسي ، وقال لها:
-اجلسي هنا قليلا يا كولين.
كان صوته ناعما ، رقيقا لطيفا جدا حتى أنها ظنت بأنها تحلم، فهو لم يكلمها أبدا بمثل هذه الطريقة من قبل . وجلست حيث قال.
لأنها بكل بساطة لم تكن تملك القوة الكافية لفعل شيء آخر .
و راقبت الطريقة الفعالة التي تعامل بها مع الليمون والسكر والماء ، ثم وضعها في وعاء فوق النار، ومع أنها كانت تحس بالدوار فقد كانت أكيدة أنها لا تتخيل أن هذا المستبد يحضر لها شراب الليمون الساخن الذي تحتاجه. وقال لها مبتسما :
-لن أتأخر عليك.
وتركها وخرج ، ولم يتأخر ، ولكن عندما عاد كان السعال قد تملكها ثانية، و لم يضع أي وقت في فحص حرارة محتويات الوعاء على النار، أو في صبه في كوب و إعطاءه لها:
-أشربيه على مهل .
و أحست بالراحة فورا.و كان مريحا جدا لحنجرتها المجروحة ، فهمست :
-شكرا لك.. أنا بخير الآن ، ولكن هل لي أن آخذ بعضا من الشراب معي إلى الغرفة ؟
-سأضعه لك في ابريق.
-لا داعي لذلك.
وكل ما حصلت عليه من رد كان ابتسامة ، وظنت أنه لن يحضر الابريق لها، فحاولت صب كوب آخر لتأخذه معها ، فقال لها بسرعة:
-اتركيه يا كولين.. سوف أجلبه إلى غرفتك.
وكانت بحاجة لكل قواها كي تصعد السلم ، فوقفت وساقاها ضعيفتان ، فقال:
-هل أنت مستعدة للعودة إلى فراشك ؟
-نعم.. شكرا لك يا جوليانو.
و لكنها ما إن خطت خطوتين على السلم حتى شعرت بأن ذراعيه أصبحا حولها ، ولم تدرك إلا و قد حملها إلى فراشها ، وقال لها بلهجة ناعمة :
-أعتقد أن هذه الطريقة أسرع.
وأحست بالارتباك ، ربما المرض يظهر أفضل ما لدى الرجل .
مع أنها ليست مريضة، بل تشعر بالانزعاج من السعال الذي يستغرق وقتا طويلا ليتركها ، وكانت تشعر بالدوار وهو يفتح الباب ، ورأسها مرتاح إلى صدره ووضعها بكل لطف في فراشها وسألها:
-هل تستطيعين تدبير أمرك لوحدك ؟
-أوه.. أجل.. أنا أفضل بكثير الآن .
ولأنه أصبح جوليانو إنريكو جديد أمامها ، شخص يبتسم لها ، فقد ذاب كل تحفظها التقليدي . وابتسمت له بدورها.
-سأذهب الآن لأحضر لك الليموناضة .
كانت تفكر بأنها ستنتظر عودته ، ثم خروجه من جديد ،؟ كي تغير ثوب نومها المبلل بآخر جاف ، عندما شاهدت أنوار سيارة تصل وتنعكس على نافذتها ، وتساءلت من يكون هذا الزائر الليلي يا ترى ؟ أم أنها تتخيل هذا كما تخيلت سرور جوليانو عندما نادته باسمه الأول ؟
وعندما عاد جوليانو وفي يده كوب الليمون ، لم يكن لوحده ، وأوضح لها قائلا :
-هذا صديقي الدكتور بريغادينو.
-دكتور ؟ ولكنني لا...
-لست بحاجة لدكتور.. لقد اكتشفت فيك يا كولين شادو ، التصميم على عدم الاستسلام . واسمحي لي ، بما أنني الرجل الذي سيكون مسؤولا عنك خلال إقامتك في بلادي ، أن أعرف ما هو الأفضل لك .
ولم يكن هناك مجال للجدال مع لهجته هذه . وتقدم الدكتور من فراشها ليفحصها ، ولكن جوليانو استرعى انتباهها عندما قال :
-سأحضر تينا .
وصرخت "لا..!" ، وتركز انتباه الرجلين عليها .
-ولكن راوول سيفحصك .
-لقد سببت مايكفي من إزعاج ، أولا أخرجتك من فراشك ، ثم في منتصف الليل الدكتور بريغادينو . و لن أقبل أن أزعج نوم تينا .
-لا خيار لك في الأمر ، إلا إذا قبلت أن أبقى كي أساعدك في خلع ملابسك .
فصرخت بحدة وقد أجفلت للفكرة "لا!" وعادت النظرة الناعمة إليه وهو يبتسم و غادر الغرفة لإيقاظ تينا .
وجلس الطبيب إلى جانب السرير ، و سألها بإنكليزية جيدة حول كل المعلومات التي يريد أن يعرفها عن مرضها ، ودخلت تينا مسرعة إلى الغرفة.
وبدت كل هذه الجلبة على شيء لا يذكر . ففي غضون دقائق كان الطبيب قد فحصها ، وساعدتها تينا في تغيير ملابسها.. كل ما بها سعال لا يريد أن ينتهي . وتمنت لو يتركونها بسلام ، فهي تعبة ويمكن لها أن تنام لفترة طويلة.
و ما إن غادر الدكتور وتينا الغرفة حتى غرقت بالنوم . ولم تعلم بأن جوليانو أمضى دقائق طويلة يتحدث إلى الطبيب ، و لم تعلم أيضا أنه عاد للدخول إلى غرفتها ووقف يتأمل بوجهها الشاحب ، وشعرها الأشقر المتموج المنتشر على الوسادة ، ثم أطفأ المصباح الصغير بجانب السرير ، وخرج .
وبدا لها كل شيء كالحلم عندما استيقظت في الصباح التالي .
و لم تكن متأكدة أن ما حدث ليس حلما . إلى أن نظرت إلى ما كانت ترتديه مرميا على الأرض ، و شاهدت ابريق الليموناضة . فهل حقا نادت جوليانو إنريكو باسمه الأول ؟
تحت ماء الدوش تمنت لو أنها تعرف كم الساعة الآن . وأحست بالانزعاج لأنه سيشرف اليوم على عملها . وتذكرت الطريقة القاسية التي نظر بها إليها عندما رفضت ازعاج تينا من نومها . لابد أنه سيكون غاضبا جدا إذا لم تسرع في التحرك في عملها .
عندما خرجت من الحمام وجدت جوليانو في غرفتها . كان يقف مستندا إلى طاولة الزينة ، وعيناه تراقبانها . فقالت قبل أن يقول لها أية كلمة قد لا تحب سماعها :
-لقد تأخرت.. أعرف هذا.. و أنت تعلم أن ساعتي...
-و ماذا تريدين أن تفعلي بحق الجحيم ؟
-أنا مستعدة للذهاب إلى العمل.. لم تكن بحاجة لأن تحضر لتأخذني.. كنت على وشك...
-و هل أنا ظالم إلى هذا الحد ؟
و تذكرت ليلة أمس ، لطفه ، الطريقة التي حملها بها إلى غرفتها ، و الطريقة اللطيفة التي وضعها بها في الفراش . وشعرت بالضعف ، و لكن لا يمكن أن تسمح لنفسها أن تضعف أمامه .
-في الحقيقة أجل.. أنت ظالم.. وإذا سمحت أخرج من الغرفة لأستعد للذهاب...
-المكان الوحيد الذي ستذهبين إليه يا كولين الصغيرة هو إلى الفراش.
كم تبدو هذه الفكرة رائعة! و أرادت بكل يأس أن تستسلم لها ثم فكرت بأنها لن تتمكن بهذه الطريقة من الهرب من تحت سقف منزل هذا الرجل.. فصاحت:
-ماذا... وأعطيك الفرصة لتقول بأنني ادعيت المرض بقصد أبقى هنا ؟ لا.. هذا مستحيل!
-لم أكن أعلم عندها أنك مريضة . لماذا لم تقولي لي ؟
-يا إلّهي.. إنها مجرد انفلونزا.
-ولكنك التقطت جرثومة قوية بشكل خاص... وهذا ما عرفه راوول بريغادينو من وصفي له لطريقة سعالك ، ومما قلتيه له.
-لا شيء في صحتي لا يمكن لقليل من الشمس شفاؤه ، طبيبي في إنكلترا قال لي.. ولذلك...
-وهكذا لقد أتيت إلى المكان المناسب دون شك . و بما أن قدميك ترتجفان ، فمن الأفضل أن أضعك في الفراش .
-لن أفعل هذا...
و أحست أنها على وشك الأنهيار ، فتقدم منها و كأنه يحاول إقناعها ولكنه أمسك بذراعها ، و كأنما يريد أن يهزها بعنف فقالت :
-لا تكن قاسيا معي!
كانت تشعر بأنها على وشك البكاء ثانية ، وخافت أن لا تستطيع منع دموعها فيما لو هزمها ، وأجابها بصوت هادئ :
-أنا لا أنوي أن أكون قاسيا معك .
ثم جذبها لتجلس على السرير ، وجلس بقربها مضيفا :
-راوول قال لي إنك بحاجة لراحة تامة... فاستسلمي يا كولين ، أنت تعرفين جيدا أنك لا تصلحين للعمل .
وأرادت أن تجادله ، وأدرك أنها لن تعترف بالهزيمة . ثم رأت الابتسامة على وجهه من جديد ، وقال :
-استسلمي ، أنت تعرفين أنني لن أصطحبك إلى ذلك المنزل ثانية.. هل ستجعليني أعترف بأنني كنت قذرا معك لأنك لم تنجزي العمل الذي أردت أن أراه ، في وقت كنت فيه مريضة أمس وقبل الأمس .
-و لكنني لست...
-ألست مريضة يا كولين ؟
-بلى...
وابتلعت ريقها ، و قد سحرتها فتنته . عندها ، و بكل لطف ، أخذها بين ذراعيه معانقا ، فاستسلمت ، دون أن يكون في ذهنها أي تفكير بالتراجع .
و ارتفعت حرارة جسدها حتى ظنت بأنها ستحترق ، وتعالى اللون الأحمر إلى وجهها بحيث أنه لا يمكن أن يراه حتى ولو كان قصير النظر .
وعاودتها كراهيتها له ، وهي تسمعه يضحك للمرة الأولى . ثم توقف عن ضحكه وقال مداعبا:
-كولين شادو... لقد تملكك الخجل! لماذا ؟ أعتقد أنني أول رجل خارج مهنة الطب يلامس جسدك!
و ازداد لونها احمرارا من الخجل ، مضافا إليه شعور بأنه يعتقد أنها من الطراز القديم ، ثم قال و كأنه يؤكد ظنه بأنها لم تكتمل أنوثتها:
-هيا الآن يا طفلتي.. استلقي في الفراش.. تينا تنتظر لتحضر لك البيض المسلوق والخبز المحمص على الطريقة الإنكليزية.

******************

يتبع.....



زهرة الأوركيد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس