عرض مشاركة واحدة
قديم 11-06-14, 11:53 PM   #6

❀| ℓįgнт sPįяįт ~
 
الصورة الرمزية ❀| ℓįgнт sPįяįт ~

? العضوٌ??? » 196100
?  التسِجيلٌ » Aug 2011
? مشَارَ?اتْي » 291
? الًجنِس »
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » ❀| ℓįgнт sPįяįт ~ has a reputation beyond repute❀| ℓįgнт sPįяįт ~ has a reputation beyond repute❀| ℓįgнт sPįяįт ~ has a reputation beyond repute❀| ℓįgнт sPįяįт ~ has a reputation beyond repute❀| ℓįgнт sPįяįт ~ has a reputation beyond repute❀| ℓįgнт sPįяįт ~ has a reputation beyond repute❀| ℓįgнт sPįяįт ~ has a reputation beyond repute❀| ℓįgнт sPįяįт ~ has a reputation beyond repute❀| ℓįgнт sPįяįт ~ has a reputation beyond repute❀| ℓįgнт sPįяįт ~ has a reputation beyond repute❀| ℓįgнт sPįяįт ~ has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
افتراضي



02

ظلام.مامن ضوء في الغرفة إلا شعاعا أبيضا ساطعا يصدر عن مصباح وضعه الضابط على الطاولة تماما أمام كرسي يمان الذي كان متأكدا من أن الضابط فعل هذا ليحرمه من النوم فقط،وليس ليتأمل في جدران هذه الغرفة المتفسخة المليئة بخطوط سوداء متفرقة حزر يمان بأنها آثارٌ لكراسٍ وطاولات قد كانت ملتصقة بالجدران يوما ما.إنها غرفة في مدرسة قديمة،لقد عرف هذا فور أن رفع الضابط العصابة عن عينه وأدخله إلى هذه الغرفة بعد مشيهما في ممرات كثيرة.
كانت عيناه قد احمّرتا،بالكاد يتنفس،لقد ملأ هذا الضابط المتوحش جسده بأنواع الشروخ والثقوب،لو لم يقيّده بحبل قوي ويداه مضمومتان خلف ظهره لشعر بأنه تحول إلى سلطة من لحم ودم،حقّا،هذا العم لا يعرف المزاح أبدا.
الشيء الوحيد الذي يُبقي يمان مطمئنا رغم كل هذا العذاب،أنه لم يفتح فمه بكلمة واحدة،إنه لم ينسى وعد كايين قطّ،وقد أقسم بينه وبين نفسه على أنه لن ينطق بكلمة أو يعترف إلا إذا شعر بأنه يحتضر،ولو لم يتمسك بهذا القسم،وقال كل شيء واعترف،لربما كان الآن ميتا في قبره،فما فعله ليس هيّنا،ولو عرف العم المتوحش الغاضب الحقيقة،حتى ولو كان ضابطا يجب عليه أن يعمل تحت إمرة العدالة،لقتله بيده العاريتين ودفنه في باحة المدرسة الخلفية.البقاء ساكتا وتحمل هذا العذاب والعطش أهون،وربما،ربما يرسل إليه كايين أحدًا لينقذه.فكّر يمان بأمل،وفي تلك اللحظة نفسها،سمع صوت أزيز قريب،والتقطت عينه اليسرى من الجانب شذرة ضوء فضية،لقد كان ذلك صوت النافذة " أهو الموت ؟ أم الإنقاذ " تساءل يمان فزعا،أحد ما قفز من الخارج إلى الغرفة عبر النافذة بعد أن فتح درفتيها،لقد كانتا خشبيتين ومهترئتين،لم يكلف فتحهما الشخص الذي دخل سوى دفعة واحدة.ارتبك يمان،هاهو يرى ظل الشخص وهو يخطو نحوه،وأخيرا،عندما بلغه،همّ بالالتفات إلى جهته،لكن الشخص فاجئه بدورانه من خلف الكرسي ليقابله من الجانب الآخر،وتحت نور البدر الفضي،ظهرت قسمات وجهه ليمان قريبة وواضحة،تماما،شلّت الصدمة لسانه،وكأن العطش لا يكفي لفعل ذلك،إن هذا الوجه . . إن هذا الوجه.سعل يمان،واتسعت حدقتاه أكثر،ولم يستطع التفكير بعد،تأمّلته عينا الشاب الخضراواتين بحنوّ،مدّ يده وأراحها على رأسه ثمّ تكلّم بصوت لم يتوقع يمان أبدا أن ترتشفه أذناه بهذه النبرة :
- مرحبا،لقد أتيتُ لإنقاذك.
تمتمة متلكأة وخافتة،ذلك كل ما استطاع يمان أن يرد به عليه.حدقتيه المتعبتين الحمراوين متسمرتان على الوجه الأبيض المبتسم،والذي سرعان ما اختفى عن ناظريه إذ التفت صاحبه إلى الوراء أكثر وانهمك في فكّ وثاق يمان.سعل الأخير قليلا،ثم أطرق برأسه،وتكلّم أخيرا وقد استعاد تنفسه المتعب البطيء إلا أنه لم يستطع أن يتخلص من العجب والاستثارة التي تعم جسده كله :
- لماذا ؟
ارتفعت نبرته :
- باللّه عليك لماذا تنقذني ؟ لماذا تأتي إليّ بعد أن أطلقوا سراحك ؟ من أنا بالنسبة لك حتى تنقذني غير مجرم بذل جهده ليوقع بك ؟
لم يجبه الرجل.بل واصل فك وثاقه،حتى إذا انتهى وتحررّت يدا يمان وسقط الحبل على الأرض،أسرع ومد ساعديه غير مبالٍ بإنهاكه،وأمسك بصدغيّ الشاب المنذهل وأنهضه،ثم سحبه معه ماشيا إلى النافذة نفسها،حينها لم يقوى يمان على أن يتكلم أو يعترض.لقد أطاعه ومشى معه،لكن الدماء في رأسه كانت تغلي،والخزي يسحقه سحقا من الداخل.حتّى إذا ما أصبحا بالخارج واقتربا من البوّابة الخلفية،لم يعد يحتمل يمان تساؤلاته وخزيه واستنكاره،فانتزع يده المتألمة من يد الرجل،وجعلته الدفعة يرتدّ إلى الوراء،ثم مالبث أن تكلم وهو يحدق في عيني الرجل اللتين مازالتا هادئتين ودودتين :
- لا أريدك أن تنقذني،لا أحتمل هذا،سأعود . .
- إنّ عقلي يعجز عن استيعاب هذا،تنقذني بدلا من أن تنتقم مني ؟ من أنت ؟ كيف تفعل هذا بكل بساطة ؟
التفت وأعطاه ظهره :
- عد إلى أهلك،أنا لا أستحق رأفتك ولا رأفة أحد غيرك.
لم يرد عليه الرجل إلا بكلمة واحدة،قال له :
- اسمع
ثمّ صمت.وأصغيا،هناك أصوات تأتي من البوابة الأمامية للمدرسة والتي هي في الجانب الآخر،صوت صراخ ليس غريبا على كليهما،يختلط مع صوت ونّان لسيارة شرطة.نظر الرجل إلى يمان،أمسك بصدغه وجذبه نحوه ليهمس في أذنه :
- أتريد أن تأتي معي وتنجو أم تعود لتموت ؟ بالتّأكيد وجد العمّ عصام أدلة جديدة تدينك بحيث لم يعد بحاجة لأن يستمع اعترافك،وإلا لما عاد في هذه الساعة المتأخرة.
حرّك يمان رأسه يمنة ويسرة باستعجاب وخوف،وعدم التصديق يلجم حدقتيه الزرقاواتين المتعبتين،رفع يده الأخرى وأزاح بها شعره الأسود الطويل بعض الشيء إلى الوراء وهو يقول :
- أنت لست إنسانا،لست إنسانا،لا أستطيع أن أصدق . .
وصمت تماما،فلم ينتظر الرجل ثانية واحدة،واستمر بسحبه معه ماشيا إلى سيارته التي أوقفها على بعد أمتار قليلة من البوابة وراء عدد من الأشجار الوارفة.


-

قبل ساعتين

في نفس الوقت أنهت الاثنتان مافي كوبي الشاي،ووضعتاهما على الطاولة بهدوء.تنهدت السيدة نهلة ثم تكلمت وهي تهم بالوقوف لتتحرك أساورها وحليها وتصدر رنينا ليس خفيضا تماما :
- وأخيرا شبعتُ من الشاي . .
زمّت شفتيها المطليّتين بلون خربزيّ فاتح :
- الجلوس معكِ أصبح مملا جدا آماليا.
رفعت آماليا حدقتيها إليها ببرود :
- أولا لا أتذكر أن أحدا غيرك أجبرني على النزول من غرفتي إلى هنا،ثانيا من أجبرك على اختياري من بين كل هؤلاء الناس الذين يسكنون في القصر ؟
ثمّ وقفت بسرعة فتحرر شعرها رُمّاني اللون من عقاله وانسدل على كتفيها وظهرها،فزفرت بملل وقالت شيئا عن كونها نسيت أن تحرص على إمساكه جيدا ممّا تسبب بضحك نهلة على شكلها المتململ الغاضب.وماكادت تخطو خطوتين تقلص المسافة بينها وبين الدرج الرئيسي الذي يقود إلى الطابق الثاني،حتى أوقفها وسرق انتباهها صوت ضجيج عالٍ يقترب من بوابة القصر الداخلية التي توليها ظهرها.
- ماهذا ؟
سألت السيدة نهلة وهي تمشي باتجاه الباب،رغبت آماليا بأن تتجاهل الضجيج وتصعد إلى غرفتها،لكن الترقب والفضول،وحدسا ما ثبّت قدميها في مكانها.وأخيرا،فُتح الباب،قفز ناظري نهلة إلى الباب لتتّسع عيناها البنّيتان على الفور،فرقة كاملة من الشرطة ؟ مالذي جعلهم يأتون إلى هنا ؟ أليس من المفترض أن العم يتكفل بجميع الشؤون ؟ لكن . . أيمكن أنهم اكتشفوا شيئا . .،فكّرت نهلة مندهشة،وسرعان ما اجتذبها سكون الضجة من ذهولها،واستقّر طرفها على الرجل الذي دخل وحده بينما ظلّ البقية في الحديقة المُنارة بأنوار كهربائية ساطعة وتراجعوا أكثر بحيث لم يعد بإمكانها أن ترى أغلبهم أو يروها،لقد كان ذلك العمّ عِصام،أخوها الذي دخل ودفع درفتيّ الباب وراءه ليواربه.كان الإدراك قد سكنّ صدر نهلة القلق بعض الشيء وثّور أفكارها في نفس الوقت إلا أنه لم يجعلها تنسى صغيرتها الحبيبة آماليا كما تسميها،فهمّت أن تلتفت إليها بسرعة،لكنّ صوت العمّ الذي اندفع قويّا وآمرًا منعها :
- نهلة،استدعي جميع أفراد الأسرة حالًا.
تقدّم أكثر وما إن رأى آماليا حتّى قست نظرته بشكل وحشيّ لم يجرؤ لأن يريه قبل هذه اللحظة لأحد من أفراد عائلته،بل المجرمون هم فقط كانوا من يتعذبون برؤيته،تكلّم وهو يحدّق في ظهرها المكسّو بقميص أبيضٍ من الدانتيل المبطن بالقطن،والذي غطى شعرها المتموّج نصفه :
- تعالي.ولفي وشاحك على رأسك.
كان الخوف وقتها قد دمّر قلب آماليا وحطّمه.تحرّكت يداها ورفعت الوشاح الذي كان مرخيا على عنقها وكتفيها لتغطي به شعرها،ثم تقدمت قدميها بشكل آلي مشيا إلى حيث أمرها العمّ عصام الذي ما إن ظهرت ملامحها أمام ناظريه حتى أشاح بوجهه خشية أن يفتك بها في لحظة إن رأى عيناها.قال لها بصوت حاول ألّا يخرجه قاسيا حديدّيا حتى لا يثير خوفها أكثر فتنهار أمام قدميه وتفسد كل شيء خطط له :
- ابقي واقفة حتى يأتي الجميع ولا تجلسي أبدا حتى آمركِ.فهمتِ ؟
أيضا أومأت له برأسها بحركة آلية.ووقفت كالتمثال،لكن روحها كانت الآن باحتراقها وتفحّهما أبعد ما تكون عن الحجر.
بضعة دقائق مضت بعد أمر نهلة للخادمات الموجودات في كل مكان بالذهاب واستدعاء الجميع،وامتلأت الجلسة في البهو الرئيسي بكل أفراد العائلة المتواجدين،لقد كان الوقت ليلا،الساعة تقارب العاشرة تقريبا،لذا فإن الأغلبية كانوا مستيقظين ولم يخلد أحد بعد إلى النوم،عدا بعض الشباب الذين يفضلون السهر إلى وقت متأخر أو المبيت في مكان آخر.
كانوا قرابة الخمسة والعشرين شخصا بالغًا فقط فلا داعي لجلب الأطفال،النساء يغطين رؤوسهن بأوشحة مختلفة الألوان،كلهم يطغى عليهم الترقب فقد اعتادوا على طلب العم لهم لعقد اجتماع منذ بدأ القضية والاكتشاف،إلا أنه في الآونة الأخيرة لم يستدعهم.
فقط أربعة أشخاص كانوا غائبين عدا كبير العائلة جلال الغائب الرئيسي،فهو لا يخرج من غرفته بسبب مرضه وكبر سنه،وغرفته بالتّأكيد ليست مكانا مناسبا أبدا للتجمع،فهو لن يستطيع سماع نصف الكلام الذي يقال أصلا.والعمّة بوران بالطّبع،وأسود الذي كانوا شبه متأكدين بأنه ذهب في سفرة مفاجئة كعادته،فإن أحدا منهم لم يره وهو يتوجه إلى غرفة بوران.وأيضا ابن العمّ عِصام البكر إياس،ونِضال ابن أخت عصام ونهلة،وجيداء الأخت الصغرى لكليهما والتي خرجت لتتعشى مع زوجها خارجا ولم يعودا بعد.
إلا أن غياب كل هؤلاء لم يمنع العمّ عِصام من البدء بالاجتماع بما اعتاد قوله في كل الاجتماعات السابقة،وهو سرد القضية من أولها وذكر ما توصّلوا إليه من الأدلة،ولكنه لم يكد يبدأ بالحديث حتى توقّف فجأة وعقد حاجبيه وهو يجيل نظره بين الجميع،إنه لا يستوعب كيف نسي الفرد الأهم فجأة . .
- أين هو ؟
سأل،ولم يحتاجوا كلهم لذكر الاسم حتى يعرفوا من يقصد،إنه حبيبهم الذي عاد إليهم أخيرا،من غيره ؟ للأسف بسبب اعتيادهم على غيابه الطويل نسوا أن يلاحظوا عدم وجوده الآن.
- لقد أخبرني بعد صلاة العشاء أنه سيخلد مبكرا للنوم هذه الليلة.
قالت نهلة،ثم التفتت إلى آماليا التي مازالت واقفة وراء أريكة عصام التي تترأس الجلسة بالضبط :
- مابكِ يا آماليا ؟ لمَ لا تزالين واقفة ؟ هنا بجانبي يوجد متسع.
رفع العم عصام يده آمرا إياها بالسكوت،ثمّ قال :
- حسنًا،لا داعي لوجوده هذه المرّة،كل الأشخاص المهمّين متواجدون الآن.
- وقد غيرت رأيي،لا حاجة لإعادة سرد كل ماحدث،فلا شك بأنه لم يغادر أذهانكم،لقد جمعتكم هذه المرة فقط . .
وقف والتفت نحو آماليا التي كانت مطرقة برأسها متجمدة كتمثال،وضبط نفسه قدر استطاعته وأمسكها من صدغها وجذبها لتدخل إلى محيط الجلسة :
- لقد جمعتكم الآن فقط،لتودّعوا آماليا.
سقطت بومة الصمت الضخمة على رؤوسهم.أما آماليا،فإن الألم وحده الذي صعقها وجعل لون وجهها المحمّر يشحب حتى صار مثل بلاطة رخام،وقضم الخوف نظرة عينيها العميقة.
- ماذا تعني ؟
كانت السيدة نهلة أول من مزقت ريش الصمت،بينما بقي الجميع ينظر إلى عصام وآماليا بوجيه مبهوتة.أجاب عصام بصوتٍ جليدي غامض مانعا أي أحد آخر من التكلم :
- لا أريد أي سؤال الآن،ستعرفون لاحقا،الآن فقط،ودّعوا آماليا،بنظراتكم.
ماكاد ينهي كلامه حتى وقفت السيدة نهلة معترضة ومندهشة،وتبعها ثلاثة أشخاص،قالت إحداهن باستنكار وهي تعقد ساعديها وتحدق بعصام بنظرة لائمة ومندهشة،السيدة منال أخت نهلة وعصام من الأب وقد كانت أكبر من الأولى وأصغر من الثاني بعدة سنين فقط :
- ماذا تعني بذلك عصام ؟ أتريدنا أن نودع الابنة بعد أن فارقنا الأم أيضا ؟
وتتالت الاعتراضات،بينما بقي عصام صامتا كالجدار،حتى إذا ما انتهوا جميعا منتظرين رده وقد التفوا حينها عليه هو وآماليا التي أغشت الدموع مقلتيها دون أن تقدر على رفعهما أو التلفظ بهمسة،التفت نحوها،وأمسك بصدغها،وسحبها معه ماشيا إلى الدرج،متجاهلا الجميع.
لم يكد يصعد ثلاث درجات حتى همّت نهلة ومنال والأغلبية باللحاق به،لولا أن أسرع إليان ابن منال البكر وقد كان شابا في بداية الثلاثينات،ووقف بينهم وبين الدرج قائلا بترجٍّ :
- أرجوكم دعوه،ودعونا نعود ونجلس لنتناقش في الأمر فلا بد أن هناك سببا قويا جعله يتلفظ بذلك ويفعل مافعله.
مضت دقيقة بعد قوله،عاد بعدها أغلبهم إلى أماكنهم،إلا شخصا لم ينتبه له الجميع،تنسّل من بينهم وذهب ليصعد إلى الطابق الثاني من الدرج الآخر المنزو في أقصى يسار البهو،إن ذلك الشخص هو راهب،ابن نهلة الوحيد الذي بلغ الثانية والعشرين لتوه.بينما بقيت أمه واقفة أمام الدرج عاقدة ساعديها،وأختها منال بجانبها واضعة يدها على خصرها.وقالت الأولى عندما رأت إليان يعود لاحقا بهم ليجلس :-
- تعرف أنني أنا وأمك إذا ماقلقنا فلن نستطيع أن نجلس.
ثم مشت لتقف مكان وقوف آماليا،ولحقت بها أختها.
ابتسم إليان لهما بخفة وقد كان الجميع قد بدأوا يتهامسون بينهم بشأن ماحصل.

- ارتدي عباءتك.
قال عصام لآماليا بعد دخولهما لغرفتها للتّو،فأطاعته بدون أن تتلفظ بكلمة وأسرعت والتقطت عباءتها رمادية اللون من المشجب لترتديها إضافة إلى الوشاح الغامق الذي لفته على رأسها سابقا،أما وجهها الخالي من المساحيق فقدتركته دون غطاء.
- هيّا،لا تأخذي معكِ أي شيء ولا حتى قطعة واحدة من الملابس.
أمرها العم عصام بقسوة،ومجددا حاول ضبط نفسه عندما رآها تمشي نحوه مطرقة برأسها لئلا يقتلها بضربة واحدة.خرج من الغرفة ولحقت به،وكادت أن تقفل الباب لولا أنه نهاها بحركة من يده وأمرها بأن تتبعه.
توقّف قبل الدرج بمسافة بسيطة،وأولاها وجهه قائلا بصوت مخيف وهو يسدد نظرة حادّة إلى عينيها المرعوبتين الصامتتتين :
- اسمعيني جيّدا آماليا.هذه آخر مرة سأتحدث بها معك،وربما لن تري وجهي بعد الآن،لا أنا ولا أي فرد آخر من العائلة،لقد ثبتت لدينا جميع الأدلة الجنائية
لم يستطع منع نفسه من أن يكزّ على أسنانه حقدًا :
- تعرفين منذ زمن أننّي لا أحبّكِ آماليا،وبعد ثبوت أنّكِ أنت الفاعلة
زفر غير قادر على كتمان غضبه :
- فإنني لا أهتم أبدا لو قطع رأسك صبيحة اليوم التّالي عندما تعلم عائلة المجني عليه بأنك أنت الجانية،وحينها ولن أبذل أي جهد لأطلب منهم الغفران،يكفي أنني رفضت التصديق تماما عندما وجدوا الأدلة وأخبروني إلا عندما رأيتها بعينيّ
قبض كفه وأعاده وراء ظهره محاولا ألا يلكمها على وجهها :
- فتاة حقيرة وصغيرة مثلك لم تتعدى الخامسة والعشرين وتقوم بهذه الفعلة الشنيعة بلا حياء ولا خوف من الله
- أي مخلوقة أنتِ ؟
- لتعلمي فقط أنني خوفا على قلب نهلة والآخرين لم أخبرهم بما فعلتِ،لا شكّ بأنهم سيتوصلون بأن لكِ علاقة بعد قليل أصلا.
- ليت أمك لم تمت لتشاهد خزيك هذا . .
توقف عصام غير مصدق بأنه قال هذه الجملة،صحيح بأنها صادقة تماما،فهو لم يكن يطيق أم آماليا أبدا،إنها زوجة أبيه السيد جلال الثالثة،رغم ادعاء الجميع بأنهم كانوا يحبونها،إلا أن هذا كان خوفا من السيد جلال فقط،ولا شك في أنهم كانوا يمقتونها تمام المقت ولم يقدر أحد أن يحبها بسبب طبيعتها الخبيثة ومحاولاتها المستمرة لسرقة السيد جلال من عائلته المتبقية.لكن عندما ماتت قبل سبع سنين،فإن الجميع كان مجبرا على تقبل آماليا،ومع مضي الوقت على انتقالها إلى المعيشة معهم في نفس القصر ومخالطتهم،أحبها الجميع حقا،وهذا ماكان قد جعل عصام بدءا يرفض تصديق كونها الفاعلة،فقد كان الجميع يصر على أنها ذات قلب أبيض عندما كان يخبرهم بعدم مقدرته على حبها،وربما اقتنع قليلا لكنه لم يستطع ابتلاع رفضه الباقي.على كلّ،لقد تبين الآن أنه هو المحق،وجميعهم انخدعوا بهذه الكاذبة المحترفة التي ترتجف بكاء الآن أمامه،مصدومة من قسوة الجملة التي قالها لها.
حدّق فيها بضع ثوان،ثم لم يعد يحتمل،لقد استفزته شهقاتها جدا،الآن تبكي ؟ بعد كل مافعلته ؟
تقدّم إليها وركلها عاجزا عن كتمان غضبه قائلا :
- لا تبكِ،العاهرات مثلكِ لا يستحقون هذا.
فلم تزد جملته الثانية هذه آماليا إلا بكاء وشهيقا.أدرك عصام أنها لن تتوقف عن النحيب مادامت انهارت الآن،فحارب اشمئزازه وأمسك بيدها ليدخلها إلى إحدى الغرف،وفقط،عندما أقفل الباب وراءهما،تقدم ذلك الشخص الذي كان مندسًّا في الظل وقد سمع كل شيء،وحدّق إلى الباب بعينه اليمنى الرمادية إذ غطيت الأخرى بعصابة وهو يكاد يسقط أرضًا من الصدمة.

-

اليوم التالي

فتح أسود عينيه،ما إن اتضّحت الرؤية الضبابية حتى عرف أنه في غرفته.على الفور شعر بألم في حلقه،مدّ يده بسرعة قلقا،فلامست أصابعه ضمادة،اتّسعت عيناه،وأخيرا تذكّر.لقد كان في غرفة بوران،ثمّ . . ، أجفل وهو يفكّر " بعد أن قيّده الرجال الأربعة،مالّذي حصل ؟" حاول النهوض متّكئا على يده لكن عظامه آلمته فورا فعاد واستلقى،فقط استطاع أن يرفع نفسه قليلا دون أن يستوي جالسا تماما.عاود ولمس الضمادة الملفوفة على حلقه،ثمّ هجم عليه الرعب مرة واحدة،ماذا يكون الشيء الذي فعله راف بحلقه ؟ أيعقل أن . . أيعقل أن !!
اتّسعت عيناه،مد يده اليمنى إلى الطاولة التي تجاور سريره غير مبالٍ بألمها وفتح الدرج لكنه قبل أن يبدأ بالبحث فيه لاحظ ورقة صغيرة على سطح الطاولة الصغيرة،أخذها أولا ووجد جملة مخطوطة عليها باللغة الإنجليزية :- " بقي شيء واحد لا تعرفه يا أسود،انظر إلى وجه حبيبتك آماليا جيّدا،وستعرفه"
قطّب حاجبيه ثمّ ألقى بالورقة بعيدا،ليس هذا همه الآن،أدخل يده في الدرج وعبث فيه بسرعة قبل أن يعثر على مايريد.مرآة،رفعها بعض الشيء،رأى حلقه،الضمادة،وذقنه المغطى بزغب خفيف ونصف وجهه،أخيرا،فتح فمه،حاول أن يقول شيئا،مرة،مرتين،ثلاث،لكنّ صوتا واحدا لم يخرج،إنما فقط،رأى فمه في المرآة يتحرك بعشوائية.عدة ثوانٍ مرت،وجملة واحدة تتكرر في رأس أسود
" أنا أخرس
أنا أخرس
لقد سرق رافاييل صوتي"
ثم هوى إلى الخلف على سريره،مصعوقا،قد أُغشي عليه،وسقطت المرآة من يده على الأرض،وتحطمت ليتناثر زجاجها على الأرضية الرخامية المموجة.


❀| ℓįgнт sPįяįт ~ غير متواجد حالياً  
التوقيع