[Mai sherif]

2:00 ضهراً
الحمد لله اخيرا انهيت مهامي ... اسرعت الخطى على درجات السلم المتهالك بالبنايه القديمه التي يقبع بها مكتب منير الغتت للمحاماه ... حسنا هو ليس منير الغتت هو منير الانصاري ... يعتبر من اقوى القانونين بالبلد ... كنت من المحظوظين بتلقي التدريب اثناء الدراسه بمكتبه .. لأنال على اعجابه بمثابرتي وتفوقي فتمسك بي بعد تخرجي .. لم اكن اعلم بأنه غتت كما هو الان الا بعد البدء في العمل تحت امرته .. اعانني الله.. رغم ما اتقاضاه من اجر مجزي الا اني يوماً ما باذن الله سافتتح مكتبي الخاص .. يوماً ما بهذه الحياه ..
"ازيك يا استاذه ندى.."..
" ازيك يا عم احمد ،، لو سمحت كوباية عصير ومايه الله يكرمك على مكتبي "
اتجه لمكتبي لاقابل احدى زميلاتي هند فتاه بسيطه حلوة المعشر ووكاله رويترز الخاصه بالمكتب
" كنتي فيييين ،، الاستاذ على اخره،، ها خلصتي الشغل الي بره كله؟؟"..
"بالراحه لسه واصله حالا وخلصت كل العقود ،،،ممكن تدخليها للاستاذ ،،انا مش قادره هلكانه تعب .."
" مش بروبليم هاتي العقود،، ايه ده!؟.. فين التأجيلات الي طلبها من المحكمه !!"...
" لا لا مش بتاعتي ،،اعتقد انو ادها لمحمد او مختار مش فاكره بس هو واحد منهم ،،مش انا خاالص،، "..
" ok .. انت اتورطتي لان اسمك على اللوح ،،انت الي لازم تقدمي التأجيلات ،،بس واضح انك نسيتي ،،الي شاغل عقلك يا جميل ،هههههههه .. "
."لابقى دي حركه من حركات مختار ،،انا متأكدة .. هو الي كتبها على اللوح ... طيب استحمل بقى نصيبك "...
"استاذه ندى تعالي مكتبي حالاً "
كان ذلك امراً من الغتت بذات نفسه ..حسناً يبدو ان الغزاله ليست بأحسن حالاتها .. قد يكون خسر قضيه ما .. او قد تكون مدام غتت ناولته بالمقلاه صباحا على رأسه ..عند هذه الفكره اتسعت ابتسامتي ليقابلني وجهه البهي الطله باكثر النظرات بلاهه ..كيف لذلك الوجه ان يكون بذاك الدهاء القانوني
"امسحي ابتسامتك من وجهك والا مسحتها بنفسي .. وبعدين كنت فين لحد دلوقتي؟؟ ..وفين الشغل المطلوب منك ؟؟"
..حسناً نفس عميق ..امحو ابتسامتي..البس وجه الجليد بحاجبي المرفوع وعيناي اللامعتين..نحنحه بسيطه
"اتفضل ،،دي العقود كلها اتوثقت بالمكاتب زي ما حضرتك امرت ..ولسه راجعه حالاً "..
" و طلبات التأجيل ؟؟"
قالها وهو يتصفح العقود بدقه
."احم .. انا ... حضرتك محددتهاش من ضمن شغل الاسبوع ده ،،دي نكته من مختار ،،حط اسمي على سبيل الهزار ..حظرتك عارف بيحب هو الهزار كتير رغم اني حذرته كذا مره .. بلاش هزار في الشغل الاستاذ مبيحبش كده .. غلبان طبيعته الشخصيه مش متماشيه خالص مع طبيعه المكتب .. محتاج حد يفهمه كدة "
بخبث بين كلاماتي ..لففت حبل المشنقه حول رقبة السخيف مختار ..اعلمني كيف ستخرج من مأزقك يا ابله...دقائق وخرجت من مكتب الغتت لاتجه الي مكتبي لتلتقي عيناي بالمأسوف على امره ..رسمت ابتسامه بلهاء على فمي .. ومررت الي مكتبي وقبل ان اغلق الباب كان صوت الغتت يصدع بالصاله الرئيسيه..
"استاذ مختار "
انتفض من كرسيه هرعاً الي حيث يقف الغتت
"نعم استاذي"
"الكلام ده ليك ،وللباقي ،،لاني مش هسمح لحد ابدا بالتهاون بالعمل او ان تكون طلبات العملاء الموكله اليكم نوع من انواع الهزار ،،عارفين كويس ان الي بيشتغل عندي شهر ،بيكسب خبرة سنين ،والشركات بتهافت عليه ،،لو كررت الي حصل النهارده ده ،،او حد منكم اتهاون تاني في وظيفته ،،يبقى الباب يفوت جمل ،،وفيه الف شاب هيكون مكانه من تاني يوم ،،،مفهوم !!!... "
خاضعاً اصدر موافقته ليعود الغتت الي مكتبه وينصرف الجمع وتلتقي نظراتنا همساً نطقت "يا مفغل ،،العب على قدك ".. بينما هو عيناه كانت تصدر شررا كافي لانارة المكتب حال انقطاع التيار الكهربائي .......



4:30عصراً
روائح شهيه تعبق بها اركان الشقه ..... واصوات القرآن تنطلق من مذياع والدتي بالمطبخ ..... حيث تقف امي يومياً ..... رغم تذمرها المعتاد من عدم معاونتي لها ...... وبأنني سأعود بعد يوما واحد من زفافي اليها بفضيحه الفشل المطبخي .... وكأن جناب عريس الغفله سيختبر مهاراتي المطبخيه من اول يوم .... مسكينه والدتي معتنقه هي فكرة اقرب طريق الي قلب الرجل معدته .... حسناً ذاك الرجل ذو البطن المتدلي .... ليس الرجل الذي سأقترن به بيوم من الايام .... رجل احلامي التأه بمجرات الكون .... او متعطل بأحدى اختناقاته المروريه .... اما ذاك او انه ليس لديه اي عذر للتأخر كل هذا الوقت ..... اسير بمهل ولا اصدر صوت ..... لافزع امي المسكينه ككل يوم.... بدأت اشك بانها تتصنع الفزع كي لا تحرجني ..... او انها مصابه بفقدان ذاكره مؤقت .... اكرر نفس فعلتي يوماً .... ونفس رد الفعل لا يتغير .... حسنا لا يجب ان اظلمها .... فأمي الغاليه حين تدلف الي المطبخ تنقطع عن العالم الخارجي تماماً...... انها لا تفارق المطبخ الا في ساعات قليله ..... دائما ما اجدها هناك ..... تطهو لنا .... او تنضف الملابس .... اوحتى تجلس بأسترخاء .... اكاد اجزم بأنه مملكتها الخاصه دوناً عن باقي الشقه .... اثناء تحركي لمحت شئ ما ، متكور على الاريكه بغرفة المعيشه ... لحظه .... تلك الكتله الهلاميه انا اعلمها جيداً.... بسرعه تداركت نفسي ... لاعاود السير على اطراف اصابعي .... لكي لا الفت انتبهها .... لاتسلل بسلام الي غرفتي ... ملجأي من الضيوف الفضوليين .... حقيقة لا انكرها ..... كل من طرق باب منزلنا مرحباً به ..... الا خالتي "اعتماد" ........ نعم هي تلك الكتله المستلقيه بأريحيه على الاريكه .... المرأه الاكثر استغلالاً لنقاط ضعفي ... والاكثر كيداً لي بأبنتها "عليه" ...... ما لا تعلمه خالتي المصون ... بأنني لو وصلت لاخر عمري ..... لن اندم ولو لحظه على حياتي ....وما تمنيت يوما ان اكون شبيه لابنتها بزوجها المتكور من كل اتجاه وابنه شبيه بذات التكور... بصرف النظر عن خفة الدم المتأصله بثلاثتهم ... والذكاء الحاد الذي يقطر من نظراتهم ...... وكلامهم المعسول الذي ينطلق كالاسهم من بين افواههم ... بربكم ما كان بننا بالماضي لا يتخطى العداء الطبيعي لاطفال متقاربين بالعمر .... لينمو العداء لديهم مع نمو جسد "عليه" ... اما عقلها فضل حبيساً لتلك المرحله ...
لا زلت اذكر "عماد " ابن "عليه" و " مؤنس" .... بالله عليكم "عماد مؤنس عماد " اليس اسماً يوحي بمستقبل مالكه ... كم اتمنى من الله ليمد بعمري فقط لاعلم مستقبله .... امه تصر على ادخاله كليه الطب ... حباً بالله يفكي مافيها من مأسي لا تزيديها بأبنك النابغه .... ثم من اين له الذكاء الذي يؤهله لتلك الكليه ..... عذراً " هيجيب منين يعني " ..... حين كنا مجتمعين في المره السابقه بمنزل جدي وجدتي من امي .... في حين كنا نجلس على السفره لتناول الطعام الذي قامت "نينه توحه" كما تحب منادتها بهذا الاسم و الذي من وجهة نظرها يعد دلعا !! ... وهممت بتناول طعامي الا واجد ذاك الطفيلي يناظرني بنظرات بلهاء.... رفعت نظراتي عن الصحن ..... لم اجد احدا يعيرنا اهتمامه كل مشغول بصحنه .....عدت لاجده يحدق بي ذات الطريقه المستفزه ....... حاولت اسفه مداعبته .... مددت لساني .... فمد لسانه .... جعدت حاجبي وقلبت نظراتي بطريقه مضحكه لاجده يصرخ بذعر وكأنني قُلبت مسخاً ما .... ليهرع اليه والديه محاولين فهم ما اصابه ....وهو يصدر صرخاته المستغيثه البلهاء ..... ويشير حيث ما زلت اجلس .... ضحكاً من هيئته حاولت تبرير اشارته لي " تلاقيه بس عاوز يقعد مكاني .. مش كده يا "ماد"!!" لتصدر "عليه "ضحكه بلهاء محتضنه وجه ابنها المكتنز " عاوز تقعد مكان امنا الغوله يا "مادي".... تعالي ياحبيب مامي "... ليضحك كل من بالطاوله على كلماتها البلهاء .... انا .. انا يقال عني امنا الغوله ..... لو نهضت الان وغرست شوكتي بوجهها من منا سيكون امنا الغوله بنظركم ...
اخرجني من شرودي طرقات والدتي على باب غرفتي ....
-" سعاد ... ازيك يا مزه "....
-" يا بنت اتأدبي .... سعاد ومزه ... انا امك ... عارفه يعني ايه ... ولا دي كمان عاوزه شرح"
-" لا ازاي ... بس بردو سعاد ومزه .... حد يلاقي دلع وميدلعش يا ست انتي ... وبعدين تلاقي الحاج منشفها على الاخر .... من يوم ما طلع معاش وهو متغير .... طيب عيني في عينك كدة ..... بذمتك مش منشفها على الاخر " ... لتحمر والدتي خجلاً من كلماتي وتلكزني بكتفي
-" اتأدبي يا بنت .... جيل مهبب .... لو كنت قولت الكلمتين دول لامي الله يرحمها ...."
-" كانت دفنتني بالحيا ..... عارفه يا سوسو الي مصبرني على اسطواناتك القديمه دي ايه ....اني بحبك يا مزتي "... مقبلة خدها المحمر خجلاً ..... هل سبق وان لاحظتم ان ظاهره احمرار الخدين اختفت من بنات جيلنا المبجل ..... لا اعلم هل فقدنا كميه الدماء التي تضخ فتحمر الخدين ...... ام فقدنا خجلنا الفطري الذي ولدنا به ...... ام ان فعلا اختلاف الجيلين بات واضحاً حتى من رد افعالنا المختلفه....
-" معدتيش عليا في المطبخ ليه .... دي خالتك اعتماد هنا "
- " اه منا اخدت بالي عشان كده قولت اخد دوش اروق كده ..... واجيلكم على طول " ..... كاذبه اعلم ووالدتي ايضاً
-" طيب خدي دوشك .... وتعالي عشان نتغدى سوا كلنا .... اممممم .... البسي البلوزه الزرقا ماشي ... وسرحي شعرك كده على جنب ..... وبلاش شغل الاموات وحط......."
-" ماما .... مين جاي على الغدا ......وعوزاني اتزبط عشانه ....متقوليش عريس من عند خالتي ...."
-" دلوقتي ماما ... من شويه كنت سعاد ..... وبعدين اه عريس .... وحياتي عندك يابنتي ما تكسفيني ..... شوفيه يمكن يبقى في قبول "
- " يا ماما ..... الموضوع كله ان عينة خالتي من العرسان لا تتوافق لا كماً ولا كيفاً مع طموحي وامالي .... عشان كده بلاش ..... بلاش منه خالص ..... وبعدين اموت واعرف بتلاقي فين تؤام لمؤنس ده .....ما كفايه هو علينا " ..... لننفجر في ضحكاتنا
-" طيب هشششش وطي صوتك ......وانا هعتدر لخالتك واقولها انك اتصلتي وعندك شغل ....." مقبله خدي امي بقبله صامته ....... وادعو الله ان يمد بعمرها .... والا يرني بها سوء ابداً ..... مشيره بكف يدي الايمن علامه عسكريه ... لاطيع امرها .... اتعلمون لست بتلك الفتاه المتطلبه بصفات محدده بعريس الغفله المنتظر ... كل مافي اللامر ... ان اختيار ذالك الشريك ليس بتلك السهوله التي تتبارز بها فتيات جيلي ... فمعظم دفعة تخرجي تزوجوا وانجبوا ... اختياري انا يجب ان يكون شريكا بكل جوانب حياتي ... ليست مجرد حلقه مفرغه من الذهب التفت حول اصبع كفي الايسر ... وبطن انتفخت بأحد الاطفال ... هدفي اسره اسعد بها .. وافيد بها ديني ومجتمعي ليس اكثر ... اتروني متطلبه !!؟؟......