شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.rewity.com/forum/f202/)
-   -   82- الحمقاء الصغيرة -آن هامبسون - روايات عبير القديمة(كتابة /كاملة **) (https://www.rewity.com/forum/t103639.html)

أمل بيضون 05-03-10 05:20 PM

7- ترتيبات العرس
أنتشر خبر الخطوبة بسرعة , وتوالت التهاني , ولكن الدهشة غلبت الناس لأن روك كان عازبا مكرسا , وقالت لها سةوزان بمكر واضح :
" أعرف أن قولي ليس من قبيل المجاملة , ولكنك تدركين أنني لا أقصد شرا , فأنا لست أدري كيف نجحت في أصطياده!".
" طبعا , أنا أفهمك".
أغتمت كيم للأذى الذي أصاب سوزان , وعبّرت عن حزنها بصوت منخفض ينم عن بعض الأعتذار :
" أنا نفسي لست أعرف كيف حدث ذلك".
" ألم يكن ذلك أثناء مرضك؟".
" بلى ,هذا صحيح".
ألتقت كيم عند متجر ألبسة حيث أشترت الأخيرة بزة وبلوزة تناسبها , وأحست كيم بأرتباك أذ تنازعتها رغبة الأعتذار والأنصراف بسرعة , وأمنية بالبقاء مع سوزان , التي أحبتها كثيرا .
" هل ترغبين بفنجان شاي؟ بأمكاننا أن نقضي ساعة أو نحوها في المقهى".
" موافقة".
وعبرت الفتاتان الشارع الذي ظللته أشجار النخيل , بأتجاه المقهى , وما أن جلستا ووجهتا طلبهما ,حتى سألت سوزان:
" متى سيتم الزفاف؟".
"روك يرغب بأقامة العرس قريبا".
" قبل عيد الميلاد؟".
" أجل خلال أسبوعين".
حدقت سوزان الى كيم متفحصة وجهها وعينيها وشعرها الجميل وهي تتنهد فيما أرتعش ثغرها , ثم قالت وهي تصطنع ضحكة خفيفة وشجاعة عرفت كيم أنها أخفت وراءها ألما أعتصر قلب صديقتها:
" يا ألهي , أنه في عجلة من أمره , ظل عازبا دهرا , وعلى حين غفلة وقع في شرك الحب ,وها أننا لن نراه يقاوم كما كنا نفترض".
عضت كين شفتها وقد تنبعت للعراقيل التي تقطع عليها طريق السعادة , وهي لم تقتصر على قلب سوزان , بل شملت الشكوك التي غالبا ما تساور كيم نفسها , وخطرت لها أيام هيامها بريتشارد , فتذكرت السعادة التي غمرت كل لحظة عاشاها معا , وتسارع خفقان قلبها كلما ألغها أنه سيسهر في منزل والديها , وضيقها ذرعا بأنتظار يوم العرس , ألا أن العرس أفزعها هذه المرة بدون أن تعرف لذلك سببا , صحيح أنها أحبت روك , وسعدت بقربه , لكنها شعرت بأنها مخدوعة , وأنها لم تنل ما تتمناه أي فتاة مخطوبة , ولم تساورها تلك الشكوك , وتطرح ظلالها القاتمة على درب سعادتها , ألا عندما يكون روك بعيدا عنها.
وأحضر الشاي , فيما تكلمت الفتاتان على العرس ورافير وعيد الميلاد ,وكان حديثهما ممتعا بغالبيته , لكنهما شعرتا بأرتباك أتجاه بعضهما , وأخيرا نظرت سوزان الى ساعتها , وقالت:
" علي أن أذهب الآن حتى أنظف أقفاص الدجاج أستعدادا لأستلام بعض الفراج الجديدة".
" أليس الصبية مسؤولين عن هذه الأعمال؟".
" أحيانا , ألا أنني بدأت أتعاطى تربية الدجاج منذ بعض الوقت , الأمر الذي يكسبني نصف الربح , وهو يقول أن عليّ أن أفتح حساب توفير لي.... لي...".
وأنقطعت عن الكلام فجأة , لكنها سرعان ما تنبهت الى الأمر , فأضافت :
" لعرسي ذات يوم".
خفضت كيم بصرها , ولم تنبس ببنت شفة , ثم أحضرت النادلة الفاتورة , وما لبثت الفتاتان أن خرجتا لتسيرا تحت السماء الأفريقية الزرقاء الصافية .

أمل بيضون 05-03-10 08:08 PM

وفي ظلال أشجار البهار التي أمتدت على طول الشارع وقفت سيارات عديدة أستطاعت كيم أن تميز منها سيارة الأخوين ستان اللذين عملا في زراعة الأخشاب مثل روك , وأن على مستوى أقل , ونتيجة تحفظهما , نادرا ما زارا النادي , أو شاركا في النشاطات الترفيهية المعدة لمزارعي هذا الجزء من أقليم ترانسفال وأستغربت كيم تقاعسهما عن المساركة في الحياة الأجتماعية وهما لا يزالان شابين دون الثلاثين من العمر , وفيما وقفت كيم وسوزان , وصل أحد الشقيقين الى السيارة , وفتح بابها ,وقبل أن يصعد الى مقعده , نظر عبر الشارع ورأى الفتاتين , فرفع يدة لتحيتهما , فقالت سوزان وقد تجهمت قليلا:
" لا يختلف تصميم هذين الأخوين في البقاء عازبين عن تصميم روك السابق , ولست أدري أيهما , جاك أو كليف , أصعب مسايرة ومعاشرة ".
" هذا كليف, أليس كذلك؟".
" صحيح , ولعله أشد وسامة من شقيقه".
وأفترقت سوزان وكيم فأتجهت سوزان الى سيارتها , في حين قصدت كيم المتجر لأن بارت كان قد طلب اليها أن تشتري بعض الدفاتر وأدوات الكتابة الأخرى من محلات القرطاسية , ولشد ما دهشت كيم أذ ألتقت رافيلا وهي خارجة من أحد الحوانيت , فحيتها:
" مرحبا , هل رأيت سوزان؟".
" أعرف أنها في المدينة , لكنني حضرت مع جاك وكليف ستاين".
لم تستطع كيم أخفاء أستغرابها , وقالت:
" لقد فعلتها؟ أنك محظوظة جدا".
ردت رافيلا ببرودة:
" لا أظن ذلك ذلك , لأنني ذهبت الى منزلهما وسألتهما أذا كانا ينويان زيارة المدينة , فردا بالأيجاب , وعبرا عن سعادتهما بأصطحابي".
" كان بأمكانك أن تحضري مع سوزان".
أكفهر وجه الفتاة بينما تفحصت وجه كيم بدقة:
" لم أكن أنوي المجيء , غير أنني شعرت بالملل بعد خروج سوزان , هل صحيح ما سمعته عن خطوبتك من روك لنتون؟".
خفضت كيم رأسها فيما أجابت بأقتضاب:
" أجل".
وهنا تذكرت كيم أن رافيلا وجدت روك مثيرا ومغريا , وكان عليها أن تعرف أنه كذلك".
" أقر بأنني دفعت الى الظن بأنه لم يتسع وقته للنساء , مع أنني كنت أوقن أن العكس صحيح , فهذا النوع لا بد أن يقع في نهاية المطاف".
عبست كيم في وجهها , وذكرتها بعدم لباقتها بهدوء وهي تقول بأختصار:
" آسفة , ولكن , أعذريني لأن علي شراء بعض الحاجيات لرب عملي".
هزت رافيلا كتفيها الأنيقتين :
" أظنك ستحضرين الحفلة الراقصة ليلة السبت؟".
" أغلب الظن".
" الى اللقاء أذن".
وأستدارت رافيلا مبتعدة وهي تلوح بشعرها الرائع دون أنتظار جواب .
كان بارت منشغلا عندما عادت كيم وأعتطته أدوات القرطاسية , ولم تلاحظ تغيّرا في مظهره المتعب وسكونه وهو يتكىء على الوسائد , لكنه كان يكتب وفد بدا عليه الأهتمام بعمله.
وأخيرا رفع نظره , فتطلع الى الحزمة التي ألقتها كيم على الطاولة , وأبتسم ببطء للفتاة التي عضت شفتها السفلى ثم قال:
" أشكرك".
ثم سألته والقلق يكتنفها:
" أتظن أن عليك أنجاز هذا الكتاب؟ هل من الضروري فعلا أن تنفذ ألتزامك؟".
أجابها وقد تنهد في نهاية حديثه:
" لم أعط وعدا بأنجازه , أذا كان هذا ما تقصدينه ,ولكن هذا لا يؤثر عليّ لأن الأنتهاء من وضع الكتاب يملأني بالرضى , وهو في أي حال كتابي الأخير".
" وماذا ستفعل بعد ذلك يا بارت؟".
" سأعود الى منزلي في أنكلترا وأعيش حيارة رجل ريفي شريف في مزرعته".

أمل بيضون 05-03-10 08:12 PM

أرتسمت أمام مخيلة كيم صورة منزله , فأخذت تتأملها , أنه منزل فخم قديم سقف بالقش , وأنتشرت فيه دعامات السنديان الأسود , وأنبسطت من حوله أراض تبلغ مساحتها سبعة فدادين , وتحيط بأحد جانبيها ساقية يصطاد فيها سمك الترويت , ومن جانبه الآخر غياض كثيفة , ثم أبتسمت لبارت:
" سنزورك أنا وروك".
" ستكون بادرة لطيفة جدا".
وأشاح بنظره بعيدا , فتطلعت كيم اليه وهي تتساءل أذا كانت حركته مجرد حركة آلية , أم حركة يقصد بها أخفاء ملامح وجهه عنها , فسألته بأضطراب:
" هل أنت مريض يا بارت؟".
ألتفت اليها وقد أرتسمت البسمة على وجهه فورا:
" مريض, لا بالطبع , لست مريضا , صحيح أنني متعب ومستعد لأخذ قسط كبير من الراحة , لكنني لست مريضا...".
وصمت وهو يهز كتفيه هزة خفيفة.
" لو عرفت أنك مريض , وأنك تحتاجني , لأخّرت زواجي بكل تأكيد".
فرفع بارت حاجبيه قائلا:
" صحيح؟ ما الذي يجعلك تظنين أن بأستطاعتك أستغلال مشاعر روك. أنه يا أبنتي رجل لا يطيع أهواء المرأة".
أجابته وهي متجهمة:
" لن أستغل مشاعر روك بهذه الطريقة , بل سيكون تصرفي عمليا ومن وحي المنطق , أما في ما خص جملتك الثانية , فقد بدوت لي مثل روك تماما".
" مستبدا , يرفض الهراء ,أليس كذلك؟".
وضحك , فأجتاحت كيم موجة أرتياح لأنه كان أشبه ببارت الذي عرفته مدة ثمانية أعوام ,وقالت:
" لم تخبرني يا بارت لماذا تستعمل الحبوب التي تتناولها ؟".
رفع القلم عن الطاولة حيث وضعه بجلنب كوعه بينما أجاب بشيء من اللامبالاة :
" أنها مسكنات عامة ليس ألا".
ثم أضاف باللهجة عينها:
" أشعر بتحسن عندما أتناولها ".
فأستدارت نحو المطبخ وقالت:
" سأصنع الشاي".
منذ بدأت كيم العمل مع بارت , وهي تصنع شاي ما بعد الظهر دون أن تعترض مدبرة المنزل على ذلك , وكان بارت يتوق الى هذه الأستراحة لما يتخللها من أحاديث حميمة بينهما , ولم تفكر ألا في مثل هذه الأوقات أن بارت يعتبرها أبنته أكثر منها موظفة.
وبعد عشر دقائق, جلس بارت وكيم على المصطبة يتناولان الشاي في ظلال العرائش ,وبعيدا , خارج الحديقة , أهتز المرج أنزعاجا من أشعة الشمس اللاذعة , ومعروف أن الحرارة تصل الى أقصى مداها في هذه الفترة من السنة , وقد قال روك أنهم يتصببون عرقا أو يكاد يغشى عليهم في يوم عيد الميلاد حين تبلغ الحرارة 45 درجة مئوية أو يزيد , وعاد بارت , فبدأ الحديث بسؤاله:
" هل تظنين أن روك سيزورنا الليلة؟".
" أتوقع ذلك".
وأسترجعت كيم شعورها بالحماسة والأرتعاش الذي أنتابها عندما كان خطيبها السابق يزورها , وتنهدت تحسرا على ما كان مفقودا في علاقتها الجديدة دون أن تستطيع تحديد ما ينقصها بالضبط , وكل ما عرفته أنها لم تشعر برهبة الأنتظار , وأن روك كان قادما , وهذا كل شيء , لم تحس بخفقات قلبها تزداد , ولم تحلم بنزهة في الحديقة تحت ضوء القمر .... وتنهدت ثانية قبل أن يشحب وجهها رعبا أذ أدركت أن بارت سمع تنهيدتها ونظر متفهما , فرشفت الشاي بدون أن تتفوه بكلمة , وأبدى بارت ملاحظة فيها بعض القلق:
"ما بالك يا عزيزتي لا تبدين سعيدة؟".
أبتسمت أبتسامة خفيفة وقالت من غي تفكير:
" كلانا قلق على الاخر , أليس كذلك؟".
" لا أستطيع أن أرى مبررا لقلقك عليّ يا كيم".
وضعت كيم فنجانها على الصحن:
" لست في حالتك الطبيعية هذه األأيام , وأنت تدرك ذلك".
" أنني متعب يا عزيزتي , ألم أقل هذا تكرارا في الأسابيع الماضية ؟ المرء في عمري يتعب بسرعة , ويغدو العمل بالنسبة اليه مهمة شاقة".
علقت ببعض الحزن:
" لم أظن يوما أن العمل سيتحول عبئا عليك".

أمل بيضون 05-03-10 08:14 PM

وتطلع بارت الى طبق المعجنات , وأنتقى كعكة أرز:
" الظاهر أنك نسيت كم يبلغ عمري , وكما لا بد أنك تعرفين , فأنا سأبلغ الحادية والسبعين في غضون شهرين".
لقد نسيت, لأنه بدا شابا في تصرفاته وقوة أحتماله ونشاطه المنقطع النظير , لكنه كان عليها أن تعرف أنه ليس شابا بعد أن طرأ عليه هذا التغيير أخيرا.
ثم أبتسمت له أبتسامة أعجاب وهي تقول:
" أذن, فأنت تستحق الراحة والتقاعد فعلا , ومن واجبي أن أعترف أنني لم أفكر بعمرك عندما خشيت أن تقاعد".
" والآن , هل أقنعتك بأنني لست مريضا , بل متعب فقط؟".
قص بارت الكعكة وتناول قطعة منها , ثم علق:
" رائع , لعله بأمكاننا أن نتحدث عن عرسك , فروك يؤكد لي أنه لن ينتظر طويلا , وأنا أتفق معه أذ لا أرى أن هنالك شيئا يرتجى من التأجيل".
وتأمل معالم وجهها الحلوة , وأرتعاشة فمها , والزرقة العميقة في عينيها , ثم أضاف وقد أشرقت عيناه الرماديتين الفاتحتان :
" وأنا واثق أيضا أنه ليست لديه رغبة في الأنتظار".
بلعت كيم ريقها بصعوبة , وهي عاجزة عن التغاضي مدة أطول عن شعورها :
" لا... لا, أظن ألا......".
تجهم وجه بارت وقال:
" منذ قليل قلت أن السعادة لا تملأك يا كيم , فهل أنت واثقة من حبك لروك؟".
فردت بعفوية وقد أضاءت عيناها فجأة:
" أجل , طبعا أحبه , وألا لما كنت تزوجته ,أليس كذلك؟".
تابع حديثه مسمّرا عينيه على وجهها:
" أذن , ماذا دهاك؟ من المفترض أن تطيري فرحا , لكنك لا تفعلين ".
فأطلقت تنهيدة قوية:
" لست أدري , ربما كان السبب هو عدم رغبتي في التخلي عنك".
طمأنها بارت ووعدها مؤكدا:
" سأكون على ما يرام , ربما كان السبب هو عدم رغبتي في التخلي عنك".
طمأنها بارت ووعدها مؤكدا:
" سأكون على ما يرام , والمهم هو أنت, في الوقت الحاضر ,وأنا أتمنى بألحاح من كل قلبي أن أراك تستقرين....".
قطع كلامه بسرعة وقد أغاظه أن ينطق بما فكر فيه , وليس بما كان يريد قوله , أما كيم , فعرفت بعد أن تنبهت أعصابها ذلك الشعور بأمر غريب يقطع عليها درب السعادة , وأخيرا الت:
" قولك هذا غريب يا بارت".
وسمّرت عيناها على وجهه , فلمحت فيه الأضطراب والندم على ما قاله.
وعندما تحدث مجددا , أتضحت رغبته في العودة كما قال:
" أنها زلة لسان , فقد تحدثت عن شيء فيما كنت أفكر بآخر ".
" أمر آخر؟".
" أجل , الكتاب , فعلي تضمينه أكثر من فصل واحد عن الحشرات ".
سددت كيم اليه نظرة متفحصة , ولم تفاجأ عندما رأته يخفض عينيه ويعبث بفتات الكعك في طبقه.
أتمنى من كل قلبي وبألحاح .... تساءلت كيم أذا كانت لم تحمل العبارة أكثر من مضمونا , وتذكرت قول روك بأن عليها التأكد من الأشياء التي تعتبرها مهمة , ليست في الحقيقة مهمة , وقد حذرها روك أيضا بأن الآثار التتي تتركها بعض الأمراض تتمثل في رؤية المريض للأمور بمنظار خاطىء , هل فعلت هي الشيء نفسه؟ وهل كان أنقباضها ناجما عن مرضها؟ لقد أنهكتها الحمى كما أخبرها روك, الذي حثها على مقاومة الأنقباض والكآبة , وأدركت أنها لم تسع لمقاومة الكآبة التي عصفت بها خصوصا عند ذكر قصة زواجها.
ورمقت بارت بنظرة أستغراب , وقد أرتسمت أمامها مجددا كلمات ( أتمنى من كل قلبي وبألحاح) هناك شكوك أخرى أضطرب بارت نتيجة تعبيره عنها , لكنها أقرت ,بعد أن فهمت وضعها على نحو أفضل , أنها حملت القضية محمل الجد أكثر مما تستحق , فرفعت فنجانها ورشفت الشاي مصممة على مقاومة الكآبة وهي تأمل النجاح.

أمل بيضون 06-03-10 12:40 AM

وصل روك لتناول شراب الغروب , وقد أرتدى سترة قمحية اللون وسروالا ذا خطوط زرقاء , وبدا نوذجا لكمال ارجولة , فأمتلأ قلب كيم سعادة لرغبته بالزواج منها , كم كانت محظوظة , أنه موضع أعجاب وتقدير عظيمين , والفتيات في تنغافيل وحولها يطاردنه , وكانت وحدها الفتاة التي أخترقت حصنه , ووقع أخيرا في شرك هواها , كان الأمر أشبه بمعجزة , أذا كان هنالك من معجزة , وكانت أولى كلماته وهو يحتل مقعدا مقابلا لها:
" يبدو أنك رجعت الى حالتك الطبيعية يا حبيبتي".
كانت تقرأ جزءا من مخطوطة بارت, الذي دخل ليستحم , وليرتدي ملابس تتسم بالرسمية أكثر من بنطاله القديم وسترته القطنية , فأطرقت مبتسمة:
" أظنني عدت الى حالتي الطبيعية تقريبا".
" أما زلت ضعيفة؟".
أمال رأسه هو يجيب على سؤاله بنفسه:
" أنه عارض من عوارض الحمى , لقد قلت أنك ستشعرين بالضعف لبعض الوقت , أليس كذلك؟".
" أجل , لقد كنت مصيبا , لكنني أشعر بالضعف أحيانا فقط , وهو ر يؤثر ألا على رجليّ في أغلب الأحيان".
" سنتزوج عما قريب , وسأتمكن عندئذ من الأعتناء بك على نحو جيد, لقد تحدثت الى بارت عن الكتاب , وأتفقنا أن تحضري اليه كل يوم لتعملي معه حتى ينجزه , فهل يرضيك ذلك؟".
" أجل , فأنا لا يسعني أن أتركه".
" لم أفترض أنك ستفعلين ذلك يا كيم".
ثم أبتسم لها , وقال بلهجة المستبد دون أن يهتم لأي أزعاج قد يسببه لها :
"أرى الشوق مكتوبا على صفحة وجهك وفي عينيك الجميلتين يا حبيبتي ,ولا بد أن أمتلكك فورا , لقد قلت لك أنني لن أستطيع الأنتظار , ألا أنني لاحظت أنك أعرضت عن تحديد موعد عرسنا بمناورات بارعة , أما الآن , فأريد أن أعرف في هذه اللحظة".
بادلت أبتسامته بأبتسامة مرتعشة أذ زالت من رأسها كل الشكوك وشعرت برغبة البقاء معه وحده , وأخبرته بمرح رغم ترددها وحيائها الظاهرين:
" سأكون مستعدة عندما تريدني , لقد سبق أن قلت .... قبل .... قبل عيد الميلاد".
" فعلا , أنا أريد أن يتم الأمر قبل الميلاد بكل تأكيد , هل توجد في مدينة تنغافيل خيّاطة يمكنها أن تساعدنا في تحقيق ذلك بأن تسرع في خياطة فستان العرس لك؟".
" أجل ,هنالك خياطة من النوع الذي تطلب".
" أذهبي اليها صباح غد أذن...".
وتوقف روك عن الكلام ليسمع قحة بارت العالية وهو يفتح الباب ويدخل الغرفة , فوجه حديثه اليه:
" مرحبا يا بارت , كيف حالك؟".
" أملأ الكؤوس بشراب الغروب".
ولاحظ بارت الحمرة التي علت وجه كيم , وحركة أصابعها العصبية , فحول بصره الى روك , ورأى نقيض ذلك فيه , فقد وقف خطيب كيم على بعد منها ببرودة وتهذيب , وبدا هو الأفريكاني الرشيق مهيبا بملامحه البرونزية وثقته التي قاربت الغرور , ورأت كيم بارت يعبس ويحاول القضاء على غصة في حلقه , وفوجئت أذ لمحت في وجهه بعض القلق وكأنه يقول في نفسه:
" هل ستكون فتاتي الصغيرة بخير مع مثل هذا الرجل؟".
وخرج الجميع الى الشرفة حيث أحضرت سايدي الشراب , وسايدي فتاة أفريقية أنتقلت الى خدمة بارت مع أنتقال المنزل اليه ,ولشدة نظافتها وكفائتها , لم يرد أصحاب المنزل الأستغناء عنها وأكدوا لبارت أنه لن يستطيع أستئجار المنزل أذ لم يستخدم سايدي , وهي فتاة مرحة دائما والأبتسامة تنعكس على نبرة صوتها الفتانة عندما تقول:
" أجل يا سيدي ".
ولما وضعت الصينية على الطاولة , قال لها بارت بلطف:
" أشكرك يا سايدي".
" سيد لنتون... هل تفضلت بالبقاء للعشاء؟".
لم ينو روك أن يتناول سوى شراب الغروب , لكنه قبل بفرح دعوة بارت الى العشاء , وقال:
" ربما تلطفت وأرسلت خادمك الى مسكن لوساكا ليبلغ خادمي أنني لن أحضر الى العشاء".
أجاب بارت بلطف:
" طبعا يا روك, سأرسله الى هناك فورا, سايدي , من فضلك أبعثي نغورجي اليّ".

أمل بيضون 06-03-10 12:43 AM

حضر الصبي على الفور , فأبلغ الخبر الذي كان سينقله الى خادم روك , وسعدت كيم ببقاء روك , فأستأذنت بعد قليل ودخلت لتبدل ملابسها , فأرتدت تنورة كتان بلون المرجان زين خصرها بمخرمات , وبلوزة كتان ناصعة البياض فتح أعلاها ليكشف عن سلسلة ذهبية أنيقة تدلت منها مدلاة , وبرزت أصابع رجليها من بن سيور صندلها الأبيض القليلة , وأنتشت نتيجة دهن نفسها بقليل من العطر , الذي كان روك قد أبدى ملاحظة بشأنه في النادي ذات ليلة.
" ما هو نوع عطرك؟".
" غاي".
عقد روك حاجبيه , وفاجأها بحسن معلوماته عن العطور أذ قال :
" أهذا هو العطر المعروف بأنه أثمن عطور العالم؟".
" هذا صحيح , بارت هو الذي أشترى لي العطر , ولشد ما دهشت أذ عثرت عليه في أحد متاجر تنغافيل ".
" وأنا أيضا تملكتني الدهشة , ولكن المرء لا يستطيع أن يتنبأ بأنواع البضائع الموجودة في مدينتنا , فغالبا ما نج أشياء تدهشنا".
" ما الذي جعلك تعرف أنه أغلى العطور في العالم؟".
" أظنني قرأت ذلك في مكان ما.... والأرجح في مجلة نسائية".
" لا يمكنني أن أتصورك تقرأ مجلات نسائية زاهية الألوان".
" يمسك الرجال أحدى هذه المجلات أحيانا ليروا ماذا تحب النساء".
تذكرت كيم أنه في وقت من الأوقات بدت لهجة روك جارحة عندما يتحدث عن النساء , وتساءلت أذا كان لا يزال يعتبر مكان المرأة الطبيعي في البيت , وعند المغسلة تحديدا كما قالت ليندا , لكنها قالت لنفسها وهي تنظر الى المرآة مرة أخيرة قبل أن تخرج لملاقاة الرجلين اللذين جلسا يرشفان شراب الغروب , أن روك لم يعد يفكر كذلك لأن الحب يغير الرجل , ولا شك أنه أحدث في روك تغييرا جذريا.
تسمرت عينا روك المعجبتان على كيم وهي تجلس لتأخذ الشراب , الذي قدمه اليها بارت ,وقال مبتسما:
" تبدين رائعة".
أحمرت وجنتاها حياء , وشعرت بعدم لباقتها وهي تهمس:
" أشكرك".
وشعر بارت بحرجها, فقطع الصمت الذي تلا كلماتها بنظره المتنقل بين كيم وروك وقوله لهما:
" هل أتفقتما على موعد العرس؟ آمل يا عزيزتي كيم ألا تخرقي العرف , فتلبسي ثوبا أبيض".
" أجل ,بالطبع سأفعل".
حدقت في خطيبها , فيما أنشغل قلبها وفكرها هنيهة برجل آخر هو ريتشارد الذي توفي في الرابعة والعشرين بصورة مفجعة , وطغا الحزن على جمال عينيها , غير أنه سرعان ما زال , ثم قال روك ببرودة:
" أظن أن عرسنا سيتم في خلال أسبوعين".
وعلى رغم مفاجأة كيم بالقرار , أبتسمت وقالت:
" لا توفر لي هذه المدة وقتا كافيا لأجراء الترتيبات".
لم يتسم صوتها بنبرة أحتجاج أو أعتراض , فأبتسم روك وقال متجاهلا كلماتها:
"أذن , هل نقول بعد أسبوعين من اليوم؟".
وافقه بارت على أقتراحه.
" هذا سيكون رائع , سيكون ذلك قبل الميلاد بثلاثة أيام ".
" سنقيم حفلة لم يروا مثلها في هذه الأنحاء من قبل".
ومضى روك ليؤكد أنه عندما طلب اليها تزيين شجرة الميلاد له , لم يكن يعرف أنها ستضحي زوجته قبل أن يحدث ذلك , وعلق بارت:
" يا ألهي كم تشاجرتما وتشاحنتما".
علق روك بقوله:
" لم يكن ما بيننا مشاجرات , بل مناوشات أستخدمنا فيها ألسنتا كأسلحة".
وهي لم تكن خطرة في أي حال , أليس كذلك يا كيم؟".
غرقت في التفكير وهي تجيب:
" لم تكن خطرة بحيث تترك آثارا مزعجة بعد أنتهائها , لقد أردت دوما أن أراك غاضبا".
" غاضبا ؟ لماذا؟".
" ذات مرة قلت أن النساء يكشفن عن ضعفهن عندما يغضبن , فسألتك أذا كنت لا تغضب , فأجبت بالنفي , من هنا قررت أن أثبت خطأك".
" فهمت".

أمل بيضون 06-03-10 01:03 AM

بدا مرحا , ألا أنه عندما تحدث ثانية , سرت القشعريرة في جسم كيم بسبب لهجته:
" لا أنصحك بمحاولة أثارتي وأغضابي يا كيم , لأنك لا شك ستندمين على ذلك كثيرا".
نظر اليه بارت ,وضحك وهو يقول موبخا:
" هذا النوع من المزاح قد يخيف الفتاة".
وجدت كيم نفسها تضحك.... لكنها تيقنت من أن روك لم يكن يمزح أبدا , وأدركت أنها لو أختبرت غضبه مرة , لما تجرأت على تكرار التجربة ثانية .
وبعد العشاء أستأذن بارت من روك وكيم قائلا أنه يريد مرجعة بعض ملاحظاته , فخرجا الى الحدقة تحت جنح الظلام , وكان الليل هادئا مخيفا وعابقا بأريج الزهور من حولهما , وصرصرة الزيزان التي ملأت الجو , تسربت أشعة القمر الفضية عبر أغصان النخيل لتفرش الروضة المخملية القاتمة بموزاييك ضوئي ,ووقف روك تحت شجرة الطرفاء حيث عانق كيم بشدة , فقالت له:
"روك أنك تؤذيني".
أجاب بحنو وهو يرخي قبضته عليها:
" آسف يا حبيبتي".
وتابعا سيرهما عبر الروضة بصمت وتفكير , أحست كيم بزوال الشكوك التي ساورتها , كما شعرت أنها غلبت كآبتها التي لن تعود , وعادا أدراجهما بعد أن وصلا الى طرف حديقة بارت الجنوبي حيث أمتد حوض النهر الجارف وقد ظللته أشجار الأكاسيا والتمر الهندي ,وأنبسط وراءه المرج الكبير ذو الأشجار الخفيضة موحشا تحت قبة السماء الأفريقية المضاءة بالنجوم.
سكون , صمت , أتساع , دنت كيم من حبيبها وكأنها تلتمس حمايته, وقال فيما أستنشق عطر شعرها:
" لا , لا يمكن أن تكوني سعيدة قدر سعادتي , يا حبيبتي".
كيف تقاس السعادة؟ أنها أما تملأ على الأنسان كيانه , وأما أنه لا يملكها , فهمست:
" أكاد أنفجر من السعادة".
وضحكت ردا على قهقهة روك :
" لم يكن جوابي رومنطيقيا ولا مقنعا , أليس كذلك؟".
" لم يكن رومنطيقيا بالمرة يا حبيبتي , أتوقع أن تجيبي على نحو أفضل في المستقبل".
" أظنني قصدت أن قلبي يفيض بالسعادة".
" أخبريني يا حبيبتي , هل فكرت بخطوبتك الأولى؟".
أطرقت على الفور , ثم أجابت:
" لقد خطرت ببالي في هذه العشية , وفكرت بريتشارد لحظة".
لم يظهر الخوف في مقلتيها الجميلتين اللتين أضاءهما نور القمر والنجوم عندما ألتقت بعينيه لأنها لم تخش تأنيبا , ولم تر له أثرا ,وقالت:
" هل غضبت؟".
هز رأسه وقد أرتسمت على شفتيه أبتسامة مطمئنة:
" كلا يا عزيزتي , فمن غير الطبيعي ألا تفكري به في هذا الوقت".
" لا يسعني أن أسترجع ملامحه ولا ملامح والدي بدقة , من المؤكد أنني أملك صورا لوالدي".
" أود أن أرى صورهما".
أشعرها طلبه ببعض السعادة, فقالت:
" ستراهما طبعا , كان والداي رائعين يا روك".
" لا بد أنهما كانا كذلك".
" وعند وفاتهما كانا شابين , فلم تتجاوز والدتي التاسعة والثلاثين ووالدي الثانية والأربعين".
" يا ألهي, لا بد أنك مررت بوقت عصيب جدا".
" جاء دخول بارت في حياتي أشبه بأستجابة لتضرعي وصلاتي , من هنا ينبع حبي وأخلاصي له , فقد كان أشبه بوالد لي".
" هذا أكيد , وهو يحبك كثيرا يا كيم".
" أنا أعرف ذلك".
بدا روك وكأنه يتنهد من أعماقه , الأمر الذي خالف طبيعة قوته ورجولته الطاغية , فسألته:
" روك....ما بالك؟".
" ما بال؟ لم تسألين هذا السؤال يا حبيبتي؟".
طمأنت كيم نفسها وقالت أنها لا بد تصورت تلك التنهيدة , ثم أجابت بمرح مصطنع شابته بحة في صوتها :
" لا شيء , آه ,ولكنني أحبك".
" وأنا كذلك".

أمل بيضون 06-03-10 05:36 PM

8- يريد أن يرحل بعيدا
أقتربت حفلة الأستقبال , التي أحياها روك وكيم بمناسبة عرسهما , من نهايتها , وأستعد العريسان , اللذان أجّلا شهر عسلهما لرغبتهما قضاء عيد الميلاد في المنزل , لمغادرة النادي , والأتجاه الى مسكن لوساكا حيث يختمان يوم عرسهما ببعض السكينة والهدوء , وقد أعتنت كل من سوزان وليندا بكيم , التي تألقت في ثوبها الأبيض , وجدير بالذكر أن كيم لم تفكر بالطلب من سوزان أن تكون أشبينتها , ألا أن الأخيرة قالت:
" من الواضح أن ليس لك أصدقاء مقربون هنا يا كيم , وهكذا , أذا قدّرت أنني قد أكون لك عونا , لا تتردي في الطلب اليّ".
فوجئت كيم , وقالت بدون أن تفكر:
" لعلك لا تمانعين في أن تكوني أشبينتي أذن؟".
" أظنك مثل كثيرين آخرين , أفترضت أنني أحب روك , ألا أنني كنت دائما أعرف أنه لن يكون لي , كيم , أنني أرضى أن أكون أشبينتك".
وكان كليف ستاين أشبين العريس , وسألت كيم وهما في السارة في طريقهما الى البيت بعد أن تركا ضيوفهما يستمتعون بآخر رقصة.
" هل لاحظت أهتمام كليف بسوزان؟".
أجاب روك:
" لم تر عيناي سوى عروسي الحلوة ,كلا , يا عزيزتي , ألم ألاحظ أن كليف أظهر أهتماما زائدا بسوزان , وأرجو ألا تحاولي القيام بدور سمسارة العرائس في المنطقة خصوصا أن كليف عازب مكرس".
لم تتمالك كيم ألا أن ذكّرته:
" وهكذا كنت أنت".
صاح بذهول وتهكم:
" يا ألهي , هكذا كنت أنت".
" أظن أن كليف وسوزان يناسبان بعضهما تماما".
" أنتبهي الى ما قلته , فكليف ليس من الرجال الذين يسعون وراء الزواج".
" لماذا؟".
ردد زوجها سؤالها وهو يرميها بنظرة بعد أن حوّل بصره عن لحظة عن الطريق الغارق في ضوء القمر:
" لماذا؟ كيف يمكنني أن أعرف لماذا".
" أنت صاحب أدعاء , وعليك تبريره".
" هل تحاولين يا فتاتي جري الى مشادة كلامية؟".
" ليس الليلة يا روك الحبيب".
" هل أنت خجلة يا حبيبتي؟".
" كلا , بكل تأكيد".
" لا أصدقك".
" روك , هل تحاول أن تجرني الى مشادة كلامية؟".
" ذكريني فور وصولنا الى البيت بأن أضربك".
" لنعد الى قضية سوزان وكليف, فأنت تجد فيه رجلا لطيفا عندما تتعرف عليه , صحيح أنه خجول , ولكن.....".
" أنه صديقك , وألا لما طلبت اليه أن يكون أشبينك".
أنحرف روك بسيارته ليتحاشى شقا كبيرا في الطريق ظهر فجأة تحتضوء مصابيح السيارة الأمامية , وقال:
" لم تجيبي على سؤالي:
"الحقيقة أنني لا أعرفه , لكنني تحدثت اليه اليوم , وقد بدا لي جذابا , ولا أظن أنه عازب مكرس ,بل أشعر أنه خجول وغير واثق تماما من نفسه".
" ربما كنت مصيبة في قولك يا عزيزتي , أليست الليلة جميلة ؟ أنظري الى القمر الكبير يسبح في السماء".
" القمر الأفريقي ... أنه جميل ورائع , أنه قمر العشاق , لننزل الستائر هذه الليلة عندما....".
بلعت كيم ريقها بصعوبة أذ تنبهت لأشتداد الحمرة التي علت وجهها .
ولم تستطع أن تتكلم لما أجتاحها من عاطفة جياشة , وأنقضت بقية الرحلة في صمت قطعه روك , بعد أن ساعد عروسه على الخروج من السيارة ودوخول المنزل , فيما قال:
" أتمنى لك يا عزيزتي دوام السعادة".
لم تقدر كيم أن تجيب بشيء لأن حالها لم يتغير عما كان وهي داخل السيارة ,وساعدها روك على دخول غرفتهما الجميلة , التي أعيد تأثيثها بسرعة أذهلت كيم وبارت , اللذين أعتبرا السرعة التي وصل لها الأثاث الذي أوصى عليه روك من هوهانسبورغ أشبه بالمعجزة.
وجاء يوم عيد الميلاد , فكان كما أشتهته كيم , بل أكثر , فنهضت وروك باكرا , وتناولا فطورهما على الشرفة , قبل أن يجتازا بالسيارة المسافة القصيرة التي فصلتهما عن مسكن كاتانيا من حيث رجعا ببارت الى مسكن لوساكا , وكان روك قد قدم أقتراحا ذكيا يقضي بأن ينزل ثلاثتهم هداياهم عن شجرة العيد ويفتحوها معا , وجذبن الفكرة كيم , فأزداد حبها لزوجها , فقد أدرك بالفطرة أنها ترغب في أن يشاركهما بارت فرحة تبادل الهدايا .
ولما رأى بارت الشجرة , تف:
" يا له من منظر مدهش , أرى يا عزيزتي كيم أنك زدت براعة هذه السنة".
وبدا بارت سعيدا معافى وقد أسترد شبابه , فشعرت أن كأس سعادتها قد فاض , فقالت لبارت ضاحكة:
" بات , هداياك هنا مع الملاك الذي يراقبها".
تناول بارت شرابا قدمه اليه روك , فرشفه ووضع الكأس على الطاولة , ثم تقدم من الشجرة وبدأ يحل شريطا أحمر براقا , كانت كيم قد شدت به حزمة الى الشجرة, وفي الوقت نفسه فكّت هي رزمة أخرى أصغر حجما , وتبع ذلك محادثة أعرب فيها الثلاثة عن شكرهم لبعضهم , وأعجابهم بهداياهم , فكيم حصلت من بارت على ساعة مع سلسلة ذهبية تناسبها!وكان واضحا أنه أشتراها من أنكلترا – ومن روك على أسوار وحلق ذهب علاوة على قلادة تتماشى معها , أما بارت , فتلقى من روك كتابا كان يرغب بالحصول عليه , ومن كيم على تمثال من الكهرمان لفتاة ترقص كان قد أبدى أعجابه به في لندن خلال أسبوع قضاه مع كيم هناك , ففرحت كيم أذ رأته يفاجأ بالهدية , وكانت هدية بارت لروك مفكرة ذات غلاف من جلد مطرز , في حين أهدت اليه كيم أنائين قديمين صنعا من الزجاج المقطع كانت قد عثرت عليهما في متجر صغير يقع في أحد شوارع تنغافيل الخلفية , فنظفتهما ولمعتهما بحيث ظهرا جديدين , فرح روك بالأناءين , ألالا أن سروره بتلقيهما لم يعادل سرور زوجته بأكتشافهما خصوصا وأنها لم تكن تعرف ماذا تشتري لزوجها الذي لم ينقصه شيء.
ووضع روك الترتيبات لتناولهم الغداء في النهر على متن زورقه , ولم يدع الى الغداء سوى صديقين لبارت عازبين كانا سيقضيان العيد بمفردهما ,وتناولوا الغداء بهدوء بينما أندفع الزورق بسلام في النهر تحت السماء الزرقاء الصافية التي غالبا ما حجبتها أغصان الأشجار الممتدة فوق النهر بحيث لم تزعج أشعة الشمس المحرقة ركاب الزورق الخمسة ,وتألقت عينا كيم حبورا , فأدركت أنها لن تنسى مدى العمر هذا اليوم- الجدول الهادىء,وروائح النباتات الخضراء التي نمت بوفرة على ضفافه ,ونباتات السحلبية بألوانها الزاهية وقد علقت بأغصان الأشجار , وموسيقى الترانيم الميلادية الناعمة التي أنسابت من مسجل وضعه روك في الزورق , وأحست بنعيم تمنت لو يدوم , لكنه لم يكن ليدوم بالطبع , فروك سيقيم حفلة عشاء الليلة , وقد أرادت كيم أن تشرف بنفسها على الطاولة وترتيب الزهور والأضواء والمقاعد.
عندما ودع روك وكيم ضيفهما الأخير , وقفا على الدرج يراقبان أضواء سيارته الخلفية الحمراء تختفي عند المنعطف في آخر الممر المؤدي الى مسكن لوساكا.
وقال روك :
" عل أستمتعت بنهارك يا حبيبتي مثلما أستمتعت أنا؟".
" لقد ملأته المتعة , وكان بارت سعيدا , هل لاحظت أنه بدا شابا أكثر من أي وقت مضى؟".
لم يجب فورا كما كانت تتوقع , بل الحقيقة أن الصمت الذي أعقب سؤالها طال كثيرا قبل أن يقول بلهجة مبهمة:
" الحقيقة يا عزيزتي أنه بدا في غاية العافية والسعادة كما تقولين".
أنزعجت بدون أن تدري سببا لذلك , فسألت:
" هل هناك ما يزعجك؟".
" يزعجني؟ كلا يا حبيبتي".

أمل بيضون 06-03-10 05:48 PM

وفي مساء اليوم التالي أقيمت في النادي حفلة راقصة , وكالعادة كانت رافيلا , التي قررتحضور عيد الميلاد , نجمة الحفلة بعباءتها البراقة وحليها وأبتسامتها الفاتنة وحيويتها ,ألا أنها لم تظهر الود أتجاه كيم عندما ذهب روك لشراء الشراب لهما , فتقدمت من زوجته وقالت:
" هل قضيت يوما جميلا في عيد الميلاد؟ أظنك قد دعوت رب عملك , أليس كذلك؟ من جهتي أنا , لا أحب ذلك في شهر عسلي".
سيطرت كيم على أعصابها بالرغم من غضبها , وقالت أنها ستقضي شعر العسل مع روك بعد أنتهاء أحتفالات عيد الميلاد , وسألت رافيلا وهي مصممة على الظهور بمظهر الفتاة اللطيفة المهذبة:
" وماذا عنك أنت؟ هل كان يوم العيد ممتعا بالنسبة اليك؟".
" لم يكن يومنا موحشا على الأطلاق , فقد تلقيت أنا وسوزان فقط دعوة لتناول العشاء مع الأخوين ستاين".
لم تستطع كيم أن تخفي دهشتها:
" هل دعيتما؟ لم أفكر أنهما يوجهان الدعوات في أي حال".
أوضحت رافيلا ببساطة:
" من الواضح أن كليف أعجب بسوزان أيّما أعجاب".
" آه....".
تأملت رافيلا كيم بفضول , وقالت:
" ماذا تعنين بصيحة آه؟".
هزت كيم كتفيها وهي تردد :
" لا شيء.... لا شيء على الأطلاق".
" أظنك فرحت بحب كليف لسوزان".
أقرت كيم بشيء من العصبية:
" ربما".
ثم تلفتت حولها وهي تتمنى أن ترى روك يحضر مع الشراب , ثم علقت رافيلا:
" أنهما لا يناسبان بعضهما تماما كما هي الحال معك أنت و...".
وصمتت ألا أن كيم فطنت ببديهتها السريعة أن الفتاة قصدت أن تنبه كيم الى ما كانت تنوي قوله , فتنهدت كيم مستهجنة سوء سلوك رافيلا , وقبل أن تتاح لها فرصة الرد عليها , حضر زوجها وناولها كأسها , ثم نظر الى الفتاة الجميلة بقربها وأبتسم لها وهو يسألها بتهذيب:
" هل يمكنني تقديم بعض الشراب لك يا رافيلا؟".
أجابت رافيلا ببرودة قبل أن تستدير مبتعدة:
" كلا , أشكرك".

أمل بيضون 07-03-10 12:12 AM

تطلعت كيم الى زوجها , وقد جرحها ما كانت رافيلا تنوي قوله , أي أن كيم وروك لا يناسبان بعضهما , وكان من السخف أن تكترث كيم للفتاة , ألا أنها تنبهت ثانية لتلك الشكوك التي ساورتها بعد مرضها والتي عزتها الى الكآبة التي تحدث عنها روك , وهمس روك في أذنها بحنو وهدوء مطمئنين :
" هل قلت لك يا حبيبتي أنك في غاية الحسن؟ هذا اللون يظهرك على طبيعتك... أنه الأرجواني الزاهي , أليس كذلك؟".
صححت معلوماته وهي تبتسم :
" أنه الليلكي ".
وبعد قليل قال روك :
"هيا ننضم الى سوزان وكليف , فقد بدأت أتساءل أذا كان هذا الرجل سيطوي صفحة من كتابي ويجد لنفسه زوجة جذابة".
ضحكت كيم وهي تقول:
" أتمنى لو أستطيع أن أقول لك : هكذا قلت لك".
" أراهن أنك ستفعلينها يا لعينة".
ولشد ما دهشت كيم أذ رأت رافيلا توافيهما فورا وكأن ما فعلته قبل لحظات لم يكن , فهي الآن جذابة ومتألقة فيما تنظر الى روك أولا ثم ثم الى كليف وهي تطرف بأهدابها وتهز شعرها الذهبي كما تمسك بعض خصلاته بين أصابعها الطويلة الرشيقة , نظرت كيم الى رجليها اللتين شابهتا أرجل الفتيات المعروضة في أعلانات طلاء أظافر الأرجل , وهمست رافيلا :
" ماذا فعلت لك يا كليف حتى لا ترقص معي؟".
عبست سوزان , ثم نظرت الى كيم ,وبدا كليف على أهبة الأستعداد لكي يترك الفتيات الثلاث يتحدثن فيما بينهن , لكنه أجاب رافيلا بتهذيب وقد أتضح أنه تذكر أنها ضيفة سوزان :
ط ربما كان عليّ تعديل جدول الحذف أو اللائحة السوداء , ولعلك بذلك ترقصين معي الرقصة التالية".
" بالطبع , هيا , فالموسيقى قد بدأت بالعزف من جديد".
صاحت سوزان مغتاظة:
" لأتمنى لو تعود الى منزل والديها لأنها أصبحت مملة".
وتوقفت قليلا قبل أن تضيف:
" أدرك أنني لم أكن لبقة , لكنني أعرف أن بأستطاعتي التحدث بحرية اليك يا كيم".
سألت كيم:
" متى ستعود الى والديها؟".
" الله وحده يعلم , أظنها ستبقى هنا لتراهن على كليف".
صاحت كيم متعجبة , ولم تدرك كم أعوزتها اللباقة :
" آه , كلا".
قالت سوزان بذل وخيبة:
" بلى , وهكذا أكون قد أحببت أثنين ولم أحظ بأي منهما , ولا شك أن الحظ سيحالفني في حبي الثالث".
صرخت كيم بأنقباض :
" لا , لا , يا سوزان ".
" آسفة , لقد قلت لك عندما عرضت أن أكون أشبينتك أن روك لم يكن لي , أما كليف فلم أفكر به ألا مؤخرا حين بدأ يتحدث اليّ , وأنا واثقة أنه حضر هنا الليلة ليقابلني , لأنه كما تعلمين لم يكن يحضر حفلات الرقص هذه من قبل".
" حتى ولا في عيد الميلاد؟".
" كلا , لا , ولا في الميلاد".
أنقطعت سوزان فجأة عن الكلام ,ثم رفعت يدها وتكلمت:
" يبدو أن روك لا يهتم بشراب رافيلا , وها هو ذا منشغل بحديث شيّق مع السيد ناش".
أستدارت كيم لترى أن روك وبارت وقفا عند البار وأنشغلا في حديث شيق كما قالت سوزان , فأوضحت:
" أن لديهما أهتمامات كثيرة مشتركة , وأظن أن روك سيحزن عندما يغادر بارت البلاد".
" هل ما سمعته عن تقاعده صحيح؟".
" صحيح , أنه سيخلد الى حياة أسياد الريف الأنكليزي عما قريب".
" هل سيعيش وحده أذن؟".
أجابت كيم بحزن:
" أجل , لأن لا أقارب له على حد علمي , غير أنه يحتفظ بمدبرة منزل ممتازة تهتم كثيرا , ولذا سيكون على ما يرام".
" بالطبع".
" كم أتمنى لو أزور أنكلترا ذات يوم ... يا ألهي , ماذا عسى رافيلا أن تفعل؟ أعرف أن ما سأقوله أشبه بالهراء , لكنها تبدو وكأنها تسترق السمع".
" لقد رأيتها ترقص منذ قليل...".
" غير أنها لا ترقص الآن".

أمل بيضون 07-03-10 12:13 AM

أستدارت كيم , وحدقت اليها بأنشداه أذ رأت رافيلا تقف على مقربة من روك وبارت وقد بدت منسجمة للغاية بما كانت تتنصت اليه , وأمالت رأسها جانبا غفلة عن كل ما كان بقربها أو أنها أرادت أن تصبح محط أستغراب لما تفعله , وهمست كيم وهي تعبس:
" لا بد أنها قررت الذهاب الى البار , ولكن , كم هو غريب أن تتنصت".
ولاحظت كيم أن كلا الرجلين أدار ظهره للفتاة , أما سوزان , فقالت وهي تعبس فجأة :
" لا بد أن حديثهما شيق ,وأنت تعرفين ولا شك ما يمكن أن يتحدث الرجال به ".
تغير لون كيم قليلا أنك ساذجة , فروك وبارت لا يختلفان عن سائر الرجال بشيء متى تعلق الأمر بتبادل النوادر البذيئة ".
هزت كيم رأسها معترضة , وركزت نظرها على رافيلا التي ظلت غارقة في أستيعاب أقوال الرجلين ,ولم يحول أنتباه كيم عن رافيلا ألا أقتراب كليف من سوزان , فسألته لماذا ترك هو ورافيلا حلبة الرقص.
" أحست رافيلا بالعطش , فذهبت الى البار طلبا للشراب , وكنت سأذهب معها , غير أن جون بايترسون أوقفني وتحدثت اليه".
ثم نظر نحو البار وصاح:
" ها هي ذي , أظن أن روك سيشتري لها ما تشربه".
ورأت كيم الرجلين يتحركان , ورافيلا تنطلق بعيدا ثم تستدير وتقترب منهم بلامبالاة وهي تبتسم أبتسامة مطمئنة , وتحدثت , فأجابها روك وكأنه يعتذر , وما لبث أن ناولها كوبها.
ورجع روك بينما تخلّف بارت عند البار ليتحدث مع أحد أصدقائه الذي أقترب منه , وأبتسم روك وهو يمسك بيد زوجته ويقول:
" هل تريدين أن نرقص؟".
بادلت كيم زوجها الأبتسام برغم القلق الذي أنتابها لدى مشاهدة عيني رافيلا التي رمقتها بنظرة فيها معاني الأنتصار , ولاحظ روك أضطراب زوجته , فسألها:
" هل هناك ما يزعجك؟".
" ك... كلا...".
" ما بالك؟ أنك لا تبدين واثقة من نفسك وجوابك".
" لا شيء".
أحست ببلاهتها وهي لا تقدر أن تكشف لنفسها , قبل زوجها , عما يزعجها ,وهي لا تكاد تجرؤ أن تقول له أنها لا تكترث لتعابير رافيلا , وعلى طاولة العشاء لاحظت كيم تصميم رافيلا على جذب أنتباه روك , وقد غازلته , ومع أن ذلك كان غير لائق ومقبول.
زروك نفسه لاحظ ذلك لأنه من المستحيل أن يخطىء فهم أندفاعات الفتاة المتعمدة , وأرتبك مثل سوزان وكليف , اللذين جلسل قبالته الى الطاولة المنخفضة , وأحاطت رافيلا وكيم بروك من الجانبين , وعصفت الغيرة بكيم للمرة الأولى , فغضبت أشد الغضب , فغضبت أشد الغضب من روك , وشغلت نفسها بالحديث مع فال الجالس بجانبها , ومن نافل القول أن فال شعر بصدمة عندما سمع بخبر خطوبة كيم , ولكن بالطبع كان عليه الأقرار أن لا رابطة يجمعه بكيم , صحيح أنهما أحبا بعضهما بعضا ,ألا أن علاقتهما وقفت عند هذا الحد علما بأن فال تمنى لو أنها تطورت.
ولما أنتهى العشاء , أنسلّت كيم خارجة الى الحديقة مدفوعة بحافز لم تستطع السيطرة عليه , وعاودتها كل مخاوفها السابقة , فسورتها الشكوك , وتجولت في الأماكن المظلمة وهي بالكاد تتمتع بما حولها من أشجار نخيل متمايلة تسرب عبر أغصانها ضوء النجوم , ومن صورة معتمة للجبال وقد بزغ هلال القمر , وللهواء المعطر الذي هب فوق المرج النائم الساكن , وفجأة تشنجت أذ سمعت أصواتا في الجانب الآخر أنهما سوزان ورافيلا ... وقالت سوزان:
" عرفت أنك كنت تسترقين السمع الى حديث روك مع السيد ناش , لكني لم أتصور أنك أطلعت على كل ذلك".
وقبل أن تستطيع يم التحرك , أضافت سوزان :
" أذن , فالسيد ناش لن يعيش أكثر من شهور معدودة".
أشهر معدودة , نبض قلب كيم بقوة وعنف , وعجزت عن التحرك , حتى وأن أرادت ذلك أذ كانت رجلاها تتهاويان , وعرفت أن وجهها أبيضّ وأعصابها أضطربت , بارت.... الرجل الذي كان بمثابة والدها , بل والدها ووالدتها...

أمل بيضون 07-03-10 12:15 AM

ثم نطقت رافيلا بصوت ينم عن القسوة :
" قلبه.... لما أخبره الطبيب أنه لن يعيش طويلا , أشتد ألحاحه في التمني بأن يرى كيم تستقر , واليوم كان السيد ناش يشكر روك لموافقته على الزواج بكيم , ومن هنا أستنتجت أنه رجاه أن يتزوجها , لقد طوّق عنقه بجميل ....".
قاطعت سوزان رافيلا بصوت أختلفت نبرته كثيرا عن نبرة صوت رفيقتها أذ أمتلأ قلقا وشفقة وغنا:
" لا أتصور أن روك يذهب بعيدا الى هذا الحد في أسداء خدمة لصديقه ,ولا بد أنه أحبها".
" لا شيء مما تقولين , أنا أعرف وأفهم ما سمعته يا سوزان , فالسيد ناش أكّد أن كيم يجب ألا تعرف بطلبه من روك الزواج منها , وبذلك سيضمن مستقبلها , وأضاف أنه كان يستطيع أن يورثها المال , لكنه لم يعتبر ذلك ضمانة أذ هي بحاجة لمن يرعى شؤونها , وقد أفرط في الأعراب عن أمتنانه وعرفانه بالجميل".
" ولكن , كيف قابل روك ذلك الثناء الحميم؟".
أعقب سؤال سوزان صمت غريب كئيب ,وتكون لدى كيم رغم ذهولها أنطباع بأن رافيلا , كانت تنصت , أو ربما تختلس النظر عبر السياج , فكرة سخيفة , فها رافيلا قد عادت للكلام :
" أجاب روك أن لا داعي لشكر السيد ناش لأنه كان يفكر منذ بعض الوقت بأن يتزوج حتى ينجب وريثا , ثم أضاف أن كيم مثل أي فتاة تصلح لذلك العمل".
شعرت كيم بألم حاد كالسيف في رأسها , فهي مثل أي فتاة تصلح لذلك العمل.... أذن, أنها لا تعني شيئا لزوجها , ووظيفتها لم تعد أنجاب وريث له , وخطرت لها ذكريات عديدة أكسبت كلام رافيلا معنى حقيقيا , فأستعمال بارت عبارة ( بألحاح) عندما قال أنه تمنى أن يراها تستقر , ثم أصطحابه روك الى غرفة مجاورة حتى يتحدث اليه على أنفراد , وقول روك لكيم أنه لا يجب أن تهتم كثيرا كثيرا بمسألة تقاعد بارت.
وكان لكيم شكوكها , التي عرفت الآن أنها نشأت منذ أن سألت روك أذا كان قد ناقش مع بارت أحتمال زواجهما في حال تقاعد الأخير , لقد ضرب على الوتر غير المتناغم في معزوفة طلب روك اليها الزواج به , وخمّنت أن روك عارض بادىء الأمر على الأرجح , لكنه وافق أخيرا ليريح صديقه ويحقق رغبته , أي الزواج لتأمين الذرية , لقد تأثرت كيم برقة روك في تلك اللحظة , غير أنها الآن تعتبرها بلا معنى أذ كان عليه تصنعها حتى يقنع كيم بحبه لها , وألا لما قبلت كيم الزواج به.
الأمر واضح...
ضغطت كيم بيدها على رأسها , لكن الألم المبرح لم يتوقف , لقد قضى ما سمعته لى حياتها كلها , فهي ليست زوجة غير محبوبة فقط , بل أن بارت الحبيب سيفرغ منها عما قريب , وبكت بهدوء فيما فاضت بها الذكرى , وبدت كأنها تعيش الحزن الذي عرفته بعد الحادث الذي أودى بأحبائها الثلاثة , وهمست:
" لا أستطيع تحمل الأمر , ليس بارت , لا يمكنني تحمل فقدانه".
تابعت الفتاتان حديثهما , لكن كيم تحركت آخر الأمر ,والكلمة الأخيرة التي سمعتها نطقت بها سوزان , التي تهدج صوتها :
" مسكينة هي كيم ,. لا ينبغي أن تعرف أبدا أن كل ذلك قد رتب له...".
دقق روك النظر الى زوجته , فيما تشنجت عضلات فمه وألتمعت عيناه وهو يصرخ:
" ماذا دهاك؟ لقد رفضت قضاء شهر العسل , وأدعيت أنك مريضة وترغبين بالنوم لوحدك , كما أنك ترفضبن السير معي , أو ركوب االسيارة بجانبي....".
ثم توقف وهو يتنهد غاضبا:
" أنك ترفضين فعل أي شيء معي".
سألته وقد طغى الشحوب على شفتيها :
" هل أنت فعلا راغب في فعل شيء أو ممارسة نشاط أشاركك فيه؟".
لقد فكرت كثيرا بما سمعته , وقررت بادىء الأمر ألا تفاتح زوجها أو بارت بشيء , ونجحت في أخفاء حزنها وخيبة أملها لما يزيد على أسبوع , لكن ذلك العبء أثقل كاهلها ,ولما أنتهت حفلات الميلاد – وكانت بمعظمها محنة عاشتها كيم مع مغازلات رافيلا في الحفلات وفي سهرة الشواء- أعلن روك أستعداده للذهاب في رحلة شهر العسل , فرفضت كيم قائلة أن ذلك يشكل أنقلابا , وبعد يومين من معرفة كيم أن مجامعة روك لها تستهدف فقط أنجاب الوريث , أدعت المرض وأعربت عن رغبتها بالأنتقال الى غرفة أخرى , لم يسعد روك بالأمر , ويا للدهشة ,لم يعترض بل أنتقل هو بنفسه الى غرفة نوم أخرى , ولم تعرف كيم كم سيطول ذلك لأن الحزن ملأ عليها كل تفكيرها , وروك لم يعد يعني لها شيئا , صحيح أنها لا تزال , وستظل مقيمة على حبه , ألا أنها شعرت بكراهية أتجاهه فقط لأنه خدعها أذ تزوجها عن غير حب , وتأملت مدى قدرته على التمثيل وهو يردد بدهشة وعدم تصديق:
" هل فعلا أود أن تشاركيني نشاطاتي ؟ هل جننت يا كيم؟ أنا زوجك... زوجك الجديد , وأنا بالطبع أرغب أن تشاركيني نشطاتي , ماذا دهاك؟".
" لا يمكنني أن أخبرك".
" أذن , هناك شيء تخفينه عني".
أطرقت صامتة , فيما سألها ملحا:
" كيم , يجب أن تخبريني ".

أمل بيضون 07-03-10 12:40 AM

أبتعدت عنه وواجهته عبر الغرفة , وفجأة رغبت بالرد عليه ومعاقبته على ما فعل بها , فتكلمت بسرعة متعمدة حرمان نفسها فرصة تغيير رأيها :
" بكل بساطة ,أنا لا أحبك".
الصمت , صمت مخيف نتيجة الأنشداه والأنكسار , ثم ضيق حدقتي روك.
" أنت... أنني أرفض تصديق ما سمعت , لا بد أن هناك سببا آخر".
أنقلب لون كيم أبيض , وهزت رأسها وقد صممت أن تقنعه أنها لا تحبه , ففي أي حال كانت تلك أفضل طريقة حيث لم يكن بوسعها أطلاعه على الحقيقة , ولو كان ذلك التدبير مقيّدا بمدة بقاء بارت على قيد الحياة , فلا بد لروك أن يخبره بشيء في حين لم ترد كيم أزعاجه في هذه المرحلة من حياته.
" كنا دائما نتشاجر , أليس كذلك؟ أذن كان يجب أن نعرف أن زواجنا هو منتهى الحماقة , ولعلك تذكر أنني كنت مريضة عندما طلبت يدي ,ولا أظن ألا أن آثار الحمى هي التي دفعتني الى أتخاذ مثل هذا القرار المتسرع....".
صرخ وموجات الغضب تعلو جوانب فمه:
" أصمتي , كفّي عن هذا الكذب والهراء , وقولي لي ماذا جرى لك".
تذكرت كيم قوله أن أثارته ضرب من الجنون , صحيح , ولكنها لم تعد تبالي , فليغضب ,وليضربها ,أنه في أي حال لن يزيد آلامها الحاضرة , كررت بجسارة ما كانت قد قالته سابقا:
" بكل بساطة , أنا لا أحبك يا روك".
تقلصت عضلات فمه , وظهر جليا أن غضبا جامحا تملّكه , وشعرت كيم رغما عنها بالسعادة لوجودهما في قاعة الأستقبال في منزلهما عند ىالضحى , ولو كان الوقت ليلا , وكانت في حجرة نومها....
ألا أن الليل لا بد آت , وأستحمت كيم ,ورقدت وهي ترتدي قميص نومها الشفاف , وفتح الباب بعنف على حين غفلة , وأقتحم زوجها الغرفة , ونبهتها قسماته القاتمة الى أنه في ثورة غضب عرفت هي الدافع وراءها.
وقال وهو يصرف أسنانه:
" ألم تتناولي الشاي مع فال بعد ظهر اليوم؟".
" وماذا في ذلك؟ لقد غازلت رافيلا بما فيه الكفاية في الآونة الأخيرة ".
" لم أغازل رافيلا ".
سكتت كيم , وأقرت أن رافيلا هي التي غازلته وجددت سعيها لخطب وده بعد أن علمت أنه لا يحب زوجته , وقد قالت أنها ستبقى طالما وجدت المتعة , وهي لم تظهر حتى الآن أي دليل على قرب رحيلها الى بلدتها , وكان واضحا أن روك هو الذي جذب رافيلا علما بأنها أظهرت أهتماما أيضا بكليف ستاين , الذي أشيع أنه حوّل أهتمامه من سوزان الى رافيلا ,ولا غرو أن يعجب بفتاة مثل رافيلا وهي على هذا القدر من الجمال والفتنة , خصوصا أنه لم يدرك أنها تستعمله لتخفيف ضجرها وملء فراغها أثناء غياب روك.
وبعد أن لاحظت كيم أنتظار زوجها لتعليقها على قوله , همست آخر الأمر:
" ليس من المهم أذا كنت تغازل رافيلا أم لا , لكنني أفترض أنها هي التي أخبرتك أنني تناولت الشاي مع فال , فقد رأتنا سويا , فيما تحدثت اليها أنت هذا المساء ".
لقد زارا منزل أسرة بيترسون لتناول شراب الغروب , وكالعادة أستعملت رافيلا كل وسائلها للأستئثار بأهمام روك.
" لا أسمح لك أن تشربي الشاي معه ثانية ,هل تفهمين؟".
وحانت من عيني روك ألتفاتة قاسية , فأحمرت خجلا , ثم رأته يتطلع اليها.
" سوف أشرب الشاي مع من أشاء".
ثم صاحت:
" أرجوك , أخرج , فأنا متعبة".
" متعبة؟ هل أنت متعبة؟".
لم يغادر روك الغرفة , بل خطا خطوتين ,وبلغ وسطها , أما كيم , فتراجعت حتى كادت رجلاها تصطدمان بالسرير فيما أمرها برقة:
" تعالي الى هنا".
بلعت كيم ريقها وقد تنبهت الى تسارع خفقات قلبها ,ورغم الغضب الظاهر على وجهه , شعرت بحب جارف له في داخلها , وقالت:
" لقد طلبت اليك المغادرة ".
لم تعرف كيف نطقت بهذه الكلمات ببرود , لقد أنقسمت الى شخصين_ أحدهما يكره روك , والآخر يحبه حبا عارما هدد بأجبارها على الخضوع له.
علت السخرية فمه فيما تسمرت عيناه بصلف ووقاحة على جسدها النحيل المغري:
" هل تظنين أنني سأغادر الآن؟ أنا زوجك يا كيم , وأنا رجل تعالي الى هنا".
وعندما رأى أنها لم تتحرك , أضاف وهو يشير الى نقطة أمامه :
" أنصحك بأطاعتي , أطيعيني يا كيم ,وألا فستندمين , أنا لا ألقي كلامي جزافا".
أنفجرت باكية وهي تتمنى لو تعيش مع بارت الأشهر القليلة الأخيرة من حياته ,ولكن , كان عليها عوض ذلك أن تبقى مع زوجها الذي لم يحبها , فتحكمت بها رغبة العصيان والتمرد , ورفعت رأسها وصاحت باكية:
" أخرج , ألا ترى أنني لا أريدك؟".

أمل بيضون 07-03-10 12:45 AM

أبتعدت عنه وواجهته عبر الغرفة , وفجأة رغبت بالرد عليه ومعاقبته على ما فعل بها , فتكلمت بسرعة متعمدة حرمان نفسها فرصة تغيير رأيها :
" بكل بساطة ,أنا لا أحبك".
الصمت , صمت مخيف نتيجة الأنشداه والأنكسار , ثم ضيق حدقتي روك.
" أنت... أنني أرفض تصديق ما سمعت , لا بد أن هناك سببا آخر".
أنقلب لون كيم أبيض , وهزت رأسها وقد صممت أن تقنعه أنها لا تحبه , ففي أي حال كانت تلك أفضل طريقة حيث لم يكن بوسعها أطلاعه على الحقيقة , ولو كان ذلك التدبير مقيّدا بمدة بقاء بارت على قيد الحياة , فلا بد لروك أن يخبره بشيء في حين لم ترد كيم أزعاجه في هذه المرحلة من حياته.
" كنا دائما نتشاجر , أليس كذلك؟ أذن كان يجب أن نعرف أن زواجنا هو منتهى الحماقة , ولعلك تذكر أنني كنت مريضة عندما طلبت يدي ,ولا أظن ألا أن آثار الحمى هي التي دفعتني الى أتخاذ مثل هذا القرار المتسرع....".
صرخ وموجات الغضب تعلو جوانب فمه:
" أصمتي , كفّي عن هذا الكذب والهراء , وقولي لي ماذا جرى لك".
تذكرت كيم قوله أن أثارته ضرب من الجنون , صحيح , ولكنها لم تعد تبالي , فليغضب ,وليضربها ,أنه في أي حال لن يزيد آلامها الحاضرة , كررت بجسارة ما كانت قد قالته سابقا:
" بكل بساطة , أنا لا أحبك يا روك".
تقلصت عضلات فمه , وظهر جليا أن غضبا جامحا تملّكه , وشعرت كيم رغما عنها بالسعادة لوجودهما في قاعة الأستقبال في منزلهما عند ىالضحى , ولو كان الوقت ليلا , وكانت في حجرة نومها....
ألا أن الليل لا بد آت , وأستحمت كيم ,ورقدت وهي ترتدي قميص نومها الشفاف , وفتح الباب بعنف على حين غفلة , وأقتحم زوجها الغرفة , ونبهتها قسماته القاتمة الى أنه في ثورة غضب عرفت هي الدافع وراءها.
وقال وهو يصرف أسنانه:
" ألم تتناولي الشاي مع فال بعد ظهر اليوم؟".
" وماذا في ذلك؟ لقد غازلت رافيلا بما فيه الكفاية في الآونة الأخيرة ".
" لم أغازل رافيلا ".
سكتت كيم , وأقرت أن رافيلا هي التي غازلته وجددت سعيها لخطب وده بعد أن علمت أنه لا يحب زوجته , وقد قالت أنها ستبقى طالما وجدت المتعة , وهي لم تظهر حتى الآن أي دليل على قرب رحيلها الى بلدتها , وكان واضحا أن روك هو الذي جذب رافيلا علما بأنها أظهرت أهتماما أيضا بكليف ستاين , الذي أشيع أنه حوّل أهتمامه من سوزان الى رافيلا ,ولا غرو أن يعجب بفتاة مثل رافيلا وهي على هذا القدر من الجمال والفتنة , خصوصا أنه لم يدرك أنها تستعمله لتخفيف ضجرها وملء فراغها أثناء غياب روك.
وبعد أن لاحظت كيم أنتظار زوجها لتعليقها على قوله , همست آخر الأمر:
" ليس من المهم أذا كنت تغازل رافيلا أم لا , لكنني أفترض أنها هي التي أخبرتك أنني تناولت الشاي مع فال , فقد رأتنا سويا , فيما تحدثت اليها أنت هذا المساء ".
لقد زارا منزل أسرة بيترسون لتناول شراب الغروب , وكالعادة أستعملت رافيلا كل وسائلها للأستئثار بأهمام روك.
" لا أسمح لك أن تشربي الشاي معه ثانية ,هل تفهمين؟".
وحانت من عيني روك ألتفاتة قاسية , فأحمرت خجلا , ثم رأته يتطلع اليها.
" سوف أشرب الشاي مع من أشاء".
ثم صاحت:
" أرجوك , أخرج , فأنا متعبة".
" متعبة؟ هل أنت متعبة؟".
لم يغادر روك الغرفة , بل خطا خطوتين ,وبلغ وسطها , أما كيم , فتراجعت حتى كادت رجلاها تصطدمان بالسرير فيما أمرها برقة:
" تعالي الى هنا".
بلعت كيم ريقها وقد تنبهت الى تسارع خفقات قلبها ,ورغم الغضب الظاهر على وجهه , شعرت بحب جارف له في داخلها , وقالت:
" لقد طلبت اليك المغادرة ".
لم تعرف كيف نطقت بهذه الكلمات ببرود , لقد أنقسمت الى شخصين_ أحدهما يكره روك , والآخر يحبه حبا عارما هدد بأجبارها على الخضوع له.
علت السخرية فمه فيما تسمرت عيناه بصلف ووقاحة على جسدها النحيل المغري:
" هل تظنين أنني سأغادر الآن؟ أنا زوجك يا كيم , وأنا رجل تعالي الى هنا".
وعندما رأى أنها لم تتحرك , أضاف وهو يشير الى نقطة أمامه :
" أنصحك بأطاعتي , أطيعيني يا كيم ,وألا فستندمين , أنا لا ألقي كلامي جزافا".
أنفجرت باكية وهي تتمنى لو تعيش مع بارت الأشهر القليلة الأخيرة من حياته ,ولكن , كان عليها عوض ذلك أن تبقى مع زوجها الذي لم يحبها , فتحكمت بها رغبة العصيان والتمرد , ورفعت رأسها وصاحت باكية:
" أخرج , ألا ترى أنني لا أريدك؟".

أمل بيضون 07-03-10 01:09 AM

في الصباح دخلت الى غرفة المكتب .
فأبتسم لها بارت , رفعت كيم نظرها اليه ونجحت في مبادلته الأبتسام , ثم تساءلت عن تأثير الأجهاد الحالي فيما بعد , لقد أدعت السعادة , وأضطرت لتمثيل دور الزوجة السعيدة كلما ألتقت روك بحضرة بارت , كما أظهرت الأهتمام الشديد كلما ذكر بارت موعد نشر الكتاب , أظهرت الأهتمام , في الوقت الذي أرادت أن تبكي لعلمها أن بارت لن يعيش حتى يرى كتابه ينشر ثم سألته وهي تضع أناملها برقة على مفاتيح الآلة الكاتبة :
"ماذا هناك ؟".
" قررت أن أذهب في رحلة صيد".
أتسعت حدقتا كيم ,ورددت:
" رحلة صيج ؟ هل ستكون على ما يرام؟".
فكرت بحالته وخشيت أن تضره الرحلة أكثر مما ستنفعه , ولكنه سيتمتع بها أشد الأستمتاع علما بأنه أعرب غير مرة عن رغبته في مشاهدة بعض الحيوانات الأفريقية في البرية , ثم , ماذا ستفعل طوال النهار أثناء غيابه؟ من المؤكد أن هنا عملا مؤجلا ينتظرها , ولكن, ما أن تنتهي منه حتى تصبح بلا عمل , وفي أي حال , كان همها الأول هو سعادة بارت , ولما ظهر أنه أتخذ قرارا نهائيا في هذا الشأن , لم تجد بدا من مشاركته حماسته ومناقشته في ترتيبات الرحلة.
وبعد الظهر حضر روك , فأخبره بارت عن رحلة الصيد , ولم تتحمس كيم أثناء مراقبتها للرجلين أول الأمر ,ألا أنها توترت الى أقصى الحدود عندما أشار بارت الى رحلة الصيد , وعلى رغم أستحالة تصديق خواطر كيم , فأنها تأكدت أن روك عرف كل شيء عن الرحلة , وأن بارت أخبره عنها من أجل كيم فقط.
السرية....
كان بمقدور كيم أن تفهم أسباب السرية في الماضي حين أراد بارت أخفاء حقيقة أنه سيعيش أشهرا قليلة , وهي , في أي حال , لن تلومه أبدا على الأكاذيب التي لفقها لها , فأكد لها أن الطبيب طلب اليه أن يخذ قسطا أكبر من الراحة لأنه متعب , أما الحبوب , فكانت لمعالجة شكوى قلبه , وقد عرف روك ذلك أيضا , وكيم ستغفر لروك تضليله أياها نظرا الى أنه فعل ذلك بناء على طلب بارت , أجل , كان بمقدور كيم أن تفهم دوافع السرية في الماضي , أما الآن ,فلا , ولم يرق الشك عندها الى حقيقة أن أمورا غريبة تجري من حولها , فروك لم يظهر أي دليل على الدهشة عندما أبلغه بارت عزمه على الذهاب في رحلة صيد , الأمر الذي عنى أنه ناقش الموضوع مع بارت سابقا , وأحتفظ به لنفسه.
وربما أعتبر روك أن علاقتهما جعلت من أحاديثه مع بارت أمرا لا يعني كيم , وأزداد الشرخ في علاقة كيم وروك يوما بعد يوم , فشعرت كيم أحيانا أن قلبها سينفجر , وقررت أن تغادر أفريقيا بعد أن يسافر بارت , وتترك الزوج الذي أستعملها لأنجاب وريث فقط.
وبعد أن جلس روك, سأل بارت:
" متى تظن أنك ستبدأ الرحلة؟".
" قريبا , قريبا جدا".
" هل ستترك الكتاب؟".
" أجل , فبأمكان الكتاب أن ينتظر , ولدى كيم الآن عمل كثير فيه , كما أن بوسعها أجراء بعض الأبحاث , وستكون جاهزة عند عودتي".
" كم سيطول غيابك؟".
أرادت كيم أن تعرف وهي تتساءل في سرها أذا كانت ستراه حيا بعد الرحلة ,وأحست بالقشعريرة عندما فكرت بذلك , يجب أن تذهب معه لأنه كان أهم بالنسبة اليها من روك.
" نحوا من أسبوعين ... هذا أذا كان كل شيء على ما يرام".
أعقب جوابه صمت مشحون أنتهى بتبادل بارت وروك نظرة غريبة.
ما بالهما؟
صمتت كيم لحظة لتصيغ كلماتها بأفضل طريقة ممكنة:
" بارت , أظن أن علي مرافقتك بصفتي سكرتيرتك , وروك لن يعارض , أليس كذلك يا حبيبي؟".
كان من الصعوبة بمكان أن تناديه حبيبي ,وتوقعت أن ترى الهزء والتهكم نتيجة ندائها , لكنها دهشت أذ رأت الأستغراب عليه , وكذلك على وجه بارت الذي قال:
ط كلا , مستحيل يا عزيزتي....
سألت بجرأة وهي تحاول ولو لمرة أن تحل اللغز :
" لماذا؟".
" لأنك متزوجة يا عزيزتي ".
" لقد قلت لك أن روك لن يعارض".
" ولكن روك لم يقل ذلك".
وتبادلا نظرة أخرى مريبة قبل أن يقول روك بهدوء وبلهجة حاسمة :
" أفضل ألا تذهبي مع بارت يا كيم".
أتّقد الغضب في عيني كيم ,ألا أنها حاذرت أن يراها بارت.
" بارت يحتاجني , وهو ليس على ما يرام كما تعلم".
وجدت كيم صعوبة في كشف كل ما تعرفه ,وفي القول أن بارت سرعان ما يتعب , ولذا يجب أن ترافقه لترى أنه يعمل بنصيحة الطبيب ويعمل بقسطه من الراحة , كان التظاهر صعبا , لكن كيم نجحت في أداء دورها , وقال بارت:
" لن أحتاجك يا كيم , أرجوك يا عزيزتي , لندع الموضوع يقف عند هذا الحد , فأنا أريد أن أرحل وحيدا ... بل يجب أن أرحل وحيدا".
حدقت كيم اليه وقد فطنتأنه يعني ما يقول , فهو لم يكن يريدها .... وكذلك روك لم يكن يريدها فعلا , وللمرة الثانية في حياتها شعرت أنها وحيدة في العالم.

أمل بيضون 07-03-10 02:15 PM

9- الصراع والرحلة
حل السبت , وأخذت كيم تستعد لحضورحفلة النادي الراقصة , وكانت قد أخبرت بارت أنها لا ترغب في الذهاب , ألا أنه أصر مداعيا أنها تحتاج للتغيير وقال:
"هذه الفرصة ستريحك لأنك لازمت الآلة الكاتبة طوال أيام الأسبوع ".
" أنه عملي , وقد لازمت الآلة الكاتبة دوما طوال أيام الأسبوع".
تنهد بعصبية وهو يضيف:
"قال لي بارت أنك تعملين أشياء أضافة الى الطباعة , ولذا أظنني مصيبا في القول أن الأسبوع الماضي كان شاقا أكثر من العادة".
هزت كتفيها وردت بلامبالاة:
" فكر كما تشاء".
الحقيقة أن روك أصاب في القول أن هذا الأسبوع كان شاقا أكثر من العادة , فكيم أرادت تسهيل الأمر على بارت , حتى يذهب وهو مطمئن على الكتاب خصوصا أن صعوبات كبيرة رافقت تأليف الفصل الحالي , فأعادت كيم طباعته مرات عدة وكل مرة قرأ فيها بارت الفصل , كان يعبس ويأخذ القلم ليجري بعض التعديلات , ورأت أن أعصابه أنهكت , فيما صممت هي أن تطبع الفصل بصورته النهائية , وقطعت شوطا كبيرا في سبيل تحقيق ذلك , وأملت أن ترضيه النسخة الأخيرة.
لدى وصولهم الى النادي , أنصف بارت ليتحدث الى أحد أصدقائه تاركا كيم وحيدة مع زوجها , الذي قال ببرودة ولا مبالاة أنهما سيرقصان.
وعندما راقص رافيلا بعد فترة قصيرة بدا كأنه الفتنة بعينها أذ أبتسم بوجه الفتاة النضر , وتحدث اليها أثناء تنقلهما حول الغرفة بشخصيهما حول المهيبين اللذين جذبا أنتباه الكثيرين , وفي الوقت الذي شعرت كيم فيه بالأرتياح لعثور روك على شريكة سواها , أحست بشيء من الرثاء لنفسها والأشفاق عليها , فقد نظر الناس أولا اليها , أحست بشيء من الرثاء لنفسها والأشفاق عليها , فقد نظر الناس أولا اليها , ثم الى الراقصين الطويلين المتميزين , وكان من الطبيعي أن تلقى كيم العزاء في صحبة فال الذي تشوق لمراقصتها وأصطحابها الى العشاء , ومرافقتها في نزهة داخل حديقة النادي , ومن المؤكد أنه ارتبك مثل سائر الناس , ألا أنه أبدى لباقة تحاكي لباقة سوزان , التي ضحكت وهي تقول:
" أن رافيلا أسوأ مغازلة في العالم , وكم أنا سعيدة أنك لست من النوع الذي تلتهمه الغيرة يا كيم".
نظرت كيم الى سوزان , وكان من العسير ألا تلمح القلق في عينيها , وتنهدت , وهي تتمنى لو أنها تصادق سوزان , لأنها سترتاح كثيرا أن فتحت قلبها وفكرها لشخص يعرف كل الحقيقة مثلما عرفتها سوزان؟
وحضر كليف ليصطحب سوزان ويراقصها , كيف تطورت علاقتهما ؟ طرحت كيم هذا السؤال فيما أستدارت لتبتسم لفال الذي أقترب منها فور رؤيته سوزان تبتعد مع كليف , وقال لكيم:
"أنك شاردة الذهن , أو أنك كنت كذلك".
" كنت أفكر بسوزان وكليف ".
أطرق مفكرا قبل أن يقول:
" أنك تظنين أنها قصة عاطفية وعلاقة حب".
" ستكون علاقة مريحة ومفيدة لكليهما ".
لم يكترث كليف كثيرا للفتيات من قبل , والحقيقة أن لا هو ولا شقيقه قد عاشرا النساء فعلا".
" ووالداهما .... هل توفاهما الله؟".
هز فال رأسه :
" أنهما متقاعدين يعيشان في جوهانسبورغ , وقد تركا المزرعة لولديهما ".
علقت كيم :
" أن حظهما كبير أذ ملكا مزرعة على هذا القدر من الضخامة وهما لا يزالان شابين ".
" كليف يحب المزرعة كثيرا , أما جاك, فيفضل العمل الفكري".
قالت وهي تتذكر أن فال أطلعها على رغبته بتأليف كتاب:
" مثلك؟".
" أجل , وبالمناسبة , بدأت بتأليف ذلك الكتاب بعد أن أعطاني بارت الأرشادات الأساسية أضافة الى لائحة الكتب التي يجب أن أقرأها".
فحذرته قائلة:
" أنه عمل شاق للغاية".
" أعرف ذلك , ولعلني سأظل أعمل في الزراعة".
ثم راقبت كيم سوزان وكليف بضع لحظات قبل أن تسأل :
" أتظن أن جاك قد يبيع حصته من المزرعة لكليف – على أفتراض أن كليف سيتزوج؟".

أمل بيضون 07-03-10 05:10 PM

أجاب فال وهو يفكر ويتأمل , متابعا بنظراته أتجاه عيني رفيقته:
" أنها فكرة معقولة ,ولست أظن جاك سيندم أن هو باع حصته لشقيقه".
"سوزان تحب الزراعة".
سكت فال لحظة فيما نظر الى الشابين الطويلين , اللذين بدا وكأنهما يسيطران على حلبة الرقص , ثم علق مجيبا:
" أعرف ذلك , وأعرف أنها تعتني بقسم الدواجن بمفردها , وأظنها قد تحملت ما فيه الكفاية من قريبتها هذه".
" أتقصد رافيلا؟ لقد أمضت وقتا طويلا هنا".
حول فال نظره الى وجه كيم الجامد , وقال:
" كان يفترض أن تقضي ستة أسابيع فقط , أنها تقطر سما وحقدا".
لم يخدع فال بمحاولة كيم التحدث عنها بأستخفاف:
" أذن, فأنت لست من أؤلئك الذين أعجبوا بمفاتنها؟".
" كلا , أنها صنف لا يناسبني ولا يعجبني أبدا".
لم تجب كيم بشيء , وبعد هنيهة بدأت ترقص مع فال , وألتقت عيناها بعيني زوجها , فلمحت في وجهه التهكم المرح الذي كان أشد أمتاعا في السابق , أذن لم يعد روك يبالي بأهتمام فال بزوجته , ومع ذلك , فأنه أشار اليه حين وصلا الى البيت عند منتصف الليل أذ تحدث بصوت خلا من أي تعبير تماما كما خلت عيناه:
" يبدو أنك تمتعت بأمسيتك مع فال".
" وأنت مع رافيلا".
" أوافق".
لم تتمالك كيم نفسها من التعقيب:
" أنها لا تروق للجميع".
" هل أستنتج من ذلك أنك تعنين فال؟".
أطرقت كيم فيما وقفت بقرب النافذة المفتوحة تحدق الى المناظر الصامتة وقد غمرت السكينة الطبيعة , وهنا قالت:
" أجل , أنني أعني فال , أنه لا يجدها جذابة على الأطلاق".

أمل بيضون 07-03-10 09:39 PM

أطرقت كيم فيما وقفت بقرب النافذة المفتوحة تحدق الى المناظر الصامتة وقد غمرت السكينة الطبيعة , وهنا قالت:
" أجل , أنني أعني فال , أنه لا يجدها جذابة على الأطلاق".
تقدم زوجها بضع خطوات الى حيث وقفت وهو يسأل:
" هل يظن صديقك أن ذوقي لا يرتقي الى مستوى ذوقه؟".
" يعني شيء مثل هذا القبيل ".
" أذن... لقد تحدثتما عني".
أستدارت , فرأى روك أمتقاع وجهها وهي تؤكد له ببرودة:
" لم يذكر أسمك في الحديث بيني وبين فال".
عقب بعد صمت قصير:
" كيم , ماذا جرى لك؟ أنك لست الفتاة التي تتزوج رجلا لا تحبه".
كان صوته هادئا , وقد ظهرت فيه رنة أعتذرار لم تألفها كيم التي تذكرت غروره بادىء الأمر , فأجابته وهي تتعمد بلهجة عصبية:
" قلت لك... أنني ... أنني كنت مريضة حين وافقت على الزواج منك, أو على الأقل كنت أعاني من آثار الحمى , وقد قلت لي بنفسك أنني قد أرى الأمور كلها بمنظار خاطىء , وقد فعلت".
سألها بصوت خفيض طغت على نبرته الصرامة والقسوة :
" هل هذا كل ما ترغبين قوله؟ أولست نادمة؟".
أستدارت كيم ثانية لتواجه زوجها من جديد :
" طبعا , أنني نادمة لأمر الندامة لأنني تزوجت بك".
فجأة أصبح وجه روك شاحبا شحوب وجه زوجته , وقال:
" يا ألهي , لم أتصور أنني سأسمعك تتلفظين بمثل هذه الكلمات , ماذا تقترحين أن نفعل؟".
أذعن للأمر ؟ هل يمكن أن يرغب في الطلاق منها من دون أثارة ضجة ؟ الطلاق... تلألأت عينا كيم بالدمع , لأنها أفترضت أن زواجها سوف يكون أبديا ,وقد عرفت دائما أنها لن ترتكب هذا الخطأ أذ لن ترضى أن تتزوج شخصا لا يحبها من أعماقه , صحيح, وهي لا تزال مقيمة على حبه , ومع ذلك , فهي تقر أنها أرتكبت خطأ , وسرت بالأذى اللاحق بروك الذي أدى دورا مقنعا للغاية جعلها تصدق أنه يحبها, وقررت أن تخبره بكل شيء عند رحيل بارت وتعيد على مسمعه كل ما تنصتت اليه بين سوزان ورافيلا , وعاد روك يردد سؤاله بألحاح أكثر من ذي قبل , فأجابت كيم:
" هناك شيء واحد يمكننا فعله".
بلع روك ريقه بصعوبة , وبدا فمه مرتجفا , ألا أنها لم تتأكد من ذلك , لقد أضطرب لأن لعبته أخفقت , فهي لن تنجب له الأبن الذي يتمناه .
" أوتقترحين أن ننفصل".
" أنا أقول بأنه يجب أن نطلق بعضنا".
" أنا لا أؤمن بالطلاق".
" لم يعد يهم في هذه الأيام أذا كنت تؤمن بالطلاق أم لا , فأنا بأمكاني الأستحصال على كتاب الطلاق".
" أنت..........؟".
صرف أسنانه , فيما واجهته بشجاعة لأنها لم تعد تكترث لغضبه الذي لا يحد وقد عانت منه غير مرة , وسيستمر هذا التفاعب بعد... بعد بارت. وأوقفت كيم التفكير قبل أن تتشكل في ذهنها الكلمة المخيفى , فقط لو أنها تستطيع قضاء هذه الأشهر القليلة الباقية مع بارت , ألا أن القضية تكمن في أنه يجب أن يكون بارت سعيدا بأعتقاده أن كيم سعيدة آمنة مضمونة العيش اليوم وغدا , وظهر أنه لا يبالي بزواجها من شخص لا يحبها , وتذكرت بوضوح كلمات رافيلا , الكلمات التي نقلتها من حديث روك الى بارت...
" كيم تنفع مثل أي فتاة أخرى".

أمل بيضون 08-03-10 12:25 AM

هنا فقد التماسك والأنسجام في القصة , وظهرت أحدى قطع أو أجزاء الصورة غريبة كليا , فبارت لم يكن ليوافق أبدا على زواجهما لو أن روك قال مثل هذا الشيء , لا , لا بالفعل , فبارت يحبها كثيرا , هل يمكن أن تكذب رافيلا؟ كانت الفكرة سخيفة لأن الكذب لم ولن يفيد بشيء , والأمر لك يكن كمن يتحدث الى كيم نفسها بنية خبيثة تقضي أبلاغها أن زوجها لم يقترب بها عن حب , لا , فرافيلا كانت تتحدث الى سوزان , وهي على دراية تامة أن سوزان تبوح بكلمة , بل ستحتفظ بالقصة كاملة لنفسها , وعبست بعد أن تنبهت لأمر آخر لا يتلاءم مع الرواية , فكيم نفسها تركت طاولة العشاء بسرعة رغبة في الوحدة بينما كانت رافيلا تتحدث الى روك.... ومع ذلك, رأتها في الحديقة بعد دقائق معدودة تكلم سوزان على الجانب الآخر للسياج , ألا أن صوت روك قطع عليها تأملاتها , فنظرت اليه وهو يقول:
" كيم , بماذا تفكرين؟".
أقرت والعبوس والحيرة ما زالا يجعدان جبهتها :
" كنت أحاول حل لغز ما".
" أي لغز حاولت حله؟".
هزت كيم رأسها بأرتباك وقالت:
" ليس بأمكانك مساعدتي".
قال بصورة مقنعة :
" بأمكانك أن تجربيني".
" هل تذكر أنك تحدثت الى رافيلا على طاولة العشاء في ليلة حفلة الميلاد الراقصة في النادي؟".
بدا روك مندهشا كما كان يفترض فيه , وأجاب:
"لست أدري ماذا تقصدين يا كيم".
ردت بسرعة قبل أن يقاطعها:
" هذا لا يهم.....".
" بل يهم , من الواضح أن لهذا الأمر بعض الأهمية , وألا لما حاولت حله كما تقولين".
" ألا تستطيع أن تتذكر الحادث؟".
عقد روك حاجبيه الأنيقين في محاولة للتركيز:
" على طاولة العشا.......؟ آه , أجل... لقد كنت تجلسين بجلنبي من الجهة الأخرى وتتحدثين الى فال".
" هذا صحيح , هل تذكرماذا حدث بعد أن تركت الطاولة؟".
" أختفيت فجأة , لقد كنت بجانبي لحظة ,وفي اللحظة التالية أختفيت".
علقت بعصبية:
" لا أقصد نفسي بالسؤال , ماذا فعلت رافيلا؟".
نظر اليها روك مستغربا حتى ظنت أنه يعتقدها فقدت صوابها , وسأل:
" رافيلا؟".
" لا بد أنها غادرت الطاولة بسرعة أيضا".
" كيم , ماذا تحاولين أن تبرهني؟".
وتنهدت من أعماقها متمنية لو أنها لم تثق به:
" كنت أتساءل عن مدى السرعة التي تركت بها رافيلا الطاولة ".
" لا بد أن هناك سببا مهما لذلك".
" أجل... أجل".
أتقدت عيناه بشرر مخيف:
" ألا يمكنك أن تكوني أكثر وضوحا يا كيم؟".
لقد أراد أن يعرف , ألا أن كيم زت رأسها وأكدت أن القضية شخصية , وأضافت:
" بأمكاني أن أقول هذا فقط, أود أن أعرف كيف خرجت رافيلا مع سوزان الى الحديقة بهذه السرعة بعد أن تركت الطاولة".
تنهد روك بيأس:
" بحق السماء يا كيم كفي عن هذا الغموض".
أستدارت نحو النافذة ثانية وهي تصارع الشكوك , وقالت ببرودة :
" أنني آسفة".
لقد تيقنت من عدم فهمها لأمور كثيرة , وأن ما بدا واضحا وجليا , كان في الحقيقة مربكا ومحيرا , لكنها أستنتجت أن رافيلا نهضت فور مغادرة كيم للطاولة , ثم ألتقت سوزان , أبنة عمتها , وقالت لها أن لديها ما تطلعها عليه , وأقنعتها بالخروج معها الى الحديقة , وبدا غريبا أن تتخلى رافيلا عن روك على هذا النحو , وواضح أن ليس بأستطاعة روك تذكر الحادث ألا أن ذلك في الحقيقة لا يهم , فكيم تعرف ماذا حدث , ولكن, لماذا العجلة....؟ فجأة تجمدت كيم أذ خطرت لها فكرة , لقد أرادت رافيلا أن تسمع كيم ما كانت ستقوله , وعلى أساس هذه الفكرة

أمل بيضون 08-03-10 12:43 AM

تبلورت فكرة أخرى بسرعة , لم يكن أنطباع كيم عن تنصت وحتى أستراقها النظر عبر السياج وهما , فهو خاطر ليس سخيفا على الأطلاق.
لقد أرادت رافيلا لكيم أن تسترق السمع اليها... وقد خططت لذلك, لماذا؟ قررت كيم بمرارة أن الأجابة ليست صعبة , فرافيلا تمنت الحصول على روك , ولما أكتشفت عن طريق التنصت أن روك تزوج كيم لتلبية حاجاته وحاجات بارت على حد سواء, وجدت الفرصة سانحة لأستعادته , وبغية تعزيز مركزها , قررت العمل على أحداث شرخ بين روك وزوجته , حينئذ صاحت كيم بينها وبين نفسها:
" لا , لا يمكن أن تكون خبيثة ولئيمة الى هذا الحد".
غير أن كيم أدركت أنها مصيبة في بعض تخميناتها , كما أخطأت في البعض الآخر , فلو عرفت كيم أنها تتنصت عليها , لأمكنها أن تضيف كذبة أو كذبتين حتى تبدو الأمور أسوأ مما هي في الواقع , والكذبة دارت حول قول روك لبارت أنها تصلح للأنجاب مثل أي فتاة أخرى , قالت ذلك حتى تسمعه كيم , فتشعر بالذل , وبذلك تتأكد رافيلا أن كيم ستنقلب على زوجها.
وقال روك بلطف وحماسة متسائلا:
" كيم , أرجوك قولي بماذا تفكرين , فأنا أشعر أنك لو فعلت لأنجلى بعض الغموض".
كم كان محقا , ولكن, ليس بأستطاعتها أن تخبره شيئا وذلك لأن سعادة بارت وأطمئنانه وتحرره من القلق في هذا الوقت كان بالغ الأهمية بالنسبة اليها , من هنا لم ترغب في مخاطرة قد تدفع بروك للذهاب الى بارت وأبلاغه أنها تعرف كل شيء , وقالت لنفسها همسا:
" لا أظنه سيفعل, لأنه يهتم ببارت ويقلق عليه مثلي , لكنني لن أخاطر لأنني في أي حال لن أربح شيئا في أطلاع روك على ما علمته".
أنقضى أسبوع آخر , وتعاظم حر كانون الثاني( يناير) مع هطول الأمطار الغزيرة التي خربت أزهار الحديقة , وأعد بارت لرحلته , ولما سألته كيم عن وجهته , أرتبكت قليلا لجوابه المبهم , وقالت له:
" لا تبدو متحمسا كما يجب , ما هي الترتيبات الفعلية التي أتخذتها؟".
ثم لاحظت أمتقاع وجهه وزرقة فمه , فأنقبض قلبها وتملكها اليأس , هذه هي الخاتمة ... وخطر لها فجأة أن الطبيب أخطأ , لكنها تذكرت أنه لو كان هناك أي أحتمال من هذا النوع , لأصر روك على رأي آخر ولفعل كل ما في وسعه لأنقاذ حياة بارت الذي قدر صداقته حق قدرها , هنا أجاب بارت:
" أن روك يهتم بأموري هذه كلها يا عزيزتي , وقد أحضر لي كراسا من وكيل السفر في تنغافيل , ولكن , يا ألهي , أين وضعته؟ آه , أجل , أنه في الدرج الأعلى من مكتبي , لعلك تحضرينه لنتأمله سويا , فكرة ممتعة , أليس كذلك؟".
لم تشعر كيم بحماسته , بيد أنها فعلت ما أمرها به, وأحضرت الكراسة اللمعة من ادرج , ثم وضعتها على الطاولة وفتحتها قائلة:
" ها هي".
" سأطير أولا الى جوهانسبورغ .... وسيوصلني روك الى المطار , ولكن من الواضح أنه أخبرك عن ذلك".
أطرقت وهي تفكر أنه حزم أمتعته في حقيبة واحدة , حقيبة واحدة... صحيح أنها كبيرة , لكن كيم تتصور أن ما تحمله من ملابس ستكون كافية أذا نوى أخذها فقط , ثم أضاف مبتسما:
" أجل , سأطير الى جوهانسبورغ , ومن هناك نبدأ رحلة الصيد هذه في اليوم التالي حين سنركب أحد الجيبات المرقطة...".
وهنا أشار الى أحد الرسوم وأضاف:
" ثم نقضي الليل في فندق آخر قرب منتزه كورغر القومي , وفي اليوم التالي..".
توقف ليقرأ تعليمات الكراسة :
" آه , سنجتاز المنتزه لنرى الحيوانات مثل الحمار الوحشي والزرافة وفرس النهر وكثير غيرها , وفي الغد نسافر الى سوازيلاند لنتأمل المشاهد الرائعة".
ومضى يشرح تفاصيل الرحلة وهو يقرأ الكراسة التي ذكرت أنهم سيرجعون الى أراضي قبيلة زولو حيث يبتون ليلة في فندق خاص برحلات الصيد.
" يبدو أن أحتياطات الصيد في هذه البلاد كبيرة ومغرية في الحقيقة ,ألا توافقين على ذلك؟ ومن الطبيعي أن هنالك أشياء عدا الحيوانات يجب رؤيتها , خذي وأقرأي بنفسك وسوف تكونين فكرة أوضح".
قالت وهي تنظر الى الكراسة , التي دفعها اليها عبر الطاولة :
" كم أتمنى لو أذهب معك , فأنا لا أطيق فكرة ذهابك بمفردك".
" سوف أكون مع مجموعة كبيرة من الرفاق , وبأمكانك أن تكتشفي بنفسك أن هذه رحلة منظمة".
أطرقت وهي تعقب:
" لا زلت أشعر ببعض القلق يا بارت".
كم صعب عليها التظاهر بالجهل , فقط, لو أنها أستطاعت أن تقول:
" أعرف أن قلبك ضعيف ولذا أريد مرافقتك حتى أعتني بك".

أمل بيضون 08-03-10 01:17 AM

لكنها بالطبع لا تستطيع , لقد ذهب شوطا بعيدا في أخفاء الحقيقة عنها لرغبته في أنقاذها من الألم , لا شك أنها ستتعذب في ما بعد ,ألا أن بارت أقتنع أن زوجها سيوفر لها الراحة والطمأنينة بحيث يخفف من وقع الصدمة عليها , وبعد أن فكرت كيم هنيهة بدور بارت في أقناع روك بأن يتزوجها بدأت تتساءل أذا لم يبذل روك أي جهد في أقناع بارت بأنه يحب كيم , لكنها في أي حال لا تضع روك فوق الشبهات وهي تعلم قدر بارت عنده , وتأخر جواب بارت لكنه أتى أخيرا:
" لا داعي للقلق أبدا , وأنني أؤكد لك أنني سأعتني بصحتي تمام العناية , أما الآن , فمن الأفضل أن تذهبي يا كيم حتى لا يحتج روك علي ويدعي أنني أتعبك".
" لن يفعل ذلك لعلمه أنك لا تتعبني ".
" هذا ما فعلته في الأسبوعين الأخيرين , غير أننا نظمنا شؤون هذا الفصل في نهاية المطاف , وهكذا سأذهب مرتاح البال".
وغرق في شرود بدا معه أنه ليس في مسك كاتانيا حاليا , بل في رحلة الصيد ذاتها , ووافقت كيم على رأيه:
" علي الذهاب كما تقول".
حاولت أن تخفي رنة الكآبة من صوتها رغم صعوبة الظهور بمظهر المرح في وقت عصر الألم قلبها , وتحدثت الى روك عن مسألة الطلاق بعد بضعة أيام من ذكرها للمرة الأولى , فغضب لأنها أقفلت الموضوع وقد قررت أن بأمكانها فعل كل شيء بعد أن تتركه وتطير عائدة الى بلادها , وفيما خرجت الى الشرفة , ودعت بارت:
" الوداع يا بارت, سأوافيك في الغد كالعادة".
ثم أتجهت نحو الأسطبل , وأبتسمت لسامي أذ رأته ينظر من البوابة , وخاطبته:
" هل أنت مسرور لرؤيتي ؟ يا لك من حيوان لطيف ذكي , لقد جعلت بارت يظن أننا أصدقاء".
صهل الحصان فيما أمتطت كيم صهوته , فأنحنت لتربت عنقه وقد أغرورقت عيناها بالدموع أذ فكرت أنها ستضطر أن تخلفه رواءها , ولكن , لعل هناك طريقة تسهل عليها أصطحابه معها , وهي ستجري بعض التحريات في ما بعد.
ولما وصلت الى مسكن لوساك وجدت روك واقفا على الشرفة وألتقطت أنفاسها بينما وجه رأسه نحوها وقال وهو يهبط السلم بقفزة واحدة طويلة:
" سأعتني لك بسامي, هل أنت متعبة؟".
" كلا , فنحن لم نعمل كثيرا اليوم لأن الفصل أصبح على ما يرام آخر الأمر ".
" عظيم , لا شك أن بارت سيطمئن ويرتاح".
ثم مضى وسامي يتبعه فيما أمسك لجامه برقة , أما كيم , فرافقتهما بقلب خافق , آه , لو كان روك يحبها , أنه لطيف أحيانا , وأفترضت أنه كان بأمكانهما أن يعيشا سعيدين لو أنها لم تطلع على الحقيقة بواسطة رافيلا, فروك لن يدعها تحس ولو لمرة واحدة أنه لا يحبها , لا , بل العكس هو الصحيح ,وهو دائما يتظاهر أنه يحبها كثيرا , وكثيرا ما قال لها ذلك , أجل , أنه ممثل بارع.... أنما , ما فائدة كل ذلك أذا كان لا يحبها ؟ فهو قد يلتقي ذات يوم فتاة أخرى ويقع في هواها , وماذا يحل بكيم حينئذ ؟ ثم ألحق بأذيته لها قوله أنه لا يؤمن بالطلاق علما بأنه لن يتردد في طلبه أن هو عشق فتاة أخرى.

أمل بيضون 08-03-10 05:55 PM

وقالت كيم لدى رجوع زوجها:
" هل يمكنني أن أذهب مع بارت في رحلة الصيد؟".
هز رأسه فورا:
" لا هو ولا أنا نريدك أن تذهبي".
كانت لهجته صارمة , ووجهه متوترا , فعضت كيم شفتها وهي تتمنى لو كانت حرة في أتخاذ قراراتها , وقالت مرتجفة:
" أنني قلقة عليه , فعليه.... عليه أن يتناول تلك الحبوب التي يصفها بمهدئات عامة.....".
وصمتت لخوفها أن تكشف كل ما علمته أن هي تابعت حديثها , فرد عليها:
" لا داعي لأن تشغلي بالك حول بارت لأنه سيأخذ الحبوب بأنتظام".
" من المحتمل أن ينسى لأنه أصبح كثير الشرود, عندئذ سينهار...".
وأرتعش فم كيم بصورة تملأ القلب شفقة , وفيما تطلعت الى عيني روك , أغرورقت عيناها بالدموع , أذ رأته يبلع ريقه وفهمت أنه يرثى لحالها , لو عانقها روك في هذه اللحظة , لأجهشت بالبكاء وأخبرته كل ما تعرف , وأكدت له أن حالة بارت الفعلية ليست خافية عنها , ألا أن روك ظل واقفا بجانب درابزين الشرفة وقد تقلصت عضلات فمه وخلت عيناه من أي تعبير , وأخيرا تنهد قائلا:
" بأمكاني فقط التأكد بأنه سيكون بخير".
وأستدار مبتعدا بينما تكون لدى كيم أنطباع بأنه يخفي أمرا ما ,ولكن , قبل أن تتمكن من المشي , عاد ليسألها بلطف أذا كانت ترغب في تناول العشاء في النادي , فأخذت تهز رأسها الى أن سمعت نفسها تقول :
" هذا.... هذا رائع".
" هيا أذن, أرتدي ثوبك الليلكي الأنيق".
وبينما نهضت كيم عن كرسيها , حدّقت الى روك , فألتقت عيونهما برهة خيل لها فيها أنها لمحت في عينيه أسى , حبا عميقا مخلصا , ولكن , ما أن أشاح بنظره بعيدا , حتى لم تعد ترى سوى المرارة على فمه.
وأستحمت , وأرتدت ثوبها الليلكي , فلمع شعرها , وتوردت شفتاها , ثم أستعملت عطرها وحملت حقيبتها المسائية المفضلة وعباءتها قبل أن تخرج من غرفة نومها الى قاعة الأستقبال لتنتظر روك , الذي سرعان ما خرج يرتدي بزة صيد بيضاء وبنطال كتان كحلي , وقال بلهجة باردة برغم ما في ذوقه من رقي:
" أنك تبدين غاية في الفتنة".
أدركت أنه كان فخورا بمرافقتها , ثم ركبا السيارة التي أندفعت بهدوء عبر الممر المؤدي الى مسكنهما , وقد تلألأت أضوائها الأمامية الأشجار الأمامية التي أحاطت بالطريق مثل أشجار الصمغية القصيرة المليئة بالأزهار والحور النحيلة الطويلة وغيرها علاوة على الزهور التي زرعت عند حافتي الدرب ومنها زنابق القنا الأستوائية والدفلى والورود وحوذان السياج الأصفر , وعبق نسيم الليل بالأريج , فيما حفل بأصوات الزيزان التي طغت على هدير السيارة عندما توقفت قرب البوابة قبل أن تنحرف الى الشارع المظلم.
قاد روك السيارة بصمت , فيما ندمت كيم على موافقتها على الخروج معه , صحيح أن الوضع أختلف عن تصورها الأصلي , ألا أنها شعرت بوجود شكوك وجب أن تتنبه لها في الأساس , وأن لا تتسرع في الزواج به بالتالي , لقد تصرفت بتهور حيث كان روك على عجلة من أمره حين أعلن أنه لن يستطيع أنتظارها في حين سعى الى طمأنة بارت في الحقيقة.
ولما وصلا الى النادي , أوقف روك السيارة وساعد زوجته على الخروج ثم على صعود السلم المؤدي الى البهو وهو يمسك يدها , ولم يوجد في النادي سوى حفنة من الناس , الأمر الذي سمح لروك وكيم بأختيار طاولتهما , وقال روك:
" نريد أن نجلس هناك , في الخلوة التي تظللها أشجار النخيل".
كان الموضع بعيدا عن أنظار الجميع , ويوحي بالدفء والألفة ... وفجأة شعرت برغبة في البكاء على كل ما قد كان , وقال النادل مبتسما :
" حسنا , هل ترغبان بشراب أول الأمر , علما بأنكما تجلسان في البهو ؟".
" بالطبع".
وجلسا فيما قدمت اليهما لائحة الأطعمة , وعرض روك طلبهما , وطوال الوقت ركزت كيم فكرها على خاطرة طرأت على بالها , وتساءلت هل يمكن تحقيق فكرتها في هذه المرحلة المتأخرة ؟ ونظرت الى زوجها عبر الطاولة المغطاة بالزجاج بعد أن قطع عليها بصوته الهادىء الخطة التي لم ترسم سوى نصفها:
" بماذا تفكرين يا كيم؟".
" ببارت ورحلة الصيد .... هل.... هل كان عليك أن تجري ترتيبات الرحلة قبل بدايتها بوقت طويل؟".
" كلا , لم يكن الوقت طويلا لأن وكيل السفر أخبرني أن هنالك كثيرا من المقاعد الشاغرة".
غرقت كيم في التفكير قبل أن تنحني وترفع كوبها:
" فهمت...".
" أيام قليلة أخرى وسيطير".

أمل بيضون 08-03-10 05:58 PM

" لم يعرف روك الا القليل عما دار في خلدها وهي تقول:
" أجل , لا شك أنه سيفرح كثيرا بكل الحيوانات لأنه كان دائما يريد أن يراها في مواطنها الطبيعية".
فأطرقا , ثم تحدثا قرابة عشر دقائق قبل أن يدخلا لتناول العشاء , الذي وجداه أمتع الوجبات التي تناولاها سويا , ولانت كيم , فيما صمت روك رغم أستعداده للتحدث كلما كلمته كيم.
أتسمت عودتهما الى سوساكا ببرودة الجو وظلمته وبالألفة بينهما , وتصورت كيم شعورها عند مغادرتها هذا البلد أحبته والذي ظنت لوقت قصير أنها ستعيش فيه حتى وفاتها ,وسأل روك بصوت فيه رنة قلق تصف عدم ثقته في ما أذا كانت نادمة أو راضية عن خروجها معه :
" هل أستمتعت بهذه الأمسية ؟".
" كثيرا يا روك".
فحدق في عينيها الجميلتين وردد بحنو:
" أنا سعيد بذلك يا حبيبتي كيم , أتمنى لو أعرف ما الذي أزعجك".
تشنجت كيم , وخنقتها الحقيقة الجارحة بأنه لم يكن يحبها , فقالت بحدة:
" تصبح على خير يا روك, سأراك في الصباح".
وترددت لأنها لم ترغبه طوال الليالي التي شغلا فيها غرفا منفصلة قدر ما رغبته الليلة , وتاقت الى أن ترتاح بين ذراعيه ... ولكن على أن لا يخلو لقاؤهما من الحب , لا , فهي لن تستسلم له ثانية بأرادتها , بأمكانه أن يمتلكها وهو غاضب , بيد أنه لن يجعلها تستسلم له ثانية بأرادتها , وأخيرا أجابها:
" تصبحين على خير يا كيم , أرجو لك نوما هانئا".



10- رنّة الحب
قصدت كيم تنغافيل باكرا في صباح اليوم التالي بعد أن أتجهت أولا الى مسكن كاتانيا لأستئذان بارت في شراء بعض الحاجيات.
" بالطبع يمكنك أن تذهبي يا عزيزتي لأن ليس هناك سوى القليل من العمل بعد أن أنتهي الفصل بصورة ترضيني".
" ولكن , يبقى علي أن أرتب بقية ملاحظاتك , وأعد البحث الذي طلبته مني".
" أمامك وقت كاف لذلك كله أثناء غيابي , أما الآن , فأذهبي وأشتري حاجاتك".
قادت كيم السيارة الى داخل المدينة حيث أوقفتها وأسرعت الى مكتب وكيل السفر الذي تحمس لعمل بينما شك في أدراج أسم كيم في قائمة الرحلة نظرا الى قصر الوقت.
غير أنه وعد كيم بأن يحاول جهده , فقالت أنها ستحضر بعد ظهر اليوم التالي لترى أذا تكللت جهوده بالنجاح , فأجابها:
" الأفضل أن تأتي يوم الخميس , أنا أعرف أن الرحلة تبدأ يوم السبت , ألا أنك ستجدين متسعا من الوقت لتهيئة نفسك , وأستطيع يوم الخميس أن اخبرك أذا كنت قد حصلت على تذكرة السفر أم لا, وألا فبأمكاني الحصول عليها يوم الحمعة".
أطرقت كيم , ثم قالت بعد تردد:
" أرجوك ألا تخبر أحدا بأنني سأرافق السيد ناش في هذه الرحلة, أنها.... أنها ستكون مفاجأ له".
رفع الرجل بصره عن الكراسة التي دون فيها المعلومات , وأنكشف أرتباكه , ألا أنه تنبه عدم طرح الأسئلة نتيجة الجمود الذي ظهر على وجه كيم , وأجابها:
" حسنا , سأتذكر رغبتك".
" أشكرك".
الأمتعة... أنها مشكلة , مشكلة كبيرة .... ألا أن بأمكانها تذليلها , ولما عادت الى مسكن كاتانيا , أعلنت:
" لا تكفيك حقيبة واحدة من الملابس , ولذا سأحزم حقيبة ثانية".
" كيم , يا عزيزتي , أؤكد لك أن حقيبة واحدة كافية".
وأشاح بوجهه عنها وقد غطاه بيده , وأربكها تصرفه أذ بدا وكأنه يخفي عنها تعابير وجهه , لكنها قالت:
" أنا أصر على رأيي يا بارت , ولا تنس أنني أعرف عاداتك وأعرف أنك ترغب في ملابسك كثيرا لا سيما الداخلية منها".
" حسنا , أحزمي لي حقيبة أخرى أذا كان لا بد من ذلك فعلا".

أمل بيضون 08-03-10 05:59 PM

هكذا وجب شحن حقيبتين في السيارة صباح السبت عند وصول روك وكيم الى منزل بارت , فعبس روك:
" حقيبتان؟".
وأدركت كيم نتيجة أقتضابه وحدة صوته أنه تمنع عن قول أشياء كثيرة , وأجاب بارت بوداعة:
" أجل , كيم أصرت على أنني لم آخذ ما يكفيني من الثياب , لذا خضعت لطلبها , وأرجو أن تضع الحقيبتين في السيارة يا روك".
ولدى وصولهم الى المطار أصطحب روك كلا من كيم وبارت نحو البهو حيث قدم لهما شرابا , ولم تستطع كيم أن تمسك الكوب بثبات لشدة خفقان قلبها , هل يمكن أن تنجح خطتها؟ كثيرا ما رأت أناسا يصعدون الطائرة في الدقيقة الأخيرة , أذن , ستنجح خطتها برغم اقوانين التي تفترض حضورها الى اطائرة باكرا , وقال بارت بقلق:
"أرى أنك شاحبة , سأكون بخير , فكفي عن القلق".
قالت دون أن تنظر الى أي منهما:
" أشعر بأنقباض في معدتي , ولذا سأذهب الى المرحاض , فلا تقلقا".
" آه , أنني آسف , فأنت تزعجين نفسك وترهقينها كثيرا بهذه الطريقة ,ولا داعي لكل هذا التعب على الأطلاق".
" لا تخف , فسأكون بخير , أظن أن ما أصابني ليس خطرا , أنما هو أضطراب أعصاب".
وأقل ما يقال في خطتها أنها خطة مفككة الأوصال , فقد حصلت على تذكرة سفر تخولها الأشتراك في الرحلة , أما ملابسها- وهي حاجيات أساسية قليلة – فكانت في طريقها الى الطائرة الآن , وهكذا تم الجزء الأول من خطتها بنجاح , على أنه مر ظرف حرج حين أراد بارت أن يفتش الحقيبة الثانية , فقالت له:
" لا داعي للبحث داخلها لأن كل ما فيها مجرد حاجيات".
" حسنا , لقد أصبحت آمرة ناهية منذ تزوجت".
والجزء الثاني من خطتها هو الذي أقلقها , لقد أصبحت تحركاتها على الأقل واضحة في ذهنها , أما تحركات الرجلين الآخرين , فهي التي لسوء الحظ أزعجتها , ألا أنها قالت مازحة بعد أن فرغوا من شرابهم:
" لن ننتظر كثيرا حتى نودعك يا بارت , فأنت تعرف كراهيتي لرؤية الطائرات تقلع وتهبط".
أجابها وقد عزم أن يقول أنه لن يحتمل رؤيتهما يودعانه:
" أعرف بالطبع".
" سننتظر حتى يعلن عن رقم رحلة طيرانك".
ومن حسن الحظ أنهم أتفقوا على هذا الترتيب , فكل ما على كيم الآن هو التظاهر بالمرض بعد أن يتركهما بارت , وستحذر روك بأنها ستتأخر في دورة المياه قليلا , وتطلب اليه أنتظارها في السيارة.
أجتازت كيم المسافة التي تفصلها عن اطائرة مرتين , ولكنها لم تر أثرا لبارت , ثم دخلت الطائرة خلسة وقد خفضت رأسها على رغم أن خبرتها الواسعة أكدت لها أن بارت يزرع رأسه في كتاب , وقد أعتاد أن يبدأ بالقراءة فور صعوده الى الطائرة , ولا يتوقف عنها حتى يصبحوا على علو شاهق في الجو , ولم يعترف , ولو لمرة , أنه يخشى الأقلاع , غير أن كيم عرفت ذلك , ( أين يمكن أن يكون قد ذهب فأنا لم أره يدخل المرحاض).
جلست وقد أنقبضت معدتها فعلا الآن , وأنتظرته لظنها أنه في أحدى دورات المياه وقد دخلها حين لم تكن تبحث عنه , وأمرت نفسها أن تهدأ وتستريح , وتصورت لدقيقة أو دقيقتين ردة فعل روك حين يعلم أنها على متن الطائرة , وأنها سترافق بارت في رحلته , وقد تركت له رسالة على لوح الأستعلامات , لكنه , في أي حال , سيتلقى برقية منها وهي في الجو , وتأكدت كيم من ذلك حتى لا يقلق , ومن نافل القول أنه سيغضب أشد الغضب , على أن ذلك لن يهم كيم بشيء لأنها رغبت في مرافقة رب عملها والأعتناء به عناية جيدة أثناء رحلته ,ولكن , أين هو؟".
وأخيرا , أومأت كيم الى أحدى المضيفات , وكلمتها بسرعة , فمضت الفتاة فورا ثم عادت بعد عشر دقائق تقول أن لا أحد على متن الطائرة يحمل أسم بارت ناش , فطرفت عينا كيم , ودخل فكرها في دوامة , ( ليس على متن الطائرة؟ لا بد أن يكون , أنه سينضم الى رحلة صيد تنطلق من جوهانسبورغ".
أضطربت الفتاةوقالت لكيم , التي هزت رأسها :
" لا شك أنه تأخر عن الطائرة".
" لكنه حضر الى المطار قبل وقت طويل".
وحانت من الفتاة ألتفاتة من فوق كتفها فيما جرت عربة الأطعمة في الممر بين المقاعد:
" هل أنت واثقة أنه ركب الطائرة؟".
" أجل...".
صمتت كيم وقد علا وجهها التجهم قبل أن تضيف:
" لقد رافقته أنا وزوجي وتركناه عندما أعلن عن رحلته".
" أذن , فأنت لا تعرفين أذا كان قد ركب الطائرة أم لا".
همست كيم وهي تفكر:
"كلا لست.....".
وكان على الفتاة أن تنقل من مكانها , فأعتذرت قبل تحركها , وبقيت كيم غارقة في تفكير عميق , هذه الحقيبة الواحدة , لم يكن بارت في ذلك كما عرفته , أنا لا تكفيه لأسبوعين , ربما لأسبوع....

أمل بيضون 08-03-10 06:24 PM

وتطلعت الى الفتاة بعد أن تجاوزت العربة مقعد كيم , أما الفتاة فتطلعت الى كيم محتارة :
" هل قلت انك كنت أنت وزوجك مع السيد ناش؟ لماذا لم تصعدا معا , هذا أذا كنتما بصحبة الرجل؟".
وهزت الفتاة كتفيها بأرتباك , وبالطبع لم يكن بوسع كيم أن توضح لها الأمر , بل سألت أذا كان هناك طائرة أخرى ستقلع في موعد أقلاع طائرتهم.
" أقلعت طائرة بأتجاه دربان , وهذا كل شيء , فالمطار صغير كما تعلمين".
دربان ؟ من المستحيل أن يكون بارت قد ذهب الى دربان , وعلاوة على ذلك, ما الهدف من أبلاغها أنه ينوي الأشتراك في رحلة صيد, ألا أذا لم يكن ينوي ذلك أصلا؟أبتسمت كيم وعادت تفكر بقضية الحقيبة الواحدة , وتذكرت أنه لم يقرأ كثيرا عن رحلة الصيد , الأمر الذي يتنافى مع طبيعة بارت وهو الذي ألف أن يوسع معلوماته عن أي بلد كان ينوي زيارته وعن أي رحلة كان ينوي القيام بها , وأستعادت أيضا دهشة روك عندما رأى الحقيبتين , لقد أتضح أنه توقع رؤية حقيبة واحدة- ولكن , لماذا واحدة؟
وداخل كيم خوف مفاجىء أذ خيل لها أن الأسرار تكتنف حياتها في هذه الأيام , ومن المؤكد أن هنالك سرا حول قضية الصيد هذه , لقد عملت مع بارت فترة طويلة سمحت لها أن تعرف دقته في حرصه على معرفة كل التفاصيل الصغيرة المتصلة بترتيبات سفره.
وهو آخر من يمكن أن يركب الطائرة الخطأ حتى ولو كان ذلك محتملا.
وقفت كيم أمام فندق لاندروست في جوهانسبورغ وقد أملت أن ترى بفعل معجزة سماوية رب عملها في الداخل حيث سيلتقي المشتركون في رحلة الصيد قبل أن ينضم اليهم الدليل , ثم دخلت , وقصدت المكتب حيث عرفت بأسمها , وكان الدليل يقف قبالتها , فأتجهت اليه حالا , كان شابا أفريقيا طويلا يتكلم الأنكليزية بطلاقة بطلاقة تامة , أوضحت كيم له الأمر .فدقق في لائحة الأسماء قبل أن تراه كيم يهز رأسه , وعرفت كيم ماذا سيقول قبل أن ينطق:
" ليس عندنا بين المشتركين شخص بأسم بارت ناش ,ماذا حدث؟ علي أن أساعدك أذا كنت أستطيع ذلك".
أجابت كيم بتعب:
" أريد أن أرجع الى بيتي , هذا كل شيء".
" ألن ترافقينا ؟ ولكن ., أعلمي يا آنسة مايسون أن نقودك لن ترد اليك في هذه المرحلة المتأخرة".
" لا يهم".
وأنتابها تعب شديد فيما تقبلت خداع بارت وروك وقد أحتارت , كما أدركت بالغريزة أن بارت يعرفها أينما وجدها , وعلى رغم هذا الأعتقاد , لم يكن في وسعها أن تشارك في رحلة الصيد بمفردها أذ لا طائل من وراء ذلك علما بأنها أقرت أن الصورة بدت أكثر أشراقا وجاذبية لبضع ساعات خلت , أي عندما ركبت الطائرة وهي تتوقع أن تلتقي بارت وجها لوجه في أي لحظة.
" علي أن أعود الى منزلي بأقصى سرعة".
ولدى عودتها , سيكون لديها الكثير مما تقوله لزوجها , فهي ترى أنه وبارت تصرفا بخسة أتجاهها وخدعاها , وللمرة الأولى خلال سنوات وصلت الى حد اليأس أعترفت معه أنها في الحقيقة ليست سوى موظفة وأن لا شيء يلزم رب عملها بأطلاعها على تحركاته , وقال الدليل :
حسنا يا آنسة مايسون , أذا كنت تصرين على العودة , فسأعمل على ترتيب سفرك".
ألتفتت الي كيم بأمتنان وقالت:
" أشكرك كثيرا , أنك لطيف للغاية".
" لا داعي للشكر , غير أنني آسف لعدم أقتناعك بمرافقتنا ".
وأرتاحت كيم لأنه لم يحاول زيادة ضغطه عليها وهو يضيف:
" ولكن , الى أن تعودي , عليك أستئجار غرفة تبيتين فيها ليلتك كما لو أنك كنت ترافقينا".
وصعدت كيم للتو, ونامت نوما متقطعا من دون أن تكلف نفسها عناء النزول لتناول العشاء , وفي الصباح التالي , أعلمت أنها لن تستطيع العودة قبل ثلاثة أيام , فهتفت مرتعبة:
" ثلاثة أيام ,ما هذا؟".
رد الدليل :
" ليس هناك أي رحلة طيران قبل ذلك".
عضت كيم شفتها بقسوة وهي تصد دموع الأحباط والخوف التي تجمعت في مؤخر عينيها , أين هو بارت؟ آه , لا شك أنه سالم ومعافى , وروك يعرف مكانه.
ولما عادت الى غرفة نومها , قالت بلهجة حادة :
" أنني أكره روك , كيف يجرؤ أن يخدعني هكذا؟".
وأنتصبت واقفة أذ سمعت قرعا خفيفا على الباب , فصاحت:
" تفضل".
دخلت خادمة ملونة تحمل برقية , فقرأتها كيم وقالت:
" أشكرك".
وبعد ثلاث دقائق تحدثت عبر الهاتف مع زوجها , الذي سأل بغضب :
" أخبريني بحق السماء ماذا تقصدين بتصرفك المجنون هذا؟".
ردت عليه بغضب يعادل غضبه:
" وبحق السماء قل لي أيضا ماذا تقصد أنت وبارت بخداعكما لي؟ أين هو؟".
" لا تخافي ولا تقلقي".
" أين هو؟".
لاجواب , شعرت كيم أن دقات قلبها ستتوقف , وأخافها نبض قلبها المتسارع كثيرا , فسألت:
" أنه... أنه ليس....".
كلا , أنه بخير , لقد عرفت أنه بخير , وعادت تقول:
" أصر أن أعرف أين هو".
" كيم , سأحضر اليك اليوم , لقد تسلمت أشعارا يفيد بأنني حجزت مقعدا على الطائرة المتجهة الى جوهانبورغ , وأنا الآن في فندق قريب من المطار".

أمل بيضون 08-03-10 06:32 PM

وتطلعت الى الفتاة بعد أن تجاوزت العربة مقعد كيم , أما الفتاة فتطلعت الى كيم محتارة :
" هل قلت انك كنت أنت وزوجك مع السيد ناش؟ لماذا لم تصعدا معا , هذا أذا كنتما بصحبة الرجل؟".
وهزت الفتاة كتفيها بأرتباك , وبالطبع لم يكن بوسع كيم أن توضح لها الأمر , بل سألت أذا كان هناك طائرة أخرى ستقلع في موعد أقلاع طائرتهم.
" أقلعت طائرة بأتجاه دربان , وهذا كل شيء , فالمطار صغير كما تعلمين".
دربان ؟ من المستحيل أن يكون بارت قد ذهب الى دربان , وعلاوة على ذلك, ما الهدف من أبلاغها أنه ينوي الأشتراك في رحلة صيد, ألا أذا لم يكن ينوي ذلك أصلا؟أبتسمت كيم وعادت تفكر بقضية الحقيبة الواحدة , وتذكرت أنه لم يقرأ كثيرا عن رحلة الصيد , الأمر الذي يتنافى مع طبيعة بارت وهو الذي ألف أن يوسع معلوماته عن أي بلد كان ينوي زيارته وعن أي رحلة كان ينوي القيام بها , وأستعادت أيضا دهشة روك عندما رأى الحقيبتين , لقد أتضح أنه توقع رؤية حقيبة واحدة- ولكن , لماذا واحدة؟
وداخل كيم خوف مفاجىء أذ خيل لها أن الأسرار تكتنف حياتها في هذه الأيام , ومن المؤكد أن هنالك سرا حول قضية الصيد هذه , لقد عملت مع بارت فترة طويلة سمحت لها أن تعرف دقته في حرصه على معرفة كل التفاصيل الصغيرة المتصلة بترتيبات سفره.
وهو آخر من يمكن أن يركب الطائرة الخطأ حتى ولو كان ذلك محتملا.
وقفت كيم أمام فندق لاندروست في جوهانسبورغ وقد أملت أن ترى بفعل معجزة سماوية رب عملها في الداخل حيث سيلتقي المشتركون في رحلة الصيد قبل أن ينضم اليهم الدليل , ثم دخلت , وقصدت المكتب حيث عرفت بأسمها , وكان الدليل يقف قبالتها , فأتجهت اليه حالا , كان شابا أفريقيا طويلا يتكلم الأنكليزية بطلاقة بطلاقة تامة , أوضحت كيم له الأمر .فدقق في لائحة الأسماء قبل أن تراه كيم يهز رأسه , وعرفت كيم ماذا سيقول قبل أن ينطق:
" ليس عندنا بين المشتركين شخص بأسم بارت ناش ,ماذا حدث؟ علي أن أساعدك أذا كنت أستطيع ذلك".
أجابت كيم بتعب:
" أريد أن أرجع الى بيتي , هذا كل شيء".
" ألن ترافقينا ؟ ولكن ., أعلمي يا آنسة مايسون أن نقودك لن ترد اليك في هذه المرحلة المتأخرة".
" لا يهم".
وأنتابها تعب شديد فيما تقبلت خداع بارت وروك وقد أحتارت , كما أدركت بالغريزة أن بارت يعرفها أينما وجدها , وعلى رغم هذا الأعتقاد , لم يكن في وسعها أن تشارك في رحلة الصيد بمفردها أذ لا طائل من وراء ذلك علما بأنها أقرت أن الصورة بدت أكثر أشراقا وجاذبية لبضع ساعات خلت , أي عندما ركبت الطائرة وهي تتوقع أن تلتقي بارت وجها لوجه في أي لحظة.
" علي أن أعود الى منزلي بأقصى سرعة".
ولدى عودتها , سيكون لديها الكثير مما تقوله لزوجها , فهي ترى أنه وبارت تصرفا بخسة أتجاهها وخدعاها , وللمرة الأولى خلال سنوات وصلت الى حد اليأس أعترفت معه أنها في الحقيقة ليست سوى موظفة وأن لا شيء يلزم رب عملها بأطلاعها على تحركاته , وقال الدليل :
حسنا يا آنسة مايسون , أذا كنت تصرين على العودة , فسأعمل على ترتيب سفرك".
ألتفتت الي كيم بأمتنان وقالت:
" أشكرك كثيرا , أنك لطيف للغاية".
" لا داعي للشكر , غير أنني آسف لعدم أقتناعك بمرافقتنا ".
وأرتاحت كيم لأنه لم يحاول زيادة ضغطه عليها وهو يضيف:
" ولكن , الى أن تعودي , عليك أستئجار غرفة تبيتين فيها ليلتك كما لو أنك كنت ترافقينا".
وصعدت كيم للتو, ونامت نوما متقطعا من دون أن تكلف نفسها عناء النزول لتناول العشاء , وفي الصباح التالي , أعلمت أنها لن تستطيع العودة قبل ثلاثة أيام , فهتفت مرتعبة:
" ثلاثة أيام ,ما هذا؟".
رد الدليل :
" ليس هناك أي رحلة طيران قبل ذلك".
عضت كيم شفتها بقسوة وهي تصد دموع الأحباط والخوف التي تجمعت في مؤخر عينيها , أين هو بارت؟ آه , لا شك أنه سالم ومعافى , وروك يعرف مكانه.
ولما عادت الى غرفة نومها , قالت بلهجة حادة :
" أنني أكره روك , كيف يجرؤ أن يخدعني هكذا؟".
وأنتصبت واقفة أذ سمعت قرعا خفيفا على الباب , فصاحت:
" تفضل".
دخلت خادمة ملونة تحمل برقية , فقرأتها كيم وقالت:
" أشكرك".
وبعد ثلاث دقائق تحدثت عبر الهاتف مع زوجها , الذي سأل بغضب :
" أخبريني بحق السماء ماذا تقصدين بتصرفك المجنون هذا؟".
ردت عليه بغضب يعادل غضبه:
" وبحق السماء قل لي أيضا ماذا تقصد أنت وبارت بخداعكما لي؟ أين هو؟".
" لا تخافي ولا تقلقي".
" أين هو؟".
لاجواب , شعرت كيم أن دقات قلبها ستتوقف , وأخافها نبض قلبها المتسارع كثيرا , فسألت:
" أنه... أنه ليس....".
كلا , أنه بخير , لقد عرفت أنه بخير , وعادت تقول:
" أصر أن أعرف أين هو".
" كيم , سأحضر اليك اليوم , لقد تسلمت أشعارا يفيد بأنني حجزت مقعدا على الطائرة المتجهة الى جوهانبورغ , وأنا الآن في فندق قريب من المطار".

أمل بيضون 08-03-10 06:58 PM

صاحت كيم على نحو هستيري :
" أين هو بارت؟ هل تظن أنني أكترث سواء كنت ستحضر الى هنا أم لا لتصطحبني الى البيت؟ أنني سأركب الطائرة بعد ثلاثة أيام , ولذا لا سبب لتجهد نفسك بالقدوم الي , أن كل ما يهمني هو معرفة مكان بارت , ما الهدف من السرية ؟ أريد أن أعرف أين هو".
" حسنا , سأخون عهدا قطعته له , لكنني أشعر أنني معذور , لقد دخل بارت مستشفى في دربان حيث سيجري عملية جراحية لقلبه".
ساد صمت طويل معبر قبل أن تصيح كيم وهي ترتجف:
" المستشفى؟ لماذا..... لماذا لم .... لم تخبراني أنتما- أنتما الأثنين بذلك؟".
" هذه هي رغبة بارت , لم يرد أن يزعجك بعد زواجك مباشرة".
وصمت قليلا قبل أن يضيف:
" سأشرح لك يا كيم كل شيء يتعلق بالقضية عندما أراك لاحقا اليوم , وحسب تقديراتي , سأكون معك في وقت العشاء".
" حسنا".
أعادت السماعة الى موضعها , ولم تفه بأي كلمة أخرى , ثم تساءلت كيف عرف روك مكانها , وسرعان ما أدركت أن عليه أن يقصد مكتب وكيل السفر , فيحصل منه على كراسة تقول بأن الرحلة تنطلق من فندق لاندروست في جوهانسبورغ , ولعله, في أي حال, تذكر ذلك من الكراسة التي أحضرها لبارت , هذا أذا كلف نفسه عناء قراءتها , ثم نبذت كيم هذا الأحتمال لسبب واحد هو معرفة روك أن بارت لم ينو القيام برحلة الصيد.
وأتصلت كيم بالمستشفى في دربان بعد أن عثر دليل رحلة الصيد على رقمه , وكل ما عرفته هو أنه سيخضع للعملية في اليوم التالي , ولم تعط مزيدا من المعلومات .
وصل روك عند السابعة والنصف , فألتقاها في البهو حيث أنتظرته , وحياها بغضب:
" أيتها الحمقاء الصغيرة , ماذا قصدت من وراء كل الخوف والغضب الذي سببته لي؟".
أتقدت عيناها غضبا:
" ألا تستحي حين تذكر عبارات الخوف والقلق أمامي وقد خدعتني بهذه الطريقة وأشقيتني في أعداد حقيبة و....".
قاطعها ببرودة:
" هل يمكننا أن نكمل هذهالمشاداة الكلامية في غرفتك؟".
أتجهت كيم نحو المصعد , وبعد دقيقتين تواجها داخل غرفة نومها حيث قال روك:
" في ما يتعلق بهذه الحقيبة الملعونة , أؤكد لك أنني لم أعرف ماذا كنت تفعلين , ولو عرفت , لحبستك وأقلتى عليك الباب يا عزيزتي".
شحب لون كيم , وخفق قلبها بعنف نتيجة أنفعالاتها :
" ألست شديد التفاؤل ! أوتعتقد حقا أنك تستطيع سجني , ولا أجد مخرجا؟".
أستدار بعصبية وقذف بمعطفه الواقي من المطر على سريرها , ثم سألها ببرودة:
"هل ترغبين بمعرفة الدافع لقرار بارت دخول المستشفى؟".
" طبعا".
توجهت كيم نحو النافذة حتى لا يرى روك الدموع التي ظهرت في عينيها أذ لا ينبغي أن يعرف عمق الجرح الذي أصابها نتيجة علاقتهما , على أنها تصورت أن لقاءهما في البهو , حيث أنتظرته ساعة على الأقل , سيتسم بالود , وتعهدت لنفسها أن تتصرف معه بود , وأن تصغي الى أي تفسير يعطيه لسلوكه المشين وخداعه أياها , ألا أنه دخل مسرعا , والغضب يعلو وجهه ووصفها بالحمقاء الصغيرة , ولم يكن هناك بد من الرد عليه خصوصا أنها كانت هي الفريق المظلوم في كل العملية .
" ما الذي جعل بارت يقرر دخول المستشفى؟".
أعقبت كلمات كيم فترة من الصمت المطبق , ثم تكلم زووجها , فأصغت اليه , وأضمحل شعورها بالظلم والأذى , ثم أستدارت على مهل وهي تهز رأسها بذهول :
" لا بد أنك شككت في صحة أقوال الطبيب , فأتصلت بأختصاصي القلب الذي تعرفه في دربان , أذن , فأنت الذي رتبت كل ذلك منذ البداية؟".
أطرق روك وقد أسند ظهره الى الخزانة وأدخل يديه في جيوب بزته , فيما علا وجهه المسمر الوجوم.
" قلت أنك أحضرت هذا الأختصاصي ليفحص بارت , ولكن , متى؟".
" في أحد الأيام التي أرسلك فيها بارت الى تنغافيل لأحضار بعض الكتب والحاجيات الأخرى , وكان أختصاصي القلب هذا قد وصل بالطائرة في اليوم السابق وأقام معي في مسكني لوساكا , وكما قلت , فأن بارت هو الذي أصر على أخفاء الحقيقة عنك , وقد أظهر تشددا بالغا في رفضه تعريضك لأي شعور بالقلق عليه , فأخذت الطبيب الى مسكن كاتانيا حيث أخضع بار ت لفحص دقيق قرر بنتيجته أن هناك مجالا لأجراء العملية , علما بأن بارت من جهة ثانية قد يفارق الحياة وهو على طاولة العمليات , أما بقية القصة , فتعرفينها لأنني رويتها لك".
قالت وكأنها تحدث نفسها :
" كان ذلك قبل زواجنا".
تطلع روك اليها مستفسرا , وقال:
" حدث ذلك قبل زواجنا بالتأكيد ,ولكن , أحب أن أعرف ما الفرق في ذلك".
تنهدت كيم , ودنت منه خطوة أخرى قبل أن تقول وقد أبيضت شفتاها:
" أذن, كنت تعرف قبل زواجنا أن أمام بارت فرصة للبقاء حيا؟".
أجاب بعبوس وتجهم:
" أجل , على أني آمل يا كيم ألا أتعرض لمجموعة من كلماتك وأسئلتك المبهمة".

أمل بيضون 08-03-10 09:25 PM

كان يمكن أن تبتسم كيم لقوله الذي ذكرها بروك القديم وتهكمه ونظرته اللائمة اليها , ألا أنها لم تبتسم , بل قالت بهدوء:
" أسمع , لقد عرفت أن بارت طلب منك الزواج بي....".
" أنت تعرفين ؟ كيف؟".
" لا تشغل بالك بالطريقة التي عرفت بها ذلك الآن , بل قل لي يا روك لماذا تزوجتني".
نظر روك الى كيم وقد ضاقت حدقتاه وظهر الأرتباك فيهما هنيهة , وما لبثا أن أتسعتا تدريجيا حين بدأ روك يفهم بعض الأمر , وقال وهو يرفع يده بحركة آمرة تمنعها من مقاطعته:
" قلت الآن أنني تزوجتك بناء على طلب بارت , الآن أصبح عندي مبرر للقول بأن عقلك البسيط جعلك تقررين أنني تزوجتك حتى أرضي بارت ..".
ثم توقف ليضحك ضحكا عاليا أجبرها على أن تصم أذنيها بيديها , وقال:
" هكذا تتصورين أنني رجل يتصرف بمثل هذه البلاهة؟".
هزت كيم رأسها , وأنزلت يدها الى جنبها وهي تجيب:
" كلا... يا روك...".
وتقدمت خطوة أخرى بأتجاهه , لكنه ظل واقفا في مكانه بصلابة وصرامة وقالت:
ط آه , أظن أنني أرتكبت ... أرتكبت خطأ ...".
بلعت كيم ريقها المتجمع في حلقها وأضافت:
ط شنيعا".
شد روك ذراعيه الى جسده , ثم أمرها:
" تعالي الى هنا".
ولما لم تتحرك , هددها بالقول :
" كيم ,أنني مستعد لضربك ضربا يوجعك مدة أسبوع , فتعالي الى هنا".
أطاعت فورا , وقد تغير لونها بسرعة , وقالت جوابا على أستفسارها :
" أنني آسفة".
" آسفة , هل تظنين أن كلمة واحدة صغيرة تكفي لأزالة كل المعاناة التي فرضتها عليّ؟ صدقيني يا كيم أنن سأجبر نفسي بعد عودتنا الى المنزل أن أزرع فيك بعض الأحساس , أما الآن , فقولي لي فورا كيف عرفت أن بارت طلب ألي أن أتزوجك". وأخيرا أدركت أن رافيلا أرادت أن أتنصت عليها ".
هكذا أنهت كيم كلامها وهي تتمنى لو تشيح بنظرها بعيدا عن وجه زوجها العابس , ألا أنها لم تجرؤ مخافة أن ينفذ تهديده , وقال ساخرا:
" أنه لذكاء خارق أخيرا حقا أن رافيلا أرادت أن تتنصتي عليها , وهل يمكنني أن أسأل لماذا لم تحضري الي وتستوضحي الأمر مني ؟ أذكر أنني طلبت منك أطلاعي على ما كنت تفكرين به ذات مرة , ولو أنك فعلت, لجليت أمورا كثيرة".
" أجل .... لقد فعلت , ولأتمنى لو ... لو أنني أكترثت لك...".
وتوقفت قبل أن تصيح صيحة أحتجاج أذ هزها زوجها الذي لم يستطع السيطرة على أعصابه , هزا عنيفا فأصطكت أسنانها , ثم قال:
" أخبريني بقية القصة , أخبريني بكل شيء حتى نستطيع الرجوع الى البداية من جديد".
أرتعشت كيم وقد بللت الدموع أهدابها :
" ليس هنالك ما يذكر سوى أنني كنت عازمة على هجرك فور ... بارت".
هزها ثانية بحيث تذكرت قوله أنها ستندم أن هي أغضبته , وقال متسائلا:
ط تهجرينني ؟ تهجرينني , أليس كذلك؟ وبهذا تفضحينني أمام أصدقائي , صدقيني أنني كنت سأسترجعك بطريقة تمنعك من العودة الى هذه المجافة".
فتحركت مبتعدة وقالت بعد أستردادها شيئا من النشاط:
" أذا تابعت تهديدك لي بأستعمال العنف ضدي , فأنني لن أعود الى ... اليك".
" لن تعودي؟".
" لا ... بل أقصد ... الآن".
" هل ترغبين في الأنفصال؟".
" الأنفصال؟".
ولم يكمل الفريقان تفسيراتهما ألا بعد وقت طويل وذلك أثناء العشاء على ضوء الشموع في زاوية منعزلة من مطعم الفندق , فعلمت كيم أنه على رغم طلب بارت من روك أن يتزوجها , فأن الأخير أكد للأول أنه واثق أن كيم هي الفتاة التي خلقت له , وقال روك بأبتسامة ندم ونظرة حنو قابلت نظرة كيم عبر الطاولة :
ط أقر أنني قاومت ميلي للزواج بك , لأن عزوبيتي كانت مريحة وخالية من التعقيدات فلم أرغب أن تقتحم أي أمرأة حياتي , غير أنني سرعان ما أدركت صعوبة تجاهل تأثيرك علي , وعلى رغم مقاومتي , فقد عرفت أن معركتي لا بد خاسرة".
وألتمعت عينا روك مرحا أذ علت وجه كيم الحمرة فيما قهقهت قائلة :
" كم أنا سعيدة لأنك خسرت المعركة يا روك".
" وأنا كذلك يا حبيبتي".
" فقط لو كان بارت بخير .... لأصبح العالم من حولي غاية في الكمال".
" ليس بوسعنا يا حبيبتي ألا أن نعيش بالأمل , أما أذا أخفقت العملية فسأكون أنا زوجك بجانبك لأواسيك كما سأفعل دائما في المصائب والصعوبات".
" أعرف ذلك يا روك, وأنني هنا لأواسيك أنت أيضا".
ولما فرغا من عشائهما , سارا قليلا في حديقة الفندق قبل أن يصعدا الى الحجرة حيث رقدا هانئين.
مر أسبوع كامل قبل أن يتلقيا الخبر الذي طال أنتظارهما له : بارت سيعيش .
ولما خرجت كيم من الجناح الخاص وهي تقفز لللحاق بزوجها في ممر المستشفى , قالت:
" ألا يبدو على ما يرام ؟ هل تعلم يا روك أنني لم أره في مثل هذا الشباب وهذه العافية على ما أظن ؟ وهذا كله من فضلك , فكيف يمكنني أن أوفيك حقك من الشكر؟".
أجابها روك بحماسة وهو يرجع رأسه الى الوراء ويحدق بحنو الى وجه زوجته:
"لا تشكريني , فقط , أقيمي على حبي الى األأبد".
ثم خرجا من المستشفى النظيف المكيف الى حرارة الشمس الأفريقية الساطعة , وهناك بلغ مسامع روك صوت زوجته الهادىء الخفيض وقد ملأته رنة الحب يقول:
" هذا أبسط ما يمكنني فعله طوال حياتي يا حبيبي, يا روك".


تمت

أمل بيضون 08-03-10 09:31 PM


بليز بليز بليز

:018::crazy:


أطلب من كل الأعضاء أوالقراء الذين يقومون بنقل الروايات التي أكتبها الى منتديات أخرى أن يذكروا بأنها منقولة .
للأمانة فقط.
يعني حرام حدا يتعب بالكتابة وحدا تاني ينقلها لغير منتدى وتنزل بأسمه

خريف الحب 08-03-10 11:25 PM

مشكووووووووووووووووووورة امولة وطلبك هذا من حقك وراح يتنفذ انشاءالله..

عيون2008 01-07-10 10:21 PM

قرأت الروايه من قبل واعجبتني شكرا لك علي تنزيلها في المنتدي

فتاه القمر 02-07-10 02:14 AM

ميرسى جدا على الرواية الروعة :amwa7:

المحققة 667 18-07-10 09:48 PM

ميرسي كتييييير..:13b:الرواية حلوة كتييييير:amwa7:

سنسفورة 24-10-10 04:14 PM

شكراااااااااااااااااااااا اااااااااااا

nonaa67 04-01-11 03:15 PM

تسلمى مولى الروايات القديمة دائما الاروع والاحلى

خفايا الشوق 05-01-11 02:33 PM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

خفايا الشوق 05-01-11 02:35 PM

يسلمووو على الروايه الرائعه

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

مني عبد الله 05-01-11 04:29 PM

,‘
أتمنــــى لكـ من القلب ..
إبداعـــاً يصل بكـ إلى النجـــوم ..
دمتـــي براحـــة بــــالـ..

https://desk.blueidea.com/QTZY/GIF/gif_icon/148.gif

nasree 08-03-11 01:56 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

chcolata 08-03-11 03:58 AM

يسلمووووووووووو رائعة


الساعة الآن 06:46 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.