شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   روايات أحلام المكتوبة (https://www.rewity.com/forum/f203/)
-   -   476 - درب الجمر - تريش موراي - أحلام الجديدة (كتابة فريق الروايات المكتوبة / كاملة* ) (https://www.rewity.com/forum/t135405.html)

* فوفو * 01-11-10 05:11 AM

476 - درب الجمر - تريش موراي - أحلام الجديدة (كتابة فريق الروايات المكتوبة / كاملة* )
 






( درب الجمر )





476





( عدد جديد )







تريش موراي












https://www.up.qatarw.com/up/2010-11-...1417092867.gif










الملخص








إنه لا يزال ينظر إليها كواحدة من النساء اللواتى يبحثن عن الذهب . زاين باستيانى يظن أنها حاولت أن تسلب والده كل ما قدرت عليه . وترددت روبى ز وللحظات قليلة بدت لها إمكانية الرحيل والهروب من هذا الخطر المحدق . أمرا فى منتهى الروعة . إنها لا تريد العمل بجانب زاين فهذا مخيف . ولكنها تفضل الموت على السماح له بأن يدفعها للرحيل .





قالت له : " أنت لم تفهم ما قلته . أنا لا أريد مالك . لا يمكنك شراء حصتى وإبعادى عن الشركة . "





- لكل شخص ثمنه .





رفعت روبى نظرها إليه وابتسمت : " إذا ربما عليك مواجهة واقع أنك لا تستطيع تحمل ثمنى "





قال محذرا : " لن تبقى . لن تتحملى البقاء عشر دقائق بعد عودتى من لندن . هذا إذا بقيت حتى ذلك الوقت . عندها ستتوسلين كى أشترى حصتك لتغادرى ... لتأخذى المال وتهربى "





كورت روبى شفتيها قبل أن تجيبه : " ما من سبيل لأبيعك حصتى . أفضل الموت على أن أتركك تتحمل مسئولية هذه الشركة "









رابط كتاب الرواية :

يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي







كل الشكر لعضوات الفريق اللى قاموا بكتابة الرواية :




بنوته عراقيه - taman - *فوفو*




https://www.up.qatarw.com/up/2010-11-...1475147689.gif


تنبيه هام :


غير مسموح بنقل أي رواية مكتوبة عن طريق فريق الروايات الرومانسية المكتوبة لمنتدي آخر لا أحلل من يقوم بذلك ونسب مجهود كتابة الرواية لنفسه




* فوفو * 01-11-10 05:13 AM


1 – عودة مفاجئة

مشى زاين باستيانى بسرعة على الإسفلت فى مطار بروومى الدولى ، فشعر بالرطوبة التى تميز فصل الأمطار المتأخرة تطبق عليه بشدة . رفع نظره إلى السماء بإنزعاج ، إلى حيث تنبعث هذه الحرارة بقسوة وبلا رحمة . نسى أن الطقس هنا يتميز بالحرارة الشديدة . كما غابت عن ذاكرته أمور أخرى أيضا ، مثل السماء الزرقاء الباهرة ، الهواء العابق بطعم الملح والنور الساطع . تسع سنوات عاشها فى طقس لندن الغائم ، حيث الأبنية الرمادية الأسمنتية غيرته تماما ، حتى إنه يشعر الآن بالغربة فى بلده الأم .

تسع سنوات !
من الصعب عليه التصديق أن هذه الفترة الطويلة مرت منذ أن غادر ، وليس لديه إلا إسمه والاقتناع الراسخ بأنه سيحوله إلى إسم كبير لامع . لم يضيع دقيقة واحدة من وقته ، وهو الآن يملك شقة تطل على البحر فى تشلسى ، وشاليها فى كلوستر ، ويحتل مركز رئيس لجنة أكبر مصرف للتجارة فى لندن ، ولا شك أنه على أفضل حال .

فى كل يوم من تلك السنوات التسع راح ينتظر إتصالا هاتفيا من والده يعترف له فيه أنه أخطأ ، لكن عندما وصل الاتصال أخيرا ، لم يأت من والده على الإطلاق . أكد له الطبيب المتصل قائلا : " حالته ليست خطرة ، لكن لورانس طلب رؤيتك "

فى الواقع ، تعرض والده لأزمة قلبية ، لكن بعد تلك القطيعة بينهما ، فلا بد أن أى طلب منه يستحق الاستجابة . أستقل زاين أول طائرة مغادرة من لندن إلى أى مكان يجعل الوصول إلى المنطقة النائية فى شمال غرب أوستراليا أسهل وأسرع . أمنت له بطاقته المالية البلاتينية كل التسهيلات الممكنة . حرك زاين كتفيه ليريح رقبته وظهره ، مستجمعا كل ما لديه من قوة من أجل لقاء والده مرة أخرى .

عندما كان زاين مجرد فتى يافع ، كان لورانس باستيانى أكبر من الحياة ذاتها . لطالما كان الرجل الكبير صاحب الرأى السديد والأفكار الهامة ، التى لم تضعف أو تستسلم يوما ، كما يحصل للأشخاص العاديين . بدا من المنطقى ألا يتوقف عن العمل إلا جراء الإصابة بأزمة قلبية . لكن حتى لو حدث معه ذلك ، فمن المستحيل أن يتصوره زاين الآن مستلقيا على سرير فى المستشفى . لابد أن والده سيكره ذلك ، ومن المحتمل أنه خرج من المستشفى الآن ، وعاد إلى المنزل .

داخل قاعة الوصول ، راحت المراوح فى السقف تدور ببطء فوق الرؤوس ، وبالكاد تبعث لفحات هواء خفيف باتجاه المسافرين المتعبين ، الذين بدأوا بالتجمع حول مركز وصول الحقائب .
حقيبته الجلدية التى ملأها على عجل وصلت أولا . مد زاين يده وأخرجها من عربة الحقائب ، ثم إتجه إلى المخرج ، ليصل إلى حيث تنتظر سيارات الأجرة ، وقد غزداد بشدة إحساسه بقميصه القطنية الناعمة التى أصبحت أكثر ثقلا بسبب العرق .

كم يحتاج من الوقت ليتمكن من التأقلم مجددا مع طقس برومى الاستوائى ، بعد مرور تلك السنوات عليه ؟ الأمر غير هام فعلا ، هذا ما فكر به بضيق وهو يصعد إلى سيارة الأجرة ، ويقول بنبرة آمرة ومقتضبة للسائق إلى أين يريد الذهاب . سيعود إلى لندن فى أقرب فرصة ممكنى وقبل ان يحظى بأية فرصة للتأقلم .

* فوفو * 01-11-10 05:17 AM


2- صفعة فى القلب

غادر فريق الإنقاذ ، وتمت إزالة الأنابيب والحقن ، وأطفئت كل الآلات . يا للغرابة ! لكم كرهت روبى هذه الأصوات الدائمة للأجهزة خلال الأيام الأخيرة ، والتى تذكرها بتدهور صحة لورانس . اما الآن ، فى هذه اللحظة بالذات ، روبى كلمنجر مستعدة لأن تعطى اى شئ لتسمع تلك الضجة من جديد .... أى شئ يبعدها عن هذا الصمت المميت فى الغرفة ... أى شئ على الإطلاق ، إن كان هذا يعنى أن لورانس ما زال حيا قربها ، لكن لورانس رحل .....

شعرت بعينيها متورمتين ، وهما تحرقانها بشدة ، لكنها لم تتمكن من ذرف الدموع بعد ، لأن من الصعب عليها أن تتقبل الأمر . إنه لأمر ظالم جدا ، فلورانس باستيانى ما زال فى الخامسة والخمسين ، وما زال شابا ليموت فى عمر مبكر كهذا ، لا سيما أنه يملك رؤية وطاقة سمحتا له بأن يقود أكبر عمليات اصطياد اللؤلؤ فى العالم من البحر الجنوبى . حتى الآن ما زال يبدو وكأنه نائم ، وما زالت يده دافئة بين يديها ، لكن صدره لم يعد يرتفع ويهبط تحت الغطاء ، ولم تعد رموشه تتحرك كما لو أنه يحلم ، ولم يعد هناك اى إستجابة للضغط على أصابعه .

تركت روبى رأسها يسقط إلى الأمام فوق صدرها ، وضغطت على جفنيها بقوة محاولة أن تتخطى اليأس العميق فى داخلها . لكن المنطق تخلى عنها الليلة بسرعة ، تماما كسرعة رحيل لورانس غير المتوقع ، والآن كل ما تستطيع التفكير به كلماته الأخيرة لها ... تلك الكلمات التى همس بها وكأنه يختنق . ضغط بأصابعه بسرعة على يدها ،وتمكن من الهمس قائلا : " اهتمى به ... أعتنى بزاين ، وقولى له إننى آسف "

بعد لحظة تبدل صوت الجهاز إلى صوت واحد مستمر ، فشعرت روبى بالرعب على الفور . بعدئذ فتحت أبواب الغرفة باضطراب لتدخل الآلات على عربة ، وبحركة سريعة تم إخراجها من الغرفة .

عندما سمحوا لها بالعودة كان الأمر منتهيا ، ولم تحظ بفرصة لتسأله ما الذى قصده بقوله ، ولماذا يجدر بها أن تعتنى بابنه الذى لم يزعج نفسه بالاتصال منذ عدة سنين ؟ أو لماذا شعر لورانس أنه هو من عليه الاعتذار عن هجران إبنه له ؟ كما أنها لم تحظ بفرصة لتسأل لورانس لماذا يتوقع منها أن تكون المسئولة عن إبنه . لم يكن لديها الوقت لتمعن التفكير بالابن المدلل ، فبعد الطريقة التى تخلى بها عن والده ، زاين ليس مهما بالنسبة لها . إنها الآن تعانى من خسارتها لمعلمها المخلص ، فهو بمثابة الأب لها والملهم لأعمالها .... والأهم من ذلك كه أنها فقدت صديقا عزيزا .
همست ونبرة صوتها ترتجف من شدة الحزن : " آه .... لورانس ! سأفتقدك كثيرا "

فتح الباب وراءها ، فشهقت وتنفست بهدوء . يتنظر فريق العمل منها أن تغادر ليتمكنوا من إنهاء الأعمال المطلوبة . قالت وهى تستدير نحو الباب : " احتاج إلى عدة لحظات بعد ، إن كان ذلك ممكنا "

لم تتلق أية إجابة على الفور ، ولم تلاحظ إغلاق الباب ثانية ، راودها شعور غريب من الضيق زحف إلى أعصابها . تصلب ظهرها كردة فعل لما تشعر به ، وشعرت بوخز فى ذراعيها .
- أفضل أن أبقى مع والدى بمفردى

ادارت روبى رأسها بسرعة إلى حيث يقف صاحب النبرة الباردة كالثلج ، وللحظة قصيرة شعرت بقلبها يدق بعنف لأنها تعرفت عليه ، لكن الحقيقة عادت لتسيطر عليها وتبعد تلك اللحظة من الفرح الزائل . آه ! هاتان العينان اللتان تحدقان بها تشبهان عينى لورانس . إنهما بلون الكراميل الداكن نفسه ، أما الرموش الكثيفة المحيطة بهما فتتمتع بالجاذبية نفسها أيضا . آه ، لا ! هنالك فرق بين هاتين العينين وعينى الرجل الأكبر سنا ، فالأخيرتان مليئتان بمزيح من الحب والاحترام وزاويتاهما تتجعدان جراء الضحك لسماع نكتة لامعة أو بفرح طبيعى عند اكتشاف حبة لؤلؤ رائعة ، أما العينان اللتان تنظران إليها الآن فباردتان ومتعجرفتان .

أدركت أن انطباعها الأول عن زاين هو تحذير شديد ينذر بالخطر . حسنا ! حتى لو كان ابن لورانس ، فهذا لا يجعل منه صديقا لها . لغة جسده تظهر قسوته بمنتهى الوضوح . وقفته الجامدة تنضح بالعداء ، وكذلك وجهه القاسى غير الحليق وشعره الأسود الأشعث القصير . إنه يقف على الأرض وكأنه يملكها ، اما ثيابه التى هى عبارة عن سورال جيبنز يتناقض لونه الأسود لون قميصه البيضاء فلم تخفف من حدة ملامحه . على العكس من ذلك فهى تظهر بقوة بشرته السمراء وملامحه القاسية . إنه يرتدى القوة والسلطة وكأنهما ولدتا معه .

دفعت روبى ظهرها المتصلب إلى الوراء على كرسيها ، بينما راحت نظرته الباردة تجول عليها . عندما وصل فى تحديقه إلى حيث تضع أصابعها ، لاحظ أنها ما زالن ملتفة حول يد والده . شعرت المرأة بموجة من الاعتراض والانزعاج تندفع منه نحوها ، لكنها أبقت يديها مكانهما عمدا . لديها الحق بأن تكون هنا حتى لو لم يعجبه ذلك ، وهو غير راض على وجودها على الاطلاق كما هو واضح . مع ذلك . ومهما كانت أخطاؤه ، فإن جزءا منه يتألم أيضا . مع أن الرجلين لم يتكلما مع بعضهما لسنوات عدة ، فموت والده ما زال يشكل صدمة كبيرة عليه . قبل يوم واحد فقط توقع الأطباء أن يشفى لورانس تماما ، لذا عندما أستقل زاين الطائرة من لندن ، لم تكن فكرة موت والده احتمالا مطروحا . حتى لو كان منحوتا من الغرانيت ، لابد أن يتأثر بما أكتشفه عند وصوله . لا يمكن لأحد أن يكون بهذه القسوة . لا أحد يمكن أن يكون مجردا من الاحساس .

قالت ، محاولة أن تبعث بعض الحرارة فى هذا الجو البارد القاتم بينهما : " لا بد أنك زاين ! أنا روبى كلمنجر . كنت أعمل مع والدك "

أجاب بسرعة : " أعلم من أنت "

رمشت روبى بعينيها ، وتنفست بهدوء . على الفور تذكرت افتراضاتها السابقة . يبدو أنه حقا قاس جدا ومجرد من الاحساس . أصرت على المحاولة من جديد . عليها أن تفعل من أجل لورانس . حتى لو كانت لا تهتم البتة لزاين ، فهى تريد تحقيق آخر أمنية للورانس بكل ما أوتيت من قوة ، هزت رأسها ، وقالت بإصرار : " يؤسفنى ما حدث لوالدك . أراد بشدة أن يراك ، لكنك تأخرت كثيرا "

ضاقت نظرة زاين وهو يحدق بها ، فلاحظت بقوة كما تبدو عيناه ثاقبتى النظرات .
كرر قائلا : " تأخرت كثيرا ؟ آه ! بالطبع ، يبدو الأمر كذلك بوضوح من حيث أقف "

ارتجفت روبى بسبب الجو الجليدى السائد حولها ، وتساءلت لماذا يساورها إنطباع غريب بأنه يتحدث عن أمر يتعدى موت والده غير المتوقع . حاول زاين بقوة أن يسيطر على توتره المتصاعد . كان عليه أن يعلم أنه سيراها هنا ، فهو لم ير ثورة واحدة لوالده فى السنوات الأخيرة إلا وهذه المرأة متأبطة ذراعه . روبى كلمنجر ، شريكة والده الدائمة ، ويده اليمنى . لطالما كان والده معجبا بالنساء الجميلات ، وبالنظر إلى هذه المرأة الجميلة تأكد زاين أنه لم يتغير . أما هو فكل ما يريده الآن من هذه المرأة هو ان تخرج من هنا . تحمل مشقة السفر لأكثر من أربع وعشرين ساعة لكى يرى والده وجها لوجه . وهو لا يريد أن يشاركه هذه اللقاء أى كان ، فكيف بامرأة مثلها .

أخيرا بدا كأنها فهمت الملاحظة . خفت شرر الشجار الذى لمع فى عينيها الزرقاوين وهى تنهض عن الكرسى ، تحركت ببطء واحتراس ، وكأنها بقيت جالسة لفترة طويلة . لكنها لم تبتعد عن السرير ، فيما تحركت تنورتها الرقيقة إلى ما فوق ركبتيها .

بالرغم من الارهاق والتعب الذين يسيطران عليه من جراء تحمل مشقة السفر ، لم تستطع عينا زاين إلا أن تلاحظا رشاقة جسمها ورقة ملامحها . من الواضح ان صفاتها لا تتوقف هنا ، فهى تتمتع ببشرة ذهبية تنضح بالانوثة وبعينين زرقاوين تحيط بهما رموش سوداء كثيفة ، بالإضافة إلى شفتين مكتنزتين ، لا عجب أن والده كان يبقيها دوما إلى جانبه . تحجرت المرارة فى أعماقه ككتلة من الرصاص . لابد أنها تصغر لورانس بثلاثة عقود على الأقل . مع امرأة بمثل هذا الجمال لا يمكن لوالده أن يتحمل أكثر ، فالأزمة القلبية التى أصابته هى أمر محتم . وقف زاين يراقبها بصمت ، فيما رفعت روبى اليد التى تمسك بها وضغتها على شفتيها برفق قبل أن تضعها إلى جانب لورانس . بعدئذ مالت فوقه ومررت إبهامها على جبهته .

راقبها زاين وهى تحنى رأسها ، فيما انتشرت خصلات شعرها على ظهرها وكتفيها وهى تطبع قبلة على خد والده للمرة الأخيرة .
سمعها تهمس : " وداعا ، لورانس ! ساحبك إلى الأبد "

أصابته كلماتها بصدمة قوية فى أعماقه المليئة بالضغينة والعذاب . تلك الضغينة وذاك العذاب اللذان رافقاه طيلة فترة عمله فى أكبر الشركات فى أوروبا . لا شك أنها تقوم بهذا العرض لأجله ، فهو يعلم تماما ما الذى يستطيع الناس القيام به عندما يتعلق الأمر بالثروات . على اى حال ، روبى كلمنجر موظفة فى شركة باستيانى لتجارة اللؤلؤ ، لكن لا شك أن أعمالها تمتد إلى أبعد من تصميم المجوهرات كما هو واضح . بالطبع هى تعلم أن الشركة تساوى مئات ملايين الدولارات . أهذه هى طريقتها فى المطالبة بالحصول على الشركة بعد رحيل لورانس ؟ شعر زاين أن المرارة تتصاعد من أعماقه حتى حلقه ، فقال بنفاد صبر : " هذا مؤثر ! والآن ، إن كنت إنتهيت ؟ "

تصلب ظهر روبى وتجمدت فى مكانها للحظة قبل أن تمد يدها إلى خد لورانس للمرة الأخيرة ، بعدئذ استدارت ، وبالكاد رمته بنظرة من عينيها الزرقاوين ، ثم مرت قربه وخرجت من الغرفة . انتشر عطرها فى الغرفة وهى تسير . إنه عطر ناعم خفيف لطف أجواء المستشفى التى تفوح فيها روائح المطهرات .

زفر زاين إحباطه بصوت عال وهو يتحرك ليقترب من السرير الذى يستلقى عليه والده . إنه متعب ويعانى من إرهاق السفر ، كما أنه غاضب جدا ، فالسباق الذى خاضه مسافرا حول نصف الكرة الأرضية ذهب سدى من دون أى طائل ، وهو الرجل الذى يفخر دوما نه يسبق الموعد النهائى فى كل أعماله . حقيقة انه خدع هذه المرة تمزقه وتؤلمه حتى العظم . أما الأسوا من ذلك كله فهو إدراكه مع كل ما يجرى من حوله ، أنه ما زال يترنح بسبب رائحة عطر آخر امرأة يمكنه أن يفكر بها ، وهى عشيقة والده !
* * * * *

- أتريد أن أوصلك إلى المنزل ؟

وقفت روبى خارج غرفة لورانس لمدة عشرين دقيقة بانتظار خروج زاين . عندما فعل ذلك أخيرا ، تجاهلها وسؤالها متعمدا ، وأتجه مباشرة نحو مكتب الممرضات ليتحدث مع المفريق الطبى . لو عاد الأمر إليها لما أهتمت مطلقا له . ما همها أين سيقيم أو كيف سيصل إلى مكان إقامته ؟ أمنيتها الوحيدة هى أن يبتعد ويختفى ، لكن طلب لورامس بقى يتردد فى رأسها : أعتنى بزاين ! التمس لورانس ذلك منها . إن كان هو قادرا على إظهار حبه لإبن لم يزعج نفسه بالاتصال به طوال تلك الفترة ، فهى على الأقل تستطيع أن تكون لبقة معه ، ولو من أجل لورانس فقط .

أبتعد أحد العاملين بالمستشفى ، ليعود بعد قليل حاملا حقيبة من داخل غرفة الممرضات سلمها إليه . إذا ، أتى زاين مباشرة إلى هنا من المطار ، وهو بحاجة إلى من يقله إلى منزله . نهضت روبى عن الكرسى محاولة أن تنسى كم تكره هذا الرجل ، وكررت قائلة : " أتساءل إن كنت ترغب فى أن أوصلك إلى المنزل "

استدار زاين لمواجهتها ، فيما بدت ملامح وجهه أكثر قساوة وهو يرمى بالحقيبة إلى ما وراء كتفه . حركته تلك أبرزت صدره العريض ، عارضه بوضوح قوة عضلات ذراعيه . مع أن قامته مشابهة لقامة والده ، لكنه يفوقه طولا ويبدو أكثر قوة مما كان عليه لورانس يوما . شعرت روبى بنفسها صغيرة بقربه .

- سمعتك .

- وما رأيك ؟

- أستطيع الذهاب فى سيارة أجرة .

- لا جدوى من ذلك ، ما دامت ذاهبة إلى هناك ، فى مطلق الأحوال .

- أحقا ؟

رفع حاجبيه ، بينما لمعت عيناه ، وبدا وكأنه أحرز نصرا ما وهو يتابع : " ولماذا تفعلين ذلك ؟ "

ترددت روبى للحظة ، فالاتفاق الذى كان بينها وبين لورانس والذى تم كأنه أمر طبيعى ، بدا فجأة كأنه يدق أجراس الانذار حولها ز الأمور ستتبدل قريبا جدا ، فمشاركة المنزل مع لورانس الذى كان بمثابة والد لها بدت أمرا طبيعيا ومناسبا ، أما مشاركة المنزل مع إبنه فأمر مختلف تماما ، لا سيما أنه يظهر عداوته الصريحة . شعرت روبى بالمرارة تجتاحها وتظهر على خديها وهى تجيبه متلعثمة : " لأننى ... أعيش هناك "

لوى زاين شفتيه باستهزاء وهو يفكر : عشيقة فى المنزل !

قال : " يبدو ذلك مريحا وملائما ، لا بد ان أبى استمتع برفقتك "

رفعت روبى ذقنها إلى الأعلى ، واستمرت فى التحديق بعينيه وهى تجيب : " والدك رجل رائع ، كنا نتشارك صداقة قيمة جدا "

علق زاين بلا اكتراث : " لا شك بذلك "

آخر علاقة كلفت لورانس احترام إبنه له والانفصال الكامل بينهما كأب وابنه ، لذا فإن زاين مصمم على عدم السماح لهذه العلاقة بأن تكلفه أى شئ .
* * * * *

صحيح أن المسافة قصيرة بين المستشفى والمنزل ، لكن الهواء البارد فى سيارة البى أم دبليو جعل الرحلة فى داخلها أفضل من السير . أمضى زاين الرحلة القصيرة محدقا إلى الخارج من النافذة ، ليعاود التعرف على المنطقة المجاورة للمنزل ، ومحاولا أن يتجاهل العطر الذى يذكره بصاحبة هذه السيارة بالتحديد ، ورفيقته فى الرحلة . لحسن الحظ أنها لم تتكلم ، فلديه الكثير من الأمور التى يجدر به أن يتعاطى معها بدلا من الاستمرار فى الشجار ، كما أنه يشعر بآلام حادة فى مختلف أنحاء جسده بسبب الإرهاق الذى لحقه جراء الرحلة الطويلة والخسارة غير المتوقعة . ذلك كله يسيطر عليه ويخدر حواسه وفكره . هناك أمران مؤكدان : الأول أن أباه مات ، أما الثانى فهو أن حياة زاين باستيانى تبدلت بشكل جذرى ، لكن هناك إمكانية ضئيلة فقط بان تكون قد تبدلت للأحسن .

وجهت روبى السيارة إلى الطريق الخصة للمنزل ، وأوقفتها أمام بيت منبسط قديم الطراز . كان هذا المكان منزل زاين خلال السنوات العشرين الأولى من عمره . خرج من السيارة ببطء ، وهو يشعر فجأة بدفق من الحرارة لا علاقة له مطلقا بحرارة الشمس المشعة وهو ينظر إلى المبنى . بنى المنزل فى العام 1920 عندما كانت أصداف اللؤلؤ توازى ثقلها ذهبا ، وهؤلاء الذين يملكون قوارب صيد اللؤلؤ كانوا كالملوك . أحيط المنزل بشرفات واسعة ، تدعو الهواء المنعش البارد لدخول المنزل عبر نباتات وأزهار البوغنفيلية التى اغطى السياج المتشابك . بدا المنزل فارغا من الداخل .

* فوفو * 01-11-10 05:21 AM

تحركت المرارة فى جرح بالكاد شفى بالرغم من كل السنين الماضية . لطالما أحبت والدته هذا المنزل ، فالجدران المغطاة بالنباتات والغرف ذات السقوف العالية والبلاط الخشبى ، كذلك النوافذ الواسعة بنيت لتسمح للنسيم العليل أن يطوف فى أرجائه . كما أنها أحبت الحدائق الاستوائية التى تحيط به ، والتى توشك أن تتحول إلى غابة تخفى المنزل .

لولا تشذيبها والاعتناء بها بشكل دائم . وشعر بشئ يتصلب فى أعماقه . شعر به يكبر ويكبر حتى فتت قلبه ، تمتم كأنه سيختنق : " أهلا بعودتك "

- هل انت بخير ؟

أمتص زاين كلماتها أكثر مما سمعها ، وبدا هذا عنصرا إضافيا جعله يستعيد الذكريات التى جذبته من جديد إلى الماضى . قال من دون تفكير كأنه يسرد قصة سمعها مرارا من أمه : " اشترى جدى هذا المنزل من احد أكبر أسياد اللؤلؤ . كان لورانس حينها طفلا ، وكانت صناعة اللؤلؤ فى تراجع . وضع جدى كل ما يملكه فى إنشاء ثقافة وتكنولوجيا جديدتين لصناعة اللؤلؤ . كان حلمه أن يصبح الأول فى جيل جديد من أرباب هذه الصناعة "

قالت : " هذا ما فعله بالتحديد ، فجدك ولورانس تركا ميراثا كبيرا ، ولؤلؤ باستيانى الآن يساوى ثروة "

مرت كلماتها كالسكين فى أفكاره ، مقطعة إياها إلى شظايا ، فأعاد إهتمامه إليها محدقا بها .
ما بال هذه المرأة ؟ آنى لم تكن تستطيع التوقف عن التفكير بالمال أيضا ، حتى فى آخر موعد غير متوقع لهما ، وذلك قبل يومين فقط من رحيله البائس من استراليا ، والذى تبين الآن أنه لا جدوى منه . دفعته للتعويض عليها كى تقتنع أن علاقتهما انتهت ، وعندما ضحك بصوت عال بدأت بالبكاء ، وألقت اللوم على الفرص التى خسرتها ، مع العلم أن زاين كان يهتم بها كثيرا . ربما كان فى ذلك بعض الحقيقة ، فقد أقدمت على حبك العديد من المؤمرات لتتمكن من الارتباط به ، ومع ذلك لم تستغرق وقتا طويلا لتجد بديلا عنه . هذا إن لم تكن قد عملت على إيجاد زوج لها حتى وهى معه . إنها فى الواقع فاتنة الجمال ، ذات بشرة بيضاء وأنوثة طاغية جعلته يرغب فى حمايتها منذ البداية ، حتى أكتشف أنها تستغل هذه الأنوثة لأمور أخرى . على الأقل هو الآن حر بدونها وبدون ميولها الطفيلية ، فقد أكتفى من النساء الانتهازيات حتى آخر واحدة منهن .

سألته روبى : " هل هناك ما يزعجك ؟ "
بدا واضحا أنها منزعجة من تحديقه بها .

أبعد نظره ، ليأخذ حقيبته من صندوق السيارة ويغلقه بقوة ، قائلا " لندخل إلى المنزل "

تطايرت تنورتها حول ركبتيها وهى تصعد الدرجات القليلة لتصل إلى الشرفة . مرة ثانية وجد زاين نفسه متعلقا برائحة عطرها التى تعكس مدى غرورها وكبريائها . احتاجت عيناه إلى لحظات كى تتمكنا من التأقلم ما إن دخلا المنزل الأنيق . نظر حوله . . . صحيح أن المنزل بنى منذ أكثر من تسعين عاما ، لكن أنه حرصت على تجديده عبر السنين ، وأمنت له كل التسهيلات الحديثة مع الاحتفاظ بالطابع العام للمنزل . تنفس زاين بارتياح عندما أدرك أن سيطرة روبى على المنزل لم تغير رؤية أمه له .

قالت روبى وهى تستدير قليلا نحوه : " طلبت من كيوتو أن يعد لك غرفتك القديمة إذا ما رغبت فى البقاء فى المنزل "

- أما زال كيوتو هنا ؟ من المؤكد أنه لم يعد قادرا على العمل الآن .

كاد زاين ألا يصدق أن كيوتو ما زال حيا ، فصياد اللؤلؤ اليابانى عمل فى هذا المنزل من كان زاين طفلا . عمل فى البداية طاهيا ثم مدبرا للمنزل ، وكان يبدو عجوزا عندما كان زاين ولدا يلعب فى أرجاء المنزل .

هزت روبى رأسها ، وظهرت ابتسامة ناعمة خاطفة أضاءت ملامح وجهها للحظة قبل أن تقول : " إنه يشرف على الأعمال الآن . لدينا طاه وعاملة للتنظيف "

لاحظ كيف أختفت إبتسامتها ليعاودها الحزن وهى تتابع : " لكننى طلبت منه أن يذهب إلى منزله اليوم ، إنهار تماما من الحزن على لورانس "
ضغطت على شفتيها بقوة ، واستدارت لتدير ظهرها له ، لكن ليس قبل أن يلاحظ اضطراب صوتها ، والحركة المرتجفة لفهما وهى تلفظ الكلمة الأخيرة . إنه إحتمال من اثنين : إما أنها تحاول بشدة ألا تبكى أو أنها تحاول بكل ما لديها من قدرة أن تجعله يعتقد أنها تبكى ، كما كانت تفعل آنى . بإمكان آنى ان تكتب أطروحة عن الاستفادة من دموع المرأة ، مع أنه يشك أنها ذرفت يوما دمعة واحدة صادقة . من المحتمل أن هذه الصفة من مستلزمات العمل لدى المرأة !

تمتمت روبى وهى لا تزال تدير ظهرها له ، فيما بدت نبرة صوتها منخفضة ومتألمة وهى تحف جبهتها بيدها : " حسنا ! أنا متأكدة أنك لست بحاجة إلى لأرشدك إلى غرفتك . سأتركك لتستقر وترتاح "

بإمكانه أن يبتعد عنها ، ويسير بشكل مستقيم عبر الممر ليصل إلى غرفته القديمة . بإمكانه أن يتجاهلها ويجعلها تعلم أن كل ما تقوم به لم يؤثر به مطلقا . عليه أن يفعل ذلك . . . لكن الرغبة فى أن يظهر لها أنه لم يسقط فى حبائل خداعها بدت أقوى منه . عليها أن تعلم أنه يعرف كل الألاعيب التى تمارسها النساء عندما يتعلق الأمر بالمال ، وأن أيا من هذه الخداع لن تنطلى عليه . مد يده إلى كتفها ، متجاهلا ارتجافها المفاجئ من لمسته ، وأدراها لتنظر إلى وجهه .

سيطر على مقاومتها ممسكا ذقنها بيد واحدة ، حتى لم يعد هناك من وسيلة تسمح لها بتجنب النظر إلى عينيه أكثر . ببطء وعلى مضض ، رفعت روبى نظرها حتى بانت عيناها تماما لعينيه . فى اللحظة الأوزلى لاحظ زاين الرموش الرطبة والدموع ، وعلم أن عليه الاعتراف أنها مارهة جدا إن كانت تستطيع إستحضار دموعها بمثل هذه السرعة ، لكنه بعد ذلك رأى ما فى أعماق عينيها ، وهذا أصابه فى الصميم . رأى هناك ألما وضياعا ، وإحساسا بالخسارة . تلك الأشياء لاقت صدى فى مكان دفين فى أعماقه .

بدا كأن شيئا ما يتلوى ويتعذب فى عينيها ، وكأنها تعرى روحها أمامه ، لكن ما شعر به إحساس مقلق وغير مريح ، كما أنه غير مرحب به . لاحظ زاين كيف ضغطت على شفتيها بقوة عندما انحدرت دمعة وحيدة من زاوية عينيها . بسروعة وبدون أى رغبة منه ، تصرف باندفاع غريزى ، فأبعد يده عن ذقنها ، ومسح الدمعة عن خدها بإصبعه بنعومة . أغمضت روبى جفونها ، وفتحت شفتيها وهى تتنفس بسرعة ، فشعر بها ترتجف من جراء لمسته . ليس هذا ما توقع على الاطلاق !

- هل انت حقا تهتمين له ؟
سؤاله أظهر تماما ما يفكر به ، وبانه غير مصدق أبدا لما يحدث أمامه . لكن فات الأوان لإصلاح الأمر . فكرة أن لورانس يعنى لها أكثر من مصدر للرفاهية والمال أزعجته ، وأرهقت أعصابه وحواسه .

تحركت روبى مبتعدة عنه ، تاركة يده تسقط إلى جنبه ، وهى تتراجع نحو أريكة من الخيرزان .
- هل من الصعب تصديق ذلك ؟ جعل لورانس الاهتمام به غاية فى السهولة .

بدل اعترافها السريع كل شئ ، محولا أفكاره المربكة إلى غضب صارخ فى لحظة واحدة ، ما إن عادت الحقائق تظهر له فى موقعها الصحيح . جعل لورانس الأمر غاية فى السهولة ! لم تتظاهر ، ولم تتوخ الحذر ، بل اعترفت بما كان يجرى بينهما من دون أن يرف لها جفن ! هذا تماما ما توقعه . لا عجب إذا أنها تشعر بمثل هذا الحزن . لقد خسرت من كان يدللها ويغرقها بأمواله .

- صحيح ! أراهن أنه كان كذلك .

اقتربت روبى منه وهى تميل برأسها ، كأنها لم تسمعه جيدا ، قالت :
" لست متأكدة أننى فهمت ما تقوله . ماذا تقصد بكلامك بالتحديد ؟ "

- ليس زمن الصعب تفسير ما قلته . رجل عجوز ثرى لديه ضعف أمام السيدات الجميلات ، كما انه قادر على الحصول على واحدة بقربه طوال الوقت .

لو لم يكن زاين مرحقا جراء السفر والبقاء مستيقظا خلال عدة رحلات فى الطائرات من تغيير ، لربما كان ليحظى بفرصة لمواجهة هجومها التالى ، أما فى حالته هذه فلم يدرك ما الذى سيحصل له .

صفعت راحة يدها خده ، فشعر كأن رصاصة من مسدس أصابته .
على الفور انسحبت روبى إلى الوراء وهى تشعر بالرعب . اتسعت عيناها ، ووضعت يدها المعتدية على فمها . بدت بشرة خده حمراء اللون ، لكنه لم يقم بأى ردة فعل حسية . شعرت روبى بالصدمة تنحسر بعيدا عنها ، وبدأت دقات قلبها المتسارعة تهدا لتواجه الغضب الذى يشع من عينيه ويحرقها . قال : " يبدو أنك ماهرة جدا بالضرب "

حرك فكيه من جهة إلى أخرى ، ثم ضاقت عيناه من جديد وهو يحدق بها ، كأنه يقيمها من جديد .

- ليس أكثر مما تستحق .

هو من جلد ذلك لنفسه . لماذا يفكر على هذا النحو بلورانس ؟ لماذا يسئ الظن بها أيضا ؟ تابعت : " ولا تظن أننى سأعتذر ، فأنا لست مستعدة لتحمل تلك التفاهات منك "

- ألأنك لا تستطيعين تحمل سماع الحقيقة ؟

- أنت . . . غير معقول ! هل تصدق حقا أننى هنا لأجل مال لورانس ؟

- معظم الناس يشعرون بالاغواء بسبب المال .

- إذا ، أنا لست مثل معظم الناس . انا لا أريد ماله ، ولم أفكر مرة بذلك .

- لكنك تعيشين معه ، وهو رجل متقدم فى العمر ، ويصلح لأن يكون والدا لك .

وضحكت روبى بصوت عال . علمت أنها إن لم تضحك فقد تبكى بسبب الظلم الذى تشعر به . إنه مخطئ ، فهو لا يعرف والده جيدا ، ولا يعرفها مطلقا . إنه لا يعلم شيئا . قالت بهدوء يفوق كثيرا ما شعرت به :
" أشعر بالشفقة عليك . من الواضح أنك لا تعرف مطلقا كلمات مثل الصداقة والتعاطف "

أطلق زاين زفرة مظهرا عدم تصديقه ، فارتفع غضبها إلى حالة من الخطر مجددا . لكنها هذه المرة بقيت مسيطرة تماما على نفسها . عليها أن تتذكر ما طلبه منها لورانس ! تنفست بعمق ، محاولة بقوة أن تبقى هادئة ومنطقية على الرغم من تهجمه عليها . هزت رأسها قائلة : " إن كنت غير قادر على إظهار أى إحترام أو حب لوالدك ، فهذا لا يعنى أن على الجميع أن يتصرفوا مثلك "

ضاقت عيناه معبرتين عن سخط واضح ، قال : " أتقولين لى إنك توليت الاهتمام به بسبب طيبة قلبك ، وبقيت معه فقط لكى يحظى بشخص قربه ؟ من جهة أخرى ، هل تتوقعين منى أن أصدق أنك أحببتيه ؟ "

- على شخص ما أن يفعل ذلك ، فالله وحده يعلم انه لم يحظ منك إلا بالعذاب والحزن .

ابتعدت روبى بسرعة راغبة فى الرحيل من هنا ، متمنية أن تبتعد عنه قدر ما تستطيع ، لكن قبضة فولاذية على ذراعها اوقفتها فى مكانها ، ومنعتها من الهروب . استدارت وهى تشعر بالسخط ، لكن الاعتراض مات على شفتيها فى اللحظة التى رأت فيها وجهه .

- لا تحاولى مطلقا أن تأخذى دور ممثلة الأخلاق العالية معى . لا فكرة لديك مطلقا عن شعوى نحو والدى او عن أسبابه ، فأنت لا تعرفين شيئا على الاطلاق .

شدت قبضتها محاولة أن تبعد يدها عن قبضته ، لكنها لم تنجح بذلك . لذلك وبدلا من أن تبتعد أقتربت منه أكثر . اقتربت إلى درجة استطاعت معها أن تشعر بالغضب ينبعث منه كما تنبعث الحرارة من النار . لكن غضبه لم يكن شيئا بالمقارنة مع غضبها ، قالت توافقه ، وهى تلوى شفتيها بازدراء : " انت على حق ، لا فكرة لدى مطلقا عما تشعر به ، لكن غلطة من هذه ؟ أهى غلطتى ، لأننى كنت هنا عندما أحتاج والدك إلى المساعدة ، ام إنها غلطتك لأنك لم تهتم بما فيه الكفاية لتكون هنا بنفسك ؟ "




( نهاية الفصل الثاني )

الحلم العربي 01-11-10 07:41 AM

aAaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaa aaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaa

حرير وردي 01-11-10 08:07 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

الوردة السودا 01-11-10 10:41 AM

الرواية رووووووووعه تسلم ايديك مشكورةة

* فوفو * 01-11-10 04:52 PM


3 – صندوق الأسرار

بعد مرور ساعات ، ومع بزوغ الفجر وانحسار ظلام الليل ، تخلى زاين عن فكرة الاستسلام للنوم . استلقى على سريره فى الغرفة التى كانت غرفته لأكثر من نصف عمره . ما زالت الصور والجوائز التى نالها فى المكان الذى وضعها فيه بالتحديد . فقط لو انه يستطيع إغماض عينيه لأعتقد أنه لم يغادر هذا المنزل مطلقا . لكنه يعلم أنه لا يستطيع أن يفعل ذلك ، كما ان الساعات القليلة الأخيرة برهنت له ان كل ما يفكر به هو امرأة فى عينيها ألسنة من نار ، ولسانها حاد كالمبرد . امرأة ولدت كحورية وتقاتل كالنمرة . ليلة البارحة ، عندما ثار غضبها وصفعته ، لم تحاول التراجع قيد أنملة على موقفها . توقع زاين أنها ستواجهه بالمزيد من الغضب والجرأة . حتى عندما وافقته فى آخر تبادل للكلام بينهما ، اجابته بنقد لاذع وهى تغادر . وعندما جذبت ذراعها من قبضته من جديد ، لم يجد أى خيار أمامه إلا أن يدعها ترحل .

يا لها من امرأة شجاعة ! تقلب مرة أخرى فى السرير محاولا أن يجد بعض الراحة . تساءل كيف تراها تتصرف مع عشيقها . . . يمكنه أن يراهن أنها مليئة بحيوية تفوق ما هى عليه فى حياتها اليومية . لكم وسادته للمرة الأخيرة قبل أن يتخلى عن فكرة النوم كليا . نهض من السرير وأخذ يتجول فى الغرفة . مرر يديه فى شعره الأشعث محاولا التفكير فى المشاكل التى يعانى منها . ما الذى يحدث له بحق السماء ؟ ما همه كيف تتصرف روبى مع عشيقها .

من جهة أخرى ، هناك الكثير من المشاكل الضاغطة التى تشغل باله الآن ، والتى يجدر به التعامل معها . أولا عليه الاهتمام بأمر الجنازة ، كما ان هناك مستقبل العمل هنا . من الطبيعى أن يأخذ مكان والده فى الوقت الراهن كما هو متوقع ، لكن عليه أن يضع خططا أكثر فعالية فى ما بعد . ربما من الأفضل أن يبدأ بالقيام بذلك قبل أن تتمكن روبى من التدخل . من المحتمل أنها تحتل مكانا رفيعا فى حياة لورانس العاطفية ، لكنه الآن هنا ، ولا شك أن الأمور ستتبدل جذريا .

* * * *
وجد زاين كيوتو بانتظاره ما إن دخل إلى المطبخ . أخيرا ها هو يشعر ببعض الراحة بعد الاستحمام مطولا وارتداء ثياب نظيفة . رحب كيوتو به بصوت عال وهو يقترب منه : " سيد زاين ! "

بدا كأن وجهه المجعد يتلوى بين الألم والفرح لرؤيته وهو يتابع : " كم تسعدنى رؤيتك فى المنزل من جديد ! أعددت لك فطورا مميزا "

فجأة لفته ذراعان قويتان بقوة فى عناق خاطف ، قبل أن يتركه كيوتو ويعود بسرعة إلى عمله فى قلى البيض كأنه لم يلمسه مطلقا . ابتسم زاين لنفسه ، فما زالت لغة كيوتو عرجاء كما كانت ، لكنه لا يستطيع أن يتذكر مرة لم يكن فيها قادرا على التعبير عن عواطفه .

قال له زاين بصدق : " تسعدنى جدا رؤيتك من جديد ، كيوتو "

هز كيوتو رأسه بأسف وهو يقدم له طبقا مليئا بالطعام : " أنا آسف جدا لما حدث لوالدك"

- شكرا .

ما إن وضع كيوتو أمامه القهوة الساخنة وطبقا مليئا بالتوست بجانب طبق الطعام ، حتى شعر أن خسارة هذا الخير أكبر من خسارته . ابتعد كيوتو وهو يتحدث مع نفسه ، فيما بدا زاين بتناول الطعام فى الغرفة الواسعة المطلة على الحديقة المليئة بالأزهار . مضت ساعات على تناوله آخر وجبة حقيقية ، وهو لطالما أحب ما يعده كيوتو من طعام ، فكيف وهو فى هذه الحالة . ثم عاد كيوتو ووضع شيئا ما على الطاولة أمامه . رمش زاين بعينيه من جراء الصدمة الكبيرة التى شعر بها لرؤيته الصندوق الخشبى الصغير المقفل .

صندوق اللؤلؤ القديم الذى كان يحتل المكان الأبرز على مكتب والده هو الآن أمامه يتحداه ويسخر منه . إنه تذكار من عهد قديم . عندما كانت اللآلئ الطبيعية كنزا حقيقيا ، وكان الربح الأكبر النادر عندما يتم العثور على لؤلؤة لا عيب فيها ، من تلك اللآلئ التى توضع داخل الثقب الصغير فى القفل ، وهكذا تبقى بأمان أثناء اصطياد اللؤلؤ فى أعماق البحر . لكنه بالطبع لا يتوقع أن يجد لؤلؤا فى هذا الصندوق . إنه بالأحرى يحتوى على مفاجأت مزعجة .

قال كيوتو مجيبا عن سؤال لم يتفوه به زاين : " قال والدك إن هذا الصندوق لك "

أبعد زاين طبقه جانبا ، ورشف آخر ما فى كوب قهوته ، من دون أن يبعد عينيه عن الصندوق . ازداد قدم الخشب ، وتحول لونه إلى لون نحاسى اكثر مما يتذكره . بدا القفل المعدنى مليئا بالخطوط مع مرور الزمن ، لكن المفتاح الصغير ما زال مكانه ، يدعوه ويعذبه . من الصعب أن يكون هو ما أراد والده أن يحتفظ به ويقدمه له ، بل ما يحتويه . وزاين يعلم جيدا ماذا هناك فى الداخل . هل أعتقد والده حقا أنه لا يعلم ، أم أنه قصد أن يؤثر به بسبب عودته إلى المنزل عن طريق أكبر تذكار مرير لظروف رحيله ؟ لا مجال لذلك ! اتخذ زاين قراره . مما لا شك فيه أن لورانس لم يطلب رؤية زاين لينهى الخلاف بينهما ، بل طلبه لكى يواصل ذكر الأمر له . تجعدت جبهته بسبب تلك الذكريات المؤلمة . كان مجرد شاب يافع يومها. . .

أثناء عودته من عطلة مدرسية تسلل زاين إلى مكتب والده عبر الشرفة ، وبدأ بالبحث والتنقيب داخل أدراج المكتب حتى لمست يده مفتاحا صغيرا . فكر على الفور بالصندوق الموضوع على سطح المكتب . . . الصندوق المقفل منذ أن بدأ يعى الحياة ، والذى كان دائما مصدر حيرة واهتمام له .

وهكذا صعد على مكتب والده محاولا أن يفتح القفل . ما إن وضع المفتاح وأداره حتى فتح من المحاولة الأولى . بإحساس بير من فرح الاكتشاف رفع القفل والسلسلة المعدنية عن غطاء الصندوق . ما زال يتذكر كيف حبس أنفاسه وهو يرفع الغطاء لينظر خلسة إلى الكنوز التى توقع ان يراها فى داخله . عاوده الإحساس العميق بخيبة الأمل ، ذلك الاحساس الذى أصابه عندما وجد أنه لا يحتوى إلا على كومة من الرسائل القديمة . رفع أول رسالة منها . فتح الورقة بلا اكتراث وحدق إلى محتواها . غنها رسالة من والده إلى الخالة بونى ، الصديقة المفضلة لأمه . وجد فى الرسالة لائحة من الأرقام وشيئا ما يتعلق بمنزل ودفعات شهرية لم تعن شيئا لعقله اليافع . لكن لم يتسن له الوقت للنظر أكثر فقد وجدته مربيته فى الغرفة فمنعته من الدخول إلى هناك ثانية ، وحذرته من الدخول إلى أماكن ليس عليه التواجد فيها .

للحظة تساءل زاين ما الذى تقصده بكلامها هذا ، لكنه سرعان ما وجد لعبة جديدة يتسلى بها ، ثم عاد إلى مدرسته ، ونسى كل ما يتعلق بالصندوق . حتى ذلك اليوم منذ تسع سنوات خلت ، عندما تذكر الرسالة وما حوته ، وفجأة بدا كل شئ أمامه بمنتهى الوضوح . أطلق زاين زفرة قوية وهو ينظر إلى الصندوق ، شاعرا بالمرارة فى أعماقه . ما الذى يقصده والده بلعبته تلك ليترك له الصندوق بهذه الطريقة ؟ هل يتوقع منه أن يقرأ كل ما فى داخله ؟ لاشك أنها رسائل غرامية تؤكد أن زاين عرف الحقيقة القذرة كلها . أهذا ما أعتقد لورانس أن إبنه يستحقه بعد غياب دام تسع سنوات ؟ أهذا هو ميراثه ؟ لم يستطع زاين إلا أن يبتسم بسخرية وهو يتأمل الصندوق . حسنا ! لورانس لم يرغب بأن يمر الأمر بسهولة ، فهو لم يكن شخصا لطيفا أو ودودا ، أما هو فلن يشارك بهذه اللعبة . قرأ بما فيه الكفاية منذ سنوات مضت . بإمكان الصندوق أن يبقى مقفلا إلى الأبد .

غسل كيوتو الأطباق ، وأكمل تنظيف كل ما أستعمله . بعد مرور دقائق أصبح كل شئ لامعا من شدة النظافة . سأله كيوتو مقاطعا أفكاره :
" أتريد المزيد من القهوة ؟ "

هز زاين رأسه رافضا ، ثم أبعد الصندوق بدفعة أخيرة قبل أن ينهض ، فهو لا يريد أى ذكريات من الماضى . لديه روبى لتذكره بها .

- شكرا لك ، كيوتو . لا أريد المزيد . على أن أنهى بعض الأعمال الهامة . هل هناك سيارة أستطيع قيادتها أثناء بقائى هنا ؟

- أجل ، بالطبع .

هز رأسه ، وتبع يسأله : " لكنك عدت إلى المنزل لتبقى فيه دوما . أليس كذلك ؟ "

تنفس زاين بقوة . ما يفكر به الآن بالنسبة إلى الشركة لا يتعلق بالتزامه بها على المدى الطويل ، وهذا يستلزم عودة سريعة إلى لندن وإلى عمله هناك . بالطبع ، لابد من وجود عوائق عليه التعامل معها نظرا لموت والده المفاجئ . شخص ما عليه إستلام إدارة العمل فى تجارة اللؤلؤ . سيتمكن من وضع مدير إدارى بطريقة ما ، لكن البقاء ليس خياره الآن .

أجاب من دون أن يعطى أى وعد : " سنرى ماذا سنفعل ، كيوتو . لكن أولا ، على التأكد من أن الشركة ستتابع أعمالها فى هذه المرحلة العصيبة من دون وجود أبى كمدير وحارس لها "

علق كيوتو ملوحا بيده كأنه يبعد عنه قلقه : " ليس هناك من مشكلة . الآنسة روبى تهتم بكل شئ ، فلا تقلق "

تجمدت ملامح زاين ، كأن سكينا حادة بدأت بتقطيع أفكاره . سأله : " ماذا تقصد بقولك ؟ "

- الآنسة روبى هى الآن فى المكتب ، تتولى إدارة كل الأمور العالقة .

* * * *
إنها تجلس الآن فى مكتب الده كانها تملكه . تضع الملاحظات على جهاز الكومبيوتر النقال ، وهى تدرس ملفا وضعته أمامها على طاولة المكتب .
قال زاين معلنا حضوره بكلمات قاسية : " أرى أنك لم تضيعى أى دقيقة من الوقت "

رفعت روبى نظرها ، وللحظة بدت مندهشة ، قبل أن تنزل أهدابها ، وتتحول عيناها إلى لون أزرق بارد كالثلج ، وتمتلآن بالحذر .
- توقعت أن تنام لفترة أطول .

ابتسم بسخرية ، وأجاب : " وهل أعتقدت أنك ستتمكنين من إدارة الشركة قبل أن أستيقظ ؟ "

قطبت روبى جبينها ، وسألته : " لماذا تفكر على هذا النحو ؟ "

حرك يده مشيرا إلى المكتب الفخم قائلا : " لأنك هنا ، وبالكاد مضت أربع وعشرين ساعة على وفاة والدى . أنت فى مكتبه ، تحتلين مركزه "

وضعت روبى قلمها جانبا ، واستندت إلى الوراء على كرسيها ، بل كرسى والده . ضاقت عيناها وهى تنظر إليه قبل أن تجيبه : " أهذا ما يشغل بالك ؟ أتخشى ان آخذ ميراثك الغالى منك ، وأسرق ثروة باستيانى للمجوهرات فيما أنت تنظر إلى وتراقبنى ؟ "

قال زاين من بين أسنانه ، وبنبرة لا تحمل أى شك بما يقوله : " لن تجرؤى حتى على التفكير بذلك ! "

ابتسمت ابتسامة لم تظهر إلا أسنانها : " إذا ربما من الأفضل أن تعلم أننى لست مهتمة للأمر مطلقا "

سألها وهو يسير ليصبح أقرب إلى المكتب العريض : " إذا كيف تفسرين وجودك هنا . اليوم السبت ، وهو ليس يوم عمل كما تعلمين "

فكرت ، كان على مغادرة المنزل . . . كان على الابتعاد عنك ! لكنها لن تقول له ذلك . لن تعترف بأفكارها تلك حتى لنفسها . بدلا من ذلك ، استجمعت كل ما لديها من قوة لتواجه اقترابه قائلة : " هناك عمل على القيام به . كنت ولورانس منشغلين بمشروع معا فى الأسبوع الماضى عندما أصيب بالأزمة ، وما زال الملف على مكتبه . كما أننى لا أعتقد مطلقا أنه كان لينزعج لو استعرت مكتبه لفترة قصيرة "

لم يعلق مطلقا على سخريتها . سألها : " أى نوع من الأعمال ؟ "

تأملته روبى مليا وهو يلتف حول المكتب ليقف بجانبها . لاحظت أنه يرتدى سروالا قطنيا وقميصا ذات قماش ناعم . شعرت بالضيق مع كل خطوة تقربه منها . إنها ترتدى ثيابا رقيقة لتتحمل الحر ، فلماذا تشعر فجأة أن حرارتها ترتفع ؟ تبا له ! هذا ما قالته لنفسها طوال الليل . الآن وبعد أن تخطت صدمة لقائهما الأول ، وأصبح كل منهما يعرف تماما موضعه من الشخص الآخر ، عليها أن تبقى منيعة ضد قوته وجاذبيته الطاغية . اقنعت نفسها أنها ستجمع كل ما لديها من غضب لمواجهته ، لكنها أدركت أنها تخدع نفسها . لماذا هربت من المنزل ما إن لاح اول شعاع نور فى السماء ؟ ولماذا تشعر بمثل هذه الحرارة لاقترابه منها ، وكأنها تلامس مشعلا من نار ؟ ما زال غضبها كبيرا ، وكذلك انزعاجها منه ، لكن لا قدرة لديها على تجنب التأثر بهالة باستيانى . الابن سر أبيه!

* فوفو * 01-11-10 04:56 PM

يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي


نهاية الفصل الثالث

غلطتي حبك 01-11-10 05:58 PM

يسلموووووووو


الساعة الآن 04:14 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.