8_يأخذ الشمس معه ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ استيقظت سارة كالعادة باكرا فى الصباح التالى،واستلقت فى الفراش عدة دقائق تصغى الى صوت تحركات وارن فى المنزل.
اخيرا نزلت من السرير لعلمها انها لن تستطيع العودة الى النوم،وان عليها ان تنهض من السرير عاجلا ام اجلا.فارتدت روبها وخرجت الى الردهة.فى تلك اللحظة خرج
وارن من غرفته،يصفر بصوت منخفض لحنا لا شكل له.كان يرتدى ثوب سباحة قاتما.ابتسم عندما شاهدها وقال بمرح:
-صباح الخير.
ردت عليه بصوت اجش بفعل النوم:
-لاشك فى انك استيقظت منذ مدة.
-صحيح...كيف عرفت؟هل ايقظتك.
انتظرها ليسير معها.فردت عليه:
-لا...لم توقظنى.لقد عرفت انك استيقظت منذ مدة لانك عادة تبدو نكدا عندما تستيقظ.
مد يده ليعبث بشعرها القصير مداعبا:
-انك لا تشبهين اشراقة الشمس عندما تستيقظين كذلك.
-لاتفعل هذا...
حاولت اعادة شعرها الى ما كان عليه براحة يدها،فغمزها قائلا:
-ارايت ما اعنى؟
-انا لم ادع يوما اننى الانسة اشراقة الشمس.هل صنعت القهوة؟
-ليس بعد.كنت فى طريقى لاسبح قليلا قبل الفطور،على امل ان اعود فاراك قد استيقظت فاعددتها.
كان فى رده صدق ما،يمتزج بسخرية تطل من عينيه.فردت دون ان تتمكن من الغضب منه فى الصباح الباكر:
-كان بامكانك تحضير الفطور لى بانتظار استيقاظى.
-صحيح...هل تاتين معى للسباحة؟سانتظرك.
-لا.شكرا.
فهز كتفيه:
-حسنا...ساراك لاحقا.
بدا انه اخذ الكثير من نور الشمس معه عندما خرج.حضرت سارة ابريق القهوة ووضعته فى الكهرباء.واخرجت كوب العصير الى الشرفة،واخذ نظرها يبحث بين الامواج الى ان وجدت وارن.انه سباح قوى كما قدرت ذلك تماما.راقبته مدة طويلة قبل ان تنهر نفسها لترتدى ثيابها.
استحمت اولا...ثم ارتدت سروالا قصيرا مقلما بالابيض والاحمر وقميصا ذا ياقة تشبه المركب.كانت القهوة جاهزة عندما عادت الى المطبخ.فصبت فنجانا وحملته ثانية الى الشرفة،وعادت انظارها ثانية تفتش عنه فوق الشاطىء.
طيفان لفتا نظرها،احدهما لوارن يرفع يده بالتحية والثانى المراة العجوز التى تحدثت اليها منذ يومين.
شحب وجه سارة عندما رات وارن يتحدث الى تلك المراة وكان جسده البرونزى يلمع كمعدن بفعل الماء المتجمع عليه.لم يكن لديها
اية فكرة عما يتحدثان لكن وارن بدا مصغيا باهتمام ظاهر قطعه مرة بالقاء نظرة الى حيث تقف على الشرفة.ولم تدر لم اقشعر جسمها.
اهو بسبب الانطباع العالق فى ذهن تلك المراة عن طبيعة عيشهما معا دون زواج فى منزل واحد.سرعان ما شاهدت وارن يحنى راسه مودعا وراح يجتاز المسافة باتجاه المنزل بخطوات واسعة.عندئذ احست بشيء ما يحثها على الدخول،لكنها اجبرت نفسها على البقاء،والتصرف بهدوء.
-هل تمتعت بالسباحة؟
-كانت عظيمة.
تنفس ليتنشق رائحة القهوة:
-اه...القهوة جاهزة.
قالت بسرعة وقد وجدت عذرا لدخول المنزل:
-ساحضر لك فنجانا.
-استطيع الانتظار.
تقدم الى السياج قربها،وضع يديه امامه ليستند اليهما،واخذ يحدق بصمت الى مياه البحر.
ثم ودون توقع،نظر اليها،وكانه تمثال برونزى قد دبت فيه الحياة،فبعث اليها مزيجا من المشاعر جعلت انفاسها غير منتظمة.
-تحدثت توا حديثا ممتعا مع تلك المراة على الشاطىء...اسمها السيدة كولبير،تسكن فى منزل لا يبعد كثيرا عن هنا،اتعرفينها؟
شيء ما فى لهجته اعلمها انه يعرف الرد مسبقا.ربما تعرف الى المراة التى شاهدها معها منذ يومين.فاجابت:
-لقد تحدثت معها لبضعة دقائق.لكننى لم اعرف اسمها.انها تجمع الصدف وتصنع منها الحلى والقلائد وما شابه.
-هذا جزء مما قالته لى.
كان الضحك يملأ رده،لكن نظرته اليها لم تتغير:
-يتملكنى الفضول لاعرف ماذا اخبرتها.
ابتلعت سارة رشفة قهوة تتناولها وقالت:
-انا؟
-اتعلمين ان السيدة لديها انطباع باننا نعيش معا بطريقة لا اخلاقية؟
-خشيت ان تفكر بهذه الطريقة.
-ماذا قلت لها؟
اخذت ابتسامة تتلاعب على شفتيه:
-افترضت اننا متزوجان،فقلت لها دون تفكير انك لست زوجى.
وهكذا استنتجت ما تشاء من قولى هذا.
-وانت لم تنفى اعتقادها؟
-كان على ان اشرح القصة الغريبة ففضلت العكس...ماذا قالت لك؟
ازدادت الخطوط حول فمه عمقا،واتسع سروره امام قلق سارة:
-استمعت الى محاضرة اخلاقية.
-اوه...
كان هذا كل ما استطاعت قوله.حدقت فى فنجان قهوتها الفارغ...ومد وارن يده لياخذ منها الفنجان ووضعه فوق طاولة قريبة.وقبل ان تستطيع الاحتجاج كان يحيطها بذراعيه كلتيهما
ووضعت يديها على صدره...فابتسم لها:
-سعت الى اقناعى،ان كنت محترما،بجعلك امراة محترمة لكنى لم افهم الى اى حد انت لست محترمة.
-وارن...ارجوك!
كان حلقها قد جف،لذا لم تخرج الكلمات منها الا دفعا.فى هذه الاثناء شمت رائحة مياه البحر المنبعثة منه بعد ان جففتها حرارة الشمس لتتركها مالحة ولتهاجم بسرعة مشاعرها التى اانقلبت راسا على عقب ما ان لمسها.قال بلهجة مرحة مغتبطة:
-هل اجعل منك امراة محترمة يا سارة؟
ابتلعت ريقها بسرعة لتريح الضيق فى حنجرتها،ودفعته عنها:
-لا تكن سخيفا يا وارن!
انها لا تستطيع المزاح بامر يتعلق بالزواج.لم يحاول استعادة قبضته لها،بل اخذ يراقبها توسع المسافة بينهما بخطوات سريعة.ومع
ذلك،فقد كان خلف نظراته المازحة،تعبيرا بدا،وبشكل مؤثر،حذرا.
عاد يقول من جديد،فى محاولة للدلالة على انه يمازحها:
-ربما على ان اجعل منك امراة غير محترمة.
احست بانها غير قادرة على تحمل كلماته المؤذية،فقالت:
-ربما انت بحاجة لبعض القهوة لتصحو اكثر.فانت اما ثملت من ماء البحر او ضربتك اشعة الشمس. -لا اريد القهوة الان.
اشارت طريقة رده الى انه يريد شيئا اخر مسببا بذلك بالمزيد من توتر الجو.وشحب وجه سارة،ولم تعد واثقة كم بقى لهذا الجو المكهرب من قوة احتمال قبل ان ينفجر.وكادت تقفز من جلدها عندما تحرك وارن دون توقع منها.ولكنه تجاوزها قائلا:
-ساغتسل،واغير ثيابى اولا،ثم القهوة.
-وسابدا بتحضير الفطور.
كان اللحم ينضج فى المقلاة عندما دخل وارن المطبخ،يرتدى سروالا فاتح اللون وقميصا قصير الاكمام ابرز قماشه الرقيق عرض منكبيه اكثر،اما رائحة الصابون فاختلطت مع رائحة عطر ما بعد الحلاقة.
لم تستطع سارة منع نفسها من الاحساس بهذا المزيج وهو يصب القهوة لنفسه،ثم يتحرك الى الطاولة الثابتة فى الحائط.بدات بتقليب شرحات اللحم لئلا تحترق،وهى تعلم تماما انه يراقبها.فسالته:
-هل يجب ان تحدق فى هكذا؟تجعلنى احس وكان راسين قد نبتا لى.
-اسف...هل لديك خطط لهذا اليوم؟
-خطط؟
-اجل...هل تتوقعين قدوم ارميتاج او اى شخص اخر؟
-لا...لم يذكر انه قادم.
وضعت الزبدة فى مقلاة البيض ووضعته فوق النار،حينذاك علا رذاذ اللحم فوصل الى يدها.فصاحت بالم وهى تقفز بعيدا عن النار.اسرع وارن اليها ثم امسك بيدها وجرها الى المغسلة حيث فتح حنفية الماء البارد ليضع يدها تحته وقال:
-دعيها هنا.
-لكن اللحم سيحترق.
-ساهتم به.دعى الماء البارد يسقط فوق الحرق دقائق.
عاد الى المقلاة لينقذ اللحم من الاحتراق بينما فعلت ما قاله لها، فبدات لسعة الالم تخف تدريجيا...فسالها:
-كيف تشعرين؟
-لقد اصبحت على ما يرام.
لم يبق من اثر للحرق سوى بقعة حمراء على يدها.وكسر البيض ليضعه فوق الزبدة الذائبة فى المقلاة الاخرى وقال:
-لم تسالينى لماذا سالتك عن خطط اليوم؟
-لماذا؟
-لقد فكرت،اذا لم يكن لديك خطط اخرى،فى الذهاب الى احد المنتجعات لقضاء اليوم.
اضاف بيضة اخرى الى المقلاة:
-كيف تحبين البيض؟
اجابت سارة على سؤاله الاخير،فهو الاسهل:
-اكثر من الرخو بقليل.
-وماذا عن الذهاب الى المنتجع؟
-تبدو فكرة جيدة.
-جيد...هل وضعت الخبز فى المحمصة؟
-لا.
مدت يدها لتحضير الخبز.
بعد ساعة،انتهى فطورهما فعمدت الى غسل الصحون ثم انطلقا الى منتجعات ايست سوسكس الشهيرة على شاطىء القناة الانكليزية.
من الطريق الساحلية،اخذت سارة تراقب سفينة حربية انكليزية تقف على مسافة قريبة عند خليج هاستنغز.سالها:
-ثمة مكان معين تريدين رؤيته عندما نصل؟
-لا...
هزت راسها غير قادرة على التفكير بمكان محدد.
-اذن فلنذهب الى دوفر.
-لكن الا تبعد اكثر من مئة ميل؟
-تقريبا.
نظرت الى ساعتها.
-اتدرك كم سنتاخر فى طريق العودة؟انسيت انه لديك عمل غدا وهذا يعنى انه عليك النوم باكرا.
وارتقصت زاويتا فمه.لكن نظره لم يتزحزح عن الطريق الرئيسية امامه:
-فلننس امر النوم والفراش يا سارة ولنتمتع بيومنا.
مدت راسها الى الامام لتنظر الى الشمس من الزجاج الامامى،وقد اغاظها تعليقه الساخر.فمد يده ليمسك مؤخرة عنقها...حيث تحسس العضلات المتصلبة فشرع يدلكها بلطف قائلا:
-استرخى يا سارة،وتوقفى عن الامساك بباب السيارة...لن اعضك.
-الن تعضنى؟
لكنها احست بلسعة سهم كيوبيد...
رد مبتسما:
-اعدك...لن اعضك...بل لن اقضمك ابدا.
اشاح نظره عن الطريق لينظر اليها،نظرة لها تاثير يده نفسها،بعد قليل سحب يده واعادها الى المقود،ثم قال:
-لنكن هذا اليوم شخصين يقومان بنزهة بسيطة نهار الاحد.
امتد الطريق الرئيسى الحديث على طول الساحل دون ان يغيب البحر عنهما الا لبضع دقائق.كانت الطريق تلتف فيها حول بعض التلال الصخرية...وعلقت سارة على المناظر التى تحيط بها:
-يالجمال الطريق.
-هل انت مسرورة بقدومك.
-بالطبع.
-وكذلك انا.
نظر الى ساعته:
-لست ادرى شيئا عن معدتك،لكن معدتى تقول انه مر وقت طويل منذ الفطور.فلنجد مكانا نتناول فيه طعامنا قبل ان نعود.
كانت الشمس اذنت بالمغيب عندما شرعا فى رحلة العودة الى هايستغز وكانت اشعتها الذهبية تسترخى بهدوء ووقار بعد الظهر،وفى مكان ما خلال رحلة العودة،اغمضت سارة عينيها ثم نسيت ان تفتحهما.والشيء التالى الذى احست به كانت يدا ناعمة لطيفة تهزها لتستفيق يصحبها صوت وارن عبر ضباب النعاس:
-لقد وصلنا البيت يا فتاة الكرز.
رفعت جفنيها بكسل،الى جسده المنحنى فوقها وهو يفتح لها الباب.فابتسمت له،غير واعية لما ظهر على وجهها من احلام وديعة.وتمتمت:
-بهذه السرعة؟
-اجل...بهذه السرعة.
لم تكن قد صحت تماما،فاستغلت الدعم الذى قدمه لها،فاتكات عليه بقوة.سارا ببطء نحو مدخل المراب الموصل الى المنزل،وذراعه تلف خصرها وقد بقيت حيث هى الى ان وصلا الى اعلى السلم ،ومن ثم الى غرفة الجلوس.فتمتمت سارة،وهى تحاول نفض غبار النعاس عن عينيها:
-الافضل ان احضر بعض القهوة.
-لاتزعجى نفسك لاجلى.
تركها ليلتقط حقيبته ويتوجه الى الاريكة.راقبته وهو يجلس ويضع الحقيبة على ركبتيه.فقطبت:
-ماذا تفعل؟
رد دون ان ينظر اليها:
-لدى عمل يجب ان انهيه.
-بعد القيادة كل هذه المسافة؟
-يجب ان انهيه.
لم تمض لحظات حتى تولاها احساس داهم بالوحدة،فوقفت وسط الغرفة والشك يملاها،قبل ان تخرج الى الشرفة.لتتكىء على السياج،ومشاعر الخذلان تكتسحها.كانت سماء الليل تضيئها النجوم الممتدة الى ما لا نهاية.كالفراغ الممتد فى داخلها الى مالا يعرف قراره.
ارتجفت،فعادت للدخول الى المنزل وهى تقول:
-الطقس بارد فى الخارج.
لكن الجو فى الداخل بدا ابرد بكثير بعد ان هز وارن راسه دون اكتراث،فقالت بموجة من التوتر:
-هل يجب ان تعمل؟
فرفع عينيه اليها وقال مذكرا:
-لست فى اجازة يا سارة.
-كم اتمنى لو لم اكن انا فى اجازة.
وعاد الى اوراقه يتمتم:
-وكذلك انا...عندها لما كنت هنا.ولكنت فى شقتك،حيث تنتمين.
احست فجاة بالندم لمقابلته،وقالت متحدية،هى تحس بالم يضغط على صدرها وكانه الراط:
-اهذا ما تتمناه اذن؟
مرة اخرى ارتفع لمعان عينيه البارد وهو ينظر اليها نظرة مباشرة:
-حسبتنى اوضحت هذا الامر منذ البداية.
فشحب وجه سارة،وقالت:
-لكنك اعطيتنى الانطباع بانك غيرت رايك.
برز فى عينيه سخرية غير ودودة:
-لماذا؟الاننى اظهرت رغبتى فيك؟بالله عليك يا سارة...انت امراة جذابة وذكية والعيش معك سهل،ايما رجل فى مثل وضعى قد يرغب فيك،اذا سنحت له الفرصة.
فتمتمت متصلبة:
فهمت.
لو سالته سؤالا صريحا عما اذا كان يشعر بمشاعر جادة تجاهها لما تلقت ردا اكثر صراحة.الغزل الذى وجهه اليها لم يكن اكثر من رغبة!
كانت فى متناول يده،راضية باعطائه ما يريد وها هى الان ممتنة له لانه ليس من الاناس الذين لا ضمير لهم اذ لم يستغلها.لكن ما تفاعل فى داخلها كان مؤلما الى حد لم يفسح مجالا لاى امتنان صغير بالظهور.
قال لها ببرود:
-هلا عذرتنى،ساعود الى عملى.
امسك اوراقه،التى انكب عليها من جديد اشارة منه ودعوة لها الى الانصراف لكنها استمرت فى الجدال بلهجة مزدرية:
-تفضل تابع عملك...ولا تدعنى ازعجك عما تريد ان تنجزه.
فتمتم دون ان يرفع نظره عن الاوراق:
-انت تزعجينى لوجودك.
ساورها انطباع بانه لم يردها ان تسمع ما قاله،ولكن هذا لم يعزيها.ارادت ان تزعجه...ولكن عاطفيا وليس جسديا.
واستدارت على عقبيها قاصدة غرفة نومها واغلقت الباب وعيناها تحترقان بدموع لم تتساقط.توجهت الى الخزانة واخرجت ثياب النوم.
حدقت فى السقف وهى مستلقية فى السرير ثم نظرت الى بابها المغلق الذى انبعثت اليه انوار الردهة من الفسحة الضيقة فى اسفل الباب اضافة الى حسيس الورق الذى كان يسمع كلما حركها وارن. |