شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.rewity.com/forum/f202/)
-   -   175- نور العمر - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة(كتابه/كامله*) (https://www.rewity.com/forum/t135176.html)

أمل بيضون 30-10-10 06:46 PM

175- نور العمر - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة(كتابه/كامله*)
 
175- نور العمر - فيوليت وينسبير - روايات عبير القديمة
الملخص

ا

صاح قلبها (لا) للعاصفه التي ضربت حبها الأول, تركت عملها وسافرت الي جزيره أسبانية لتبقى قرب حبيب طفولتها بعد أصابته بالعمى, كرست أيامها للعنايه به وكانت له العين واليد والنور الذي شق الظلمة للبحث عن بعض الامل .


ألا ان رايك الذي كره الحياه بعدأصابته , زرع طريق أنجى بالأشواك فكانت مهمتها شبه مستحيلة ... وحربها مدمرة, حرب الضوء والعتمة , وسلاحها الوحيد حبها الذي مدها بالشجاعه وأفعم قلبها بالصبر , ولكن ألى متى؟وهناك أيزابيل فراندوس الجميلة التي أختارها والد رايك كعروس لأبنه البكر.


هل يسكت قلبها ولا يحتج حين يقرر رايك بأن أنجي صالحة كعروس لاخيه؟ ( لا ) لن تكون لسواه .


وتقرر أنجي الرحيل ولكن ألى أين ؟ قلبها المتعلق برايك رفض أن يخطو خطوة واحدهبعيدا عنه.




يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفييجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفييجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفييجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفييجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفييجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

أمل بيضون 30-10-10 07:20 PM

1- توأم الظلام

مع أقتراب اليخت من جزيرة بايلتار بدأت قمة جبلها تظهر في الأفق وترتفع وسط زرقة البحر المتوسط شامخة كمئذنة جامع عربي في الأندلس .
على سطح هذه الجزيرة أناس من جنسيات مختلفة أكثريتهم من الأسبانيين ذوي التأثير , الذين بنوامنازل لهم هناك فسكنوا الجزيرة وتحكموا بخبرتها وتجارتها.
أحست أنجي بمشاعر التأثر تنتابها وهي واقفة تراقب الجزيرة من اليخت , لقد غادرتها منذ ست سنوات طالبة في السادسة عشرة من عمرها , وها هي تعود أليها ممرضة قانونية متخرجة من أرقى الجامعات , لقد دعيت لتؤدي خدمة أنسانية رائعة في منزل كارلوس دي زالدو حاكم الجزيرة .
أنحرف اليخت بالركاب بأتجاه مرفأ الجزيرة الصغير وأثناء أنحرافه أنعكست أشعة الشمس على صفحة الماء , فألتمعت ببريق يأخذ الأنظار , أزاء شاعرية المشهد شعرت أنجي بحنين يشدها بقوة ألى هذا المكان , أن حنينها ألى هذه الجزيرة لم تخف وطأته بمرور السنوات الست التي قضتها بعيدة أناء دراستها , وتذكرت عندما كانت تأتي لتقضي قسما من عطلتي فصل الصيف وفصل الشتاء عند عائلة الحاكم.
كانت ماريا دي زالدو تدرس في أنكلترا في المدرسة نفسها التي تدرس فيها أنجي , ومنذ ذلك الوقت توطدت عرى الصداقة بينهما , وعندما أصبحت أنجي وحيدة بعد وفاة عمتها كيت , كان للدعوة التي وجهتها عائلة مايا لها للبقاء معها أطيب الأثر في نفسها , فقد أحست فورا برابط قوي يربطها بهم وشعرت بأن المنزل الأسباني الكبير الذي يقيمون فيه هو أجمل مكان في العالم على الأطلاق , لقد كانوا من أكثر أرستقراطيي الجزيرة تأثيرا ونفوذا ,وكان دون كارلوس نسخة عن نبلاء أسبانيا , يعيش مع أولاده بترف.
الأسبوع الماضي أختلطت ذكرياتها عن بايلتار بمشاعر مؤثرة عندما أتصلت بها مايا بالهاتف وأخبرتها بأن رايك دي زالدو أصيب بجراح بالغة في مهمة عسكرية في بلاد الباسك ( مقاطعة أسبانية مضطربة تقع في شمال أسبانيا قرب الحدود مع فرنسا ) ونقل ألى منزله وهو بحاجة لرعاية ممرضة.
قالت لها أنجي بعصبية وهي تضغط على سماعة الهاتف:
"أخبريني كل شيء ".
فأجابتها مايا بصوت مخنوق يلفه اليأس :
" أنه حادث مروع , أصابته شظايا القنبلة في وجهه ورأسه , لقد فقد بصره يا أنجي ".
كانت أنجي تسترجع شريط الذكريات وتحدق في اليم فيما يقترب اليخت بها من اليابسة , أنها تتذكر رايك جيدا , وكيف يمكنها أن تنساه ! لقد أقتنعت خلال تمضيتها آخر عطلة في منزل والده , أنها لن تلتقي أبدا مرة أخرى برجل يحتل قلبها مثله.
أنها تشعر بكل دقة مضطربة من دقات قلبها , فيما تسير بها سيارة التاكسي ألى المنزل عبر طريق مستقيم من ساحة الجزيرة الكبرى وحيث تنتشر المقاهي التي يجلس فيها الناس يشربون القهوة ويتبادلون الأحاديث.
على جانبي الطريق تنتشر المحلات والأسواق حيث كانت تتنزه مع مايا تحت أشعة الشمس , حينها لم يكن في الأفق ما يشير ألى أنها ستعود ثانية ألى بايلتار في ظروف محزنة , فيما سيارة التاكسي تقترب من منزل دي زالدو عبر مناظر طبيعية تخطف الأبصار , تساءلت أنجي في قرارة نفسها عما أذا كانت ستشعر بتبدل في مشاعرها عندما ترى رايك ثانية , لقد كانت غالبا ما تفكر به خلال عملها في المستشفى في أنكلترا .
أنعطفت سيارة التاكسي وسلكت طريقا تؤدي صعودا ألى كازيرا دي نوسترا حيث كانت أشجار النخيل تغطي مساحات واسعة من الأراضي بكثافة , حاجبة عنها أشعة الشمس الحارقة , ثم دخلت في طريق متعرج يمر عبر حديقة المدافن وهي حديقة واسعة جدا , كان من الواضح أن حب الجزيرة قد تأصل في نفس أنجي تماما , كحبها للأبن الأكبر لحاكم الجزيرة , هذا الحب بقي في طي الكتمان منذ نشأته فلم يعلم به أحد وعلى الأخص رايك .
بعد مرور ساعة من الزمن على مخابرة مايا دي زالدو لها , تدبرت أنجي أمرها مع مسؤولي التمريض حيث تعمل , وأستطاعت أن تستحصل على أذن بالذهاب ألى جزيرة بايلتار لتعتني بالرجل الحاضر أبدا في ذاكرتها , لقد كانت متأكدة تماما من جهل رايك لحقيقة مشاعرها نحوه , فأثناء فترة مراهقتها كانت تخجل منه وترتبك في حضوره , وخلال تلك الفترة بدا لها ناضجا ومنطويا يحب الأنفراد والتأمل .وعى أولاد كارلوس دي زالدو منذ البداية أهمية دور والدهم في جزيرة بايلتار , ومع ذلك وجدتهم أنجي بعيدين عن الغرور والتكبر , وكان طبيعيا في هذه الناحية , أن يميل طبع رايك قليلا نحو التعالي , فهو أبن حاكم الجزيرة , بالأضافة ألى نزعته نحو الأنفراد والسوداوية الرومنطيقية.

غلا البحرين 30-10-10 07:59 PM

مبين ان الروايه حلوه

في انتظارج حبيبتي

أمل بيضون 30-10-10 10:08 PM

كان رايك بهي الطلعة , فاحم الشعر ثاقب النظرات , يمشي بطريقة هادئة ومتزنة كفارس نبيل , لم تكن أنجي تتصور بأن شخصا يتمتع بكل هذه الصفات يمكن أن يصاب بالعمى ويفقد أتزانه ..... أنها ترفض في أعماقها أن تراه على هذه الصورة , ترفض أن ترى رايك الفائض حيوية وثقة بالنفس والمشحون بالقوة والشجاعة يتحول ألى شخص عاجز وبحاجة ألى مساعدة مستمرة.
توترت أعصابها عندما لاحت فيللا دي زالدو في الأفق بجدرانها البيضاء وبرج المراقبة العالي الذي لا يتواجد فيه الحرس بأستمرار .
وفيما كانت تحدق بالمنزل ولجت السيارة المدخل الرئيسي , فقفز أحد الحراس فورا من غرفة الحراسة وأمرها بالوقوف سائلا عن سبب الزيارة.
خفضت أنجي زجاج السيارة وأطلت برأسها معلنة عن أسمها له فتغيرت تصرفاته فجأة وسمح لهما بمتابعة طريقهما ألى الداخل عبر طريق معبد وسط مرج أخضر.
كانت الساحة أمام الفيللا مسيجة والنوافذ مقفلة والسكون يلف المكان , لم يتغير شيء بالنسبة ألى أنجي , ولم ينتقص مرور الزمن من سحر الماضي , ما أن خرجت من السيارة ووقفت في الساحة حتى أستعادت صور الماضي الجميل وتذكرت أوقات اللهو التي قضوها في برج المراقبة العالي وعلى درجات سلمه , وهو أحد أمكنتها المفضلة للهو في هذا المنزل , كانت الحديقة الغنّاء التي تتوسطها بركة من الرخام مبنية بشكل دائرة ومليئة بالسمك المتنوع الأشكال والأحجام والألوان , وقرب البركة تنتشر مقاعد من الخيزران ومنضدة من الزجاج الأخضر اللون , أن شاعرية هذا المكان وهدوءه كانا يستهويانها على الدوام .
تركت سيارة التاكسي المكان , وفجأة زالت رغبتها بالتأمل وبأستعادة بعض الذكريات , فهي بحاجة لبعض الدقائق تقضيها وحيدة , تستجمع خلالها قواها وتتحضر لمواجهة رايك وجها لوجه , لن تواجهه فقط كممرضة بل أيضا كأمرأة تهتم لأمره , وهذا الأمر ليس سهلا بالطبع لأنها لن تواجه الضابط العسكري الواثق من نفسه بل رجلا شارفت مهنته العسكرية على نهايتها بعد أن أصيبت عيناه وفقد بصره.
وأخذت تسترجع في ذاكرتها الحديث الذي دار بينها وبين مايا على الهاتف , لقد قالت لها أنجي :
" هل تأكد الأطباء نهائيا من فقدانه البصر؟ ربما لم تصب أعصاب العين بأذى , أذ ذاك يكون العلاج ممكنا وتصبح المسألة مسألة وقت , مع قليل من العناية والصبر قد.......".
" لقد قال الأطباء لأبي بألا يتوقع المعجزات...".
ثم أنفجرت بالبكاء على الهاتف مما دفع بأنجي للبكاء هي أيضا لشدة تأثرها , ثم تابعت مايا قائلة :
" .... آه يا أنجي , أكاد لا أحتمل النظر أليه!".
" لا , لا تقولي هذا يا مايا , أرجوك".
" لقد تضرر قسم كبير من وجهه , وقال الأطباء أنهم سيضطرون لأجراء جراحة تجميلية له , وأكدوا أن الجروح ستبقى ظاهرة للعيان رغم هذه الجراحة , أن قلبي يكاد ينفطر أسى وحزنا عندما أراه عل هذه الصورة! يا ألهي, ما الذي فعله رايك ليستحق كل هذا؟
وأنقطع حبل أفكارها فجأة عندما سمعت صوتا يناديها , فألتفتت وأبصرت مايا تركض نحوها معانقة وقائلة :
" شكرا لله على حضورك".
فسألتها :
" كيف حاله؟".
" لقد... تغير كثيرا , أصبح شاردا وساخرا لا يترك لأحد مجال الأقتراب منه , في أغلب الأحيان يجلس في الحديقة محدقا في البركة كمن يرى الأسماك فيها , يخيل لمن يراه على هذا الحال أن الأفكار تدور وتدور في رأسه ولا تترك مجالا للراحة , في الليل أسمعه عندما يتعثر أثناء سيره ,لم يتعود على هذا الوضع بعد , وقد وقع أرضا مرات عدة , أذا حاولنا مساعدته يثور ويتفوه بكلام مؤذ ولاذع , الله فقط يعلم كم كان واثقا من نفسه ومتأكدا من كل ما يقوم به , أنجي , أنت لا شك تتذكرين كيف كيف كان , أليس كذلك؟".
نعم , كانت أنجي لا تزال تتذكر رايك تماما فقالت وهي تغالب دموعها :
" هل عرف بأنني سأكون ممرضته؟".
فأومأت مايا بالأيجاب وبدا لأنجي أنها تعض شفتها حزنا وألما فقالت لها:
" يبدو لي أنه ليس موافقا على هذا الموضوع , أليس كذلك ؟".
أن رايك ذو أنفة وضرورة وجود شخص ما ألى جانبه ليراقب خطواته ويساعده على التغلب على فقدانه لحاسة النظر , سيثير غضبه دون شك , ولكن لا بد من وجود هذا الشخص لكي يراقب أصابته وليتأكد بصورة دقيقة وبأستمرار بأن الجروح لم تتسبب بمضاعفات خطيرة.

أمل بيضون 30-10-10 10:32 PM

سوف يزودها الأطباء الذين أشرفوا على علاجه بتفاصيل وضعه الصحي , ولكن خبرتها كممرضة ذكّرتها بأن مضاعفات جروح الرأس غير مأمونة العواقب ولا يمكن التنبؤ بها خاصة عندما تكون الضحية قد أصيبت بشظايا قنبلة.
حملت أنجي حقيبتها وسارت مع مايا ألى داخل الفيللا وما أن أصبحت في الداخل حتى أشتمت رائحة سيكار سيغاريللو من النوع الذي يفضله الأسبانيون , قالت لمايا:
" أشعر كما لو أنني كنت هنا بالأمس".
" لماذا بقيت بعيدة عنا؟ لم تكوني دائما مشغولة لدرجة تمنعك من زيارتنا".
فضحكت أنجي وأجابتها :
" أنت لا تعرفين مدى صعوبة عمل الممرضة ".
ولم تجرؤ عل القول أكثر من هذا , ثم لو أرادت , ماذا يمكنها أن تقول لمايا . أتقول لها بأنها أبتعدت عنهم بسبب رايك , وأنها بسببه أيضا عادت أليهم , وقفت الفتاتان في بهو المنزل تتحدثان , وجال نظر أنجي على أثاث المنزل , كانت الأرض مفروشة بسجاج شرقي غني الألوان يتزاوج بروعة مع أثاث المنزل الداكن اللون.
ثم أخذت أنجي تتأمل مايا بشعرها الداكن المعقود ألى الخلف في تسريحة رياضية تبرز جمال عينيها.
فجأة قالت مايا:
" يبدو أنك كبرت , وأصبحت تليق بك مهنة التمريض , أنا لا أستطيع أن أعبر لك عن فرحتي بقدومك ألينا , قد يسمح لك رايك بمساعدته".
وأبتسمت أنجي بتصنع للتخفيف من الأضطراب الذي بدا على صديقتها وقالت :
" سوف أصر على هذا الأمر , لقد تعلمت أن أكون صارمة مع المرضى الذين يظهرون عنادا".
" غريب أن تصبحي ممرضة".
" وتابعت مطرقة:
" كان أبي يحبك على الدوام , على الأرجح لأنك تشبهين أمي ألى حد بعيد بسبب لونك ".
" أنا أتذكر تماما كيف كانت تبدو أمك من خلال الصور , كانت أجمل مني بكثير".
ثم نظرت من أحدى النوافذ تتأمل شمس المغيب وأستطردت قائلة :
" أنا سعيدة لأن المنزل لا يزال على حاله , لا يبدو أن شيئا تغير هنا".
" لا , و..... طبعا بأستثناء رايك".
وجالت مايا بنظرها على نوافذ الحديقة الداكنة اللون فأيقنت أنجي أنه موجود في الداخل فسألت مايا بلهفة:
" متى سأراه ؟ هل تم أبلاغه بأنني سأصل اليوم ؟".
أومأت مايا برأسها أيجابا وتابعت قائلة :
" أنه لا يجتمع بنا عند الغداء , فهو لا يزال حساسا أتجاه واقعه لذلك يفضل أن يتناول طعامه وحيدا في غرفة الجلوس , وأحيانا في الحديقة , أنه هناك الآن".
" أستطيع أن أشتم رائحة السيغاريللو , هل أذهب أليه الآن ؟ علينا أن نواجهه عاجلا أم آجلا".
نظرت مايا أليها بعينين حزينتين وقالت :
" لم تتصوري أبدا أنه من الممكن أن تعودي ألى الجزيرة في ظروف محزنة ألى هذه الدرجة , أليس كذلك ؟".
"كنت أتمنى كل شيء ألا هذا".
كانت تعرف سلفا بأن رؤيتها لرايك على هذه الحال ستؤلمها وتحزنها فطلبت من الله أن يساعدها على تخطي مصاعب النصف ساعة المقبلة , لقد كان بالنسبة أليها رجلا بكل معنى الكلمة : طويل القامة نحيلها , وخطرا ألى درجة أصبحت تقدرها الآن بعد أن تخطت مرحلة المراهقة .
جذبتها مايا من يدها وسارت بها نحو الحديقة المقفلة وقالت لها :
"هيا , تعالي وألقي عليه التحية".
ما أن تقدمت عبر الباب حتى أنبعثت رائحة السيغار بشدة ممتزجة برائحة الورود التي تزين الحديقة على مدار السنة .
ومن الحديقة شع ضوء خفيف, وما أن أصبحت في الداخل حتى أدار الرجل الجالس على الكرسي في وسط الحديقة رأسه , تراءى لها فجأة أن العينين تحاولان البحث عن شيء ما دونما جدوى وشاهدت مدى الضرر الذي أحدثته الشظايا في الوجه وحدقت وهي مشدوهة برأسه عند الصدغ حيث أجريت له الجراحة لأستئصال الشظايا , لقد سبق وشاهدت حالات أشد خطورة , لكن المصاب هنا هو رايك , شعرت فجأة برغبة في الركض أليه وأحتضانه بذراعيها .
" من هنا؟".
" هذه أنا , مايا".
" من معك؟".
أتجهت مايا صوب شقيقها رايك وأنحنت عليه وقبلته ثم قالت له ضاحكة :
" حاول أن تتكهن يا صديقي ".
أشاح بوجهه عن شفتيها بحدة وبحركته هذه أستطاعت أنجي أن ترى عينيه , لم يلحقهما أي ضرر خارجي وما زالتا على بريقهما المعتاد وحدّتهما , لقد أحست فجأة بأن القنبلة لم تستطع , وأن زالت حاسة النظر , أن تزيل الجاذب المغناطيسي فيهما .

بنوته عراقيه 30-10-10 11:56 PM

يعطيك العافيه يالغاليه على المجهود

أمل بيضون 31-10-10 05:28 PM

قالت له أنجي باللغة الأسبانية التي ساعدها آل دي زالدو على أتقانها أثناء وجودها بينهم .
" رايك دي زالدو , لقد ألتقينا ثانية ".
فرد عليها بلغة أنكليزية سليمة :
" آه , لقد أتانا ملاك الرحمة , كما ترين , أنا في أيامي أعمى كخفاش في قبو وعلى حافة الجنون , أهلا يا أنجيلا".
توجهت نحو كرسيه ووضعت أنجي يدها برفق على كتفه قائلة :
" لا تغضب , فأنت تبدو مرتاحا هنا ,خرير الماء المتدفق في البركة يجعل من المكان واحدة راحة حقيقية لك".
فقال بعصبية ظاهرة:
"تماما , فأنا بقايا أنسان بحاجة للأسترخاء والراحة , فربما توقفت أذ ذاك عن رمي الأثاث من النوافذ , كيف حالك هذه الأيام؟ هل أنت مرتاحة ألى عملك؟".
" أنا مسرورة جدا من عملي يا صديقي".
كانت تود أستبدا عبارة ( يا صديقي) بعبارة لا تتضمن سوى أسمه رايك , لكنها أحست فجأة بالخجل , فهي , ومنذ فترة طويلة , لم تعد تلك الفتاة الصغيرة , لقد أحست فجأة بأنه يعتقد أنها عادت ألى هذا المنزل كمن يريد رؤيته في وضعه الجديد.
" كم تبدين متفانية , هل ستتألميم معي؟".
" لا , بل سأحاول أن أواسيك".
قال لها ساخرا :
" كيف , بأطعامي بعض الحلوى ".
" هذا أذا كنت تحبها ".
" وبعض الأكاذيب؟".
"لا".
" أيتها الممرضة , لقد بدأن لتوك بالكذب ".
" أنني لا أكذب على المرضى أبدا , هذه ليست عادتي ".
" أخبريني يا مايا, هل ستسه صديقتك على تغذيتي" وتابع مقهقها : " وتضربني عندما أمتنع عن الأكل؟".
فقاطعته مايا معترضة:
" لا تبدأ بمعاملتها بطريقة سيئة , لقد أصر الدكتور رومالدو على أن تعتني بك ممرضة , أنا أشكر المولى لأننا أستطعنا الأتصال بأنجي في الوقت المناسب , وألا لوجدت نفسك بين يدي تنين بدلا من يدي ممرضة".
فأجابها بلهجة ساخرة :
" عليّ أذن أن أتوقع من أنجيلا أن تعاملني برفق ! في كل حال تصرف كهذا لن يكون حكيما ".
ثم تابع موجها كلامه ألى أنجي :
"سوف أمزقك أربا عند أول هفوة فأنتبهي!".
" بأنتظار ذلك سوف أراقب خطواتك لئلا تتعثر أنت يا صديقي".
كانت أنجي متأكدة أن عليها أن تكون قاطعة معه فهذه هي الطريقة الوحيدة كي يتحسن نفسيا , أن أظهار مشاعرها الحقيقية أتجاهه ليس مفيدا له الآن.
أستوى رايك في مقعده وكان التوتر باديا عليه والقلق يطل من عينيه المطفأتين اللتين تحدقان بأنجي , فجأة قال لها:
" أذن , قررت أن تكوني نافذتي ألى العالم , أليس كذلك ؟ أيتها التعيسة , أنت شديدة البساطة لدرجة تحملك على الأعتقاد بأنني سأقبل هذا الأمر بكل بساطة ".
ثم تلمس وجهه وتابع قائلا:
" كان على هذه القنبلة أن تتابع معروفها معي وتجهز على ما تبقى مني , لم يكن من المفروض أن أبقى على قيد الحياة , الرجلان اللذان كانا معي نقلا ألى المستشفى وتوفيا لاحقا , أتظنان بأنني لا أعرف هذا؟".
" آه , رايك".
وأمسكت مايا بذراعه , لكنه , وبحركة عصبية تخلص منها وأنفجر قائلا:
" لا تعامليني كقاصر بحاجة ألى تهدئة! لقد أخرج الأطباء من رأسي شظايا كان بأمكانها أن تحولني ألى مختل عقليا , أنت تعرفين هذا وأنا أيضا , فلنتوقف أذن عن الأدعاء بأن المسألة مسألة وقت قبل أن أعود ألى حالتي الطبيعية , أنا غارق في ظلام دامس لا أتلمس طريقي فيه , ولا أحد منكم يستطيع أن يقدر هذا ومدى الألم الذي يسببه في نفسي " وتابع بمرارة : " أن هذا الظلام يزداد كثافة يوما عن يوم , ليل متواصل بدون أمل بأنبلاج فجر جديد , أنه نفق مظلم طويل لا ينتهي ! أنه قبري ومع هذا علي أن أبقى على قيد الحياة.....".
سمعت أنجي ما فيه الكفاية وأية كلمة زائدة ستفقدها أعصابها , فنهرته قائلة:
" أنت تخيف أختك , فكف عن هذا الكلام , أشكر الله على أنك لا تزال حيا وبأمكانك أن تشعر بحرارة الشمس وأن تسمع غناء العصافير , لا أشك للحظة بأن الجنديين الآخرين كانا يتمنيان أن يكونا مكانك الآن".
قال لها فجأة بهدوء يناقض تصرفه السابق:
" لا أعتقد أن أحدا في العالم يتمنى أن يقوده الآخرون بدهم أنجيلا , عندما يفقد الرجل حاسة البصر لا يعود للأشياء حوله أي معنى , لا يعود حتى للنساء في حياة الرجل الأعمى أي معنى , فالرجل عندما يعانق المرأة يحب أن ينظر في عينيها......".
قاطعته فجأة مايا وقالت له وهي تغادر الحديقة باكية:
" آه , رايك , لا تعذب نفسك هكذا , أنت تنشغل بأشياء ثانوية الأهمية في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها!".

أمل بيضون 31-10-10 11:08 PM

وجدت أنجي نفسها وحيدة مع هذا الكئيب الغاضب , وشعرت بأن هذا الرجل الجالس أمامها لم يبق فيه من رايك دي زالدو الحقيقي ألا الشكل الخارجي فقط هذا أذا لم تؤخذ بعين الأعتبار آثار الأصابة , كان من الصعب أن تصدق بأن هاتين العينين الجميلتين لا تريان الأشياء والألوان .
" مايا ما زالت طفلة , ولوالدي اليد الطولى في ذلك , أذ أعتنى بها بطريقة مميزة , ولكن أنت.... أنت أنجيلا عملت بين المرضى ويجب أن تتفهمي بعضا مما أقوله وأشعر به , بحق السماء , أنا لا أقدر أن أكوّن فكرة عنك الآن , أن ما أحتفظ به في مخيلتي عنك هو صورة تلميذة المدرسة الصغيرة , لذلك حتى الآن لم أستطع الجمع بين صورتك كتلميذة وصورتك كممرضة , هل تسمحين بأن أتلمس وجهك ويديك لأكوّن فكرة واضحة؟".
ردة فعل أنجي الفورية كادت أن تكون سلبية , لأنها أعتقدت بأنها لن تستطيع أحتمال لمساته لها, بسبب الشعور الذي تكنه له في قلبها .
أحس رايك بترددها ولكنه أساء فهمه فقال لها :
" هل فكرة ملامسة رجل أعمى لك تثير في نفسك الخوف ألى هذه الدرجة أنجيلا؟".
" لا , أبدا".
" أنني أتذكر الآن كيف كنت تهربين مني في الماضي وكأنك تخافين من شيء ما , كنت تنظرين أليّ بدهشة وخوف وكأنني مسعور , ما الذي أتى بك ألى هنا ما دمت تكرهينني ألى هذا الحد؟".
كادت أن تخرج من شفتي أنجي صرخة أعتراض , ولكنها كانت أكيدة من أنه سيكرهها أذا حس بأنها تشفق عليه وسيحتقرها أذا داخله شك في أنها تحبه فقالت له بلهجة باردة :
" أستطيع أن أؤكد لك يا صديقي بأنني شاهدت حالات أشد صعوبة من حالتك , الحروق مثلا وخاصة حروق الأطفال , هذا شيء لم تشاهده أنت , لقد أعتدت على كل هذا مع الوقت وكن متأكدا من أنني لست متأكدة من أنني لست متضايقة من رغبتك في تحسس ملامحي ".
فرد ساخرا :
" كم أنت كريمة , أيتها الممرضة , ولكنني أستطيع الآن أن أتذكر وجهك الخائف ولون عينيك الأسود".
" لونهما ليس أسود , أنت تتكلم عن فتاة أخرى ".
" آه , الآن تذكرتك , عيناك بلون البحر بعد الظهر وهما باردتان ونقيتان كالثلج , أليس كذلك ؟ أتذكر بأن سيب رسمك مرة ولكنه لم يتمكن من رسم التعبير في عينيك".
لقد تذكرت أنجي فورا اللوحة التي رسمها سيب شقيق رايك كما لو كانت بين يديها الآن , كان سيب يريد أن يصبح فنانا , لكنه أصبح مدير أفلام سينمائية يعمل أساسا في أيطاليا وأحيانا في كاليفورنيا .
ثم تابع قائلا بلهجة تهكمية :
" هل حاول سيب الأتصال بك ؟ كنت تفضلينه عليّ".
" كان يناسبني أكثر من ناحية العمر ".
لقد قررت أن تدافع عن نفسها فلم تخبره بأن سيب أتصل بها عندما كان في لندن لحضور مؤتمر سينمائي , وتناولا الطعام ثم ذهبا لحضور أحد العروض المسرحية , كان صحيحا أنها أعتبرت سيباستيان دائما أسلس طبعا وأسهل للمعاشرة من رايك , فمعه لم تشعر أبدا بنبضها يتسارع ولا بخجل يعقد لسانها .
قال لها رايك ببطء :
" لا تقولي بأنك تحمرين خجلا الآت ؟".
" ولماذا تعتقد بأنني سأحمر خجلا ؟".
" لأن الأنكليز لا يحبون أن توجه أليهم أسئلة شخصية من هذا النوع".
" أليس الجميع كذلك ؟ أنا أعرف بأن الأسبانيين متحفظون دوما بعض الشيء".
" بالفعل , فنحن أيضا نرفض أن يشاركنا أحد في مشاعرنا الداخلية , هل تحلمين بأن يشاركك أحد في هذه المشاعر , شقيقي سيب مثلا ؟ هل عدت ألى الجزيرة على أمل القاء به؟".
" أنت تعرف تماما لماذا أنا هنا , وتعرف أيضا بأن سيب ألطف منك".
" آه طبعا , هو يعامل النساء بلطافة ونعومة أكثر مني , لقد عرفت هذا وأنت يافعة , واليوم تأكدت منه وأنت ناضجة , أليس كذلك؟".
حدقت أنجي برايك فبدا لها أنه أكبر من سيب بعشر سنوات على الأقل , فيما يكبره فعلا بثلاث سنوات فقط , فالأيام والأحساس بالخطر والأصابة زادت من صلابة ملامحه , كان يبدو وكأنه تحسس الخطر بيديه , راحت تشعر أنجي بنبضات قلبها تتسارع .... أن دورها كممرضة لرايك لن يكون سهلا , أنه ليس ناعما وسهل الأنقياد كسيب......كان مصابا ووحيدا يهيم في ظلام دامس.


أمل بيضون 01-11-10 12:32 AM

وتابع رايك بحزن قائلا :
" أيام لامبالاتنا جميعا ولت , عندما كنا نلهو في الشمس ,كم كنا نجهل ما يخبىء لنا القدر, من كان يعتقد بأنه سيحصل لي ما حصل وبأن أنجيلا الصغيرة سوف تأتي للعناية بي ؟ أن القدر يخدعنا أحيانا بقساوة أليس كذلك ؟".
أن خدع القدر تكون أحيانا قاسية جدا ولذا حاولت أنجي أن تحبس دموعها لئلا تظهر بمظهر ضعيف , أن الذكريات عن رايك لم يكن بالأمكان نسيانها بسهولة .
" أنجي , عودي من حيث أتيت , أنا أشعر بأنك تغالبين نفسك للبقاء هنا , بالرغم من أنني لا أرى فأنا أشعر بذلك , غادري الجزيرة بحق الله".
" ما أدراك أنت بحقيقة ما أرغب فيه؟".
بدا أن ملاحظته الجافة قد جرحت كبرياءها.
" أليست كل النساء متشابهات الأطباع أساسا؟ ". وتابع بسخرية كعادته : " ألا تريد المرأة شيئا واحدا وهوالحب الرومنطيقي الأبدي , ألا تريد شخصا يكون سيدا وحبيبا ؟ هل أنت مختلفة , أمأن الممرضات يشهدن الكثير من المآسي بحيث يصبحن بمنأى عن هذا الشعور ؟ أم أن الواقعية المهنية تلعب دورها وتلطخ رومانسية الطبع النسائي؟
كان هذا الموضوع بالذات يشغل بال أنجي أبان عودتها ألى بايلتار , ولكنها الآن أصبحت في الفيللا وجها لوجه مع رايك وشعرت فعلا بأنها ما زالت تحبه , بما أن قلبها قد كبر مثل جسمها فأنها أصبحت ناضجة المشاعر ومتأكدة منها أكثر من ذي قبل .
أجابته قائلة:
" أن أمكانية الشفاء من الجروح ومن المشاعر هائلة , لذا سأحاول ألا أهتم كثيرا حين تحاول أن تسخر مني , من ناحية أخرى قالت لي مايا بأنك لا تتناول طعامك مع العائلة ".
" أنا لست مهتما بأن أدعهم يشاهدونني حين أوسخ ملابسي من جراء تناولي الطعام دون أن أراه , أن أصابة مثل أصابتي تحول الرجل ألى ولد صغير , بعد محاولتي الثانية للجلوس معهم ألى طاولة الطعام , وحين أوقعت الحساء على ملابسي خطأ وجدت أنه من الأفضل لي أن آكل وحيدا ".
" أنا متأكدة بأنك مع الوقت سوف تكون أكثر أيجابية , وتابعت بنعومة , أنا أعرف تماما أن عائلتك تفهم جيدا سبب تصرفاتك , أنت تعلم , بدون شك , بأنهم يتألمون معك".
" أتظنين بأنني لم ألاحظ هذا الأمر , لم أكن أرغب في العودة ألى المنزل لكن والدي أصر على هذا كنت أفضل البقاء في مستشفى عسكري حتى أصبح أكثر قدرة , لكنه لم يكن ليصغي ألي , سافر ألى أسبانيا وعاد بي بنفسه ألى المنزل , يا ألهي , أنه رجل خارق".
" تماما , ولأنك تشبهه , لن تسمح للعمى بالتحول ألى عجز".
" وهل هو غير ذلك ؟". قالها بفظاظة : " يبدو وكأن الجدران قد أطبقت علي ولم يعد بأستطاعتي تلمّس طريقي ألى الخارج , أضيفي ألى ذلك أنني لست أعمى فحسب , بل ومصاب أيضا بشظايا قنبلة في الرأس , ماذا ستفعلين أذا بدأت أتصرف بعنف وأحطم الأشياء من حولي؟".
" كف عن هذا الكلام , لن يحصل شيء من هذا القبيل ".
" ألا يهمك أن تسمعي الحقيقة ؟ ". وتابع زاجرا :
" لو أصبت فجأة بنوبة عصبية وحاولت أن أخنقك بيدي ,ماذا ستفعلين ؟ يقال أنه عندما يصاب شخص ما بنوبة عصبية فأنه يحاول الأعتداء أولا على من ساعده".
" أنت تتفوه بكلام لا معنى له فقط من أجل أخافتي".
وراحت تقول في قرارة نفسها : يا ألهي , ماذا لو تحركت بعض الشظايا في رأسه , أنه يعيش في رعب مدمر خوفا من جنون مفاجىء أو موت مفاجىء , لم يكن غبيا كيلا يلاحظ هذا الخطر , وكان بأمكانها التأكد من هذا الأمر بمجرد النظر في عينيه , ففيهما تلاحظ , ولا شك , قلقه على المصير.
" أنني لا أخيفك بل أخيف نفسي يا أنجيلا".
ول يكد ينتهي من عبارته حتى وقع رماد السيغاريللو على جاكيتته السوداء فخافت أنجي أن تحترق الجاكيت فأسرعت ورمت بالرماد في المنفضة على الطاولة قربه , فقال لها :
" شكرا جزيلا ".
ثم أمسك بها وراح يجذبها نحوه فمانعت قائلة :
" لا , أرجوك ".
" أتخافين من رجل أعمى ؟ أنا أشعر بهذا , أنت ترتجفين , بحق الله لماذا عدت ألى بايلتار ؟ هل هي حشرية منك أم ولاء لعائلتنا في غير موضعه ؟ أم تراه يكون الضجر من العمل في لندن؟".
" أنت سليط السان يا رايك".

ملكة النجوم 01-11-10 12:43 AM

مشـــــــــــــــــــــــ ـكوره على الروايه
وعلى سرعة التنزيل


متـــابعه

أمل بيضون 01-11-10 01:10 AM

كانت تقاوم من أجل التخلص منه , لكنه كان أقوى منها بكثير بالأضافة ألى أن قربها منه ولمسته لها قد حدّا من قواها .
" ربما ينعشني عناق منك يا أنجي".
فجأة ألتقيا في عناق بدا طويلا لأنجي لدرجة أحست بتلاشي أنفاسها , فجأة دفعها ريك عنه وأنفجر ضاحكا , فتراجعت ونظرت أليه وآثار الصدمة بادي على وجهها , قطع ضحكته فجأة وبادرها بالقول :
" أصبحت تعرفين الآن ماذا ينتظرك هنا لو أصريت على البقاء ".
كان التهديد واضحا في نبراته وهو يحدق فيها كمن يستطيع الرؤية.
" أنت لست أول مريض متمرد أتعامل معه".
فأجابها بسخرية :
" متمرد؟ أنت تستعملين كلمة كبيرة".
" لست متمردا فقط بل عنيدا أيضا".
" والممرضة العزيزة تتصور أن بأمكانها ترويضي ".
" أن لم أستطع ترويضك فسأحاول , على الأقل , أن أجد طريقة للتعامل معك".
" تتعاملين معي بعصا , أليس كذلك ؟". وتابع وقد أعجبته الفكرة : " أنني أتصورك واقفة فوقي وحاملة العصا , في الحقيقة أنا أفضل هذه الصورة على تلك التي تحاول فيها الممرضة أن توهم مريضا أعمى بأنه سيستفيد من ضوء الشمس , أخبريني أنجي ما لم يجرؤ غيرك على التفوه به.... قولي لي بأنني سأبقى في الظلام حتى نهاية أيامي".
رغبت أنجي من كل قلبها أن تقول له بأنه لن يبقى في الظلام حتى نهاية أيامه , كانت تريد , كالجميع , أن تقول له أن القضية قضية وقت قبل أن يستعيد بصره ولكن للأسف لم يكن هذا ممكنا ".
" لم أتكلم بعد عن حالتك مع الدكتور رومالدو لذلك أنا أجهل التفاصيل حتى الآن , أنا أعرف أ معجزات يمكن أن تحصل لو تسلّح الأنسان بالأيمان , ثم هناك أشياء أسوأ من فقدان البصر.....".
فقاطعها قائلا:
" تماما , هناك الجنون , هذا الذي يحول الأنسان العاقل ألى حيوان , أليس كذلك؟".
" نعم , لكنني كنت أقصد........".
كان يسكن رايك دي زالدو هاجس دائم من أن تكون أحدى الشظايا قد أصابت دماغه بتلف يؤدي به يوما ما ألى الجنون , وأنجي تعرف تماما بأنه يفضل الموت على الجنون.
أستوى في جلسته على الكرسي في الحديقة وقال :
" أذن لقد عدت ألى باتلتار للعناية بي".
" بالتأكيد , فأنا لن أسمح لك بأن تعيش كهاملت , بين أشباحك".
" سوف أفعل ما أريده تماما , وكما قلت لك منذ قليل , أفضل أن تعودي ألى لندن , كل ما أريده هو أن تتركوني بسلام".
" لم أعلم أبدا أنك تخاف من المواجهة , ظنننتك تؤمن بالقول المأثور:
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
أشار بأصبعه ألى عينيه وقال :
" أن الذي يجرؤ هو الذي يخسر في الواقع يا صديقي ".
" لم تخسر كل شيء ". وتابعت معترضة : " أنت ما زلت تتمتع بحواسك الباقية , وعليك أن تستعملها بأقصى طاقة ممكنة".
" أنت تعرفين أن المسألة ليست فقط مسألة فقدان النظر".
" أعلم يا رايك وأنا أقدّر شعورك".
" أحقا ؟ أنت شابة وصحتك جيدة , لا تسهرين الليل وتحصين الدقائق وهي تمر ".
فأمسكت بيده وقالت له :
" يا صديقي , أنت لست وحدك , بأستطاعتك دعوتي في الليل أو في النهار سآتي أليك , أعطيك يديّ لتتمسك بهما".
" فقط يديك؟ أرجوك أريحيني من شفقتك!".
" أنا لا أشفق عليك".
" هل أنت جادة ؟".
" كنت دائما شديدة المفاخرة يا رايك ".
" لا تنسي أن دماء أسبانية تجري في عروقي , أنظري , سوف تجدين زجاجة وقدحا على المائدة قرب الكرسي , ناوليني أياها لو سمحت".
أمسكت أنجي بالزجاجة وقرأت ما كتب تحتها , فأذا بها تحوي شرابا أسبانيا قويا , وما أن طال أنتظاره حتى بادرها بالقول:
" لقد طلبت أن تملأي لي قدحا لا ملعقة , هذا ليس ****ا طبيا ".
" أن الشراب لم يحل أبدا أي مشكلة".
قالت له هذا وهي تناوله القدح وتتأمل الطريقة التي يتحسسه بها.
" قد لا يحل المشاكل ولكنه يساعدنا على الحياة معها".
" علي أن أذهب وأفك حقائبي , أراك لاحقا".
" بدون شك ". وتابع بعد أن أخذ جرعة : " أنا لست ذاهبا ألى أي مكان ألا ألى القبر ربما".
" رايك .......".
" بلا مواعظ , أرجوك , أذهبي ألى حقائبك".
فغادرت تاركة رايك وحيدا في الحديقة.




أمل بيضون 01-11-10 12:58 PM

2- ربما يؤذيها!

تركت أنجي رايك وحيدا مع أفكاره وكأس الشراب , كانت تشعر برعشة في داخلها من جراء هذه المقابلة وبسبب عناقه لها , توقفت فجأة لتتأمل لوحة زيتية كبيرة معلقة على الحائط بشرود ظاهر , وفيما أفكارها تسرح بعيدا , راحت تتساءل عن السبب الذي دعاها لمقاومة رايك رغم مشاعرها نحوه , بعد لحظات عرفت الجواب , لم يعانقها رايك لأنه يحبها , بل لأنه أراد أن ينذرها بأنه من الأفضل لها أن تغادر الفيللا وتعود ألى لندن , لكنه لم يكن يعلم بأنها أكثر منه عنادا وتهيم به.
" هل لي أن أدلّك ألى غرفتك".
أنتفضت أنجي فجأة لدى سماعها هذا الصوت , وأستدارت لتواجه صاحبته فأذا بها وجها لوجه مع أمرأة شابة عرفتها فجأة , أنها أيزابيل فراندوس التي تربطها بآل دي زالدو قرابة بعيدة والتي تبنتها هذه العائلة فيما بعد , بل تكاد تكون شقيقة لمايا وأخويها , ألا أن أنجي تعتقد أن أيزابيل تفضل أن تكون أكثر قربا من رايك , كل هذا كان ينتمي ألى الماضي , أما الآن , وبعد أصابة رايك فأن الأمور تغيرت بلا شك , أن أيزابيل من النوع البارد الذي يحسب لكا شيء حسابه وكان من الصعب القول بأنها ترغب في زوج أعمى يعتمد على حمايتها في كثير من النواحي.
ظهرت على ثغر أيزابيل أبتسامة لم تكن ودية , وقالت لأنجي :
" هل نسيتني ؟ أنا أتذكرك جيدا .... لا يزال شعرك على جماله القديم , ألا أذا كنت تستعينين بصباغ للحفاظ على لونه الأشقر ".
" لحسن الحظ , ليس علي أن أهتم بالصباغ , لم يزل على لونه الطبيعي".
" أذن أصبحت ممرضة , في الواقع لقد فوجئت , لعلمي أن أعصابك قد لا تحتمل المهنة , كنت تبدين دائما خجولة , وهذه صفة كانت تسلي رايك , ألم تقابليه بعد؟".
أومأت أنجي بالأيجاب , ولم تكن ترغب في النقاش مع أيزابيل حول هذا الموضوع , فتوجهت نحو السلم المؤدي ألى الطابق العلوي وهي تقول لها:
" علي أن أصعد وأستعد للعشاء , هل طلبت مايا أن تجهز لي غرفتي القديمة ؟".
" لا , لقد أقنعت دون كارلوس بأنه من الأفضل أن تكوني قرب رايك , فلربما أحتاج لشيء أثناء الليل , لذا أعدت لك الغرفة الملاصقة لغرفته , أتمنى ألا يزعجك قربك منه .... هذا أذا كان لا يزال يربككويجعلك تشعرين بالخجل!".
" سيكون سخيفا أن تشعر ممرضة بالخجل".
شعرت بأن أيزابيل تتعقبها بنظراتها فأستدارت وقالت لها :
"أذا كان رايك لا يزال ينام في الغرفة التي تطل على البحر فأنا أعرف طريقي".
أجابتها أيزابيل وفي صوتها بعض السخرية :
" ومنذ متى كنت تدخلين غرفة نوم رايك؟".
" كنا لا نزال جميعا في المدرسة عندما كنت آتي ألى هنا أيام العطل , وكان الدخول والخروج ألى كل غرف النوم في المنزل لعبة بريئة في تلك الأيام".
" أنا لا أشك بأن هذا ما كنت تفكرين به يومذاك... قلت بأنك قابلته , كيف وجدته؟".
وقفت أنجي في ممشى الطابق العلوي للفيللا وراحت تحدق بأبرابيل وهي تحاول أخفاء غضبها , فلقد بدأت هذه الفتاة المشاكل كعادتها , ورغم هذا أجابتها على سؤاها:
" لقد مر رايك بظروف مؤلمة وحرجة وسأقوم بكل ما في وسعي لمساعدته على الشفاء , أنا أعرف بأنه أصبح صعب المراس حاد الطباع , لكنني معتادة من خلال مهنتي على التعامل مع هذا النوع من الرجال , أنه لا يثير غضبي ولا يخيفني".
كانت أيزابيل تراقب رد فعل أنجي كما يراقب القط الفأر:
" أسراعك بالمجيء ألى بايلتار للعناية برايك يثير حيرتي في الحقيقة , هل تكون أنسانيتك كممرضة هي التي عادت بك ألى هنا أم أن في الأمر سرا لا أعرفه؟".
" لقد أتيت لأن مايا ووالدها طلبا مني ذلك , دون كارلوس كان دائما لطيفا معي , ورغبت في أن أرد له جميله وضيافته لي في الفترة الماضية".
تابعت أنجي طريقها عبر الممشى ألى غرفتها , لكن أيزابيل تبعتها ألى داخل الغرفة المخصصة لها , والتي لا يفصلها سوى حائط واحد عن رايك .
أضاءت أنجي النور في الغرفة , وما أن دخلتها حتى أشتمت رائحة العطر الفواحة ممتزجة برائحة المفروشات , كانت غرفة رائعة , كلاسيكية التصميم , لامعة الأثاث وأرضها مفروشة بسجاد سميك ملون , أستدارت فوجدت حقيبتها في أحدى الزوايا حيث وضعها أحد الخدم.
عادت البسمة والحبور ألى أنجي , ها هي ثانية في المنزل الذي كان يجمعها ورايك في الأيام الخوالي , رغم كل الصعاب التي تنتظرها , لم تكن أنجي لتتخلى عن مهمتها الحالية مقابل أي شيء في الدنيا.

أمل بيضون 01-11-10 02:10 PM

أستندت أيزابيل ألى حافة السرير وراحت تراقب أنجي وهي تفك الحقيبة التي لم تضع فيها ألا ثيابا تكفيها للأستعمال الفوري , فالجزيرة مليئة بالمحلات ويمكنها ساعة تشاء الذهاب للتسوق في حال أحتاجت ألى شيء , كانت من وقت ألى آخر تلمح أيزابيل وهي تراقبها أثناء تعليقها لملابسها في الخزانة , تأملت أيزابيل قبعة التمريض المنشاة التي وضعتها أنجي على السرير بجانب الثوب الكحلي وبادرتها بالقول:
" أتصور بأنك ستلبسين لباس الممرضات في أغلب الأحيان ؟".
" بطبيعة الحال , لأنني هنا في مهمة وظيفية".
" كم تبدين متفانية , كنت أظن أن الممرضات يقضين أوقاتهن بعقد اللقاءات مع الأطباء ومع المرضى الذكور الذين يقعون في حبائلهن".
" هذه الأشياء تحدث غالبا في المسلسلات التلفزيونية دون أن يكون لها أي أساس واقعي ". وتابعت وهي ترتب أدوات زينتها : " في مهنة التمريض الحقيقية فأن هذه الصور الجمالية غير موجودة , ليس هناك وقت لقصص الغرام مع الأطباء السمر الذين نراهم في المجلات".
" أن رايك ليس طبيبا , لكنه بالتأكيد طويل القامة , أسمر اللون وجذاب الملامح ". وتابعت وهي تحدق بها : " لقد لاحظت هذا , أليس كذلك؟".
فأجابتها ببرود وبدون أكتراث:
" بالتأكيد , أذ أكثر ما يلفت النظر فيه هو عيناه ولونهما ". وأردفت : " بالطبع أنا لا أقصد وضعهما الحالي".
" هل من المحتمل أن.... أن تكون حالة العينين الحالية نهائية؟".
" في الحقيقة لم أناقش هذا الموضوع بعد مع الدكتور رومالدو".
كانت أنجي في هذه الأثناء تضع فرشاة الشعر والمشط على طاولة الزينة , ونظرت ألى المرآة فلاحظت أن وجهها يبدو متوترا , وهذه أشارة خارجية ودليل على أهتمامها برايك , لقد تمنت لو كانت أيزابيل خارج الغرفة , ولكن الفتاة الأسبانية كانت فضولية وعازمة على معرفة السبب الحقيقي الكامن وراء عودة أنجي ألى الجزيرة.
" تبدين لي كتومة كجميع الذي يعملون في الحقل الطبي , ألست كذلك؟".
ثم تابعت وهي تهز كتفيها غير مبالية :
" أن دون كارلوس وراء مجيئك ألى هنا , لا تعتقدي أبدا أن رايك من طلب حضورك".
رفعت آنجي شعرها الأشقر المنسدل على جبينها:
" هذا آخر ما كنت أتصوره".
" يبدو لي من جوابك بأن رايك فعلا غير مسرور من دعوة دون كارلوس لك للعودة".
" رايك ناقم على العالم كله في الوقت الحاضر".
" أذن أبتدأ بأزعاجك منذ البداية , الحمد لله أنني لم أختر هذه المهنة ".
وأرتسمت على شفتي أيزابيل أبتسامة صفراوية هازئة تدل على سرورها من أزعاج رايك لأنجي , هذه الأخيرة لم تفاجأ , في الواقع لأنها على علم بغيرة أيزابيل المزمنة.
كانت عينا أيزابيل تجولان في الغرفة فتسمرتا فجأة على الباب الذي يفصل بينها وبين رايك.
" دون كارلوس لا يسمح لي ولمايا بالعمل خارجا , أنه غني ويأخذ في الأعتبار مركزه كحاكم للجزيرة , أضيفي ألى ذلك أنه يريدنا ويسر بوجودنا في المنزل على الدوام , ومن المثير للأعجاب في الرجال اللاتينيين حمايتهم للمرأة , كوني لاتينية لا أعترض على هذا الأمر بخلاف الأنكليزيات كما يبدو , أن الرجل في نظري هو الأقوى والأكثر أهلية لتبوء القيادة , أنا أعتقد بأن المرأة التي لا ترغب في حماية الرجل لها هي أمرأة قصيرة النظر , هل أنت واحدة منهن , أنجيلا؟ هل أنت من النوع الذي يظن بأنه ليس في حاجة لحماية الرجل له؟".
أقفلت أنجي حقيبتها بعد أن أفرغتها وألقت بها في قعر الخزانة وأستدارت مجيبة:
" في الحقيقة أنا أعتقد بأن الرجل والمرأة خلقا ليكونا متساويين على كل صعيد وصديقين أيضا , لا أن يكون أحدهما سيدا والآخر عبدا ".
سارت أيزابيل نحو طاولة الزينة وأخذت تحدق عبر المرآة , في وجه آنجي محاولة أن تقرأ التعابير التي يمكن أن ترتسم عليه , وضعت أصبعا على شفتها السفلى وتبسمت بأزدراء قائلة:
" أذن أنت ترفضين أن يسيطر عليك أحد , لنقل مثلا دون كارلوس".
" مما لا شك فيه أن دون كارلوس هو أنسان نبيل , لكن حتى هو لن يستطيع أن يقنعني بأنه من الخير للمرأة أن تحفظ في أناء زجاجي بحيث لا يراها ألا ضوء الشمس".
" أحقا ؟ أنت تتكلميم بشكل يوحي بأنك تعنين ما تقولين , أما أنا فمقتنعة بأن أية أمرأة ترغب في أن تكون بحماية رجل , والرجال اللاتينيون يجيدون ذلك".
" أنا متأكدة أنهم كذلك".
" أنجيلا , أما زلت بتولا؟".

أمل بيضون 01-11-10 02:30 PM

لقد كان السؤال بحد ذاته غير متوقع ومربكا نوعا ما لدرجة جعل أنجي تحمر خجلا , لقد شعرت بالأحراج والغضب والغضب في الوقت نفسه , شعرت بالأحراج بسبب ردة فعلها على السؤال وشعرت بالغضب بسبب نظرة أيزابيل الساخرة التي رافقته , برغم مهنتها كممرضة , هذه المهنة التي كشفت لها كل أسرار جسم الأنسان وبرغم علاقتها اليوم مع هذا الجسم , لقد حافظت أنجي على نفسها وسمعتها , لم يتمكن أحد من أن يغرر بها رغم أن الظروف سنحت ولعدد كبير من الرجال بحكم ظروف مهنتها , وهي تتساءل الآن هل فعلت هذا من أجل رايك؟ لأنه كان دائما في عقلها وقلبها ؟ أم لأسباب أخرى تتعلق بتربيتها وأخلاقها؟
أنتابت أيزابيل نوبة من الضحك لأنه لم يفتها أن ترى الأحمرار على وجنتي أنجي , تحسست بيدها المخمل الأخضر على ردائها , وقالت لأنجي:
" منذ صغرك كنت غريبة الأطوار وها أنا أراك الآن لم تتبدلي , هذا أذا أستثنينا مظهرك الخارجي , أنا متأكدة من أنك عدت ألى باتلتار فقط من أجل رايك , رغم أنه لا يهتم بوجودك هنا".
وتقدمت الفتاة الأسبانية نحو أنجي التي لاحظت نبرة تهديد في صوتها وتابعت كلامها قائلة:
" قد يكون رايك أعمى , ولكنه ليس غبيا بالتأكيد , فالأفضل أن تكوني حذرة في تصرفاتك معه لئلا يعرف مشاعرك أتجاهه".
أحست أنجي بأن قلبها يكاد يتوقف عن الخفقان وقالت وهي تحدق في عيني أيزابيل :
" أشعر بأنني مسؤولة عنه كما مايا ووالده , لا تنسي أنه أبن دون كارلوس , الرجل الذي فتح منزله لي عندما كنت يافعة ودون أهل , أنا أتذكر طيبته وحسن معاملته لي بعرفان جميل ولذا أنا هنا , أكون شديدة الأمتنان يا أيزابيل , لو أحتفظت بآرائك السخيفة لنفسك , وفي كل الأحوال , أنا لا أنصحك بمناقشة هذه الأمور مع رايك , لأنه سيعتبر تصرفك هذا تصرفا عدوانيا أتجاهه".
" عدوانيا ؟". وتابعت صارخة : " لماذا؟".
" أنت تعرفين السبب بأن رايك يعتقد بأنه أصبح موضوع شفقة وسوف تكون مهمتي في المرحلة الأولى هي كسب ثقته , أن هذه المهمة هي أساسا صعبة فهو لا يزال حساسا أتجاه الجميع لذلك أطلب منك ألا تحرضيه علي لأتمكن من أداء عملي , أنه بحاجة لمساعدة وعناية خاصة , كالتي أستطيع أن أقدمها له , لذلك أجد لزاما علي أن أطلب منك بالأحتفاظ بتلميحاتك لنفسك , لأن أفكارك لا أساس لها من الصحة".
فأجابتها بسخرية وهي تغادر الغرفة:
" أذا كان هذا يسرك , ف بأس , لكنني متأكدة من أنك تهيمين به , وألا فلماذا عدت بالطائرة من لندن لتكوني بجانيه في ساعاته العصيبة......".
وما أن وصلت ألى الباب حتى أستدارت بعصبية وفي عينيها مزيج من الكراهية والوقاحة وقالت بنبرة حادة:
"سأسهل عليك مهمتك وأقول لك ما الذي يحتاج أليه رايك , يا عزيزتي , أنه بالتأكيد لا يحتاج ألى ملاك حارس في ثوب أبيض ليمسك بيده ويهدىء من روعه , سوف تنامين في هذه الغرفة فلا تصدمي أذا أتاك في أحدى الليالي وأعلمك بحاجته الحقيقية , أنت ممرضة وما زلت تنظرين ألي حتى هذه اللحظة بطريقة باردة وبريئة , أن رايك بحاجة ألى شخص يضمه بذراعيه ويبعده عن الواقع , هناك شيء أساسي في الحب , أنجيلا , أنه يلغي علاقة الأنسان بالواقع , أنت تعرفين هذا , أليس كذلك؟".
" أتعرفينه أنت؟".
ضحكت أيزابيل بنعومة وأجابت:
"بالتأكيد , أنت كنت تأتين لتمضية العطل هنا , أما أنا فقد نشأت في هذا المنزل , لذا يمكنك أن تتصوري الباقي , أن رايك كما تعلمين , كان دائما جذابا".
قالت هذا الكلام وخرجت من الغرفة وهي تهز كتفيها.
راحت أنجي تفكر بما قالته أيزابيل , فبدا لها للوهلة الأولى أن تحليل الأسبانية منطقي خاصة عندما تكلمت عما قد يحدث في أحدى الليالي بينها وبين رايك , بالأضافة ألى ذلك كانت تعلم جيدا بأن رايك لم يحاول أبدا التقرب منها .

أمل بيضون 01-11-10 05:09 PM

طردت أنجي كل الأفكار السوداء من رأسها , فقد قررت أن تبقى هنا وما من شيء سيثنيها عن رأيها , لا عدوانية رايك ,ولا تلميحات أيزابيل , أن مجرد التفكير بأن أيزابيل قد تكون على علاقة مع رايك أقلق أنجي , ربما تكون هذه العلاقة المفترضة هي السبب في غضب أيزابيل من عودة أنجي للعناية برايك , تنهدت أنجي وهي تفكر , مسكين رايك , كان يعيش كل يوم أربعا وعشرين ساعة في الظلام , وحيدا ومنطويا على ذاته لأنه لم يكن بأستطاعته التعاطي مع الناس بشكل طبيعي , والنظر أليهم , لا شك في أن هناك أوقاتا يشعر فيها بضرورة مشاركة مشاعره الدفينة مع شخص آخر , يحيطه بذراعيه ويدفن رأسه في صدره لينسى واقعه الميرير , توجهت أنجي ألى الحمام وهي مشوشة الأفكار , ومتسائلة عن السبب الذي دفع برايك ألى دخول الجيش , كانت تتمنى أن تراه مرتديا بزته العسكرية .
دخلت أنجي ألى الحمام ورأسها يضج بالأفكار السوداء المحزنة , فتحت حنفية الماء الساخن , وسرعان ما أنتشر البخار في كل أرجاء الحمام الواسع , كم يكون القدر ظالما عندما يسرق الفرح والآمال والأحلام من عيون الشباب كما يسرق الذئب خراف الراعي.
أنسابت المياه الساخنة في المغطس الكبير , وضعت انجي حفنة من الملح في الماء وأستدارت لتخلع ملابسها , ما أن فاض المغطس بالماء حتى أستلقت فيه وأسندت رأسها ألى حافته المغطاة بالمطاط خصيصا لهذه الغاية , لم تكف عن التفكير برايك وبالطريقة التي عانقها فيها , وتذكرت بفرح كيف ضمها بين ذراعيه , أن الدموع التي حبستها طويلا طفرت فجأة والألم كاد يعصرها مما يقاسيه رايك , فأجهشت بالبكاء وهي في غرفة الحمام , وبقيت على هذه الحال لبضع دقائق , ولم يكن يهمها أن تحمر عيناها رغم أن هذا الأحمرار سيكون ظاهرا لمن ستشاركهم طعام العشاء الليلة.
غسلت أنجي وجهها بالماء وقالت لنفسها : كفى , كم أنا غبية لأتصرف هكذا , لقد قررت , فجأة أن تحتفظ بمشاعرها أتجاه رايك لنفسها.
لم تكن أنجي تحب أيزابيل لأن هذه الأخيرة كانت تثير الشغب منذ الصغر , وهي وراء كل المشاكل وسوء التفاهم التي حصلت من وقت لآخر بين دون كارلوس وأولاده , ولم تنس أنجي أيضا تصرفاتها أتجاه مايا ولا عادتها بأقتراض أغراضهما وعدم أعادتها.
خرجت أنجي من المغطس وأرتدت روب الحمام , مسحت المرآة بقطعة قماش ووقفت أمامها تتأمل نفسها , بدت آثار البكاء على عينيها ولكنها أفترضت أن قليلا من الزينة سوف تخفيها.
فتحت الباب وخرجت دون أن تنظر أمامها , فأصطدمت بشخص طويل القامة يحمل بيده عصاه , فتراجعت نحو الحائط وقالت :
" رايك.. ... أنا...... أنا لم أرك!".
فتلمسها بعصاه وأجاب :
" كان عليّ أنا أن أقول هذا ! أنا أشتم رائحة أملاح الأستحمام خاصتي , يبدو لي أنك أستعملها".
قالت وهي لا تزال ترتجف:
" لم أكن أعلم أنها لك , لقد وجدت الزجاجة على أحد الرفوف فأستعملتها ".
كان ينظر أليها وهو مقطب الجبين كمن يستطيع أن يراها , لدرجة جعلت أنجي تضم طرفي روبها ألى صدرها خوفا في حركة لا شعورية فيما كان يقول وهو يزم شفتيه :
"لقد بدأت تتصرفين , وكأنك في منزلك؟".
ثم أستطرد قائلا:
" أسمع حفيف الحيرير على بشرتك , لقد أستحميت للتو وأنت لا ترتدين سوى روب الحمام , أنا لا أراك وبالتالي لا أستطيع أن أعرف أن كنت تحمرين خجلا , لكنني أحاول تخيل صورتك في ذاكرتي : شعرك المبتل بالماء ينسدل على عينيك وأنت تعقدين الآت عقدة أضافية في حزام الروب , يجب أن تكوني ذات أخلاق محافظة لتشعري بضرورة التستر أمام رجل أعمى".
" أنني...... أنني لم أعتد على.... على حالتك الحاضرة".
فقاطعها مصححا :
" لم تتعودي على أنني أعمى كخفاش , أبح لزاما علي أن أستعمل حواس السمع والشم , والذاكرة فيما يختص بالنساء , ما هو لون الروب؟".
" وردي غامق".
" هل له أكمام واسعة تكشف عن ساعديك حين تسرحين شعرك؟".
" تماما".
كانت عيناها مسلطتان على وجهه تتأمل ملامحه , بدأ يتقدم نحوها فأخذت تتنازعها رغبتان : رغبة في الهرب منه ورغبة في البقاء , راحت يده تتلمس طريقها أليها فلم تتحرك عندما أمسك بكتفها وشد بأصابعه قائلا:
" سوف أتحسسك عن طريق اللمس شئت أم أبيت".

أمل بيضون 01-11-10 05:37 PM

وفيما هو يفعل , بقيت واقفة مكانها , فقال :
" أنت تتفقين معي على أنه ليس من العدل في شيء أن ترينني أنت بينما أنا أعيش في الظلام , عندما رأيتك للمرة الأخيرة كنت طفلة ".
" أذن من الأفضل أن تنتهي بسرعة من هذا الموضوع".
لم تشعر أنجي بضعف مماثل في حياتها , كانت غير قادرة على مقاومته فيما هو يتلمسها , فجأة دفعها نحو الحائط وأقترب ليعانقها , فأنتفضت قائلة :
" هذا يكفي , هل تفعل الشيء نفسه في كل مرة ترغب فيها بتحسس شخص ما؟".
" من يعلم؟ فقط لو لم أكن أعمى".
فقالت له , وهي تعيد ترتيب هندامها:
" ألى ماذا تلمح الآن ؟".
" أستطيع أن أفهم رفضك , أنها المرة الثانية , أليس كذلك؟ ". وتابع يلفه الأسى : " أية فتاة ترغب بعناق رجل أعمى؟".
ونزل كلامه عليها كالصاعقة فقالت :
" رايك ! كيف يمكنك أن تتفوه بكلمات كهذه؟".
أستدار على نفسه في هذه الأثناء فأصبح يواجه السلم بدلا من باب غرفته ,وعقب على كلامها قائلا:
" أتفوه بها بسهولة بالغة ! يا ألهي! يبدو أنني قد ضللت طريقي , هل يمكنك أن ترشديني ألى غرفتي , أيتها الممرضة؟".
" بالطبع , وبكل سرور".
ألتقطت أنجي العصا التي وقعت منه عندما أمسك بها ووضعت يدها على ذراعه وسارت به ألى الغرفة , فتحت الباب وأضاءت النور فورا , وما أن سمع رايك الصوت الصادر عن مفتاح الكهرباء حتى بادرها بالقول بلهجة ساخرة:
" أنا لست بحاجة ألى الضوء , ألا أذا كنت تفكرين بالأنضمام ألي".
" كانت حركة لا شعورية مني , هل ستكون بخير وحدك؟ علي أن أرتدي ملابسي للعشاء , على فكرة , لماذا لا تنزل وتتناول العشاء مع العائلة؟".
" أفضل أن أبقى وحيدا".
وسار ألى داخل الغرفة التي كان وسطها فارغا من الأثاث الموضوع بترتيب وعناية في جوانب الغرفة لئلا يتعثر به أثناء سيره , كان السرير يحتل مساحة كبيرة بين النافذتين المطلتين على البحر الذي أشتمت أنجي رائحته فور دخولها , تكهنت أنه في هدأة الليل يستطيع الساكن في هذه الغرفة أن يسمع هدير البحر بوضوح , فرايك , دون شك , يستلقي على سريره في الظلام ويستمع ألى صوت الموج وهو يتكسر على الصخر بحرية بينما يكبله هو فقدان البصر.
كم يجب أن يكون شعوره بالحرمان قاسيا ومرا ..... كم تزعج المرء عينان لا ينفذ الضوء أليهما .... والضوء هو لون الأمل المشرق.
" لا تبتعد عن الذين يحبونك , أنت تعرف مدى أهتمام العائلة بأمرك".
أجابها بسرعة كمن حضّر جوابه على هذا السؤال :
" أنا أكيد بأنهم يشفقون عليّ , أن أكثر الناس , رغم نواياهم الحسنة , يصلون ألى مرحلة معينة أو وقت معين لا يعود بمقدورهم بعده أحتمال ذوي العاهات بينهم , أن مسيرة الحياة تتابع طريقها وهي , بدون شك , لا تحتمل الذين يقفون مترددين في هذه الطريق , لقد أثبتّ لي بنفسك ولمرتين اليوم , بأن ذوي العاهات هم أشخاص مزعجون ,وأنا لا ألومك على ردة فعلك هذه , أنت هنا لأن والدي أرادك أن تكوني , هل هذا مفهوم ؟ أتمنى ألا تندمي على عودتك ألينا فأنت لم تعودي في عطلة , المدرسة أنتهت بالنسبة أليك , واللهو أنتهى بالنسبة أليّ".
" أرجوك رايك , لا تتكلم كشخص أنهزامي , أنا أعلم أنك عانيت الأمرين وأعلم أنه ليس من السهل علي أن أفهم ما يشعر به من لا يقدر على الرؤية , لكن هناك شيئا هاما ما زلت محافظا عليه: قوتك الجسدية".
" حتى متى؟ كم يستطيع الأنسان أن يصمد قبل أن يفقد عقله ؟ أنت ممرضة , أخبريني أن كنت تجرؤين؟".
" أنت منزو على نفسك وبعيد عن الناس وهذا مما يزيد من سوء حالتك النفسية ,عليك أن تخرج وتعود ألى الحياة ولو بخطة بطيئة في البداية , ألا تخرج من البيت أبدا؟ ألم تذهب ألى المدينة منذ عودتك ألى هنا؟".
" أطلاقا , وأنا لا أنوي الذهاب والأنخراط بالجموع والعصا في سدي , أنا أعي ما سيفكر به الناس , عندما يراني أحدهم سيقول في قرارة نفسه: أيها المسكين , أنا أشعر بالأسى لأجله , هذا ما سيقولونه عني , سيظنونني أنقل مرضا معديا !".
وأعترضت قائلة بحدة :
" هذا هراء!".

أمل بيضون 01-11-10 06:08 PM

" هراء ؟ أهو كذلك حقا ؟ ". وتابع بقساوة : " عندما لمستك الليلة كنت ترتجفين كمن أصابها البرص , أذهبي وأرتدي ملابسك , هيا , يجب أن تكوني حاضرة على العشاء , لو كان لديك ذرة من المنطق لعدت بالطائرة فورا ألى أنكلترا , لم يكن لمايا الحق بأن تأتي بك ألى هنا وترميك رميا في هذه المهمة المعقدة , أنا أعرف ماذا أضبحت وأعرف كيف أصبح شكلي الخارجي , أشعر بالندوب في وجهي".
" أن هذه الندوب ليست بشعة ألى هذه الدرجة , أن عملية جراحية صغيرة ستفعل المعجزات و.......".
فقاطعها :
" وتجعل من الوحش أميرا رائعا , أسرعي يا صغيرة وألا تأخرت على العشاء".
" أنا لست صغيرة يا رايك".
" أنا أتذكرك هكذا وذاكرتي لا تزال سليمة".
" لقد تحسستني للتو وهذا لا شك جعلك تكوّن فكرة عما أنا عليه الآن , لقد كبرت".
" عندما تحسستك عرفت ما ما كنت أريد أن أعرفه , عرفت أنه عندما يلمس رجل أعمى فتاة ما , لن تكون هذه الأخيرة مسرورة بالتأكيد بسبب طريقته الفظة معها , لذلك , لا تستبقي معاملتي كمجنون , وهذا أمر أيتها الممرضة!".
" لا تتصرف كأنسان متسلط لأنني لا أطيق هذا النوع من الأشخاص!".
" لا تظني بأنني أهتم بسماع رأيك عني , ولا تدخلي في رأسك بأنني عانقتك منذ لحظات لأنني أكن لك شعور ما , أنت لم تكوني أبدا من النوع المفضل لدي".
" أنا أعلم هذا , لذا كف عن معاملتي كغبية , أنا أعلم أن الهدف الأساسي من وراء محاولتك هذه هي أباط عزيمتي لجعلي أترك المهمة الموكولة ألي حتى قبل أن أبدأ بها , وأنا لن أغادر قبل أن أنتهي من مهمتي , فليكن هذا معلوما لديك ولمرة واحدة".
أسكته كلامها لبضع لحظات , ثم عاد ليطلق العنان لضحكته الساخرة ويقول :
" يبدو أنك كبرت حقا , يا عزيزتي ".
" بالطبع , لقد كبرت يا رايك دي زالدو , هل كنت تظن بأنني سوف أصل ألى هنا خائفة ومرتعبة , لا أقوى على الدفاع عن نفسي".
" ربما , وهذا يعود ألى أنك لا تزالين طفلة صغيرة في ذاكرتي , تلبسين سروالا قطنيا وتسيرين حافية القدمين ومحلولة الضفائر , على فكرة , ماذا فعلت بضفائرك؟".
" لقد قصصتها لعلمي بأنك ستمسك بها كما كنت تفعل في الماضي".
" للأسف , كان بأمكانها أن تكون ذات فائدة هذه المرة , كنت سأمسك بها بينما تدليني على الطريق ". وتابع مقهقها : " طريقة رائعة , أليس كذلك؟".
" أن كنت لا تريد أن يقودك أحد فما عليك ألا أن تتجاوب وتتعلم كيف تتدبر أمورك , فهناك الكثير من فاقدي البصر الذين يخدمون أنفسهم ويتصرفون بطريقة رائعة".
" كم هم محظوظون ".
" رايك , أنت ذكي لدرجة تسمح لك بالتكيف بسرعة مع حياتك الجديدة".
" طريقتي القديمة في الحياة كانت تناسبني تماما , يا عزيزتي ". وتابع بوجه خال من التعابير : " كنت جنديا ممتازا وأردت أن أبقى كذلك , بحق السماء , أنت لا تفهمينني يبدو لي أنك أحتفظت بعقلية تلميذة مدرسة رومنطيقية رغم أنك أصبحت أمرأة ناضجة , لقد وصلت ألى هدفي في الحياة , لكنه تبخر فجأة , أحس كما لو أن قنبلة قد قذفت بي ألى خارج الزمن , وها أنت تأتين بحكمك الجميلة تطلقينها وكأنها تحمل الأجوبة الشافية على كل أسئلتي ومشاكلي , تطلبين مني أن أعود ألى الحياة , تفضلي وقولي لي كيف يكون هذا ؟".
تنهدت أنجي وأستنتجت بأن الوقت الآن يبدو غير مناسب للنقاش معه وتحليل الأمور , عليهما أن يعتادا على بعضهما ثانية قبل الدخول في مثل هذه المواضيع وبالعمق الكافي , عليه أن يتعلم أولا كيف يتقبلها كصديقة يأتمنها على أسراره , وهذا أمر يأخذ وقتا .
" أنت تعرف أفضل مني , في كل حال أنا ذاهبة ألى غرفتي , هل هناك من يساعدك على الحلاقة وأرتداء الملابس؟".
" نعم , بريميتيفو , ربما تذكرته , أنه من سكان هذه الجزيرة وعمل دائما لحساب والدي هنا".
" آه , نعم , لقد تذكرته".
" أنتبهي , لا تنسي ما قلته لك ,مفهوم؟".
أبتعد عنها فتنهدت تكرارا وسارت نحو الباب تاركة أياه وحيدا مع أفكاره السوداوية التي تدور بمجملها حول حياة يعتبرها أنتهت ألى غير رجعة.شعرت أنجي بالقلق والتحدي في الوقت نفسه , لم يكن بمقدورها السماح لشخص مثل رايك بالتحول ألى أنسان أنعزالي , غارق في تشاؤمه وخوفه من فقدان عقله كما فقد بصره , لم يكن بمقدورها أن تضعف أتجاهه كما العائلة التي كانت تعامله برقة وعطف زائدين لأنه الأبن الأكبر , لدرجة أن جميع أفراد العائلة يحترمون رغبته ويسهرون على تطبيقها.
أما هي فقد أعتبرت نفسها من طينة أخرى , رغم أن رايك كان يعني لها الكثير ألا أن أولى واجباتها أن تحاول أعاد النشاط ألى قواه الحيوية , التي كانت تشكل جزءا مهما وأساسيا من شخصيته.
لقد قررت أنجي أن تخوض المعركة بكل قواها وعزمت على أيقاظ رايك من سباته حتى لو أضطرها الأمر ألى أن تجعله يكرهها أو يؤذيها.

القارئة111 01-11-10 07:34 PM

تسلم الأيادي على الرواية الراااائعة .... منتظرييين التكملة .

أمل بيضون 01-11-10 09:06 PM

3- الوشاح السحري

كانت أنجي تضع اللمسات الأخيرة على زينتها حين قرع جرس العشاء وسمع صوته في كافة أرجاء الفيللا .
لم يكن هذا الصوت غريبا على أنجي أذ سمعته سابقا كل مساء خلال أيام عطلتها الماضي , تذكرت كيف كانوا يتسابقون من الطابق العلوي ألى غرفة الطعام في الأسفل , وكل منهم يريد أن يكون أول الواصلين ألى المائدة , حيث دون كارلوس يوبخهم على سوء تصرفهم والضحكة تعلو وجهه قائلا:
" أن من يراكم يعتقد , للوهلة الأولى أنكم لم تتناولوا طعاما لعدة أيام , أن شهيتكم تذكرني بشهية الجنود العائدين من مسيرة تدريبية !".
تبسمت أنجي بينما كانت تثبت عقد اللؤلؤ الذي أهداها أياه كارلوس دي زالدو بمناسبة عيد الميلاد الأخير الذي أمضته هنا , ثم تحسست رداءها الطويل , البسيط التصميم بلونه العنابي الرائع الذي يناسب لون بشرتها وشعرها تماما , مما أضفى على مظهرها هدوءا هي في أمس الحاجة أليه , وفيما هي خارجة من الغرفة ألقت نظرة على الباب المجاور , كانت تكره فكرة وجود رايك وحيدا يتناول عشاءه في ظلام دامس , لكنه كان من الأفضل أن تتركه هكذا لهذه الليلة فقط , فقد يصبح في الغد أكثر قبولا لفكرة وجودها قربه , أما الآن فما زال غاضبا لأنه تأكد من ضرورة وجود ممرضة ألى جانبه.... نزلت أنجي من الطابق العلوي عبر الدرج الخشبي الرائع ألى الطابق الأرضي.
كان في أنتظارها , في ملابس العشاء الرسمية , رافعا رأسه الرمادي الشعر بفخر , فأنفرجت أساريرها , أذ أحست بأن الفترة التي أمضتها بعيدة لم تكن طويلة , كان هذا الرجل كارلوس دي زالدو حاكم الجزيرة العام , وقفت تتأمله قليلا ولاحظت بأنه أورث رايك قوة تعابيره , والأختلاف الوحيد الظاهر بين وجهيهما يكمن في قدرة عيني دون كارلوس على الرؤية , وبحيوية وبريق مشع يعكس عيني رايك , بادرها الحاكم بالقول :
" يا طفلتي العزيزة ". وأستطرد ممسكا بيدها : " كم أنا سعيد برؤيتك ثانية , لقد كبرت وأصبحت فاتنة ! منزلي هو منزلك فأهلا وسهلا بك بيننا ".
وأنحنى على يدها مقبلا , ما أن لامستها الشفتان حتى أحست بالحيوية التي تميز دون كارلوس عن باقي الرجال الذين في مثل سنه .
" أنا سعيدة برؤيتك ثانية , يا سيدي ". وتابعت بفخر : " كنت أتمنى أن أعود ألى هنا كزائرة لا كممرضة".
فنظر أليها بأسى وقال :
"آه , نعم , لقد قابلت ولدي , أليس كذلك ؟ ما هو الأنطباع الذي كونته عنه؟".
" أنه يتهرب من مواجهة الواقع ويحاول أبقاء نفسه , وحيدا وبعيدا , بصراحة هذا أسوأ ما يمكن أن يفعله , أعتقد أن أولى واجباتي ستكون بأقناعه في الخروج ألى بعض النزهات في الجزيرة لكي يعتاد على عالمه الجديد , أنه ذو أنفة , كما تعلم , وهو خائف من مشاعر الشفقة والخوف التي يكنها الناس للأعمى , هذه المشاعر ليست رفضا , كما يجب أن يعتقد , وأنما هي تنبع من خوفهم عليه ".
أمسك دون كارلوس بيديها وقربها منه قائلا :
" أرى أنك فكرت مليا في الموضوع , يجب أن يكون هناك أمل في شفائه , رايك هو أبني وأشك أن تكون لدي القدرة على مواجهة هذه الكارثة".
" أن كان فقدان البصر نهائيا , فعليك مواجهة الأمر عاجلا أم آجلا , لقد تكلمت بدون شك مع الجراح الذي أجرى العملية لأبنك , هل أخبرك بأن هناك أملا في الشفاء؟".
جال دون كارلوس ببصره في الغرفة وهز رأسه وهو يقول:
" أن الأطباء يغيظونني كثيرا , فهم يتهربون من الأجابة على أسئلة دقيقة وحساسة تطرح عليهم , لقد أخبروني بأن رايك محظوظ لبقائه على قيد الحياة لأن بعض شظايا القنبلة قد أخترقت الدماغ والجرّاح لم يكن واثقا من النتيجة , سمحوا لي بأحضاره ألى المنزل لكنهم أشترطوا علي وجود ممرضة مقيمة معه هنا , فأقترحت مايا أسمك فورا على أعتبار أنك أفضل من يتولى هذه المهمة , وكان من حسن حظنا أن ظروفك سمحت لك بأن تأتي , أنا ممتن جدا , أنجيلا , لرغبتك الصادقة في مساعدتنا في هذه الظروف العصيبة التي نمر بها".
فأبتسمت بشحوب وكاد التأثر يدفع بها ألى البكاء:
" ولم الأصدقاء أذن يا سيدي؟ تأكد بأنني سأبذل قصارى جهدي من أجل جعل رايك يتكيف مع واقعه الجديد".

أمل بيضون 02-11-10 01:45 AM

" يا ألهي , لماذا كان يجب أن يحدث هذا لرايك ؟ ما هو العمل السيء الذي فعلته لك يا ربي؟ لقد خاض أبني معارك طاحنة وحاز على رتبته العسكرية بالعرق والدم وحمل أوسمة الشجاعة , أن هذه العاهة التي يصارعها الآن تكاد تحطمه يا أنجيلا , أن كل الأشياء التي يفضلها تحتاج ألى قوة ومهارة بدنية ...... هل تعلمين بأنه حمل لقب أستاذ سلاح ؟ هل تعلمين كيف كان يسبح؟ وهل تعلمين أن .... يا ألي , أن ما حدث يكاد يخنقني يا أبنتي".
" لكنه ما زال قادرا على السباحة يا سيدي , أن المحيط لا عوائق فيه كحياتنا المكتظة بالبشر والآلآت , هذه مشكلة بسيطة يمكن حلها سريعا".
" نحن لم نفكر هكذا في البداية ".
وتابع بأبتسامة حزينة : " نعم يا أبنتي , لكن السباحة ليست كل شيء , لقد كنت طموحا جدا في ما يتعلق بمولودي البكر , وأنا أتساءل الآن أذا كانت هذه هي خطيئتي , وخطيئة الزهو والتباهي".
" أؤكد لك بأنك تستطيع أن تتباهى وتفخر بأولادك جميعا يا سيدي".
" تماما, ألا أن مايك كان البكر وجاء حاملا معه كل ما يتمنى الأب أن يراه في أبن سيحمل أسمه ويرث شجاعته وأندفاعه كأندفاع مصارع ثيران , أنا أحب أبني الثاني سيب كثيرا لكنه قرر الأنتماء ألى عالم الفن رغم أنني لم أحاول أبدا أن أتدخل في حياته , ألا أن ما أراه غريبا هو أن يختار أبني مهنة صناعة الأفلام ".
" لقد أثبت سيب أنه ناجح في صناعة الأفلام , وهو يتمتع بمركز مرموق جدا في هذا المجال في أنكلترا وأنا شخصيا أسر بالأفلام الناجحة , ثم , ألا تعتقد معي يا سيدي , بأن الأفلام تحتوي على قدر أقل من الوحشية الموجودة في مصارعة الثيران؟".
" آه , أنها الأنكليزية التي تكره مصارعة الثيران , لا تنسي يا عزيزتي بأنهم لا يزالون يصطادون الأيل في بلدك , أود أن أسمع رأيك حول هذا الموضوع".
وأجابته فيما كانت عيناها تعكسان كرها للذين يستعملون الحيوانات والناس في تسليتهم الشخصية , فقالت :
"أنا أكره هذه التصرفات , أننا نعيش في عالم قاس لا يرحم , وبعض الناس ينسى أو يتناسى أن كل المخلوقات لها شعور ".
" يبدو لي أننا ومايا أحسنا صنعا بدعوتك ألى هنا".
وأطرق ثم تابع بالأسبانية :
" أنت ملاك سماوي , هذه عبارة نستعملها نحن الأسبان في وصف أنسان رقيق القلب وأنيس المعشر , بدون شك أنت تعرفين لغتنا , ما أذكره هنك أنك تربيت , كأولادي تماما , على محبة الله ورسله وأنبيائه , أنت تؤمنين بكتبه وتعملين بتعاليمه , أليس كذلك ؟".
" تماما , وخاصة أن مهنتي كممرضة تفرض علي أن أحيا مع المرضى في أحزانهم وآلامهم لذلك فأنني أستعين بأيماني بالله عندما تواجهني متاعب ومصاعب , وصدقيني , كثيرا ما واجهتني مشاكل وصعوبات , وكنت أتغلب عليها دائما بفضل أيماني ".
" رغم كل هذا , أنا متأكد من أنك تقرين ببعض الخطايا ككل أنسان على وجه الأرض".
" آه , من هذه الناحية , أنا أوافقك الرأي , فأنا لا أحيا بأسمي تماما , وأكره أن أكذب على الناس وأظهر لهم على غير حقيقتي ".
" أنا أظن بأن رايك يوافقك على هذا الرأي , ألا تعتقدين ؟".
" تماما , سيدي".
لعدة دقائق بقيت أنظار أنجي معلقة بدون كارلوس, لقد بدت يافعة , حساسة ورفيعة القامة بعكس دون كارلوس الواقف أمامها والذي كان مثلا حيا للذكور اللاتينيين.
" تعال معي , أريد أن أريك شيئا".
أمسك بها من يدها وسار وأياها عبر القاعة ألى حيث علقت لوحة زيتية كبيرة , كانت اللوحة جميلة جدا , مرممة في بعض أجزائها , وتمثل تنينا أسطوريا ووحيد القرن وفتاة بيضاء مقيدة ألى شجرة وأكليل من الورد الأحمر يعلو رأسها .
" لقد أشتريتها منذ عدة سنوات ". وتابع وهو ينظر ألى اللوحة بعينين مغمضتين : " اللوحة تمثل البراءة المهددة , أمرأة تتنازعها عاطفتان : الرغبة والطهارة , أن التنين يرمز ألى الرغبة فيما وحيد القرن يرمز ألى الحبيب البعيد المنال , لقد أشتريت هذه اللوحة لمضمونها ولأعتقادي بأنها تشكل بتعليقها هنا مفاجأة سارة لكل من يراها للمرة الأولى , ماذا تعتقدين؟".
" هذا رائع يا سيدي".

أمل بيضون 07-11-10 07:03 PM

ورمقته بنظرة سريعة متسائلة , أن كان يشك بأنها رضخت لقلبها وعادت ألى باتلتار , أن دون كارلوس أنسان حاد الذهن , فطن وبعيد النظر , فهل يكون تفسيره لمزايا هذه اللوحة الآن محاولة لأفهامها بأن رايك بعيد المنال ؟ أن هذا الرجل أسباني حتى العظم وغني حتى العظم أيضا , لذلك ساور أنجي بعض الشك في أن يكون الوالد يريد لأبنه أن يتزوج فتاة لاتينية من مستواه الأجتماعي , ربما كان دون كارلوس يفكر بفتاة معينة ....ربما تكون أيزابيل التي رباها وعاملها بحنان ولم يميز بينها وبين أبنته الحقيقية ماريا.
قد يكون هذا أيضا عائدا ألى أن رايك يواجه مستقبلا غامضا ولذلك يريده دون كارلوس أن يتزوج سريعا , حتى أذا ما أصيب بمكروه لاحقا يكون لديه ولد يرثه.
وأذا بحبل أفكارها يقطعه دون كارلوس قائلا:
" تعالي , لا بد أنك تشعرين بالجوع بعد رحلتك الطويلة من لندن".
رافق دون كارلوس أنجي ألى غرفة الطعام الفاخر الأثاث التي ما أن دخلتها حتى لاحظت بأنها لم تتغير كثيرا منذ أن تناولت الطعام فيها لآخر مرة , كانت النوافذ مغطاة بستائر من المخمل المنسدل بذوق والأثاث الفاخر الداكن اللون يلمع تحت وهج نور الثريا مما يزيده جمالا , كانت طاولة الطعام معدة بعناية , وفضية كريستوفل وكريستال سان غوبان يزيدان من رونقها , جالت أنجي ببصرها على الطاولة فشاهدت في منتصفها سلة كبيرة من زهور الغاردينيا مرتبة بأناقة وتفوح رائحتها في المكان .
أحست أنجي بثقل يضغط على صدرها عندما شاهدت كرسي رايك الذي لم يشغله منذ أصابته, ولاحظ دون كارلوس هذا الأمر فقال لها وهو يشير بيديه بعصبية :
" رايك أنسان راشد , وأنا لا أستطيع أن أرغمه على الجلوس ألى المائدة كما لو كان صبيا , يحزنني أنه يفضل البقاء بعيدا عنا".
" كان رايك يرغب دائما في أن تسير الأمور وفق أرادته , هل سبق لك أن تعاملت مع مريض مثله أيتها الممرضة هارت؟".
كان هذا الصوت لدونا فرانشيسكا , الأرملة وشقيقة دون كارلوس , قالت هذا الكلام بعد أن حيّت أنجي بأنحناءة خفيفة , أحست أنجي بلسعة باردة بسبب لهجة الدونا , لقد بدا لها وكأن هذه الأخيرة تحاول أن تضعها في مكانها الصحيح , بعد أن شعرت أنه ليس من اللائق بأن تتناول ممرضة رايك طعام العشاء ألى مائدة العائلة , وضعت أنجي فوطة الطعام على صدرها وأجابت :
" لا , لم يسبق لي أن تعاملت مع مريض مثل السيد رايك , أنه ليس غريبا بالنسبة ألي , ولا أستطيع أن أعامله بلا مبالاة , أنا , بالطبع , أتذكر كيف كان ".
" هل تعتبرين أن أبن أخي قد تغير كثيرا؟".
فأجابت مايا عنها بعصبية وهي تحدق بعمتها :
" بالطبع , تصوري نفسك تفقدين البصر بحادث أنفجار قنبلة , هل ستظنين بأنك ستصبحين ناعمة جذابة وهادئة الأعصاب ؟".
أتسعت حدقتا الدونا وهي تنظر ألى مايا بذهول كمن لم يكن يتوقع هذا الجواب الجاف .
كانت طريقة أرتداء الدونا للملابس تدل بوضوح على غناها الفاحش , لم تكن تعيش في الفيللا على عاتق دون كارلوس , لكنها أحتلت جناحا كاملا نقلت أليه بحرا كل المفروشات التي كانت موجودة في منزلها في مدريد , لم ترزق بأولاد , لذلك كانت من النساء اللواتي تتسم تصرفاتهن بالصرامة بدلا من التسامح.
حافظت الدونا على هدوئها وأجابت أبنة شقيقها بالقول :
" لقد أختار رايك بنفسه مهنة السلاح يا مايا , ولا أعتقده فعل ذلك وهو يجهل مخاطرها , لو وافق على العمل مع زوجي المرحوم في حقل القانون والحقوق لما حصل ما حصل , كارلوس سيرافقني على أن لرايك أمكانات فكرية ضخمة وهو لو....".
وقاطعها دون كارلوس قائلا :
"أن الجندية تسري في عروقه وتعيش في أحلامه وهذا نعلمه جميعا , أليس كذلك يا فرانشيسكا ؟".
" أنظر ألى النتيجة , أعمى في ريعان الشباب , خائف ومنعزل عن الجميع! لو كان أبني ل .......".
" لكنه أبني أنا , وأنا فخور به , لقد قام بواجبه كأسباني , ونحن لا نزال نأمل في أن يتعافى قريبا ".
" أنا أصلي من أجل هذا يوميا يا كارلوس , أنه وريثك وكان عليه أن يأخذ هذا الأمر بعين الأعتبار قبل أن يفعل ما فعله من أجل الحصول على ميدالية عسكرية!".

أمل بيضون 08-11-10 09:00 PM

نظر دون كارلوس ألى شقيقته بشذر قائلا :
" كفى! ما حدث قد حدث , أنه القدر ولا أحد يستطيع أن يعانده ! فلنتناول طعام العشاء!".
" حسنا , كما تشاء يا عزيزي كارلوس , أنه القدر ! لكن من المتوجب على رايك أن يبذل قصارى جهده للجلوس معنا ألى الطاولة , نحن نفهم ونعي الصعوبات التي يواجهها ونسامحه على تصرفاته".
كانت أيزابيل تجلس ألى المائدة قبالة أنجي , ويدها تلعب بكأس الشراب أمامها بتوتر ظاهر , توجهت لأنجي بالقول ببطء شديد وأصرار :
" على أنجيلا أن تغريه بالأنضمام ألينا , هل تظنين بأنك سوف تتمكنين من تسييره ؟ فهو , كما قالت عمتي , صلب الأرادة وبأمكانه المعاندة كالثور , هل تظنين أنك قادرة على هذه المهمة ؟".
" هناك مثل أنكليزي يقول : أن الأنسان يتعلم السير قبل أن يتعلم الجري , ومريضي هو أنسان أعمى ويعيش في الوقت الحاضر في عالم يختلف كثيرا عن عالمنا , أنه يعيش في عالم من الأصوات والأحاسيس عليه أن يتعلم الخروج منه , أذا شاء أحد منكم أن يستكشف هذا العالم , فما عليه ألا أن يضع ضمادة على عينيه ويحاول السير في غرفته الخاصة , صدقوني , أن تجربة من هذا النوع ستكون مخيفة وصعبة , خلالها يفقد الأنسان أحساسه بالمكان والزمان فلا يعود يرى جدران الغرفة مثلا ويصبح خائفا على الدوام من أن يصل ألى الحافة ويقع , طبعا الحافة هنا وهمية لأن الأحساس بحدود المكان لم يعد يضبطه النظر".
حدقت أيزابيل بأنجي والشعور بالكراهية باد عليها , وقالت :
" أرى أنك فكرت كثيرا بموضوع رايك , هل طبقت هذه التجربة على نفسك؟".
" نعم , لقد أرغمت نفسي على البقاء بضع ساعات في ظلام كامل , ورغم أنني كنت أعلم أن بمقدوري أنتزاع الضمادات ساعة أشاء فقد كانت التجربة مرعبة , رايك لا يستطيع أن يفعل هذا , عليه أن يعتاد على الظلام الدائم ,وبما أنه كان شخصا ديناميكيا , فقد شكل هذا الموضوع صدمة نفسية قوية له , ورايك ......".
قاطعتها مايا وهي تقول بتأثر :
" لو.... لو كنت مكان رايك , لرغبت في الأنزواء بحزني وألميبعيدا عن الناس ".
" أنا , من ناحيتي , لن أشجع رايك على القيام بعمل كهذا , عليه أن يتعلم قبول عاهته كتحدّ , كمعركة عليه أن يخوضها بنجاح , لقد ألتحق بالجيش لأنه وفر له هذين الشيئين : التحدي والمعركة , وعندما يتقبل الفكرة القائلة بأن عاهته يمكن التغلب عليها , عندها سوف يتغلب عليها بشكل كامل وفعال".
فسألتها مايا والدموع تترقرق من عينيها :
" هل تعتقدين فعلا بأنه سوف يقاتل في هذا السبيل يا أنجي؟ أنا أحب أن أراه ثانية في بذلته العسكرية , كانت تناسبه تماما ! ما زلت أتذكر عندما كان هنا في أجازة , وذهبنا لتناول العشاء في كاستيللو دو مارديفال , فهناك قدمته ألى رودي".
قطعت كلامها فجأة وراحت تحدق في الحساء الموضوع أمامها , وشاهدت أنجي دمعة تنساب على خدها , ثم أستطردت قائلة :
" أنا لم أعد أستطيع الأحتمال , تكون الحياة ولا أجمل ثم , فجأة تنقض من السماء غيمة لا أدري من أين تأتي وتهدم كل الآمال التي يكون بناها الأنسان , أنا ما زلت أنتظر تتمة هذه المصيبة كما لو أن لعنة قد حلت علينا".
" كفى".

أمل بيضون 08-11-10 09:07 PM

ضرب دون كارلوس الطاولة بكفه فقفزت الأقداح وصحون البورسلين الصيني الفاخر :
" أنا أمنعك من التحدث بهذه الطريقة , تعالي , مايا , أكملي عشاءك وحاولي أن تطردي هذه الأفكار من رأسك , أنسي عازف الغيتار الشاب هذا ! أنه ليس لك! لقد قلت هذا ويجب أن تحترمي كلمتي!".
أعترضت قائلة :
" أنا لم أعد طفلة !".
" لقد أمرتك بأن تنسيه ! نحن عائلة متدينة تحيا بخوف اله عز وجل , لقد سبق وأبلغتك والآن أكرر القول: أنا لن أسمح لهذا الشاب الذي ترك زوجته من دون سبب بدخول عتبة هذا المنزل , فليكن كلامي واضحا وللمرة الأخيرة!".
" لم تكن لتعلم بهذا الأمر لو لم تنقله أليك أيزابيل , أنها تسر وتفرح عندما تشي بي , لقد كانت هكذا دائما".
" أنا أقدر العمل الذي قامت به أيزابيل بأخباري حقيقة الأمر , وأقدر أيضا شعورها وأحساسها بالمسؤولية ".
كانت عيناه تحدقان تارة بالغاردينيا على الطاولة وطورا بمايا , فلاحظت أنجي , وللمرة الثانية أوجه الشبه بين دون كارلوس ورايك , لم يكن شبها جسديا فقط , با كان شبها في الغطرسة أيضا , عندما يتعلق الأمر بأصدار حكم من الأحكام , كان يبدو على دون كارلوس بأنه يتمسك بقراره بشدة مثل أبنه تماما .
نظرت أنجي ألى أيزابيل فرأتها تبتسم أبتسامتها الخبيثة كعادتها عندما يكون الجو متوترا .
قالت مايا :
" ليس بمقدورنا أن نلوم رودي على الطلاق , فزوجته أحبت شخصا يعمل مع فريق موسيقي آخر".
أجابها بحنق :
" مغنون! مغنون! أن هؤلاء الناس لا شعور بالمسؤولية لديهم , عند أقل هفوة أو مشكلة يطلقون".
نظرت مايا ألى والدها وعيناها تقدحان شررا:
" أبي , أنت تطلق الأحكام على الماس جزافا , ولا تكتفي بذلك بل تحاول التحكم بمجرى حياتي وترغب بتدميرها , من المعروف أنك أنت أيضا وقعت في الحب من النظرة الأولى!".
" أمك كانت ملاكا ولم تكن مثل هؤلاء الشبان الذين يطبلون ويزمرون على المسارح .....".
ألتمعت تحت ضوء الثريا شفرة السكين التي كان يد الدون تقطع بها شرائح من لحم الخروف المشوي وتضعها في صحون يوزعها الخدم حول المائدة .
" كيف تستطيعين القول , يا مايا , بأن هذا الفتى قد وقع في الحب من النظرة الأولى ؟ ". وتابع مستطردا : " لقد كان متزوجا وعلى المرء أن يفترض بأنه كان يحب عند ذاك أيضا".
كان الصحن يهتز في يد مايا من شدة غضبها :
" أن زواجه كان خطأ , لقد كانت أكبر منه سنا وأغرته بالزواج منها , أننا في النهاية , جميعا معرضون للخطأ ".
" من الطبيعي أن يبرر نفسه بهذه الطريقة وأنت كفتاة عاقلة لم يكن عليك أن تصدقيه , بأستطاعتي أن أؤكد لك , يا أبنتي العزيزة , بأنك ستستعيدين هدوء أعصابك قريبا وستعرفين بأنك كنت على خطأ , أنت من لحمي ودمي , مايا , وهدفي هو أن ترتبطي , عن حب , بشاب أسباني الدماء والمبادىء".
وأستطرد بعد أن رمقها بنظرة سريعة :
" لو لم تخبرني أيزابيل في الوقت المناسب , لكنت قمت بعمل جنوني ورديء جدا".
ردت مايا على نظرة والدها بنظرة تشابه من يضمر الشر والأذى لغيره فيما كانت أيزابيل تبتسم بخبث وهي تتناول جرعات صغيرة من العصير.

أمل بيضون 08-11-10 09:13 PM

خلال كل هذا الوقت كانت أنجي تراقب الجميع وهي مضطربة وحزينة , لقد بدا لها أن أيام الفرح غطتها الظلال وأن وقت اللعب أنتهى , أن مشكلة رايك قد أربكت أهل المنزل ووترت أعصابهم ألى حد كبير , راحت أنجي تراقب مايا وهي تتناول طعامها بهدوء عجيب , لقد كانت تعرف مايا جيدا وتعرف أن هذا الهدوء أنما في الظاهر , كانت دائما أبنة مطيعة , لذلك لم يكن من المتوقع أن تتطور المواجهة بينها وبين والدها ألى أكثر من هذا الحد , فهي في النهاية ستخضع لرأيه لكن عدم موافقته على علاقتها برودي أغضبتها وأثارت حنقها عليه , أضافة ألى قلقها المستمر على أخيها المريض.
أنتهى العشاء وقدمت بوظة الفانيليا , كانت هذه الحلوى هي المفضلة عند رايك وسيب , وكانا دائما يطلبان صحنا أضافيا , لكن بسبب غيابهما عن العشاء وجدتها أنجي أقل لذة من المعتاد.
رفضت مايا أن تتناول القهوة في غرفة الجلوس , وقالت أنها تفضل أن تتمشى قليلا , لم يجد دون كارلوس ما يدعو للمناقشة في هذا الأمر , ثم بادر أنجي بالقول , بعد تفكير طويل وبينما كان يتحسس شاربيه :
" أن مشاكل الأولاد تزداد كلما كبروا , كانت مشاكلهم أقل بكثير عندما كانوا في المدرسة , كيف أفهم مايا بأنني حازم معها من أجل مصلحتها الشخصية وسلامتها؟".
" أحقا من أجل سلامتها , يا سيدي؟".
" ما أعنيه هو: لماذا لا نسمح للجميع بأن يجربوا ما يشاؤون ويتحملوا بالتالي نتائج هذه التجارب".
فنظر وهو مقطب الجبين , فبدا لها مثل رايك تماما , وقال :
" هل تعنين بأنني أتصرف معها بطريقة فظة وغير مقبولة؟ هل تعتقدين بأنه يتوجب علي السماح لها برؤية هذا الشاب ؟ لا تنسي بأنه طلق زوجته , ثم هناك نقطة ثانية حول هذا الموضوع , أنه يعمل في الأستعراضات الغنائية وليس له دخل مادي ثابت , فمعيشته غير مضمونة , يا ألهي , لو رضخت لدموعها أكون قد تخليت عن مسؤولياتي كأب , لقد عاشت مايا حياة هانئة وآمنة وهي لا تزال غير ناضجة عاطفيا , أن هذا الحب لا يعدو كونه نزوة عابرة وسوف تنساه سريعا".
" أنها تبدو حزينة........ شكرا".
وأخذت أنجي فنجان القهوة الذي قدم لها وجلست في أحد المقاعد الفاخرة التي تزين غرفة الجلوس , كان الأثاث أسباني الطراز وتتوسط الحائط خزانة من الزجاج المصقول تضم مجموعة ثمينة من تماثيل العاج وحجارة الجاد , من نوافذ هذه الغرفة تبدو الحديقة الخارجية المسقوفة والغنية بأنواع الزهور والورود , وأنجي تتذكر بنوع خاص أزهار الياسمين التي كانت تفوح في الحديقة وتزيدها سحرا على سحر .
توجهت أيزابيل نحو البيانو الذي تحولت مفاتيحه العاجية البيضاء ألى اللون العسلي بمرور الزمن , وراحت تعزف لحنا عرفته أنجي فورا , أنها أغنية فرنسية قديمة كانت تستمع أليها أيام الصبا دون أن تستوعب معاني الكلمات , كانت تقول :
" أن متعة الحب لا تدوم ألا لحظة واحدة , ولوعة الحب تدوم العمر كله ".
فقال دون كارلوس على الفور لأنجي , وكان يعرف الأغنية :
" قد يكون الأمر كذلك لبعض الناس , لكنني بالتأكيد لا أريد هذا لمايا ولا لبقية أولادي ".
ورفع كأس الشراب ألى شفتيه وتجرع قليلا منه وراح يحدق بصمت بأنجي التي لا تزال متوترة ومشدودة الأعصاب , فجأة قفز قلبها في صدرها أذ تكهنت ماكان يدور في رأس دون كارلوس في تلك اللحظة , لعل سرعتها في الحضور لتمريض رايك أثارت شكوكه في أن تكون قد وقعت ضحية حب سيزيد الوضع تعقيدا ؟
" أن مايا غريبة الأطوار أحيانا , أثناء غيابك لا تمل من الحديث هنك وعندما تعودين , بدلا من أن تجلس هنا معك , ها هي تتمشى وحيدة في الحديقة , أن تصرفاتها تدل على أنه لا يزال أمامها وقت طويل لكي تنضج , لكن لندع موضوع مايا جانبا ونتكلم حول الموضوع الأهم , فهمت منك بأنك ستقومين بكل جهد ممكن من أجل الحد من العدوانية التي تطغى على تصرفات رايك وستحاولين أن تغيري الأفكار التي كوّنها حول ... حول وضعه الجديد , وستجعلينه يتأقلم معه".
" تماما".
" كيف كانت ردة فعله حتى الآن؟".
" أعتقد أنه لو قدر له أن يقطع رأسي لفعل ذلك من دون تأخر".
" ألى هذا الحد؟".

أمل بيضون 08-11-10 10:12 PM

تبسمت أنجي قليلا فيما كانت تشرب قهوتها , وراحت تراقب دون كارلوس بطرف عينيها , لقد كان دون كارلوس مثال النبل الأسباني العريق بطوله الفارع ولونه الأسمر ونظراته الحادة التي تخترق الأشياء , كان شخصا ساحرا وجذابا , وقد أستعمل هاتين الصفتين في حماية مصالح سكان الجزيرة , أذ حافظ على السياحة وعلى التجارة والصيد وهي موارد الرزق الأساسية للسكان , كمن يحافظ على أملاك عائلته الخاصة.
مد دون كارلوس يده ليتناول سيجارا من علبة خشب الورد المحفور والباهظ الثمن , الموضوعة قرب كرسيه , فألتمعت في الضوء أزرار أكمام قميصه وهي من الياقوت الأزرق , قالت أنجي بينها وبين نفسها : أن هذه الأزرار تساوي ثروة دون أدنى شك , لقد كانت كل حركات الدون مدروسة وتدل على أنتسابه ألى بيت عريق , أحست أنجي نحوه بشعور يختلف عن شعورها السابق عندما كانت لا تزال تلميذة مدرسة , لقد كبرت أما هو فما زال يتمتع بحيويته ورشاقته ولو لم يتغير لون شعره قليلا لما شعر أحد بتقدمه في السن .
في تلك اللحظة بالذات دخلت دونا فرانشيسكا ألى الغرفة , كانت قد صعدت ألى الطابق العلوي , لتحضر أدوات التطريز التي تتسلى بها , كما قالت , رغم أنه بأمكانها أن ترسل أحد الخدم لأحضارها , لكنها عادت , مما بدا أنها محاولة فاشلة منها لأقناع رايك بالنزول والجلوس مع العائلة .
قام الدون كارلوس عن كرسيه لأحضار فنجان القهوة لشقيقته , فتأملته أنجي وقالت لنفسها : هذا ما سيكون عليه رايك في كهولته , أذا قدّر له أن يعيش.
قالت الدونا لشقيقها بالأسبانية :
" شكرا جزيلا يا كارلوس ".
ووضعت فنجان القهوة على الطاولة ألى جانبها , وفيما كان شقيقها يعود ألى مقعده والسيجار في يده , أخرجت من سلة التطريز شيئا ما وحدقت بعينيها الداكنتين بأنجي , لم يتكلم أحد , ولم يكن ليسمع في الغرفة ألا العزف على البيانو , فيما كان يعبق المكان برائحة سيكار هافاني من النوع الممتاز , فكت دونا فرانشيسكا عقدة الصمت وقالت :
" لدي هنا وشاح وهو ملك للعائلة منذ وقت طويل , قد يبدو خرافيا ما سأقوله لكم , لكنه معتقد متوارث : يقال أن هذا الوشاح له قدرة عجيبة على التهدئة وربما على شفاء من يصاب بجرح بليغ , علي أن أعترف , أيتها الممرضة هارت , بأنني حاولت , عدة مرات , أن أقنع أبن أخي بوضع هذا الوشاح على وجهه , لكنه كان يرفض بأستمرار ويضحك ساخرا :
قاطعها دون كارلوس قائلا:
" أنه على حق ! هذا جهل وخرافة!".
" أنت وأبنك تسخران دوما مني عندما أتكلم في الموضوع ".
" هذه خزعبلات ! ونحن لم نعد في العصور الوسطى يا أمرأة !".
" لا بأس عليك ! لكن , بربك قل لي , ماذا سنخسر أذا حاولنا؟ ثم لا تنسى أن هذا الوشاح مبارك".
" كيف وصل هذا الوشاح ألى عائلتنا؟ هل هو حقا مبارك ؟ سؤالان ما زلنا نطرحهما دون نتيجة , أعتقد بأنك تعرفين أنه ليس من المناسب أن يبقى هذا الوشاح بين يديك في أية حال ؟ وأنا أشك بأنك تعرفين أنه لا يمكن الركون ألى كل ما قاله بعض أجدادنا حول هذا الموضوع".
" لقد كان هذا منذ زمن بعيد , يا أخي , ولكن لدي أثبات على أن لهذا الوشاح قوى خفية, خذي قضية خادمتي بيلار مثلا وألم الهر الذي كانت تعاني منه , لقد وضعت هذا الوشاح على كليتيها فزال ألمها , ثم هناك حالة بنت حمي أليدا التي كانت عاقرا , أستعملت الوشاح معها أيضا وكانت النتيجة أن أنجبت توأمين كما تعلم !".
علت وجه دون كارلوس أبتسامة ساخرة وقال :
" أنها أعجوبة , أليس كذلك ؟ دعينا من هذه الخرافات يا عزيزتي , أن ما حدث مع أليدا لم يكن حالة غير طبيعية , فللطبيعة سرها في صنع أشياء غير عادية".

أمل بيضون 08-11-10 10:18 PM

أصغت أنجي ألى الحديث المتبادل ورأت أنه من المفيد أن تتدخل في الموضوع بطريقة دبلوماسية , أن النساء الأسبانيات المتقدمات في العمر يومنّ بخرافات بالية , وكان هذا واضحا من حيث الدونا , فقالت لهذه الأخيرة بنعومة :
" دونا فرانشيسكا , ما رأيك لو حاولت وضع الوشاح على أبن شقيقك بنفسي؟".
فأجابت وهي تشد بيديها على الوشاح :
" ربما كنت نجحت , لكنه لن يسمح لي بالأقتراب منه ومعي الوشاح مرة ثانية , لقد حاولت لكنه رمى به ألى الأرض".
فقال دون كارلوس :
" هذا دليل على نضوجه ووعيه".
" أن رايك يزأر الآن كأسد عالق عالق في شبكة صياد ". وتابعت أنجي مستنتجة : " وأية محاولة منا لوضع الوشاح على وجهه سوف تزيد من هذا الشعور لديه".
حدقت الدونا بأحترام بأنجي وقالت لها:
" أنت تبدين يافعة , ومع ذلك تفهمين.....".
" أفهم , يا سيدتي , أن ثقة وأمل البعض قد يلهمان المريض بضرورة المقاومة من أجل التحسن والشفاء , أنت تلاحظين أن حاسة السمع عند رايك أصبحت حادة , لذلك فالخطة الوحيدة الممكن تنفيذها هي التالية : سأدخل ألى غرفته عندما يكون خارجها وأضع الوشاح على وسادته , وعندما يعود لينام سوف يلقي برأسه عليه دون أن يشعر ".
فقاطعها دون كارلوس :
" أما زلتما تتابعان الموضوع؟ ما هذا الهراء؟ ما هذه السخافة ؟".
فنظرت أليه أنجي بثبات ليقرأ أفكارها , كان عليه أن يفهم بأن وراء تصرفات أخته المزعجة يكمن أهتمام كبير بمشكلة رايك .
تمتمت أنجي قائلة :
" وأين الضرر في هذا , يا سيدي؟".
نفث الدخان عبر شفتيه وحدق بعيني أنجي الزرقاوين , ثم قال :
" أنتن النساء أشد المخلوقات غرابة على وجه الأرض , حسنا كما تشاءان , لكن لا تلوميني يا أنجي أذا ما مزق رايك الوشاح ".
فقالت له الدونا:
" ستسمح لنا بذلك , يا كارلوس؟".
" أذا أصريتما على متابعة هذه اللعبة السحرية ". وتابع وهو يسند رأسه ألى ظهر المقعد : " وأنت يا أيزابيل , ماذا تظنين؟".
سارت أيزابيل ببطء نحو مقعدها وهي تتمايل في فستانها المخملي الأخضر ثم جلست وراحت تحدق بدون كارلوس , ما أن شاهدتها أنجي على هذه الحال حتى تذكرت لوحة زيتية رأتها في مكان ما , كانت تمثل قططا سيامية تبدو هادئة لدرجة أخفاء مخالبها.
" لم أكن أعلم بأن الممرضات يتعاطين السحر الأسود , هل يؤلمك أن تشاهدي رايك محروما من تفوقه كرجل على الآخرين ؟".
" أنا لا يمكنني أن أتصور , ولو للحظة واحدة , أنه يمكن لمثل هذا الأمر أن يحدث....".
تفحصت أنجي ريبة الدون بحشرية واضحة من رأسها حتى أسفل قدميها وتابعت :
" عليه أن يتعلم العيش بطريقة تناسب وضعه , وعندما سيكتشف بأن لديه قدرات لا نملكها , عندها فقط , سيعود ويتمكن من السيطرة على نفسه من جديد".
" أن من يسمعك تتكلمين هكذا يعتقد بأنك تعرفينه معرفة حميمة , لو سمحت لي بأستعمال هذه الكلمة ؟".
ونظرت أيزابيل ألى أنجي نظرة من يشك في أمره , مما جعل أعصاب هذه الأخيرة تهتز فأجابتها بصرامة وتصميم :
" أنني أعمل في مهنة التمريض منذ خمس سنوات وأنا أعرف بأن الشجاعة وقوة الأرادة تفعلان المعجزات , ولو لم أكن واثقة من قدرتي على مساعدة رايك لما كنت هنا".
" آه , طبعا , أنا أعتقد بأنك كنت مستعدة للزحف على ركبتيك , فقط لكي تكوني ألى جانبه!".
فجأة صرخ دون كارلوس بأيزابيل :
" أيزابيل ! بحق الله , عما تتكلمين؟".
" أنجيلا تعلم تماما عما أتكلم , فلماذا لا تسألها ؟".
راح دون كارلوس يحدق كالمذهول تارة بأيزابيل وطورا بأنجيلا التي أحست فجأة بأرتباك شديد , كما لو أن مضيفها قد تحول فجأة ألى محقق.




العسل المور 11-11-10 04:53 AM

رائعه ومنتظريينك
بالوفيق

dalia cool 12-11-10 04:58 AM


ЄҺểểяΨ 21-11-10 04:56 AM



منتظرينك آموول
:elk:

جورجينا 21-11-10 04:19 PM

شكراااااااااااااااااااااا

مهمومة 22-11-10 09:13 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

اسنات 27-11-10 04:22 AM

:sm13:التكملة بلييييييييييييييييز:sm13:

أمل بيضون 29-11-10 10:07 PM

4- الأنامل تبصر أحيانا!

لم يسبق لأنجي أن وجدت نفسها في وضع محرج مثل هذا الوضع , أذ تحولت فجأة مشاعرها نحو أيزابيل من عدم ثقة ألى كراهية , لأنها جعلت الشك يتسلل ألى النفوس حول موضوع عودتها ألى الجزيرة .
كان دون كارلوس ما زال يتفرس في وجه أنجي دون أن يدري ما أذا كان عليه أن يصدق ما قالته أيزابيل أم لا.
لقد رغب في وجود أنجي هنا من أجل الأعتناء برايك , لكنه في الوقت نفسه متشدد ومحافظ في كل ما يختص بالأخلاقيات , كانت أنجي تنام في الغرفة الملاصقة لغرفة رايك وسيكون عليها أن تدخل وتخرج غالبا من وألى غرفته , أما الآن , وبسبب ملاحظة أيزابيل فلقد بدأ يساوره الشك حول هذا الموضوع , أما أنجي فهي تعرف الآن ما يدور في رأس دون كارلوس تماما , أنه يتساءل عما أذا كان قد أحسن صنيعا بدعوته شابة ألى منزله للعناية بأبنه.
راح دون كارلوس ينظر بصمت ألى أنجي الجالسة على المقعد ذي اللون الفاتح وشعرها منسدل على جبينها .
" أن هذه الغرفة أشبه بالقبر!".
وضربت حافة الباب عصا فأستدارت أنجي بصورة تلقائية لترى من القادم , قفز قلبها في صدرها عندما شاهدت رايك يلج الباب حاملا عصاه كالسيف , وقف دون كارلوس وقال موجها كلامه لرايك :
" أدخل يا بني وأشرب معنا فنجانا من القهوة".
دخل رايك وهو يتحسس طريقه بالعصا :
" ماذا دهاكم ؟ ما هذا الصمت المطبق؟ أنتم كالتماثيل تماما ".
كانت أنجي تراقبه وأرادت أن تحذره لكي ينتبه ألى الأثاث في طريقه , لكنها أحست بثقل في حنجرتها منذ ملاحظة أيزابيل الأخيرة.
" أنتبه".
رغم ملاحظة الدون ألا أن رايك أصطدم عرضيا بطاولة أصابته في ساقه وآلمته فصرخ قائلا:
" اللعنة ! ما هذا؟".
وما أن قفزت أنجي محاولة أرشاده ألى مقعده , حتى أستدار فجأة فأصابتها عصاه في ذراعها ولم تستطع أن تكتم صرخة ألم لا شعورية , فقال:
"يا ألهي! من الذي أصيب؟".
" لا أحد سواي".
قالها وهي تفرك يدها المصابة , وعندما أستدارت شاهدت أيزابيل تضحك بينها وبين نفسها.
" فقط أنت , أيه, هل أصبت أصابة بليغة؟".
ووقف فوقها ضائعا وحائرا:
" لا عليك , سأبقى على قيد الحياة".
" هل علمتك هذه الحادثة ألا تكوني ملاكا يسرع ألى حيث لا يجرؤ الآخرون على الذهاب؟".
" ليس تماما".
فسخر منها قائلا:
" كلمات شجاعة يا أنجيلا , لكنني أراهن أن بمقدوري أن أجعلك ترتجفين من الخوف".
" هل أنت تهددني بوضع أفعى في سريري؟ لقد فعلت هذا عندما كنا صغيرين ".
" الآن , لقد كبرنا جميعا, أليس كذلك ؟ علي أن أفكر بشيء أكثر أثارة من الأفعى لأخيفك به: رجل , ربما؟".
فأمسكت أنجي فجأة عن التنفس وأحست بأنه عرف بذلك , لقد أرتسمت على شفتيه أبتسامة صغيرة قاسية , فقالت له:
" أن ضربة من هذه العصا على قفاك لن تؤذيك كثيرا ".
" هل أنا ولد شرير وسيء ألى درجة أستحق معها العقاب , أيتها الممرضة؟".
" أرى أنك مصمم على جعل مهمتي صعبة".
" كنت تعلمين بأنها ليست مهمة سهلة , لقد أخترت القدوم ألى هنا وأنا لم أطلب منك ذلك , أنت آخر شخص كنت أتمنى رؤيته هنا , أسألي والدي , وهو سيخبرك كيف كانت ردة فعلي عندما علمت بأنك في طريقك ألينا من أنكلترا".
وتوجهت أنظار أنجي نحو دون كارلوس قبل أن تتمكن من ردع نفسها , فبسط يديه قائلا:
" أنا أؤكد لك بأنه ليس هناك أي شيء شخصي........ بسبب وعه النفسي الحالي كان سيغبه أي شخص كان".
" أبي , ليس من الضروري أن تداري شعورها ". وتابع لامباليا : " لم أكن أريدها قربي , وهل كنت تظن بأنني كنت سأسمح لفتاة يافعة بالأعتناء بي لو كانت لي نصف عين فقط لأرى بها؟".
" أنا ممرضة مدربة , ولست خائفة من الأعتناء بك".

أمل بيضون 06-12-10 05:38 PM


كان الخوف والأحساس بالأهانة يعتمران داخل نفسها , لقد كان يتعمد الأساءة أليها أمام والده , شعرت فجأة بأنها لن تكون بمنأى عن أهاناته المتكررة والمتلاحقة ألا خارج هذا المنزل , لم ترغب بالتفكير بما سيكون عليه وضعها النفسي لدى أنتهائها من مهمتها هنا ولا بما ستمر به من مصاعب خلال هذه الفترة.
" أريدك أن تكون مهذبا مع أنجيلا ". وتابع دون كارلوس حانقا :
" كان لطفا منها أن تأتي ألى هنا في مهمة صعبة , أنت أبني من لحمي ودمي وأنا أعلم أنه أذا كان يناسبك أن تذيق أمرأة ما مرارة الجحيم فأنك ستفعل دونما رحمة أو تردد ".
أدار رايك رأسه باحثا عنها بعينيه المطفأتين :
" أسمعت ما يقوله والدي ؟ لا تنتظري مني أن أكون رحوما لو قبلت بالمهمة".
" أنا لن أغادر , فهذه ليست عادتي , وما عليك لتتأكد من كلامي ألا أن تقابل رئيسة الممرضات التي عملت تحت أمرتها".
" أبتدأ التنين يقذف بحممه , أيه؟".
ثم أشاح برأسه وقال :
" فليناولني أحدكم فنجان القهوة , لو سمحتم ؟ لقد سئمت كل هذا الحديث عن الشجاعة , فوعي الحالي برهان حي عن الجائزة التي يحصدها الشجعان؟".
" تعال , وحاول أن تكون متمدنا ومهذبا!".
قالها له دون كارلوس وهو يجلسه في مقعده ويناوله فنجان القهوة , فأجابه وهو يحدق بحزن في الفراغ مما جعل قلب أنجي يكاد ينفطر حزنا:
" لا أحد يتحمل أن يكون متمدنا من الآن وصاعدا , لقد جن العالم وأطلق سراح الشياطين الذين يعيثون في الأر فسادا ويوقدون فيها نارا ستحرقنا جميعا في يوم من الأيام ".
وضعت عمته يدها على كتفه وقالت له:
" رايك , يا بني , أنس مسألة الحرب هذه , أنت الآن معنا في المنزل وعلى قيد الحياة, ونحن بعيدون عن كل هذا وفي جزيرة في غاية الجمال والروعة والهدوء , أن كل ما هو مطلوب منك الآن هو أن تتعافى وتعود قويا كالسابق".
وأضاف والده وهو يرتشف القهوة :
" أن عمتك على حق يا عزيزي , لقد كان الشيطان بيننا دائما وكنا ولا نزال نحاربه , نحن فخورون بك يا عزيزي لأنك حافظت على شرفك العسكري بفخر وشجاعة".
" أن الفخر يسبق السقطة ألى الأرض , فربما في يوم من الأيام أكون محظوظا , فأقع على الأرض وأكسر عنقي , أن أي شيء يكون أفضل لي من هذا الظلام الدامس! ". وتابع وهو يضحك بسفاهة : " أنا أشعر بأن ملاك الرحمة فوقي يرمقني بنظرة أستنكار , أليس كذلك؟".
فأجابته أيزابيل هذه المرة:
" كم أنت ذكي يا ريك ! أنت سريع جدا بألتقاط الذبذبات !".
أرتشف قهوته بجرعة واحدة وقال ممازحا :
" هذا لأنني أتمرن على الجاسوسية , أيه! هل مايا معنا هنا , أذا كان الأمر كذلك فهي صامتة , لماذا؟".
" لقد ذهبت لتتمشى قليلا ". وتابع دون كارلوس وهو ينظر أليه بحزن : " أنها مكسورة الخاطر لأنني لم أقبل بالمغني الشاب الذي أحبته , أن الرجل الذي يطلق مرة واحدة يطلق أثنتين , فهذا الأمر سرعان ما يصبح عادة لديه , أن الأرتباط بهذا الشاب أمر أرفض البحث فيه!".
" أعتقد بأنك تتصرف كأسباني متزمت جدا يا أبي , ما هي أهمية الطلاق عندما يبدأ الناس بتمزيق بعضهم البعض بالقنابل؟".

أمل بيضون 06-12-10 05:40 PM

جمدت أنجي في مكانها عندما شعرت بالألم يعصره عصرا وهو يتكلم , لم يكن لينسى حادثة القنبلة ولا صراخ رفيقه المحتضر , وراحت تساءل عما أذا كان يشاهد كوابيس وأحلاما مزعجة عندما يأوي ألى فراشه كل ليلة.
" أنا أدرى بمصلحة مايا ". وتابع دون كارلوس بصرامة : " لقد عاشت مرتاحة هنا , ويجب أن تعيش مرتاحة في منزلها الزوجي ".
" ربما رغبت في أن تعيش بعض المغامرات".
" أذا كنت تقصد مغامرات بمعنى السفر , فأنا موافق شرط أن يكون هذا مع الرجل المناسب".
" لكن الرجل المناسب لها قد لا يكون الرجل المناسب لك يا أبي ".
" هل تلومني على موقفي , رايك؟".
" لا, أنما أعبر فقط عن رأيي , أن الحب مؤلم , أذا كانت تشعر بالحب أتجاه هذا الشاب".
" هذه نزوة شباب ! وأكثر الفتيات والفتيان يمرون في ظروف مشابهة وهي تساهم في تحضيرهم للحب الحقيقي عندما يحين الوقت , ومن ناحية أخرى , أنا أقول لك لو كانت مايا متأكدة من حبها لهذا الشاب , لما دخلت في نقاش معي , كانت تحدتني وفرت معه وتزوجا".
" ربما كانت تفعل هذا الآن!".
ألتمعت عينا الدون عند سماعه هذا الكلام وقال :
" بحق الله! لو فعلت لما تمكنت من الجلوس على قفاها لمدة أسبوع على الأقل".
" لو أفترنا بأنك أستطعت أن تصل أليهما سوية".
كان رايك يحك من كل قلبه , فأحست أنجي بالسعادة تغمرها , بدا لها أنه نسي مشكلته للحظات يسيرة , لقد كانت هذه الطريقة الوحيدة التي يستطيع أن يربح المعركة بواسطتها وخطوة خطوة .
" عند ذلك سأعمل على منعهما من مغادرة الجزيرة , لن أسمح لأبنتي بالزواج من ذلك الخائن! هي تعلم هذا الأمر جيدا وتعلم بأنه عليها أن تطيعني في هذه المسألة".
" أبي , أنت صارم جدا في بعض مواقفك , أنت تحب مايا كثيرا وتعاملها بهذا الشكل لتجبرها في النهاية على الزواج من شخص تختاره أنت".
" وأنت ستفعل نفس الشيء مع أولادك".
وفجأة عاد البرود والقساوة يغطيان وجه رايك :
" أولادي! أذا أردت أن يكون لك أحفاد فما عليك سوى الأتكال على أخي سيب".
تم تنهد وتوقف عن الكلام , فقامت أنجي عن مقعدها وألقت بيدها على كتفه قائلة:
" يجب أن تخلد ألى سريرك الآن".
أحست فورا بقوة عضلات كتفه فيما كان يستعد للوقوف , برغم أنها لم تكن فتاة قصيرة ألا أنه كان أطول منها بما لا يقل عن العشرين سنتيمرا , فقال لها مازحا وساخرا في الوقت نفسه:
" هل ستصعدين معي وتمسكين بيدي حتى أنام؟".
فحكت أيزابيل ساخرة :
" هل هذا كاف لكي تغفو في هذه الأيام؟".
أدار رأسه ناحية الصوت ورغم أنه لم يكن ليشاهد شيئا ألا أن أيزابيل أحست فجأة بأضطراب وأتكأت على النافذة المسدلة الستائر , وأختار رايك أن يتجاهل ما قصدته أيزابيل من وراء سؤالها فقال:
" أن الشيء الغريب هو أن المرء تخف رغبته بالنوم تدريجيا عندما لا يعود بمقدوره أن يميز الليل من النهار , أعتقد بأن ضوء النهار يزعج العينين ألى حد معين , لكنها , في أية حال , تجربة أرحب بها بذراعين مفتوحتين".
وظهرت علامات الأسى على وجه دون كارلوس وهو يواسي أبنه:
" لا تيأس يا أبني , لا بد لهذا الأمر أن يحدث عاجلا أم آجلا !".
" في أحلامي النادرة , أليس كذلك ؟". وتابع دون أن يصدق ما قاله والده ." لا تظن بأنني لم أسأل الأطباء عن رأيهم بعد أزالة الضمادات عن عيني وفحصهما , كنت مصرا على معرفة الحقيقة رغم أنني كنت على يقين بأنني سأعيش في ظلام خانق , يا ألهي , لا تظن بأنني سأقبل بهذا , ما أنا سوى أنسان يريد حصته من الحب والحياة ولكن ليس بهذه الطريقة !".
وصرخ دون كارلوس فجأة :
" رايك!".

أمل بيضون 06-12-10 05:59 PM

ثم تطلع صوب أنجي عله يجد لديها الدواء الشافي للعذاب الذي يعيشه أبنه منذ مدة.
" رايك , يا بني , آه ’ لو كنت أستطيع أن أقدم لك عيني! ".
بدت هذه الكلمات وكأنها تخرج مباشرة من القلب ألى القلب , فأبتسم رايك وقال :
" هذه أجمل كلمات أسمعها منك يا أبي , أرجوك أن تسامحني أن كنت أبدو فظا في بعض الأحيان , لكنني لا أستطيع أن أحيا على الكذب , حتى ولو كان كذبا أبيض ويهدف للخير , أنا لا أعيش في غباشة وأنما في ظلام , فالضوء مفقود تماما من عيني!".
عند سماعها هذه الكلمات أحست دونا فرانشيسكا بأنحباس في أنفاسها , فدفنت رأسها في منديلها وأجهشت بالبكاء.
" عمتي , لا!".
لقد تكهن رايك فجأة بأن عمته هي التي تنتحب , فتابع موجها كلامه أليها :
" تذكري ما قلته لي عندما عدت ألى المنزل , لقد أخترت الذهاب ألى حيث تستعر الحرب , لقد أخترت طريقي وهذا ما سأفعله دائما , فكفكفي دموعك , أرجوك!".
قامت أيزابيل ولم يكن في عينيها أي أثر للدموع , فبدا لأنجي أن هذا الموقف لم يؤثر بها , وتوجهت نحو رايك وأمسكت بيده وقالت :
" هيا , يا رايك ,سوف أرافقك ألى غرفتك".
ونظرت ألى أنجي كمن تقول هذا الرجل ليس بحاجة ألى ممرضة , أنه بحاجة ألى حبيبة".
" تصبحون على خير ".
قالها رايك وخرج من غرفة الجلوس ترافقه أيزابيل , ففكرت أنجي بأنه كان من الأفضل لها لو بقيت في أنكلترا مع ذكريات عنه , لقد بدا لها واحا أن رايك الرجل لم يكن يريدها هنا , كانت جروحه وأصابته فقط بحاجة لمعالجتها هي , أما مشاعره فقد كانت تنتظر أمرأة أخرى , قد تكون هذه المرأة الأخرى أيزابيل , على سبيل المثال , فلقد كانت فكرته عنها واحة بعكس ما يتذكره عن أنجي التي غادرت الجزيرة في سن صغيرة نسبيا.
أنتفضت عندما أمسكت يدا دون كارلوس بيديها , حدق في عينيها للحظة بدت لها وكأنها دهرا ثم قال :
" تحمّليه , أنجيلا ,من أجلي أنا".
" من أجلك أنت , يا سيدي؟".
" نعم ".
ورفع يديها ألى شفتيه وقبلهما قائلا:
" أذهبي ألى سريرك الآن , فلقد كان يومك متعبا , أتركي أيزابيل تتصرف معه".
" حسنا , يا سيدي".
لم تجرؤ على سؤاله ماذا يقصد بما قاله , لكنها أستنتجت من خلال كلماته ما يعزز تصورها السابق , أذ كانت تفتر بأنه يناسب دون كارلوس أن يتم زواج أبنه رايك وربيبته أيزابيل.
" تصبح على خير".
" تصبحين على خير , يا صغيرتي , نامي جيدا".
فأومأت برأسها وهي تغادر غرفة الجلوس يخالجها شعور بأن ليلتها الأولى في الفيللا كممرضة لرايك , لن تكون مريحة على الأطلاق".
صعدت ألى الطابق العلوي وما أن سارت في الممشى حتى شاهدت أيزابيل وهي تخرج من غرفة رايك والعبوس يعلو وجهها مرت مسرعة قربها دون أن توجه أليها أية كلمة , توجهت أنجي مباشرة نحو غرفة رايك وعندما وصلت وجدت الباب لا يزال مفتوحا وشاهدت رايك متشابك اليدين ومنحني الرأس كمن يود أن يوجه ضربة ألى الظلام الذي يلفه لفا , ومتمنيا أن يجد ثغرة ينفذ منها ألى النور.
ترددت أنجي ثم دخلت ألى الغرفة على رؤوس أصابعها , فأستدار رايك كمن سمع جة وقال :
" أخرجي أيزابيل , وأذهبي ألى شخص يستحقك أكثر مني".
" هذه أنا , أنجي".
" آه , لقد أتيت لتعيني في السرير ؟ لقد وصلت في الوقت المحدد فلقد أرتديت لتوي ثياب النوم".
قالت له بلهجة آمرة:
" أدخل ألى السرير".
" أن لهجتك تشبه لهجة المدربين العسكريين , تعرفين هذا ؟". وتابع مستطردا : " هل تهدفين ألى جعلي آداة طيعة بين يديك ؟ هل هذا هو برنامجك أيتها الممرضة ؟ هل تخططين لأقناعي بنظريتك؟".
" أنا أخطط لأقنعك بالعودة ألى أنسانيتك , لكن تصرفاتك لا تجعلني أتفاءل بالنتيجة , لقد شاهدت خلال ممارستي للمهنة كثيرا من المرضى والأطباء ذويالأطباع السيئة , ولكنني لم أشاهد مثلك أبدا".
" أنا مسرور لأنه ما زال بأستطاعتي الفوز بأن أزعج البعض".

nonaa67 08-12-10 03:52 PM

شكرا لمجهودك موووووووووووووووووولى وبانتظار الباقى

اسنات 08-12-10 10:48 PM

يعطيك الف عافية000
بلييييييييييز التكملة يا احلى امل؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

أمانى* 09-12-10 02:19 AM

:411122031::heeheeh::heeheeh::heeheeh::heeheeh::he eheeh:

أمل بيضون 09-12-10 08:16 PM

عقد حزام سرواله ووقف عاري الصدر فبدت أثار بعض الشظايا التي أخترقته واضحة لأنجي التي أرتعشت , قالت بينها وبين نفسها أنه معذور عندما يتصرف بفظاظة ووقاحة ويحقد على كل الناس , لكنها أعتبرت أن تشجيعه على الأستمرار بهذا الأمر لا يفيد في شيء .
" لا أحب فكرة كوني مرضتك , لقد كنت على الدوام متغطرسا وواثقا من نفسك".
" أما الآن فقد تراجعت بضع خطوات , أليس كذلك ؟".
فجأة رفع يده بخفة نحوها كما لو أن في أصابعه رادارا , فأمسك بها وجذبها نحوه , لم تقاومه لأنها كانت تعي أن المقاومة ستكون دون نتيجة لكونه أقوى منها بكثير , فحاولت أن تبدو لا مبالية بقساوة صدره الدافئة , لم يكن من السهل على المرء أدعاء اللامبالاة في وضع كهذا , أحاطها بذراعه القوية وشدها أليه أكثر قائلا:
" أما زلت تذكرين هذا الأعمى المسكين , شقيق مايا الذي كان يشدك من شعرك ويضع الأفاعي في سريرك؟ هل تتصورين أنه من السهل تطويعي وترويضي لأنني أعمى؟".
" هل تتصور يا رايك بأن فقدان البصر يجعل منك رجلا ناقصا ؟".
" من الذي سمح لك بتحليل أفكاري ومشاعري؟ أعملي بنصيحتي ولا تتعمقي في التحليل ". وتابع غابا : " فقد تكتشفين أشياء لا تعجبك".
" كما سبق وقلت لك , يا صديقي , أنا لم أعد تلك التلميذة الصغيرة التي كنت تعرف".
كانت تشعر بكل نبضة من نبضات قلبه وبنعومة جلده الداكن اللون! لقد رغبت فجأة في عناقه لكنها أحتارت في أمرها لأنها كانت تجهل كيف ستكون ردة فعله على تصرف من هذا النوع , هل كان سيخرجها من الغرفة لو فعلت؟ أم أنه ينتظر خطوتها هذه ليتابع ما كان بدأه سابقا؟
ما أن مرت هذه الأفكار في رأسها حتى شعرت بأن رجليها لا تكادان تحملانها , فهذه هي المرة الأولى التي تطلق العنان لخيالها , فجأة لامست أصابعه عنقها فأرتعشت فيما كان يقول وهو يدفع بها بغضب بعيدا عنه:
" أن بشرتك ناعمة كالحرير , أخرجي من الغرفة! ما أنت سوى مخادعة صغيرة تجرؤ على الأعتقاد أنه مع بعض معلوماتها عن النفس والجسم والرغبة البشرية , تستطيع أن تخرجني من الدوامة السوداء التي أتخبط فيها!".
وتابع محدقا في الظلام أمامه:
" أنت ما زلت تبدين وتتصرفين كتلميذة مدرسة , ثم أحب أن أقول لك بأنك تضيّعين وقتك معي , أنا لست بحاجة ألى نواياك الحسنة".
فسألته بهدوء:
" ما الذي تحتاجه أذن؟".
" أتودين أن تعرفي حقا , يا عزيزتي ؟".
" نعم ". وتابعت مبتسمة : " سأحاول ألا أجعل المفاجأة تصدمني!".
" جل ما أريده هو أمرأة وكأس شراب ". وتابع ضاحكا : " أحضري لي هذا فنعتبر بأنك قمت بأحسن عمل ممكن خلال وجودك هنا".
" سوف آتيك بفنجان من الشوكولا الساخن المطعم بالقرفة ".وتابعت وقد صدمها طلبه:
" هل تنام بسهولة ؟".
" لا , بالعكس......".
راح يفرك جبينه بيده اليمنى كمن أصابه صداع وتابع قائلا :
" أنا أحلم دائما بالكابوس نفسه الذي يتكررويتكرر , يبدأ بقنبلة تنفجر في الحائط بالقرب من رأسي وينتهي بأحساسي بأن أشياء صغيرة تدخل في وجهي, هل هذا كاف أم أنك ترغبين بسماع بعض التفاصيل المرعبة؟".
" أصعد ألى السرير , يا رايك , وسآتيك بالشوكولا ".
" أستبدليه بمشروب وسأكون شاكرا لك صنيعك".
" لقد أحتسيت من المشروب ما يكفي لأسبوع".
دخل رايك في سريره وغطته أنجي بالبطانية وأستدارت فرأت قرب السرير علبة من السيغاريللة مع ولاعة كبيرة وساعة نافرة الحروف ليتمكن من معرفة الوقت باللمس , وبضع رسائل مقفلة وزجاجة دواء.
" لماذا لم تطلب من أحد أن يقرأ لك هذه الرسائل؟".
" أنها ليست ...... لم تعد مهمة ".
من خلال جوابه عرفت أنجي أن الرسائل موجهة من أمرأة , ألتقطتها وراحت تدرس الخط على المغلفات , ثلاث منها مكتوبة بخط نسائي , أما الرسالة الرابعة فهي واردة من رجل بدون شك لأن الخط على الغلاف مقروء بالكاد.
" أعتقد أن هناك رسالة واردة من رجل , ربما أحد زملائك في الجيش , سوف أفضها عندما أعود أليك بفنجان الشوكولا الساخن ".
أدار وجهه بأتجاه صوتها وقال لها:
" لا أريد أزعاجك , أرمي الرسائل في أحد الأدراج".


الساعة الآن 02:46 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.