آخر 10 مشاركات
مابين الحب والعقاب (6)للرائعة: مورا أسامة *إعادة تنزيل من المقدمة إلى ف5* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          499 - أكثر من حلم أقل من حب -لين غراهام - أحلام جديدة جديدة (الكاتـب : Just Faith - )           »          انتقام النمر الأسود (13) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          قيود الندم -مارغريت بارغيتر -ع.ج-عدد ممتاز(كتابة/كاملة)** (الكاتـب : Just Faith - )           »          حياتي احترقت - فيفيان لي - ع.ج ( كتابة / كاملة )** (الكاتـب : عروس القمر - )           »          32 - ليلة ثم النسيان - باني جوردان عبير الجديدة (كتابة /كاملة **) (الكاتـب : dalia cool - )           »          202- لن تعيده الاشواق - لي ويلكنسون (الكاتـب : Gege86 - )           »          شيء من الندم ..* متميزه و مكتملة * (الكاتـب : هند صابر - )           »          سارق قلبي (51) -رواية غربية- للكاتبتين: وجع الكلمات & ولقد أنقذني روميو *مكتملة* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > منتدى روايات (عبير- احلام ) , روايات رومنسيه متنوعة > منتدى روايات عبير العام > روايات عبير المكتوبة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-06-16, 04:44 PM   #1

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9 14- هروب - مارغريت واي - قلوب عبير القديمة(كتابة/كاملة)**






الرواية كتابة الجميلة Rihana


14- هروب

من قلوب عبير القديمة

للكاتبة: مارغريت واي

الملخص

استلقت على ظهرها لتجد الالم يزداد في رأسها ووجه غرانت يختفي عن ناظريها، مدت، يدها بقصد لمسه وقالت:

- انني لا اكاد ارى وجهك ياغرانت.

امسك يدها وقال:

- قولي لي متى ترين بوضوح.

اغنضت عينيها الى ان توقفت الارض عن الدوران عندئذ فتحتهما لتجد عينيه الرماديتين مسمرتين عليها ، واصبعه يداعب وجنتيها ، تكلمت برقة :

- انني بخير ياغرانت، عاد كل شيء الى وضعه الطبيعي وثباته..

لاحطت ان عينيه اشد ثباتاً واكثر اتساعا وذلك لأن نظراته كذلك مختلفة ..انها حزينة تعكس تأملاته.. قالت متنهدة:

- اتمنى لو ابقى هنا الى الابد.

- اكاد اقول انه الوضع الذي ارغب فيه ايضاً.





محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي

ندى تدى likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة MooNy87 ; 18-07-20 الساعة 04:20 AM
Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 17-06-16, 05:03 PM   #2

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

1- خرجت ادريان من بيت والدها ، الذي تزوج بعد موت امها، آملة ان تشق طريقها بنفسها... واستطاعت ان تقنع السيد ماننغ بأنها السكرتيرة التي يبحث عنها.

انحدرت شمس الصيف عن التلال لتغمر الوادي بأشعتها الذهبية ولتلبس سارنغا ابهى حللها مع تفتح الزهور في هذا الفصل، الذي يعبق فيه الشذى حتى في المراعي، ولا تقع فيه العين بين السهول الملئية بلأشجار وضفاف النهر الخصبة الغنية الا على الطبيعة الفرحة المتألقة، لقد ساد المناخ المعتدل واحتفظت الأرض باخضرارها المتماوج في الف لون ولون.

واكتظت الحقول بأزهار الاقحوان التي حاكت في روعتها اجمل مافي حدائق سارنغا من زهور، وبينما تألقت كل زهرة منها ووريقة ببريق خاص تحت وهج الشمس، حلقت فوقها الطيور مغردة ، وملأ السرور الجو العطر الدافيء واصلاً الى انحاء المنزل كله.

و صبغت حدائق البيت وخمائله بالألوان ، بينما اكتنفته من الداخل هدأة الأصيل ، في جدار قاعة الجلوس ساعة انيقة ثبتت على قاعدة برونزية مزخرفة، واحيط ميناؤها بأكاليل من الورد نقشت على البورسلين الأبيض وعند الساعة الثالثة انبعثت منها طنين سبق دقاتها الثلاث التي مزقت الصمت.

نظرت ادريان من مقعدها غاضبة، ثم نهضت وسارت عبر القاعة الطويلة الكثيرة النوافذ وهي مصممة تصميماً حاداً على الاحتفاظ بهدوئها حتى آلمها رأسها من شدة الجهد، ولعلها حسبت ان المنظر البهيج سيهدئها، تراقصت موجات الحر امام عينيها، في حين هزت النسيمات المنعشة اشجار الحديقة ونباتاتها.

---------------------------------------

غابت ادريان عن واقعها برهة كادت دورة الزمان ان تتوقف في خلالها وتتلاشى معها مشاكلها .

احست بنفسها خفيفة كورقة وناعمة كالأصوات الخفيضة في الحديقة، الا ان الواقع مالبث ان فرض نفسه ثانية وبقوة، فتساءلت عما أخر الرجل، قد يكون غرانت ماننغ من كبار ملاكي الأراضي ، لكن كثير عليه ان يجعلها تنتظر ساعة كاملة لتحظى بمقابلته.

وفي ردة فعل عفوية تأملت ادريان ساعتها الأنيقة الجديدة التي خلقت في نفسها شعوراً مغايراً لموقفها في تلك اللحظة فأشاحت بنظرها حالاً عن هدية ليندا اذ اصابها شيء من الدوار.

انشغلت افكارها بليندا العزيزة ، بزوجة والدها الثانية ، بالدافع الحقيقي وراء وجودها في سارانغا الآن وجوهر القضية هو الشبه الكبير بين ادريان ووالدتها مدلين برنت التي لم تطق ليندا مايذكرها بها ، ولم يكن احد ليلومها على موقفها خصوصاً انها ناضلت سنوات عدة للتخلص من شبح السيدة برنت الحسناء ، ابنة الجاه ، قبل ان تحل محلها فعلياً.

فلقد عملت ليندا مدة طويلة في شركة برنت الهندسية حيث بدأت حياتها كواحدة من مجموعة الضاربات على الآلة الكاتبة، وما ان انقضى الاسبوع الأول حتى استحوذ رب عملها الوسيم على قلبها ولم تستطع فهو رغبتها بالحصول عليه الا انها تمكنت بمكرها ان تخفي غيرتها من زوجته وكراهيتها لها ، وطالما رددت ليندا في فترة تناول الشاي ان الحياة لم تمن عليها بالعاطايا السخية المتوفرة لنساء كثيرات غيرها يتمتعن بالحسن والمركز الاجتماعي المرموق والزوج البهي الطلعة والطفل الحلو والمعشر مثل ادريان ، اما ليندا فكانت ترهق نفسها بالعمل طوال النهار وراء المكتب الجامد، وبالسهر ليالي موحشة في منزلها يائسة محبطة ، علماً انها قي غاية الجاذبية ، ولم يدر احد السبب لولا ان احد الموظفين الساخرين في الورش وهو معجب بليندا، اكد ان الفتاة تسر باعلان استيائها وضجرها ، غير ان ليندا صعقت مثلها مثل الجميع عندما علمت ان مدلين برنت قد فارقت الحياة بعد خضوعها لعملية جراحية بيسطة، لم يمض يومان على صدمة ليندا حتى تنبهت لفرصتها الذهبية ، ويالها من فرصة مذهبة كالأحلام مجنحة كالآمال! الا انها لم تحقق هدفها بسهولة ، بل سلخت اربع سنوات من عمرها تناور بذكاء وحنكة وتقابل جون برنت بلا شروط الى ان عرض عليها الزواج آخر الأمر.

ولم تحس بالأمن الا بعد انتهاء مراسم الزواج التي استغرقت عشرين دقيقة.

ولما اصبح زواجها امراً واقعاً اسقطت القناع عن وجهها فواجهت ادريان ذا ذاك ، وبعد سنوات من العذوبة والتودد ، عدواة مدمرة لم يقر لها قرار، وكانت ليندا تتمتع بحس مرهف وادراك عميق يتمتع به الناضجون المجربون، لذلك لم يظهر انزعاجها الا في الأوقات المناسبة، لكن من النادر ان تستطيع امرأة خداع امرأة اخرى.

غير ان والد ادريان خدع، او انه بدا كذلك، وكلما التقى الثلاثة تحولت ليندا مثالاً يحتذى في المودة والحبة، وعدت هي وارديان كشقيقين متحابين ظاهراً ومتعاديتين ضمناً، لم تخرج ليندا من المعركة سالمة اذا اتضح لها مع تقدم ادريان في السن ان المنزل لن يتسع لهما معاً ، فالفتاة جرئية وتتميز بصراحة مذهلة تزيد وضع ليندا حراجة خصوصاً وان عليها الظهور صفاً واحداً مع ادريان في الحفلات والسهرات، لذلك اعتبرت ليندا ان مكان عمل ادريان في مزرعة سارانغا لتربية المواشي هدية من السماء لا لغنى المكان فحسب ، ولكن لبعده قرابة 650 كليو متراً عن المنزل.

وفي الاسبوع الماضي سخرت ادريان من ليندا التي تصرفت بلطف بالغ فاق حدود المعقول، خصوصاً عندما رفضت الا ان ترافقها في جولتها على المتاجر لشراء الملابس المناسبة للرحلة وكأنها لم تعد تطيق انتظار ساعة الانطلاق .

ومع ان ادريان رحبت بفكرة ابتياع الملابس لأن والدها يدفع ثمنها الا انها انزعجت من ليندا التي رافقتها كظلها واشترت ملابس لنفسها ايضاً، فمن منها التي كانت تستعد للرحلة؟!

واتسم موقف جون برنت المبدئي بالغضب والسخط من فكرة مغادرة ابنته الوحيدة المنزل على انه سرعان مااقتنع زوجها برغبة ابنته بدخول معترك الحياة ، هذا صحيح غير ان ادريان لا تريد الخروج قسراً من عشها الابوي وهذا ماحدث فعلاً، وتمتمت ارديان:

- يالبؤسي وشقائي!.

ولكن ماذا يجدي التفكير بهذا الأمر؟ لقد حضرت الى هنا بقصد الهرب، ثم ضغطت انفها على زجاج النافذة مرددة:

- لن يوهن عزمي شيء على الاطلاق.

------------------------------------

وادهشها من خلال الحديد المشبك امام النافذة ذلك المنظر ، فمزرعة سارانغا تفاخر بالمسكن القديم الجميل الذي يبرز اناقة الهندسة التي ادخلها مستعمرو استراليا الاوائل وهي المعتمدة على تشييد المباني من حجر الرمل وتزويده بالحديد المزخرف ، مما يترك اثراً طيباً في النفس، وقد استمتع ادريان على رغم توترها برحلتها من المحطة الى المزرعة اذ انبسط امامها الريف شاسعاً وعابقاً بأريج الزهور ورائحة الصيف الى ان بلغت مدخل المنزل الجميل، لم تتوقع ان يكون في هذه الروعة اذ كانت تقف بالممر المؤدي اليه ست من اشجار الجكرندا الاستوائية تفتحت زهورها رقيقة جميلة.

عبثت النسيمات بالأشجاء واوراقها فرفعت ادريان بصرها مأخوذة بكثافة الظل وخضرة الارض ودعة الهواء، وانحرف الممر الطويل الى اليمين انحرافاً بطئياً سمح للمرة الاولى برؤية البيت الواسع المحاط بأشجار خضراء ظليلة انبعثت منها رائحة الأزهار الزكية، وانتصبت امام البيت في وسط الساحة شجرة بونسياتا رائعة بدت اغصانها المثقلة بالأزهار اعجوبة في منطقة تبعد كثيراً الى الجنوب من خط الاستواء ، كما اضفت على المنزل سحراً ورونقاً يؤهلانه لأن يعرض في صور بطاقات البريد.

وفي حين توقعت ادريان ان يلوذ سائق سيارة الستايشن بالصمت فوجئت بهدوء السيدة فورد مدبرة المنزل وتكتمها ، ولم تستطع تحديد عمرها ، لقد اكتفت السيدة فورد بادخالها الى البهو الانيق ، ثم قدمت لها فور وصولها فنجان شاي لذيذ لتعوض عن جفائها.

وصرفت ادريان وقتاً طويلاً تتأمل الثريا المدلاة فوق رأسها ، وهي مصنوعة في منطقة ووترفورد الايرلندية ، والاخرى المعلقة في سقف حجرة الطعام حيث استطاعت تسريح نظرها ايضاً، واكتشفت لاحقاً ان كلتا الثريتين ابتيعا في مزاد عليني اجري في مدينة دبلن عاصمة جمهورية ايرلندا، ركزت عينيها باعجاب على مجموعة من التماثيل العاجية والنقوش المحفورة في قطع من العاج وخزانة زجاجية اسندت الى الحائط.

تذكرت ان والدتها اقتنت مجموعة مماثلة باعها والدها لأسباب تجهلها ، وقد غضبت منه لأن امها سمحت لها آنذاك بالاعتناء بقطع المجموعة بغية تنمية تقديرها للجمال.

كان اصحاب سارانغا يتمتعون الى جانب غناهم المعروف بذوق مرهف الى حد يذكر زائري المنزل بقصور اوروبا الفخمة ويفاجئهم بوجود مثل هذه المباني في الريف الاسترالي ، الا ان غنى آل ماننغ كان يسمح لهم باقتناء افضل مافي اوروبا واستراليا ، ولعل الأمر الوحيد الثابت فيهم ميلهم الى امتلاك التحف القديمة ، ثم استقر نظر ادريان الهائم على لوحات زيتية ايطالية قديمة تمثل ازهاراً مختلفة.

ماالذي يؤخر السيد؟ اخذت ادريان تحس بالتعب والضياع.وسمعت للحال ضجة خفيفة في الممر تبعها صوت رجل تميز بجاذبيته وحدته، خفق قلبها خوفاً قبل ان يدخل من الباب الزجاجي الواسع رجل طويل في اوائل العقد الرابع من عمره لوحت الشمس بشرته.

بدت عليه امارات الذكاء والاعتداد بالنفس والقدرة على مجاراة الآخرين ، حولت ادريان عينيها المسحورتين عن عينيه الآسرتين وخديه البارزي العظام لتستقر على ذقنه، ومر وقت طويل قبل ان يقول غرانت ماننغ:

- طاب نهارك يا آنسة برنت، آسف لانتظارك لي طويلاً.

الا انها لم تجن من اندفاعها للرد سوى الدهشة، فقد رأته يشعل سيجارة ويأخذ مجة طويلة، ثم يؤكد :

- لست ياآنسة برنت السكرتيرة النموذجية التي احلم بها، علماً بأني لست افضل من يحكم في هذا الأمر ، فباتريسيا باركر لم تكن تفضلك في شيء.

افترضت ادريان ان باتريسيا باركر هي سكرتيرته السابقة فرفعت رأسها غاضبة اذ شعرت برفضه لها ، ورمته عيناها الزرقاوان بنظرات اعجاب خالطها الاستياء ، عندئذ صارحها قائلاً:

- ارجو ا لا تسيئي فهمي ياآنسة برنت ، فأنا احب الحسان وان تميز طبعهن بالحدة مثلك، لكنني لست ادري اذا كان بامكاني التمتع بوجود سكرتيرة حسناء في مكتبي وذلك لكثرة اعمالي.

شهقت ادريان وقد عجزت عن تصديق قوله، وهي بنت القرن العشرين التي لم تألف التذلل في طلب الوظائف ، ثم انتصبت واقفة وقد تملكها السخط.

------------------------------------



التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 09-03-17 الساعة 01:40 PM
Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-06-16, 05:05 PM   #3

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

- هل استنتج ياسيد ماننغ ان قولك يعكس فكرة التمييز بين الجنسين من جهة وتفكير اهل الريف من جهة اخرى؟ باستطاعتي التأكيد لك بأني لا اثير فضول احد في المدينة، واجدني مضطرة للقول بانك قد خيبت آمالي.

ساد صمت بليغ احست فيه ادريان برعشات الخطر الاولى اذ لم يعد امامها مجال للتراجع ، ورفعت نظرها الى غرانت لتلمح المرح على وجهه وهو يبالغ في تهكمه:

- لعلني اسأت اليك ياآنسة برنت العزيزة بتصرفاتي الريفية الغريبة، لكنك تظلمين نفسك بكل تأكيد ، فالمرأة الجميلة تفقد الرجل الحكيم صوابه حتى في ارقى المدن.

اغتاظت ادريان وفقدت السيطرة على اعصابها فهتفت:

- لا يسعني القول الا انه لا داعي لحذرك مني ياسيد ماننغ، فأنا لست سوى فتاة عاملة لا حسن فيها ولا اغراء.

ازداد بريق السخرية في عينيه واجاب:

- من السهل معالجة هذا النقص ياآنسة برنت.

صدمت ادريان صدمة خفيفة، هل قصد اظهارها بمظهر الحمقاء؟ واخيراً تمكنت من الاجابة بتصنع :

- اشعر ان حديثنا غير لائق ياسيد ماننغ.

- اذا كان الامر كذلك ياآنستي العزيزة، فأنت التي بدأت فالواقع انك...

حاولت ادريان ان تحاكيه دهاء وهدوءاً خصوصاً وانه اكثر من استعمال عبارة الآنسة برنت، الأمر الذي اغاظها بعض الشيء، ولكنه حدد بصره اليها وقرأ افكارها واضاف:

- الواقع ياعزيزتي اني مثال للرجل الريفي الكثير المشاغل، فلدي اعمال مكتبية وفيرة اتمنى صادقاً احالتها على من ينقذها، على اني آمل ان تتغلبي على صدمتك الاولى ياآنستي ، فأنا لا املك الوقت والصبر للبحث عن بديل لك، هل تجيدين الضرب على الآلة الكاتبة ياآنسة برنت؟

همست برقة محاولة اظهار براعتها امام مداعبته وعدم لياقته:

- الى حد يثير اعجابك ياسيد ماننغ.

ابتسم غرانت حتى برزت اسنانه بيضاء ناصعة ازاء بشرته السمراء وقال لها:

- سوف اغيب بقية النهار، اطلبي من السيدة فورد اي شيء تحتاجينه، فهي ستعتني بك الى حين عودة السيدة ماننغ ، زوجة عمي.

ولمابلغ الباب، استدار قائلاً:

- هل يسعك ياآنسة برنت التلطف بمسايرة رب عملك الريفي، بعقد شعرك الى الوراء اثناء ساعات العمل على الأقل؟

لمست ادريان شعرها الناعم بعد ان غادر غرانت الغرفة مبتعداً.

--------------------------


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-06-16, 05:07 PM   #4

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

2- بدأت ادريان ترتاح الى الذين عرفتهم في المنزل والى انساجمها في العمل ولكن فيرا صديقة غرانت ظهرت لها فجأة لتنكد عليها ارتياحها بشتى الوان الحسد والغيرة.

استيقظت ادريان في صباح اليوم التالي على صوت طائرة القرية يدوي في طرف الشرفة وكأنه ضحكات ادمية ، وعلى اريج الياسمين تحمله النسيمات المتسللة على حجرتها عبر الباب المفتوح على الشرفة ، وعلى الشمس المتسربة عبر الستائر المعدنية لتلون قطع الاثاث المصنوعة من خشب بذهب اشعتها.

وسرها مايحيط بها من تسهيلات تدهش اثقل الضيوف وتسكتهم فكيف اذا كان الضيف عاملا عند رب البيت؟ والحقيقة انها شغلت بمفردها جناحاً خاصاً يتألف من حجرتي جلوس ونوم، وحمام كان في الاصل خزانة واسعة تتميز بدقة تصميمها، وغطى البلاط الاصفر ارض الحمام وجدارنه، كما كسا ارض وجدران المعتزل المخصص للدش المزود بشاشة من الالياف الزجاجية تنعكس عليها اطياف القصب والرمال والاصداف في صورة تشبه قعر البحر.

رصفت على منضدة الزينة قوارير زجاجية ملئت بماء البحر وبعض كائناته لتحاكي في طرافتها وجمالها الحمام والمغسلة.

واتضح لها اهتمام رب عملها بسعادتها ، فتذكرت كيف انعطفت السيدة فورد قليلاً خلال جولتهما السريعة حول المنزل بعد ظهر امس، لعل السيدة فورد لا تحسن الظن بالفتيات الجميلات.

تبين لادريان ان الجميع توقعوا عودة السيدة ماننغ- ربة المنزل وسيدة المنطقة الاولى- في غضون ايام، من مؤتمر نساء الريف ، وفكرت بما سيكون رأي السيدة ماننغ فيها لاسيما انها بدت قاسية مثل غرانت، ولكن لتدع مشاكل الغد لوقتها!

انتصبت ادريان وادت بعض التمارين الرياضية البسيطة لتبلغ حدود اليقظة التامة قبل ان تدير الدش، ولم تلبث ان انتهت من الاسحمام وارتداء ثيابها وتسريح شعرها ونزلت الى حجرة المائدة حيث صف كل شيء فوق خزانة اطباق جانبية، ولم يسمح اضطراب ادريان لها بتناول شيء غير قهوتها وقطعة خبز طازجة، ومعروف عن السيدة فورد مفاخرتها عن حق بجودة الطهي، فعشاء الامس كان فاخراً حيث زادت وحدتها من متعتها في تناولها.

حين فرغت من رشف فنجان القهوة الثالث، بدأت تتساءل عن خطوبتها التالية، عندئذ دخل غرانت ماننغ الغرفة وقد اضفت عليه ملابس الركوب التي يرتديها ميزة الرجل الريفي النموذجي.

تأملت عيناه الرماديتان ادريان بقميصها الحريري الاصفر وتنورتها المصنوعة باللون نفسه ورأسها الصغير وتسريحة شعرها التي اظهرت ملامح جمالها مع انه لم يكن ممن يمعنون النظر الى السماء وهمس ببعض السخرية:

- تبدين رابطة الجأش ياآنسة برنت..بل اكاد اقول انك اشبه بسيدة تدير اعمال شركات عدة، لنكني لا ارى ان هذا ينطبق عليك بدقة. ماذا يقصد؟ انها لا تشبه ( سيدات الاعمال) ! ان لديها شهادة تثبت قدرتها على ادراة الاعمال ، ولم يلبث غرانت ان اضاف ببعض المكر فيها استدارت نحو الباب:

- هيا الى المكتب قبل ان اغير رأيي.

نهضت ادريان ودفعت الكرسي قبل ان تلحق به الى جناح المنزل الغربي عبر الممر الطويل البارد مجتازة عدداً من الغرف الواسعة، ولما بلغا مكتبه الفسيح المكتظ بالكتب والمجلات والنشرات الدورية الصادرة عن مؤسسة تربية المواشي ، وتلالا من الرسائل المختومة بشرود .

اضطربت اذ اثارتها جاذبيته الا انه رفع اليها نظره بحركة مفاجئة وسألها بحدة وبشيء من التذمر:

- هل تظنين ان باستطاعتك معالجة الامر؟ فمن الواجب الاحتفاظ بالبريد ، ولعل بامكانك كتابة مسودة جواب على الرسائل العادية وان تتركي لي الرسائل الاخرى ، ان الهدف الرئيسي هو خفض عدد الرسائل هنا قدر الامكان.

-------------------------------

استقامت كتفا ادريان وتقدمت من المكتب وهي تقول بشيء من البرودة:

- ساتدبر الامر ياسيد ماننغ.

- اذن ، هيا الى العمل وسوف اتركك وحدك.

- خرج بعد ان هز برأسه، وانتظرت ادريان الى ان ابتعد عن الغرفة فدارت حول الطاولة ، واخلت حيزاً منها لترتب فيه الرسائل .

يالله، مااغرب الرسائل التي يتلقاها هذا الرجل! اسئلة من الشركات والمنظمات، وطلبات - أي طلبا! انها موجهة من مختلف المؤسسات والجمعيات الخيرية ، ودعوات لحضور الاجتماعات الرعوية في كل ارجاء استراليا، ومقالات من المجالات والنشرات الدورية والشهرية ، والف موضوع وموضوع لم تتصور ادريان انه يهتم بها.

كانت قد رتبت الرسائل قدر المستطاع حين شرعت في طبع الاجوبة عليها ، ولم يكد يحين وقت الغذاء حتى احرزت تقدماً ملحوظاً، فسرت بانجازاتها، ولشدة انهماكها واستغراقها في العمل، لم تنتبه الى السيدة فورد الواقفة في الباب وهي تحمل صينية مليئة بشتى انواع الطعام، لذلك اضطرت مدبرة المنزل الى تحريك ملعقة واحداث قرقعة، فرفعت ادريان نظرها اليها وقالت:

- ارجو المعذرة على تكلفك عناء المجيء الى المكتب ، لكن يبدو ان العمل قد انساني الطعام ياسيدة فورد.

- لابأس عليك ياعزيزتي فالسيد ماننغ قد اقام حفلة لبعض رجال الاعمال ، ويعتقد انك تفضلين الانفراد في هذا الحال.

وقفت ادريان لتناول الصينية من يد السيدة فورد وعلقت بقولها:

- بالطبع ، مااروع هذه الاطعمة ياسيدة فورد!.

ثم رفعت نظرها فلمحت اثر الرضي على وجه السيدة الاخرى التي اشارت الى طاولة المكتب المرتبة حديثاً وقالت:

- سيكون لديك عمل كثير اذا بقيت هنا ياعزيزتي، فالسيد ماننغ هو محور النشاط في المنطقة بسبب مايتمتع به من طاقة فذة ولا يقعده عن العمل سوى هذه الاعمال المكتبية.

اطرقت ادريان موافقة:

- صحيح ياسيدة فورد، وانا هنا لاساعده.

ابتسمت لها السيدة فورد بلطف واسرعت نحو المطبخ بخفة اذا لاحظت انها تضيع وقتها ووقت ادريان ، اما الاخيرة فادركت مدى جوعها وتعرفت الى محتويات الصينية ، خبز ، قطع من الزبدة، دجاج، سلطة وقهوة سادة كما تحبها ، استقرت في مقعدها بعد ان ادارت المروحة لأن الحر بلغ اشده.

وسمعت بوضوح صوت غرانت ماننغ يتحدث الى رجل آخر تخلو نبرة صوته من الحزم فقررت الاسراع في غدائها والعودة الى مراسلاتها .

اعدت بعض الاجوبة في ذهنها ، ثم اخذت تضربها على الآلة الكاتبة الكهربائية، وحمدت الله انها عرفت كيف تستعملها ، والا لكان عملها مضاعفاً.

بعد قليل سمعت وقع اقدام في الممر الا انها لم ترفع رأسها حتى يقدر رب عملها جديتها.

قرع السيد ماننغ الباب قرعاً خفيفاً ودخل الغرفة بصحبة رجل اشقر الشعر متوسط القامة له كتفان قويتان ووجه مشرق آسر بصحبة وعينان شديدتا الزرقة، فتأمل ادريان كمن يرى حلماً، اما غرانت فسأل سكرتيرته متهكماً:

- كيف الحال؟.

وقبل ان تتمكن من الاجابة ، انفجر الزائر صارخاً:

- بحق الله، اذا لم تقدمني الى الانسة فساعرفها انا عن نفسي.

ضحك غرانت فيما ازاح يده السمراء النحيلة على طاولة المكتب:

- دعيني اقدم لك يا آنسة برنت قريبي السيد كريستوفر هارنغتون من مزرعة كاربوا، وهي اقرب المزارع الينا.

اندفع كريستوفر الى الامام وصافح ادريان بحماس قائلاً:

- مرحباً ياادريان ، لقد اخبرني غرانت انه احضر مساعدة للعمل في مكتبه غير اني لم اتوقع ان تكوني على هذا القدر من الجمال، الحقيقة اني لا اسجن فاتنة مثلك في مكتب.

قاطعه غرانت بتهذيب ، وعقب مبتسماً:

- بالضبط ياكريستوفر! لقد اصبت في قولك ، لكن الآنسة برنت حضرت الى سارانغا لتعمل وتساعد في تطوير المزرعة .

--------------------------------

اضطربت ادريان قليلاً الا انها افلتت يدها من كريستوفر وردت عليه بابتسامة ابرزت الدقة في تكوين اسنانها:

- يسعدني ان التقيك ياسيد هارنغتون.

- لا احد يناديني السيد هارنغتون بل كريستوفر ياادريان ، ولابد ان نلتقي مرارا.

حينئذ فطنت ادريان انها لم تمسك بزمام الحديث مع كريستوفر استدارت نحو طاولة المكتب وجمعت الرسائل التي انتهت من ضربها وقدمتها الى غرانت آملة الا يجد فيها خطأ خصوصا وانها امام طرف ثالث،و همست:

-عليك ان توقع على هذه الرسائل ياسيد ماننغ.

ابتسمت لكريستوفر على رغم الخوف الذي اعتراها قبل ان تلتقي نظراتها بنظرات غرانت التي نمت عن شيء من التقدير، ثم استدار نحو كريستوفر ، ووضع يده على كتفيه ودفعه نحو الباب قائلا:

- ودع الآنسة برنت ياكريستوفر ، فربما لن تستطيع رؤيتها قبل وقت طويل.

على ان كريستوفر المغامر توجه الى ادريان مستفسرا:

- هل تركبين الخيل يادريان؟.

- كلا يا كريستوفر.

فانفجر غرانت غاضبا:

- ياالهي ! هل جئت الى سارانغا وانت لا تجيدين ركوب الخيل؟ لا اكاد اصدق.

احست بالدم يتصاعد الى وجهها ، وظهر الانفعال على محياها بينما رنت منها التفاتة غاضبة الى غرانت الذي انهى حديثه بهدوء:

- احضري صباح غد الى الاصطبل عند الساعة السادسة.

ابتسم كريستوفر مطمئنا وقال:

- لا عليك ياادريان فساعلمك ركوب الخيل ، هذا امر بسيط.

اما غرانت فضغط بشدة على عنق قريبه قائلا:

- الى اللقاء ياآنسة برنت ، اخبري السيدة فورد انني سأمضي بقية نهاري في كاربوا.

توارى كريستوفر ملوحا بيده واتضح جليا انه الف تسلط ابن خاله غرانت.

اما ادريان فتراجعت في كرسيها حيث غمرتها اشعة الشمس الحادة المتسربة من النوافذ الواسعة وتلألأ رأسها الصغير الاحمر فيما اطبقت جفنيها وراحت ترسم في مخيلتها صورا جميلة للمستقبل.



Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-06-16, 05:10 PM   #5

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

لم تنم طوال تلك الليلة بل استلقت لساعات في سريرها ترقل ضوء القمر يتسلل عبر الدوالي وتشغل تفكيرها فلم يغمض لها جفن، سارانغا! يالها من عالم آخر رائع بعيد عن المنزل وعن ليندا ! كريستوفر هارنغتون! من المؤكد انه يقف الى جانبها ولا يعترض على الفتيات حسناوات بصوت عال وراودها اضطرابها مجددا عندما اعادت تقييم مقابلتها لغرانت ماننغ ، احتارات ماذا تقول عنه وهو المتحمس لفكرة الفتاة العاملة وتساءلت عما يمكنها فعله ان هو اصابها بسهامه وهمست:

- اغلب الظن انني ساستسلم لسحره.

تقلبت على سريرها محاولة طرد طيف غرانت من فكرها ، ثم بدأت تعد اغنام سارانغا الى ان غفت ، لم تنتبه لشيء الا لجرس المنبه يقرع .

انتفضت من سريرها ولبست قميصها الحريري القشدي اللون وبنطلونها الاسود وهي تترنم بالرغم من قلقها، املت ان تناسبها تلك الملابس اثناء الركوب ولم تنتبه الى انها لم تعقص شعرها الى الوراء الا بعد ان اجتازت قسما كبيرا من الممر.

تلقاها العشب الاخضر الكثيف والنسيم العليل والجو الساكن المنذر باشتداد الحر فازدادت يقظتها وتعاظم استعداها لمواجهة اي طارئ في حضرة غرانت ماننغ وشخصيته المعقدة التي لا تستطيع خبرتها المحدودة ان تحيط بكافة جوانبها .

تابعت سيرها بين الاشجار حتى لمحت الاصطبل الى يسارها ، توقفت لما لم تلمح اثراً لبشري واحد، ولم تعرف اذا كان عليها ان تعود الى المسكن ام تنتظر قدوم غرانت هذا اذا لم ينس موعدهما، الا ان انتظارها لم يطل اذ سمعت وقع خطوات تأكدت انها خطوات غرانت ماننغ لما فيها من الثبات والقوة.

---------------------------------

تقدم منها ملوحاً بسوط الركوب القصير فخجلت واضطربت غير انه دنا منها متفحصاً ثيابها ووجهها النضر المحمر ارتباكاً، ثم خاطبها بلهجة جافة:

- المرأة الدقيقة في مواعيدها اغلى من الجواهر ياآنسة برنت ، او هكذا يقولون ، اود ان الفت نظرك الى ضيق بنطلونك لكنه سيفي بالغرض الى ان نشتري لك ثياباً لركوب الخيل، في اي حال، آمل الا تكوني ثائرة.

ابتسمت ادريان على رغم دهشتها وردت بثقة:

- ماالذي جعلك تقول هذا ياسيد ماننغ؟

تجاوزها الى الاصطبل ليعود بمهرة شهباء نحيلة الجنين لوحت له بذيلها ، وما ان وقع نظرها على ادريان حتى رفعت رأسها وانتصبت اذناها وبرزت عيناها السوداوان الواسعتان اللتان تنمان عن بعض الفضول.فعظم حبور ادريان، وعرفها غرانت الى المهرة قائلاً:

- هذه هي غما الوادعة اللطيفة، لاداعي ان تخشي منها شيئاً.

لوحت المهرة بذيلها ثانية وقربت فمها من ادريان التي داعبته برقة فيما انسابت انفاسها على بلوزتها ، وفي الوقت نفسه ابصرت المرح في عيني غرانت الذي سلمها المهرة ضاحكاً:

- يبدو انها تحبك، وهذا سيسهل عملنا.

علمها غرانت طوال الساعة التالية كيف تمتطي الجواد ثم تترجل عنه ، وكيف تشد اللجام وتضع رجليها في الركاب وتعدل حزام السرج ، كما اكد انه سيمضي وقت طويل قبل ان تألف مشية الحصان وحركة اقدامه اثناء ركوبها عليه، غير انه لم يتوقف عن تعليمها وتدريبها حتى اتقنت ركوب الحصان اثناء الخيب، والغريب انه اثبت مهارته في التعليم واظهر صبراً ومنهجية وارتاحت ادريان الى الانسجام غير المألوف بينهما.

ساعدها مع نهاية الدرس في الترجل عن ظهر الحصان، غير ان قدميها علقتا في الركوب لفرط حماستها فسقطت على ذراعيه حيث استلقت برهة قبل ان يوقفها على قدميها هامساً بعذوبة وهزء:

- مااغرب طريقتك في الترجل عن مهرتك ياآنسة برنت!؟

اطلقت ضحكة قصيرة فيما تأملت عيناها الخضراون الخانقتان عينيه، رفع الهواء ياقة بلوزتها كما عبث بشعرها ، فرد غرانت احد الخصلات الطائرة الى مكانها بلا انتباه ثم سحب يده قائلاً:

- تمرني على الركوب بعض الوقت كل يوم ، وسأطلب الى احد العمال مراقبتك وارشادك ،وحين تعود زوجة عمي سنشتري لك ملابس ركوب خاصة ، اما الآن فأذهبي لتناول فطورك.

لم تعترض ادريان على كلامه واجتازت الممر باتجاه المسكن تسير الهوينا، لم تر رب عملها طوال الاسبوع لكنها ارتاحت الى غيابه لأنه استحال عليها عدم الاكتراث به او الاطمئنان الى حضوره المزعج لذلك اعتبرت انه من الافضل الا تراه .

اعتنت بالملفات وادخلت عليها كل مااستجد من مواد ، كما قامت بطبع بضع مقالات اعدها لمجلات مختلفة.

وذات مساء اظلم المكتب وكادت الشمس تغيب قبل ان تنتهي ادريان من عملها ، وسمعت اذ ذاك وقع خطوات رشيقة في الممر، وماهي الا لحظات حتى وقفت السيدة فورد في الباب المفتوح وصرخت مستغربة:

- ياللسماء! لاشك انه ليس بمقدورك العمل في هذا المكتب المظلم!

تقدمت من مفتاح النور واشعلته فطرقت عينا ادريان وغطتهما بيدها ثم انحنت لترفع غطاء الآلة الكاتبة عن الارض موضحة:

- لم اتوقف كي اشعل النور لكثرة مشاغلي لكني والحمد لله قد انهيت عملي الآن.

- ستحضر السيدة ماننغ هذا المساء وتتناول معكم ، لذلك اعتقدت انك ربما ترغبين في تغيير ملابسك وارتداء ثوب جميل.

- هذا بالضبط ماسافعله ياسيدة فورد، اشكرك من كل قلبي، من المؤكد ان السيدة ماننغ هي زوجة عم السيد غرانت ماننغ.

- اجل ياعزيزتي، وكم يحزنني القول بان والد السيد غرانت وعمه قد قتلا لدى سقوط طائرتهما في الجبال، فلسارانغا طائرتها ومطارها الخاصين كماتعلمين.

وكان عم غرانت يقود الطائرة في ذلك اليوم، منذ اربعة عاماً، وقع الخبر على اهل المنطقة وقوع الصاعقة، اما السيدة ماننغ ، فتعيش مذ ذاك هنا، وتقوم برحلة خارج البلاد كل بضعة اعوام ، ستجدين فيها للوهلة الاولى امرأة هادئة ومتحفظة الا انها سيدة رقيقة نذرت نفسها لخدمة المجتمع منذ وفاة زوجها .

تنهدت السيدة فورد فيما بدا انها استرجعت ذكريات السنين الماضية. اتجهت ادريان الى غرفتها وبدأت تنقب بين ملابسها متسائلة عن مدى جمال الثوب الذي سترتديه خصوصاً وانها ليست ضيفة .

---------------------------

اخيرا استقر رأيها على ثوب اسود بلا اكمام تعلوه ياقة تطوق العنق وتزين صدره ازرار صغيرة مذهبة, استحمت على عجل وزينت وجهها باعتناء قبل ان تعقد شعرها وترتدي ثوبها المريح الذي ابرز ملامح جسمها المتناسقة، وبعد ان ثبتت في اذنيها حلقا مذهبا وانتعلت حذاءها الذهبي اللون ، رشت قليلا من العطر الثمين على عنقها وساعديها وانطلقت عند السادسة الى البهو.

اضطربت عندما سمعت اصواتا كثيرة تنبعث من البهو ووقفت عند الباب مترددة اذ رأت القاعة تغص بالزائرين الذين حولوا ابصارهم اليها وكأنهم يتوقعون ان تقدم لهم عرضا راقصا ، عندئذ اقترب غرانت منها بلطف وهدوء حيث ادخلها الى الغرفة وقدمها الى زوجة عمه قائلا:

- يسعدني ياادريان ان اعرفك بزوجة عمي السيدة ماننغ.

ذعرت ادريان لأن غرانت ناداها بأسمها مستغنيا عن الالقاب، اما السيدة ماننغ فابتسمت لها بحنو ومدت لها يدها دون ان تقف وهتفت:

- كيف حالك ياعزيزتي؟ لقد اخبرني غرانت عنك، ، لكن والحق يقال اني لم اتصورك على هذا القدر من الجمال، انت تصلحين لعرض الازياء.

اربكت مجاملة السيدة ماننغ المقصودة ادريان قليلا، غير انها ضغطت على اليد الممدودة لمصافحتها، وقد بهرها الحسن البادي على تلك السيدة التي ناهزت الخمسين عاما ، واكدت ملابس السيدة ممانغ الفاخرة وبشرتها النضرة الملونة بمهارة وتصرفاتها التي تنم عن شيء من الدلال وتسريحة شعرها التي تدل على انها من بنات المدن العريقة ، تأملت ادريان عيني المرأة الزرقاوين مبتسمة، وبادلتها السيدة ماننغ الابتسام ، حينئذ ادارها غرانت قليلا وقال:

- اعرفك ياادريان بالأنسة فيرا سترلنغ وشقيقها بريان من مزرعة كرترفون.

صافحت ادريان شابا لطيفا كشفت ابتسامته الدافئة عن تودده لها ، ثم التفت فتاة شقراء طويلة بارعة الحسن سددت اليها نظرات مخيفة ، بينما راقبت حركات غرانت وسكتاته بيقظة، توقعت ادريان نشوء عداوة بينها وبين فيرا، مع انه لم يكن هناك من داع لخوف الاخيرة من منافسة ادريان لها على غرانت الا ان السيدة ماننغ قطعت على ادريان افكارها قائلة:

- قدم ياغرانت بعض الشراب لادريان قبل العشاء.

فرمقها غرانت بنظرة ساخرة تبعث الحزن في النفس، ثم سألها:

- هل تفضلين ياادريان عصير العنب ام عصير الكرز؟

- عصير الكرز اذا سمحت ياغرانت.

سرت لانه ابتسم عندما سمع جوابها ، لكن فيرا سألت مشدوهة:

- هل تناديك الآنسة برنت باسمك ياغرانت مستغنية عن الالقاب؟

سحب غرانت سيجارته وقبل ان يتمكن من الرد ، اوضحت السيدة ماننغ وقد عقدت جبينها ونمت نبرتها عن التوبيخ:

- وماذا يمكنها ان تناديك ياعزيزي؟ فهي في اي حال تشغل منصبا قويا وتقيم معنا في المنزل.

تصاعد الدم حارا الى وجنتي ادريان وندمت على اسقاطها الالقاب حين نطقت رب عملها باسمه ، ارتاح الجميع لدى حضور السيدة فورد واعلانها ان العشاء اصبح جاهزا.

سيطر النفور على جو الوجبة الشهية فقد عبر صمت فيرا عن عداء شديد بينما كشفت نظرات شقيقها الموجهة الى ادريان عن ضياعه، ولم يغب القلق عن محيا غرانت، على رغم انه مازح الجميع.

وكم امتنت ادريان لوجود السيدة ماننغ معهم، فلو لم توجه ربة المنزل الحديث وجهته الصحيحة لانتهى القاء الاول بمواجهة خصوصا بعد ملاحظة فيرا الجارحة التي حلقت توترا شديدا ، تمنت ادريان معه لو تنهي الوجبة وتتمكن من العودة الى جناحها والحقيقة انه ما ان بدأ الحاضرون يتناول قهوتهم حتى استأذنت بالانصراف متذرعة بضرورة الكتابة الى اهلها ، لوحت لها السيدة ماننغ مودعة ودعتها الى جلسة طويلة في صباح الغد.

لكنها تمكنت وهي في الممر من سماع الفتاة الاخرى تردد بانفعال:

- الحقيقة انني لا اعتبرها جرئية، ولا ارى مبررا لاناقتها الزائدة.

لم تسترق ادريان السمع الى المزيد من الكلام بل هرولت الى غرفتها وقد تملكها الغضب، وترددت عبارة اناقتها الزائدة في مسامعها ، ولكنها املت الا ترى فيرا وبريان سترلنغ بعد اليوم لشدة ماكرهتهما.

---------------------------------

ذهبت مع فجر اليوم التالي الى الاصطبل حيث تنتظر غما مع بعض العمال الذين قدموا لها النصح والارشاد ، استمتعت بساعة الركوب ، ثم سمعت اصواتاً بعيدة احبت ان تستكشف مصدرها.

لم تكن قد رأت من الزرعة سوى الممر الطويل ولذا املت ان يجد غرانت متسعا من الوقت ليرافقها في جولة حولها , والواقع انها ذهلت لمجرد التفكير بجولة استطلاع في مايزيد على 650 الف دون في قلب منطقة المواشي التي تفاخر باغنامها السمينة , ومازاد في دهشتها ادارة غرانت مزرعة لتربية الخيول المخصصة للاستيلاد علاوة على تربيته للاغنام, ياله من رجل فذ يدير عملا ضخما بهذا النجاح!

فكرت ادريان بموقف غرانت من فيرا سترلنغ القوية الشرسة, وشقيقها المائع الشخصية الذي لم تسهم ملاطفته لادريان في اعطائها انطباعا جيدا عنه.

وما ان تحولت بالفرس الى الممر حتى رأت غرانت وفيرا يهبطان سلم المنزل, القت عليهما التحية ملوحة بيدها فرد غرانت تحيتها بمثلها , فيما مدت رفيقته بصرها الى الامام ,انحرفت ادريان بالفرس جانبا وغرقت في افكارها الخاصة.

ولما انتهت من تناول فطورها أبلغت ان السيدة ماننغ تنتظرها في مكتبها فهرعت الى الجناح الشرقي وقرعت الباب, ثم فتحته مترددة عندما سمعت السيدة ماننغ تردد: تفضل, وجدت نفسها في حجرة انيقة فرشت باثاث فخم يتناسب مع صاحبته التي تقدمت من ادريان مبتسمة ساحرة وهي تقول:

- ادخلي ياعزيزتي حتى يتسنى لي زيادة معرفتي بك لاسيما انه لم تتح لنا فرصة الحديث ليلة الامس.

اشارت لادريان بالجلوس فيما تراجعت الى وراء المكتب واحتلت مقعدها مبتسمة, بدت عليها الرصانة وامارات الاهتمام بنفسها , بالرغم من اعتنائها بأمور كثيرة بالغة الاهمية. تذكرت ادريان قول السيدة فورد عن اهتمام هذه السيدة بشؤون المنطقة.

انحنت السيدة ماننغ الى الامام واردفت تقول:

- اعلم ياعزيزتي انك جئت لمساعدة غرانت والله وحده يعلم مدى حاجته الى تلك المساعدة, غير اني اتساءل اذا كان بامكانك تخصيص بعض الوقت لمساعدتي عندما لاتكونين منهمكة بتنظيم شؤون غرانت فكثيراً ماانشغل وتتراكم علي الاعمال, وكم سأكون ممتنة لك لو اعطيتني بعض مساعدتك القيمة!

توقفت قليلا قبل ان تضيف في محاولة لطمأنة الفتاة:

- اذا كنت تفكرين بموقف غرانت فاني اؤكد لك انه موافق.

اكتفت ادريان بالابتسام:

- يسعدني ذلك ياسيدة ماننغ.

- عظيم ياعزيزتي , لقد اثنى غرانت على كفاءتك ومهارتك.

ارتعشت ادريان قليلا لعلمها ان غرانت لم يجدها حسناء فحسب وانما عاملة ماهرة ايضاً, مهلا! الا يمكن ان تكون هذه العبارة اضافة الحقتها السيدة ماننغ بكلامها لطمأنتها؟ لكن الاخيرة تحدثت الى ادريان حديث رجال الاعمال:

- لعلك علمت ياعزيزتي اننا نسعى الى اضافة جناح للمستشفى المحلي حتى توفر على الامهات عناء السفر الى المدن البعيدة لوضع اطفالهن, اعتقد انك تتصورين ضخامة العمل المطلوب لهذا المشروع , انه يقع بمعظمه على عاتقي, الامر الذي لا يزعجني البتة لأنه يعطيني فرصة للقيام بعمل بناء.

حولت السيدة ماننغ بصرها الى شجرة البونسيانا المزهرة خارج النافذةو بدا انها انطلقت بعيدا بافكارها , تمكنت ادريان من ادراك قسوة الحياة على صديقتها التي ترملت في شرخ الصبا , لعل ذلك يدفعها الى الاكثار من تعهداتها والتزاماتها , ومالبثت السيدة ماننغ ان حددت النظر الى ادريان قائلة:

- ستعقد اللجنة النسائية المسؤولة عن المشروع اجتماعا يوم الاربعاء المقبل , لذلك ارجو ان ترافقيني الى المدينة لكتابة الملاحظات وتدوين التقرير , ولعلنا نوفق في الوقت نفسه لشراء ملابس ركوب خيل مناسبة لك.

انقطع حديث السيدتين عند سماعهما قرعاً خفيفاً على الباب , دخلت على اثره السيدة فورد حاملة القهوة وبعض الكعك المدهون بالزبدة.

نهضن ادريان وقربت طاولة صغيرة من مجلسهما بينما اوضحت السيدة ماننغ قائلة:

- ماالطفك ياعزيزتي!

---------------------------------

ابتسمت السيدة فورد ابتسامة رقيقة دلالة موافقتها على مجاملة السيدة ماننغ المتعمدة واللطيفة في آن, ثم سألتها:

- هل سيتناول السيد غرانت و الآنسة سترلنغ الغداء هنا؟

- كلا ياسيدة فورد, كان من واجبي ابلاغك الامر, الا انني نسيت , لا اظن ان ثمة داع للاهتمام بها الا اذا حضرا.

لم تقابل السيدة فورد ابتسامة السيدة ماننغ بمثلها , بل وقفت تسوي ثنيات مئزرها صامتة ثم خرجت بهدوء, حئنذ اوضحت السيدة ماننغ مقدمات:

- بين غرانت وفيرا صداقة قديمة الى ايام طفولتهما واهتماماتهما المشتركة الكثيرة.

فطنت ادريان الى نبرة استياء , او ربما تحذير في حديث السيدة ماننغ الجذل فلزمت الصمت لعجزها عن الرد, الا ان السيدة ماننغ لم تلبث ان تحولت الى الكلام عن ادريان وكشفت بذلك عن معرفتها الوثيقة بكل ما يتعلق بالفتاة , ولشد مااعجبت الشابة بتعلق مضيفتها بغرانت وهو ابن شقيق زوجها.

طالت جلسة المرأتين حول قهوتهما الصباحية واخيراً غادرت ادريان مكتب السيدة ماننغ حاملة صينية القهوة, اودعتها المطبخ وهي في طريقها الى المكتب حيث اعتنت بتوزيع بريد الصباح الذي احضره احد العمال بعد رحلته اليومية الى المدينة, ولما دخلت المكتب وفتحت النوافذ لتستنشق رائحة الصيف, ادركت ان غرانت عمل ساعات طويلة خلال الليل الفائت في المكتب بعد نهار مضن من العمل في المزرعة, وحمدت الله على ما وهبها من ذكاء وسعة خاطر يتطلبهما عملها.

بعد ان وزعت البريد تولت الرد على بعض الرسائل فيما تركت البعض الآخر لغرانت حتى يرد عليها , كما جمعت كدسة كبيرة من الخطابات الموجهة الى السيدة ماننغ, انقضت بضع ساعات عليها وهي تعمل قبل ان تسمع صوت خطوات رشيقة, رفعت نظرها لتشاهد فيرا سترلنغ متكئة بوقاحة على احد مصراعي الباب لتخاطبها بتعنت:

-سمعتك تضربين على الآلة الكاتبة بسرعة مذهلة, فحسبتك تقومين بهذا العرض لظنك اني غرانت.

اجابت ادريان بحدة:

- ابداً, فلخطوات غرانت وقع آخر, ولا اتصوره يسير على رؤوس اصابعه حول المكتب متجسساً.

- فعلا, الا ان اقامتك لم تطل حتى تقدر على تمييز مشية غرانت او سواء.

لم تشأ ادريان الخوض في هذا النقاش التافه, فصمتت ولم تعلق, اما فيرا فقربت احد المقاعد وجلست عليه بينما اخرجت من جيبها علبة سجائر واشعلت واحدة منها , نفثت دخانها الكثيف في وجه ادريان مميزة بذلك عن عدائها الشديد لها, فاضطربت ادريان وتعجبت من موقف فيرا الجميلة, وقد ازدادت اناقتها في ثياب الركوب التي ترتديها, تصورت انها او كانت مكانها , لمابلغ غضبها هذا المبلغ ولكن , من يدري؟ عندئذ ضحكت ادريان من نفسها فضاقت عينا غيظاً وكلمتها محذرة:

- ارجو ان تأخذي بنصيحتي لا تتصرفي وكأنك احد افراد الاسرة فبامكان غرانت الاستغناء عنك بسهولة خصوصاً ان رأيه لم يستقر على اختيارك ولأنه لم يرد ان يطلعك على الامر بنفسه رأيت انه من الافضل ان تؤدي له هذه الخدمة المتواضعة فنحن صديقان حميمان.

راقبت ادريان فيرا وهي ترفع ذرات الرماد عن ركبتها وتبدل الجهد في السيطرة على نفسها , تنبهت الى الحقد الدفين في نفس الشقراء المغرورة والى استعداد غرانت للادلاء برأيه في اي ظرف اوحال غير انها ردت على ضيفتها ممتنة:

- اشكر لك ياآنسة سترلنغ اهتمامك بي, واعدك بأخذ كلامك بعين الاعتبار.

ابقت ادريان عينيها منخفضتين لئلا تنعكس عليهما مشاعرها الحقيقية التي لم تظهر على ملامحها الباردة وبعد هنية تمكنت من رفعهما وقالت:

- استأذنك ياآنسة سترلنغ بالذهاب الى السيدة ماننغ لتسليمها بعض الرسائل.

فعرضت فيرا نقل الرسائل بنفسها الا ان ادريان ابت عليها ذلك بحجة ان السيدة ماننغ قد تطلب اليها الرد على بعض الرسائل , ثم دارت حول المكتب حيث كانت تجلس ضيفتها الحسناء.

-------------------------

انتظرت فيرا خروج ادريان من الغرفة فتوجهت الى مقعد السكرتيرة التي تجيد الضرب على الآلة الكاتبة ووجدت عليها مذكرة طويلة , نفضت رماد سيكارتها الحار على الصفحة المخطوطة وراقبته يحدث ثقبا فيها ثم غادرت الحجرة وكأن شيئا لم يكن.

في مساء تلك الليلة اجتمعت ادريان والسيدة ماننغ حول مائدة العشاء في سهرة لطيفة اكتشفت اثناءها ادريان ان ربة المسكن محدثة لبقة واسعة الاطلاع, ومما زاد في سرورهما اتفاقهما على امور عدة منها ولعهما الشديد بالموسيقى وحين علمت السيدة ماننغ ان ادريان تدربت على عزف البيانو في المعهد الموسيقى طفح وجهها بالبشر وهتفت:

- رائع ياعزيزيتي! لابد ان ارسل في طلب البيانو الذي تركته في سيدني لانه سيفيدك ويفيدني.

كادت دموع ادريان تسيل عندما خطر لها انها في مقابل البيانو الجميل الذي اضطرت ان تتخلى عنه بسبب مغادرتها منزل والدها وانها ستعوض عنه في سارانغا.

تمهلت المرأتان في شرب قهوتهما ثم افترقتا سعيدتين بالصداقة التي نشأت بينهما.

وبينما كانت ادريان تستعد للنوم سمعت قرعاً خفيفياً على الباب, توجهت اليه وفتحته لتجد غرانت واقفاً بقامته المديدة النحيلة وملامحه السمراء المنسجمة مع البزة الكتانية البيضاء التي يرتديها , خاطبها قائلا بدون مقدمات:

- هل يمكنك النزول معي ياادريان لقضاء عمل طارئ؟

تبعت السكرتيرة رب عملها الى الجناح الغربي حيث تسطع الاضواء وتبين لها انه زار المكان قبل ان يقصد غرفتها , ولما بلغا الباب اشار لها بالدخول امامه فتقدمت الى طاولة المكتب فيما توجه هو الى خزانة الملفات واخرج منها ملفا طبع عليه اسمه باناقة, قال لها:

- تلقيت اليوم معلومات جعلتني اسرع في توقيع صفقة مع ولكس فرغيسون لكن نظراً الى انشغالي طوال نهار غد مع زبائن اميركيين يريدون شراء احد جيادي اجدني مضطراً الليلة الى كتابة بعض الرسائل حتى تكون جاهزة للبريد في الصباح, فهل لك ان تعدي الآن مسودة تلك الرسائل؟

اجابته:

- بل بمقدورك ان تملي علي مباشرة نسخ الرسائل المنقحة اذا شئت.

- حسناً فلنباشر.

لم تكد تمضي ساعة على بدء عملية الاملاء حتى توقف غرانت فجأة ثم سحب سيكارته قائلاً:

- مارأيك ببعض القهوة. فالقهوة التي تقدم في المطاعم والفنادق كريهة بحيث لايمكن شربها؟

افترضت ادريان هذه المرة خطأ , انه تناول العشاء في الفندق مع فيرا, غير انها عرضت عليه ان تصنع له قهوته بنفسها, ثم انتصبت واقفة بسرعة كبيرة فتشجنت عضلاتها واضطرت ان تمد يديها وعنقها وتقوس ظهرها لتتخلص من بعض التوتر, ولما عادت عيناها والتقت بعينه لمحت فيهما شيئا من المرح, ابتسمت له فجأة ابتسامة عذبة تغير معها الجو على الفور, تحكم بهما الصمت قليلا فحولت بصرها عن عينيه, وتكلمت بسرعة بقصد اخفاء ارتباكها الآتي:

- انك تفضل القهوة المرة اليس كذلك؟

- اجل.. سوف اطلع على الرسائل اثناء غيابك.

اجتازت ادريان الممر واشعلت النور في المطبخ النظيف فاكتشفت ان السيدة فورد تعمل في مطبخ نموذجي يحوي فرنين مشادين في الجدار, ومجموعة ضخمة من اطباق التسخين وعدداً كبيراً من الخزائن المصفحة والرفوف التي وضعت عليها قطع جميلة من البورسلين وكتب الطهي.

دنت من خزانة المؤن المعلقة وانزلت منها علبة قهوة ثم تنفست تنفساً عميقاً لتستعيد توزانها , عندئذ خطر لها انها شديدة التأثر برجولة غرانت, وانه سبق لها وتصورت لحظة تجاذب وتقارب مثل تلك التي سبقت خروجها من المكتب, لكنها لم تلبث ان طردت هذه الافكار وعزت نفسها بالقول ان نساء قليلات يستطعن مقاومة سحر غرانت, وبينما غلت القهوة اتكأت على احدى الخزائن واغمضت عينيها, ثم سمعت صوت غرانت الساخر يناديها من الباب:

- لا تغفي ياآنسة برنت, لقد حان وقت القهوة.

----------------------------

اجفلت وضاقت عيناه حين لمح الحمرة الخفيفة تكسو وجنتيها , ثم تقدم الى احدى خزائن الجدار واخرج منها صحنين وفنجانين, ضحكت ادريان ضحكة خفيفة وقالت:

- اغمضت جفني لاريح عيني من ضوء الفلوريسون المتعب.

- عظيم!.

ارتاحت عندما اضاء مصباح الغلاية الكهربائية معلناً انتهاء عملية الغليان, اذ اتيحت لها فرصة للعمل , صبت القهوة الزكية الرائحة, ثم قصدت حجرة الاطعمة لاحضار بعض البسكوت المغطى بالشوكولا , وفي طريق عودتها سمعت صوتا انثويا حادا ينبعث من باب المطبخ ويسأل بحدة:

- هل هذه حفلة خاصة , ام يحق لي المشاركة؟

وفيما احضرت ادريان لفيرا فنجاناً وصحناً, قرب غرانت لها كرسياً واجلسها عليه وخاطبت فيرا ادريان بتعال:

- اضيفي بعض الكريما الى قهوتي ياآنسة برنت.

اخرجت ادريان الكريما من الثلاجة واستعدت لصبها الا ان فيرا اوقفتها معترضة:

- اني افضل الكريما المخفوقة.

استطاعت ادريان ان تتمالك نفسها الا ان غرانت تدخل في الحديث موضحاً:

- ليس هناك كريما مخفوقة الايمكنك تناول النوع الآخر؟

- علي ان اتكيف مع الوضع ياحبيبي اليس كذلك؟.

وقفت ادريان حاملة فنجانها بانتباه شديد , ثم استأذنت بالانصراف قائلة:

- ساذهب الى المكتب لطباعة العناوين على غلافات الرسائل, اذا سمحتما.

خرجت بدون ان تلقي نظرة خلفها وقد استفظعت وقاحة فيرا وشدة الكراهية بينهما, بعد ربع ساعة حضر غرانت الى المكتب وعلى وجهه تعابير مبهمة وقال لها:

- بوسعك الانصراف الآن, هل فرغت من كل هذه الرسائل؟

اطرقت ادريان وصعب عليها النطق بسبب الغصة في حلقها , ثم اعلنت:

- اجل, كل شيء على مايرام.

علق بلهجة جافة:

- عظيم, هيا اخرجي كي اطفئ الانوار.

غطت الآلة الكاتبة ودارت حول الطاولة, تناول غرانت الرسائل من يدها وتفحصها الى ان بلغت الباب ,حينئذ اطفأ الانوار , تعاظم احساسها بدنوه منها تحت جنح الظلام فتسارعت دقات قلبها , استاءت من شدة تأثرها به, اما هو, فاطبق يده على ذراعها الناعمة واخرجها الى الممر حيث افلتت ذراعها , فانزل يده بسرعة وقال لها:

- اذهبي الى غرفتك بمفردك لأطفئ أنا.

ودعته بتهذيب وعادت الى غرفتها متسائلة اذا كان قد ادرك انها تظاهرت بالبرود فيما هي تتحرق شوقاً اليه.

---------------------------------



Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-06-16, 05:11 PM   #6

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

3- استاء غرانت من خروجها مع كريستوفر , فوجه اليها تأنيباً قاسياً اعترضته ادريان باللهجة نفسها, ولكنها عادت لتعتذر اليه حين بدأت تفكر في معنى تصرفه وتعنيفه لها.

في صباح اليوم التالي التقت ادريان برهة بغرانت وكان يعدو الى الخارج مرتدياً ملابس العمل, فتوقف صائحاً:

- لا تعملي خلال ساعات الصباح.

فشكرته ومضت الى حجرة الطعام الخالية, الا ان السيدة ماننغ سرعان ما انضمت اليها بأناقتها المعهودة, تعجبت ادريان من قدرة السيدة ماننغ على الاحتفاظ بشعرها مصففاً تصفيفاً انيقاً وهي بعيدة مئات الاميال عن دور تزيين الشعر الحديثة, ووقفت احتراماً لها الا ان الاخيرة اشارت اليها بالجلوس.

تقدمت السيدة ماننغ من خزانة الاطباق والفضيات ورفعت عنها صحناً من البيض المقلي ثم جلست الى الطاولة وسألت ادريان:

- هل نمت جيداً الليلة؟

- اجل فأنا احب جناحي الذي يتحول جنة حقيقية بفعل روائح صريمة الجدي والياسمين.

- هذا صحيح فأريجيهما زكي ينعش النفس , انا احبه ايضاً.

ساد الصمت بينما استعدت السيدة ماننغ لتناول الطعام, ثم عادت تطرح اسئلتها على ادريان:

- هل فتحت بريدي هذا الصباح ياعزيزتي؟ هل يمكنك تخصيص بعض الوقت لمساعدتي اليوم؟

لولا تأكد ادريان ان عمل السيدة ماننغ لن يستغرقها سوى جزء من ساعات الصباح لما عرضت ان تساعدها في هذه الاثناء, واضافت السيدة ماننغ:

- ألن يحتاجك غرانت هذا الصباح؟

- كلا.

تنهدت السيدة ماننغ تعبيراً عن ارتياحها وقالت:

- يالحظي السعيد! فالواقع ان لدي اعمالاً كثيرة تتطلب انجازاً , ارجو ان توافيني الى مكتبي عند الساعة العاشرة حين اكون اعددت كل شيء.

انهت المرأتان فطورهما صامتتين وبعد ان جمعت ادريان الاطباق على صينية اخذتها الى السيدة فورد وصعدت الى غرفتها حيث ارتاحت بعض الوقت , لقد كذبت على السيدة ماننغ ولم تنم نوماً جيداً بل سهرت ساعات طويلة تفكر في كل كلمة تبادلتها مع غرانت في المساء.

كانت القشعريرة تسري في جسمها كلما تذكرت لمسته لها , اما الآن فهي تلعن الرجل وتتعهد الا تسمح له باثارتها ثانية وهو الذي يسرق من عينيها النوم.

عادت ادريان الى واقعها فالواجب يدعوها الى ضبط نفسها لانها جاءت الى سارانغا لتعمل لا لتفكر بغرانت ماننغ , ثم نهضت من سريرها بسرعة ورتبت هندامها قبل ان تذهب بحثاً عن السيدة ماننغ.

كانت السيدة ماننغ قد نظمت رسائلها واعدت بعض الاجوبة المستجعلة وما ان رأت ادريان حتى حيتها بابتسامة قلقة وطلبت اليها نقل تلك الردود السريعة.وافقت الفتاة وادنت كرسيها من طاولة المكتب.

كانت المرأتان قد انجزتا عدداً من الرسائل عندما سمعتا قرعاً متواصلاً على الباب وقبل ان تتاح للسيدة ماننغ فرصة الرد انفتح الباب واندفع الباب كريستوفر هارنغتون داخلاً.

تأمل ادريان قليلاً ثم امسك بالسيدة ماننغ وطبع على وجهها بضع قبلات مدوية الا انها لمست وجهه بحنو وقالت:

- كم اتمنى ملاحظة التحسن الفعلي في سلوكك ياكريستوفر.

افلتها واتجه الى ادريان قائلاً:

- مرحبا ياادريان الجميلة , لاشك انك تتوقين الى قبلة.

انحنى وقبل وجنتها فصاحت السيدة ماننغ:

- كفاك طيشاً ياكريستوفر! لا تؤاخذيه يا ادريان فلا احد يستطيع السيطرة عليه سوى غرانت.

والحقيقة ان ادريان لم تنزعج البتة من تصرف كريستوفر بل ابتسمت له .

------------------------------

فتأوه قائلاً:

- اني اغرق في بحر عينيك الزرقازين يا ادريان.

اطلقت السيدة ماننغ تنهيدة حارة وعلقت:

- من الخير لنا ان نوقف عملنا ياادريان لأننا لن نستطيع انجاز شيء في حضرة هذا الفتى الشقي!

وبدا واضحا سرور السيدة ماننغ بقدوم كريستوفر وسألته:

- هل تنوي تناول الغداء معنا ياعزيزي؟

- كلا ياعزيزتي فأنا مصمم ان اري ادريان مزرعتنا اثناء فرصة غدائها طبعاً.

- لايمكنني البت في هذا الموضوع ياكريستوفر ولو اني اتصور ان غرانت لن يتعرض, ولعله يقوم هو بهذه المهمة.

فعقب مستهجناً:

- غرانت! ارى انه منهمك في استقبال الزبائن, ولاشك انه سيعقد صفقة رابحة.

- لكنك تعلم ياكريستوفر ان غرانت يجد وقتاً لكل شيء.

- لاتنقصي من قدري ياسيدتي المصون, فادريان تتوق الى الخروج معي كما تلاحظين.

رمقت ادريان بنظرة مرتبطة , ثم اعلنت موافقتها على خروجها مع كريستوفر بقولها:

- افعلا ماشئتما, فأدريان تستحق استراحة بسبب خدماتها الجلىّ هذا الصباح.

فقبلها كريستوفر ثانية ثم انصرفا, ولم تثر لمسة كريستوفر الذي امسك بذراع ادريان في طريقهما الى خارج المنزل, اياً من الاحاسيس التي اثارتها فيها لمسة غرانت , توجها الى مقدم البيت حيث تنتظرهما سيارة كبيرة فتح كريستوفر بابها الامامي وامسكه الى ان جلست ادريان على المقعد المجاور لمقعد السائق, عنئذ اغلق الباب باحكام , ودار حول السيارة, ثم احتل مقعده قائلاً:

- حسناً! استعدي الآن للتمتع بالرحلة.

تراجعت في مقعدها وهيأت نفسها للرحلة, وما ان انطلقا حتى اجتازا سيارة مرسيدس سوداء متوقفة الى جانب البيت, فسأل كريستوفر بحدة:

- اليست هذه سيارة الافعى فيرا؟ لم انتبه لها عند البيت , اهي هنا؟

تذكرت ادريان كيف خربت فيرا الصفحة التي طبعتها واجبرتها بذلك على اعادة طباعتها فمالت الى موافقة كريستوفر على وصفه, لو انها تعرف فقط حقيقة دوافعه, ولذلك اجابت بهدوء:

- اجل , انها فيرا, لقد التقيتها منذ بضع ليال هي وشقيقها, ورأيتها بعد ذلك بضع مرات لكني لم ار شقيقها.

- لابد انك التقيتها , ولاشك انها تكرهك لأنها مغرمة بغرانت كما نعلم جميعاً واي فتاة حسناء مثلك تبدد كل آمالها.

حول كريستوفر عينيه, الملئتين بالمرح والتفهم عن الطريق لتستقرا على ادريان وقال:

- تعلمين انني اقدر غرانت كثيراً, فقد ادى لي خدمات كثيرة جعلت فيرا تتصور انه يفرط في مساعدتي, لقد اطلعتني اللئيمة على رأيها ذاك فابلغتها اني ساضربها اذا عادت الى مثل هذا الكلام, ومذ ذاك تحولت صداقتنا الى عداوة.

ثم رمقها بنظرة مرحة فلم تتمالك نفسها من الضحك قليلاً وأوضحت:

- لا اشك في ذلك, اذ لا اتصور ان هناك امرأة على وجه الارض ترحب بأن تضرب.

- الحق يقال ان الضرب يفيد فيرا, فهي شديدة الحذر مع غرانت الى حد انها لا تطل كلمة في غير موضعها, ومع انه يميل اليها , الا انها لم تتأكد من موقفه بعد, واظن ان اليأس بدا يساورها.

شاطرته رأيه, الا انها لم تطلعه على مشاهداتها وفضلت الاحتفاظ بها لنفسها , ولماخرجا من بوابة سارانغا الرئيسية الى الشارع العام, استقامت ادريان في جلستها واعلن كريستوفر بزهو وبدون اكتراث:

- ياله من شيطان انيق!

فاستفسرته عن هوية الشيطان الانيق , وهي تعلم ان هنالك شيطاناً انيقاً واحداً , رماها كريستوفر بنظرة لمحت فيها شيئاً من الجدية, ثم اوضح :

----------------------------

- غرانت ياعزيزتي لا تقولي انه لم يثر اهتمامك حتى الآن, انكما ستكونان زوجين رائعين, وكان جيداً انني دخلت على الخط بشخصيتي المختلفة. رسم كريستوفر دائرة واسعة بيده, وحديثها يزهو عن ابن خاله مظهراً فضائله ومشدداً على مزاياه الحميدة وزاد تقدير ادريان لرفيقها عندما قال:

- لا تزال كاريوا تبعد عشرين ميلاً من هنا, كل هذه الاراضي تخص سارانغا التي حولها غرانت الى افضل مزرعة من نوعها في نيوساوث وايلز.الجميع هنا يكنون الاحترام لغرانت واؤكد لك ان هذا يتطلب جهداً وسهراً متواصلين.

اقترب موعد الغداء في نهار انذر باشتداد الحر في فترة مابعد الظهر, فخفض كل من كريستوفر وادريان زجاج النافذة بجواره, امتلأ اتفاقهما برائحة العشب في المراعي وامتد امام اعينهما الطريق الترابي.

اشار كريستوفر الى مجموعة من الرعيان تدفع قطعان الاغنام من مراعي البرسيم الخضراء الى ظلال الصنوبر الوارقة واطلق بوق سيارته, فاشأرت اعناق الاغنام اليه ثم لم تلبث ان نطحت بعضها بعضاً , وسألها كريستوفر:

- هل تسنت لك ياادريان مشاهدة استعراض كلاب الرعيان؟.

- اجل , فالجميع يسعون الى مشاهدة هذا الاستعراض.

- يمكنك الاستمتاع بهذا العرض دون ان تدفعي اجرة الفرجة.

- هذا يسرني للغاية لأنني لم ار شيئا من الريف حتى الآن.

- انك تريدنني شوقاً الى التجول معك في المزرعة , لكن كيف تسير دروس ركوب الخيل؟

- اعتقد انني في تقدم ياكريستوفر, لكنني لم اتجاوز مرحلة العدو السريع حتى الآن.

فشجعها مطمئناً:

- سوف تتجاوزينها لا محالة, ومتى فعلت تصبحين قادرة على التجوال معي وانت على ظهر الجواد, وهذا سهل وضروري في آن لأن المزرعة كبيرة, ان حبي لهذه الربوع يفوق الوصف ومتأكد من عجزي عن العيش في المدينة لأن جوها يخنقني.

وهنا عبر الشارع حيوان كنغرو صغير فضغط كريستوفر على الفرامل واشار بيده الى حيث تشتد كثافة اشجار البقس الصفراء والرمادية وتمتم:

- ياللعين! انظري الى الجدول هناك, ان مياهه عميقة حتى في فصل الجفاف, الى حد يسمح بالسباحة فيها, لابد ان نركب خيولنا يوماً ونزوره علنا نحظى برؤية طائر الناقوس الذي يتخذ من الجدول مسكناً اويسعني القول انك لم ترى تحد تلك الطيور ايضاً؟

هزت ادريان رأسها وقالت مبتسمة:

- اقر انه يجدر بنا ان نبحث عن هذه الطيور ونكمن لها حتى نشنف آذاننا بسماع صوت احدها ونتمتع بمشاهدة ذيله الاخضر والازرق والذهبي.

فصرت هذا الطائر يرواح بين نعيق الغراب لحظة, وبين رنين الاجراس لحظة اخرى, كما اعلم و آمل ان نسمعه معاً.

بلغا اعلى التلة فقابلتهما سحابة غبار مندفعة من الافق البعيد , وسألت ادريان:

- ماهذا ياكريستوفر. أهي سيارة؟

- كلا, انها ابقار سارانغا ترعى عند طرف المزرعة, وغرانت يربي عدداً من الابقار بقصد اكتفاء المزرعة ذاتياً, اما على المتقلب الآخر من التلة, فتقوم كاريوا حيث اشجار البرتقال والليمون الحامض التي ساعدني غرانت في زراعتها بساتيني صغيرة الا انها تكفيني وسوف ترينها وهي تنمو.

- كم ارغب في ذلك ياكريستوفر ولكن , هل تعتقد ان يجوز لي زيارة كاريوا خلال ايام العمل؟

رد بثقة مطلقة:

- لا تخافي يافتاتي فغرانت لا ينهش احداً, كما اريدك ان تتعرفي الى والدتي , من المؤكد انك ستعجبين بها.

استقرت ادريان في مقعدها مع انها لم تتخلص من خوفها وقلقها فغرانت ماننغ يتوقع منها عملاً جيداً يدفع اجرته لكنه لن يرضى ان تقوم بنزهة الى الريف اثناء دوامها حتى ولوحصلت على اذن من السيدة ماننغ, لكنها طمأنت نفسها بالقول انه اعفاها من العمل صباح هذا اليوم.

لم تلبث بساتين كاريوا ان ظهرت للعيان فصاحت ادريان:

- يا الهي ! ماالدافع الى ابراج المراقبة الصغيرة هذه ياكريستوفر؟ آمل تلك لا تطلق النار على من تضبطه يسرق بضع ليمونات من حديقتك.

--------------------------------

- هذه الاجسام التي تسمينها ابراج مراقبة ماهي الا مراوح تقي اشجاري خطر الصقيع في الشتاء وذلك عن طريق نقلها الهواء الساخن من طبقات الجو العليا, لا اريد ان اسمعك تكررين عبارة ابراج المراقبة الصغيرة.

صمت كريستوفر الى ان بلغا باحة مسكن كاريوا فقفز من مقعده وتوجه الى جانب السيارة الذي تجلس فيه ادريان, وفتح لها الباب قائلاً:

- اهلاً وسهلاً بك ياآنسة برانت في كاريوا , صحيح ان مسكننا لا يضاهي سارانغا فخامة واناقة الا انه يتمتع بسحر خاص.

لقد اصاب كريستوفر, فلا تحيط بالبيت رياض وحدائق غناء ولا تبرز فيه معالم فن العمارة القديم المتسعة بالضخامة والرونق والمسكن بناء يشبه البغل منخفض السطح تحيط به بعض الاشجار المزهرة المختلفة الانواع لكنه يتمتع فعلاً بسخر خاص , ثم اضاف كريستوفر:

- والدي هو الذي بنى هذا المكسن الا انه لم يقم فيه طويلاً, فلقد مات في معسكر سجناء الحرب, كم اتمنى ان اظل على قناعتي بأن ماافعله في المسكن والمزرعة يبعث في روحه الرضى.

كادت ادريان تنفجر باكية فضغطت بيدها على يد كريستوفر قائلة:

- اني واثقة من ذلك كل الثقة.

- اما الآن , فهيا اصعدي ياادريان العزيزة.

ساعدها على ارتقاء الدرجات الست وما ان بلغا اعلى السلم حتى انفتح باب الشريط واطلت منه سيدة شابة سوداء الشعر هتفت فرحة:

- اهلاً وسهلا ادريان , انك تطابقين وصف كريستوفر الاخاذ تماماً.

لاحظت ادريان شبهاً كبيراً في لون الشعر والعينين بين غرانت والسيدة هارنغتون التي تحاكي الحمامة وداعة ورقة, بادلت مضيفتها الابتسام مجيبة:

- وانت كلك ياسيدتي.

امسكت السيدة هارنغتون الباب المفتوح لتسمح لادريان بدخول المنزل الذي بدا بفضل ذوق السيدة هرنغتون ومخيلتها ومهارتها مرتع راحة واستجمام لها ولكريستوفر, فلقد كسيت جدرانه الداخلية بألواح من خشب الصنوبر دلكت بالشمع لتظهر العقد فيها جلية , وانسجمت زينة المسكن مع حياة الريف بألوانها الهادئة من اخضر وازرق وفيروزي.

تطلعت ادريان الى ربة المنزل بعينين يملأهما الاعجاب فابتسمت السيدة هارنغتون واعلنت:

- جعلتني معرفتي بكريستوفر اعد الغداء, فهيا لتتناولا ياعزيزي.

تقدمتهما الى حجرة المائدة وساعد كريستوفر المرأتين على الجلوس, وساد الغداء جو مرح عززه انسجام الثلاثة, وبرزت السيدة هارنغتون ابنها مرحاً واندفاعاً.

استمتعت بخبر تلقي ادريان دروساً في الركوب واكدت انها لن تجد معلماً افضل من غرانت , حصلت ادريان خلال نصف ساعة على معلومات كثيرة عن غرانت وبدا انه معصوم عن الخطأ في رأي السيدة هارنغتون ونجلها, اللذين اوردا كثيراً من النشاطات الاقيلمية التي يلعب فيها غرانت دوراً رئيسياً.

لم ترض السيدة هارنغتون ان تساعدها ادريان في غسل الاطباق واصرت على دعوتها الى تكرار الزيارة متمنية لو تحضر في المرة المقبلة على ظهر مهرتها, وبينما هما في الطريق , قال كريستوفر:

- كنت متأكداً ان والدتي ستحبك كما انها تحب غرانت كثيراً, لكن يبقى عليك ان تسمعي رأيها في فيرا التي لا تعرف الكثير عن موقف غرانت منها , صحيح ان فيرا جميلة الا ان باستطاعتك خطف الاضواء منها.

اكتفت ادريان بالابتسام لانتقاء كريستوفر كلماته , لم تخص في الموضوع لعلمها ان من الخير عدم السعي لـ ( خطف الاضواء) من فيرا سترلنغ, تلك الفتاة الحسناء التي تحطم الجميع للحفاظ على مصالحها الخاصة, ثم طلب كريستوفر معرفة بعض المعلومات عن حياة ادريان في سيدني فقدمت له صورة جذابة وغير دقيقة عن حياتها المنزلية, الا انها وجدت صعوبة في شرح موقف ليندا التي عادت لتعثر عليها في شخصية فيرا.

لدى وصولهما الى سارانغا عند الساعة الثانية, رأت ادريان من داخل السيارة غرانت منهمكاً في الحديث مع رجل آخر.

انتابها شيء من الخوف لأنها تذكرت انها اعفيت من العمل خلال ساعات الصباح وان الوقت الآن قد تجاوز الظهر بساعتين, نفخ كريستوفر بوق سيارته باتجاه غرانت , ثم اوقفها وفتح الباب لادريان حتى تترجل وانزعجت اذ صرخ مودعاً:

- لن استطيع التكلم معك ياادريان , فعلي الاسراع في العودة الى اللقاء.

-----------------------------------

اندفعت ادريان نحو البيت وبعد ان سارت مئتي متر تقريباً ناداها غرانت فتوجهت نحوه بعد ان سوت شعرها المرتب, بسبب قلقها, راقب هو ورفيقه تقدمها الى ان ادركتهما واجابته بتهذيب وهدوء:

- اجل ياسيد ماننغ؟

وهنا عرفها بالرجل الواقف معه بقوله:

- اقدم لك صديقي الاميريكي ماكس بلايك, هذه هي سكرتيرتي ياماكس.

ابتسمت ادريان ابتسامة رقيقة للزائر الاميركي الذي بدا مرتبكاً اذ ردد قبل ان يضيف بسرعة:

- سكرتيرتك ياغرانت؟ اخبرني غرانت انك تجيدين الضرب على الآلة الكاتبة يا آنسة برنت , وهذا بالضبط مع احتاجه, فهلا تفضلت بطباعة بعض الرسائل لي؟

لم تصدق ان غرانت يقول عنها شيئاً حسناً , لكنها اجابت محدثها بهدوء:

- اني على اتم الاستعداد ياسيد بلايك , متى تريدني ان ابدأ ذلك؟

حول ماكس نظره الى غرانت مستفسراً ثم قال :

- بامكاننا ان نبدأ الآن ياغرانت اذا كان هذا لا يزعجك.

- ابداً, فلننطلق الى المكتب اذن .

تقدمهما في الدوران حول المنزل ولما بلغا المكتب تنحى جانباً ليسمح لهما بالدخول, وقال:

- خذ وقتك ياماكس, سوف اعود اليك بعد قليل.

لم يلق غرانت حتى تلك اللحظة نظرة واحدة باتجاه ادريان , فأيقنت من استحالة خلاصها من القصاص, اما ماكس بلايك , فابتسم لها, واخذ يذرع الغرفة ذهاباً واياباً, وقبل ان يبدأ باملاء اية كلمة طلب اليها ان تستمهله حين يسرع في الحديث, لكنه في الواقع املى عليها الرسائل ببطء وتقطع وما ان انتهى من عمله حتى اتكأ على طاولة المكتب وسألها:

- ماالذي دفع بفتاة حسناء مثلك الى العمل وراء المكتب؟

سخرت ادريان من ماكس , انه احد الرجال الذيني لا يوازنون بين الحس والمهارة , لكنها تحاشت الرد على سؤاله واكتفت بالقول:

- سوف اعيد طباعة رسائلك ياسيد بلايك.

اما هو , فألح سؤاله:

- ماسبب وجودك هنا؟

صمتت ادريان قبل ان تجيب بجفاء:

- حضرت الى هنا لكي اعمل ياسيد بلايك.

- مارأيك بأن تشاركيني العشاء في المدينة الليلة؟

ترددت ادريان في الادلاء باعتذارها اللبق وسرعان ماخرج الأمر من بين يديها اذ رد غرانت على ماكس بلهجة متسلطة:

- لايمكن لادريان تلبية دعوتك ياماكس لأنه لايسمح لها بالخروج وحيدة في المساء طالما هي في منزلي.

ارتبك الامريكي الزائر, وقال:

- فهمت, ولعل هذا افضل حل.

وهنا دعا غرانت الى تناول القهوة حتى تكمل ادريان عملها, غادر الرجلان المكان تاركين لها حرية العمل , وحضر غرانت بعد ساعة ليسألها باقتضاب:

- هل انتهيت؟

اومأ بالايجاب فتقدم منها وتناول من يدها الرسائل المعدة للتوقيع والغلافات التي رتبت فيها بدقة, ثم اعلن بلهجة لم تخل من الغضب:

- سوف اعود بعد قليل.

تنبهت ادريان الى صعوبة ارضائه فسرت في اوصالها رعشة خفيفة وعاد بعد عشر دقائق ليبادر بالقول:

- اولاً , لا اسمح لك بالخروج من المزرعة الا باذني, ثانياً عندما اعطيك فرصة في الصباح لا اقصد فترة من دوام بعد الظهر , ثالثاً لا ارضى ان تديري رأس كريستوفر , فهو وان كان شاباً لطيفاً وطيباً الا انه سريع التأثر بعينيك الزرقاوين.

راقبته ادريان يخرج سيجارة من جيبه ويشعلها ويمج منها طويلة قبل ان يحدد النظر اليها عبر سحابة الدخان قائلاً:

- هل فهمت؟

--------------------------

عجزت عن تصديق ماسمعته اذناها, فانتصبت واقفة وضربت طاولة المكتب بركبتها ثم اجابته متبعة اسلوبه في الكلام:

- لم اسمع في حياتي كلها اقسى من كلامك, لكن اعلم , اولاً انني سأذهب حيثما اشاء في وقت فراغي , ثانياً لقد قضيت الصباح كله اعمل للسيدة ماننغ التي اذنت لي بمرافقة كريستوفر , ثالثاً لم افكر لحظة ان ادير رأس كريستوفر ورابعاً انك اكثر الرجال الذين التقيتهم غروراً وتعتناً واستبداداً وشكاً.

ابتعد غرانت عن متكئه على الطاولة واندفع نحوها , امسك كتفيها ضاغطاً عليهما ثم صاح بها:

- كم اتمنى لو تتاح لي فرصة تربيتك ياآنستي, فأنت جموحة وعنيدة الى اقصى الحدود.

حاولت ادريان الافلات منه, الا انه ابقى على قبضته عليها صارخاً:

- اهدأي ! لا اريد مجادلتك, ماعليك الا ان تطيعي اقوالي, هل تفهمين ماأقول؟

صرت ادريان اسنانها واجابته:

- اجل ياسيد ماننغ.

ونفخ غرانت بيأس واردف:

- تحسيناً صنعاً اذا تذكرت درس اليوم, لكنني استغرب كيف يسمح لك والدك باتخاذ القرارات بنفسك, من الخير لك ان تسجني في غرفة موصدة الابواب.

ختفت ادريان كل فكرة في رأسها للاعتراض , فيما ارتجفت غيظاً وحتفاً , وتحركت قبضة يدها بين انفتاح وانغلاق وكادت عيناها تنفجران بالبكاء ولولا خجلها وحيائها الشديدين لقلبت كل معايير السلوك , اما غرانت فتأمل وجهها الصغير الناطق بالتحدي, ثم توجه بسرعة الى الباب وصاح بقسوة قبل ان يغلقه وراءه بعنف وغضب:

- الافضل لك ان تقومي الآن بعمل ما.

القت ادريان نفسها على طاولة المكتب مرتجفة وقد ندمت على ثورتها واستهجنت سلوكها السيء الذي ماكان ليظهر الا مع غرانت ماننغ, فهذا الوحش يثيرها ويفقدها صوابها! انها ماتزال تشعر بالألم الناتج عن غرز يديه في كتفها والذي لم يزول اثره قبل اسابيع عديدة, لكنها استغربت كيف انه لم يفكر بطردها , علماً ان احداً لا يحاسبه في قرارته.

التقطت انفاسها ثم عادت تنظم البريد , تخلصت من هياجها بضربها الآلة الكاتبة بشدة وطردت غرانت من فكرها فيما صبت اهتمامها على الآلة الى ان انجزت قسماً كبيراً من العمل, ثم بدأت تخطط لمزيد من العمل في نظام الوثائق الذي انشأته والذي لقي رضى السيد.

كانت الساعة قد جاوزت الخامسة والشمس بدأت تغيب عن المكتب عندما انهت ادريان عملها وسمعت وقع خطوات ثانية في الممر فتساءلت عما اذا كانت ستواجه شجاراً جديداً, اما غرانت فوقف بالباب واعلن ساخراً:

- هاقد عاد ذلك الوحش المغرور المستبد المتعنت.

انسحرت بأناقته فما كان منها الا ان ضحكت من نفسها وعبرت عن اسفها بقولها:

- ارجو المعذرة ياسيد ماننغ فلست ادري ماذا دهاني.

عقب والمكر يتماوج في عينيه السوداوين:

- اولاً تدرين حقاً؟ انا لا ادري ايضاً اذا كان اعتذارك مقبولاً ياآنسة برنت.

ثم استقام في وقفته ودخل المكتب, فضحكت ادريان ضحكة خفيفة وقالت:

- اولاً تعلم انك اوجعتني كثيراً؟

رد بكثير من العنف على رغم انه مد يده لمساعدتها على الوقوف:

- ليس بمافيه الكفاية في مايبدو .

الا ان ادريان زادت في الاستفسار:

- اذن, هل صفحت عني ياسيد ماننغ؟

اشتد ضغط يده السمراء النحيلة على يدها, فآلمتها قبضته, ثم اوضح:

- طبعاً , فأنا لا اتناول عشائي مع اعداء.

لم تستطع ان تركز بصرها عليه, بل شعرت بضرورة الهرب من هذا الرجل الذي يفجرها من الداخل, اما هو فهزها قليلاً وصرخ:

- ادريان ! انظري الي.

--------------------------

ففعلت ماامرها به ورمته بنظرة غامضة من وراء اهدابها الكثيفة , لن يدرك ردة فعل قلبها , ولكن ربما علم , افلت يدها عاد يخاطبها بنبرة قاسية:

- فليسامحك الله ياآنسة برنت , اما الآن فهيا الى غرفتك وبدلي ملابسك , ارتدي شيئاً غريباً.

رأت سيارة فيرا من غرفتها اعدت نفسها لمواجهة شرسة بينما نقبت في ملابسها عن ثوب غريب ترتديه, وفي محاولة لجرح كبرياء غريمتها استقر رأيها آخر الأمر على ثوب حريري ازرق بسيط التصميم يعتمد في أناقته على نوع قماشه وعلى الفتاة التي تلبسه ,ثم تفوهت بعبارة لم تحدد المقصود بها هذا الثوب سيحطمك)

لاشك ان السيدة ماننغ فد ارتدت ملابسها الأنيقة للعشاء , فلا يسمح لأحد بالتخلي عن أناقته في سارانغا حيث لا يجوز لأي كان ان يرتدي ملابس رثة ويجلس تحت ثريا من الكريستال صنعت بيد فنان . ولما كان غرانت ماننغ يملك على ادريان حواسها, فكرت بالعودة الى سيدني والبحث عن وظيفة اخرى, الا انها نبذت الفكرة ووصفت نفسها بالفتاة السخيفة, فلا ريب ان غرانت قد اعتاد ان تنهار النساء امامه وان يستسلمن لوسامته وغناه.

انهت اراتداء ملابسها ثم تفحصت وضع احمر الشفاه الذي استعملته , اخضعت نفسها بعد ذلك لفحص دقيق في المرآة , ومع انها لم تكن مغرورة, غير انها ابتسمت لطيفها في المرآة, وهتفت عظيم ياآنستي) وانطلقت من ثم الى حجرة المائدة.

تنبهت لدى دخولها القاعة الى التعبير الغريب في عيني غرانت اللتين رمقتاها باعجاب, ولم تشأ النظر اليه لسبب عجزت عن تفسيره, جلست الى جانب السيدة ماننغ المتعبة مركزة اهتمامها على الحساء المثلج, اما فيرا فبدت أنيقة في قميصها الحريري, واظهرت شيئاً من المرارة في تعليقاتها الطريفة, كما اوحى مظهرها بالثراء والكسل من جهة اخرى, لكن ادريان فضلت محادثة السيدة ماننغ, فقالت:

- ارى انك متعبة ياسيدة ماننغ , فهل استطيع مساعدتك؟

ابتسمت السيدة ماننغ للفتاة القلقة واجابتها:

- كلا ياعزيزتي, في اي حال انني اشكر لطفك واحسب خير دواء لتعبي هو النوم الجيد خلال الليل, لكن لا تنسي انك ستذهبين معي غداً الى المدينة حيث نعقد اجتماع لجنة المستشفى عند العاشرة .

- وكيف انسى ذلك الموعد اتطلع اليه بشوق, ان كل شيء هنا جديد بالنسبة اليّ ومثير كماتعلمين.

تأملت الفتاة برهة , ثم قالت:

- الحقيقة ياادريان ان ينطبق عليك وصف والدي للفتيات الحسناوات اللواتي يزين صدور البيوت الا انك تفوقينهن جميعاً في مهارتك العالية وكفايتك العظيمة, فقد اتممت لي اليوم عملاً ممتازاً اشكرك عليه من كل قلبي.

طفح وجه ادريان بالحبور لسماعها كلمات التقدير , عنئذ سأل غرانت:

- ماذا يجري عند طرف الطاولة الآخر؟

ضحكت السيدة ماننغ بعفوية واجابت:

- كنت اهنى ادريان على عملها الممتاز , انني اجهل سبب دهشتنا لإجتماع الذكاء والجمال في فتاة واحدة, ولعل ذلك وجه آخر من الافكار التي تغذونها انتم معشر الرجال فينا نحن النساء.

- لا اعتراض لي على قولك ياسيدتي العزيزة خصوصاً وان امامي على طاولة العشاء ثلاثة امثلة تدحض ذلك الرأي البالي.

- احسنت! ماادق تعبيرك!

رفعت ادريان في تلك اللحظة عينيها عن الطاولة لتواجه نظرة الكراهية في عيني فيرا, فتملكها الاشمئزاز وتساءلت إلام تتحمل غيرة النساء وحسدهن وهي التي تحملت مافية الكفاية من غطرسة ليندا وأذاها ؟ اما غرانت فتطلع الى رأسها الجميل بينما غرق في التفكير , ثم قال:

- لماذا لا تدلين بدلوك ياآنسة برنت؟ فالحقيقة اني تهيأت لسماع تعليقك.

تخلصت ادريان من انقباضها واجابت بلهجة جدية:

- احسب اننا نحن النساء نفاخر بزينتنا وحسننا كجزء من مسؤوليتنا تجاه انفسنا, وبعد ان سمح الرجل المتسلط لاتباعه من النساء بتلقي العلم, وجد نفسه مضطراً للاقرار ببراعتهن العقلية , لذلك اصبح الجمال والذكاء قاعدة لا استثناء ولطالما اظهر الرجل حيرة وارتباكاً تجاه الجنس الآخر.

-----------------------------------------

حاول غرانت جهده الا يضحك وهو يعلق على ماتحول من ملاحظة عابرة الى نقاش تاريخي اجتماعي:

- لا استغرب موقفك ياآنسة برنت, انما توقعت ان تكوني متحمسة لتحرير المرأة, وان تكوني احدى النساء اللواتي يؤكدن على ضرورة معاملتهن تماماً كالرجال على اساس ان لا فوراق بين الجنسين.

- لست وحدك الذي تدرك هذا لأمر ياسيد ماننغ , ولعلك توافقني في القول ان المساواة بين الجنسين هدف متعب وغامض.

- ليس متعباً فحسب وانما مليء بالاحباط, فأنا احب المرأة , لا المرأة التي تنتحل شخصية الرجل, وافضل ان اوفر المعيشة للمرأة على ان تنتزع مني دوري في لعبة الحياة , لاشك ياآنسة برنت ان قوة المرأة العظمى تتمثل في ضعفها.

- لعلني اشاطرك الرأي ياسيد ماننغ خصوصاً بعد ان تفضلت وافهمتني موقفك, لكن من الواضخ ان علاقة الرجل بالمرأة ظلت في اطار لعبة: اخضعي لأنتصر عليك.

ابتسمت ادريان للسيدة ماننغ التي استمتعت بالمحادثة, وعقدت جبينها عند سماعها عبارة ادريان الاخيرة وعلقت:

- اعتقد ان غرانت محق في بعض ماقاله , فأنا افضل ان اموء كالهرة على ان ازأر زئير الاسود, فالرجال هم افضل مانحصل عليه من الحياة ولا مجال للتخلص منهم.

ردت ادريان مبتسمة:

- وهل افسحوا لنا المجال؟

تبرمت فيرا التي التزمت جانب الصمت من سير الحديث , فعلقت وقد بدت واثقة من حسنها:

- لا يسعني القول بأن الجمال مظهر عام كما تحاول الآنسة برنت ان تفهمنا .

عندئذ انبرت السيدة ماننغ للرد:

- صدقت فالجمال الحقيقي نادر حتى لو كانت الملامح العذبة اساساً له, فالذكاء والفطنة والرقة والحنان والدفء ومحبة الآخرين هي من عناصر الجمال الاساسية.

ثم استقر بصر السيدة ماننغ على ادريان قبل ان تضيف:

- ونتيجة معرفتي الضيئلة بأدريان انها تتمتع بهذه الميزة.

علت الحمرة وجه ادريان وعجزت عن الرد في حين بلغ التوتر والغضب اشده في صوت فيرا وهي تقول:

- لاشك انك ستزيدينها غروراً ياسيدة ماننغ , الاتتصورين ان كريستوفر قد اشبعها اطراء وغزلاً؟

تشنج فم السيدة ماننغ فيما سددت نظراتها الى فيرا واجابت مبتسمة:

- لا يخطئ الشباب في اطرائهم الفتيات الحسان.

تعاظم انزعاج ادريان , فتطلعت الى غرانت لتجد نظراته الملئية بالاعجاب موجهة نحوها , دفعت كوبها بارتباك, ثم استأذنت السيدة ماننغ بترتيب اسطوانتها العديدة وبذلك تحول الحديث الى موضوع اقل حساسية واثارة, وكشف غرانت صحة معرفته بالموسيقى, الأمر الذي فاجأ ادريان بعض الشيء, فسخر منها بقوله:

- ماالذي يدهشك ياآنسة برنت؟ الحقيقة اني اجد متسعاً من الوقت للتمتع بمباهج الحياة وفنونها.

ضحكت ادريان من سرعة ملاحظته وقالت:

- اكرر اعتذاري ياسيد ماننغ, فلست اعرف من بفضلك ذوقاً وتهذيباً الا ان مظهرك يوحي بأنك رجل قفار.

لم يعترض غرانت على ادعائها , في حين اكدت صحته السيدة ماننغ بضحكتها العذبة, لكن فيرا هبت للدفاع عن حبيبها قائلة:

- لايسعني ان افهم موقف الذين يمضون الوقت في سماع الموسيقى داخل منازلهم, فأنا اعشق الطبيعة والبراري واعتبر اي لحظة امضيها في المنزل بدون عمل مضيعة للوقت.

اضطرت السيدة ماننغ الى مواجهة فيرا وكبتت ضحكاتها لكنها ابقت على ابتسامتها المعبرة وهي تقول:

- من حقك التمسك برأيك هذا الذي يؤيدك فيه الكثيرون الا اني لست احدهم.

------------------------------

حينئذ تنبهت فيرا الى انها تمادت في تحدي عضو بارز من اسرة غرانت فسارعت الى تصحيح موقفها بقولها:

- لا يمكن لأحد الادعاء بأنك تمضين وقتاً طويلاً داخل المنزل ياسيدة ماننغ , على اني آ مل الا اكون قد ازعجتك بصراحتي وجرأتي.

ردت السيدة ماننغ باستخفاف:

- ليس ثمة مايزعج يافيرا لأن العالم لن يخلو ممن يعجبون بالموسيقى او يكرهونها , فهذا موقف شخصي , انت على سبيل المثال بارعة في الرياضة وكل النشاطات التي تجري خارج المنزل.

ثم التفتت السيدة ماننغ الى ادريان مضيفة:

- هل تعلمين ياادريان ان فيرا بطلة في الفروسية تفوز بالجوائز الاولى في السباقات على صعيد استراليا؟

وهنا, عرضت فيرا على ادريان مساعدتها في دروس الركوب فقالت:

- سمعت انك تتمرنين على ركوب الخيل, اذان بوسعي ان القنك بعض الدروس , فمارأيك ان نلتقي صباح الغد؟

فكرت ادريان ساخرة بأن فيرا تستطيع تلقينها بعض الدروس فعلاً! ابتسمت ابتسامة غامضة للفتاة وقد ابت ان تستغل عرضها المنطوي على نوايا مبينة, فأخذت تبحث عن طريقة تخلصها من ذلك العرض عندما تدخلت السيدة ماننغ قائلة:

- عليكما الا تحسبا حساب الغد ياعزيزتي لأن ادريان ينبغي ان تحضر معي الى المدينة.

اقتنعت فيرا بقول السيدة ماننغ فتنفست ادريان الصعداء اذ لا يمكنها ان تسلم نفسها لعناية فيرا خصوصاً انها تحرز تقدماً في تمريناتها , كما انها لن تغدو بطلة في الفروسية حتى ولو تسنت لها كل فرص التدريب.

قصدت السيدة ماننغ بعد قليل قاعة الجلوس مصطحبة ادريان معها تطلعت الاخيرة وراءها فرأت غرانت يجر كرسي فيرا نحوه, واسفت اشد الأسف لأنه لم يرافقهنا الا انها سارعت الى توبيخ نفسها على هذا التفكير. فلماذا تحشر نفسها بين فيرا وغرانت اذا كانت فيرا تريده على هذا النحو المجنون؟

جلست مع السيدة ماننغ تصغيان بشغف الى اسطوانة موسيقى كلاسيكية, ثم قطعت السيدة ماننغ احلامها اثناء سماع الموسيقى لتحدث ادريان:

- آمل الا ازعجك بما سأقوله ياعزيزتي لأني اقصد الخير لك, فأنت شابة ولا زلت اذكر احاسيس الشباب, وعليه لا تسمحي لغرانت بأن يدير رأسك حتى لو كان ذلك سهلاً عليه, فقد انتظرته فيرا طويلاً واحسب انه ينوي الزواج منها علماً بأنه يصعب التكهن بمواقف غرانت , اما انا فلا احب تلك الفتاة على رغم انها امرأة ريفية من حيث مشئها ومضيفة كريمة حين يتعلق الأمر بعواطفها , لاشك انك ادركت بحسك المرهف انها تكرهك لذلك ابتعدي عنها.

اغمضت ادريان عينيها بكآبة وغرقت في بحر الموسيقى, اما ربة المنزل فأطلقت تنهيدة ارتياح ورددت :

- عظيم ياعزيزتي!


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-06-16, 05:16 PM   #7

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

4- خرجت للتنزه مع كريستوفر ففاجأتهما عاصفة شديدة , وما ان بدأ الخوف يسيطر على ادريان حتى وصل غرانت لانقادهما.. عاد الى تأنبيها.. وشعرت انها باتت تدرك معى سلوك غرانت!
صممت ادريان على تنظيم البريد قبل انطلاقها الى المدينة فدخلت المكتب قبل الثامنة والنصف من صباح اليوم التالي مرتدية تنورة داكنة الزرقة وبلوزة حريرية صفراء, واملت ان يناسبها هذا النوع من الثياب الذي يلائم الفتيات العاملات.وفي حين لم تنتبه الى مدى تناسق قوامها الممشوق مع كافة انواع الملابس ادركت ان لون بلوزتها يزيد البريق في عينيها وشعرها الذي جمعته في ضفيرة سترت بها عنقها بناء على رغبة رب عملها.
فكرت ان تقص شعرها اثناء وجودها في المدينة بغية رفعه عن كتفيها ووجدت ان ذلك لا يغير شيئاً خصوصاً ان غرانت لا يأبه لشعرها.
لم تبدأ ادريان العمل الا عند الساعة التاسعة والربع, فوزعت البريد حزماً ثبتتها بملاقط معدنية, وعند التاسعة والنصف قصدت مكتب السيدة ماننغ التي بدت هذا الصباح في ثوبها البيج وقبعتها البيضاء سيدة المنطقة الاولى بدون منازع, وهكذا تذكرت ارديان انها مكشوفة الرأس فاضطربت الا ان رفيقتها اثنت على ترتيبها بقولها:
- انك رائعة ياادريان , هل اعددت كل شيء من دفاتر واقلام وسواها؟
هزت ادريان رأسها ايجاباً, فستانفت السيدة ماننغ كلامها:
- فلننطلق اذن ياعزيزتي, سيوصلنا احد العمال الى المدينة, سنرجع مع غرانت بعد الظهر.
تقدمتها الى المدخل الرئيسي ثم الى سيارة الستايشن الواقفة بانتظارهما, حيا السائق السيدة ماننغ باحترام فائق, ثم ابتسم لادريان, لم يتبادل الثلاثة الحديث في الطريق لانشغال السيدة ماننغ بشؤون الساعة, وفكرت ادريان بالسائق مؤكدة انه شاب مشرد لا يتجاوز التاسعة عشرة من عمره, ولما التقت نظراتهما في مرآة السيارة ابتسمت له فذهل وانحرف بالسيارة الى اقصى اليمين.
هبت السيدة ماننغ توبخه مذعورة , ثم لم تلبث ان غرقت في تفكيرها ثانية , عندئذ تجنبت ادريان النظر اليه , وركزت بصرها على جانب الطريق.
وماهي سوى نصف ساعة حتى بلغوا مدينة كوريونغ, ومروا في شارعها الرئيسي المحاط بأشجار البهار والمكتظ بسيارات الستايشن وشاحنات الماشية , فوجئت ادريان بمساحة المدينة وحيوتها علماً انها مركز مقاطعة غنية تعتمد على بيع اصواف الاغنام.
رأت خارج مكتب البريد المركزي موقف سيارات مسيج يحمل لوحة برونزية تذكارية, وعلمت ادريان لاحقاً انه شيد تذكاراً للأخوين ماننغ اللذين أسهما في غنى المدينة والمنطقة المحيطة بها, وبعد ان ترجلت المرأتان من السيارة, ودعت السيدة ماننغ السائق, ثم قطعتا الشارع المستحم بأشعة الشمس باتجاه مبنى حديث مزود بواجهة زجاجية تحمل لوحة تذكارية نقش عليها بحروف ذهبية: (قاعة ماننغ التذكارية )
خففت السيدة ماننغ سرعتها عند مدخل البناية واستدارت نحو ادريان متحدثة:
- لسنا نحن الذين اطلقنا هذا الاسم على المبنى علماً ان غرانت قد أسهم بالقسم الأكبر من المال اللازم لتشييده, وتجري فيه نشاطات مختلفة تتراوح بين حفلات الزفاف والاجتماعات السياسية.
دخلت المرأتان المبنى المكيف وارتقتا بضع درجات اوصلتهما الى قاعة مخصصة لاجتماعات اللجان انبعثت منها جلبة حديث النساء الحاضرات اللواتي صمتن عندما اطلت السيدة ماننغ, حيتهن رئيستهن وهي في طريقها الى المنصة تتبعها ادريان وقد تملكها الخوف الذي يعتري اي فتاة تشارك للمرة الاولى في الحملات الاجتماعية, استهلت السيدة ماننغ الاجتماع بالقول:
- يسرني ايتها السيدات ان اقدم لكن مساعدتي المؤقتة الآنسة ادريان برنت المقيمة معنا في سارانغا والتي رافقتني لتدوين محضر الجلسة , كما اتمنى ان اسمع آراءكن بسرعة.
------------------------
وقفت ادريان وابتسمت للسيدات المجتمعات. وتمنت لو تعرف مدى تأثيرها على هذا الجمع من سيدات الريف اللواتي قبلن السيدة ماننغ قائدة لهن, ولماتوقعت ان تتناولها النساء في احاديثهن هذا المساء. املت ان نفوز برضاهن.
ولم تكد السيدة ماننغ تعلن عن انعقاد الجلسة حتى اخذ قلم مساعدتها يسابق ألسنة السيدات اللواتي أدلين بآراء محددة ومتعارضة احياناً حول المشروع العزيز على قلوبهن وافضل الطرق لجمع الاموال له.
انتهى الاجتماع عن الواحدة فوقفت السيدة ماننغ تحدث سيدة ذات ملامح جدية وحازمة, اما ادريان فتفحصت الملاحظات التي دونتها .
ارتفعت فجأة عاصفة ضحك دفعت ادريان للتطلع الى مصدرها في آخر القاعة, لمحت غرانت يقف شامخاً وسط مجموعة من السيدات يجاملهن ويلاطفهن علا الضحك ثانية, فاغتاطت ادريان , في تلك اللحظة حول غرانت بصره الى المنصة , وشاهد امارات الغضب بادية على سكرتيرته, فخفضت رأسها .
انفصل غرانت عن محدثاته بلباقته المعهودة, ومشى الى مقدم القاعة حيث استوضحها عن سبب عبوسها , فأكدت انها لم تفطن الى سلوكها هذا, عندئذ تأملها متفحصاً وقال:
- لماذا تكذبين؟كنت اراقبك.
اشاحت بوجهها بعيداً وقد اربكتها نظراته, ثم سألته بسرعة:
- هل ستنطلق الى المنزل فوراً؟
- لماذا تسألين؟
- اريد ان اقص شعري.
- لماذا؟ لماذا بحق السماء؟
ترددت ادريان في جوابها وقد ادهشها عنف اعتراضه, ثم أوضحت:
- يخيل لي انه يزعجك.
ازدادت نبرته جفاء:
- لكنني ارى جمالاً وانوثة عظيمين في شعرك يا آنستي.
- لم ارغب في مجاملتك ياسيد ماننغ.
- اعتقد انك تقصدين ازعاجي من وراء كل ذلك,, ولكن هل يسعنا الاتفاق على ابقاء شعرك كما هو لأني ألفت منظره؟
تنفست عميقاً بينما ضحك متابعاً حديثه:
- اننا نختلف كثيراً , فماهو السبب؟
اسرعت السيدة ماننغ في محادثتها حتى لا تبقى غرانت منتظراً, وخاطبته شاكرة :
- لقد كانت ادريان مساعدة ممتازة ياغرانت , واشكرك اذ سمحت لي باصطحابها.
التفت الى سكرتيرته ساخراً فيما كلم زوجة عمه:
- ارى انها اسعد حالا معك ياسيدتي.
دافعت السيدة ماننغ عن رفقيتها بقولها:
- ادريان فتاة تنبض بالنشاط والحيوية, لايسعها الا ان تقاوم طغيانك.
هز رأسه في عياء مصطنع:
- لكما الله! اما أنا , فأتساءل اذا كانت احداكما مستعدة لمقاومة دعوتي الى الغداء؟
ابتسمت له السيدة ماننغ بمودة ووجدت ادريان نفسها تسترخي بالرغم من ثورتها الدائمة في حضرته, اما هو فقادهما الى المطعم المجاور الذي كاد يخلو من الزبائن الا ان الرواد القلائل عرفوا غرانت وزوجة عمه, وبعد ان اجلس رفقتيه قصد مجموعة من الزبائن الجالسين عند واجهة المطعم.
لم تكلف السيدة ماننغ نفسها عناء قراءة لائحة الأطعمة واقترحت على ادريان تناول شيء من الشواء فواقفت الاخيرة بدون تحفظ اذ شعرت ان غرانت قد قطع شهيتها وعند عودته أكد انه يعرف ماذا سيأكلون , فقال:
- شيئاً من الشواء, أليس كذلك؟
علقت ادريان مبتسمة:
- احسب ان هذا قد حدث من قبل.
تطلعت السيدة ماننغ الى المطعم الصغير النظيف قائلة:
- اجل ياعزيزتي, فهذا هو الطبق الوحيد الذي يعجبني هنا.
تدخل غرانت موضحاً:
- تقصد زوجة عمي العزيزة ان تقول انهم لا يحسنون تحضير الشواء.
-----------------------
ادركت ادريان صحة رأي رفقيها عندما قدم الغداء, واثناء الطعام قال غرانت:
- ارجو ان تتجولي ياهيلن مع ادريان بعد الغداء لشراء ثياب ركوب الخيل, اما انا فسأزور مكتب الشؤون الرعوية مدة ساعة ممايعطيكما وقتاً كافياً للتجوال.
قاطعته السيدة ماننغ قائلة:
- لم أنس هذا الأمر ياعزيزي.
بدا الاضطراب على ادريان اذ رددت:
- لكني لا احمل سوى عشرة دولارات في حقيبتي ياسيدة ماننغ.
هزأ غرانت منها:
- ياللمسكينة! انها لا تحمل سوى عشرة دولارات!
- كف عن تعذيب الفتاة! لا تقلقي ياعزيزتي, فسوف تنظر حساباتك.
بادرت للقول:
- آه , ولكن...
قاطعها غرانت هامساً :
- اهدأئي ياصغيرتي, فالمزرعة ستدفع ثمن ملابس الركوب.
بلعت ادريان ريقها وصمتت لعجزها عن مجادلته في أي حال, ضحك غرانت قائلاً:
- من العيب فعلاً ان أعذب الفتاة, لا تقلقي يا آنستي, فسوف ننظم حساباتنا بطريقة اخرى.
عندئذ تولت السيدة ماننغ زمام الحديث.
- لقد انتهينا من الغداء وبامكاننا الآن ان نذهب الى محلات كوربانز.
دفع غرانت الحساب وخرجوا من المطعم الى الشارع المشتعل بأشعة الشمس فاضطرت ادريان ان تضع نظارتيها الشمسيتين , فيما ودعهما غرانت ملوحا بيده وهو في طريقه الى وكالة شؤون المراعي المحلية.
عثرت ادريان على مايناسبها من ملابس الركوب بسرعة, واكدت للسيدة ماننغ ان قدها النحيل قد سهل عملية الشراء, ضحكت السيدة موافقة, ثم رددت وقد لاحت اطياف الذكرى في عينيها الزرقاوين:
- يسعدني التأكيد بأنك شديدة الضمور ياعزيزتي , وكم أعجب من رغبتك في ركوب الخيل, فأنا لم اجرؤ على ذلك لكوني نشأت وترعرعت في المدينة.
خرجت المرأتان الى الشارع بعد ان اشترتا كل ما احتاجتا اليه, لوح غرانت بيده من سيارة مرسيدس فضية حاكى لونها لون عينيه ساعة الغضب, ثم ترجل من السيارة وفتح لهما الباب, ولما استقرت السيدة ماننغ في جلستها على المقعد الخلفي طلبت الى غرانت ان يسلكوا الطريق الطويل حتى تتمكن ادريان من مشاهدة ماتبقى من ازهار الأكاسيا التي تأخر موسمها هذا العام بسبب الصقيع, رد مطمئناً:
- هذا ماكنت انوي فعله ياسيدتي العزيزة, هلا تفضلت بالجلوس الى جانبي يا ادريان؟
التقت عيناها المتقدتان شوقاً بعينيه فيما ساعدها في الجلوس على المقعد الامامي المخصص لشخص واحد, ثم دار حول السيارة واحتل مقعد السائق , ادار محرك السيارة واخرجها بمهارة من الموقف.
لم يكن الطريق الطويل سوى ممر ترابي واسع طوته السيارة بسهولة , وكانت تنتصب على جانبيها اشجار السنط البراقة وكأنها اعمدة كهربائية مزينة بمصابيح تنير الطريق, وقالت ادريان:
- مااجمل هذه الاشجار! اذكر ان عربة احد بائعي الخضار والفاكهة في البلدة كانت مصنوعة من قضبان اشجار السنط الا ان اشجار هذه الفصيلة في انكلترا لا توازي اشجارنا خصباً وجمالاً.
انحنت السيدة ماننغ على المقعد مستفسرة:
- هل زرت لندن ياعزيزتي؟
- اجل, فقد اصطحبني والدي معه في رحلة عمل منذ خمس سنوات .
استوضحها غرانت:
- كم كان عمرك آنذاك؟
- سبع عشرة سنة ياسيد ماننغ.
حول نظره عندئذ عن الطريق وركز عليها, فأربكها سلوكه الغريب , وللمرة الأخيرة اعترفت انها غارقة في حبه حتى أذنيها , وان حبه قد اخترقها حتى العظم الا انها حمدت الله لأنه لم يعرف انها لا تنوي تسليمه قلبها.
------------------------------------
اما السيدة ماننغ فقال مستفسرة:
- لاشك ان هذه خبرة جيدة لشابة مثلك, فهل زرت انحاء اخرى في اوروبا؟
- اجل, لقد قضينا ثلاثة أشهر نزور الأماكن السياحية, وبعد عودتنا الى استراليا بمدة قصيرة تزوج والدي من ليندا.
تشنجت نبرة صوتها دون قصد منها , ولكن احداً من رفيقيها لم يلاحظ ذلك.
تبادل غرانت الحديث مع ادريان , فتناول قصة بطل روماني قديم قص غصناً من احدى اشجار الحرج المظلم امام بوابة الجحيم , واتخذ من الغصن الشبيه بقوس النشاب رمزاً لحظه السعيد, عند انتهائهما من الحديث, أوقف السيارة الى جانب الطريق وترجل منها , ثم قصد شجرة تسمى كوتامندرا وقطع منها غصناً يشبه القوس, وعاد الى السيارة يخاطب ادريان برقة ويراقبها بيقظة:
- هذا هو القوس!
تأملت أوراق الغصن الرقيقة المشتبكة في مجموعات زاهية الألوان وكادت دموعها تسيل , رفعت بصرها الى غرانت لتجده قريباً منها للغاية فصاحت:
- ماأجمله!
راقبت السيدة ماننغ المشهد بقلق متعجبة الا يكون غرانت على دراية بتأثيره على فتاة لها احاسيس ادريان ومزاجها, وافترضت ان لا مفر من ايذاء المسكينة في نهاية المطاف , الأمر الذي تعرضه أشد المعارضة, ولم تنس ان فيرا أكدت في هذا الصباح بالذات عزمها هي وغرانت على اعلان خطوبتهما في المستقبل القريب, ولكن لتذهب فيرا الى الجحيم! انها لن تحبها مهما فعلت, طلبت الى غرانت برقة:
- دعنا نكمل الطريق , ارجوك!
احتل مقعد السائق مجدداً , قاد السيارة فيما لفهم الصمت, ولماوصوا الى سارانغا, حملت ادريان الغصن المذهب معها الى غرفتها.
سافر غرانت في اليوم التالي الى سيدني لحضور معرض بيع بالات الصوف, وكانت سكرتيرته قد شاهدت طوال الاسبوع الماضي البالات واسم مالكها, وتجري كتابة العبارتين ذاتهما في محطات التسليم.
كان يفترض ان يدوم المعرض ثلاثة او اربعة ايام وتوقعت ادريان ان يطلب رب عملها خلالها لفضل سعر لأصوافه نظراً الى حاجته الماسة الى المال للأيفاء بالتزاماته, ولما لم تكن تعرف شيئاً واضحاً عن معارض بيع الصوف التي تستوعب اكثر من 90 في المئة من انتاج الصوف الاسترالي قررت اجراء دراسة للموضوع اثناء غياب مديرها .
اعتمدت في دراستها على المقالات العديدة التي ألفها غرانت عضو المجلس الوطني للأصواف في مواضيع تحسين انواع الصوف واختبارها وتسويقها وعلى الرسائل العديدة التي تلقاها من مؤسسات الصناعات الصوفية.
دخلت المكتب لتجد على الطاولة رسالة موجهة من غرانت اليها, طريقة كتابته متميزة بالثبات والوضوح والاندفاع والثقة معالم شخصيته البارزة والملئية بالنشاط والدقة والخيال, ولماوجدت نفسها تبتسم ازاء الرسالة, قطبت جبينها مستغربة سذاجتها, اذا كانت الآن تبتسم لكتابة الرجل وخط يده , فماذا تفعل غداً؟
حولت بصرها ثانية الى المكتب حيث ترك لها غرانت مواد كثيرة يجب ضربها على الآلة الا انها غرقت في أحلام يقظتها, وتساءلت كيف سيقضي امسياته في سيدني, من المؤكد ان قامته المديدة وبشرته السمراء وقسماته الوسيمة ستجعل منه رقيقاً يفخر به, لم تلبث ان هزت رأسها بعصبية وادخلت الورقة في الآلة.
حضرت السيدة ماننغ الى المكتب في وقت الغداء, ودعت ادريان الى مشاركتها سندويشات الدجاج التي اعدتها السيدة فورد, اصابت ادريان اذ رأت ان السيدة ماننغ تشكو من الوحدة احياناً, وانها ارتاحت الى رفقتها , لقد سهل على المرأتين الخوض في أي حديث بحرية .
اخبرتها السيدة ماننغ ان فيرا طارت مع غرانت طمعاً بالاستمتاع بالرحلة والاضواء, فهمت ادريان ان رفقيتها لا تنصح اي فتاة عاقلة بالتعرض لفيرا وخصوصياتها , وان كانت هي لا تطيق الفتاة , وتستغرب تغظي غرانت عن مساوئ فيرا التي لا تظهر سوى الرقة والعذوبة في حضرته.
--------------------------------
رن جرس الهاتف بعد الظهر, فردت ادريان على المكالمة. اتاها صوت كريستوفر من الطرف الآخر يجاملها ويلاطفها, سلمت السماعة من ثم الى السيدة ماننغ التي عادت الى قاعة الجلوس بعد ربع ساعة وأعلنت انها دعت ماريون وكريستوفر لقضاء الاسبوع معهما في سارانغا, ثم أضافت:
- اني قلقة على ماريون , فقد جعلت كريستوفر محور حياتها, وهذا خطر على سيدة موهوبة وجذابة مثلها, لابد لكريستوفر ان يتزوج , فماذا سيحل بها عندئذ؟
حاولت ادريان ان تغير وجهة الحديث قليلاً:
- اذكر ان كريستوفر اخبرني قصة وفاة والده, يالها من مأساة!
- امها كذلك ياعزيزتي , ماأكثر المآسي التي حلت بأسرتنا وأقاربنا!
لاحظت نبرة الحزن تطغى على صوت محدثتها الآن وبعد مرور سنوات عديدة على الحادث المفجع, واحتارت كيف تعزيها, الخسارة جسيمة ولا يمكن تعيوضها , لذلك خفضت رأسها, وركزت اهتمامها على الاسطوانات, الا ان السيدة ماننغ استدركت قائة:
- لايمكننا ياعزيزتي ان تعيش على الذكريات والآلآم, من هنا افترض ان ماريون ستذهب الى سيدني للعيش هناك مع شقيقتها بعد ان ان يتزوج كريستوفر, هذا ماسأفعله انا ايضاً عندما يتزوج غرانت.
تلقت ادريان الجملة الاخيرة بصمت شديد اذ أن مجرد التفكير بأن غرانت سيتزوج كان كافياً لارباكها وضعضعتها, قررت تغيير الموضوع ثانية:
- هناك شبه كبير بين غرانت والسيدة هارنغتون , أليس كذلك؟
- اجل يا عزيزتي. خصوصاً في لون الشعر والعينين, الأهم من ذلك ان غرانت يحب عمته كثيراً وهي تحبه, كما انه يعني بها وبكريستوفر والحمد لله ان كريستوفر رجل نبيل المشاعر وغيور.
ضحكت ادريان لأن كريستوفر لم يكن يتسم بنبل المشاعر والغيرة فحسب , بل بالبراءة والاندفاع ايضاً, انتقلت عدوى الضحك الى السيدة ماننغ , عنئذ استأنفت ادريان ترتيب الاسطوانات , فيما غرقت المرأتان في صمت مريح تخللته محادثات هادئة وانتهت الأمسية الحلوة عند الساعة العاشرة.
بدأت ادريان في صباح اليوم التالي مهامتها بالتدريب على ركوب الخيل, اعطت بعد ذلك ساعتين في ترتيب مجموعة السيدة ماننغ الضخمة من الاسطوانات, انتقلت من ثم الى تنظيم الملفات والاوراق في المكتب.
حل الظهر قبل ان تحرز تقدماً فعلياً , وكانت تتطلع في الوقت نفسه الى عملية قص الورد من الحديقة عند الغروب, التي كلفتها بها السيدة ماننغ.
خرجت في تمام الخامسة والنصف مساء الى الحديقة الممتدة على جانبي الطريق الموصل الى مسكن سارانغا حاملة مقصاً وسلة كبيرة, ولم تلبث ان ملأن السلة بالأزهار والسراخس, فازدهرت بالألوان الصاخبة, حينذاك عبرت القنطرة ذات الباب الابيض الى باحة خلفية مصونة جعلت روضة الورود المتماوجة مع نسيم المساء.
انتعشت من روعة المنظر, فقطعت كثيراً من الورود الصفراء والحمراء القرمزية والقرنفلية واضافت اليها بفرح كبير عدداً وافراً من الورود البيضاء . انها تعشق اللون الأبيض وترتاح اليه, لم تنته من عملها قبل ان يحل الغروب ونزول حمرة الشفق.
سارت الهوينا باتجاه البيت الى ان لمحت السيدة ماننغ متكئة على الدربزاين الحديدي, فحثت السير بينما قالت الأخيرة:
- ماأروع ورودك! ساترك لك حرية ترتيبها لعلمي انك فنانة بارعة.
- سأبذل قصارى جهدي, ولكن , هل يمكنني وضع الورود البيضاء في غرفتي؟
- طبعا ياعزيزتي , اما الآن فاسرعي لأن ماريون وكريستوفر سيصلان بعد قليل لتناول العشاء معنا.
اتجهت ادريان الى المطيخ حيث استأذنت السيدة فورد باستعمال احد المقاعد الخشبية الشاغرة , اختارت عدداً من الأوعية المناسبة لحفظ الأزهار احدها برونزية ضخمة احضرت من مراكش, ووجدت السيدة فورد نفسها تنشغل عن تحضير العشاء بمراقبة ادريان وهي ترتب الأزهار وعلقت بفرح:
- يالبراعتك في تنسيق الأزهار!.
---------------------------------
- يسعدني ان يكون هذا رأيك ياسيدة فورد.
- يخيل الي ان أزهارك قد نمت في أوعيتها , اما ازهاري فتبدو مشتاقة للعودة الى حديقتها .
- سوف انقل الورود والأزهار الى القاعة الآن , ثم أذهب لتبديل ملابسي.
ولمابلغت الباب استدارت اليها قائلة:
- لا يحسن احد الطهي مثلك. لاشك ان وزني سيزيد نتيجة لذلك.
- هذا لطف منك ياعزيزتي, كم اقدر فيك تذوقك للطعام الشهي.
ضحكت ادريان وغابت مع حملها العطر عن الانظار.
وفور مباشرتها ارتداء ملابسها سمعت صوت برق سيارة كريستوفر, فنظرت من غرفتها ورأت امه تخفق في سعيها لايقافه عن استخدام الزمور .
ضحكت بينها وبين نفسها ورفعت سحاب ثوبها الأزرق المزركش من وسطه الى العنق, ثم خرجت مسرعة لاستقبالهم.
استطاعت ان تسمع المرأتين تقهقهان وهي في طريقها الى البهو, وافترضت انها تضحكان على ملاحظات كريستوفر الجرئية والذي قادها الى البهو وهو يقول مبتسماً:
- جميعنا نتظرك ايتها الفاتنة! ألا توافقني السيدتان على القول ان جمال ادريان ملفت للأنظار؟
علقت ماريون ضاحكة:
- انصحك ياعزيزتي ألا تتأخري عن اسكات ابني الطائش في كل مناسبة يغازلك فيها.
سر الجميع بتقديم العشاء, وتحدثوا مرحين فيما تناولوا حساء الهليوم والدجاج المحمر والفطائر والمحشوة بقطع الأناناس والمغموسة في عصير المشمش, قال كريستوفر وهو يلتهم طبقاً آخر من الحلوى:
- ياللسيدة فورد! ما أمهرها!
- مسكين انت ياكريستوفر! يبدو انك لا تأكل ابداً في منزلك.
الواقع انه أظهر كل دليل على صدق ماقالته والدته, ولما أحضرت الطاهية العشاء بالغ في اطرائها على صنيعها الا انها اكتفت بالابتسام لوالدته لأنها لم تكن تكثر من الكلام.
مر الوقت سريعاً , ولم ينم أي من الاربعة قبل منتصف الليل, استلقت ادريان تراقب التغيرات في ضوء القمر المتسرب الى غرفتها وهي تفكر بالجدية التي ظهرت على كريستوفر وهو يعدها بالذهاب في رحلة في اليوم الثاني .كان النور في الردهة ينعكس على شعره, ولم تتمكن من رؤية عينيه وكانت تعلم بالطبع ان عليها ان لا تحول صداقتهما البرئية الى علاقة حب فعلية.
طلع الصبح على سارانغا مشرقاً صافياً , وبعد الفطور توجه كريستوفر الى المطبخ ليتفحص استعدادات وتموينات السيدة فورد للرحلة الموعودة.
كان الجو مناسباً للرحلة مع انه ينذر بهبوب عاصفة الا ان كريستوفر ظن الا يحدث ذلك, وتوقع ان يرجعها قبل العاصفة بوقت طويل .
انطلقا عند العاشرة والنصف بعد ان فتح لهما احد العمال روبي بوابة المزرعة ابتسمت له ادريان وتحدث معه كريستوفر قليلاً, انهما يعرفان بعضهما جيداً على مايبدو.
لم تقد ادريان غما التي عرفت وحدها كيف تلحق بحصان كريستوفر متبعة سيره , , تنفسا رائحة الصباح الزكية وهما يجتازان حديقة التفاح ويراقبان الصقور تندفع في ذهاب واياب في سماء زرقاء صافية غير محدودة.
اكتفى كل منهما بالابتسام للآخر بين الفينة والفينة, واستدار كريستوفر كل بضع دقائق ليشير الى شيء يثير اهتمام ادريان. الا انهما حافظا على صمتهما معظم الوقت وتمتعا بصفاء الجو, اما الغربان فظهرت بوفرة هذا الصباح واكثرت من نعيقها المزعج.
عبرا بعد ساعة من السير عدداً كبيراً من البوابات ووصلا اخيراً الى سفح تل صغير شديد الانحدار مليء بالصخور الضخمة, سألته ادريان:
- كيف ندور حول هذا التل؟
- لن ندور, بل سنتسلقه.
- لكنه يقف كاالجدار!
- دعك من الخوف.
ثم صاح بالجوادين, وقبل ان تدرك ماذا حدث بدأت غما بصعود التل متسلقة سفحه بحذر شديد وهي تتجنب الصخور الى ان بلغوا القمة.
لم تكد ادريان تصدق انها وصلت الى القمة , كما لم تتخيل طريقة الهبوط , لكن المنظر فاتن , مسكن سارانغا وقلب مزرعة الاغنام يقعان وسط واد تحرسه جبال ضخمة كثيفة الاحراج.
----------------------------------
اغنام المارينوس ذات الصوف الابيض الطويل تنتشر في السهول ترعى البرسيم الاخضر الطري , الأفراس واغلاؤها تجري وتثب على الاشجار في مملكتها الصغيرة الجميلة الوفيرة الاغنام, بعض الغيوم تظهر ثم لا تلبث ان تندفع بعيداً لتستقر فوق الجبال المغطاة بنبات العائق.
كان المنظر ساحراً حقاً. مراع تستحم بأشعة الشمس المذهبة وزيزان تقفز في الهواء وتغني جذلة.
أخذ المشهد منها كل مأخذ, فاستدارت نحو كريستوفر قائلة:
- مااروع المنظر! كم اشكرك لأنك احضرتني الى هذا المكان.
- انه رائع فعلاً.
ابتسم لها ثم ثبت قبعته على رأسه وبدأ عملية الهبوط, عند سفح التل الآخر غمرت ادريان ازهار الاوكالبتوس المستعملة لصنع العقاقير, اتبع كريستوفر ممراً قادهما بين الاشجار التي تناثرت ازهارها عليهما حتى بلغا فم الوادي حيث أوضح:
- هنا. سنترجل عن الحصانين.
أدار جواده وساعد رفقيته على الترجل معلقاً:
- الطريق صعب لذا ينبغي ان نقطعه سيراً على الاقدام, سوف أربط الحصانين هنا.
راقبته ادريان ينفذ ماوعد به, ضربت الأرض المعشوشبة بحذائها وتطلعت حولها جذلة, رائحة الهواء زكية كالبخور في هذه الفسحة داخل الغابة, تلفها باخضرارها اللطيف وتنعشها بعد التعرض لحر الشمس وقيظها, انها تسمع خرير الماء يتدفق في الجدول الجاري تحت الاشجار موفراً تربة خصبة للسراخس والنباتات الاخرى ومكثراً من رطوبة الأرض, اما الشمس التي لم تتسرب الى تلك البقعة, فكانت تسطع احياناً على الأوراق المبللة بالندى وتجعلها تتلألأ كالذهب.
رجع كريستوفر اليها وامسك ذراعها مشيراً بيده الاخرى الى ممر صعب وهو يردد:
- اتبعيني حتى ننزل الى هناك.
- اين تريدنا ان نذهب ياكريستوفر؟
وضع يده على فمها ليسكتها وأوضح قائلاً:
- اسكتي! لا نريد ان نجفل صديقنا.
صمتت ادريان , اما كريستوفر فوجد متكأ مغطى بالسرخس, وأعد لهما مكاناً قائلاً:
- استريحي في مجلسك لأننا قد نطيل المكوث هنا.
تمدد فحذت حذوه اذ احست بالسكينة والهدوء في هذه الفسحة الوراقة حيث الشمس تغمر الاماكن والثمار الناضجة تتساقط من حين الى آخر, لم يلبث ان نهض مستنداً على كوعيه ونظر الى وجهها الفاتن, فلما ادرك انها لم تنتبه اليه استلقى ثانية على ظهره منتظراً.
مرت نصف ساعة قبل ان تمزق حجب الفضاء صيحة طاووس حادة أمال معها كريستوفر الاغصان فانحنت ادريان الى الامام مستندة على ذراعه لترى الطائر ينعق ويختال متخذاً من البقعة الخضراء مسرحاً له.
سرعان ماغير لحنه بسحر ساحر وتقدم الى وسط الفسحة كما انه عرف بوجود جمهور, عندئذ رفع ذيله ذا الريش اللماع فطغى جماله وتألقه على ظلمة المكان , وزهت الوانه الزرقاء والخضراء والذهبية والبنينة البراقة, راقباه بصمت وهو يسترسل في شدوه العذب الشجي الا ان ادريان لم تتمالك نفسها من القول:
- آه ياكريستوفر ! أولسنا محظوظين؟
تخل الطاوووس للحال عن وقفته الملطية وتراجع الى الغابة بعد ان انقلب عصفوراً صغيراً, نهض كريستوفر ومد يده الى ادريان ليساعدها على الوقوف.
وقفت ونظفت ثيابها المغطاة بالقش والأوراق والأغصان الصغيرة, ثم تراجعا الى حيث ربطا جواديهما وقد تقدم كريستوفر مسيرة العودة قائلاً:
- سنتناول غداءنا عند سفح التل التالي.
انطلقا يكملان نزهتهما وأبقت رأسها مكشوفاً بعض الوقت , لكنها سرعان ماأثبتت قبعتها فوقه نظراً الى حدة الشمس وحرها , سرت لرؤية حيوانات الكونغرو الصغيرة ترعى في فسحات الغابات وتقفز فوق الشجيرات . سألت رفيقها :
-------------------------------
- اولا تخاف الأغنام من حيوانات الكونغرو؟
رد مشيراً الى أم الكونغرو تحمل صغيرها في جرابها:
- كلا بالطبع , ان حيوان الكنغرو جميل ووادع الا انك تتصورين مدى الخراب الذي قد يتسبب فيه احياناً , في أي حال اني اكره اصطياد هذه الحيوانات, لكن دعينا من هذا الحديث.
شد انذاك لجام حصانه ودفعه الى العدو, عندما بلغا أعلى التل خلع قبعته وأخذ يلوح بها في الهواء مطلقاً صيحات غريب, ضحكت وأكملت طريقها نحوه فانحنى العشب تحت اقدام غما , لكنها لم تشعر بحاجة الى اطلاعه على تشجنها وتعبها حتى لا تؤكد له انها ابنة المدينة حقاً, لذلك افلتت رجليها من الركاب في مهارة فضحك وقال ساخراً:
- أراهن انك متعبة .
- لاتقل ان التعب باد عليّ, منذ لحظات هنأت نفسي لأني لم أتعب.
- لاشك انك تشعرين ببعض التقلص , لا تقلقي لأن ذلك سيزول بسرعة, في أي حال أهئنك على تقدمك الملحوظ.
ثم انطرح أرضاً وهو يئن:
- يا الهي كم أنا جائع!
- من المؤكد ان والدتك تتعب من اطعامك باستمرار.
اجاب ببطء وهو يغطي عينيه بقبعته:
- انني شاب ياادريان , في أي حال , ماهو زادنا؟
فرشت ادريان الجائعة ايضاً حزمة الاطعمة التي زودتهما بها السيدة فورد, كان فيها مفرش من البلاستيك وبيض مسلوق ودجاج وبندورة وخسة طرية وبطاطا وزيت وحامض وتوابل وخبز وفواكه علاوة على اناء حافظ للحرارة مملوء بمادة سائلة, سأل كريستوفر:
- ماذا في الاناء؟ آمل ألا يكون السائل قهوة لأنها شديدة السخونة.
رفعت ادريان الغطاء وقالت:
- لاشك اننا محظوظان, انه عصير تفاح.
- عصير تفاح! يالحظي التعيس!
أوضخت ضاحكة:
- آسفة , أظن ان السائل ليموناضة.
مد يده الى الأكواب الورقية قائلاً:
- سأشرب بعضه.
وضعت الأطعمة على الغطاء البلاستيكي , واعطته حصته الضخمة فعلق قائلاً:
- هذه هي الحياة ياعزيزتي, كوب ليموناضة وحصان ونحن معاً في البرية, اني أتعجب كيف يمضي المساكين وقتهم الآن في المنزل.
ضحكت واتكأت على جذع شجرة , ثم سألته:
- في أي مدرسة تعلمت؟.
اتجه نحو الحصانين ثم عاد يحمل بساطاً صغيراً لفه وألقاه على جذع الشجرة, قال:
- اسندي ظهرك على هذا البساط, الحقيقة اني تعلمت الكثير في اليومين الماضيين.
ضحكت ثانية وقالت:
- كفاك مزاحاً , أين تعلمت؟
ذكر مدرسة خاصة معروفة, وغرقا في حديث عن أيام الدراسة الحلوة, بعد الغداء أثقل النعاس والحر جفونهما فأغفيا برهة في ظل الأشجار.
استيقظت بعد ثلث ساعة لتجد انها قد استعادت عافيتها ورأت رفيقها يحل الحصانين فسألته:
- كيف عرفت اني سأستيقظ في هذه اللحظة؟
- كنت اراقبك.
- لا يليق بك ان تفعل ذلك.
- ماذا؟
- مراقبة الناس وهم نيام.
- ولم لا؟ هيا اركبي حصانك.
امسك الركاب بينما وجدت نفسها تقفز فوق السرج وقد احست ان وقاحتها تتزايد , اما هو فنبهها بقوله:
- لاحاجة بك للتباهي ولفت الانظار.
التمعت عيناها تحت حافة قبعتها العريضة وعقبت بقولها:
- انك تعبر عما يجول في خاطري.
-------------------------------
اطلق تنهيدة عميقة وردد:
- يا الهي!
- ماذا هناك ياكريستوفر؟
سارا للحال ثم سألها:
- هل تظنين ان باستطاعتك العيش ها ياادريان؟
- لم افكر في الأمر حتى الآن ياكريستوفر.
- اعتقد ان بنات المدن يسأمن الريف لشدة هدوئه.
- لا اشاطرك الرأي في ذلك, ان الريف جميل, وثمة امور كثيرة ينبغي ان تعمل في المزرعة.
- هذا صحيح الا انني اقصد في حديثي نواحي الترقية والتسلية.
- هذا صحيح اني احب ارتداء الثياب الأنيقة وحضور الحفلات والسهرات بين آونة واخرى, لكني لست اجتماعية بكل معنى الكلمة.
- لا يبدو انك فتاة لعوب الا ان جمالك يساعدك على الظهور بهذا المظهر.
- كف عن مجاملاتك والا اوقعتني عن ظهر المهرة.
رمقها بنظرة حنو وغرق في صمت انيس. لاحت في البعيد سحابة غبار تتجه صوبهما فصاحت:
- قف ياكريستوفر.
- ليس الآن ياعزيزتي, فانك تلمحين الطريق الممتد هنالك, لاشك ان هذه سيارة ولعلها تخص آل دونالدسون.
اوقفا جواديهما بجانب الطريق, فخفف السائق سرعته الى ان توقف امامهما , مدت السائقة وجهها الجميل من النافذة , غير ان الابتسامة فارقت محياها عندما شاهدت ادريان ونادت كريستوفر قائلة:
- كيف حالك ياركيستوفر؟
- على مايرام يا تامي, اين كنت؟ ادريان , هذه هي تامي دونالدسون, وهذه هي ادريان سكرتيرة غرانت.
رحبت تامي بادريان قائلة:
- اخبرتني والدتي انك دونت محضر الجلسة للسيدة ماننغ, والحقيقة انها لم تبالغ في وصفك.
لم يخف على ادريان تفرس الفتاة في وجهها الا انها اجابتها بلطف:
- اشكرك ياتامي.
عادت تنظر الى كريستوفر وقالت:
- رافقت رينيه الحامل الى المدينة, متى ستزورنا؟
- أذكر جنينها ام أنثى؟
رفعت يدها عن مسكة الباب وصاحت متضايقة :
-زرنا واحضر الآنسة برنت معك اذا كانت ترغب في ذلك.
لوحت بيدها مودعة ثم قادت سيارتها ببطء كي لا تثير عاصفة من الغبار فيما راقبت ادريان وكريستوفر السيارة تختفي عن اظارها , قالت ادريان:
- انها معجبة بك.
هذا واضح بالرغم من تجاهل كريستوفر للفتاة واعتبارها مجرد زميلة سابقة رافقته على مقاعد الدراسة , مع ذلك لم تجد ادريان ضيراً في الاشارة الى الامر, اما هو فأجابها وقد غرق في التفكير.
- انك لاشك تمزحين.
ابتسمت بينها وبين نفسها اذ ادركت ان الفكرة لم ترقه, تابعا سيرهما فأشار كريستوفر الى معالم سارانغا المختلفة, وشجع رفقيته على السماح لهما بالعدو, قبلت نصيحته لأنها كانت قد ألقت حركة المهرة وتعاظمت شقتها بنفسها, أوقف الحصان بعد قليل وقال:
-فلنشرب بعض الليموناضة.
قدمت له كوباً مليئاً فشربه بنهم, قالت بقلق:
- أتظن انه من الخير ان ننطلق , فأنا أرى غيوماً تنذر بهبوب عاصفة شديدة.
- وهو كذلك, الحقيقة اني اراقبتك اكثر مما راقبت الغيوم.
ساعدها على امتطاء السرج, ولدى اجتيازها التل تكللها شيء من الخوف لأنها لم تعرف مدى المسافة التي قطعاها لعظم متعتها, لكن الطريق امامهما كانت طويلة والغيوم المتلبدة تتهددهما بالمطر, سارا صامتين وفي أقل من نصف ساعة تردد قصف الرعد حولهما, رفعت غما رأسها واخذت تصهل فقال كريستوفر:
---------------------------
- آسف ياعزيزتي , لاشك ان العاصفة ستداهمنا.
تكلم بأسف شديد جعلها تضحك وتحييه:
- لابأس عليّ, هذه ليست المرة الاولى التي أتعرض فيها لعاصفة رعدية, ولكن, ماذا عن الجوادين؟
- لابأس عليهما الا اني قلق عليك.
اضاء البرق الصيفي العنيف السماء قبل ان ينزل المطر نقطاً كبيرة متفرقة بادئ الامر ثم تحولت شابيب غزيزة, فسيطر الخوف على ادريان بالرغم من محاولاتها العديدة للتخلص من ذلك الشعور, فلقد جعل البرق المخيف عضلات المهرة تتصلب وتنتفخ على نحو ينذر بتمردها, لذا لم تعتقد ادريان ان بامكانها السيطرة عليها وصاحت:
- هل يسعنا ان نجد للمهرة ملجأ ياكريستوفر؟
- كلا, لا تستطيع الاقتراب من الاشجار والبرق على حاله.
تأملا بعضهما عبر حواجز المطر الكثيف على ضوء البرق المتماوج فوق راسيهما, وعجزا عن فعل اي شيء , قالت:
- كان بودي ان اضحك.
- سنذهب الى الطريق.
امسك بلجام غما وادارها نحو الطريق. وعندما بلغا الشارع كانت ذروة العاصفة قد ولت. فتقطع البرق وخف المطر, لم يلبثا ان سمعا هدير سيارة اللاندروفر.
كان غرانت هو القادم بالفعل. ترجل من سيارته طويلا اسمر عابساً وصرخ في وجه كريستوفر:
- امسك هذا الشمع, ظننتك أذكى من ذلك.
ثم استدار نحو ادريان ورفعها عن السرج بسرعة فتمايلت بين ذراعيه اللتين طوقتاها بثبات, اما كريستوفر فارتدى المشمع الواقي من المطر. وغطى رأسه بالقبعة , ثم اوضح بلطف:
- خذ الحصانين الى الاصطبل.
انطلق بها عبر الحقول فيما أدخل غرانت الفتاة المبتلة الى سيارة اللاندروفر وقد لفها ببساط خفيف الوزن واجلسها على المقعد الامامي, ثم دخل السيارة وفتح النافذة.
كان الجو داخل السيارة دافئاً وحميماً , فتمنت لو انها تعيش كذلك الى الابد.
تفحصها وسألها بحدة:
- أوليست لديك ذرة من التفكير والاحساس؟
- لست أفهم قصدك, لقد كانت رحلة ممتعة.
تأمل ثغرها وشفتها اللتين زال عنهما احمر الشفاه قبل وقت طويل,فاحمرت خجلاً وصاحت:
- لست أعني هذا النوع من المتعة.
عقب بجفاء:
- يسرني ان اسمع ذلك.
مد يده الى المقعد الخلفي وسحب عنه منشفة فاخرة محاكة من خيوط فيروزية مطرزة بورود بيضاء وزرقاء , غطت ادريان رأسها بها ثم انفجرت ضاحكة وهي تقول:
- أهذه منشفتك ياغرانت؟
استدار ليتأملها بصمت , لقد التمعت حبات المطر على بشرتها كالالى وحولت زرقة المنشفة لون عينيها المتقدتين اسود قاتماً, اخرسها صمته فكفت عن الضحك, عندئذ صفعها على خدها فصاحت وهي تستر وجنتها المتألمة بيدها:
- أوه! لماذا تضربني؟
اطلق العنان لسيارته ثم اجاب موبخاً:
- لأنك وافقت على النزهة تحت المطر.
رفعت المنشفة عن رأسها لتجففه قبل ان تستدير نحوه قائلة:
- عدت أبكر مماكنا نتوقع .
- اصمتي يابنتي والا اربكتني واخرجتني عن طريقي.
سكتت وهي تفكر, يخرج عن الطريق! كيف يحدث ذلك؟ لقد توقف المطر, كما انه سائق ماهر, انتقلت الى اقصى يمين اللاندروفر وأشاحت بنظرها بعيداً, هل لاحظت فعلا ام تخيلت الخوف الشديد على محياه؟
-----------------------------
رأت على مقربة من المنزل شجرة ضخمة مشطورة نصفين وملقاة على الأرض عندما بلغا البيت, أرسلها امامه قائلاً:
- خذي حماماً ساخناً وجففي شعرك تجفيفاً صحيحاً.
صعدت السلم عدواً لتلقي السيدة ماننغ وماريون المنتظرتين في الردهة, فألقتا عليها التحية مرددتين:
- قلقنا عليكما كثيراً.
- ارجو المعذرة, في أي حال . أطمئنكما بأننا استمتعنا بيومنا للغاية, لا استثنى بقولي العاصفة, سيلحق كريستوفر بنا بعد ان يحضر الجوادين ياسيدة هارنغتون.
هنا صاح غرانت الذي تسلق السلم قفزاً:
- اسرعي ادريان!.
اطاعت امره فوراً, وحين مرت امام المرآة في غرفتها , رأت الحمرة تعلو محياها والحيوية تنبض في شرايينها بسبب غرانت,ف اجتاحتها سعادة عارمة وحماسة عظيمة واضطراب فعلي, ياللجنون! ألم ينادها بلهجته المزعجة (يابنتي)؟ ادرات الماء الساخن وتنعمت بحمامها.
ارتدت ثوباً قطنياً قشدي اللون مزياً بنقوش تمثل وروداً بيضاء, وكان احد اثوابها القليلة المزودة بزنار شدته حول وسطها. ومالت للموافقة على قول والدها بأن لاشيء يبرز أنوثة الفتاة أكثر من خصر ضامر وتنورة تتموج مع الريح.
اخرجت من أسفل الخزانة حذاء مصنوعاً من السيور انتعلته, وخرجت الى البهو حيث كان غرانت وماريون غارقين في محادثة حميمة ترددت في ان تقطعها عليهما الا ان ماريون خاطبتها بشاعرية:
- آه ياادريان! انك أشبه بزهرة بللها المطر.
مرت بضع ثوان قبل ان يعلق غرانت بجفاء:
- لكن شعرك ملفوف بشكل كعكة بحيث لايسمح لنا ان نعرف اذا كان قد جف ام لا.
تقدمت الى وسط الغرفة لتعلمهما بجدية وهي تعطس:
- هل تعلمان اني لا اصاب بالزكام؟
انفجرت ماريون ضاحكة, وقالت:
- فليساعدك الله ان اصبت بالزكام لأن غرانت رجل متعسف يفرض عليك الضرب على الآلة الكاتبة في أي ظرف كان.
رمقته ماريون بنظرة حانية ثم انحنت عليه تربت يده السمراء النحيلة, راقبته ادريان يبادل عمته حنوها بالمثل, ثم يتجه الى الخزانة وهو يسأل ادريان : ماذا تشربين؟
قدم لها الشراب الذي طلبته قائلاً: اجلسي يابنتي, اجل ! هذه هي الصورة التي رسمها لها.
ربتت ماريون على الاريكة الطويلة, فتوجهت ادريان نحوها وتنورتها تتمايل , لمست ماريون احدى ثنيات القماش وقالت:
- مااجمل ثوبك ياعزيزتي! اني في أي حال لا احب الاثواب الفضفاضة لأنها تجعل من الصعب تحديد شكل من ترتديها.
عقب غرانت ببطء مبتسماً:
- لست من رأيك ياماريون.
حولت ادريان بصرها اليه , فاذا هو يتفحصها, اشاحت بنظرها عنه وسألت رفيقتها:
-هل عاد كريستوفر ياسيدة هارنغتون؟
- اجل ياعزيزتي, ناديني ماريون من فضلك. اشعر اني عجوز هرمة عندما تناديني شابة صغيرة مثلك السيدة هارنغتون.
في هذه اللحظة دخلت السيدة ماننغ البهو بأناقتها المعهودة, ابتسمت ادريان اذ خطرت لها فكرة مناداة السيدة الاولى بأسمها (هيلن ) , هذا مستحيل لأنها سيدة سارانغا وتتمتع بكل ميزات السيدة الاولى, جلست السيدة ماننغ على مقعد واسع, وقالت لأدريان:
- ارى ان المطر الذي بللك لم يزعجك, كما ارى ان كريستوفر كان سيغني لو تساهلنا معه. الواضح من كل ذلك ان المطر يوافقكم انتم الشباب , في أي حال , اني أتشوق لوصول البيانو, ادريان تعزف عليه جيداً, وماأجمل ان يوجد في المنزل موسيقى مع آلته!
ابتسمت ادريان لمحدثتها واستأذنها في تناول بعض الشراب لأسباب صحية, تناول غرانت الكوب منها وضغط على يدها بقوة, صاحت وهي تسحب اصبعها بسرعة :
- ما أقساك!.
-------------------------
ملأ كوبها ثانية, وناولها اياه مردداً:
- لااسمح لك بتناول كأس آخر.
سألت ماريون السيدة ماننغ:
- متى تتوقعين ان يصل؟
- ماهو ؟
- البيانو.
- لست ادري ياعزيزتي, اكتفيت بطلب ارساله الي.. لعل الأمر يستغرق بعض الوقت.
همت ماريون بسؤال ادريان عن المعهد الذي تدربت فيه على الموسيقى الا ان كريستوفر حال بينها وبين الكلام اذ دخل صاخباً كعادته , وهتف :
- ها انا اعود اليكم نظيفاً لطيفاً ولكن مع بعض الرضوض.
قال ذلك ومد يداً رضت عقلة احد اصابعها, نهضت ادريان على الفور وانحنت فوق يده قائلة بقلق:
- أرني ياكريستوفر! كيف فعلت ذلك؟
- انتظري ياعزيزتي حتى أخرج وأرضّ اليد الأخرى!
تقدم غرانت من قريبه وشده من كتفه قائلاً:
- لابأس عليه ,فهو على مايرام, ان لدي بعض الافلام من مجموعة (برايمري اندستريز) وأريد أعرضها عليك.
- ارأف بي ياغرانت. فأنا وادريان ننوي ان نرقص كل الرقصات الجديدة خصوصاً وانها تعلمت رقصة الفالز.
ضحك غرانت ولم يعلق بشيء.
من المؤكد ان السيدة فورد بالغت في اتقان طعامها هذه الليلة احتفاء بعودة سيد سارانغا, احنت ادريان رأسها فوق طبقها وكبتت ابتسامتها اذ فكرت ان الحياة هنا مجرد وليمة لا تنتهي, بل تختصر كل متع الحياة في أطعمة السيدة فورد, ماكان من ادريان الا ان انفجرت ضاحكة بعد لحظات صمت الجميع عن حديثهم وتطلعوا اليها بينما سألها كريستوفر:
- ماذا دهاك ياذات العينين الزرقاوين؟
- فكرت بعدد الولائم التي حضرتها هنا.
التفتت اليها السيدة ماننغ مشدوهة لأنها اعتادت على جودة طهي السيدة بحيث اعتبرته امراً طبيعياً, وقالت بلطف:
- احسب ان لدينا طاهية مبدعة بل ساحرة في مطبخنا والحمد لله.الحقيقة اني لا أحسن سلق بيضة واحدة, وهذا أمر صعب كما يقولون.
استوضحها كريستوفر:
- من يقول ذلك؟
- كل المجلات تؤكد ان سلق البيض اختبار للطاهي الجيد.
ضحكت ماريون وأوضحت:
- بالطبع لا ياهيلين.
هبت ادريان الى مساعدة صديقتها موضحة:
- لعلك تقصدين سلق البطاطا ياسيدة ماننغ.
صاح غرانت:
- استحلفكم بالسماء ان تغيروا هذا الحديث الممل.
تابعت ادريان ضحكها واصيب كريستوفر بالعدوى, عندئذ صاح غرانت:
- ماذا يجري حول مائدتي اعتقد ان العصير قد اطربك.
تطلعت اليه على الفور , فلمحت المرح على ثغره, ربما كان قوله صحيحاً, الأمر الأكيد هو شعورها العارم بالسعادة.
توجه كريستوفر بعد العشاء الى جهاز الستيريو ونقب بين الاسطوانات ثم نظر الى زوجة خاله متسائلاً :
أليس لديك لغير هؤلاء الموسيقين الكلاسيكين حتى نرقص عليها؟
ضحكت السيدة ماننغ واجابته:
- توجد عندك اسطوانة لجوليان بريم.
- لا تديري رأسي بأحد العازفين الكلاسيكين المعاصرين.
- انه جوليان بريم عازف القيثارة المعروف.
كادت ادريان تنفجر ضاحكة عندما تدخل غرانت قائلاً:
- ان الجو رومانتكي للغاية , والحقيقة انكما بذلك خرجتما عن سيطرتنا.
----------------------------
لم يأبه كريستوفر لملاحظة غرانت بل قال:
- رومانتكي! هيا بنا ياهيلين اعطيني الاسطوانة الجديدة.
توجهت الى الستريو, لكن ادريان سبقتها اليه قائلة:
- سأتولى المهمة عنك ياسيدة ماننغ.
جثت على ركبتيها بجانب كريستوفر, فامتدت تنورتها حولها, رفعت الاسطوانة وناولته اياها , رتبت بعض الاسطوانات المقلوبة بينما ادار الجهاز, وما ان صدحت الموسيقى حتى تملكه الاستياء.
تطلعت ادريان الى عيني غرانت المليتين بالأسرار, واملت ألا يجرؤ ماجال في خاطرها . اما كريستوفر فحاول ان يطفئ الجهاز, فصرخت السيدة ماننغ معترضة :
- دعنا نسمع هذه الموسيقى الرائعة.
اوضحت ادريان:
- انه يعزف العود ببراعة ايضاً.
توجه كريستوفر الى غرانت قائلاً:
- اعجبني وصفك للجو بأنه رومانتكي ياغرانت, لا اظنك تنفع هنا.
لم يجبه, بل اكتفى بالضحك ثم الخروج من الغرفة. علقت ادريان وهي تطلق ضحكة لطيفة مرحة:
- آه ياكريستوفر! انك تبدو مضحكاً للغاية .
عقبت ماريون وقد اطربتها موسيقى القيثارة:
- لايحب ابني الموسيقى, وهو في ذلك يشبه والده.
رجع غرانت الى الغرفة وهو يحمل شريطاً سينمائياً , قال:
- هيا يافتاي. الواجب يدعوك , دع السيدات يتلذذن بأشيائهن البسيطة.
- ان الاشياء البسيطة هي التي تعطي الحياة متعة وجمالاً.
طمأنت ادريان صديقها بقولها:
- الأيام امامنا وستملأها مرحاً ياكريستوفر.
رمقها غرانت بنظرة استفهام غريبة وسألها:
- صحيح ياآنستي؟
رد كريستوفر بانفعال:
- أوتراهن على ذلك؟
طلبت ماريون الى غرانت ان يأخذ ابنها بعيداً حتى نستمتع بسماع الموسيقى.
اخرج غرانت ابن عمته المعترض من البهو وهو يقول:
- هيا ايها المهرج.
قضت النساء الثلاث معظم السهرة وحدهن, تولت ادريان ادراة الاسطوانات التي اختارتها رفيقاتها, كما اخبرتهما عن ايام دراستها الموسيقية.
عند التاسعة والنصف طلبت السيدة ماننغ الى ادريان ان تسأل الشابين اذا كانا يرغبان في بعض الطعام, ضحكت ماريون وأكدت ان كريستوفر يرغب في ذلك فعلاً, سألت ادريان:
- اين اجدهما؟
- في غرفة عرض الافلام ياعزيزتي, بابها هو الثالث بعد باب المكتب , لعلك لم تنتبهي لها لأنها كانت مقفلة.
وصلت الى الحجرة حيث كان عرض الفيلم قد انتهى, ووقف الرجلان يدخنان ويتحدثان , بدا لها ان غرانت شدد على نقطة معينة بينما هز كريستوفر رأسه بعنف, قالت:
- عفوكما ايها السيدان!
تقدم كريستوفر منها وضغط يدها على قلبه قائلاً:
- ادريان ياحبيبتي! هل اشتقت الي؟
اجابته بابتسامة عذبة:
- صحيح, ولكن , ألست مشتاقاً للطعام؟
- طبعاً, لقد مرت اجيال كاملة لم أذق فيها الطعام, هيا بنا ياغرانت!.
- لا نريد ان نزعج السيدة فورد ياكريستوفر, فاجئ والدتك واصنع القهوة بنفسك حتى أرى ادريان المكان, انها لم تزره من قبل.
- رغباتك أوامر.
أوقفه قائلاً:
- كرسيتوفر! الأفضل ان تطلب الى ماريون ان تصنع القهوة لأننا نريد شربها.
- رأي سديد وكلام مفيد.
---------------------------------
وجه غرانت حديثه الى ادريان:
- هيا ادخلي , ارى انك تستعدين للهرب.
- ابداً ياسيد ماننغ, اني استمتع بفكرة الزيارة.
سدد اليها نظرة تحذير وقال:
- اذا ناديتني السيد ماننغ ثانية ستندمين على ذلك.
- حسناً ياسيدي!
الا انها عدلت ردها العفوي اذ استدركت قائلة:
- اجل ياغرانت!
ابتسمت له, لكنها تمنت فوراً , انها لم تفعل اذا رأت عينيه تلتمعان استفزازاً ومكراً, اشاحت بنظرها بعيداً, ثم سألته:
- هل هذه حجرة خصوصية؟
- هذه ملاحظة يدلي بها امثالك , كلا ياعزيزتي, هذه غرفة لعرض الافلام تحتوي كثيراً من الافلام القيمة والوسائل والاجهزة التقنية, لا داعي لاهتمامك بها, الحقيقة اني اود التحدث اليك عن كريستوفر.
كبتت رغبتها بالهرب بينما أكد لها قائلاً:
- لايسعك الهرب يابنتي, ارجوك الا تشجعيه, ان هذا واضح في عينيك وصوتك على ثغرك.
اغمضت عينيها ثم فتحتهما وقد التمع فيهما النفي, قالت:
- سيد ماننغ!
شدها اليه بقسوة فاحتجت:
- غرانت! اني في الحقيقة لا اعرف عماتتكلم لأني لا اشجع كريستوفر, وينبغي ان تعرف ذلك, في أي حال, ليس من العدل في شيء الا احبه...
- لكنك لا تفعلين.. على الاقل, لايشبه حبك له حبه لك, نحن الاثنان نعرف ذلك جيداً.
تمسك يدها واخذ يضرب الشرايين في رسغها, ارتجفت وسحبت يدها صارخة:
- كف عن هذا ياغرانت, بدأت أشعر كما لو انني ارنب اخضع لتنويم مغناطيسي, اعتقد اني سأعود الى سيدني.
- تذكري ياعزيزتي ان كريستوفر شاب طيب يحتاج الى فتاة أقل تعقيداً ورقياً منك.
مد يده فوق رأسها وأطفأ النور, قال:
- هيا نتناول القهوة.
حل ظهر الأحد قبل ان ترى ادريان كريستوفر او غرانت, فحزنت لأن عطلة الاسبوع شارفت على نهايتها, ان كريستوفر لطيف جداً ومن المخزي فعلاً ان يظهر لها الحب ولا تستطيع مبادلته شعوره مخافة ان تؤذيه, هل يسعها التأكد انه لن يفسر قصدها على عكس ماهو؟ توجهت الى الشرفة حيث كانت السيدة ماننغ وماريون تتناقشان في وسائل جمع المال لاقامة جناح في المستشفى, ابتسمت لهما قائلة:
- لماذا لا نقيم حفلة شواء ياعزيزتي؟
أثنت ماريون على الموضوع بشيء من الجفاء وقالت:
- ولم لا ياهيلين؟ اعتقد ان الفكرة جيدة وان حدائق سارانغا تصلح للحفلات, لا داعي لاحتشاد الزوار داخل المنزل, فأنا أتصورهم ينتقلون ويمرحون بين الاشجار.
كان منزل سارانغا وحدائقه مضرب المثل في المقاطعة, وهذا مازاد من حماسه ادريان, فأضافت على اقتراحها قولها:
- ستعلق اضواء ملونة ومصابيح بين الاشجار.
استفسرت السيدة ماننغ مستغربة:
- اضواء ملونة ياعزيزتي؟
ضحكت ماريون وطمأنتها:
- انه تدبير مؤقت ياهيلن يساعدنا على جمع الأموال.
هكذا حل الأشكال, فالسيدة ماننغ تريد جمع المال , سألت :
- متى نقيم الحفلة؟
- يكفي اسبوعان لابلاغ الجميع بالحفلة خصوصاً ان احداً لن يقطع مسافة بعيدة حتى يصل الينا.
--------------------
راق الاقتراح لماريون اذ عنى لها بعض التغيير في روتين حياتها اليومية, اما السيدة ماننغ فالتمعت عيناها تصميماً وقالت:
- سأحدث غرانت بالأمر اثناء الغداء اذ ليس ثمة وقت نضيعه.
التقت عينا ادريان بعيني ماريون, ثم حولتا اهتمامهما الى شجرة اللوز بعيداً عن السيدة ماننغ التي تبدو مضحكة حين تعتزم اثبات جديتها.
غادرت ماريون وكريستوفر باركراً بعد الظهر اذ لم يسعهما الابتعاد طويلاً عن كاريوا بالرغم من وجود عمال اكفاء في المزرعة, رافقهما الجميع الى السيارة بينما تخلف كريستوفر للتحدث الى ادريان, سألها:
- ألم تشتاقي الي اليوم؟
- أي وقت من اليوم تقصد ياكريستوفر؟
- لا تتهربي من الاجابة عن سؤالي, لم أرك بسبب انشغالي مع غرانت بالمواشي.
ناداه غرانت من السيارة:
- هيا ياكريستوفر فوالدتك تنتظر.
- عليّ اللعنة! سنزور آل دونالدسون يوماً عندما يتسنى لي بعض الوقت .
- عظيم, اني أشكرك في أي حال على نزهة امس لأنها كانت اجمل نزهة قمت بها في حياتي.
- أفسدت عليك يومك.
- لا بل انني اعني ما أقول.
ألم يكن ذلك صحيحاً, وتسبب في شجار مع السيد ماننغ؟
وصلا الى السيارة, ودعهم كريستوفر من خلف المقود ملوحاً بيده, صاحت ماريون:
- الى اللقاء, اهلا وسهلا بكم في كاريوا في أي وقت.
أفلت غرانت يده عن السيارة التي همت بالاقلاع, ثم وقف مع رفيقتيه يراقبون السيارة التي اختفت وراء المنعطف, في طريق العودة قالت السيدة ماننغ:
- ثمة أمر واحد أكيد , ان الجو سيغدو اشد هدوءاً في غياب كريستوفر.
----------------------------------


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-06-16, 05:24 PM   #8

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

5- استغرقها العمل في الاعداد لحفلة الشواء , فأحست بالتعب وأخذها النعاس.. وحين رجع غرانت وجدها نائمة بين الزهور التي كانت تعدها, فحملها كطفلة بين ذراعيه...

كثيراً ماتمنت ادريان في الاسبوعين التاليين لو انها لم تقترح اقامة حفلة شواء لأنها بدأت تعمل بدون توقف , فاضافة الى عملها مع غرانت اصبحت مساعدة دائمة للسيدة ماننغ, مرت عليها الايام كما لو انها في دوامة, لاحظت انها تخسر من وزنها بالرغم من جودة طهي السيدة فورد.

ذات صباح قال غرانت لها وهو يوقع رسائله البريدية:

- كم سأسعد عندما تنتهي حفلة الشواء هذه!

- وانا كذلك.

وافقته بدون ان تدري , نظر اليها ليلاحظ ازدياد بروز العظام في وجهها, فاختفت السخرية من عينيه ولو لمرة قال:

- اعلميني اذا كان ذلك يرهقك, كثيراً ماتتحمس هيلن لاعمالها الخيرية , من المؤكد ان وزنك قد نقص.

طرقت عيناها وضحكت بينما تألقت عيناه السوداوان تقديراً, قال:

- او تظنين اني لا الاحظ؟ اني افعل.

لف الرسائل وقدمها اليها مضيفاً:

- تريد هيلن ان تعلق المصابيح والاضواء اليوم, من الخير ان ترافقيني الى كوريونغ بعد الظهر.

لاشك انه اعتبر موافقتها امراً طبيعياً لانه خرج من الغرفة من دون ان ينتظر جوابها , عادت الى الضرب على الآلة الكاتبة بنشاط متجدد وأمل عظيم , اذن, لقد لاحظ الساعات الاضافية الطويلة التي تعمل فيها مع السيدة ماننغ , ماالطفه هي لا يتعالى عليها!

--------------------------

لم يحل العصر سريعاً , عند الثانية والنصف اجلس غرانت ادريان على مقعد المرسيدس الامامي ولوح بيده مودعاً السيدة ماننغ التي خرجت لتعطيهما تعليماتها الاخيرة, قالت:

- استرخي ياعزيزتي, ولا تجلسي على طرف المقعد.

استوت ادريان على مقعدها وهيأت نفسها للتمتع بالرحلة, عندما بلغا الطريق العام سألها غرانت على نحو عرضي وبطريقة اظهرت ذكاءه:

- ماالذي جعلك تتركين بيتك الوالدي يا ادريان؟ اهي زوجة والدك الشريرة؟

- ليست شريرة, لكنها لم ترغب في وجودي داخل المنزل لأني شكلت عائقاً في طريقها , في اي حال انها تحب والدي , وهذا اهم مافي الأمر.

- كم مضى على وفاة والدتك؟

- عشر سنوات, اذكر انني ظفرت قبل وفاتها بقليل بمدالية اثر نجاحي في فحص الموسيقى, رغبت في اطلاعها على النبأ وهي في المستشفى الا اني لم اتمكن من ذلك, ولم تعرف هي النبأ , ارجوك الا تسألني ثانية عنها.

غصت بالبكاء فنظر اليها بعينين تحاكيان عيني ماريون عذوبة ولطفاً, قال:

- يمكنك ان تبكي قليلاً بقربي, قد يساعدك البكاء ويريحك, لا اتصور انك بكيت عليها كثيراً.

نمت نبرة صوته عن المؤاساة , لكنها لم تعد الى ذكر والدتها ثانية, بعد بضعة اميال فاجأها بسؤاله الآتي:

- كيف تنقلين نبتة جميلة من تربة الى اخرى؟

لم تظن انه يهتم بمثل هذه الامور, فاجابته بسذاجة:

- لست ادري, الا اني اتصور انه من السهل عليك اكتشاف الامر.

- ما ابعدك عن الغرور! اني اقصدك بحديثي.

اخجلتها ملاحظته, غير انها اجابته في رد فعل آلي:

- سألني كريستوفر السؤال نفسه, لكنه لم يعبر عن نفسه بهذه البلاغة.

- هل فعل؟

نظرت اليه لترى انه غرق في تفكير عميق وتغيرت ملامحه الدقيقة, واقل مايقال ان تغييره اربكها فتراجعت في مقعدها وسكتت, ساد الصمت الى ان وصل المدينة واوقف السيارة امام المبنى التذكاري , سألها:

- هل تريدين شراء حاجة ونحن هنا؟

- اجل (بودرا) لما بعد الحمام.

عقب وهو يساعدها على الترجل من السيارة ويشير عبر الشارع:

- صحيح؟ هذه هي الصيدلية! خذي وقتك, ارجعي بعد خمس وعشرين دقيقة.

اغمضت عينيها بسبب وهج الشمس الحاد, عبرت الشارع وهي مصممة على التجول بعض الوقت في المدينة, لاحظت انها تجذب الابصار وتعرفت على بعض الوجوه التي لمحتها في اجتماع لجنة المستشفى وبادلت المارة الابتسام.

كان الامر جديداً بالنسبة اليها خصوصاً وانها اعتادت على التجول في شوراع سيدني من دون ان تثير اهتمام احد.

اشترت من الصيدلية بعض المساحيق اضافة الى احمر الشفاه الذي لا تكتمل زينة النساء بدونه كما يقول الرجال , كم مرة انتقدها والدها لأنها كانت قد استعدت للخروج وتزينت وتبرجت لكنها لم تستعمل احمر الشفاه, هنا التقت نظراتها البائعة التي تنم عن الفضول فابتسمت لها ثم شكرتها وخرجت.

طارت في الطريق امامها ورقة حمراء, قذفها احد المارة من احدى المارة من احدى علب الاحذية , راقبتها وهي تسقط في القناة بجانب الطريق بلامبالاة, لكن لم تلبث ان خطرت لها فكرة , ان السيدة ماننغ تنوي ان تغطي الطاولات المكورة بازهار اصطناعية تعدها من هذه الاوراق ! ان الازهار الطبيعية لا تلائم المناسبة.

ازدادت حماستها وتعاظم اندفاعها, لكنها تساءلت لماذا لا تحمل معها عادة سوى بضعة دولارات! لقد انفقت اليوم معظم ماحملته من نقود وهي تريد الآن ان تبتاع المواد اللازمة لصنع تلك الازهار, صحيح ان الاوراق لا تكلف كثيراً, لكنها تحتاج الى اوتاد خشبية ومادة لاصقة ومشك سلكي.

دفعتها حماستها المتزايدة للبحث عن غرانت, فاسرعت الى مركز وكالة الشؤون الرعوية حيث ابلغت انه ربما كان في المصرف, توجهت الى المصرف المكيف وتقدمت من رب عملها قائلة:

- لدي فكرة!

-----------------------------

- لا تقوليها هنا ياعزيزتي.

- ارجوك, كن جدياً.

- ولماذا اكون؟ ثم خاطبها بجدية: ما الأمر؟

- اريد صنع بعض الازهار الورقية لحفلة الشواء,

التبس عليه الأمر, فسألها:

- ياالهي! الا تكفيك زهور سارانغا؟

- هذه الزهور مختلفة ونافعة للغاية, بامكان الضيوف ان يأخذوها معهم الى منازلهم لو شاؤوا, فليس لدى الجميع حدائق كالتي في سارانغا.

- ها انك تعطينني وتوبخينني يا آنستي, حسناً, وماذا عن هذه الزهور الاصطناعية؟

- لا املك المال الكافي لشراء كل المواد الضرورية لصنعها.

- يا الهي!

- ارجوك ان تكون جدياً.

هز رأسه مبتسماً لموظف المصرف الذي قام له بعض الاوراق ثم امسكها من كوعها واخرجها الى الشارع قائلاً:

- انا الآن في غاية الجدية, تقدمي.

نظرت اليه وقد اتسعت عيناها , اجابته:

- لكني لا اعرف موقع متجر الخردوات.

- اذن, علي ان اقودك اليه.

سارا مئة متر تقريباً قبل ان يتوقفا ويدلها على متجر الخردوات في حركة مسرحية, ثم دخلاه واشترت كل ماكانت تحتاجه منه, نقل عامل المتجر الشاب نظره بينهما بدون انقطاع الى ان حدثه غرانت قائلاً:

- هل هناك مايزعجك ياتوم؟

- كلا ياسيدي.

- كيف الجميع؟ هل رجع والدك من السفر؟

اخذ الشاب يعبث بدفتر حساباته بينما كان يقدم له عرضاً سريعاً عن احواله واحوال عائلته, عندما خرجا الى الشارع قالت له ادريان:

- لقد اثرت الصبي واربكته.

نظر الى ساعته واجابها:

- ليس الى حد يجعله يكبت فضوله , والآن , ماذا تريدين ان تفعلي؟

- علي ان اشتري الاوراق الرقيقة ثم ننتهي.

- هيا اذن يابنيتي, ان هذا اختبار جديد بالنسبة الي.

انطلقا بعد عشر دقائق عائدين الى سارانغا, وفي الطريق وجه اليها نظرة باردة, سألها:

- اليس لديك مايكفي من الاعمال؟

- يسعدني ان اصنع هذه الازهار, انتظر حتى ترى جمالها وهي تزين الطاولات.

ضحك ضحكاً عميقاً, وقال:

- يالك من فتاة رائعة! اليس هناك حد لمواهبك؟

- اجل, اني استطيع مثلاً ان اغني كما يغني كريستوفر.

عدل سرعة السيارة بعنف غريب وقال:

-ها قد عدت الى الحديث عن كريستوفر.

تابعا سيرهما صامتين وادريان تنظر من النافذة بشرود وتتأمل امتزاج الالوان وتألفها الى ان صاحت:

- قف!

اوقف السيارة الى جانب الطريق, ترجلت للحال واتجهت نحو شجرة اسمتها ( الصفصافة المعذبة ), لحق بها بعد ثوان قليلة وكانت قد امسكت باغصان الشجرة , اقترب منها وهو يطلق صفيراً مزعجاً, استدارت نحوه وقالت:

- هذه الشجرة كنز, الاترى انه متى نزعنا القشر عن اغصانها تصبح صالحة لتنسيق الازهار؟ كل ماعلينا الآن هو البحث عن الاغصان المناسبة.

تظاهر بالارتياح وابتسم ساخراً:

- اهذا كل مافي الأمر؟كنت اعد نفسي لسماع بعض الانغام الاوبرالية, لكنك لا تغنين في أي حال.

ضحكت ودلته على الاغصان التي ارادت قطعها, كسر الاغصان القوية ونقلها الى صندوق السيارة , هاهو يتورط في جمع الاغراض اللازمة لتنسيق الازهار الاصطناعية اضافة الى اعماله الكثيرة التي ينبغي ان يقوم بها اليوم! لذلك قال:

- لا تخبريني يوماً ان الجن تسكن اقبية سارنغا حتى لا اجد نفسي ابحث عنها.

------------------------------------

- لاشك انك ستغير رأيك بعد ان ترى نتائج عملنا, ربما كانت خطوتك التالية هي الطلب اليّ تنسيق الازهار لحفلة زواجك من فيرا.

نظر اليها بحدة ثم صفع يدها الموضوعة على صندوق السيارة بقوة, قال:

- لا تكوني وقحة! عودي الى السيارة.

راقت مشاريع ادريان للسيدة ماننغ كثيراً وطال حديثهما عنها اثناء العشاء.

نظرت ادريان فجأة الى غرانت وسألته:

- هل يوجد في المنزل اناء نحاسي كبير ارتب فيه الازهار؟

- يا الهي! أوتسأليني؟ اجيبيها ياهيلن لأن الأمر خارج نطاق مسؤولياتي, اما الآن, فاستميحكما عذراً بالانصراف حتى اتمكن من انجاز اعمالي الكثيرة.

راقبته المرأتان بصمت وهو يبتعد, قالت السيدة ماننغ:

- لاشك اننا ازعجناه.

سرعان ما فاجأت رفيقتها بنهوضها عن الكرسي ودفعها اياه الى مكانه الطبيعي ثم مغادرتها الغرفة, ذهلت السيدة ماننغ اذ وجدت نفسها تشرب القهوة وحيدة هذه الليلة.

رفعت ادريان عينيها عن الآلة الكاتبة عندما دخل غرانت المكتب في صباح اليوم التالي ووقف يتأملها, كانت الشمس قد غمرت المكتب وانعكست اشعتها الذهبية على شعر ادريان الحريري الماع, وبلوزتها الصفراء وذراعيها العاريتين, ترددت في مخاطبته, فتخلى عن صمته الطويل وتغيرت تعابير وجهه الجامدة, قال:

- اخبرتني هيلن انك سهرت حتى منتصف الليل تعدين ازهارك الورقية الا اني اراك نشيطة ومعافاة للغاية وكأنك لم تسهري.

- الحقيقة اني سهرت, هل ترغب في رؤية الزهور؟

وقفت لتريه الازهار, فثناها عن عزمها قائلاً:

- كلما التقيتك ياعزيزتي احسست نفسي مسجوناً في قفص...

عادت الى مقعدها حزينة وركزت بصرها على الآلة الكاتبة , عزاها بقوله:

- ما اعظم رغبتي في مشاهدة ازهارك ولكن, في الوقت المناسب.

دار حول المكتب ليناولها كدسة أوراق مطبوعة من الحجم الكبير قال:

- اقرأي هذا المقال قبل ان تضربيه على الآلة حتى تقسميه فقرات متناسقة , انه موجه الى منظمة الاصواف العالمية ويتناول قضية تطوير الاصواف الطبيعية وتشجيع تنميتها, اننا نواجه منافسى حادة من الاصواف الصناعية التي تلقى تشجيعاً كبيراً, سيستغرقك العمل في المقال وتنظيم البريد الى ان يحين الغداء, بامكانك ان تصنعي ازهارك بعد الظهر.

تحولت بافكارها الى المقال , رفعت رأسها ونظرت اليه كما لو كانت تعترض لكنه حذرها قائلاً:

- لا تكثري من الاعتراض والا غيرت رأيي, هيا ابدأي العمل, لن ارجع باكراً هذا المساء, لقد اخبرت هيلن الا تنتظرني على العشاء.

عملت في طباعة المقال طوال الصباح, ولم تتناول الغداء حتى تتمكن من تنظيم البريد, ذهبت من ثم الى غرفتها واحضرت كل الادوات اللازمة لصنع الازهار الى المكتب, وكانت السيدة ماننغ قد اثنت على عملها في الليلة الماضية حين رأت الازهار قبل الفطور, لكن لابد لها ان تضاعف ثناءها خصوصاً وان الفتاة فكرت باماكن جديدة تزينها باشغالها اليدوية الجميلة.

اكبت على مجموعتها من الاوراق الملونة المفيدة والرخيصة, كان صنع الورد الاحمر الكبير المنتفخ اختصاصها, ولما ادركت انها تبدو اصطناعية قررت في استعمال الالوان وجمعت الازرق والليلكي والقرمزي والقرنفلي الى جانب اللون الاصفر في بتلات ورودها.

كانت قد بدأت بقطع مزيد من القصاصات عندما وقفت السيدة ماننغ الى الباب تضغط بيدها على رأسها وتقول:

- تعالي معي ياعزيزتي حتى تقرري اين يجب ان نضع الاضواء والزينة.

وضعت المقص على الطاولة وتبعتها الى الممر الخاص المفضي الى المنزل حيث وقف رجل قصير القامة تنم ملامحه عن بعض البلاهة. لوح القزم بقبعته لادريان , ثم حول بصره الى السيدة ماننغ التي انشغلت في تخليص افكارها لرفيقتها بدقة سواء في الكلام او في حركات يديها.

---------------------------

تأمل الزائر القزم سيدة سارانغا باندهاش لانه طالما سمع عنها ولم يقابلها , من المؤكد انها لا تشبه اياً من معارفه من النساء, لم تبتسم ادريان امام شفافيته خصوصاً وانه قد ينظر اليها النظرة نفسها عندما تطيل الكلام وتكثر من حركات يديها لتفهمه نقطة ما.

ركزت ادريان افكارها على خطة لاضاءة المكان بينما راح الرجل ينتقل بين الاشجار بنشاط وخفة , ثم همست:

- اظن انني قد عثرت على الحلقة المفقودة.

- ارجوك ان تفعلي كل مافي وسعك ياعزيزتي, عليّ ان اعود الى المنزل الآن.

وجهت السيدة ماننغ كلامها من ثم الى عامل الكهرباء القزم الذي اعتقد انه مهما ثرثرت السيدة ماننغ فانها تظل سيدة محترمة بكل تأكيد.

انجز الكهربائي عمله بعد ساعتين احست ادريان في نهايتهما بالم شديد في رأسها نتيجة تعرضها للشمس الحامية , هذا ما اكدته لها السيدة ماننغ التي نصحتها ان تخلد ساعة الى الراحة, ضغطت على صدغها حيث كانت مطرقة حادة تضرب بعنف متواصل داخل رأسها , وافقت سيدة سارانغا رأيها:

- لعلك على صواب يا سيدة ماننغ , لا اعتقد انني اشكو الصداع , فانا اعرف اعراضه التي انتابتني مدة اربع سنوات.

استدارت نحوها بقلق, قالت:

- هيا الى المنزل ياعزيزتي, انك شاحبة.

عبرتا الشرفة الباردة الى البهو حيث جعلت السيدة ماننغ رفقيتها تنتظر لتعود اليها بعد قليل بكوب ماء وحبتين من عقـار مسكن , قالت:

- خذي هذه واستلقي بعض الوقت, لقد اتعبتك في العمل, وهذا ما عبر عنه غرانت ايضاً.

توجهت ادريان الى الباب وهي تطمئنها :

- ابدا ياسيدة ماننغ الا ان الشمس حادة هنا, لا تقلقي, فالدواء كفيل بازالة الالم.

لوحت السيدة ماننغ لها بيدها ضاحكة وهي تقول:

- آمل ذلك ياعزيزتي, لعلني سأتبع النصيحة التي قدمتها اليك واخلد الى الراحة انا ايضاً.

انزلت ادريان الستائر المعدنية في غرفتها , ثم جرعت حبتي المسكن, واستلقت على فراشها واغمضت عينيها.

غربت الشمس قبل ان تستيقظ وتنظر الى الستائر بدهشة , لايمكن ان يكون الوقت قد مر بهذه السرعة , تطلعت الى ساعتها , انها السادسة, في أي حال لم تعد تحس بالالم في رأسها .

رشت الماء البارد على وجهها, وسرحت شعرها الذي اسدلته, ثم وضعت بعضاً من احمر الشفاه, احست عندئذ بتحسن وتألق عظيمين, ولكن كيف يمكنها ان تنجز كل ماعليها من المهمات؟.

اعربت السيدة ماننغ خلال العشاء عن ارتياحها للتحسن الذي طرأ على ادريان , اوضحت لها تصميمها على مساعدتها لأنه لابد ان يكون هنالك شيء ماتفعله.

ضحكت ادريان واجابتها:

- بامكانك ان تقطعي الاوراق ثم اتولى انا ترتيبها , انه عمل بسيط يبعث على الملل.

- سواء كان يبعث على الملل ام لا, فاني عازمة على ان اجربه.

صدقت في وعدها, وسعت الى مساعدة ادريان الا ان المخابرات الكثيرة التي تلقتها من عضوات اللجنة قاطعتها باستمرار , فاقتنعت ادريان انها كانت ستنجز العمل بسرعة اكبر لو عملت بمفردها, خاصة وانها اعتمدت على السيدة ماننغ في قص البتلات.

عند التاسعة والنصف احضرت ادريان القهوة فيما اخفقت رفقيتها باخفاء تثؤبها وحذرتها :

- الواقع اني لا اعرفك جيداً, لكي احذرك ان كثيراً من الاسئلة ستوجه اليك عن طريقة صنع ازهارك الجذابة للغاية.

- لا تخشي شيئاً , اني مستعدة ان يلتقط لي بعضهم صوراً وانا اصنع الازهار.

- الصور! بالطبع! انك خير من يظهر في الصور.

تلاشت ابتسامتها وقالت:

- لا اقصد ذلك ياسيدة ماننغ.

- بالطبع ياعزيزتي, لقد حولتني حفلة الشواء هذه الى مجنونة.

----------------------------

وضعت فنجانها على الطاولة , ووقفت وهي تبتسم للفتاة, قالت:

- ارجو المعذرة يا ادريان, لقد نعست كثيراً, لا تطيلي السهر لان امامنا اياماً مزدحمة بالعمل , تصبحين على خير.

ظلت ادريان تعمل وحدها في البهو الصامت, تكاثرت الازهار بين يديها, فقد كانت تقص البتلات وترتبها ثم تلفها على الاوتاد وتشد الازهار قبل ان تضعها حولها , قررت ان تصنع خمساً وعشرين زهرة اخرى قبل ان تنام الا انها اسندت رأسها بعد قليل الى ظهر الكرسي وطرفت عينيها لتطرد منها النعاس, لكن سلطانه قهرها.

رجع غرانت بعد الحادية عشرة الى المنزل ليجد البهو مضاءاً, توجه نحوه متسائلاً عن هوية الساهر, وقف عند العتبة حين لمح ادريان نائمة بين مصنوعاتها كما لو كانت احدى الزهرات, اطفأ الثريا, وتقدم منها على نور المصباح الصغير ليطوقها بذراعه, استيقظت مذعورة وهمست:

- هل رجعت ياغرانت؟

لم يجبها , بل حملها بين ذراعيه كما لو انه يحمل طفلاً, ولم يظهر رغبة في انزالها الى الارض, واحتجت قائلة:

- هذا لا يليق برجل الاعمال.

سخرت عيناه منها واجابها:

- لكننا لم نعقد اتفاقاً كاالذي يعقده رجال الاعمال يا آنسة برنت , اليس كذلك؟

ازداد البريق في عينيه لمعاناً, فسترت وجهها بيدها , رفعها الى اعلى واقترب منها, وسألها: ماذا تفعلين؟

تعاظمت حمرة خديها , وردت:

- لا تسألني...

ساد صمت غريب قبل ان يحني غرانت رأسه ويقبل خدها , وقال لها قبل ان تعترض على تصرفه:

- هكذا اقبل الاطفال عادة.

انتابتها ارتعاشة حادة , حين لمست شفتاه مؤخر خدها, احست معها ان قبلة الاطفال هذه تكاد تدمرها , وصرخت :

- انزلني الى الارض ارجوك.

بدا للحظة انه سيرفض طلبها, لكنه سرعان ما انزلها على الارض, عندئذ حاولت ترتيب زهورها , لكنه نهاها عن الامر لأن بامكانها ان تفعل ذلك في صباح الغد.

اطاعت رغبته وودعته بسرعة.

----------------------------



التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 17-06-16 الساعة 09:07 PM
Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-06-16, 06:04 PM   #9

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

6- اعترض على ثوبها (في الحفلة), لأنه لم يرد ان يشاركه احد في النظر اليها, وحين أوقعتها فيرا عن الفرس, وجد نفسه يعترف بحبه لها, بعد ان كشفت له, وهي تصحو من الغيبوية , الحقيقة كلها!
مرت الايام التي سبقت حفلة الشواء بسرعة, كان عدد المدعوين مئتين ووقع عبء تنظيم الحفلة على كاهل السيدة ماننغ, وهي بدورها اوكلت كثيراً من المهمات الصعبة الى ادريان التي اظهرت رغبة وكفاية عظيمتين, ذات صباح قالت السيدة ماننغ لغرانت:
- لست ادري ماذا كان يمكنني ان افعل لولا سكرتيرتك العزيزة.
الواقع ان ادريان رددت بكل تواضع صدى الفكرة ذاتها علماً ان ماريون شاركت بدورها , وكثيراً ماحضرت الى سارانغا, اما كريستوفر, فكان كثير المشاغل تماماً كغرانت الذي كان يفاوض من اجل بيع جواده الممتاز, ماونتن غولد.
اطل صباح السبت. وهو يوم الحفلة, مشرقاً صافياً, كان الجو في احسن حالاته ومناسباً لاقامة حفلة الشواء, لكن المرء لا يستطيع الوثوق تماماً بالنشرات الجوية, رتبت أدريان الازهار في مواضعها قبل الغداء, وكانت المقبلات من اشربة واطعمة قد نظمت قبل ذلك بكثير, ناسب ذلك السيدة ماننغ ومساعدتها الشابة لأنهما اجهدتا نفسيهما في العمل.
بعد الغداء خرجت ادريان لتتفحص بمساعدة ماريون كل الترتيبات التي انجزتها في الصباح, وفيما هي تهم بالعودة بين الطاولات, خرج غرانت من المنزل وناداها.
اتكأت على تعريشة وانتظرته في الظل حيث البرودة لم تمنع ثوبها من الالتصاق بجسمها, حين اقترب منها , ركزت عينيها على وجهه الهادئ فخيل اليها انه لم يعرف لحظة استرخاء كهذه منذ سنوات, قالت:
- ماذا تريد؟
صمت لحظة وهو يتأمل حمرتها الخفيفة , استند الى التعريشة, ولمس غطاء الطاولة , وقال:
- ادخلي واستريحي, ان هيلن ترتاح ايضاً, وعليك ان تقلديها, لقد تحملت الكثير من العناء في حين انه كان على هيلن ان تعتمد على خدمات نساء اخريات .
ها انه ينتقد السيدة ماننغ وعليه وجدت نفسها تسند رأسها من دون تفكير على ذراعه التي طوقتها وساعدتها على العودة الى المنزل, لم يصل رأسها على مستوى كتفه, فنظر اليها مندهشاً وقال:
- انك اقصر من العادة.
- لأن صندلي بدون كعب.
تطلع الاثنان الى قدمها الصغيرة المطوقة بسيور جلدية ضيقة مصممة على شكل صندل وقال لها بشرود:
- ياللرجلين الرائعتين!
- انك لطيف للغاية, لاشك ان هذا من اثر الحفلة عليك.
شد ذراعه حولها وخاطبها بلهجة الهبت مشاعرها:
- من اثر الحفلة وهي لم تبدأ بعد؟
لم تستطع ان تقدم جواباً لملاحظته, قررت بحكمة المحافظة على صمتها. وصلا الى المنزل فاتجه بها الى غرفتها قبل ان ينطلق الى المكتب ويأمرها:
- نامي حتى السادسة لأن لديك وقتاً طويلاً.
التفت بعباءة واستلقت على السرير ثم ادركت انها لن تنام بسهولة, الا انها سرعان ماغفت, دقت الساعة القديمة في القاعة الخامسة والنصف قبل ان تستيقظ فجأة وعلى نحو تام , لماذا لا تستحم ببطء بدل ان تأخذ دوشاً سريعاً؟
ملأت حوض الاستحمام بالماء الساخن , وسكبت فيه كمية كبيرة من صابون الاستحمام السائل الثمين الذي اهدي اليها في عيد ميلادها.
تصاعد البخار عطراً تفوح منه رائحة الغاردينيا, استحمت على مهل ثم رشت على جسمها بعض البودرا والتفت بالعباءة لتتمكن من ترتيب زينتها .
-------------------------
استرد وجهها الشاحب نضارته, طلت وجهها بلون واحد مناسب , ثم اضافت كحلاً الى سواد اهدابها قبل ان تضع على شفتيها احمر شفاه قرنفلي لماع, قررت ان ترفع شعرها عن وجهها وترتبه بحيث يتدلى كالجرس على عنقها , فهكذا يناسب زينتها وثيابها كما يبرز قرطها المصنوع من ذهب طروق, والطويل المتدلي تبعاً للموضة, لن يتصور احد انها ورثت حلقها هذا عن جدتها كما ورثت كل حليها التي قدرتها كثيراً واعتنت بها كل العناية , فلم تسمح لبريقها ان يخبو نتيجة حفظها في علبة مخملية سوداء قديمة, وطالما ارتدتها فضاعف جمالها من جمال هذه الجواهر القديمة.
ادخلت الحلق في موضعه, واثبتته ثم راقبته يهتز, بدا كما لو انه جزء من اذنيها, فاضفى بريقاً على وجنتيها, وضاعف من حسنها النضر.
ابتعدت عن المرأة قاصدة الخزانة لارتداء ثوبها الحريري الاسود المزين بخطوط بنية وذهبية, لبسته بسرعة ورفعت سحابه الممتد على ظهرها شبه العاري, ثم اندفعت الى الخارج.
تألق المنزل فرحاً وحبوراً, حثت الخطى الى ان بلغت القاعة حيث وقفت تتأمل الزنابق الكبيرة الموضوعة في حوض نحاسي ضخم اقنعت غرانت بادخاله الى المنزل , كان منظر الزنابق رائعاً, فزاد زينة المنزل رونقاً وجمالاً نظراً الى طول الازهار الشديد والوانها القرمزية الفانية والصفراء الفاقعة التي تتوسطها بقع بيضاء, أما شذاها فعاطر يملأ الجو طيباً وسحراً.
لم تطل وقفتها لئلا تكون السيدة ماننغ في حاجة اليها , رأتها في الخارج تتحدث الى غرانت الذي بدا اشد وسامة واناقة في بلوزته البيضاء الايطالية المنشأ وبنطلونه البسكوتي اللون, طفح وجه السيدة ماننغ بشرا اذ رأت مساعدتها الشابة فيما قطب غرانت جبينه وصرخ:
- عليك ان تغيري ثوبك هذا يا ادريان.
اعترضت السيدة ماننغ وقد دهشت:
- ماذا تعني ياعزيزي؟ انها رائعة.
- انه ليس ملائماً , هذا كل مافي الامر.
تجمدت ادريان , وعلت الحمرة وجهها قبل ان تسرع هاربة الى غرفتها ويشاهد رفيقاتها الدموع تنهمر من عينيها, اضطربت السيدة ماننغ وقالت:
- كيف تجرؤ ان تفعل ذلك ياغرانت؟ انها رائعة حقاً.
- هذا مادفعني الى التصرف بهذه الطريقة, سيحضر الجميع مكان المنطقة الى هنا الليلة, ولن يحولوا ابصارهم عن ادريان حتى وان كانت اقل اناقة وحسناً.
تنهدت السيدة ماننغ عميقاً وقالت:
- الافضل ان تلحق المسكينة لأنك آذيت مشاعرها علماً انها كانت غاية في اللطف.
استدارت بغية اللحاق بها , غير انه ابقاها في مكانها موضحاً:
- سالحق بها انا ياهيلن, الافضل ان تلقي نظرة اخيرة على كل ترتيباتك.
قبلت مكرهة واتجهت صوب المطبخ لاجراء مشاوراتها الاخيرة مع السيدة فورد.
اما هو , فقرع باب ادريان مردداً:
- هل انت هنا يا ادريان؟ ارجو ان تحديثني.
لم يسمع جواباً من داخل الغرفة , قرع الباب ثانية وصرخ:
- افتحي الباب يا ادريان.
تعاظم الصمت داخل الغرفة , فازدادت نبرته حدة:
- آمل الا يكون الباب مقفلا يا ادريان لأني ساقتحم الغرفة عليك.
انفتح الباب امامه ودخل الغرفة ليجدها جالسة على طرف السرير مكتئبة وقد خفضت رأسها اللماع , ناداها فلم تجبه, تقدم نحوها وجلس بجانبها على السرير , اشاحت بنظرها عنه وقد صممت الا تحدثه , قال متلعثماً:
- اسمعي ياصغيرتي . ارجو المعذرة لوقاحتي الآن , انني لم اقصد.... انك تبدين رائعة, لكن هذا الثوب... انه مثير.
لم تحرك رأسها باتجاهه فمرر اصبعه بهدوء على ظهرها, اضطربت فقال لها:
- هل تفهمين الآن؟
- لا اتصور ان احداً يفعل مافعلته...
قالت له ذلك, ثم خفضت رأسها ثانية, وكادت دموعها تنهمر محدداً, اوضحت:
- الحقيقة انك اخجلتني كثيراً, وشعرت اني لم احسن اختيار ملابسي.انا واثقة انني اكرهك.
--------------------------
اوقفها صارخاً:
- كفى عن هذا الهذيان, لم يكن الامر سيئاً الى هذا الحد. سيحضر كثير من الناس الليلة الى هنا, لذلك اريدك ان ترتدي ثياباً محتشمة, البسي الثوب الذي لبسته ليلة سهرنا مع ماريون وكريستوفر , انه جميل.
شد ذقنها نحوه فارتعش فمها , عندئذ قائلاً:
- هيا, ارتدي ثيابك, اني رجل وقح, لكنني لم اقصد ايذاءك. اسرعي لأن هيلن قد تحتاجك.
خرج فيما توجهت الى الخزانة واخرجت منها ثوبها القشدي اللون, مئات المدعوين في الحدائق مع اطفالهم, وانارت الطريق الخاص الموصل الى سارانغا المصابيح المضاءة في عشرات السيارات, رأت ادريان كل ترتدي ثياباً غير رسمية, فاستاءت خاصة عندما شاهدت فيرا ترتدي ثوباً اشد عرياً من ثوبها الاسود.
بعد نصف ساعة اضطرمت النيران وازدادت حمى الهياج اذ اخذ المدعوين يلتهمون طعامهم بسرعة مذهلة جعلت ادريان تحس ان لا وقت لديها للتمتع بالحفلة, وكانت السيدة فورد ترحب بمساعدة الاخرين لها, وجهت تعليماتها بسرعة الى ادريان قبل ان تعمل على اعداد مزيد من السلطة في طبق كبير , قالت:
- احضري قوارير البصل والخيار المخلل وافرغيها في الصحون , ارجوك ان تعتني بالزيتون كذلك.
فعلت ما امرتها به, وحملت الصحون الى الطاولات حيث وجدت ان الخردل والمقبلات قد بدأت تنفذ , فعادت الى المطبخ لاحضار المزيد.
دقت الساعة الثامنة والنصف ولم تكن قد تناولت لقمة واحدة, اما فيرا تقرب الطعام تماماً كالسيدة ماننغ التي غرقت في محادثة طويلة مع عجوز مخيفة كانت ترتدي بزة قرنفلية حمراء, وتصبغ شعرها بلون قرنفلي غريب, لقد اكتشفت ادريان بعد ذلك ان تلك السيدة الغريبة الاطوار هي من اغنى نساء استراليا.
كانت تعد مزيداً من السلطة عندما اوقفتها فيرا قائلة:
- انها سلطة دسمة اليس كذلك؟
ضحكت ادريان بينما تناولت فيرا حصة كبيرة من السلطة والمايونيز, في هذه الاثناء دخل بين الفتاتين ابن دونالدسون الاصغر, ورمى بعض الصلصة على مقدم عباءة فيرا التي انتفضت بعنف وامسكته بكتفه صارخة:
- ايها الوحش الصغير القذر!
فغر الصغير فاه ظناً منه ان المرأة ستلتهمه, اما هي فاستشاطت غضباً والقت ابن الخمس سنوات ارضاً وهي تصيح :
- ساعدوني بحق السماء!
لم يبك الصغير, فلم يكن من ادريان الا ان اندفعت نحوه واوقفته مثنية على جرأته:
- هذا رائع ياصغيري, لابأس عليك!
ركز الصغير نظره على وجهها المبتسم, ورفض ان ينظر الى فيرا, ربتت ادريان على كتفه ونظفت الغبار عن ملابسه, ثم ارسلته الى اهله, بعد ذلك التفتت فيرا صارخة في وجهها:
- ايتها الشريرة!
صاحت فيرا في غضب مجنون:
- ماذا تقولين؟
- لاشك انك سمعت ماقلته, هذه هي الحقيقة.
- انتظري حتى يسمع غرانت اقوالك.
- حيتث يسمع غرانت ماذا؟
حول عينيه الرماديتين من ادريان الجاثية على ركبتيها الى فيرا التي بهت وجهها, تقدم من الاولى وساعدها على الوقوف, اما فيرا فخاطبته بنبرة حزينة بينما مسحت يدها دمعة مزعومة وقالت:
-الامر بسيط يا حبيبي, ان الآنسة برنت تستغل كل مناسبة لاهانتي, لعلك تجبرها على الاعتذار مني.
ضغط يده على كتف سكرتيرته وقال بهدوء:
- اعتذري لأنك ناديت فيرا (شريرة)!
جفلت الفتاتان لانه سمع مادار بينهما من حوار ولم تتوقع ادريان ان يكون قد رأى شيئاً, تقلصت عضلاتها تحت يده, لكنه لم يرفعها, ظلت صامتة وهي تردد بينها وبين نفسها:
- لتلعني السماء اذا فعلت.
-----------------------
تعاظم ضغط يده بحيث جعلها تقول:
- ارجو المعذرة لوصفي اياك بالشريرة يا آنسة ستيرلنغ.
تكلمت كما لو انها كانت آسفة على اعتذراها, ياللمجنونة! او تعتبر ذلك اعتذراراً؟ انزل غرانت يده الى جنبه واتجه الى فيرا الثائرة, ثم دفعها الى حلبة الرقص بدون ان يلقي نظرة واحدة على سكرتيرته.
وجدبتادريان نفسها بعد قليل غاضبة ولم تقو على تناول لقمة واحدة من الصحن المليء الذي احضره لها كريستوفر, قال متذمراً:
- كم اتمنى ان اجلس معك ياحبيبتي, لكن ينبغي ان اعود الى عملي.
مع ذلك جالسها بعض الوقت يحادثها ويسايرها قبل ان يرجع الى خلف المقصف المؤقت, من المؤكد انه هدأ روعها .
عندما تقدمت السهرة اقتربت تامي من ادريان وجلست بجانبها تقول:
- اخبرني روي عن السيدة الجميلة, فعرفت انها ليست فيرا , ان فيرا شريرة الى اقصى الحدود.
من الواضح ان آراءهما حول فيرا قد تطابقت كلياً, تراجعت تامي الى الوراء, فسطعت الاضواء الملونة على وجهها الفتي المضطرب ثم سألت ادريان:
- اعلم انه من الوقاحة ان احدثك بهذه الطريقة لكني ارتاح اليك, ما رأيك بكريستوفر؟
توقعت ادريان ان تسمع هذا السؤال من رفقيتها. استدارت نحوها وقالت:
- اني اقدره كثيراً يا تامي, ارجوا ان يكون هذا قصدك.
عضت شفتها واجابت:
- هذا هو قصدي, اني سعيدة, تعلمين انني اريده, اليس ذلك جنوناً؟ انه يبدو كما لو انه لا يراني خصوصاً عندما تكونين بقربه, ان فيك بعض السحر .. بل الغموض.
اي غموض؟ ان ثمة شخصاً واحداً على الاقل يستطيع ان يقرأ افكارها وكأنها مخطوطة في كتاب مفتوح, انفجرت ضاحكة وقالت:
- بحق السماء , لا تقولي غموضاً!
التفتت تامي بعصبية الى ادريان التي بدا عليها التأثر, اكدت:
- بل غموض! غموض كالذي تشاهده في لوحة الموناليزا.
املت ادريان الا تشبه ابتسامتها ابتسامة الموناليزا الحائرة, اما تامي فرددت بيأس:
- لاشك انك ستعلمين ماذا اقصد عندما ترين نفسك.
ردت وهي تقاوم رغبتها في الضحك:
- اسمعي ياتامي, ربما كان من الخير لك ان تعدلي في اسلوب تعاملك مع كريستوفر , انه يعتبرك جزءاً من طفولته, ابنة جيران عادية لا اكثر ولا اقل . لعله من الواجب ان تبدي اكثر .. اكثر غموضاً.
- او تعتقدين ان ذلك نافع؟
الحقيقة ان ادريان لم تعتقد شيئاً او تعرف شيئاً, بل رأت ان المحاولة جديرة بالاهتمام, قالت:
- ارتدي ثوباً جميلاً عندما يزوركم كريستوفر بدل الجينز والبلوزة, لا تحسبي ان ارتداء الجينز والبلوزة كما هي حالك الآن, امراً ينقص من اناقتك, الا اني واثقة انه ليس ثمة رجل يفضل ان ترتدي المرأة بنطلوناً بدل الثوب, ينبغي ايضاً ان تعتني بزينتك, ان كل ماتحتاجيه هو بعض التمويه.
لما كانت تامي ترتدي الجينز والبلوزة دائماً ولا تستعمل سوى مسحة خفيفة من احمر الشفاه ومواد التجميل الاخرى ولا تعتني بعينيها, قدمت لها ادريان بعض النصائح المفيدة, نظرت تامي الى رفقيتها الجادة, وقالت :
- اؤكد لك انك من اكثر الناس تواضعاً, لقد عرفت كثيراً من الفتيات اللواتي لا يدانينك من حيث جمالهن واناقتهن لكنهن يعتبرن انفسهن فاتنات.
- ليست الظواهر والمظاهر اهم مافي الوجود لكنها تساعد بكل تأكيد, ان كريستوفر يحتاج فتاة مثلك وماعليك الا ان تفهميه ذلك, استعملي معه المكر حتى تفتنيه.
تمنت لو تضحك, اما تامي , ففعلت ورددت :
- ماالطفك!.
------------------------
وقف غرانت خلفهما وقال:
- ما اغرب الاقوال المتناقضة التي يسمعها المرء في امسية واحدة!
استدارت تامي لتحدثه بعد ان وقفت بغية اعطائه مكانها:
- مرحباً ياسيد ماننغ, انها سهرة رائعة, لاشك ان اللجنة ستثري من ورائها ..الى اللقاء يا ادريان, ساذكر كل ماقلته لي.
لوحت لهما بيدها فرحة قبل ان تتوارى بين الحدود , سألها غرانت:
- ماذا قلت لها؟
حاولت ان تقف وهي تجيبه بشيء من الغضب:
- لا اظن ان ذلك يهمك.
ضغط عليها بحيث ابقاها في مقعدها وقال:
- اجلسي ياصغيرتي, تعلمين اني كنت اتحدث الى ثريتنا الكبيرة, وانا احتاج الآن بعض الهدوء.
علقت ساخرة:
- اعرف فقد رأيتكما, كنت تبدو وكأنك تتحدث الى الناس امتاعاً.
- انها غريبة الاطوار يجب ان اعرفك بها.
تحركت بارتباك خصوصاً انها لم ترغب في التعرف الى السيدة الثرية, قالت:
- عما تريدنا ان نتحدث الآن ؟ او تبغى ان نناقش تقليعات الليلة الغريبة هنا؟ لاشك انك لاحظت بعضها.
اوضح بجفاء بالرغم من مرحه:
- انها لا تشبه بعضها.
تحركت مجموعة من الاولاد في الطريق الخاص الموصل الى سارانغا بعيداً عن انظار والديهم, وقف غرانت ومد يده اليها قائلاً:
- هيا نذهب الى بركة الزنبق حيث الجو اكثر هدوءاً؟
امسكت بيده المدودة وسارت بجانبه الى خارج دائرة الضوء, قالت في الطريق:
- لم ار السيدة ماننغ منذ بعض الوقت.
- دخلت غرفتها لتستلقي قليلا بعد ان ادت قسطها للعلى, ان هذا النوع من النشاطات لايتلاءم مع شخصيتها.
تجمد الدم في عروقها وصاحت:
- يا الهي !.
ادراها نحوه وسألها :
- ماذا جرى؟.
اجابت بصوت مرتجف خائف:
- لقد قفزت ضفدعة لعينة فوق قدمي.
افلتها ثم كرر العبارة متمهلاً حتى يتمكن من فهمها, ابتعدت عنه وصاحت:
- اني اكره الضفادع . اني اكرهك, لقد كانت سهرتي كريهة.
ضحك بهدوء واقترب منها طويلا مزعجاً مقيتاً, اطبقت يداه على كتفيها الدقيقتين وادارها نحوه قائلاً:
- ترددين دائماً انك تكرهينني ياصغيرتي, فماذا افعل حتى ارضيك واغير رأيك؟
بدا في نور القمر شخصاً غريباً شديد اليأس والعزم , خافت وافلتت من قبضته بين الاعشاب الخضراء الكثيفة من دون ان تأبه للضفادع او غيرها .
بدت السيدة ماننغ في صباح اليوم التالي متهللة وقد نسيت الساعات الطويلة التي انضتها في اعداد الحفلة , وانشغل فكرها بالمشروع التالي لجمع الاموال , جلست ادريان تصغي مذهولة الى حديث رفقيتها:
- تصوري ياعزيزتي اننا جمعنا الفي دولار بينها هبة كبيرة.
لم تكن بحاجة الى التفكير مرتين باالواهب, انها السيدة ذات الشعر الاحمر القرنفلي اغنى نساء استراليا, لم تحضر تلك المرأة الى الحفلة بشعرها الاحمر القرنفلي فقط, بل وبقبعة حمراء قرنفلية تلائمه, لقد اضاف وجودها على الحفلة غرابة فوق غرابة.
همت ادريان بابداء ملاحظة حول صاحبة الشعر الاحمر لولا ان الاخيرة اقتحمت الباب الزجاجي برفقة فيرا في الوقت المناسب, لقد حافظت على لونها اذ ارتدت بلوزة حريرية قرنفلية وتنورة طويلة من اللون نفسه, من الممكن ان تضيفي هذه الثياب جمالا وحسناً على عروس شابة , لكنها لم تفد صاحبتها في شيء, لم تدر ادريان ان ضيفتهما نامتا في سارانغا وذلك لأنها اوت الى فراشها عند الساعة الواحدة في حين كانت الحفلة لا تزال في اوجها.
نطقت السيدة الحمراء فلم يطابق مظهرها صوتها , انه صوت رخيم تتم نبرته عن تهذيب صاحبته وانضباطها , اما عيناها فتبدوان عن قرب ثاقبتين حادتين.
------------------
قالت:
- صباح الخير ياصبية, اخيراً التقينا.
وقفت ادريان احتراماً لها, فلوحت لها بالجلوس والقت بنفسها فوق احد المقاعد , راقبتها ادريان باعجاب وهي تخرج اداة صغيرة لامساك السجائر وتملأ الدنيا شهيقاً وزفيراً قبل ان تشعل واحدة , ركزت اهتمامها ثانية على ادريان , وضربت الهواء بيدها قائلة:
- عرفيني بنفسك ياصغيرتي, لقد سألت عن هذه الحسناء طوال الليلة, لكن احداً لم يجد الشجاعة الكافية لاعلامي بهويتها.
نفت السيدة ماننغ مزاعمها واعترضت بلهجة شديدة:
- ليس ماتقولينه صحيحاً ياليلا, لقد اكدت بوضوح انها سكرتيرة غرانت وساعدي الايمن.
اسكتتها بحركة من يديها المزينتين بمجموعة من الجواهر الاسترالية النفسية.
وقالت ثانية:
- عرفيني بنفسك ياصغيرتي.
ارتبكت ادريان قليلاً الا انها صممت ان تلبي رغبتها وتطلعها على الحقيثقة كاملة.
قالت:
- اسمي ادريان برنت , عمري اثنتان وعشرون سنة , اعمل هنا سكرتيرة للمنزل بغية الابتعاد عن سيدني لسبب او لأخر.
رفعت ليلا يدها في حركة مسرحية رائعة , ثم سردت قصة الفتاة وسيرتها ببلاغة صحفي ماهر , اوضحت:
- انني اعرف قصتك , اني اعرفها , لكل منا قصته , انت ابنة صاحب شركة برنت انجنيرنغ, لقد تزوج والدك من مادلين هاملتون الحسناء, توفيت والدتك منذ عشر سنوات .. حادث مفجع! تزوج جون من سكرتيرته.. يالها من امرأة شريرة!
- ليست سكرتيرته.
هذا هو خطأ العجوز المخيفة الوحيد , اما بقية القصة فتعرفها بدقة .
غرقت ليلا في التفكير فيما استرجعت قبل ان تقول :
- لايهم, انني اتذكر هذا الوجه.. انني واثقة اني رأيته من قبل, سيلين هاملتون , هي بالضبط , انك تشبهينها كثيراً, لكنها كانت متعجرفة للغاية.
لم يكن بوسع ادريان ان تنكر هذه الحقيقة, فطالما برزت هذه التعابير على وجه جدتها, التقت نظراتها بنظرات السيدة العجوز, واعجبت هذه الأخيرة بما رأته, ان ثمة شبه كبير بينها وبين جدتها, لكن الفتاة تتمتع بحيوية ونضرة ورقة لم تكن سيلين هاملتون تحاول اظهارهما امام العامة على الاقل, قالت ليلا:
- اعتقد انك لا تشبهينها في طبعها وعجرفتها.
استاءت فيرا لان ادريان الماكرة افلحت في كسب ود ليلا العجوز, كما وقعت السيدة ماننغ ضحية لمكرها, اما هي فأخفقت في استمالة السيدتين غيرة مرة, لابد انها لا تملك خبرة ادريان ولا تعلم علمها , وفي حين ان فيرا لاتعمل شيئاً الا لغاية مبيتة, فان لطف ادريان وظرفها يحث الاخرين على ملاطفتها ومسايرتها , ان الامر ليس طبيعياً, او هكذا تصورت فيرا, دخل غرانت الغرفة, فبادرته العجوز بالقول:
- طالما وصفتك بحصان اسود ياغرانت.
- حاذري في كلامك يا ليلا والا اسرجت حصاناً يحملك بعيداً.
اخفى مزاحه بعض الجدية, تحولت عينا العجوز الشريرتان الى ادريان التي خافت مما سيحدث , تقدم غرانت من العجوز وامسك احدى يديها المثقلتين بالجواهر وقال:
- هل سمعت ايتها الشريرة؟
لم تتأثر بكلماته , بل اجابته ضاحكة:
- لن تسحرني ياعزيزي ولا استطيع ان الومك.
وفجأة طبعت قبلة على خده تقبلها برضى كامل, تحول بعد ذلك الى الفتاتين قائلاً:
- سيحضر كريستوفر بعد الظهر للخروج بالجياد, فان شئتما نخرج معاً ونترك عجائزنا للعب الورق.
-------------------------
لما علمت ادريان ان ليلا المتحمسة للعب الورق كانت قد رتبت جلسة بريدج لفترة بعد الظهر , ارتبكت قليلا, صحيح ان معاشرة كريستوفر امر سهل, لكن الخروج مع غرانت ركوباً قد يكون امراً متعباً, فهو سيثيرها وهي المبتدئة في علم الفروسية وبين ثلاثة فرسان مهرة, اوضحت له الامر بعد قليل بقولها:
- ربما كنت عبئاً عليكم.
- لم تكوني كذلك بالنسبة الى كريستوفر, سوف نتدبر الامر ياصاحبة القلب الرقيق.
- ماذا تقصد؟
تحاشى الاجابة المباشرة , وقال:
- اولست كذلك؟
اطالت النظر اليه قبل ان تبتعد عنه مترددة وهي توضح قائلة:
- انك موهوب في تعذيب الآخرين, احذرك سلفاً ان انت قلت كلمة واحدة مزعجة عن قدرتي على الركوب, سوف اترجل عن الحصان واحاول ان اعود ادراجي الى المنزل مشياً...
خرج غرانت وفيرا وادريان الى الاصطبل بعد الغداء حيث كانت ليلا قد املت عليهم بعد المقتطفات من نشرة البورصة, اما كريستوفر فقد سبقهم الى المكان واسرج الاحصنة, لما رأته ادريان مكباً على عمله بادرته بالقول:
- ارتفعت اسهم شركة غولدسيورو ونقطتين, يبلغ ثمن كل سهم من اسهم كاسلريدج دولارا ونصف دولار.
رفع بصره اليها مذهولاً, لكنه لم يلبث ان فهم الامر فقال:
- هل باتت ليلا العجوز ليلتها هنا؟ ربما كان عليك ان تصغي اليها, فهي تملك اربعة ملايين دولار على الاقل كما يقولون.
ضحك ثم امسك الركاب لتمتطي السرج فصرخت:
- لا تمزح ياكريستوفر لأني مضطربة اليوم.
تقدم غرانت وفيرا رفيقيهما, لم تظهر فيرا ظهر هذا اليوم عداءها لأدريان كما اظهرته في الليلة الماضية لأنها ادركت من نظرة واحدة ان غريمتها لا تزال في المراحل الاولى لتعلم الركوب, ابتسمت لغرانت ابتسامة عذبة احتفظت له بها وقالت:
- احسب ان كريستوفر وادريان سيكونان زوجين رائعين علماً ان الآنسة برنت قد لا تكون زوجة مزارع صالحة.
القى نظرة باتجاه ادريان التي كانت تضحك لرفقيتها ورد:
- ان جمالها ينسيك اي عيب فيها, هذا اذا كان في هذه الفتاة القديرة اي عيب.
صرت اسنانها استياء, وتمنت لو تستطيع القضاء على الآنسة ادريان برنت بضربة واحدة , ليس هذا الجواب الذي ارادت ان تسمعه من غرانت , ولكن ماذا دهاء, في اي حال, تكلفت ابتسامة رقيقة وهي تقول:
- ان ماتقوله يبشر بالخير, فلقد آن الاوان لكريستوفر الطائش ان يستقر.
استدارغرانت على سرجه وقال:
- لا اسمح لك بالتكلم هكذا عن كريستوفر, انه شاب نشيط ومجتهد ويحق لماريون ان تفخر به ايما فخر.
كادت فيرا تصرخ من غيظها خصوصاً انه قلما تعارضت آراؤها مع آراء غرانت, وطالما سعت الى عدم حدوث مثل هذا الامر . سرعان ما انتقلت بالحديث الى مواضيع اقل اثارة, مواشي سارانغا.. هذا امر اتفقا عليه دائماً.
اما كريستوفر وادريان فتبعاهما ببطء وهما يضحكان, والاصح انه كان يتكلم وهي ترغب في الضحك, رفعت ادريان قبعتها عن رأسها بالرغم من حدة الشمس, فداعب النسيم الشعر المنسدل على صدغيها.
ساروا حتى بلغوا مرتفعاً اوقف غرانت حصانه عند اسفله واستدار نحو ادريان أمراً اياها بقوله:
- ضعي قبعتك فوق رأسك مخافة ان تصابي بصداع مع حلول الظلام.
تساءلت اذا كان قد عاد الى تسلطه, وعزمت الا تلبي رغبته, لكنها سرعان ماغطت رأسها بقبعتها العريضة الحافة, انحنى صوبها ليعدل وضع قبعتها القشدية اللوم, ثم تأملها بعينين مرحتين, استدار نحو كريستوفر مبتسماً ليقول:
- انه منظر مضحك الا توافقني على القول ان الدور لا يناسبها؟
---------------------------
وجد كريستوفر نفسه يوافق بالرغم منه, فنقلت نظرها بينهما قبل ان تترجل عن الحصان وتقول:
- اني اخفق بالرغم من محاولاتي المتكررة, لذلك احسب اني ساعود الى المنزل مشياً.
هذه هي فرصتها التي لايمكنها تفويتها, جلست القرفصاء على العشب الاخضر, حثت رأسها فوق ركبتيها فانسدل شعرها جانباً ليحجب وجهها عنهم, ناداها كريستوفر قلقاً فلم تجبه, هل ادركت ان غرانت كان يمازحها لانه لم ينزعج؟ في اي حال, نزل غرانت عن حصانه وتقدم منها ليوقفها , لاحظت انه كبت المرح في عينيه عندما تأملها , قال:
- انهضي! لم تفلحي في اقناعنا.
قالت لكريستوفر وهي تضحك:
- على الاقل , خدعتك انت.
- فعلاً ايتها المحتالة! ما أدهاك!اعتقدت اننا اسأنا اليك اساءة كبرى.
لم تؤيد فيرا رأي كريستوفر , وتكلمت بلهجة مبهمة:
- يمكننا ان نتابع سيرنا اذا كنا قد انتهينا من هذا المزاح المزعج.
سرعان ما احمرت ادريان بينما اجلسها غرانت فوق السرج وطوق خصرها بذراعه قائلاً:
- كفاك هزاراً ياآنسة برنت, اننا لم نخرج اليوم في نزهة ركوب لنتسلى.
اختلست نظرة الى وجهه النحيل الذي بدا لطيفاً وخالياً من التعبير, وتساءلت عما اذا كان يسخر من فيرا.
تابع الاربعة سيرهم, فتحينت فيرا فرصتها للاقتصاص من ادريان لاسيما انها لم تجابه بمعارضة في خلال سنها السبع والعشرين, لقد جمع والدها ثروة ضخمة بعرق جبينه اذ راد هو والده الفقار الشاسعة وحولاها بقوة سواعدهما واحة خضراء, لكنه لم يرد ان يسير ولداه سيرته, فارتكب خطأ بعدم تعريضهما لأي نوع من السلطة الحازمة الابرية او غيرها, لذلك وقفا عاجزين امام اية عقبة تواجههما, هكذا اخفق هاري ستيرلنغ الممتاز في تنمية شخصية ولديه اللذين الا تلقى عليهما كامل المسؤولية .
لمحت ادريان في عيني رفيقتها الخضراوين الحقد عليها, فتأكدت من خطأ موقف فيرا وحبها المجنون للسيطرة والتسلط, لاشك ان فيرا في أواخر عقدها الثالث, وان غرانت منذ طفولته وقد كان امامه متسع كبير من الوقت حتى يخطو خطوة ايجابية باتجاهها, لذا تيقنت ادريان بحدسها وحسها المرهف, بالرغم من تلمحيات فيرا وتحذيرات السيدة ماننغ , انها لم تحل قط بين غرانت وبين قراره بالزواج من الفتاة.
اجتازوا ارضاً خالية من الاشجار في الغابة قبل ان يقصدوا الجدول المحاط باشجار الصفصاف عبر طريق متعرج يشتد انحداره في بعض الأماكن , كان غرانت في الطليعة في حين تولت فيرا المؤخرة, الا ان ادريان تمنت لو ان فيرا تتقدمها.
لكزت فيرا غما بعقب سوطها لكزة قوية لحظة نظر غرانت خلفه ليرى كيف تقدم الآخرون وراءه, لمح فجأة المهرة تنحني وتوقع فارستها غير المجربة, عندئذ دوى صوت كريستوفر في الغابة صائحاً:ادريان! ادريان!.
ترجل غرانت عن جواده في الحال واندفع الى ضفة الجدول حيث تمددت ادريان جامدة بلاحراك, لمسها بلطف فتأكد انها لم تصب بكسور نظراً الى كثافة العشب, غير انها اصطدمت بصخر ازاح شعرها واكتشف مكان الصدمة بسهولة حيث جرح الجلد وتورم, لقد كانت ضربة قوية كافية للقضاء على الفتاة.
احتضن رأسها بين يديه ورفع نظره الى فيرا التي بهت وجهها من شدة الرعب, كانت ملامحه مكهفرة ومخيفة اربكت فيرا المذهولة بسبب سوء مقاصدها ونواياها, يالحظها السعيد! اغمي على الفتاة فقط.
وجهت حصانها نحو المنزل , وتكلمت بمرارة:
- يسهل عليّ ان اعلم متى اغدو شخصاً غير مرغوب فيه, سأغادر المكان في غضون ساعة.
تيقنت ان هذه هي النهاية , فيما لمحته في عيني غرانت ليس سوى قرار نهائي حاسم, صحيح انه لم يفه بكلمة عن زواجهما الا انها اعتبرته امراً مفروغاً منه.
عادت ادريان المستلقية على ضفة النهر الى رشدها واستردت شيئاً من نضرتها, فتطلعت الى غرانت وكريستوفر الجاثمين بقربها وتأوهت قائلة:
- ماذا حدث؟
صعب عليها النطق, غير انها ادهشتهما بضحكها اذ شاهدت الخوف والذعر على ملامحهما, تمنيا لو انها لم تضحك .
------------------------
تكلمت ثانية:
- هل يقول الجميع بعد ان يفيقوا من اغمائهم ماذا حدث؟ لم اؤمن بذلك حتى الآن.
مد كريستوفر يده وربت على خدها . اخفت رأسها في قميص غرانت وتذكرت ماذا حدث , ولكن احداً لم يخبرها اين ذهبت فيرا, تحدث غرانت بسخريته المعتادة:
- سأحملك معي يا ادريان على الحصان لأنك اسوأ فارسة عرفتها, اما انت يا كريستوفر فاسرع بالاتصال بالدكتور ايفانز, لا اعتقد انها مصابة اصابة خطرة لكنني اود ان اطمئن.
قفز كريستوفر فوراً وامتطى جواده, خاطب ادريان المتمرغة في التراب:
- كوني فتاة مطيعة.
استلقت على ظهرها لتجد الالم يزداد في رأسها, ووجه غرانت يختفي عن ناظريها, مدت يدها بقصد لمسه وقالت:
- اني لا اكاد ارى وجهك ياغرانت.
امسك يدها وقال:
- قولي لي متى ترينه بوضوح.
اغمضت عينيها الى ان توقفت الارض عن الدوران, عندئذ فتحتهما لتجد عينيه الرماديتين مسمرتين عليها, واصبعه يداعب وجنتها, تكلمت برقة:
- انني بخير ياغرانت, عاد كل شيء الى وضعه الطبيعي وثباته.
لاحظت ان يعينه اشد ثباتاً واكثر اتساعاً وذلك نظراته كانت مختلفة...انها حزينة تعكس تأملاته, قالت متنهدة:
- اتمنى لو ابقى هنا الى الابد.
- اكاد اقول هذا هو الوضع الذي ارغب فيه.
رفعها بين ذراعيه بلطف بالغ قال:
- سأحملك معي حتى نعود بسرعة كبيرة الى المنزل , استرخي.
اجلسها فوق الحصان ثم ركب خلفها واسندها الى ذراعيه, ادنى فمه الى اذنها هامساً:
- استرخي ياحبيبتي , اغمضي عينيك.
فعلت ما امرها به, لقد اخبرته الحقيقة كلها عندما قالت انها تتمنى ان تبقى بقربه الى الابد الا ان الألم الشديد في رأسها لم يسمح لها ان تتحقق مما اذا فهم قصدها ام لا, ضغط ذراعه حولها وادار حصانه نحو المنزل.
عندما بلغت فيرا المنزل كان شعورها بالذنب قد تحول غضباً وضيقاً.تطلعت اليها لاعبات البريدج مذهولات وادركن ان ثمة ماينبئ بحلول كارثة, تأملت السيدة ماننغ وجهها المتوتر وسألتها:
- ماذا جرى يافيرا؟ ماذا حدث؟ اين الآخرون؟
احست فيرا ان ليس هناك داع لممالقة السيدة ماننغ, فاقتحمت الباب الزجاجي متجاهلة سيدة سارانغا بكل وقاحة ولم تلقي نظرة واحدة باتجاهها, اكدت ليلا:
- يسعني التأكيد ان آمالي اللعينة قد خابت.
عندئذ اصابت ليلا نوبة سعال حادة تذكرت معها قول طبيبها قبل ثلاثين سنة انها لن تعيش اكثر من ستة اشهر, التفتت اليها السيدة ماننغ بخوف, توقفت عن السعال صارخة: العبي الورق ياهيلن.
لم ترد ان يفسد الحديث عن فيرا جلستها فعادت السيدة ماننغ الى اللعب خصوصاً وان احداً لا يجادل ليلا.
بعد عشر دقائق تقريباً ارتقى كريستوفر السلم قفزاً , كانت هذه النهاية, اشمأزت ليلا لأنه لم يعد امامها مجال لاسترداد خسارتها, فضربت الورق على الطاولة وصاحت:
- من الأفضل ان نتوقف عن اللعب.
اما السيدة ماننغ فكانت قد ملت اللعب منذ وصول فيرا التي شاهدت السيدات سيارتها المرسيدس من النافذة تسرع لاجتياز الممر, تراجعت ليلا في مقعدها واسندت ظهرها قبل ان تشعل سيجارة وتقول:
- اخبرنا ماذا حدث يابني.
استدار كريستوفر نحو السيدة ماننغ قائلاً:
- سقطت ادريان عن الحصان.
----------------------------
تبدلت ملامح وجهها من شدة الخوف فاضاف قائلاً:
- لا تقلقي, انها بخير , لكن غرانت يريد احضار الدكتور ايفانز للاطئمنان.
اسرعت هيلن الى التفزيون واكدت ليلا قولها:
- لقد دفعتها اللئيمة عن الحصان.
تقدم كريستوفر من ليلا بعد ان تفرقت السيدات بلباقة, هز يدها وقال:
- لا تجبريني على قول ما اريده ايتها العجوز الثرثارة.
الجميع يعرف ليلا دنكن الا ان القليل منهم تجاسر على مناداتها بالعجوز الثرثارة لأنها طالما شكلت خطراً في ايام عزها, هزت رأسها واجابته بمرح:
- ليس بوسعك خداعي يابني, فقد عشت هنا طويلا, لقد افسد رأسها هاري سترلنغ ولديه.
اوضحت له ذلك, لكنه لم يصغ, لا احد هنا يريد ان يصغي.
اجاب بقصد تحويل اهتمامها عن الموضوع:
- اما انا فإريد ان اصغي, ارجو ان تلقي على مسامعي تقريراً عن البورصة.
عندما يثير امر ما اهتمام ليلا, يصعب على احد ان ينسيها الموضوع, لكنها نسيت الآن ذلك لأنها تعتبر مراجعة آخر تقلبات السوق المالية اهم من اية اشاعة.
تحدثت فاصغي كريستوفر الى كلامها بامعان.
وصل غرانت وادريان بينما كانت السيدة ماننغ تقف مع الدكتور ايفانز على الشرفة حيث خرجت لتستقبله, استدار ليراقبا الشابين يرتقيان السلم نحوهما . بدت ادريان على مايرام , فقد سارت بخطى ثابتة مطوقة بذراع غرانت , اصطحبتها السيدة ماننغ فوراً الى غرفتها فيما لحق الطبيب بهما.
عندما رأت ليلا غرانت يدخل الغرفة قررت استجوابه , قالت:
- لقد فعلتها المجرمة اللئيمة, اليس كذلك؟
- اصمتي يا ليلا والا اخبرت الجميع كيف استوليت على شركة فيلدنغ ترايدنغ.
- لن تفعل لأن احداً لن يصدقك.
انفجر ضاحكاً فشاركته ضحكه لانها علمت ان الجميع سيصدقونه, هذه حقيقة , اما كريستوفر فخرج الى الشرفه لينتظر قرار الطبيب الذي اضطرب قليلا كعادته, لقد اطلع على جرح ادريان, ولم يتمكن من معالجته على نحو يرضيه لان ادريان رفضت يقص بعضا من شعرها, وابدت السيدة ماننغ معارضتها , لذا اضطر الطبيب ان يضمد الجرح ويتركها لتستريح.
انتظر كريستوفر حتى اعلن الطبيب سلامة الوضع, فرافقه الى السيارة, لوح الطبيب بيده لغرانت الذي رافقهما, ثم ابتعد بسيارته, راقبه غرانت حتى غاب عن ناظريه, ثم رجع الى جناح ادريان.
كانت الساعة قد تجاوزت السادسة فتركت هيلن مصباح السرير الجانبي الذي انعكس نوره الملون بلون الذهب القديم على وجه الفتاة الشاحب المستلقي فوق الوسادة مع لون الناموسية, جسلت ادريان في السرير قليلا لتشكر الله على ان قميص نومها كانت محتشمة تتميز بطوق عال حول عنقها وثنيات مطرزة مجموعة فوق بعضها, ردت شعرها المشعث الى الوراء وهي تحس بالنعاس بسبب الxxxx الذي تناولته.
وقف غرانت عند اسفل السرير قبل ان ينحني فوقه ويقول:
- صحيح انك تبدين ضعيفة جداً وانت تجلسين على السرير الا انك تشعرين بامان لا تعرفينه وانت على ظهر الجواد.
ذعرت اذ رأته يدور حول السرير, اتسعت عيناها خوفاً من رجولته الطاغية, سخر منها قائلا:
- آه يا ادريان! ان عينيك تفضحانك, هل تصورت انني ساقبلك؟
كادت تقفز لكنها ابتسمت له . اطفأ النور واقترب منها , امسك وجهها بيده, ولمست شفتاه وجنتها , بينما كانت عيناه تلمعان كنجمتين وسط ظلام الغرفة , واستقر رأسها قليلاً بين يديه قبل ان يهمس في إذنها :
- لن اخيب املك بعد اليوم , هل اتفقنا؟
ابتعدت عنه عندما احست عالماً جديداً في صوته , ودفنت وجهها في الوسادة.
احست يده على شعرها قبل ان يذهب ويغلق الباب وارءه بهدوء .
استلقت على السرير , وخفق قلبها بقوة, صحيح انها رأت رجالاً آخرين قبله , ولكنها لم تعرف مثل غرانت ,انها لازالت تحس بصوته العذب, أنّت بصوت عال ثم غرقت في بحر النوم.
--------------------------


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-06-16, 06:07 PM   #10

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

7- وصل البيانو أثناء ملازمتها الفراش, وبعد شفائها تحول عزفها اليومي الى جزء من حياة البيت .. وقبلت دعوة غرانت لحضور سباق الخيل, فعاشت وقتاً من الحب والمرح.
في اليوم التالي غادرت فيرا ليلاً سارانغا ووصل البيانو اليها الا ان ادريان لازمت الفراش ولم تشاهد اياً من الحدثين, عندما احضرت السيدة فورد الفطور سألتها اذا كانت ترغب في تناول طبق خاص على الغداء, واظهرت كل استعداد لتحضيره, لقد اقتحمت فيرا المطبخ امس, وتمكنت السيدة فورد بعد ذلك من جمع القصة, صحيح انها لم تكثر من الكلام, لكن لم يفتها سوى القليل من اخبار العائلة, وقفت بجانب السرير وكدست الوسائد خلف ظهر الفتاة منتظرة جوابها, تناولت ادريان كوب عصير الفواكه المنعش وقالت:
- لا تكلفي نفسك عناء وجبة خاصة, سأنهض قبل الغداء بكثير .
لم تعلق السيدة فورد بشيء علماً ان غرانت كان قد انبأها بالحادث, وطلب اليها نقل الوجبات الى غرفة ادريان بغية ملازمة الأخيرة فراشها, انها لا تذكر ان سيد سارانغا تراجع مرة عن مواقفه, لذلك ستصدم الفتاة في آمالها, راقبت ادريان وهي تجرع العصير, ثم توجهت نحو الباب هامسة :
- سوف نرى ماذا يحدث.
فور مغادرة السيدة فورد الغرفة شرعت ادريان بتناول البيض المقلي والخبز المحمص المطلي بالزبدة, ثم رشفت بعضاً من القهوة اللذيذة , ليس لها ان تحزن ما أصاب فيرا, كما لا يجوز لأحد ان يلوم فيرا على حبها لغرانت, أو ليست هي ايضاً هائمة فيه؟ ولكن, لماذا لم يخطر لها من قبل ان غرانت قد شجع فيرا على ان تحبه؟ قطبت جبينها , من المؤكد انه فعل والا لما كانت فيرا قد تورطت الى هذا الحد.
--------------------------------
وضعت الفنجان على الصينية وهي تفكر انه من السهل على المرء أن يخدع نفسه, انها تعرف ان ثمة مايشدها الى غرانت, يشدها اليه؟ يالها من عبارة لا تكفي لوصف مشاعرها نحوه! الا تحبه؟ ليست ساذجة بحيث لا تستطيع التمييز بين الموقفين, ماذا يريد منها وهو يكبرها باثنتي عشرة سنة ويفوقها خبرة ومهارة؟ لاشك انه مغازل غني ونشيط للغاية , رفعت فنجان القهوة ثانية, ثم لم تلبث ان اعادته الى موضعه بجلبة:
- اف! انه بارد!.
لاشك انها امضت وقتاً طويلاً تفكر بغرانت , وهذا امر سيفرح ذلك الخليع الغني, نهضت واستحمت بسرعة, ثم ارتدت ملابسها , عاد رأسها يؤلمها, فاكتشفت انها لم تتحسن الى الحد الذي تصورته, اخذت تسرح شعرها فسمعت طرقاً على الباب , تماسكت ونادت :
- تفضل !.
اغلب الظن ان السيدة ماننغ حضرت لتعودها وتطمئن عليها, كم تتمنى ان تبدو معافاة مع مطلع الاسبوع.
نظرت الى المرأة مذعورة اذ رأت غرانت يتقدم منها ويسألها:
- ماذا تفعلين؟
- الامر في غاية الوضوح, اني اسرح شعري استعداداً للذهاب الى المكتب لأني انوي اداء بعض الاعمال هذا الصباح.
رفع حاجبيه ساخراً من الحدة في نبرتها, فأدركت انه يضحك منها , اضافت ببرودة:
- آمل الا تعترض على موقفي , فأنا هنا حتى اعمل.
- ماالذي جعلك تقولين هذا؟ اعتقد انك تسعين الى تبرير نفسك.
لاحظت المرح في نبرة صوته, فتلاشى غضبها, الا انها عضت شفتها وكادت تنفجر باكية, صاحت:
- هيا, اخرج!
- لا تثوري في وجهي ياصغيرتي, اخلعي ثوبك هذا وعودي الى فراشك.
خفضت رأسها والدموع تترقرق في عينيها , طوقها بذراعيه وهمس:
- ادريان.. لا تعقدي الامور ياصغيرتي , لقد تلقيت ضربة على رأسك , لذلك اريد ان تستريحي قليلاً, ايزعجك الأمر الى هذا الحد؟.
كانت كلماته لطيفة ومطمئنة, فلم تقو على مجادلته, زال توترها وعادت الى السرير, راقبها بصمت , ثم توجه الى الباب قائلاً:
- وصل البيانو , بامكانك ان تعزفي عليه غداً , سيحضر احد الاختصاصين بعد الظهر ليجربه.
- ولكن, من سيوزع البريد؟
- اوتحسبين اني عاجز عن تدبر امري بدونك يا آنسة برنت؟ سرعان ماسأعجز عن ذلك في حضورك.
- آه ياغرانت!
هم بالنطق, لكنه غير رأيه وذهب ملوحاً بيده.
كان رأسها يؤلمها, فخلعت ثيابها ورجعت الى فراشها حيث امضت يوماً هادئاً اصغت في خلاله الى مدوزن البيانو وهو يضرب بعض اولاتار عشوائياً ثم يعزف لحناً من تأليفه.
زارتها السيدة ماننغ عند العصر لتعترف انهم احتضنوا أفعى في منزلهم. ذهبت ادريان باكراً في صباح اليوم التالي لتجمع البريد , لاشك ان غرانت خصص بعض وقته لتوزيعه امس, شعرت بتحسن كبير, وأكدت على ذلك حين سألتها السيدة ماننغ في أثناء الفطور عن صحتها , لن يجعلها سقوطها مرة واحدة عن ظهر الجواد طريحة الفراش الى الأبد.
نظمت البريد بسرعة, وتاقت الى بدء العمل فوراً مع انها لم تعتبر عملها في سارانغا مجرد وظيفة عادية بل سعي الى ترتيب بيت تحبه, ولكن , متى بدأت تشعر بانتمائها الحقيقي اليه؟ ربما منذ لمحت اشجار الجكرندا التي كانت فأل خير وسعادة عليها.
ادركت ببعض الذهول ان هذا الشعور لا يخالجها في المنزل الجديد الذي بناه والدها لزوجته الثانية, كان من الطبيعي ان ترفض ليندا العيش في المنزل الذي نشأت فيه ادريان وترعرت, تعاظم حزنها وعادت الى العمل.
ادارت الآلة الكاتبة الكهربائية واصغت الى ازيزها , ان العمل اليدوي البسيط يريح اذكى النساء وأشدهن تعقيداً.
عملت طوال النهار, ولم تر غرانت الا عند العشاء , نظر اليها عبر الطاولة وقال:
- سوف نستمتع الليلة بسماع عزفك يا آنستي.
وافقته السيدة ماننغ على رأيه وقالت للفتاة:
- لقد طلبت الي الا اسمعك اثناء التمرين , لكني وجدت صعوبة في تلبية رغبتك.
---------------------------
كانت ادريان قد تمرنت ساعة كاملة عند العصر بعد انقطاع عن العزف دام ستة اسابيع, وهذ وقت طويل بالنسبة الى أي موسيقى, تذكرت الخوف الذي كان يتملكها عندما تعزف في بعض المناسبات الا انها ادركت ان الأمر مختلف هذه المرة وستستمتع بالعزف.
بعد العشاء انتقلوا الى قاعة الجلوس حيث رفع غرانت الغطاء عن البيانو الفاخر المصنوع من خشب الأبنوس ودعاها الى العزف, تحمست وأحست بمداعبة المفاتيح الملساء لأصابعها حتى قبل ان تقترب من البيانو.
تراجعت السيدة ماننغ في مجلسها وبدت كما لو كانت تحضر حفلة موسيقية جاءت اليها مع كرسيها الخاص, رجع غرانت الى مقعده من دون ان يتفوه بكلمة.
تقدمت ادريان من البيانو وجلست امامه تمرر اناملها فوق مفاتيحه متفحصة مرونتها ثم بدأت بعزف مقطوعة حالمة حزينة تبعث في النفس حنيناً الى الماضي, كانت ثورتها قد هدأت مع نهاية المعزوفة, وتمكنت من التحكم بمرونة البيانو.
لم يتكلم أي من مستمعيها عند نهاية المقطوعة, فأكملت عزفها مختارة الحاناً مختلفة لشومان ورخمانينوف وشوبان , نسيت جمورها واحست بالقوة تزداد في اصابعها, فكان عزفها ممتازاً خالياً من الأخطاء.
انتهت من عزفها ومرت دقيقة قبل ان ينطق احد بكلمة ثم رفعت السيدة ماننغ رأسها عن مسند الكرسي قائلة :
- اشكرك ياعزيزتي, سحرني عزفك الرائع.
نظرت الى عيني غرانت بدون ان تدري, خاطبها مبتسماً:
- انك تعزفين جيداً ياصغيرتي, اننا بالغو التأثر.
نهضت وانزلت الغطاء على البيانو بعد ان عزفت مدة ساعة استمتعت بها اكثر من جمورها, وهذه الحقيقة تزيد العازف الماهر فرحاً وتعوضه عن السعادة الكبيرة التي يقضيها في التدرب الشاق, زال توترها وشعرت بالأمان والطمأنينة.. بعد تلك الامسية بدأت تخصص يومياً ساعة للعزف انتظرها الجميع بفارغ الصبر, لذا اقترح غرانت ان تتمرن ساعة كل صباح موضحاً ان ذلك لن يضيره في شيء طالما ادت واجبها ورتبت اوقاتها, وهذا ماكانت تفعله بالضبط.
اعتبرت عرضه كرماً عظيما, وعبرت له عن رأيها في صباح اليوم التالي بينما كان يملي عليها بعض الوسائل, نظر اليها ساحراً وقال:
- احسب انك بدأت تتغلبين على صدمتك الاولى يا آنسة برت.
القت القلم على الطاولة ووضعت ذقنها في راحة يدها, قالت.
- كم كنت متوحشاً يومذاك! لا اذكر اني كرهت احداً كما كرهتك للوهلة الاولى.
- طلبت من وكالة هورتون ارسال سكرتيرة كفوءة, تصورت انها ستكون امرأة في العقد الرابع من عمرها تضع نظارتين طبيتين اثناء العمل, لكنهم بعثوا لي شابة حسناء لها عينان خضراوان وبشرة نضرة تحاكي في اشراقها زهرة الكاميليا, كما انها مفعمة بالحيوية وتستحثني على العمل وتحرمني من السيطرة على نفسي احياناً.
نظرت اليه وهي تفكر ان ليس من الرجولة في شيء ان يلجأ الى المبالغة والكذب, قال:
- ماهذا الصمت البليغ يا آنسة برنت؟ لماذا لا تعترفين بالحقيقة ؟
- لاشك انك تمزح ياغرانت , اعتقد ان الجميع كانو سيابدورنك برد فعل مماثل , لقد كنت قاسياً وصلباً وعنيداً.
ضحك ثم اخرج سيجارة اشعلها من دون ان تجول عينيه عنها , بدا مكتمل الرجولة شديد الحيوية بحيث اجبرها على البقاء في مقعدها , قال :
- ليس الجميع ياعزيزتي, بل وحدك انت لأن احداً لم يدجنك يا صغيرتي.
تطلعت اليه مشدوهة , لاشك انه يمزح بالرغم من الجدية الظاهرة على محياه, قالت:
- اني لا افهمك يا غرانت , لكنني في أي حال اشكرك على سماحك لي بالتمرين يومياً.
- يا لأدبك الجم! ( ناولها مجموعة من الأوراق المطبوعة موضحاً ) ستلاحظين بعض التغييرات , آسف لافسادي طباعتك عليك , لكن التغييرات ضرورية , علي ان أذهب الآن حتى اتمكن من تأدية بعض الأعمال في كوريونغ.
-------------------------------
اطفأ سيجارته بعد ان دخن نصفها , قام عن الطابعة حيث كان يجلس وخرج ملوحاً بيده.
تأملت الصفحات , بعض التعديلات! لماذا أفسد العمل الذي انجزته على نحو جيد؟ لم تأت الى هنا لتستفسر عن الأسباب , ادخلت الورقة في الآلة , سيستغرقها هذا العمل وقتاً طويلاً.
رجع غرانت في ساعة متقدمة بعد الظهر ليجدها تقف وسط الغرفة في حالة هياج وخوف غريبة, لم تكد تراه حتى وثبت با تجاهه صارخة:
- الحمد لله انك عدت , في المكتب فأر لم يتوقف عن العدو في الحجرة طوال بعد الظهر , سأجن اذا لم تقتله.
نظر اليها , فوجد انها ثائرة بالفعل هذه المرة ولا تكثر من المبالغات على عادتها , خاطبها ببرودة:
- يا للحيوان الوقح ! اعتقد انه دخل من الحديقة نظراً الى حاجته لمن يسامره.
- غرانت! كان الفأر يعدو في المكتب من دون ان يكترث لوجودي ,ضربته بهذا الملف الضخم لكني اخطأته , سوف اجن.
اخفق غرانت في محاولته قتل الفأر , في هذه اللحظة اندفع الحيوان الصغير من خلف الخزانة وخرج من الباب بسرعة بالغة كما لو كانت كل قطط العالم تطارده , اقتربت من غرانت الذي ربت على كافها يطمئنها بقوله:
- سأعلق يافطة تقول : ( الزيارات ممنوعة ) هذا هو الحل .
ارتجفت قليلاً , فهزها قائلاً:
- يالك من جبانة ياصغيرتي تخافين من الضفادع والفئران والغرباء ! حسناً, هل انتهيت من طباعة المقال؟
- طبعاً , طبعاً ياسيد ماننغ.
- عظيم ! لابد لي اصفعك من وقت الى آخر حتى اظل مسيطراً عليك.
احست بشيء من الخشية وهي تناوله المخطوطة المطبوعة, تناولها وتفرس فيها قليلاً قبل ان يخرج من الغرفة, ما هي الا لحظات حتى سمعت سيارة المرسيدس تجور , فشعرت بالذنب , لأنها اخرته بامور سخيفة. تنهدت وأملت الا يعود الفأر ثانية, فالطقس حار لايسمح باغلاق الباب.
في المساء جعل غرانت من الحدث البسيط قصة طويلة مضحكة , اذا كان هدفه الحصول على تشجيع السيدة ماننغ , فان آماله قد خابت لأنها اخفت اشمئزازها , قالت:
- ما اوقحه! يجب علينا ان نكافح الفئران!
- اني ارحب بجهودك المشكورة ياسيدتي , فتفضلي.
تطلعت اليه ادريان وقالت:
- اذا كنت تبحث عمن يشاركك الضحك على قصتي وطرافتها انتظر حتى تلتقي كريستوفر.
ضحك وغير الحديث فوراً .
سمع كريستوفر القصة يوم الجمعة لما حضر لمشاهدة عرض لتدريب الجياد على العدو, بعد الظهر سأل غرانت ادريان اذا كانت ترغب في النزول الى الميدان والتفرج على سباق تجريبي , لم تتردد في قبول الدعوة ووقفت ملهوفة , تأمل غرانت تنورتها الكتانية , قال:
- الأفضل ان ترتدي بنطوناً , ربما جلست على السياج.
اظهرت له ضيقها اذ تجاوزته من دون ان تتكلم , ناداها بمرح :
- عودي بسرعة لأن الوقت قصير.
رجعت في أقل من خمس دقائق ليتأمل بلوزتها القطنية ذات الخطوط البيضاء والزرقاء وبنطلونها الأزرق, انزعجت وقالت غاضبة:
- مااكثر ما تدقق النظر في الاشياء!
- أو تقصدين نفسك بهذا الكلام؟
لم تنو ي مجادلته , فاندفعت الى الخارج , لحق بها وأمسك ذراعها ليقودها الى حقل التدريب, بدا لها انه كان مرحاً.
هذه هي زيارتها الأولى للميدان الذي تأملته باعجاب, الشمس تسطع في كبد السماء وتنعكس اشعتها على العشب الأخضر والسياج الأبيض, اما الجياد الاربعة وفرسانها فكانت قد دخلت الميدان , تجمع حول السياج المقابل حوالي عشرين عاملاً يدخنون وينظرون الى الطرف الآخر من الميدان من دون ان يوجه احدهم نظرة واحدة نحو الفتاة, لذلك استغربت قلق غرانت وتحفظه ازاء ثيابها , واقتنعت ان راكيل ولش النجمة السينمائية المعروفة , بحسنها وفتنتها, تستطيع الدوران حول الملعب مرة كاملة من دون ان تلفت الابصار.
------------------------------
اجلسها غرانت بسهولة على السياج حيث ثبتت قدميها في اسفله من دون ان تشعر بالامان , ثم راقبته يخرج ساعته ويومئ برأسه الى مساعده .
انطلق المسدس معلناً بداية السباق حيث انطلق الفرسان الاربعة حسب اسلوب الركوب الاسترالي معتمدين على الركابات القصيرة والظهور المقوسة, تحمس الرجال وأخذوا يهتفون مشجعين , وانتقلت عدوى الحماسة الى ادريان.
تعادلت الجياد في الجولة الاولى, لكن الجواد الأكبر وهو أشهب اللون قطع المسافة في الجولة الثانية بسرعة بالغة في نصف الوقت , ضغط غرانت ساعته وتبين الوقت , بدت عليه الحماسة ايضاً علماً انه لم يشتم أو يلعن .
راقبته ادريان يقفز فوق السياج ويتقدم من الفرسان الذين كانوا يربتون على جيادهم ويداعبونها بمودة.
ردت لو ترى صورة مختلفة لحياة غرانت المحب للعمل, في الخارج, انه يفرج بعمله فتضئ عيناه سعادة وتخف حركاته بحيث يقفز السياج بدون خوف , لكنها لم تألف هذه الحياة مع انها احبت مراقبة السباق خصوصاً وان الجياد حيوانات رائعة , الا ان الناس هنا يختلفون عنها .
التفتت حولها لترى الجميع يربتون على ظهور بعضهم ويقذفون بقبعاتهم في الهواء , ثم يقفزون ويتصرفون بطريقة بدائية, ضحكت بصوت عال , فتطلع اليها احد العمال مندهشاً , امال قبعته القديمة البالية وتقدم منها , قال:
-هل رأيت السباق آنستي؟ ان روبي اللعين يستطيع ان يسحر الجياد.
- فرهانك اذن على روبي, كنت اتصور ان الحصان هو الذي فاز في النهاية.
- الحصان! انه مبارز جيد, ينبغي ان نقول ان رغل رولز تغلب على تيودر غولد.
تأملت ادريان كريستوفر يترجل عن حصانه ويتطلع اليها ملوحاً بيده.
لوحت له في المقابل وكادت تسقط عن السياج, اندفع صديقها الجديد اليها بخفة وساعدها , قال:
- اثبتي في مكانك ياآنستي , كدت تقعين عن السياج.
تقدم منها غرانت ببضع خطوات عريضة وقد تنازعه القلق عليها والهزء منها , قال:
- يالك من حمقاء! انك تشكلين خطراً على نفسك يا ادريان!
انزلها عن السياج وهو يمسكها بيد قوية ثابتة ازدادت دهشتها عندما لمحت قلق كريستوفر وتعبيره الغريب الموحي بانه خشي ان تكون قاعدة تمثاله رخوة الى الحد , احسنت فهمه فضحكت له وخاطبته قائلة:
- هل تحسبني عرضة للسقوط دوماً ياكريستوفر؟
علا الارتياح محياه وتيقن ان ادريان لا تخجل البتة من ضعفها في الاحتفاظ بمجلس ثابت فوق سياج او حصان, توجهت نحو غرانت وسألته:
- ماهو وجه القربى بين ماونت غولد وتيودر غولد؟
ضحك كريستوفر, وتردد غرانت في الاجابة الا انه قال:
- لا شيء, غير ان تخمينك صائب.
- لا يزعجني ان تضحكا علي لأنني اعرف اشياء كثيرة تجهلانها.
لمس غرانت شعرها الطويل قائلاً:
- ماذا تعرفين؟
- الفائزين الثلاثة الاول في سباق ميلبورن منذ نشأته .
بدا كريستوفر مصدقاً, اما غرانت فاكتفى بشد احدى خصلها وقال:
- لن نحرجك بالسؤال.
الحقيقة انها لا تعرف الحصان الأفضل في سباق السنة الماضية ولا تعرف الفارس الرابح , لذ قررت ان تغير الموضوع:
- اشكرك لأنك سمحت لي بالنزول الى الميدان , استمتعت بمشاهدة السباق مع اني لا اعرف الكثير منه .
لم يقتنع كريستوفر انها لا تستطيع زيادة معرفتها , فقال:
- بوسعك ان تتعلمي كل ما يتعلق بهذه الامور , سأرفقك الى المنزل حتى انقل رسالة من والدتي الى هيلن العزيزة.
التقت عيناها بعيني غرانت الساخريتن , قال:
- احسب ان من الأفضل ان لا يختلق الانسان حجة حتى يعمل عملاً. في اي حال لا تتأخر ياكريستوفر لأننا لم ننته بعد.
----------------------
راقبهما يبتعدان , ثم استدار نحو الرجال الذين كانوا يعدون اجورهم أو مايشبه ذلك, نظر كريستوفر الى الفتاة السائرة بجانبه قائلاً:
- كلما التقيتك لاحظت حسنك.
- لا تكثر من مجاملاتك لئلا يصيبني الغرور.
لم يتوقف عن مزاحه طوال الطريق, فوجدت صعوبة في تحاشي مجاملاته, بدا عليهما التحرر والفتوة, راقبتهما السيدة ماننغ من المنزل وحزنت لكونهما لا يناسبان بعضهما, انها معجبة بكريستوفر وبشخصيته المنفتحة التي يرتاح اليها الجميع, لكن ادريان فتاة معقدة تمتاز بتعدد اوجه شخصيتها الراقية, ولن يكفي ان يجتمع فيهما الشباب والاندفاع , لن ينجح كريستوفر مهما حاول ان يقدر مواهبها الموسيقية على سبيل المثال, وكم هي مهمة بالنسبة اليها! ان ابنة دونالدسون الجميلة البسيطة تناسبه, لكنه للأسف لا يفكر بهذه الطريقة, اتضح للسيدةماننغ في الوقت نفسه هيام ادريان بغرانت الذي لم يعاملها الا معامله لطفل , يالها من فتاة حسناء موهوبة! عليهم ان يحلوا مشاكلهم بطريقتهم الخاصة , تنهدت وابتعدت عن النافذة .
توقف كريستوفر في الممر ليتأمل الزنابق التي اعجب وضعها الحالي السيدة ماننغ اليهما ,قبلها كريستوفر قائلاً:
- احمل اليك رسالى من والدتي, اود ان اعلمك ان ليلا مصممة كل التصميم على استضافتي في الحفلة القادمة, هذا ماعلمته والدتي من خالتي في سيدني.
- هل هذا صحيح ؟ ياللعينة!
قهقه كريستوفر وادريان لأن هذه الكلمة لا تليق بشفتي السيدة ماننغ وأدبها, تأملتهما ثم قالت بلهجة غريبة:
- لدي افكاري الخاصة.
تحدث كريستوفر الى ادريان برهة بعد ذلك, ثم اتجه الى الميدان حيث كان غرانت ينتظر مع ان احداً لا يبقى غرانت منتظراً!
--------------------


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:05 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.