شبكة روايتي الثقافية - قلبى ليس للبيع

قلبى ليس للبيع

صدقونى ... لست أدرى كيف أبدأ قصتى هذه ! ...

بل لست أدرى حتى كيف يمكن أن يكتب شخص ما قصته , ويخطها على الورق ! ...

كيف يمكن أن يحول مشاعره إلى كلمات ؟! ...

كيف يفرغ عذابات أعماقه فوق أوراق جامدة , لا تشعر أو تبالى , أو تتفاعل مع آلامه ومرارته ؟! ...

كل ما يمكن أن يشعر به الورق هو دموعى التى تتساقط فوقه , لأن مواضع سقوطها عليه ستتجعد وتتغير وتفسد سطحه المنمق الأنيق ..

ولكننى لا أجد بديلاً عن الكتابة ..

لا بد أن أروى قصتى لأحد , قبل أن تتصاعد نيران قلبى أكثر وأكثر , وتلتهم كيانى كله ..

لا بد أن يعرف شئ ما , ما فعلته بقلبى ونفسى وحياتى ..

ولن أجد من يحفظ سرى ويصونه سوى الورق ..

وحده سيستوعب فى مساحاته كل كلماتى , دون أن يفشى سرى .

دون حتى أن يقاطعنى ..

أو يلومنى ..

أو يسخر منى ..

الورق وحده سيحتمل اعترافى , الذى سأخطه عليه بكل صراحة ووضوح و ...

ومرارة ...

ثم إنه لن يعارض قرارى فى النهاية ..

فإما أن أحتفظ باعترافى هذا فوق الورق أو أمزقه , وأشعل فيه النيران ..

إنه قرارى وحدى ..

بعد أن أنتهى من اعترافى ..

ويا له من اعتراف !! ...

هيا .. خذى كلماتى أيتها الأوراق , قبل أن تنهار أعماقى , وأعجز حتى عن الكتابة .

فى البداية دعينى أقدم لك نفسى ..

اسمى ( هبة ) ..

ولا تسألينى عن باقى الاسم ..

يكفيك اسمى أنا ..

( هبة ) ..

كل ما يمكننى أن أخبرك به عن أسرتى هو أنها أسرة كبيرة ..

شهيرة .. معروفة .. وثرية .

وهذا الثراء الفاحش – كما يقولون – هو أساس مشكلتى ..

أو فلتقولى .. مأساتى ..

فأنا أيتها الأوراق من تلك الفئة , التى يقال : إنها ولدت وفى فمها ملعقة من ذهب ..

بل ولن أبالغ لو قلت : إنها لم تكن فقط ملعقة ..

لقد ولدت وفى فمى طاقم كامل من الذهب والماس وكل الأحجار الكريمة المعروفة ..

وأحيط مولدى بحفاوة بالغة , عبرت عنها الصور الضوئية , وشرائط ( الفيديو ) المسجلة , التى شاهدتها فى حداثتى , والتى ملأت نفسى بالزهو والفخر , وجعلتنى أتصور نفسى كأميرة من أميرات الأساطير , التى أشاهدها فى أفلام ( والت ديزنى ) التى تفتحت عينى لأجد مجموعة كاملة منها فى مكتبتى ..

فوالدى ووالدتى ينتميان إلى عائلتين بالغتى الثراء , ولقد تم زواجهما , مثلما يحدث فى هذه الطبقة , كإجراء اقتصادى لدمج الثروتين , وكخطوة تجارية لإنشاء إمبراطورية مالية تسد عين الشمس , كما يقول العامة ..

ولخمس سنوات كاملة , لم ينعم الله ( سبحانه وتعالى ) عليهما بالإنجاب , على الرغم من تأكيد كبار الأطباء فى ( مصر ) والعالم على أن كلاً منهما طبيعى , ولا يوجد ما يمنعه من الإنجاب ..

ثم فجأة وبعد أن بدأ اليأس يتسلل إلى نفوس الجميع , أعلنت أنا عن وجودى على نحو درامى ..

فكما روت لى جدتى فيما بعد , كان أبى وأمى يحضران حفلاً رسمياً فى سفارة دولة كبيرة , وكانت أمى تهم بشرب كوب من العصير الطازج , عندما أطلقت فجأة شهقة مكتومة , ورفعت يدها إلى فمها , ثم أسرعت إلى الحمام ؛ لتفرغ كل ما فى جوفها مع آهة حارة ..

وفى منتصف الليلة نفسها , أعلن طبيب العائلة البشرى ..

وبعد ثمانية أشهر وستة أيام بالضبط من هذه الواقعة , أطلقت أنا صرختى الأولى فى هذه الدنيا ..

وكان من الطبيعى أن يقام لى حفل ( سبوع ) أسطورى , على الرغم من أننى أتيت أنثى , ولست ذكراً كما كان أبى وأمى يتمنيان ..

وبعد مولدى بقليل امتلأت نفس والدى باللهفة لإنجاب طفل آخر , وأيدت أمى لهفته هذه بلهفة مماثلة , ولكن كليهما أدرك بعد سنوات أربع أن هذا الأمل لم يعد ممكناً , وأن عليهما أن ينتظرا حملاً مصادفاً كما جاء حمل أمى بى ..

ولم يحدث هذا الحمل أبداً للأسف ..

ولهذا أصبحت الابنة الوحيدة , والمدللة لتلك الأسرة الشهيرة الثرية ..

ومنذ بدأت أعى ما حولى , انتبهت إلى أن كل طلباتى أوامر , وإلى وجود جيش من الخدم والحشم , لا هم له إلا تلبية أوامرى , واللهاث لإحضار كل ما أشير إليه , مهما كان صعباً أو عسيراً ..

أو حتى مستحيلاً ..

وشببت بالفعل كالأميرة , وحبانى الله ( سبحانه وتعالى ) بجمال طبيعى زاد من زهوى ونرجسيتى , وخاصة عندما ألمح نظرات الإعجاب والانبهار , فى عيون كل الشبان الذين ألتقى بهم , فى الأسرة أو النادى أو حتى فى كلية الآداب التى التحقت بها بعد عامين من الرسوب فى الثانوية العامة ..

والتحاقى بكلية الآداب هو البداية الحقيقية لقصتى ..

فهناك , التقيت بـ ( عمر ) ..