جلست كندا على مقعدها بالطائره بعد ما وضعت عمرو بكرسى مخصص للأطفال بجانبها و اطمأنت تمامًا من أمان وضعه. كندا شابه فى الثانية و العشرين من عمرها تبلغ قدرا كبيرا من الجمال الشرقى الأخاذ, بشرتها قمحية اللون و شعرها اسود طويل و عيناها الكحيلتان تحملان كل الجمال الشرقي و العربي على مر العصور, متوسطة الطول تتمتع بجسم رائع و تطغى انوثتها على كل شئ. نظرت لعمرو و ابتسمت ابتسامه يملؤها الحنان و الحب, فهذا الطفل ذو العامين و النصف هو كل ما تبقى لها من الدنيا, كم تعشقه و كم تحزن من أجله. ارجعت ظهرها للوراء و أغمضت عينيها و بدأت الذكريات تعصف برأسها رغمًا عنها. تذكرت عندما رن هاتف منزلها منذ شهرين لتجد صوتا غريبا يحدثها: كندا: الو المتحدث: مساء الخير. دا منزل دكتور مدحت؟ كندا: ايوا هو, بس مدحت مش موجود دلوقتى. مين حضرتك؟ المتحدث: أنا دكتور فتحى زميله فى الجامعه. كندا: اهلا يا دكتور للأسف هو مش موجود. لما يوصل هبلغه. د. فتحى: هو حضرتك المدام؟ كندا: أيوا أنا. د. فتحى : أنا اسف يا مدام بس أنا متصل عشان ابلغك ان مدحت تعب شويه و احنا فى الشغل و جيبناله الاسعاف و نقلناه المستشفى. كندا ( مصدومه ) : ايه؟ ايه اللى بتقوله دا؟ انا اعصابى مش مستحمله, فهمنى مدحت ماله؟ د. فتحى: انا مش عارف اقولك ايه بس هو فجأه وقع من طوله و هو دلوقتى فى العنايه المركزه. انا اسف انى ببلغك الخبر بالشكل دا بس بجد مكنتش عارف اعمل ايه. كندا( و الدموع تتساقط من عينيها ) : طيب لوسمحت ادينى عنوان المستشفى بسرعه. أملاها عنوان المستشفى و إتجهت مسرعه للمستشفى. فاقت كندا من ذكرياتها على صوت المضيفه. المضيفه: مدام حضرتك تحبى تشربى حاجه. كندا: هاه. المضيفه: بسأل حضرتك لو تحبى تشربى حاجه. نظرت كندا لعمرو و تذكرت انه لابد ان يكون عطشان. كندا: اه عاوزه عصير و إزازة ميه لو سمحتي. اعطت المضيفه لكندا ما طلبت و تركتها, ما أن شاهد عمرو المياه و العصير بدأ يرفع يداه و يتمتم بكلمات بسيطه فهمت منها ان طفلها بالفعل يريد ان يشرب, و بعدما ساعدته فى شرب الماء و العصير قبلته من جبينه بحنان و نظرت من شباك الطائره بجانبها و عادت لذكرياتها مرة أخرى. تذكرت حالتها عندما وصلت إلى المستشفى و كيف لم تكن تستطيع ان تسيطر على اعصابها, ذهبت مسرعة إلى العنايه المركزه حيث وجدت د. فتحى منتظرا بالخارج. د. فتحى : اهلا مدام كندا. كندا: دكتور ارجوك فهمنى ازاى حصل لمدحت كدا و حالته اخبارها ايه. د. فتحى: احنا كنا بنتكلم عادى عن المنهج و الطلبه و فجأه لاقيته ماسك قلبه و كأنه بيتألم سألته ماله و قالى انه تعبان شويه, طلبت منه يقوم يروح البيت يستريح و اول ما وقف لاقيته وقع على الأرض فجبتله الاسعاف بسرعه. كندا ( و هى منهاره تماما ) : طيب الدكاتره قالوا ايه و ينفع ادخل أشوفه؟ د. فتحى : دى كانت بداية ازمه قلبيه بس لحقوه بسرعه, المشكله ان حالته مش مستقره فلازم يفضل فى العنايه المركزه لإنه مفاقش خالص لحد دلوقتى. جلست كندا على أقرب كرسى و انهارت باكيه. بعد حوالى نصف ساعه حضر الطبيب و طلب التحدث مع كندا. الطبيب : مدام ..الاستاذ مدحت فاق و عاوز يتكلم معاكى. كندا ( بأمل ) : يعنى هو خلاص بقى كويس. الطبيب ( بأسف ) : للأسف حالته مش مستقره بس هو أصر يتكلم معاكى و قالى ان الموضوع ضرورى. بس يا ريت متطوليش عنده و مترهقيهوش بالكلام. كندا : اكيد يا دكتور. دخلت كندا غرفة العناية المركزه بعد انا ساعدتها الممرضه فى ارتداء الملابس المعقمه. و لم تستطع حبس دموعها عندما رأته ممدا على السرير و محاطا بالاجهزه و الأسلاك. اقتربت منه و عيناها ممتلئتان بالدموع. مسكت يده فى يديها و باليد الأخرى كانت تمسح على رأسه بخفة. كندا: حبيبى انت سامعنى. مدحت ضغط على يديها و بدأ يفتح عيونه بصعوبه. كندا: سلامتك يا قلبى. كدا تخضنى عليك. مدحت ( بصوت واهن ) : كندا حبيبتى متصعبيش الموقف عليا. انا عاوزك تكون قويه. انا مكنتش حابب انى اسيبك و كل ما افتكر انى كمان كبرت همك بطفل صغير و انتى لسه شابه صغيره احس انى راجل عجوز و أنانى استغل شابه صغيره لو كان اتجوز و هو صغير كان هيبقى عنده بنت أدها. كندا ( بغضب و حزن ) : بلاش الكلام دا. و قولتلك ميت مره متقولش على نفسك عجوز, انت فى عينيا احسن من الف شاب صغير. انت عارف انا بحبك أد ايه و مش عاوزه اسمع منك الكلام دا. انا مليش غيرك انت و عمرو و انتوا عندى بالدنيا كلها. مدحت ( بحزن ): بس دلوقتى مش هيبقالك غير عمرو و انا عاوزك تكونى قويه و تسامحينى انى هسيبك غصب عنى. خلى بالك من نفسك و خليكى قويه, اوعى تخلى حاجه تكسرك حتى موتى. وضعت كندا يدها على شفايفه لكى تسكته و انهارت بالبكاء لدرجة علت معها صوت شهقاتها. مدحت قبل اصابعها الموضوعه على فمه و حاول بصعوبه تحريك يدها ليكمل كلامه. مدحت: كندا ارجوكى خلينى أقابل وجه كريم و أنا مرتاح, خليكى قويه يا عمرى و أوعدينى انك تحاولى دايما تكونى سعيده, و خلى عمرو يسامحنى. قوليله بابا كان انانى و جابك لدنيا هتكون فيها من غير أب. كندا انا مش بقولك الكلام دا عشان تعيطى بس محبتش انى اسيبك من غير ما أودعك و اعرفك كمان حاجه مهمه. للأسف انتى عارفه انى كنت طول حياتى مش مفكر انى هتجوز او هيكون ليا عيله لحد ما شوفتك و دا خلانى اعيش حياتى بالطول و بالعرض من غير ما أفكر انى اشيل فلوس أو افكر فى المستقبل, معنديش غير بيت شرك مع بنت عمى فى انجلترا كتبت نصيبى فيه بإسمك من حوالى شهر عشان محبتش انك تتعبى فى الإجراءات, حاولى تبيعى نصيبك فى البيت دا سواء لبنت عمى أو لحد تانى لو هى محبتش تاخده بحيث ان يبقى فيه فلوس ليكم انتى و عمرو. انا عارف انها مش كفايه بس الحاجه اللى قدرت عليها و كتبت بيتنا اللى هنا فى مصر بإسمك. فتحت كندا فمها لتقاطعه و تعترض و لكنه سبقها بإشاره ان تتوقف. مدحت: حبيبتى انا مش عايز منك أى اعتراض, كل اللى عاوزه انى اطمن عليكى انتى و عمرو. اقتربت كندا منه و قبلت جبينه و لكنها احست به لا يتحرك و لم تعد تشعر بأنفاسه. أفاقت كندا على صوت المضيفه تطلب من الركاب ربط الأحزمه لأن الطائره ستبدأ فى الهبوط خلال دقيقه. فتحت كندا عيناها و كأنها أفاقت من كابوس تمنت لو كان مجرد كابوسا و لكنه الواقع احست بدمعه ساخنه على خدها و نظرت لعمرو فوجدته نائما كملاك صغير فإبتسمت له بحنان رغما عنها و تأكدت من أمانه و ربطت حزام مقعدها و استعدت لهبوط الطائرة.