عرض مشاركة واحدة
قديم 19-02-13, 12:01 AM   #12

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل التاسع
اهداء الى ناهي و رملة و اوركيدة و اليسون اليس و ليوسا



عندما تردد الى مسامعها ضجة عالية في الرواق، غادرت كاثي غرفة نوم شقيقتها التي ماتزال تغط في نوم ثقيل بسبب المهدئ الذي حقنها به الطبيب .. ضمت وشاحها اليها متاجهلة تعبها الجسدي و ارهاقها النفسي و اسرعت نحو الغرفة التي تصدر منها فوضى أصوات ممتزجة بشهقات متألمة مزقت روحها.
" فلور..."
تجمدت كتفي هذه الأخيرة لثوان قبل أن تتابع مهمة تكديس أغراضها بحركات فوضوية و هستيرية في حقيبة السفر.
دنت منها كاثي وحاولت لمس كتفها لكن هذه الاخيرة انتفضت كأرنب مذعور و ابتعدت عنها.
" آسفة حبيبتي..."
" لما تأسفين خالتي؟؟ هل تعرفين كم عدد اللقيطات في العالم..؟؟" تمزقت كاثي للمرارة التي تخللت كل كلمة متوجعة انفلتث منها، مجددا تهربت فلور من ملامسه يدها، استجمعت كاثي بعض الهدوء و همست برقة:
" كونك ابنة رجل آخر لا يغير حقا من تكونين..."
" لا أريد أن أكون ابنة رجل آخر... فرجينيا حرمتني من حرية الإختيار للأسف "
جمعت أغراض زينتها بين ذراعيها مرة واحدة و قذفتها فوق الاقمشة الغالية لفساتنيها القيمة غير آبهة بلأضرار.
"الى أين تنوين الرحيل؟؟"
" لما لا الجحيم؟ عموما... لا يقل عما أعيشه هذه اللحظة"
بحزم تمكنت كاثي من التقاط ذراعها، وبكل صلابة أدارتها نحوها لتنظر مباشرة في عينيها، الكلمات التي نوت تهدئتها بها اختفت بينما ارتسم الرعب على وجهها.
" مالذي حصل لوجهك؟"
كان وجهها الجميل شديد الشحوب، عينيها الخضراوين و الكبيرتين متورمتان مع أرنبة أنفها الذي يتطابق بشكل صارخ مع أندريس، بينما وجنتها اليمنى منتفخة و قرمزية تقريبا... كيف لم تنتبه للشبه بينها و بين ابن عمها؟؟ ابتعدت عن القواسم المشتركة بينهمت لتركز فحسب على التورم البشع في وجهها، امتدت يد فلور الى وجنتها و دعكتها بكياسة :
" سقطتُ من السلم.."
" أين أمضيت ليلتك؟؟"
" في أحضان رجل متزوج... أتمنى أنني أشبعت فضولك..." ارتجف دقنها الصغير و التمع العذاب داخل الزمردتين البراقتين.
كانت على شفير الانهيار العصبي، مطلقا لم ترى كاثي ابنة شقيقتها على هذا النحو و بالتأكيد لا تصدق قصة هذا الرجل المتزوج الذي أمضت ليلتها بين ذراعيه، انها طريقتها للتهكم و الغضب :
" أفهم بما تمرين"
قاطعتها بعنف وهي تهتف باهتياج
" لا أحد يفهم بما أمر ... "
ابتعدت مجددا نحو حقيبتها و عادت تقتص منها بتكديس كل شيء في قلبها، عندما فشلت في اغلاق السحاب مرة ثم مرتين، شتمت و لعنت و انهالت بالضرب على الجلد الناعم لـ'لويس فايتون' الى أن اكتفت، بعد ذلك جلست بالقرب من حقيبتها، وبملامح جندي مهزوم وضعت رأسها بين يديها و انفجرت باكية، أخدت كاثي انفاسا عميقة قبل أن تقرر مواساتها، عموما... هذا ما فعلته طيلة ليلة أمس مع فرجينيا... بعد ان مرت صدمة مرض زوجها افرغت هذه الاخيرة كل ما في جوفها من دموع و ما في جعبتها من اسرار،أمضت كل الليل بالتكلم عن اندريس، تارة تلعنه و تارة تتحذث عنه و كأنه أنبل من مر على وجه الارض... بالكاد تتكلم عن روبيرتو كي تنتقل و بسرعة لأندريس... وتلعنه مرات و مرات بقلب امرأة عاشقة و خائبة الأمل في حب حياتها.
" لما لم تصارحيه بشأن فلور عندما كان الوقت مناسبا و توفري عليكما كل هذه المعاناة؟؟" كانت قد سألتها... سؤال طالما حيرها هي نفسها... لما عذبا بعضهما بهذه الطريقة القاسية بينما كل منهما يذوب عشقا في الأخر.
" طرحت على نفسي هذا السؤال" اعترفت فرجينيا من خلال دموعها المريرة " طرحت على نفسي... هذا السؤال عندما انجبت فلور... و توهمت أندريس بدل روبيرتو الذي كان يحملها بين ذراعيه بكل فخر... خاطبت نفسي... مالذي يفعله هذا الرجل هنا؟؟ لما ... لما ليس اندريس الى جانبنا انا و ابنته ؟... لما ابعدته بينما احتاجه بكل جوارحي؟... فليذهب الكبرياء الى الجحيم عندما نعيش مع قلب محطم و روح ممزقة طول العمر "
لامست كاثي شعر فلور الكستنائي الناعم، ومن خلال دموعها راقبتها تأن من تحت يديها التي تسجن بها شهقاتها القوية و تمنعها من الخروج.
" لماذا؟؟ لماذا فعلا بي ذلك؟؟" تسلل الى مسامعها نبرة قهر مرتعدة حطمت قلبها، فركت كتفيها المرتجفتين بيدها وهمست برقة:
" ربما... لم يملكا الخيار..."
" نملك دوما الخيار خالتي..." تمتمت بحزن وهي تمسح وجهها المبلل بالدوع بظهر يدها كطفلة صغيرة" اشعر بأن حياتي... ذكرياتي بلا قيمة... لستُ... لستُ متأكدة من مسامحتها يوما... أشعر بالغضب و الكره نحوها لكل الأسى الذي ألحقته بأبي الذي عشقها من قلبه"
" فرجينيا أحبت روبيرتو..."
ضحكة مريرة خالية من المتعة انفلتث من بين شفاهها
" لم اتعرف بعد على هذا النوع من الحب... "
ثم ... بكل هدوء عادت لحقيبتها، أفرغتها بتمهل لتعيد ترتيب لوازمها بشكل أقل فوضاوية، تنهذت كاثي:
" الى اين ترحلين فلور؟؟ والدتك ليست بخير بالامس فقط اكتشفت مرض والدك و هي محطمة و مريضة... اتوسل اليك لا تتركيها الان... انها بحاجتك"
هزت فلور كتفيها و كأن الأمر برمته لا يعنيها:
" أحتاج الى المسافة و الهواء ... أحتاج لبعض الوحدة..." هذه المرة تمكنت من اغلاق سحاب حقيبة سفرها " لما لا زيارة الكونت لنتعرف على بعضنا بشكل أفضل؟؟"
انسحب الدم من وجه كاثي و تلعثمت:
" لن تنتقمي من والدتك من خلال اندريس؟"
" انا لا انتقم من أحد... أفعل فحسب ما لم تفعله هي منذ سنوات طويلة... من حق والدي الحقيقي ان يعرف بأن له ابنة " قذفت بإشمئزاز.
" فلور..." أمسكتها من ذراعها بحزم ولامست وجنتها المتورمة بحنان" أتوسل اليك... اتوسل اليك حبيبتي لا تخبري شيئا أندريس، أعرف بأنك محطمة و ناقمة و غاضبة، لكن اتركي الفرصة لوالدتك كي تستعيد شتات أفكارها و حياتها... فقط فرصة أخيرة لتصلح ما أفسدته... حبها لأندريس كان حقيقي و علاقتهما معقدة ربما لن تفهمي دوافعها لكنني افهمها و لهذا... أتوسل اليك... لا تخبري الكونت و دعي هذا الأمر لها"
***
كيف يُعقل أن تكون إمرأة بكل هذا القدر من الحسن ؟؟ تسائل نيوس لمرة لا يعرف عددها بينما تلتحم نظراته السوداء بشبح 'ديامانتي سانتو بنيديتو'... ملاك حقيقي في هيئه امرأة... و أي امرأة بحق الله... تتربع على عرش مملكة الجمال و الأنوثة الطاغية... تنظر الى الشمس و القمر و تسخر منهما بإشراقتها و اشعاعها.. يتفهم خيبة دراكو فالكوني... ديامانتي تسلب الألباب.
قطع المسافة بين مدخل القصر و منضدة الافطار في الحديقة دون أن تبتعد عيناه عن المرأة الغافلة عن اقترابه... كانت منغمسة في كلام مسلي مع 'رالف' و 'جو' أصابعها الطويلة و الأنيقة جدا تقومان بحركات خفة اليد... امام تعبير الطفلين الصغيرين المشدوه تمكنت من خداعهما و اخفاء الكرة الحمراء الصغيرة.
" اين الكرة؟؟"
رغم ذكاء رالف لم يعثر على مبتغاه، قربت ديامانتي يدها من ادنه و ظهرت الكرة امام دهشة جو و امتعاض رالف.
" أنت ساحرة حقيقية " قال جو بسرور.
الشمس العمودية تسقط على كثلة شعرها الذي يتلألأ كشلال من الماس، الرؤية بدت خيالية لدرجة دفعت تلقائيا عضلات معده نيوس للتشنج بشكل مريب.
كانت ترتدي فستان اسود في غاية البساطة، مختلف تماما عن التحفة الفضية التي التحمت مع جسدها الفاثن ليلة أمس و أضرمت النار في حواسه الذكورية حيث أمضى ليلة بيضاء متقلبا في جحيم الرغبة المتوحشة... وهو يد يدرك أن المسؤولة على حالته تنام على بعد أمتار من غرفة نومه.
توقف لنصف ثانية منبهرا بالحركة الناعمة لأصابعها بين خصلات شعر 'جو' الحالكة، كانت لمستها حانية وودودة، لكنها اثارت غرائز بدائية و عنيفة في كيانه... تسارعت أنفاسه و شعر بأن بركان من الرغبة يكاد ينفجر بين ضلوع صدره... لا يعرف ما ستكون عليه رده فعله لو لامست شعره شخصيا بتلك الطريقة البرئية و الحسية... لما لا اماكن أكثر حميمية في جسده... صورة جرئية جدا مرت في مخيلته بسرعة البرق، صور لديامانتي بدون هذا الفستان الحزين الذي ترتديه.
ردات فعله تتركه في حالة صدمة منذ أمس... أو بالأحرى... منذ ان وقعت عيناه عليها.
ساحرة حقيقية... ترددت كلمات 'جو' في عقله كالصدى... ساحرة سيطرت على حواسه التي كان يشك بوجودها ...و بشكل أو بآخرأجبرته على تغيير خططه بالرحيل و تمديد اقامته لنصف يوم آخر.
لم تمنحه ردا بالنسبة لعرضه، منذ أن أخبرها بأنها ستكون بأمان في جزيرة 'القمر'وأنها المرشحة المناسبة للعناية بجده العجوز و المريض وهي تتجاهله ... منذ متى تطلعت اليه امرأة بعداء و ازدراء؟؟ أبدا...
واذا كانت تظن بانه سيتركها في قصر الدوقية و يعود هو الى حياته بطبيعية و كأن شيئا لم يحذث فهي واهمة... لاشيء مثل السابق... حياته تغيرت منذ أمس... على هذه المرأة أن تكون في حياته كي يعيش بسلام... يرفض تخيلها بعيدة عن محيطه.
انتبهت أخيرا الى وجوده، انزلقت يدها من شعر 'جو' بينما تلتفث بسرعة نحوه... بحق الله... هذه العينان سوف تصيبانه بنوبة قلبيه... فقط لو لم تكونا بهذا الاتساع... فقط لو لم تكن شفاهها بهذا الاغراء... فقط لو لم تكن مختلفة وتوقض غرائزه كحيوان بدائي لم يعش الاثارة و لا النشوة يوما... رجل لم يعرف معنى التطلع الى امرأة حسناء... تتنفس الانوثة و النعومة و الاثارة... امرأة مسحت قائمة النساء اللواتي ممرن في حياته... و أضحت ذكراهن بوجودها باهته و فاحشة.
أظلمت عيناها كما توقع، و اختفت التسلية من وجهها الفاثن قبل أن ترمقه ببرود و تتجاهله... كاد يفقد رشده من الغضب الذي تسلل الى شراينه بشكل مفاجئ... مطلقا لم تتعامل معه امرأة بهذا التنازل ولا الاحتقار... لكن من تظن نفسها؟؟... بالتأكيد جمالها يعميه... لكن ليس كليا.
" عمي نيوس... " هتف 'جو' ما ان لمحه و اشار الى الملاك الغاضب جانبه بفخر" ديام تقوم بألعاب سحرية..."
" 'ديام' تملك الكثير من المواهب..." لم يمنع نفسه من مشاكستها، رمقته بنظرات قاتلة...وحدها فقط من يفهم معنى كلامه.
الم يمضيا الوقت بالمد و الجزر بالكلام طيلة مساء أمس؟؟ ربما مارك انتبه للتوثر بينهما لكنه لم يعلق، حتى انه ترك قريبته الغالية تحت حمايته لوقت وجيز بعد العشاء... وقت وجيز استغله نيوس ليناقشها بعرضه.
الإجابة التي تلقاها كانت مؤلمة لكبريائه..." أفضل الموت على الذهاب مع رجل متغطرس مثلك... لست حتى نوعي المفضل 'دون ليونيداس' "
ربما ليس صنفها المفضل لكنها هي... صنفه و طبقه المفضلان... رغم امتعاضها احتل المقعد القريب منها، انتفضت مبتعدة واضعة أكبر مسافة بينهما، من مكانه يستطيع رؤية بشرتها الشبه شفافة لعنقها الطويل حيث شريان ينبض بجنون و يفشي أسرار روحها، رمقته من خلال رموش طويلة جدا بالكاد تكون حقيقية وزمت شفتيها الرائعتين بإضطراب... غير راضية بالتأكيد على تركيزه العميق عليها... بحق الرب... هذه المرأة ضرب من الجنون و الخيال.
" أشرب قهوتي قوية و بدون سكر..."
انتفضت ديامانتي للهجة الجليذية و الآمرة لضيف قريبها الفظ و اعترتها رغبة عارمة بالانقضاض على وجهه المتغطرس و خدشه بمخالبها، للأسف... لن تتمكن من تحقيق رغبتها بينما التوأمين الشديدا الذكاء يتطلعان نحوهما ببعض الفضول... بالتأكيد لم تفتهما الذبذبات القوية في الجو.
ازدردت اعتراضها و التقطت ابريق القهوة الفضي لتملأ فنجانه بسائلها الحار -الذي تمنت حرق وجهه المتعجرف به - و تضعه أمامه دون النظر نحوه حقا... الهشاشة التي تشعرها بينما تلتقي بنظراته العميقة السوداء تثير رعبها... لا تريد أن تكون تحت رحمة هذا المغرور المختال... انه يشبه دراكو بغموضه وفيما يتعلق بها ضاقت ذرعا بالتعقيدات و المخاطر... تريد حياة هانئة و طبيعية.
" هل فكرتِ بعرضي؟؟"
عادت الى الواقع و انتبهت الى أن طفلي قريبها تركاهما بمفردهما... بسرعة وجد التوثر طريقه اليها، انها لا تحتمل البقاء معه لأكثر من ثانية... رباه... كم تمقت و تكره هذا الرجل.
" أي عرض؟؟" سألته بحذر شديد وهي تكسب الوقت بصب فنجان قهوة آخر لها.
" لا تتغابي يا جميلتي..."
هزت عينيها نحوه و هتفت من بين أسنانها:
" لا تناديني بجميلتي فأنا لست ملكا لك 'دون ليونيداس'..."
لابد أن كلامها أخده على حين غرة، حملق نحوها بنظراته الجليذية ولمعت عيناه السوداوين بتعال زعزع كيانها... شعرت لوهلة كحشرة ضعيفة أمام عاصفة هوجاء، بحتث بعينيها عن مارك أنطونيو، اين يكون عندما تحتاجه بشدة؟؟ ثم... لم عليها البقاء هنا و تحمل هذا الأسمر الماكر الذي يتلاعب بأعصابها بخبرة مكدرة؟؟
وقفت من مكانها، هزت دقنها متظاهرة بالقوة:
" لدي الكثير لأقوم به 'دون ليــونيـ..."
" اجلسي..." قاطعتها اللهجة الأمرة و الحادة و كادت توقف قلبها عن النبض، انسحب الدم من وجهها من شدة الغضب، كيف يسمح لنفسه بالتعامل معها بهذا الشكل؟؟ من يظن نفسه؟؟ مرت ثوان يتبادالان فيها نظرات متحدية، و قبل أن تستسلم لفكرة ترك العنان لساقيها و الهروب الى غرفتها أطبقت يده السمراء القوية على معصمها و جدبتها بحركة جافة تفتقد الرقة الى مقعدها... كان يتطلع اليها بنظرات بدائية... تقريبا متوحشة... يده لم تحرر معصمها، الألم بقي معلقا في الزمن... في نقطة فراغ، بينما تقاوم للتحرر من عينيه الجائعتين اللتين تلتهمان وجهها و شفتيها بهمجية... لم تجرؤ على النطق ولا على الهرب... بقيت رهينة المشاعر الغريبة التي داهمتها بشراسة و تغلبت عليها.
" أثير ريبتك 'مو أومرفي' (جميلتي)؟؟"
نفخت بعصبية و اهتزت الخصلات البلاتينية الناعمة نعومة الحرير حول وجهها المشع جمالا و المحمر غضبا.
" لم ألتقي في حياتي رجل مثير للـ.." قاطعها بإبتسامة متهكمة قبل أن تتمم كلامها:
" اعفيني مجاملاتك 'أغابا مو'... ما يشد اهتمامي حقا في هذه اللحظة هي شفاهك.. هل هي ناعمة حقا أم مظهرهما خادع كالباقي؟؟"
جاء صوته حسيا بشكل رهيب... عميق و مُربك...انزلقت يده خلف رقبتها و أطبقت أصابعه على بشرتها الهشة... الشعور بلمسته عليها يوازي بصمة الحديد المصهور،توقفت انفاسها و قلبها لثوان قبل ان تنطلق ضربات هذا الأخير بجنون أصم ادنيها..لا تفهم سبب هذه المشاعر المتيقضة و المشتاقة ولا هذا التخدير الغريب الذي انطلق من عمودها الفقري و انتشر كالوباء في سائر جسدها... فجأة توقف الزمن ووجدت نفسها تسبح في الفضاء... فضاء خادع و مريب.
تعرف ماعليها القيام به الان... رسم حدودها مع هذا اليوناني الأسمر الخطير وو ضع مسافة شاسعة بينهما... عليها الهروب من مغناطسيته و التحرر من سيطرته المبهمة و القوية.... رباه... أنّت روحها متوجعة بينما تتجاوز انفها رائحة عطره الرجولية المثيرة... كيف ستتحرر منه بينما تتحرق شوقا لذراعيه؟؟..أه كم تكره تأثيره و سلطانه القوي عليها.. كم تكره هذا الانجذاب الساحق الذي يدفعها نحوه -رغم نفورها- منذ سقطت عيناها عليه ليلة أمس... بللت شفتيها عفويا بينما تنتظر بفارغ الصبر قبلته... كادت تصرخ من المفاجئة عندما لامس أصبعه شفاهها المنفرجة و اكتفى بالتطلع اليها ببرود وقد اختفى من وجهه اي اثر للاستفزاز و التسلط الذي طغى عليه قبل قليل:
" بأي حق تتهربين مني بينما تموتين رغبة بي؟؟"
الصدمة شلتها و تسلل الدم الى وجهها و ادنيها، العار الذي شعرته بخر انجذابها و الخزي نجح باعادتها الى أرض الواقع.
" لا تعطي نفسك أهمية 'دون ليونيداس'..." تمتمت ببرود عندما وجدت صوتها أخيرا، دفعت يده بعيدا وهبت واقفة، أنفاسها لاهثة وكأنها ركضت أميالا " أنت لا تثيرني جسديا بقدر ما تثير ريبتي..."
هز حاجبيه الكثين وهو يقف بدوره من مقعده و يردد بصوت محايد:
" شعور متبادل وهذا يوفر الكثير على كلينا... لاسيما و أنت تتأهبين للعمل من أجلي..."
" لم أوافق بعد ..." ردت ديامانتي بنزق.
" لا تملكين الخيار ... لأنني ببساطه لا أترك لك الخيار" راقبته يضع مسافة محترمة بينهما، وتسائت عن السبب الذي دفعه ليغير رأيه فجأة بإغوائها " سوف أعود الى اليونان غدا بعد الظهر... أتمنى أن تكوني مستعدة للطيران معي بعد أن أنهي أعمالي العالقة في فلورانس... "
قبل أن تجيبه كان قد منحها ظهره و أخد مسار مدخل القصر... لم يشرب حتى قهوته.
***
فتحت بيلا باب غرفتها ما ان ترددت طرقات خفيفة دفعت بنبضها الى التسارع بشكل أصم ادنيها.
انه هنا... في موعده تماما، تلون وجهها من السرور بينما يتأمل هندامها بإعجاب و يطلق تصفيرة منخفضة.
" كل هذا من أجلي؟؟"
كانت المرة الأولى التي تجرؤ على كشف ساقيها و تتجاوز حافة فستانها ركبتيها، مسدت ثنورة فستانها الضيقة بلون الخوخ و التقطت معطفها مع حقيبة يدها.
" لا أتجـــــ..ـــمل عادة لرجل مرتــــــبط..." مرتبكة من النظرات العميقة التي يتطلع بها نحوها حولت اهتمامها الى الزاوية ورائه و القت نظرة من فوق كتف اليكس "أين رفيقتك؟؟"
" آه... لديها مشاريعها لهذا النهار" ثم منحها ذراعه بإبتسامة لطيفة " فلنمضي سنيورينا ايزابيلا..."
بلا تردد ادلفت يدها في ذراعه و استعادت الإحساس اللذيذ بأن العالم ملكها.
أمضت ليلة بيضاء، ليلة طويلة تتقلب في سرير غريب بالرغم من نعومة شراشفه وفخامة غرفة الفندق أخفقت بإيجاد السلام في سبات مريح.
فشلت خطط سفرها الى مدينة الأحلام، لكنها تأمل بالكثير من اصرارها على البقاء، أفرغت دموعها ليلة أمس في حمام شقة اليكس بسبب الاذلال الذي شعرت به، لكنها انتبهت خلال العشاء بان شيء غريب يحذث، رغم جهوذ اليكس بمنحها صورة طيبة عن علاقته برفيقته الحسناء أحسته مختلفا... و كأنه يمثل فحسب دور العاشق.
لا هي لم تتوهم، بالكاد يلامس يد رفيقته و تتغضن ملامح وجهه عندما تقفز هذه الأخيرة على عنقه وتقبله بحرارة... لا يبدو سعيدا رغم جهوذه بإظهار العكس.
في الخطوط الأولى للفجر قررت نبذ خططها بالعودة الى التوسكانا و حزمت أمرها بالمضي قدما في سفرها... سوف تكتشف سبب ابتعاد اليكس عنها ولن تعود قبل تحقيق ذلك.
كما وعدها أليكس أخدها في جولة طويلة في المدينة، حيث يتعايش السكان مع الطبيعة بكل متغيراتها التي تقدمها من ماء ويابسة على بقعة صغيرة من الأرض، حلم بيلا منذ زمن... حلم المراهقة التي ماتزال تختبئ فيها... كانت سعيدة لأن الرجل الذي تحقق معه هذا الحلم هو اليكسندرريتشي... اشد الرجال وسامة من الذين سبق و راتهم في حياتها.
لا تريد أن تفكر في رفيقته ولا في الأعذار التي تعدر بها من أجلها... ما تريد حقا التركيز عليه هو أصابعهما المتشابكة بينما يتجولان في هذه المدينة التي ألهمت كثيراً من الشعراء والفنانين والكتاب، وما زالت السينما تستخدمها كخلفية رومانسية لكثير من أعمالها، موطن كازانوفا الإيطالي، وملجأ دون خوان الأسباني... بعد ان تجولا في ساحة 'سان ماركو' اخدا المركب في 'بونتي دي سوسبيري' او جسر التنهدات ترافقهم فرقة موسيقية تعزف لحنا رومانسيا كما هي العادة مع السياح ... بيلا لا تصدق حظها ولا سعادتها... اليكس لم يكن متحفظا مما زاد من سرورها... بل كان يسخر بلطف من رومانسيتها لكنه متجاوب مع حماستها.
تناولا الغذاء في مطعم بسيط ومعه الكثير من الاحاذيث الشيقة قبل أن يستأنفا رحلة استكشافهما، بعد ان تركت الشمس مكانها للقمر المضيء أخدها اليكس اخيرا الى مطعمه الذي مايزال قيد الترميم... جمال موقعه و هندسته سلبا لب بيلا التي برقت عيناها بحماسة.
" متى تنوي افتتاحه؟؟"
" السنة المقبلة..." رد بإبتسامة لطيفة دون ان يترك يدها قادها نحو الصالة الشاسعة المطلة على اجمل مواقع ساحة 'سان ماركو' و 'غراندي كنال'... وضعت يديها على حافة الحائط الحجري و تاهت نظراتها في المنظر الرائع امامها... المكان يتلألأ في الف و الف ضوء من نار... هذا المكان تحفة حقيقية.
" اليكس..." اخدت انفاسا عميقة و دون ان تستدير نحوه بينما تشعر بحضوره ورائها همست بإجلال حقيقي" المكـــــان رائــــــع... يناســـــــــــب حفلات الزواج برومـــــانسيته ... اتخيل سلفا الزيــــــنة .. الزهور... الشمعدان... فســــتان ابيض و ابتسامة سعيـــــدة لزوجيــــن قررا ربط روحيـــــهما في هذا المكـــــــان المذهل"
استدارت نحو اليكس عينيها تشعان بالسعادة.
" ذكريات خالدات ... تعيش طــــول الأمــــد..."
" أنت رومانسية عنيدة... ولا سبيل لتقويمك..." هتف اليكس بإبتسامة صغيرة و هو يدنو منها يتلذذ بجمال وجهها المشع و الخالي من الزينة، شعرها عبتث به الرياح و تشعث بشكل مغري حول وجنتيها المتوردتين... كانت البراءة و الجمال... تجسد ما حرمه على نفسه منذ سنوات... دفع افكاره جانبا و لامس وجهها الحريري بأطراف اصابعه.
" ليس... ليس من العيـــــب أن يكون الانــــسان رومانسيا..." همست برقة أذابت قلبه بين ضلوع صدره، نجوم سماء البندقية المخملية تنعكس في عينيها... كانت رائعة و خيالية.
" و ليس من حقك أن تكوني جميلة و ناعمة الى هذه الدرجة بيلا..." استقبلته شفاهها الناعمة بنفس التلقائية التي يقرأها في وجهها و حركاتها، تجاوبت مع قبلته بحميمية كادت تفقده رشده، رباه... الم يتخد قراره بإبعادها عنه و حمايتها؟؟ لكن استفزاز نظرات الرجال لفتاته هذا النهار كان كافيا لتثور غيرته، أثارت الاهتمام في كل مكان مرا به، أحدهم يلقي نظرة الفضول على عصاه ثم نظرة اعجاب و رغبة عليها... أغلبهم يتسائل ما الذي تصنعه هذه الفاثنة مع أعرج مثله... وضع يديه حول وجهها و أبعدها عنه عندما اتخدت قبلتهما منحى أكثر جرأة و حميمة، انزلقت عيناه على شفاهها المتورمة المحمرة و أجفلته الرغبة المؤلمة التي ضربت أسفل ظهره...
" أليكس... لا تبُعدني" همست متوسلة، عيناها تلتمعان برغبة عاتية، و يديها الناعمتين تبحثان بشوق عن دفئه و ملامسته " انتظرت هذا منذ أمس... أعرف بأنك ترغبني كما أرغبك..."
" ششششت..." تمتم من بين أنفاسه الاهثة و هو يضع أصبعه على شفتيها الممتلئتين" لا تفقهين بما تتفوهين بيلا..."
" أريدك..." قبلت أصبعه فهرب تلقائيا من ملامستها و قد تصلب وجهه، هذه النظرات... كيف سيحافظ على برودة أعصابه بينما ترمقه بهذه النظرات المشتعلة التي تغوي راهبا؟؟
" سوف أعيدك الى الفندق..."
أمسكت بيده لتمنعه من الابتعاد، سحابة من الدموع أعمتها.. تنهدت بحسرة.
" لماذا دعوتــــ...ـــني الى هنا؟؟ كي تُعرفــــ..ـــني على امرأة لا تهـــــ...ـــمك؟؟ أذكرك بأنك أمضــــ..ـــيت النهار معي و ليس معها ... أنا أهـــ..ــمك أليكس لماذا تبعدنــــ..ـــي؟؟"
لأنني جبان... و لأنك وردة ندية رومانسية وحالمة و سأنتهي بتمزيق روحك كما فعلت مع اليسيا بدون قصد... لكن الكلمات بقيت حبيسة صدره، دموع بيلا وصلت الى وجهها وتبخرت السعادة التي كانت تشع منه قبل قليل... نجح بجرحها رغم حذره.
" عزيزتي..."
" لا تلمسني ولا تتعامل معي كطفلة صغيرة" عنفها فاجئه، بحتث عن حقيبة يدها المهجورة في احد الاركان و غادرت الشرفة التي كانت تتغزل فيها بأحلام رومانسية قبل لحظات و سبقته الى الخارج.
القى نظرة يأس حوله قبل أن يلحق بها... ففي النهاية و حده الملام... كان عليه التفكير في العواقب قبل دعوتها الى هنا.
***
لم يكن يعرف مارك انطونيو باية طريقة يواسي فيها قريبته المنهارة، وصلت فلور بعد الظهر بقليل الى التوسكانا و ذهب لإصطحابها من المطار، لكن منذ وصولهما الى قصر الدوقية ترفض الخروج من غرفتها، اتصل بكاثي في صقلية ليطمئنها ثم تكلما مطولا... فلور تحتاج لدعم الجميع.
طرق على باب غرفتها، لراحته فتحت الباب بعد الطرقة الأولى، كانت وجنتها متورمة بعض الشيء، وجهها شاحب وعيناها الخضراوين محمرتان من شدة ذرف الدموع.
" سيكون العشاء جاهزا بعد نصف ساعة، لا أريد أعذرا فلور... أريد زهرتي الجميلة في طاولة طعامي هذا المساء..."
بدل ان يجلب لها كلامه الابتسامة تكدرت ملامحها و اهتز دقنها عدة مرات ثم انفجرت في البكاء، أخدها بين ذراعيه للحظات الى أن هدأت عاصفة الإكتئاب قليلا و استعادت هدوئها.
" طالما كنت فخورة بقرابتك مارك..." تمتمت وهي تمسح دموعها و تهتز شفتها السفلى بإبتسامة مريرة " حتى أنك.. لست ابن عمي "
" سأبقى ابن عمك الى الأبد يا جميلتي لن تتخلصي من قرابتي لك بهذه السهولة..." وقبل جبينها بحنو " أحبك بشدة... و ستجدينني الى جانبك كلما احتجتني..."
" شكرا مارك... أنا أيضا أحبك..." قبلت وجنته كما تعودت دوما وهمست " سوف... سوف أنزل للعشاء بعد قليل...لن أخيب ظنك"
" هذه هي فتاتي.."
عليها أن تعترف بأنها فشلت بكره ديامانتي بعد أن سقطت عليها عيناها في قاعة الطعام، كانت تؤجل هذا اللقاء لأنها تجهل ردة فعلها، ربما لا تعرف دراكو ولا يهمها لكنه آلمها بشدة هذا الصباح بينما يرميها خارجا و كأنها خرقة بالية، لا تنكر أيضا الشعور بالغيرة بينما يشير الى زوجته... و أي زوجة.
تتفهم الأن غضبه الأسود اتجاه مارك أنطونيو... ديامانتي... فاقت كل تصوراتها... انها امرأة تستحق أن تتحارب من أجلها القبائل و البلدان... امرأة غدق عليها المولى بنعمة غير عادية من الجمال.
بلعت غيرتها و اذلالها بينما تمنحها الشقراء الساحرة ابتسامة خلابة، هل يحبها دراكو؟؟ بالتأكيد... من لا يحب هذا الملاك الأشقر؟؟ لو لم يكن غارقا في حبها الى الأعماق لما استغلها شخصيا ليلة امس ليسترد حق كبريائه المجروح.. وكم تخجل من استسلامها... كم تخجل من الاكتفاء و السعادة اللذين شعرتهما بين ذراعي رجل متزوج... متزوج من امرأة لن تصل الى حسنها.
بالكاد لامست طعامها، كانت تسترق النظر الى قريبة مارك و تتخيلها بجانب دراكو... بين ذراعيه...في سريره، العذاب يعود اليها سيولا من نار و يحرقها.
غصة مؤلمة منعت عليها التنفس بحرية، هذا الشعور الكريه بالغيرة رغما عنها... انها عاجزة تماما عن اخراج ذلك الحقير من رأسها... عاجزة عن نسيان نشوتها بين ذراعيه بينما يقودها الى السماء السابعه و يفرقع حواسها مثل الألعاب النارية... ليلة لن تنساها ما عاشت... بحلوها و مرها.
بعد العشاء وجدت أخيرا فرصة انتقام صغير من دراكو، ما اكتشفته بأن مارك يجهل بموضوع زواج الحسناء، و بأنها تحت حمايته من رجل ذو نفوذ يطاردها... لا بأس... اذا كانت الشقراء اللذيذة مرتعبة من العودة الى دراكو السافل... يسعدها أن تصعب على هذا الأخير طرق استرجاعها.
كما توقعت، شوه الرعب وجه ديامانتي ما ان أتت على ذكر دراكو لدرجه خشيت فلور ان يغمى عليها.
" لا تقلقي... سرك في أمان، لكن وجودك هنا خطر حقيقي، دراكو يهاجم مارك انطونيو في أعماله، و يقسم ان يعيدك اليه رغما عن انفك... يقسم أيضا على الحاق الاذى بقريبي...أنت بالتأكيد ترفضين التسبب بالمصاعب لرجل مد لك يد العون؟؟"
" سوف أرحل و أختفي من حياة مارك فلا تقلقي... شكرا لأنك نبهتني فلور" أجابت الفتاة بصوت مبحوح، كانت فلور تتحرق لتسألها عن سبب هجرانها لرجل مثل دراكو... رجلا لا يُرفض أبدا من قبل النساء، اليست هي نفسها واحدة من الرخيصات اللواتي سقطن بسهولة في سريره؟؟؟
" أتمنى لك حظا موفقا... دراكو شخص خطر" قالت فلور، سعيدة بإنتقامها، اذا استغلها ذلك الحقير ليجرحها في كرامتها فيسعدها أن تزيد من الهوة بينه وبين حلمه البعيد.
" أدرك بأنه خطر... لهذا، سوف اقبل بخطط 'دون ليونيداس'... عرض علي تمريض جده براتب جيد في مكان منعزل و ضمن سلامتي و حمايتي..."
ابتسمت فلور للمرة الأولى هذا النهار و ربتت بلطف على يد زوجة عدوها:
" اختفي ديامانتي... ولا تتركي الفرصة لذلك الحقير بالعثور على أثرك أبدا"
***
انزلقت يد ادواردو من أنفه الذي كان يحبسه بمنديل متأهبا لحماية حاسة شمه من الرائحة النثنة التي ستهاجمه مع الشاهد العدلي و الشرطيين أمام قبر 'لينيتا داماتا' حيث تم اخراج الصندوق المصقول و فتحه بأمر عاجل من محكمة 'ريو دي جينيرو'... ادواردو صاحب النفوذ لم يحتاج لأكثر من أربع و عشرين ساعة للحصول على موافقة النبش في قبر والدة حفيدية.
" آه ديو ميو...(ياالهي)" تأوه بعدم تصديق بينما تلتقط عيناه الغطاء الابيض الحريري الذي يزين قعر الصندوق... صندوق فارغ و نظيف لا اثر لأي جثة.
بدأ الشرطيان بتدوين نتيجة البحث بينما غرق ادواردو في افكاره، بالتأكيد لا أثر لجثه لينيتا في الصندوق.. لكن...ربما تم سرقتها لإستبزازه ماديا.
هناك حل ثاني للتأكد من شكوكه... السفر الى أوكرانية و رؤية المدعوة ليندا... ثم يبقى الفحص النووي، سيأخد عينة من المرأة و يقارنها بكل سرية بعينة من التوأمين... عندها فقط... اذا تبث بأنها المرأة المقصوده... سيخطط للخطوة الثالية.
***
" كيف استطعت أن تفعل بي شيئا مريعا كهذا ... "
الاتهام في صوت فرجينيا دفع روبيرتو للتشنج و التكدر عفويا في مكانه، لقد انتظر بالتأكيد هذه المواجهة لكن رؤية العذاب في عينا زوجته يمزق روحه اكثر من مرضه، ثم... كيف سيخبرها بقرار الطلاق الذي رسمه منذ اسبوع؟؟ الاوراق لا تنتظر سوى توقيعها...
" لما لم تخبرني بمرضك.؟ لما تتصرف بغرابة فجأة؟؟" حاولت امساك يده لكنه ابتعد عنها مما دفعها للتألم أكثر " مالذي يحصل لنا؟"
" مالذي لم يحصل لعلاقتنا منذ زواجنا فرجينيا..." انسالت دموع القهر على وجهها و تراجعت في مقعدها بينما يرمي روبيرتو بقدميه بعيدا عن سريره الطبي " أريد الطلاق..."
انسحب الدم من وجهها الأسمر الجميل و تابعته بنظرات مصدومة بينما يدنو من النافدة المطلة على الشارع العام للعاصمة.
" تريد الطلاق؟؟؟"
" لا تتبني هذه الرنة المصدومة فرجينيا" تعمد القسوة في كلامه، قسوة لم يسمح لنفسه بها منذ ان دخلت هي الى حياته و خطفت قلبه، القى نظرة من فوق كتفه نحوها " منذ خمس سنوات اكتشفت مذكراتك..."
لم تصدر اي ردة فعل من فرجينيا، تابع ببرود دون أن يمنحها أي نظرة:
"ظننت بأن شبح أندريس انقضى من حياتنا منذ زمن بعيد... لكنني اكتشفت أن المرأة التي تنام الى جانبي طيلة أعوام تكتب بشغف مراهقة حبها الأزلي لرجل آخر..."
قسوته نجحت بإخراج فرجينيا من حالة الصدمة، عرت عن مخالبها ووقفت مباشرة خلفه، هتفت بصوت جليذي:
" لهذا قررت الانتقام مني بترك مذكراتي بين يدي ابنتي؟؟"
" فلور من حقها أن تعرف الحقيقة..."
" لأنك قررت اتخاذ هذا القرار بمفرك بالتأكيد..." اتهمته بصوت أجوف ثم التقطت ذراعه و أدرات جسده نحوها لتتمكن من النظر مباشرة لعينيه، من بين أسنانها تمتمت بحقد" فلور تكرهني بفضل انانيتك... بالنسبة للطلاق انسى أمره... سوف أبقى لجانبك لأنك بحاجتي... عندما تتحسن حالتك و تشفى سوف أختفي من حياتك... "
شعر بالجفاف في حلقه، مطلقا لم تتطلع نحوه فرجينيا يوما بهذا العداء، هل أخطأ لأنه يريد حمايتها من نفسها؟؟ يريد تحريرها و منحها فرصة جمع شملها مع أندريس ديكاتريس أخيرا... لكنه يعرف بأنه ليس كرما منه، منذ سنوات رآها تتألم بسبب فراقهما و تجاهل الأمر ليركز فقط على سعادته الشخصية بولديه و عائلته الملتحمه، ما يحذث الأن أنه يدرك باقتراب أجله... من يريد أن يخدع؟؟ لايريدها أن تعود لأندريس حتى بعد وفاته... انتقم من قلبها الذي بقي سجين هوا الكونت بإفشاء سرها لفلور... فكر بخلق مشاكل بينها وبين الكونت في حالة فكرت بالعودة اليه ذات يوم...
عندما استدار نحوها كانت بصدد التقاط حقيبة يدها و التوجه الى الباب:
" أحببتك أكثر من أي شيء آخر في الدنيا ..."
توقفت يدها على مقبض الباب، تطلعت اليه بوجه مبلل و نظرات تائهة و متألمة:
" عندما نحب بصدق لا نلحق الأدى بمن نحب..."
" ألحقت الأدى بأندريس... لا تتهميني فأنا و أنت متساويان"
زمت شفتيها بقهر و لمعت عيناها بغضب:
" أنت اكثر شخص يعرف أسبابي... اسبابي التي منعتني من الاعتراف له بأبوة فلور"
" رغم كل أسبابك... سرقت منه ابنته طيلة الثلاث و العشرين سنة... كنت أنانية مثلي تماما... لا تناقضيني ولا تحاكميني... أريد الموت بسلام"
" لن تموت لأنني لن اسمح لك بالبقاء في هذا المكان و انتظار حتفك بينما يوجد ألف طبيب متمكن لينقدك من قدر مماثل... سوف نسافر الى 'التايوان'، هناك تحذث معجزات طبية و ينتابني احساس بأنهم سيتمكنوا من علاجك"
" الا تظنين أن الأوان فات و تتعلقين بآمال زائفة؟؟"
لكنها لم تجبه، اكتفت بالنظر نحوه و كأنها لا تراه حقا قبل أن تخرج و تغلق الباب ورائها بهدوء.
***
" الن تدعيني للصعود الى غرفتك؟؟"
لم تجب بيلا سؤال أليكس الذي رافقها الى ردهة الفندق قبل أن تتوجه بمفردها نحو المصعد، شعرت بيده تلتقط ذراعها قبل أن تضغط على زر المصعد و ادارها نحوه ليتطلع الى وجهها الحزين و نظراتها الباهثة:
" لن أتركك بهذه الحالة بيلا..."
" هذا ما يشـــ...ـــغلك؟؟... الواجب يمنـــ..ــــعك من تركي بهذه الحـــــ..ـــالة... فقط عليك أن تعرف بانني لا أهتم بالمســـــ..ــــؤولية التي تشعرها اتجـــــــاهي... اريدك ان تتــــــ..ــــعامل معي كالرجل الحقــــ..ــــيقي و الذي قبــــ..ـــلني في التوسكانا و أخبرني بأننا لا نقوم بشيء مناقض للطبيعة بتبادل التجــــ..ـــاذب بيننا "
انفتح المصعد في هذه اللحظة و التجات اليه بيلا بقلب محطم، تبخرت السعادة التي شعرتها في هذا النهار المثالي، كانت تطير بين غمم السعادة و بالكاد تلامس قدميها أرض الواقع، كانت مسرورة من نظرات الحسد التي ترمقها بها النساء عندما تسقط نظراتهن على رفيقها الوسيم، ظنت بأنها نجحت بإذابة الجليذ بينهما، لكنه عاد ليتقمص شخصية الشقيق الأكبر و الحامي... بحق الله لا تريد حمايته بل تريده أن يعاملها كإمرأة حقيقية.
التحق بها في الكابين الذهبي و مضت رحلتهما الى غرفتها في صمت متوثر، سبقته خارجا ما ان انفتحت الابواب مجددا و تركت باب غرفتها مفتوحا بينما رمت حقيبة يدها و معطفها بعصبية فوق السرير.
" من الأفضل أن تعودي الى التوسكانا بيلا..." سمعت صوته الهادئ يقول بعد ان تردد الى مسامعها صوت انغلاق الباب، دون ان تستدير نحوه تقدمت من النافدة المطلة مباشرة على ساحة'سان ماركو' و شعرت بأن بهجة الأنوار لا تنير صدرها المظلم في هذه اللحظه:
" بالتأكيد فحــــ..ــــفيذه الســــــ..ـــائس لا تناســــ..ـــب وريث آل ريتشي العظيم... مكاني في التوسكانا بين الأحصــــ..ــــنة و المطـــــ..ـــبخ و خدمة الأسياد... أما فيما يخصك 'دون اليكـــسندر' ... فقط من يزن إسمــــها ثروة لها امتــــياز تأبط ذراعك... و ليس معاقة متلعثمة اللــــ..ـــسان كما أشـــارت حبيبــــتك أمــــس"
"بربك بيلا توقفي عن التقليل من نفسك..." اقشعرت عفويا تحت صوته البارد و القاسي، تركت المنظر الخلاب للساحة التي تطل عليها غرفتها وواجهته بتحد:
" تطلب مني المجيء الى البندقية بالسرعة نفسها التي تلقي بي فيها خارج حياتك دون اخد رأئي... مما أنت خائف اليكس؟؟"
" أنت تهذين... لا أعتبرك جزءا من حياتي فلا تعطي لصداقتنا معنى آخر..." كلماته نجحت بجرحها، لكن مالذي تمنته في النهاية؟؟ منذ البداية تعرف بأن لا شيء جدي في حياة اليكسندرريتشي، بالتأكيد لا تظن نفسها رفيقته لكنها تتشبث فحسب بفرصة تذوق الانوثة بين ذراعيه...
" ربما أنا رومانسية لكنني لست غبيه اليكس... لا انتظر منك وعودا بالزواج ولا بالحب... لا أنتظر منك ما يستحيل عليك منحه لي"
" عودي للتوسكانا بيلا..." أشار لها بحزم قبل أن يبتعد بإتجاه الباب.
" انها اجازتي و أفعل بها ما أريد..." لكن صوتها بقي معلقا في الهواء، بعد مرور ثوان الغضب وعم الصمت المكان بعد رحيل أليكس، أعمت الدموع عينيها و انهارت فوق سريرها تنظر الى الباب بعجز و أمل أن يفتح مجددا و يظهر أمامها و يمنحها تلك الابتسامة التي تعشقها من قلبها.
***
كان مدراء مشروع فنيسيا مجتمعون حول طاولة الاجتماع الكبيره، مسترسلون في منح أكبر عدد ممكن من المعلومات حول الملفات و الاقتراحات التي يتمنون أن يتم الموافقة عليها، اجتماعات 'نيوس ليونيداس' جحيم حقيقي، كان يأخد وقتا جهنميا بدراسة أدق التفاصيل و لا يتردد بقتل مدرائه بالأسئلة الدقيقة الى أن يبدأون بالتصبب عرقا.
مارك انطونيو الذي اعتاد منذ زمن عن الطريقة الشاذة لشريكه و صديقه بمعالجة أعماله تركه يقتص من الملفات المتراكمة بنظرة نافدة و ذكاء حاد، عندما انتهى أخيرا الاجتماع و لم يعد غيرهما في القاعة الكبيرة، أخد نيوس ابريق القهوة وصب لنفسه فنجان حار من السائل الأسود... مشروع فرنسا فرعه الرئيسي هنا في فنيسيا آخر محطات نيوس قبل عودته الى اليونان للقاء خطيبته و عائلته التي لم يراها منذ ثلاثة أسابيع بسبب انشغاله الكبيرو اسفاره المتعدده حول العالم، لكن ما يثير أعصابه، أن هذا الأخير ينوي أخد ديامانتي معه، وهذه الأخيرة ليلة امس... أعربت له بنفسها بانها تعرف ما تريد و أن الرحيل الى جزيرة مجهولة ما تحتاجه ريثما ينسى دراكو أمرها.
" لا تُحطم قلبها..." قال مارك فجأة بينما صديقه يبتلع من فنجانه جرعات سريعة.
أقطب هذا الأخير و كأنه يبحث في عقله عما يقصده، فجأة قست ملامح وجهه و زم شفتيه.
" أنا مخطوب..."
" وهي لا تُقاوم... أسطورة الجمال و الأنوثة الناعمة... لا أخفيك حاولت ردعها أمس كي تغير رأيها لكنها... تصر على قرارها.."
استرخت ملامح نيوس السمراء و كأن اعترافه يريحه، و تذكر مارك عدد علاقاته القصيرة السابقة، انتبه للانجذاب بينهما منذ عشاء قبل الأمس، و تساءل اذا لم يكن قد ارتكب خطأ حقيقي بكشف قريبته لمفترس عديم الرحمة مثل نيوس... بالتأكيد يحب هذا الأخير و يحترمه بشدة، لكنهما لم يكونا متفقين ابدا عندما يتعلق الأمر بالنساء و الجنس... بالنسبة لنيوس المرأة خلقت لإشباع رغبة الرجل... ولا يهتم قلبيا بمشاعرها ولا أفكارها، مجرد وجه و جسد جميل يحتاج للحزم و الحب الجسدي ( عقلية يونانية بحتة)... نيوس يعشق الشقراوات و هذا الصنف من النساء ما مر في حياته على الدوام، أغلبهن انتهين بقلب محطم و روح ممزقة، يستطيع القول بأنه يعتزم الزواج... لكن ديامانتي سلبت عقله... ولن يتردد بإغوائها ما ان تصبح في محيطه... انه يرى وهو ليس أعمى و لا غبي.
" أريد وعدا..." الاصرار على وجه مارك لم يروق لنيوس الذي أعاد فنجانه الفارغ الى مكانه قبل أن يلقي نظرة وجيزة على ساعة يده.
" انها بالغة مارك... تستطيع حماية نفسها بدون وعودي"
" أنا لا أمزح..." ردد مارك ببرود " عدني الا تسيئ اليها ولا أن تغرس أمالا في قلبها بينما تخطط للزواج من أخرى... " قاطعه نيوس وهو يهز ذراعيه بحركة ساخرة:
" أنت تبالغ... تتصرف كالدجاجة الأم..."
تجاهل مارك سخريته و ركز فحسب على الحصول بشكل قاطع على وعده... نيوس لا خلف وعوده أبدا.
" عدني نيوس..."
تواجه معه هذا الأخير بتحد، مرت عدة ثوان قبل أن تزداد تقطيبة نيوس عمقا ويبصق بصوت أجوف:
" حسنا..."
***
الطائرة المتوجهة الى التوسكانا في الثالثة بعد الظهر هذا يعني بأن أمامها ساعتين من الانتظار المتعب و الطويل.
وضعت بيلا حقيبة ظهرها بجانبها على المقعد الفضي الامع و تاهت بنظراتها الى جموع المسافرين في القاعة الرئيسية لمطار 'ماركو بولو' و ندمت لأنها لم تتأكد من القطارت أولا.
عموما... عقلها توقف عن التفكير منذ جحيم الأمس، بينما تفعل ما بإستطاعتها لإيجاد اليكس الذي اختفى كليا و كأن الأرض ابتلعته، وهذا الصباح بينما تتردد على شقته لم يجبها سوى صدى طرقاتها الآملة... بعد ان أمضت الصباح في أحد المقاهي بساحة سان ماركو آملة رؤيته في اي لحظة أو تلقي مكالمة أو حتى رسالة في هاتفها أجهضت آمالها أمام الحقيقة... نجحت بدفع اليكس الى الفرار بفضل اصراراتها التافهة... لو كانت تثيره ولو قليلا لما تردد أمام دعوتها الصريحة أمس و كم تشعر بالعار لذلك.
لم تتصل بعد بأحد من عائلتها لتعلمه بعودتها، ليست مستعدة للاجابة عن سلسلة التساؤلات ازاء عودتها الباكرة بينما اصرت و قلبت الدنيا دون ان تقعدها كي تاتي الى البندقية... عند الصديقة الوهمية.
كيف صدقت نفسها لهذه الدرجة؟؟ كيف صدقت امكانياتها بإغراء رجل لا يخرج سوى مع أجمل و ارقى و اشهر النساء؟؟
يكفي ان يمنحها بعض الاهتمام كي تتعلق به و كأنه صخرة وسط أمواج الجحيم الذي عامت فيه طيلة السنوات التي عقبت الحاذثة... انها متعطشة لرجل، رجل يشبه أليكس و يناديها بحبيبتي.
" أنا آسف..."
نعم... هذا ما تتمناه، أن يتصل بها و يخبرها كم هو آسف و كم يتوق لغفرانها، لما لم يعود الى غرفتها أمس بحق الجحيم؟؟ لقد انتظرته حتى الصباح... انتظرته بألم و خزي و عار.
" بيلا...؟؟"
صوته يبدو حقيقيا في أعماقها لدرجة جعلتها ترتجف تلقائيا، هربت بعينيها من الأرض الامعة التي كانت تثبتها بشرود، و انتبهت الى أن السبب وراء الرائحة اللذيذ التي تسللت الى أنفها باقة زهور قرنفل كبيرة غير بعيدة عن وجهها.
انتقلت نظراتها المعمية بالدموع من الزهور الندية، الى اليد الرجولية الممسكة بسيقانها الانيقة الملفوفة بشريط ذهبي، ثم الى القامة الطويلة أمامها... رمشت لقوة لتطرد آخر الدموع التي تحول بينها وبين الرؤية الواضحة، وشهقت بعدم تصديق بينما تلتقي بالنظرات المميزة و الزرقاء لأليكس... لم تكن تهذي، ما التقطته أدنيها من كلمات لم ترددها ذكرياتها بل صدرت حقا من الرجل الذي تسبب لها بهذه المعاناة منذ أمس.
ببطئ غادرت مكانها، كانت تشعر بتخدير غريب يزحف في كل أوصالها، دون أن تبتعد عن عيناه مدت يدها لتلتقط الباقة و تغرز اصابعها المتخدرة في سيقانها.
" كنت على حق أمس... أنا أموت رغبة بك، نفي الأمر لن يغير مما اشعره نحوك شيئا.."
اصمت دقات قلبها أدنيها، هل سمعت جيدا؟؟ هل اعترف لتوه بأنه يريدها و مشاعره ثائرة اتجاهها..؟؟ اشرق وجهها... لا تريد معاتبته ولا الانتقام من هجرانه لها أمس... تريد فحسب أن تكون بين ذراعيه.
" أنت أجمل... و أرق امرأة التقيتها في حياتي"
انسالت الدموع على خديها، هذه المرة دموع السعادة و ليس العذاب، القت بذراعيها حول عنقه وضمته اليها بقوة، لسرورها جذب وجهها نحوه وقبلها بشغف غير مهتم لنظرات الفضول حولهما... عندما هدأت مشاعرهما قليلا أمسك بحقيبة سفرها وقال فجأة
" هل سبق وزرت جبال الأب؟؟"
" لا..."
" انها فرصتك يا جميلتي... سوف تتعلمين التزلج..."
دون اعتراض او حتى تردد شابكت اصابعها بأصابعه و تبعته بكل روحها نحو مدرجات الدرجة الاولى و اصحاب الامتياز بطائرات خاصة فقط.
***
لا تتذكر آنجلا ان كانت عصبيتها قد فاقت حدود التعقل يوما، منذ الصباح تحاول الاتصال بطائرة ديكاتريس الخاصة بدون جدوى، يفترض ان يكون جوشوا في الالسكا منذ بضع ساعات لكنه لم يتصل و لا تملك ادنى خبر عنه... الكونت أقل عصبية منها فهو منشغل بإجتماعاته منذ الصباح في مكتبه ولا يبدو حقا قلقا على ابنه.
هل يتعمد مجددا معاقبتها؟؟ لكن هذا بلا معنى... لقد تصالحا تلك الليلة قبل سفره في الصباح، أمضيا ليلة من الأحلام و تركها بمفردها في سريره مع عبارة رقيقة من ثلاث حروف'أحبك'.. استيقضت على سماء وردية وزقزقة العصافير... على احساس رائع من الانوثة و الكمال...
اتصل بها من واشنطن و أخبرها بانه في المساء سيتمم رحلته الى الالسكا.. بأنه يفتقدها بجنون و يريد العودة اليها بسرعة، و منذ اتصاله الاخير... لم تسمع عنه شيئا.
بعصبية رمت نفسها على الصوفا أمام التلفزيون، ليلي تلعب بدميتها غير واعية بقلقها الكبير، أمضت ساعات طويلة بين الاتصالات التي تنتهي بها في العلبة الصوتية سواءا للطائرة أو لهاتفه الخلوي.
أتتها الخادمة بالعصير الذي طلبته، لكنها لم تلمسه عينيها متعلقتين بالشاشة الصغيرة لهاتفها المحمول، عادت الى أرض الواقع عندما شعرت بشيء بارد يدهق على بشرة ساقيها، شهقت من المفاجأة... ليلي التقطت كأس العصير و افرغته على كلتيهما، لوتث ملابسها و الكنبة و السجاد النفيس.
" آه ليلي..."
التقطت ابنتها من يدها و نادت على الخادمة لتجفف المكان قبل ان يفسد تماما ثوب الكنبة النفيس ثم جرت ابنتها الى غرفتها الثانوية في احد زوايا 'ستار هاووس' الشاسع.
" أين ابي؟؟"
سالتها ليلي ما ان باشرت بنزع ملابسها المبللة و رميها بعصبية في السلة الخاصة.
" سافر الى بلاد بعيدة جدا..." شرحت آنجلا برقة و هي تخرج طاقم وردي من الخزانة مكون من بنطال و كنزة، نضفت بشرتها الناعمة بمنديل مبلل قبل أن تبدأ بالباسها الملابس الجافة.
" أنا أفتقد بابا..."
" و انا أيضا"
شعرت فجأه برغبة عارمة في البكاء تخادلت أصابعها و تشنجت أعصابها بشدة، فقط لو يطمئنها... فقط لو يتصل بها و يخبرها بأن كل شيء على مايرام بدل هذا الصمت الرهيب الذي طال منذ أمس.
انهت مهمتها و انزلت الصغيرة الى الأرض قبل أن تستبدل بنطالها المبلل بآخر جاف خاص بالحوامل تحتفظ به في خزانة غرفة ليلي... غرفتهما هي وجوشوا و غرفة ابنتهما في الطرف الأخر من القصر، و بما أن جوشوا يرفض أن تهتم مربية بإبنتهما و بوضعها يصعب عليها أحيانا التنقل بسهولة لذلك تم تجهيز غرفة اضافية بها كل لوازم الصغيرة و لوازمها، و يسهل عليها الاهتمام بليلي التي تلوث ملابسها كل خمس دقائق... وضعت بنطالها مع باقي الحاجيات في السلة و نظفت المكان وقبل أن تلتقط يد ليلي للذهاب بها الى الحديقة للعب قليلا رن جرس هاتف القصر... كل غرفة تتوفر على خط مباشر.
" ربي... اجعله هو المتصل أتوسل اليك سوف اصاب بنوبة..."
توقف الرنين بالوقت نفسه الذي وضعت فيه السماعة على أدنها تردد صوت الكونت اندريس يطلب هوية المتصل، صلت مجددا أن يكون جوشوا... وخاب أملها ما ان تردد صوت بلكنة امريكية:
" سيد اندريس ديكاتريس؟؟"
" نعم من معي..؟؟" لكنة الكونت تحمل بعضا من نفاذ الصبر، انه في اجتماع هام مع مستثمريه بمكتبه في القصر و يكره ان يزعجه احد، كادت تعيد السماعة الى مكانها لكنها تجمدت عندما شرح المتصل بلهجة مهنية هادئة:
" أدعى 'ميش ليونيل' رئيس شرطة الطوارء ... يؤسفني ان أخبرك بأننا وجدنا طائرتك الخاصة محطمة على حدود مدينة 'آنكريج'..."
انزلقت السماعة من يد آنجلا و اختفت الغرفة و ليلي و محتوياتها من حولها، ما يتردد و بعنف في هذه اللحظة هو ضربات قلبها القوية في طبلة أدنيها، طائرة ديكاتريس محطمة؟؟
الطائرة التي أقلت زوجها قبل اثنين و اربعين ساعة... محطمة؟؟ وجوشوا... ماذا عن جوشوا؟؟..
خرجت بعنف من هذيانها على الم مبرح في اسفل ظهرها و بطنها، تشبتث بحافة السرير الخشبي كي لا تقع و القت نظره رعب على ماء الرأس الذي قذفه رحمها خارجا ...وضعت يدها على بطنها بعد أن فاجئتها انقباضة عنيفة كادت تفقدها وعيها، صرخت بقوة مستنجدة بالخادمة:
" أوليفيا... اتصلي بالإسعاف فورا"
لكنها تشك بسماع الخادمة لندائها بينما تهاجمها انقباضة أخرى أعنف من سالفتها


أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس