عرض مشاركة واحدة
قديم 17-11-13, 12:14 PM   #31

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



-48-

لم يدر الدكتور نادر كم قضى في جلسته المتحجرة.. فحين استيقظ كان الليل قد أطبق، واكتسى وجه البحيرة بعتمة باردة جعلت وجهها كصفحة من الفولاذ الأزرق...
وشعر بألم في ساقيه لخدر أصابهما أثناء نومته المغناطيسية الطويلة.... أيقظه إحساسه بشيء يتحرك على شاطىء البحيرة، والتفت فإذا صف طويل من المشاعل، وأصوات كنائسية تنبعث من ناحيتها...
وفرك رجليه ثم وقف ليمعن النظر في الموكب، فإذا وجوه مألوفة للعلماء والمبرمجين والفنانين في ملابس بيضاء فضفاضة، يرددون تراتيل آلية إليكترونية لم يفهم ألغازها وهم يتحركون نحوه..
وعند وصولهم إلى الشاطىء المواجه لوجه معاذ المرمري البارز في وسط البحيرة، وقفوا ثم ركزوا المشاعل وراءهم وتوجهوا نحو البحيرة حيث جثوا في حركة واحدة خاشعين..
ولم يصدق نادر عينيه.. حرك رأسه مراراً وهو يأمل أن يكون في حلم لا يلبث أن يفيق منه ليجد حقيقة غير هذه التي يعيشها...
وبحركة لا إرادية خطا نحو الموكب الساجد، وقد أضاءت المشاعل ظهورهم وانعكست أشعتها على الوجه الضخم، فخيل إليه أن تقاسيمه تنفرج عن ابتسامة ساخرة...
وصاح الدكتور نادر في هدأة الليل:
- "معاذ" مات! مات "معاذ"!
وترددت أصداء صرخته بين قمم "الجودي" وأغواره... والتفت قائد الموكب لينظر إلى نادر بعينين غائرتين فيهما الغضب والفزع والتعصب..
وتعرف الدكتور نادر فيه على وجه الدكتور كرونين، فناداه:
- دكتور كرونين.. أنا علي نادر.. أقول لك إن معاذاً مات..! قتلته بنفسي...! إذا لم تصدق فحاول الاتصال به..
ووقف كرونين وتناول شُعْلَتَه، ورفعها ليحملق حيث يقف نادر. وحين رآه التفت إلى الموكب الطويل وصاح بوصت مرتعش غاضب:
- اقتلوا ذلك المارقَ الهِرْطيق..!
وتوجه نحوه ليهوي عليه بالمشعل وهو يقول:
- "معاذ" حي لا يموت! ستذوق جزاء كفرانك، أيها الملحد الفاسق..!
وأدرك الدكتور نادر خطر الموقف، فاستدار وانطلق يعدو حتى اختفى في الظلام..
ووجد نفسه على حافة الجبل يلهث من التعب، وأصوات مطارديه وشعلهم تملأ المكان. فانبطح بين شعاب الصخور وقد دق قلبه في انتظار النهاية الحتمية.
وفجأة أحاطت به المشاعل من كل مكان. ولمع حد الشواقير والحراب في أيدي الجماعة المتوحشة... ونظر إلى وجوههم التي كان ألف فيها الذكاء والدماثة، فوجد أنها تغيرت، وغاب من عيونها كل بريق بشري..
وبدأت الأقدام الحافية تضرب الأرض في هَوَس بدائي، وقد غلت الدماء، وهاجت الأعصاب جائعة للقتل والتخريب... وارتعش بدن نادر كريشة في مهب الريح، وأغمض عينيه ينتظر الضربة القاضية، وقد أحس بضيق وحرج كبيرين في صدره... وبرقت في مخيلته عدة صور وأفكار، ووجد نفسه يدعو الله أن ينجيه فقط من هذه ليعود إلى الله بكامله!
وفي لحظة خاطفة من الإشراق المفاجىء، استعرض حياته ليتذكر أنه عاش أيامه العاقلة كلها غير مؤمن بدين ولا إله وشعر كأنه قطع طريق الخلود على روحه، وخنق نفسه بنفسه وفكريا ليته آمن بالله إذن لهان عليه الموت، ولم يرُعْهُ الفناء...
ودخل دائرة شعوره هدير عال غطى على أصوات مطارديه، ففتح عينيه ورفع وجهه فإذا طائرة مروحية تحوم فوقه وتثير عجاجاً من الغبار في عيون الجماعة وتطفىء مشاعلهم...
ولمسه شيء، فرفع يده فإذا هو سلم يتدلى. أمسك بمرقاتهِ السفلى في الحال وتعلق به. وما كاد يعانقه حتى ارتفعت الحوامة واختطفتهُ من وسط الحلقة التي كادت تطبق عليه...
وبدأ السلم يعصد آلياً والحوامة متوقفة في الفضاء حتى وصل نادر إلى بابها، فدخله وانقفل وراءه، فوقف يلهث غير مصدق المعجزة التي أنقذته..*
وبعد لحظة شعر بوجود الربان، فتوجه نحو غرفة القيادة ليشكره.
كان الربان يلبس خوذة بيضاء تتدلى أمامها نظارة زرقاء تحجب نصف الوجه الأعلى، وقد أمسك بعصا القيادة بيمناه، ولمعت كسوته الفضية تحت ضوء السقف الباهت. قال نادر:
- شكراً لك على إنقاذ حياتي...
فحرك الطيار رأسه، ومد يدا لمصافحته، فأمسك بها الدكتور نادر، وشد عليها بقوة...
وأشار إليه الطيار أن يجلس في الكرسي المجاور، ويشد الحزام حول خصره وصدره، ففعل ممتنا. وعاد ينظر إلى وجه منقذه الغامض الذي لم ينطق بكلمة بعد...
وانتظر لحظات نظر خلالها إلى تحت، فإذا المشاعل تتحرك حركات مجنونة، وبعضها يُرمى نحو الحوامة ليعود نحو راميه...
ومالت الحوامة يميناً، ثم اختفت في الظلام. وابتعد الجبل رويداً رويداً حتى لاحت البحيرة الواسعة كمرآة تحولة إلى نجم أرضي بعيد...
والتفت الدكتور نادر نحو الطيار وسأل:
- مرة أخرى أريد أن أشكرك...
فرفع الطيار يده في قفازها إلى رأسه بالتحية، دون أن ينطق. فأضاف الدكتور نادر:
- أرجو أن تكشف لي عن هويتك...
وارتَفَعَتْ يد الطيار إلى فمه، يطلب السكوت والتمهل، فسكت الدكتور نادر، ووجه نَظَرَهُ نحو الزجاج أمامه يخترق بعينيه الليل ويحاول فك هذا اللغز المحير...
وخدره صوت المروحة الرتيب ودفء الكرسي المريح وصمت الرفيق الغريب وحلكة الليل، فأحس بأعصابه المتوترة ترتخي، ولم يدر كيف انسدل جفناه وراح في سبات ثقيل...




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس