آخر 10 مشاركات
ومازلنا عالقون *مكتملة* (الكاتـب : ررمد - )           »          عذراء فالينتي (135) للكاتبة:Maisey Yates(الجزء 3 سلسلة ورثة قبل العهود) *كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          أطياف الغرام *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : rainy dream - )           »          83 - عصفورة الصدى - مارغريت واي (الكاتـب : فرح - )           »          صبراً يا غازية (3) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          زوجة مدفوعة الثمن (44) للكاتبة:Lynne Graham *كاملة+روابط* (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          تشعلين نارى (160) للكاتبة : Lynne Graham .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          وقيدي إذا اكتوى (2) سلسلة في الغرام قصاصا * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : blue me - )           »          ثأر اليمام (1)..*مميزة ومكتملة * سلسلة بتائل مدنسة (الكاتـب : مروة العزاوي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > منتدى روايات (عبير- احلام ) , روايات رومنسيه متنوعة > منتدى روايات عبير العام > روايات عبير المكتوبة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-06-16, 09:43 PM   #1

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9 ليلة واحدة أخرى-ليندسى ارمسترونغ (كتابة/كاملة)**








ليلة واحدة أخرى

ليندسى ارمسترونغ

الأسم الأصلى للرواية : ONE MORE NIGHT
سنة الأصدار : 1 / 1 / 1999

الــــمـــــلــــــخـــص

احست بالانزعاج و الغضب و أنهما على طرفى نقيض.
كانت تلك المشاعر هى التى اثارت لديها رد الفعل تجاه ريك إيمرسون. فكرت إيفون بمرارة في ذلك....حتى منذ اللحظة الأولى التى وقعت نظراتها عليه.
عندما وافقت على أن تسدى جميلاً لمخدومها كانت تتوقع أنها سوف تساعد كاتباً شاباً لم يتمرس بالكتابة بعد و تعاونه في تنظيم كتابه و كتابته على الآلة الكاتبة لكن ذلك الطراز من الجاذبية و الخطورة لم يكن داخل حساباتها.
كما أن ريك أيضا كان من أكثر الرجال اللذين عرفتهم خطورة, و لم يكن من حقه مطلقاً أن يتجسس على ماضى حياتها!!



الــمــقـــدمـــــــــة

قالت إيفون و هى تلهث:
ـ كيف تجرؤ؟
كان كفاحها اليائس لتحرير نفسها من قبضته عديم الجدوى.
ـ كيف تجرؤ على الصعود إلى غرفتى؟
قال ريك بسخرية :
ـ لم أفعل ذلك باختيارى, صدقينى...كانت تلك هى الوسيلة الوحيدة للوصول إليك...لاقتحام برجك العاجى.
عندما تخلى فجأة عن قبضته عليها, جلست على حافة السرير و هى ترنو إليه باحتقار...و هى مملوءة بعواطف متصارعة لم تتمكن من الكلام.
أومأ برأسه نحو المجمع الرئيسى و سألها:
ـ ما الذى يحدث هناك؟
ـ لا شئ.
قال لها باقتضاب:
ـ لا تكذبى يا إيفون, لقد سنحت لك خلال لحظة فرصة العمر, و كنت في اللحظة التالية تفرين للبحث عن ملجأ, هل أدركت فجأة إلى أى مدى تنكرت مؤخراً لوعودك؟ إنك كنت تواصلين حياتك و تضحكين و يروقك ذلك.







محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي

ندى تدى likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 28-06-16 الساعة 12:57 AM
Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 27-06-16, 10:03 PM   #2

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الأول

تراجع أموس دبلداى في مقعده إلى الخلف. واضعاً يديه على معدته على شكل مسلة, و هو ينظر إلى السقف. بينما كانت إيفون باترسون تجلس في مواجهته عند الطرف الآخر من مكتبه الضخم الأنيق, و هى تنتظر في صبر. و قد اعتادت إيفون احترام تلك الفترات من الصمت بعد عملها معه مدة عاميك كمساعدة شخصية, و مندوبة لإعلانات, و لم يقتصر الأمر على ذلك.
فقد وجدت في الانتظار تسلية. لقد ساعده ذهنه المتوقد, و غريزة التسوق المتميزة. على إنشاء سلسلة من المتاجر على الساحل الشرقى لاستراليا. مما استولى على أعجابها. و ذهبت احلامها إلى حد أبعد مما حققه من النجاح في انشاء سلسلة المتاجر. فقد راوده حلم أو ربما كان نوعاً من الهوس بالنسبة لعمل الكتالوجات. قال لـ إيفون وهو يجرى المقابلة معها:
ـ ليس مجرد أى كتالوج, ليس مجرد نشرة بالبريد يلقيها الناس في سلة المهملات دون إلقاء نظرة على محتوياتها, عندما يعثرون عليها في صندوق البريد. أريد لنشرتنا أن تكون كتالوجاً فنياً. كتالوجاً ربع سنوى, بديع الإخراج. فاخراً, يتحمس له الناس كالكنز. هل تستطيعين تخيل ما يدور في ذهنى؟
رمشت إيفون بعينيها و قالت ببطء إنها تتخيل ذلك, و قابل أموس ذلك بنظرة طويلة, يستعرض فيها شخصيتها, شعرها الأسود الطويل عينيها السوداوين, و جلدها الداكن, وجسمها الرشيق تحت حلة الكتان التى ترتديها بلون زهرة الكاميليا القرنفلية, شفتيها اللامعتين, و أظافرها المصبوغة بلون يتمشى تماماً مع طلاء شفتيها. وجواربها الفاتحة و حذاءها الجلدى الأنيق, استمرت نظرة التأمل مدة دقيقة كاملة, ثم قال بعد تفكير: أنه يعتقد تمثل نفس الطراز الذى يتخيله في ذهنه, و عرض عليها الوظيفة.
خلال العامين التاليين. لم يكتفيا بتحقيق الحلم, و إنما نشأت بينهما علاقة وفاق, و كان أموس مولعاً بأن يقول بين الحين و الحين و هو يغمز بعينه:
ـ أنت تعرفين يا إيفون أننا متشابهان إلى حد كبير. كنت أتمنى لو أننى أصغر بمقدار عشرين سنة!



كان في الواقع سعيد بزواجه من سيدة لا تقل عنه بدانة, وهى سيدة بيت صغيرة. و كان عيبها الوحيد أنها لم تنجب لـ أموس أى أطفال, كان الجميع يعرفون هذه الحقيقة. و كانت تتقبل مثل هذه الملاحظات العارضة من الزوج الأكبر سناً بسماحة. كانت إيفون تتفق معه أيضاً عندما يقول:
"نحن من طراز خشن, كما أننا نتمتع بالذكاء و التماسك. أنت و أنا! لقد حققنا ثروة من لا شئ. تقريباً, انظرى إلى نفسك, أنت موظفة تنفيذية ناجحة إلى حد بعيد. على الرغم من أنك لم تصلى بعد إلى سن الثامنة و العشرين."
نعم. فكرت إيفون في ذلك. في أحد أيام صيف ملبورن الرمادى البارد. عندما كان من المفروض أن تستطع الشمس إلا أن ذلك لم يحدث في جو مدينة ملبورن و كان أمبوس مشغول باستجماع شتات أفكاره. لقد جئت منذ زمن طويل من شوارع وولومولو أحد أحياء مدينة سيدنى تاقذرة المزدحمة بالسكان. قطعت طريقاً طويلاً جداً.... كل ما أتمناه أن أحقق قدراً من الإنجاز.
قال أيموس و هو يخفض بصره المعلق بالسقف :
ـ نعم. لقد فكرت في الأمر طويلاً. و انتهيت إلى أنك الشخص الوحيد الذى أستطيع أن أعهد إليه بهذه المهمة. قال ذلك و هو يركز نظراته باهتمام على إيفون.
رفعت حاجبيها, و سألت :
ـ مهمة؟
سعل أيموس سعلة خفيفة و قال:
ـ أنت تعرفين أننى و هاتى لم ننجب أطفالاً. و نحن نتقبل ذلك على أنه إرادة الله. ولكن... هز كتفيه و استطرد : "حسناً . كانت أختى أوفر حظاً فقد رُزقت ببولد....تزوجت من رجل جامح و انجبا هذا الولد."
سكت برهة, و انتظرت إيفون حتى يستأنف أيموس الحديث و يحيطها علماً بالموضوع و أسترسل رئيسها قائلاً: "ذلك واحد من الأسباب التى جعلتنى أميل إليك إيفون, تستطيعين التزام الهدوء التام و الصبر, لا تمطرينى في الحال بالأسئلة, تنتظرين و تفكرين. كان أبوه دبلوماسياً. و قد طافوا بكل أنحاء العالم. و ربما لم تكن تلك بالضرورة الطريقة الجيدة لتربية الأطفال."
تمتمت إيفون: "فهمت."
ـ نعم لأنى أخشى أن أقول إن الولد قد أصبح الآن روحاً متململة. لا يستطيع الاستقرار بالنسبة لأى شئ و قد قضى السنة الماضية فى بابوا في غينيا الجديدة. لإجراء دراسة حول أهالى المنطقة, و لست واثقاً مما إذا كان يعتبر نفسه من علماء التاريخ الطبيعى للأجناس البشرية, أم الآثار القديمة, أم أى شئ آخر, و لكن هذا ما كان يفعله. و معاذ الله. لقد ألف كتاباً.
رددت إيفون بدهشة :
ـ معاذ الله !
أومأ أيموس إيماءة كبيرة و قال :
ـ حسن ليست شخصياً مهتماً بالمرة بأكلة لحوم البشر و الطقوس الغريبة للأشخاص البدائيين. و أشك في أن أكون الشخص الوحيد الذى يعتنق هذا الرأى.
و سألت إيفون:
ـ إذن فأنت لا ترى الكتاب واحداً من الكتب التى تلقى رواجاً كبيراً؟
ـ لابد أن السوق محدودة بالنسبة لهذا اللون. حتى ولو كان الكتاب جيداً. ألا توافقيننى الرأى؟
فكرت إيفون برهة ثم أجابت بطريقة ملتوية:
ـ يبدو مثل هذا اللون من الكتب أغرقنا في الفترة الأخيرة. و ليس في شكل كتب فحسب, و إنما على الشاشة التلفزيونية كذلك.....
ـ تماماً!. قالها أموس بانتصار.
ـ و مع هذا. يعتبر ذلك إنجاز من جانب الولد.
ـ ليس ولداً على وجه التحديد. إنه شاب صغير الآن . قاطعها أموس ثم أضاف في شئ من القلق:
ـ و أنت تعرفين بالتأكيد أخلاف مثل هؤلاء الشباب الصغار, أنهم عنيدون و مثاليون و طائشون.....
قالت إيفون و هى تضحك ضحكة قصيرة:
ـ أموس أنا آسفة للخروج عن هدوئى المعتاد. و لكننى أوشكت أن أطرح عليك سؤالاً, هل تمهد بهذا لـ.....
قاطعها قائلاً بلهجة الأمر:
ـ انتظرى لحظة! دعينى أشرح لك الموضوع كله, نظراً لأننى و هاتى لم نرزق بأبناء... فليس لدينا وريث نترك له كل هذه الثروة!.
أنهى حديثه مثل الساحر الذى يخرج أرنباً من قبعته.
قالت إيفون ببطء :
ـ أ.....أعتقد أننى بدأت أتفهم
ـ كنت أعرف أنك ستدركين ذلك عندما أقول لا يوجد أحد...
ـ و لكن يوجد ذلك الولد....أبن أختك.
ـ تماماً, و لكن إذا لم يكن لديه أى اهتمام, أى تدريب, أى خلفية, فربما لم يكن ينبغى لى أن أضيع وقتى.
ـ أموس, ما سمعتك تقوله عنه إذا كنت تفكر في تحويله للتفرغ لكل هذا, فإنك تضيع وقتك على أى حال.
قال بشدة:
ـ إنه لا يزال صغيراً, عندما كنا صغاراً, هل كنا نعرف حقيقة ما نريده في المستقبل؟ أنا شخصياً كان عندى طموح عندما كنت يافعاً, و لكى أكون أكيناً, لم يكن البحث عن الممارسات الجنسية لأهالى كوكوكوكس من بين تلك الاهتمامات, و لكن لكل انسان اهتماماته.... أستطيع على الأقل أن أحاول, و توافقنى هاتى على هذا.
ابتسمت إيفون ابتسامة مشرقة و هى تقول له:
ـ حسن, لماذا إذن لا تقوم بالمحاولة؟ و لكن متى ستخبرنى عن مكانى بين كل هذا؟ يجب أن أحذرك. لن يرغمنى أى شئ على الذهاب للمعيشة بين أهالى الـ كوكوكوكس. و لا أرى في الواقع محلاً لـ...
ـ جزيرة برامبتون
عبست إيفون و تابع أموس حديثه:
ـ أنت تعرفين هويتساندايز ؟ البحر و الرمال و الشعب المرجانية...
قالت إيفون ببرود:
ـ أعرف أين تقع جزيرة برامبتون.
ـ إنه هناك....أبن أختى يسترجع قوته, لقد أصيب بكسر في رسغ قدمه منذ عدة أسابيع.
ـ أموس.....
ـ إيفون, سوف يكون الأمر بالنسبة لك أشبه بالإجازة, كل الذى أطلبه منك, مساعدته في إعداد مذكراته.
ـ كنت أعتقد أنه كتاب كامل.
ـ سوف يكون كذلك....بفضل مساعدتك, يقول لىّ : إن كل شئ جاهز, و لكن غير منتظم.
ثم أضاف أموس بصوت ناعم: "أنت تعرفين مدى قدرتك على تنظيم الأشياء. هذه هى موهبتك. و هذا هو بالتأكيد ما يزيد قمتك عندى.
ـ استمع إلىّ يا أموس, أنت تعرف حساسيتى ضد الابتزاز, و ليس هذا من بين الأسباب التى دفعتك لاستخدامى . تستطيع سكرتيرة جيدة القيام بهذا العمل.
قال أيموس معترضاً
ـ لا تستطيع سكرتيرا ممتازة أن تقوم بالعمل الذى في ذهنى, ليس وضع كتابه في القالب السليم هو هدفى. ليس هدفى الرئيسى, دعينى أشرح لك, نحن أمام شاب صغير, تمرد على التقاليد إلى حد ما, وقد سبحت به الأحلام بعيداً, و فعل شيئاً مختلفاً عن المألوف, وكاد يقترب فيه نحو إنجاز ما لا أريد أن أحرمه من تحقيق ذلك! و لكن إذا كان هناك احتمال بأنه لم يخلق لمثل هذا الشئ, فإنني بإخلاص أريد إنقاذه من شطحاته الجنونية, و عندئذ يصبح ناضجاً, قادراً على القيام بشئ مختلف, و لو أنه ورث مقدار واحد على عشرة من جينات أمه. و هى متماثلة تماماً مع جيناتى .
قال ذلك و هو يضرب بإصبعه السبابة على المكتب بعنف:
ـ فهذا هو مكانه كما هو مكانك, لهذا...فمن أقدر منك على إغراءه لسلوك هذا الاتجاه؟
قالت إيفون محتجة:
ـ أنت تصورنى بهذا كواحدة من الفتيات اللاتى يدفعن الشباب نحو طريق الغواية!
قال أموس بانفعال:
ـ أنت كذلك, أنت كذلك. تكفى نظرة واحدة إليك, حتى يسير الإنسان في طريق الغواية....و لكن هذا لا يعنى أنك تستطيعين للحظة أن تفعلى ذلك معه, لأننى أشك في أنه من نفس طرازك بالمرة, فضلاً عن فارق السن. إلا أن سحر هذه المهنة يسرى في دمك مثل النهر الهادئ, و يرفعهمن مجرد الاشتغال بالتجارة إلى مرتبة الفن! أن مجرد معرفتك, الاستماع إليك و أنت تتحدثين عن عملك. لن يفشل في التأثير عليه.
ـ أموس....
ـ و أنت تعرفين كيف يشعر الشبان الصغار.
واستطرد أموس بسماحة :
ـ إنهم يميلون إلى تصديق الغرباء أكثر مما ينتمون إليهم برابطة للحم و الدم.
قالت إيفون:
ـ نعم حسن, يجب أن اعترف أننى أميل إلى الشك عندما تتملقنى بهذه الطريقة.
اجاب أموس:
ـ الشك؟
إلا أن عينيه العسليتين كانتا تتوهجان طول الوقت, ثم تنهد و قال برزانة:
ـ تعلق هاتى أمالاً كبيرة على هذا. و أنت تعرفين أننى لا أستطيع أن أرفض أى طلب لها, على الرغم من أننى قلت لها إن هذا الموضوع لن ينجح.
رماها أموس بنظرة ثابتة و هو يستطرد قائلاً :
ـ ما رأيك يا صديقتى, لو أننى عهدت إليك بهذه المهمة ....فلنقل مدة أسابيع و بأجر كامل؟



ترددت إيفون .
أومأ برأسه نحو النافذة, حيث كانت السماء تمطر مطراً خفيفاً و قال:
ـ يقولون أن الصيف سوف يكون شنيعاً هنا, كما أننا انتهينا من عمل الكتالوج التالى و هو في رأى تحفة فنية . و أستطيع أن أقول من مظهرك أنك متعبة بعض الشئ, و لا يوجد في الأيام المقبلة عمل ذو أهمية ما عدا حفل العشاء السنوى, و لكنك حضرت هذه المناسبة مرتين قبل ذلك, كما أننى انتهيت من إعداد قائمة المدعوين . هل تحبين إلقاء نظرة؟
ناولها ورقة عبر المكتب و التقطتها إيفون و ألقت عليها نظرة سريعة. ذهنها لا يزال مشغول بالعرض الذى عرضه أموس عليها. ثم تصلبت عضلات وجهها و رفعت عينيها إليه متسائلة:
ـ هل وجهت الدعوة إلى عائلة راندال؟
نشر يديه أمامه قائلاً:
ـ هل كان ينبغى لىّ ألا أفعل ذلك؟ لقد كنت أغرف جد روبرت راندال معرفة جيدة كما أعرف ناريك كنجستون حماته. لقد تزوجت مرة أخرى الآن, و لكنها زبونة طيبة منذ زمن طويل, ألم تكونى تحبينه؟ لابد لى من القول إنه أعطاك شهادة خبرة ممتازة عندما تركت العمل معه.
قالت إيفون متلعثمة:
ـ أ...ليس الأمر....كلا, لم أكن أنفر منه....أنا....
ـ ألم تتقابلى مع زوجته قط؟ يقولون أنها فاتنة.
ـ أنها كذلك...هى....
بدا أموس متحيراً و سأل:
ـ ماذا إذن؟
أجابت إيفون بسرعة :
ـ لا شئ...ما المدة التى قدرتها في ذهنك لعملى كجليسة لابن أختك الصغير؟
عاد للجلوس و قال :
ـ لا أستطيع أن أسميها تماماً بعملية جليسة أطفال تستغرق المهمة الوقت الكافى لوضع تلك المذكرات في الشكل المعقول , و من الطبيعى كذلك أن أتحمل كل مصروفاتك.
ـ هل سوف نكون في برامبتون طول الوقت؟
رفع كتفيه بإهمال و قال :
ـ طول الوقت الذى يحلو لك, إننى أمنحك مطلق الحرية, أعتقد أنه أعد ترتيباً لمقابلة أحد الناشرين في المستقبل القريب في سيدنى .
فحصت إيفون رئيسها بنظراتها و هى تفكر, و كانت تعرف أنها ربما وافقت على القيام بهذه المهمة المستحيلة, و قالت :
ـ أقدر للمهمة مدة ثلاث أسابيع .
و كانت تلك الفترة كافية للتجنب حضور حفل العشاء السنوى.
ـ إيفون
ـ ثلاثة أسابيع يا أموس و يجب عليك أن تثق بى بالنسبة لقدرتى على الحكم فيما إذا كانت قضيىة خاسرة خلال تلك الفترة من الزمن.
ثم أضافت و هى تبتسم ابتسامة شاحبة:
ـ و هذا هو عرضى الأخير.
قال على الفور :
ـ اتفقنا.
ثم فتح أحد أدراج المكتب, و أخرج مظروفاً به تذكرة طائرة وضعها أمامها على المكتب, ثم قال عندما رأى ابتسامتها تخفت:
ـ و الآن أرجو ألا تتضايقى منى, كل ما في الأمر أننى كنت أعرف أنه باستطاعتى الاعتماد عليك فى مساعدتى لتحقيق هذا الشئ, يعنى الشئ الكثير لىّ و لـ هاتى.
فتحت إيفون فمها لتتكلم ثم أقفلته و هى تفكر في أنه لولا حماس أموس دبلداى بالنسبة لإخراج كتالوج ممتاز خلال العامين الماضيين. لكان العمل جحيماً لا يطاق .
نظر كل منهما إلى الآخر في صمت إلى أن قالت إيفون بصوت به بحه:
ـ ما أسمه؟ أنت لم تخبرنى به.
ابتسم أموس ابتسامة مشرقة و قال:
ـ إيمرسون, ريتشارد كارليزل إيمرسون إلا أنها تسميه ريكى و الآن لماذا لا تحصلين على راحة بعد ظهر اليوم, و تذهبين إلى بوتيك جون نرويد لكى تشترى ما يلزمك؟ ثم باستطاعتك السفر صباح الغد سوف أرسل برقية إلى ريكى كى أخطره بقدومك.
تمتمت إيفون لنفسها في وقت متأخر من تلك الليلة و هى تجلس في غرفة الطعام الأنيقة في مسكنها البديع: "لابد أننى جنت."
كتبت مذكرة للسيدة التى تحضر لتنظيف المسكن تشرح لها أسباب غيابها خلال الفترة القادمة المقبلة. و لم يكن ذلك أمراً غير عادي فقد كانت إيفون تسافر في رحلات عمل بين الحين و الحين و كانت تعتمد على فطنة تلك السيدة في العناية بشئون البيت في أثناء فترة غيابها, و القيام باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف توزيع اللبن و الصحف و أرسال ملابسها إلى محل التنظيف الجاف, و التخلص من الأطعمة التى لا لزوم في الثلاجة خلال فترة غيابها عن البيت.
كانت قد انتهت من إعداد حقائب السفر و كانت تنتظر في الصالة فترة ذهابها إلى المطار في وقت مبكر, و كانت قد حملت معها أيضاً آلتها الكاتبة المتنقلة....و فكرت في أن كل ما تبقى لها. أن تكتب مذكرة تلصقها على الثلاجة الكهربائية و أن تفكر في خطة للتعامل مع ذلك الصبى المطلوب منه أن يسير على نهج خاله, و سألت نفسها : كم يبلغ من العمر يا ترى؟ لم يسبق لىّ التعامل مع الشبان الصغار منذ زمن طويل إلا مع أخى سام الذى كاد الآن يبلغ عامه الحادى و العشرون و هو مهوس بالبنات و ركوب السيارات, و لكن لا يبدو أن ريتشارد كارليزل إيمرسون من ذلك الطراز الطائش من الشبان, و لابد أن يكون ذكياً ما دام أنه قد تمكن من تأليف كتاب في تلك السنة المبكرة . و ربما كان فتى جاداً و متحمساً , و لن أُدهش إذا رأيته يضع على عينيه نظارة طبية و شديد التمسك بآرائه....
قطعت سلسلة أفكارها عندما وصلت إلى هذا الحد. و ابتسمت ابتسامة حزينة و وجدت نفسها تشعر بالرغبة في توفير الحماية لـ ريكى إيمرسون الصغير....
تجولت في غرفة النوم و سارت نحو النافذة و هى تهمس لنفسها:
"ربما تحركت فىّ غريزة الأمومة."
عاد الصفاء إلى السماء و بدت مرصعة بالنجوم و هى ترفع بصرها نحوها. و عندئذ صارت مثل سد يتحطم, إذ وجدت نفسها غير قادرة على طرد الذكريات روبرت راندال من ذهنها و وقفت ساكنة و هى ترتجف و امسكت بالستارة لتحافظ على توازنها .




في صباح اليوم التالى, كان هناك هالتان سوداوان تحت عينيها, تشهدان على أنها لم تذق طعم النوم في الليلة السابقة, بينما كانت تركب الطائرة من ملبورن إلى بريسبين و منها إلى ماكاى في شمال كوينزلاند في الوقت الذى اكتشفت فيه أنها الراكبة الوحيدة الموضوعة في قائمة الانتظار لرحلة الطيران التى تستغرق عشر دقائق إلى جزيرة برامبتون. و نظراً لأن أحداً من الركاب الأصليين لم يلغ رحلته فقد اضطرت لانتظار الطائرة التالية. و وجدت نفسها تعانى الصداع إضافة إلى التعب.
كان الجو حاراً كذلك, شديد الحرارة. و خلا الممر الصغير بطريقة سحرية من الناس فغطته أشعة الشمس و الرطوبة, إلى أن يصل السيل الجديد من الركاب المسافرين و المغادرين, و ظلت إيفون تتجول في المطار بعض الوقت, تقرأ اللوحات و النشرات التى تدعى معظمها أن ماكاى هى البوابة لأرض العجائب حاجز الشعاب الصخرية العظيم في جزر هويتساندى و جمعت بحكم العادة بعض النشرات لكى تأخذ فكرة عن هذا العالم من الجزر, و تلك الشعب المرجانية و مياه البحر بلون الزبرجد و الشواطئ التى تحف بها أشجار النخيل , لكى تكتشف في النهاية أنها وقعت في قبضة كسل روحى كامل.
لهذا اشترت لنفسها عصير البرتقال و جلست تنتظر و هى تفكر في المهمة التى تنتظرها, و في أموس العزيز و زوجته العذبة هاتى التى تعقد الآمال على وضع يديها على إنسان تستطيع اعتباره بمثابة ابن لها. و في كل النجاح التى تمكنت إيفون من تحقيقه. و الفرص التى توفرها لها وظيفتها. و الاغراءات التى تعرضعا عليها المؤسسات الأخرى لكى تسلب أموس منها, و المهنة التى استطاعت أن تشق طريقها فيها بجد و نشاط حتى تمهد الطريق لمستقبل طيب يمتد فترة طويلة....
مهما كان ما تفعلينه, فلا تنظرى إلى الوراء قط, لأنك استطعت الحياة عندما خيل إليك أنط لن تستطيعى ذلك, باستطاعتك التعامل مع الحياة, في غير الأوقات التى تمرين بها الآن و تذكرك....
فكرى في كل ما استطعت عمله من أجل أمك و الآخرين, فكرى في مسكنك الرائع, و سيارتك و ملابسك....
رفعت على شفتيها في النهاية ابتسامة مشرقة, و هى تفكر فيما إذا كانت ضحلة التفكير إلى حد لا علاج له, لأنها حيثما كان الآخرون يجدون السلوى في الدين أو الموسيقى أو الفن فقد كانت الملابس هى التى تجد فيها السلوى على الدوام, و كذلك نوعية البضائع التى كان أموس يملأ بها كتالوجاته, مثل أوانى المائدة الفضية و الصينى و البورسلين, و التحف الدقيقة و المصنوعات الجلدية, و الكريستال و اللآلى و الدانتلا, و الأقمشة الصوفية المستوردة و السجاجيد الشرقية الرائعة التى تخشى المشى فوقها. إلا أن الملابس كانت تأتى في المقدمة.
و الآن شكراً لـ أموس الذى جعلها لوحة إعلان متحركة للملابس التى تعرضها محلاته, فهى لم تكن في حاجة إلى شرائها. تذكرت و هى تبتسم ابتسامة أخرى, أول حلة راقية اشترتها, و كيف ظلت تكافح فترة حتى تتمكن من تدبير ثمنها, ثم كيف احتفظت بالحلة عدة أشهر حتى تدبر ثمن الحذاء الذى يناسب الحلة, و كيف نحل جسمها في أثناء ذلك الكفاح, بحيث لم تعد الحلة تناسب ججسدها.
و تذكرت كيف استطاعت بالتدريج أن تقتنى في دولابها التشكيلة الضخمة من الملابس الرائعة, لم تكن تشكيلة شاملة, إلا أنها كانت منتقاة بمهارة لأنه بينما كان جزء من روحها يهفو إلى الصوف الخالص و الكتان و الحرير و القطن المجعد, كان هناك جزء آخر من روحها يؤمن بالاقتصاد و الحرص.
و من الغريب أن هذين العنصرين نادراً ما كان يتصارعان, و حتى اليوم هى تملك بين أطراف أصابعها عالماً من الموضة, فلم تكن خزانة ملابسها كبيرة جداً, إلا أنها كانت تضم ما يتلاءم مع كل مناسبة .
قالت لنفسها مصححة: "حسناً لكل مناسبة تقريباً" ثم نظرت إلى بنطلونها الكاكى المصنوع من الكتان و بلوزتها الخضراء و الحزام الجلدى الذى يلتف حول وسطها ثم همست لنفسها:
"و لكن في مثل هذا الجو ربما كان من الأفضل ارتداء أخف نوع ممكن من الملابس و لقد كان من محاسن الصدف أننى توجهت لزيارة بوتيك جونى ترويد و أخترت مجموعة صغيرة من الملابس الرخيصة"
ثم قفزت من مكانها عندما لمس أحد الأشخاص كتفها و رفعت بصرها فرأت أحد ممثلى شركة الطيران يقف أمامها و قالت:
ـ أوهـ, أنا آسفة . لقد كنت أحلم!.
قال الرجل و هو يضحك ضحكة قصيرة:
ـ هذا ما خمنته. أنت المس باترسون, أليس كذلك؟ لقد هبطت على أرض المطار طائرتك المتجهة إلى برامبتون و سوف تقلع الطائرة فور صعودك إليها.
سألت إيفون و هى تتلفت حولها:
ـ هل أنا المسافرة الوحيدة؟
ـ هذا هو الحال اليوم. إلا أن بعض الأمتعة الإضافية سوف تصعد إلى الطائرة و خع هذا سووف تصلين في الوقت المناسب لتناول وجبة الغداء على كل حال.
ـ عظيم! أنا...أنا جائعة .
قالت ذلك في شئ من الدهشة و هى تقف و تتجه نحو الطريق المرصوف, و ابتسم الرجل مرة أخرى و هو يتأمل قوامها الرشيق و طريقة مشيها, و شعرها الأسود و بشرتها الرقيقة, نظر إليها بأعجاب بنفس الطريقة التى اعتادت على رؤيتها في عيون الرجال لكنها أغلقت قلبها تماماً تجاهها.
اكتشفت خلال رحلة الطيران القصيرة إلى جزيرة برامبتون والطائرة تعبر البحر. أن تلك الجزيرة أفلتت من اكتشاف الكابتن كوك لها في أثناء رحلتها في أواخر القرن الثامن عشر لاكتشاف الساحل الشرقى لـ استراليا.
قال قائد الطائرة من خلال مكبر الصوت:
ـ لم يفقد الفتى الكهل الشئ الكثير, و لكن أنظرى إلى تلك الجزيرة الأكبر على يمين برامبتون نحن لى الواقع نمر بينهما الآن قبل محطتنا الأخيرة...لقد كانت تحجب برامبتون عن الرؤية.
كما عرفت إيفون أن برامبتون جزء من مجموعة جزر كامبرلاند و أن ذلك المصيف قد أعيد بناؤه مؤخراً و أن تلك العملية لم تنته تماماً, إلا أن معظم وسائل الرفاهية قد توفرت بما يتناسب مع تلك الرقعة من الأرض.
اكتشفت إيفون أن الصداع الذى كانت تشكو منه قد زال, إلا أنها كانت لا تزال متعبة غير أنها تشعر بالبهجة الآن, و أنها ممتلئة بإحساس من التوقع, و بينما كانت الطائرة تهبط. تطلعت إلى منظور من الشاطئ المنحنى و المياه المتوهجة و التلال التى تكسوها الخضرة, و الأشجار المزهرة و النباتات المتسلقة, و فكرت في أنها قد تستمتع بالمشروع الذى جاءت من أجله بعد كل شئ.



قالت موظفة الاستقبال ـ إيفون في شئ من الارتباك:
ـ نعم يا مستر.....أ ......تلقى المستر إيمرسون رسالة تفيد بوصولك يا مس .....باترسون, تلقى برقية من ملبورن في الواقع و لكن.....حسن فور أن أتمكن من الاتصال به, سوف أحيطه علماً بأنك هنا, من المحتمل أن يكون على الشاطئ, أو ذهب لتناول الغداء, و لكننا في نفس الوقت حجزنا لك الغرفة المجاورة لغرفته, المكان جميل يطل على الشاطئ مباشرة, أنا واثقة من أنه سيعجبك. كما أن لديك فرصة لاستعادة نشاطك قبل الغداء. سوف تقوم سوزان بمهمة إرشادك للتعرف على المكان, ولابد أن تكون أمتعتك قد وصلت الآن بالفعل.
ابتسمت إيفون و قالت:
ـ شكراً لك. و بدأت تستدير إلا أنها التفتت إلى الوراء قائلة:
ـ أستمعى إلىّ , لا تقلقى نفسك بالبحث عن المستر إيمرسون إذا كانت حجرتان متجاورتين فسوف ألتقى معه إن عاجلاَ أو آجلاً, لا داعى للاستعجال.
ـ إذا كنت واثقة من ذلك؟
ـ كل الثقة, قالت إيفون ذلك بحزم, و هى تفكر في إعطاء ريكى إيمرسون الصغير عدة ساعات أخرى من الحرية, و السماح لنفسها بفسحة من الوقت تهدئ فيها أعصابها.
كانت سوزان ضابطة الاتصال المسؤولة عن إعداد البرامج الترفيهية للضيوف, تثرثر بطريقة ساحرة و هى تقود إيفون داخل المصيف مشيرة إلى الأماكن المهمة في نفس الوقت:
ـ هذا هو المكان الذين يطعمون فيه ببغاءات اللوركيت و هنا يعرضون كيفية فتح ثمار جوز الهند, و تلك وحدات كارليزل القديمة التى ينتظر هدمها في وقت قريب, أنت الآن في منطقة البحيرات الزرقاء الجديدة.
استفسرت إيفون و هى ترفع حاجبيها بدهشة:
ـ كارليزل؟
ـ هذا هو اسم جزيرتنا التؤم التى تقع عبر الشاطئ الآخر من القنال مباشرة, الجزيرة التى حجبت الرؤية عن الكابتن كوك و ماثيو فلندز و هذا الخط الحديدى الذى نعبره يؤدى إلى رصيف الميناء للمياه العميقة, إنه قطار صغير في الواقع و هو وسيلة المواصلات الوحيدة الموجودة هنا. و الآن....هذه هى الوحدات الجديدة للبحيرة الزرقاء, أنها مختلفة, أليس كذلك؟
أومأت إيفون برأسها علامة الموافقة و هما تسيران في شارع تحف به المبانى على الجانبين, و هى مبانى من طابقين يضم كل منها ثمانى حجرات و تحيط بها الأشجار و الشجيرات, و تغطى النباتات المتسلقة الجدران من الخارج, بينما الأسقف منحدرة, و المبانى بلون البسكويت و فكرت في أن شكلها مختلف و لكنها لطيفة.
و أخيراً, بعد أن أكدت لـ سوزان أنها لن تتردد في الاتصال بها لو احتاجت إلى شئ, أغلقت خلفها باب غرفتها في الطابق الثانى و تطلعت حولها . كان أثاث الغرفة بديعاً و بها نافذتان تطلان على شرفة.
و عندما دخلت الشرفة أدركت انها تطل على البحر بالفعل. و أن المنظر يبدو لها رائع للغاية و أن غرفة ريكى المجاورة لها تطل على نفس المنظر و أن الشرفة مشتركة بين الغرفتين, يفصل بينهما حاجز من الخشب المشبك. و لم تكن هناك أى آثار للحياة في الشرفة, أو أى أصوات تصدر من داخل الغرفة, و مشت إيفون إلى داخل الغرفة مرة أخرى و ألقت نظرة سريعة على السرير العريض الناعم و قررت أنها ليست في حالة جوع شديد, أو راغبة في النوم لهذا فتحت إحدى حقائبها و أخرجت روباُ من الثياب الرخيصة و ارتدته, ثم رقدت على السرير و بعد دقيقتان استغرقت في النوم.
أعلنت الساعة الرابعة قبل أن تستيقظ من النوم, و كانت الشمس قد بدأت تنحدر نحو الأفق, وقفت خلف الباب الزجاجى للشرفة مباشرة مدة دقيقتين و هى تتطلع حولها. كان الشاطئ مغرياً بشكل مذهل. و قد تناثرت فوق صفحة الماء الأطواق الملونة و فكرت في أن مزاولة السباحة قد تكون العلاج الشافى. ثم تستطيع بعد ذلك أن تواجه العالم بالقدر الذى يفعله ريكى إيمرسون.
كان لباس البحر التى ترتديه من قطعة واحدة مخططاً باللونين الزمردى و الاسود يعانق جسمها بإحكام و كان مطرزاً بحاشية فوق الثديين و ربطت شعرها إلى الخلف بشريط من الجبردين الأسود و بحثت عن منشفة الشاطئ السميكة باللون الزمردى التى أحضرتها معها ثم التقطت نظارتها الشمسية ذات الأطار الأخضر و توجهت إلى الشاطئ.
عثرت على دكة طويلة بيضاء على الشاطئ ليست مزدحمة بالناس و لكنها ليست مهجورة كذلك. و تدثرت بالمنشفة و وقفت للحظة تتأمل الماء, و لما كان الشاطئ داخل حاجز الشعب الضخم لم تكن هناك أى أمواج تتكسر على الشاطئ و إنما مجرد تموجات خفيفة تزحف نحو الرمال الذهبية الشاحبة و حيث إن المد كان مرتفعاً.
كانت كل وسائل النقل البحرى مستخدمة و لم يكن رواد الشاطئ يستخدمون الأطواق فحسب و إنما كانوا يستخدمون أيضاً القوارب ذات المجاديف و المراكب الشراعية و زحافات التزحلق على الماء, و كان من الواضح أنه لا يوجد سوى مكان واحد فوق هذا المصيف الرائع خلال فترة بعد الظهر, إما أن يكون الإنسان داخل البحر أو خارجه.
لم تطل فترة تردد إيفون.
لم تكن سباحة ماهرة إلا أنها بقيت في الماء مدة نصف ساعة فقد كانت المياه آمنة بينما القاع الرملى النظيف رائع.
و عندما خرجت من الماء في النهاية قررت أن الكابتن كوك و ماثيو فلندرز قد افتقدا دون أدنى شك قطعة صغيرة من الجنة!
كان الصفير المنخفض الذى ترامى إلى سمعها, هو الذى أعادها مرة أخرى إلى دنيا الواقع, بينما كانت متجهة إلى الدكة لتلتقط منشفتها, كان أشبه بصفير الذئب لا يكاد يكون مسموعاً.
و خلال لحظة لم يخطر ببالها أن ذلك الصفير موجه إليها, حتى تلفتت حولها و وجدت نفسها تنظر إلى عينين خضراوين تتطلعان إليها من تحت قبعة ممزقة من القش, و لم يكن هناك أدنى شك في أن هاتين العينين تستعرضانها من قمة رأسها إلى أخمص قدميها بنظرات اعجاب وقحة بينما ترتسم على الشفتين ابتسامة ملتوية , تجمدت إيفون في مكانها اللحظة التالية تعنف نفسها لأنها خرجت على المألوف كعادتها من حيث التصدى لمثل هذه الأعمال ببرود.
و استخدمت تكتيكاً كانت في العادة تلجأ إليه, حملقت ببرود في هاتين العينين الخضراوين و طالعها جسم شاب ضخم ممدد على دكة و لم يلبس سوى بنطلون قصير من القطن اللامع, متفاوت الألوان و يتجاوز طوله الستة أقدام, و قد لوحت الشمس بشرته , ناعم الكتفين نحيف الفخذين طويل الساقين تغطيهما شعيرات ذهبية خفيفة , و يقترب عمره من الثلاثين و تنقلت عيناها على صفحة وجهه أو على ما تمكنت من رؤيته تحت القبعة, ولاحظت أنه وسيم حتى بدون العينين الخضراوين المفوعتين و كان بالإضافة إلى كل ذلك يبدو شديد الثقة بنفسه إلى حد كبير.
لكن إيفون ذكرت نفسها أنها هى زهرة منسية أيضاً شديد الاعتداد بنفسها و أشاحت عنه بوجهها دون استعجال , ثم التقطت نظارة الشمس من فوق المقعد و سارت مبتعدة عنه لتجلس على دكة أخرى خالية, تبعد عنه مسافة كافية .
لم تكن واثقة مما إذا كان خيالها هو الذى صور لها ذلك إلا أنها فكرت في أنها سمعت صوت ضحكة خافتة تطاردها, لم يكن رد الفعل لديها خلال اللحظة التالية متميزاً, احست بالدم يغلى في عروقها, و كزت على أسنانها باستياء . بل و تمتمت من بين أنفاسها المحبوسة: "اللعنة على الرجال!"
و على الرغم من ذلك يبدو أن الحيلة نجحت, فبعد عشرين دقيقة عندما نظرت إيفون إلى الشاطئ رأت المعجب الوقح يدير ظهره لها .
و قد التف حوله مجموعة من الفتيات. حسناً, كن ثلاث و كلهن صغيرات و جميلات, لاحظت ذلك حتى على بعد المسافة و كان يبدو أنهن يستمتعن بصحبته.
ظهر بريق الاستياء في عينى إيفون لحظة وجيزة ثم استلقت على ظهرها, و تركت لـ شمس فترة بعد الظهر أن تدغدغ جسدها.
بينما كانت تأخذ و تفكر باشتياق في العشاء طرق أحدهم طرقة عنيفة على باب غرفتها .
تمتمت في غيظ و هى تخطو خارج الدش : "اللعنة " و اخذت تجفف بسرعة جسدها بالمنشفة ثم ارتدت و هى مرتبكة روباً قطنياً. "لابد أن يكون هذا ريكى!"
و عندما تكررت الطرقة على الباب بشكل يدل على نفاذ الصبر, ردت:
ـ أنا قادمة!
ثم حدثت نفسها قائلة :
ـ كل ما أرجوه ألا تكون وحشاً صغيراً ! و أحكمت وضع الروب حول جسمها.
لكن القادم لم يكن وحشاً صغيراً يقف خارج الباب و يده مرفوعة استعداداً للطرق على الباب مرة أخرى. بل كان رجلاً تعرفت عليه إيفون حتى بدون القبعة, عرفته من عينيه الخضراوين و الشورت الذى يلبسه غير أنه كان يتوكا على عصا.
رمقته إيفون برهة قصيرة و قلبها يدق بعنف, ثم قالت:
ـ أوهـ, و الآن ....استمع إلىّ, هذا.....
قاطعها الرجل باستمتاع :
يا إله السماوات! لا تخبرينى أنك باترسون؟
فغرت إيفون فمها و قال الرجل:
ـ وصلتنى هذا الصباح برقية مبهمة من خالى أموس لقد نسى أن يشير في البرقية إلى أنك سيدة.


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-06-16, 10:05 PM   #3

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الثانى


تراجعت إيفون خطوة إلى الخلف و لا تزال شفتاها منفرجتين, و يبدو الذهول في عينيها و هى لا تكاد تفهم, ثم قال متلعثماً:
ـ أنت هذا الـ باترسون الذى رأى الخال أموس أن يدسك علىّ؟ قال ريتشارد كارليزل ذلك و هو ينظر إليها بوجه عابس :
ـ لقد كدت اصطدام بـ سوزان منذ عدة دقائق و أخبرتنى أنها وضعتك في الغرفة المجاورة لىّ.
أغلقت إيفون فمها و لعقت شفتيها’ و قالت بصوت فيه بحة:
ـ لست أفهم, لقد قال أنك صغير.... أصغر من صبى.
زال العبوس عن وجهه وجلت محله نظرة مرحة و قال:
ـ هل قال ذلك؟ إننى في العام الحادى و الثلاثين من عمرى, أعتقد أن الخال أموس في الستينات من عمره الآن, و هكذا يكون سن الثلاثين لشخص أكبر أكبر من الصبى في نظره....
قاطعته إيفون قائلة بغضب:
ـ كلا, لقد تحدث عن الفجوة الزمنية التى تقع بين جيلى و جيلك...لا بد أن هناك خطا ما!
قال ريتشارد إيمرسون :
ـ ربما كانت هناك فجوة زمنية بين جيلينا, فأنا بالنسبة للقلب صغير جداً, في حين يبدو أنك من جيل متحفظ....كما أنك جميلة جداً.
قال ذلك و عيناه الخضراوان تستعرضان من جديد .



ـ أوهـ! ابتعدت عنه مستاءة و انتهز الفرصة لكى يتبعها إلى داخل الحجرة و يغلق الباب وراءه و عندما استدارت وجدته يقف خلفها.
قالت بمرارة:
ـ أراهن على أن هناك زمناً طويلاً قد مضى حين ناداك أى أحد بـ ريكى.
ـ حسن...نعم, في الأغلب ينادوننى ريك....لماذا أنت مضطربة إلى هذا الحد بالنسبة إلى ذلك؟
لأن خالك أموس تعمد أن يضللنى, لأسباب لم أعرفها بعد
قال ريتشارد إيمرسون مفكراً:
ـ بالنسبة لهذا الموضوع , أنا مثلك تماماً في ظلام, كما ترين.... هذه البرقية التى سوف أطلعك عليها...كلا , لا أستطيع, لقد تخلصت منها باستياء. و لكن صدقينى كانت تقول يصل باترسون مساعدى الشخصى اليوم ليقوم برعاية كل احتياجاتك, ضع نفسك بين هاتين اليدين الحكيمتتين . نقطة. و قد فكرت في الحال..أو هذا ما ظننته إنه نفس الإغراء القديم, مع استخدام طُعم مختلف.
حملقت إيفون في وجهه.
شرح بوجه عابس:
ـ لقد كان خالى أموس يحاول استدراجى للعمل في مهنته منذ سنوات عدة, و قد فكرت في أن هذه خطة جديدة مع استخدام أسلوب مختلف...آهـ!
رماها بنظرة فاحصة :
ـ هل كنت على صواب ؟
ضغطت إيفون على شفتيها.
ـ إذن فأنت مساعده الشخصى؟ و قد جئت لمساعدتى في الكتاب, مع محاولة استداجى في نفس الوقت للعمل في عالم الخردوات و الملابس الداخلية و منتجات الحدائق و البساتين.... توقف عن الكلام و أنفجر ضاحكاً ثم تمالك نفسه و قال في سخرية ممزوجة بالاحترام:
ـ أيها الخال أموس أنا أحيك في هذه المرة , إننى أحيك حقاً! هذه الخدعة ضرب من العبقرية. امرأة على درجة كبيرة من الجاذبية لكى تتولى العناية بكل احتياجاتى و... إغرائى لكى أعمل بالتجارة, و ربما يكون الفتى الكهل قد جاء في هذه المرة بالورقة الرابحة!
ــ إذا كنت قد انتهيت . قالت أيفون ذلك ببرود و لكن بصوت فيه بحة مما أثار إعجابه و أخذ يراقبها بافتتان.
ـ أحب أن أقول عدة كلمات قليلة الذى حدث أننى كنت ضحية.... خدعة. سكتت برهة و هى تنظر إلى عينيه مباشرة. ثم تابعت حديثها :
ـ تحت ادعاءات كاذبة لهذا لن أشعر بتأنيب الضمير بالنسبة لإنهاء الدور الذى أقوم به في أقرب فرصة ممكنة.
بدأ يبتسم, إلا أنه كتم الابتسام و قال بجد:
ـ الآن يا باترسون في ذلك الشئ من التطرف, ألا نستطيع مناقشة الموضوع؟
أجابت بقولها :
ـ لا يوجد شئ نناقشه.
ـ سمعاً و طاعة, ما رأيك لو أننى اعترفت بأننى فسرت أسلوب البرقية بكلمات فيها شئ من التجاوز؟
ـ على الرغم من ذلك , ليس هناك شئ نناقشه!
ـ يكفى أن تقولى إننى أكبر قليلاً من صبى , ماذا تقولين في هذه الحالة؟ أهذا هو السبب الرئيسى لحزنك؟
قالت إيفون بتسرع و أدركت ذلك فيما بعد :
ـ هكذا, وحقيقة أنه من الواضح أن النية ليست متوفرة لديك لتحقيق رغبة خالك, أعز أمانيه , و لن تكون المناقشة سوى مضيعة لوقتى.
سألها:
ـ و ماذا بشأن كتابى؟ أستطيع أن أؤكد لك بشدة أننى في أمس الحاجة إلى حكمتك , على الرغم من أننى أعتقد أن وصف أناقتك ربما كان الأفضل بالنسبة لوضع الأمر بين يديك.
لم يستطيع أن يكتم ابتسامته في هذه المرة, و تابع حديثه:
ـ في الحقيقة كنت.....
اتمنى الآن لو أننى احتفظت بتلك البرقية.
قالت إيفون متجهمة :
ـ مستر إيمرسون" و لاحظت غير أنها لم تتفهم نظرة الدهشة ثم التأمل التى ظهرت في عينيه الخضراواين : "لا يوجد شئ على وجه الأرض يمكن أن يرغمنى على الاستمرار في علاقة معك!"
ظل صامتاً بعض الوقت و هو يراقبها بفضول, حتى اعترى الارتباك إيفون عندما فطنت إلى خفة الملابس التى ترتديها, ثم قال بصوت منخفض:
ـ لأننى أطلقت صفيراً عندما رأيتك؟
نظرت إليه بإحتقار كأنما كان ذلك آخر شئ في الدنيا تهتم به
و ابتسم ابتسامة خفيفة و قال:
ـ لأننى ضحكت إذن؟ قولى شيئاً. هل أنت ضد الرجال يا باترسون ؟
ـ لماذا تستنتج ذلك؟
ـ "احتقارك الرائع." قال ذلك بصوت لا يكاد يُسمع, "و كذلك حقيقة أنك لا تكترثين بالأولاد. هل تفعلين ذلك من أجل إراحة ذهنك؟"
قالت معنفة :
ـ لا دخل لراحة ذهنى بك.
قال ببطء:
أوهـ, بل له دخل بىّ يا باترسون لأنك كما ترين, مهما كان السبب الذى جعل خالى يرسلك إلىّ. ففى نيتى الاحتفاظ بك.
ـ توقف عن مناداتى بذلك الأسم و ....
ـ لا أعرف اسم آخر أناديك به, هل أنت آنسة أم سيدة؟ أرى أنك ليست سيدة. لقد لاحظت ذلك منذ البداية, على الأقل لست كذلك في الوقت الحاضر, هل تحبين أن تحدثينى عن ذلك؟
تنفست إيفون نفساً عميقاً, ثم بدأت تعد من واحد إلى عشرة. و هى دهشة في نفس الوقت للطريقة التى سمحت بها لهذا اللقاء أن يخرجها عن سيطرتها. ثم رمت ريتشارد إيمرسون بنظرة سوداء حادة, و قبل أن تحجب عينيها ببعض الجهد و تقول ببرود :
ـ أنا آنسة. و لم يسبق لىّ الزواج قط, و اسمى إيفون و قبل أن تضحك – و هناك أمران آخران أحب أن أوضحهما لك – أنا في أشد حالات الجوع لأننى لم ألحق وجبة الغداء, و أنا أحداً لم يستطيع حتى هذه اللحظة أن يضعنى في موضع لا أحب أن أكون فيه, و في الوقت الذى يوجد فيه بعض الرجال الذين أشعر بالميل نحوهم كثيراً, فإن طريقة صفيرك الجارحة مثل الذئاب, تبدو لىّ باختصار علامة على عدم النضوج.
و لكن ربما لم يكن ينبغى لها أيضاً أن تضيع أنفاسها, لأن ريتشارد إيمرسون وضع يده فوق قلبه و تنهد و هو يقول بحزن:
ـ لقد قُضى علىّ.
أدركت إيفون أنها تتنفس بثقل من الشعور باليأس و السخافة .
و اضاف ريتشارد :
ـ شئ واحد أستطيع أن أصححه, و هو أننى أستطيع أن أخذك للعشاء. فربما رأيت الأمور على وجه أفضل بعد تناول الطعام, أنا شخصياً أكون أنسانا غير محتمل عندما أكون ميتاً من الجوع. سوف أعود لأصحبك....فلنقل بعد نصف ساعة.
ثم غادر الغرفة على وجه السرعة تاركاً إيفون تتابعه بنظراتها في ذهول دون أن تقوى على النطق. كان من بين الثياب التى أحضرتها معها بلوزة بغير كمين فتحة رقبتها على شكل حرف v و ارتدت جونلة حمراء ضيقة مخططة بخطوط سوداء متقاربة تشكل مربعات, ولكن على الرغم من اللون فقد كانت حريرية باردة الملمس, ثبتت إيفون فوقها حزام أسود, ثم أدخلت قدميها فى حذاء أسود مفتوح عند الأصابع, منخفض الكعب, و وقفت أمام مرآة الحمام تفحص شعرها, و لم تكن فى الواقع قد استخدمت أى مساحيق للتجميل بسبب ارتفاع حرارة الجو إلا أن شفتيها كانتا مصبوغتين بلون يتناسب مع لون ثوبها, و استخدمت قليلاً من ظل الجفون باللون الرمادى الفضى, أسفل حاجبيها المقوسين بشكل طبيعى. بحيث لم تكن فى حاجة إلى أى شئ آخر, سوى تسوية الحاجبين بأطراف أناملها, و كان شعرها يصل إلى مستوى كتفيها عندما تتركه مرسلاً, و مشطته إلى الخلف لتزيحه عن وجهها, و عصقته فى خصلة أنيقة على الرغم من أنه كان يمثل إطاراً صارماً لوجهها, إلا أنه كان يساعد على إظهار عينيها السوداوين الواسعتين. تحف بهما أهداب طويلة لا تحتاج إلى إطالتها.
لم تكن لها حيلة سوى أن تعرف أنها تمتلك نوعاً من النظرات المذهلة التى تدير الرؤوس حيثما ذهبت. و لكن كان يسعدها فى بعض الأوقات أن تستعمل شيئاً أكثر رقة من تلك النظرات.
ربما كانت تستغرق فى التفكير و هى تتأمل نفسها, و ربما كان ذلك السبب الذى دفع ريتشارد كارليزل إيمرسون أن ينفذ بنظراته تحت جلدها بذلك الشكل المزعج و قالت لنفسها: إنها تكره أن يطلق الرجال الصفير عند رؤيتها, و يرمونها بتلك النظرات النهمة بصفة خاصة من الرجال الغرباء. لأن ذلك يشعرها بالمهانة. و سألت نفسها: ماذا سوف تفعلين بالنسبة لهذا الرجل يا إيفون كيف يكون رد فعل أموس لو أنك تخليت عن أبن أخته؟ أعنى....أننى فى الواقع لن اكترث لذلك و لكن....تنهدت و هى تدرك أنها لا تستطيع أن تجرح مشاعر مخدومها, و عبرت وجهها نظرة عابسة, و تحولت أفكارها نحو مجرى آخر. هل تعمد أموس أن يضللها بالنسبة لعمر أبن أخته عندما أخبرها أنه تجاوز سن المراهقة بقليل؟ أو ....حسن, نعم. اعترفت بينها و بين نفسها أنها عرفت أموس منذ فترة طويلة, حيث تعلم أنه تحت ذلك المظهر الذى يدل على الفطنة و الذكاء, قد كان ساذجاً إلى حد غريب.... لا أعرف ما الكلمة المناسبة لوصف ذلك, و لكن التصرف الذى يجعل الرجل الذى حقق ثروة كبيرة يفاخر بارتداء صديرى من شغل الإبرة لزوجته, على الرغم مما فيه من عيوب, هل كان غرامه بذلك النوع من العمى ممتداً إلى موضوع أبن أخته؟ إننى اعتقد أن ذلك ممكن.....



سمعت إيفون صوت طرقة ريتشارد إيمرسون على الباب التى لا تخطئها الأذن مرة أخرى, مما قطع حبل أفكارها, و وضع على وجهها تعبيراً صارماً أرغمها على الابتسام ابتسامة حزينة مؤلمة لنفسها و قالت لنفسها: ليست هذه هى الطريقة التى تلعبين بها دورك بالمرة يا إيفون كونى على حذر!
سمحت لنفسها أن تأخذ الوقت الكافى للبس ساعتها, و السوار الذهبى الذى تعودت وضعه فى يدها بصفة دائمة قبل أن تجيب على الطارق.
كان من السهل عليها التنبؤ برد فعله فى البداية عندما فتحت الباب, ضغط على شفتيه ليطلق صفيراً خافتاً, إلا أنه توقف عن ذلك, و قد تجهم وجهه بنظرة ملتوية, و فى عينيه الخضراوين بريق غريب و قال:
ـ يا سلام! قد تكونين على صواب يا باترسون لابد أن هناك فجوة زمنية ضخمة بين جيلينا يوجد فيك شئ يعتبر مسؤولاً عن تلك التصرفات الصبيانية التى تدفعيننى إليها!
لكن إيفون كانت تسيطر على أعصابها بشكل جيد و قالت:
ـ و إذا كنت قد قضيت ما لا يزيد على العام فى دراسة شعب الكوكولولس....لو أن ذلك الجانب من القصة كان صحيحاً على الأقل فلربما كانت أى أنثى لا تضع قطعة من العظم تخترق أنفها, تعجبك.
ضحك ضحكة مرحة عالية و بدت أسنانه البيضاء, و خلال لحظة خاطفة, احتبست أنفاس إيفون و هى ترى آثار التصادم بين لون بشرته الذى تغير بفعل تعرضه للجو, و شعره الذى حال لونه بفعل الشمس, و التباين المذهل بين لون عينيه الخضراوين, بالإضافة إلى حيويته الزائدة, و خلوه من الهموم, و الهالة التى تحيط به. معبرة عن ذكاء من نوع غريب, واكتشفت إيفون لدهشتها البالغة خلال اللحظة القصيرة التالية, شعورها بأن عمرها ازداد مائة سنة, ثم أدركت أنه يحملق إليها بضحكة بدأت تخفت و سألها :
ـ ما الذى حدث؟
قالت على وجه السرعة:
ـ لا شئ.
ـ كان يبدو عليك....كنت تظهرين خلال لحظة.....زهرة منسية
هز كتفيه, إلا أن الحيوية كانت تنبض من عينيه, و الاهتمام الشديد يبدو على وجهه و عيناه تتفرسان فى وجهها.
سيطرت على مشاعرها أمام الرجفة التى كادت تسرى فى جسمها, مثل جرس إنذار يدق داخل عروقها يحذرها من أى شئ.
و شرحت بقولها:
ـ أنا فى الواقع جائعة جداً.
ـ اعتذر لك سيدتى! هل لديك اعتراض على أن أقودك إلى المطعم؟
قالت بلهجة مهذبة:
ـ ليس لدى أى اعتراض بالمرة.
كان المطعم فى الطابق الثانى و الأعلى من مبنى مستطيل يضم عدة أجنحة و أماكن للشراب, بالإضافة إلى محل للجزيرة, و كانت له شرفة واسعة مزودة بالموائد و الكراسى, تواجه الشاطئ و الماء, و كان آخر ضوء لغروب الشمس يلقى بريقاً على الماء عندما جلسا إلى مائدة معدة لاثنين بجوار الحائط الزجاجى للمطعم.
تلفتت إيفون حولها, ثم نظرت إلى رفيقها, و تنهدت بارتياح و هى تحس بسيطرتها على مشاعرها, و كيف كان يمكن أن تشعر بغير ذلك, فكرت بذلك متعجبة, و لكن هنا وسط ثرثرة من جاءوا لتناول العشاء, و بين أدوات الموائد المجهزة لاستقبال الرواد, و الموسيقى التى ترددت فى الخلفية, و الضوء الخافت, و رائحة الطعام الشهى. و حتى مع وجود ريتشارد كارليزل إيمرسون, كان يبدو لها أنها تستطيع التعامل مع هذا الوسط.
رفت على شفتيها ابتسامة شاحبة و هى تدرس ريتشارد و تذكرت الصورة التى تخيلتها له من قبل, لم يكن قصير النظر و جاداً, رطب راحة اليد حسناً....لقد كانت ترتاب فى ذلك. كان فى الواقع على النقيض من ذلك. وهو يرتدى قميصه الابيض الفضفاض, بجيبين كبيرين, و بنطلونه الجينز الرمادى, و شعره المخطط الذى يتهدل على حاجبيه.... فكرت إيفون : لقد تعاملت مع المئات من أمثاله, ألم يحدث لىّ ذلك؟
ـ هل استطيع مشاركتك فى الدعابة؟
ـ تستطيع. و أخبرته على الفور بالوصف الذى وصفه به خاله و استقر فى ذهنها, و نظر إليها مستمتعاً و قال :
ـ لا عجب أن ظهرت لك كنوع من المفاجأة, و استنتج إما أن يكون الطعام الذى يوشك أن يُقدم لك أو فترة النصف ساعة التى قضيتها فى التفكير و أنت ترتدين ثيابك, قد أدخلت بعض التغيير على مزاجك السابق المستعد للقتال.
مضى بعض الوقت قبل أن تسنح الفرصة لـ إيفون كى ترد, إذ انقضت عليهما المضيفة. و طلبا الوجبة مع زجاجة شراب, من اختيار ريتشارد, ثم توقفت سوزان عند المائدة لتزودهما بتفاصيل سهرة الليلة, و المفروض أن تتخذ شكل مباراة من المواهب, و أن أخباراً تقول إنه طـُلب من الأطراف المهتمة تشكيل مجموعات, إما للغناء أو الرقص أو أى شئ يتخيلونه.
قال ريتشارد ضاحكاً:
ـ كلا يا سوزى ليس فى نيتى أن أعرض نفسى بهذه الطريقة.
و قالت سوزان متوسلة:
ـ و لكن يا ريك....جميع من تحدثت معهم يريدون منك الانضمام إلى مجموعتهم, أنت أكثر الشخصيات الذين تتجه إليهم الأنظار الليلة هنا. أنت تغنى و تقلد الشخصيات....إنك تستطيع الرقص حتى باستخدام عصا المشى, أرجوك يا ريك!
تمتمت إيفون:
ـ لا تعمل حساب لىّ
سألها ريك:
ـ هل تهمك المشاركة فى هذا الضرب من الجنون؟
قالت إيفون بحزم:
ـ لا .قال على الفور:
ـ أنا آسف يا سوزى هذه هى الليلة الأولى لـ إيفون . ربما انضممنا فى الغد إلى أى شئ تخططون له.
ضحكت سوزان ضحكة قصيرة و قالت:
ـ أوهـ لا بأس, لكن لا تنس أنك مشترك فى مباراة الجولف غداً, هل أستطيع أن أسجل أسمك فى هذه المنافسة يا إيفون؟
ترددت إيفون .
ـ لا يهم إذا كنت من الهواة....الموضوع كله مجرد تسلية, أعدك بذلك.
واعية بعينى ريك المركزتين عليها, و على وعى بتغيير فكرتها عنه من ريتشارد كارليزل إيمرسون السيد المبجل و الآن ريك الاسم الذى كان يبدو مناسباً له تماماً, أومأت إيفون برأسها فى النهاية و قالت :
ـ لا بأس
ـ عظيم. قالتها سوزان و هى تتركهما للبحث عن ضحايا جدد.
قالت إيفون عندما وضع طبق المشهيات أمامها :
ـ كنت اعتقد أنه من المفروض فى هذه المصايف فى الجزر أن تكون جنة من السلام.
رد عليها ريك:
ـ لا تفعلى شيئاً لا تريدين أن تفعلينه, أهذا هو نوع شخصيتك؟
ـ لست ممتازة جداً فى الرياضة, إذا كان هذا ما تقصده, كما أننى مغنية بشعة. و لا رجاء فى أن أقلد الاشخاص على الرغم من أننى أستطيع أن....حسناً, لابد أن أكون فى مجموعة هذا الطراز من الشخصية.
ـ و لابد أن تكونى على درجة مفزعة من الكفاءة. إننى أتصور أن شغلك المنصب المساعد الشخصى لخالى أموس يعتبر مركزاً طيباً جداً, و لست فى حاجة إلى القول إن ذلك يضعك فى مكانة تسلط عليها الأضوء.
انتهت إيفون من شرب الكوكتيل و قالت بهدوء:
ـ هذا شئ مختلف.
ـ و يعنى ذلك أنه توجد هناك شخصيتان مختلفتان تماماً لـ باترسون. الشخصية العامة و الشخصية الخاصة.
جففت شفتيها بمنشفة المائدة ثم نظرت إليه نظرة عابرة و قالت:
ـ محتمل.
قال ريكى ببطء:
ـ إننى أتساءل أى قدر من المعلومات سوف أعرفه عن الشخصية الخاصة, و بهذه المناسبة, لم تسنح لك الفرصة لكى تعلقى على افتراضى السابق.
رشفت جرعة مما أمامها من شراب و قالت :
ـ ريك...إذا كان يحق لىّ أن أناديك بهذا الأسم.....
ـ كونى ضيفتى, باستطاعتك أن تنادينى بـ إيمرسون و عندئذ لن أشعر بحرج شديد و أنا أناديك بـ باترسون, و هو الاسم الذى يبدو أنه يقفز إلى شفتى.
حملقت إيفون إلى عينيه اللاهيتين, الساخرتين بشكل غريب, بلونهما الأخضر و قالت:
ـ لا يعنينى الاسم الذى تناديننى به, و لككن إذا كنت تريد منى البقاء فلابد أن يكون ذلك وفقاً لشروطى. و واجهت نظرته بتأمل
تمتم:
ـ أرجو أن تستمرى.
ـ لقد وعدت خالك بأننى سوف أمنحك ثلاث أسابيع من وقتى كما أننى وعدته....أننى سوف اختبر كل ما يتعلق بمواطن طموحك بالنسبة للمستقبل, و لكنك قد أوضحت بما لا يدع مجالاً للشك أنه لا سبيل لذلك. لهذا إذا كنت فى حاجة إلى المساعدة فى عملك. فسوف أقصى جهودى على ذلك. و لكن ذلك سوف يكون مجرد ترتيبات عمل لا أكثر.
سألها بعد فترة صمت طويلة:
ـ ما الذى جعلك تغيرين رأيك؟
ـ إننى مولعة أشد الولع بخالك. و زوجة خالك, و هو على وجه الخصوص كان طيباً جداً معى, و لا أريد أن أجرح مشاعره أو أنكث بوعد قطعته على نفسى.
ـ هل تقولين إن فكرتك عنى قد تجرح مشاعره؟
قالت إيفون ببرود:
ـ نعم.
توهج لهيب خفيف فى هاتين العينين الخضراوين, أحالهما بشكل غريب إلى عينى نمر و قال:
ـ أنت تصدرين احكاماً صارمة جداً يا باترسون.
اكتفت بهز كتفيها و تناولت قطعة من الخبز بين أصابعها, و اضاف:
ـ ألن تفندى التهمة؟
ـ سوف أفعل إذا كنت تريد ذلك بالفعل على الرغم من أننى لن أفعل شيئاً سوى أن أكرر نفسى. ثم قالت باختصار:
ـ إننى يشكل غريب حساسة بالنسبة لطرازك من الرجال.
ضحك, لكن كما لو أنه كان يتسلى بما يسمعه مما أدهش إيفون بعض الشئ, و ذكرها بظرة النمر التى لاحت فى عينيه, تلك النظرة التى أصبحت مجرد ذكرى الآن, و لكنه كان يثأر لنفسه و كانت تعرف أنه قد يفعل ذلك, و قال بخفة و هو لا يزال يبتسم:
ـ كل ما فى الأمر أننى أرجو ألا تعيشى حتى تندمى على هذه القرارات المتعجلة يا عزيزتى.
ثم أضاف:
ـ هكذا....بعد أن أخرجت ذلك ما الذى تبقى لنا؟
قالت إيفون بهدوء :
ـ إذا أردت بعد العشاء أن تطلعنى على مذكراتك, فقد تواتينى فكرة و على الرغم من هذا فلابد لىّ من أن أشير إلى نقطة أخيرة, على الرغم مما أكنه من حب لخالك, فهناك حد لما سوف أتقبله من معاملة بالنيابة عنه.
قال ريك على الفور:
ـ أنت تعرفين, إذا كانت لديك حقاً حساسية ضد اعجاب الذكور فإننى دهش لأنك لم تختارى حياة الرهبنة, إننى فى دهشة لذلك حقاً.
ـ لقد فكرت....عضت شفتها.
ـ هل فكرت فى ذلك؟
ـ لا, ليس تفكيراً جدياً
ـ لا يدهشنى ذلك, ليس الآن بعد أن عرفت ما أطلقته مجرد صفارة إعجاب بريئة, سوف أقول لك شيئاً, سوف أفكر مرتين قبل أن أفعل ذلك مرة أخرى, هل أنت واثقة من أن الحركة النسائية لم تحترك لكى تطوفى حول العالم لتسحقى.....
كان وصول الوجبة الرئيسية هو الذى أنقذ إيفون من أكثر من حرج, لأنه بينما كان يتكلم, و جدت نفسها تفكر على الرغم منها فى أنها ربما كانت – مجرد افتراض – تذهب إلى النهاية لماذا؟
سألت نفسها بدهشة, و هى تنظر إلى الخضروات التى كانت توضع فى صحنها, و ما الذى جعلها تعترف أنها سارت حتى منتصف الطريق فى فكرة الرهبنة, المكان الوحيد الذى كان باستطاعتها الحياة فيه؟
حولت بصرها عن الصحن الذى كانت تحدق فيه و رمشت بعينيها, ثم قالت عن عير قصد:
ـ أنا أسفة. و لكن لو أنك كنت تعلم كيف تكون مشاعر الفتاة عندما يصفر لها أحد و..... و ينظر إليها بطريقة معينة, و إلى أى مدى تشعر بالتعب من ذلك... ربما قد أكون بالغت فى رد الفعل, و لكن يستوى الأمر....
سكتت برهة و هى لا تجد ما تقوله, و التقت أعينهما و استمرت نظرات كل منهما للآخر.
و قال ريكى برقة:
ـ حسن....الآن. يضيف ذلك مظهراً مختلفاً للأشياء.....
قالت:
ـ أنت تعرف أنه لا يضيف شيئاً, أعنى- عندما أعتذر عن.....
ـ مثلما تضربين ذبابة بعنف بمذبة الذباب؟
قالت بحزن:
ـ شئ مثل هذا, و لكن يستوى الأمر....
و قال ريكى:
ـ إذن فلا يوجد أى مستقبل لى معك على الأطلاق ؟
ـ كلا....ليس....لا.
ـ ليس رومانتيكياً؟
ـ كـــــــــــــــلا.
ـ سؤال أخير....هل يوجد رجل آخر فى حياتك يا باترسون؟
صرخ فى أعماقها مدة ثانية شئ, إلا أنها هدأت ذلك الشعور, ولاذت بالصمت تاركة لعينيها وحدهما الكلام.
قال فجأة:
ـ حسناً, و فاجأها بقوله....تناولى عشاءك, قبل أن يزداد الجو برودة, و أنت كنت فى غاية الجوع, ألا تذكرين؟


ـــــ

بعد تناول بقية الوجبة التى قام خلالها بحديث ممتع و إن كان محايداً تماماً أخذها ريك إلى الطابق الأرضى و أشترى لها بعد ذلك شئ لاستخدامه فى مسابقة المواهب, حيث كان هناك حلبة للرقص, و خشبة للمسرح و عديد من المقاعد المريحة و موائد يمكن مشاهدة ما يحدث منها, و لكن إضاءة المكان كانت خافتة فى جو هادئ مهجور, و هنا قال النادل:
ـ ألا تشارك الليلة فى المسابقة يا ريك؟
كان يتحدث معه بلهجة ودية إلا أن عينيه كانتا تستعرضان إيفون.
قال ريك بعد أن ضحك ضحكة قصيرة:
ـ لا, ربما عدت فى وقت لاحق لأتابع البرنامج, أننى سوف أترك المجال للآخرين لكى يعرضوا حماقتهم.
ـ هل ما زال رسغك يثير المتاعب؟
أنه عذر جيد مثل أى عذر آخر؟
سألته إيفون:
ـ كيف الحال بالنسبة لشفاء رسغك؟
ـ إنه فى حالة جيدة فيما عدا ما أحس به من ألم عندما أبذل مجهود أكثر من اللازم.
ـ كيف كُسر؟
ـ أ...لقد.....تعثرت.
رفعت حاجبها و قالت :
ـ و أنت تهبط من شجرة كرم فى ممر الغابة فى مجاهل بابوا؟
قال مؤمناً:
ـ فى أحد الطرق. وظهر فى عينيه بريق خبيث.
قالت:
ـ ربما, حدثينى عن ذلك.
ـ لا أعتقد أنه ينبغى لى أن أخبرك بالمرة – و لكن مرة أخرى.
ماذا سوف أخسر؟ لقد حدثت الخسارة بالفعل, أ....كنت.....أحاول الخروج على وجه السرعة من أحد البيوت فى بورث مورسبى

حيث تلقيت دعوة...أ....لكى أقضى الليلة مع هذه السيدة السويسرية الحسناء, التى أكدت لى أن حبيبها فى مكان يبعد عن هنا كثيراً جداً من الأميال. و كانت فى الواقع تريد التخلص منه, و كانت فى حاجة إلى بعض المشورة و....السلوى, أنا فى الواقع لا أصدق مدى سذاجتى !
لم تجد إيفون أمامها سوى أن تبتسم, مما تسبب فى أن يرفع ريك حاجبيه دهشاً و سألها بسخرية:
ـ ألست متقززة تماماً؟
ـ أخبرنى ماذا حدث؟
ـ حسناً, قبل أن....تتم السلوى. ظهر صديقها فجأة, واتضح أنه عملاق يوغوسلافى سيئ الخلق إلى حد بعيد, و قد مشى, أو طار ليشق طريقه من ذلك المكان البعيد, البعيد جداً من منجم الذهب الذى يبعد عن مورسبى كثيراً, حتى يقضى عطلة نهاية الأسبوع مع محبوبته كمفاجأة أعدها لها. و الذى أدهشنى حقاً و كاد يكلفنى حياتى. التصرف الذى تصرفته السيدة. لقد تغيرت عواطفها بسرعة.
و بدأت تمزق, ما تبقى عليها من ملابس قليلة شر تمزيق, و خلال لحظة قصيرة انهالت على شعرها الذهبى الذى بذلت جهداً ضخماً فى تصفيفه و كان آية فنية, و أحالته إلى شعر مهوش بشكل مذهل, و إذا لم يكن ذلك سيئاً بالدرجة الكافية. فلماذا بدأت تتهمنى بصوت مرتفع بأننى أحاول اغتصابها, لم يكن أماى حل سوى أن أغادر البيت بسرعة, عن طريق إحدى النوافذ ثم عن طريق ذلك الشارع شديد الانحدار.....أنت تضحكين. قالها معاتباً. ثم أردف يقول:
ـ صدقينى, لم يكن الأمر مثيراً للضحك فى ذلك الوقت.
قالتى إيفون:
ـ أستطيع أن أتخيل ذلك.
ـ سوف تضحكين أكثر عندما تعرفين شيئاً..... إنه أشبه.....أشبه بضوء القمر و هو ينعكس على سطح ماء أملس.
حملق إليها ريك بعين يقظة فيها فضول.
تنهدت إيفون إلا أن الابتسامة كانت لا تزال ترف على شفتيها و قال بلطف:
ـ هل سوف تطلعينى على مذكراتك الآن, أم نؤجل ذلك فى الغد؟ أنا....أنا فى الواقع متعبة بعض الشئ. و لا أعرف لماذا.
قال ريك:
ـ ربما كنت مجرد كائن بشرى بعد كل شئ, أنت شديدة الحساسية, أعنى أنك خرجت من البيت فى الفجر, لكى تركبى الطائرة و حساسة بالنسبة لتغير المناخ, هذه الرطوبة الموجودة هنا تستنفد قواك....مثل بقية البشر من أمثالنا.
قالت باحتدام قبل أن تتمكن من وقف نفسها:
ـ لست دهشة فى الواقع لأنك كاتب, أو تحاول أن تكون كاتب, من الواضح أنك مفتون بالكلمات, و ربما كان من الأفضل لك أن تكون ممثلاً, و بهذا تستطيع تحقيق ما ترنو إليه من طموح.....
قال ببطء شديد:
ـ و الآن _ ليس هذا شيئاً لطيفاً منك, و لكننى لاحظت فيك من قبل ميولاً نحو ذلك يثير الدهشة.
أغلقت إيفون عينيها فى ملل.
تابع ريك حديثه:
ـ هذا الميل الذى ينتزعك – كيف استطيع التعبير عن ذلك؟ - أعتقد أنه يحتويك ميل نحو السفسطة و ضبط النفس و النضج, شئ ترتدينه مثل ستار جميل, عندما ينزاح جانباً بسرعة, يكشف عن مجرد لمحة من.....المخالب و الخشونة التى تطبع سلوك بنات الشارع.
قال ذلك بوجه متجهم.
ضغطت إيفون على شفتيها و هى تحاول احتواء الرغبة فى الرد عليه و لكن دون نجاح.
و قالت ببرود:
ـ ـمت خشنة يا مستر إيمرسون مثل حدة طباع صديقك اليوغوسلافى, كما أننى شققت طريقى بمخالبى.
قال على وجه السرعة دون أن تفارق عيناه الخضراوان وجهها :
ـ هذا شئ ممتع جداً.
أصدرت صوتاً عميقاً و هى تقف على قدميها و قالت باقتضاب:
ـ سوف أذهب إلى الفراش.
وقف بدوره قائلاً:
ـ سوف أسير معك إلى هناك.
ـ ليس ذلك ضرورياً .
ـ نعم, بل هو ضرورى, قد تصطدمين بأى شئ هنا.
قالت غير مصدقة:
ـ لابد أنك تمزح!
ثم استدارت على عقبيها.
لكن ريك لم يتركها و تبعها و لكن على مسافة قصيرة بعد أن وقع على فاتورة المشروبات التى طلبها إذ كان فى منتصف الممر الذى تسير فيه إيفون. عندما ظهر شبح أسود مغطى بالريش, نحيل متموج الرقبة, شرير العينين, ظهر الشبح فجأة بجوار و هو يطلق صوتاً كان من الممكن أن يطلق عليه فيما بعد وصف شهقة متحجرة.
قفزت مذعورة و هى تريد إلى الخلف, و قلبها يدق بعنف شديد, قال ريك و صوته خلفها مباشرة:
ـ لا تخافى شيئاً إنه ليس سوى سّميّك
ـ سميّى......كانت شفتاها ترتعدان أوهـ يا إلهى, النعامة الاسترالية.
تقدم ريك نحو الطائر و قال:
ـ أم إنها غير مؤذية على الأطلاق أنظرى!
و أخذ يربت عنق النعامة التى تقبلت هذه اللمسة بشهقة أخر, و لكنها تعبر عن الامتنان العميق فى هذه المرة.
قالت إيفون بضعف:
ـ أوهـ, أى شئ آخر يتربص لىّ هنا خلال الليل؟
أجابها على الفور و هو يحتوى يدها فى يده.
ـ حيوانات الكنغر و هى فى العادة أكثر خجلاً من إيفون, و لكنها تتجول فى كل مكان من الجزيرة, و من المناظر المألوفة أن تشاهديها فى ملعب الجولف بعد حلول الظلام – كما تستطيعين رؤيتها فى ملاعب التنس المضاءة بالكشافات, هل تحبين القيام بجولة الآن لكى تلقى عليها نظرة؟
ـ أنا.......
قال :
ـ أنت ما زالت ترتعدين.
قالت بحزن معترفة:
ـ إننى أشعر بحماقة شديدة, ربما أجلنا ذلك إلى ليلة أخرى, لقد نسيت عصا المشى.
ـ اللعنة! ـ لو أننى فقدت هذه العصا فسوف تكون السادسة, و لكن المكان آمن تماماً.
قاطعته بقولها:
ـ من الأفضل أن تعود للبحث عنها, من الذى يعرف ما يمكن أن يحدث لها أثناء مسابقة المواهب؟ سوف أكون بخير حال الآن, و أنا فى الواقع متعبة تماماً مثل أى واحد من البشر الفانين, طابت ليلتك, سحبت يدها من يده و سارت مبتعدة.
تبعها ريك بنظراته إلا أنه لم يتبعها. كما أنها لم تره واقفاً فى الممر خلال عدة دقائق بعد اختفائها عن النظر, قبل أن يستدير و يمشى و هو يعرج عائداً إلى ردهة الاستقبال .
لكن لكى تنهى إيفون يوماً مملوء بالمتناقضات , ما كادت تصعد إلى حجرتها حيث الأمان و السرية. حتى اكتشفت أنها لم تعد راغبة فى النوم, أو تشعر بالتعب – و إن كانت متعبة ذهنياً بكل تأكيد.
غيرت ملابسها لترتدى قميص نوم قصير من الساتان بأشرطة رفيعة و الدانتلا المتشابكة, و لكنها خلعته بعد ارتداءه بفترة وجيزة, و ارتدت قميص نوم آخر من القطن الأزرق السادة بدون دانتلا, ثم أزالت مساحيق التجميل, مشطت شعرها, و هى مندهشة لما ألم بها, و لماذا تشعر بكل هذا الرعب و انفلات الأعصاب, سألت نفسها و هى تقف أمام المرآة :
ـ من المؤكد أن رجلاً واحداً.....من الطراز الذى سبق أن جذبك نحوه.....
لم يفعل بك مثلماً فعله هذا الرجل. تطلعت إليه وجهها العارى من المساحيق و شعرها المسترسل. و عادت تحدث نفسها:
ـ حسناً, مما لا شك فيه أنه أثار مشاعرك بنجاح مرتين, بل لقد حفر بنجاح فى أعماقك اشياء ظننت منذ عدة سنوات أنك نجحت فى كبتها.
و لكن ما ذلك الشئ الذى يعرفه عن الخشونة و تطبع سلوك بنات؟ من المحتمل أنه عاش حياة ساحرة مع أب من الدبلوماسيين و هو يبدو على درجة كبيرة من التعليم, كما يبدو أن لديه المال الوفير الذى يسمح له بالإقدام على أعمال جنونية , مثل الانغماس مدة عام كهاو فى علم الاجناس و الأثار القديمة , طرز نموذجى من الشخص المولع بالفنون الجميلة لو أن أحداً سألنى.
توقفت فجأة عن الاسترسال مع أفكارها. و تطلعت إلى صورتها فى المرآة بحدة عندما اتضح لها أنها تكتشف فى نفسها تعبيراً سيئاً ثم همست لنفسها: "أوهـ يا إيفون باستطاعتك دائماً أن تكونى سليطة فى بعض الأوقات, و بصفة خاصة عندما تتخذين موقف الدفاع, و هو الأمر الغالب – و لكن لماذا الآن؟ لق\ صعدت إلى قمة الشجرة.....
فكرت: لابد أننى متعبة جداً, و اشاحت عن صورتها المزعجة فى المرآة و هى لا تزال تفكر فى.....هل أستطيع أن أنسى؟
ما الذى كان يمكن أن يحدث لو أننى لم أتظاهر الإصابة بمرض عارض, ماذا لو أننى وجدت نفسى فجأة أمام روب و كلارى فى يوم من الأيام و كيف يكون الحال لو أن فضولاً استبد بىّ و جعلنى أفكر فى العودة لمجرد رؤية أحوالهما؟ كلا... كلا......
لن أفعل ذلك فى نفسى و هذا هو السبب الذى يحتم على البقاء هنا.
لكى أهزم ريتشارد كارليزل إيمرسون فى نفس لعبته! ثم قالت لنفسها و هى تضحك ضحكة هستيرية: "ولقد خطر ببالى كيف أستطيع أن أفعل ذلك, سوف أتعامل معك على أنك ريكى إيمرسون الصغير تماماً مثلما تتعامل معك زوجة خالك!


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-06-16, 10:06 PM   #4

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الثالث

ـ أهذه هى؟
قال ريك إيمرسون :
ـ نعم هذه هى حصيلة عملى فى الحياة, إسهامى نحو المجتمع, فكاهتى , تصورى, و معرفتى العملية بعضها بأسلوبى الرصين و بعبارة أخرى هذه هى مذكراتى, أفضل ما كتبته و إن كانت المذكرات نتفا متناثرة
ـ ألم تجد لكتابة هذه النتف المتناثرة من مخطوطك سوى تلك المجموعة من أوراق الاكياس بنية اللون التى تغلف بها مشترياتك من محل البقالة؟ قالت إيفون ذلك و هى تفحص كومة من الأوراق التى ألقاها فوق السرير.
ـ يستخدم الفنان أى مادة يتصادف وجودها فى متناول يده
قالت أيفون:
ـ سوف أثق بكلمتك فى هذا الشأن.
علق ريك إيمريسون على ذلك بقوله:
ـ أنت هادئة جداً هذا الصباح.
قال ذلك و هو يجلس بقامته الطويلة على طرف السرير بجوار أكياس الأوراق, مشبكاً ذراعيه خلف رأسه و هو يحملق إليها مفكراً, و مرة أخرى, لم يكن يلبس سوى الشورت بألوانه المتعددة.
سألته بحدة:
ـ ما الذى تتخيل أنك تفعله؟
ـ رسغ قدمى يؤلمنى, أنا أريحه, لقد لعبنا خمس حفر فى مسابقة الجولف لو كنت تتذكرين.
قالت إيفون:
ـ أتذكر زهرة منسية, و حاول أن تذكرنى ألا أصدقك عندما تقول أيضاً إنك لست أكثر من هاوٍ فى أى شئ.
ضحك ضحكة قصيرة و قال:
ـ إننى كذلك !
ـ إذن فلابد أن أكون أكثر الأشخاص ضعفاً مما أمسكوا بعصا الجولف.
ـ لا أستطيع أن أقول ذلك, لقد كان مجرد النظر إليك و أن تمشين و أنت تتمايلين....مصدر إلهام كبير لىّ, بالإضافة إلى القلة الأخرى التى كانت موجودة, قبل أن تتركى الملعب إلى مكان الظل, يوجد فى منظرك و أنت تلبسن الشورت شئ يثير فى الجسم موجات كهربائية.



نكست إيفون بصرها لكى تُلقى نظرة على الشورت الذى تلبسه من الكتان الخفيف و البلوزة البيضاء خالية الكمين التى كانت ملتصقة بجسنها الآن و قد ظهرت فيها بقع من العرق....و تذكرت خطتها و قالت:
ـ التملق لن يصل بك إلى أى شئ يا ريك , أخبرنى هل لهذا الكتاب أى شكل؟
أعتدل فى جلسته و هو عابس الوجه و قال:
ـ ماذا تقصدين؟ له شكل بالتأكيد!
ـ أقصد مثل بداية و منتصف و نهاية, أم أنه سلسلة من الموضوعات؟
ثم تابعت حديثها برصانة مما أثار استياءه إلى حد بعيد:
ـ أننى أسأل لمجرد أننى لا أعرف ما الذى اتوقعه.
قال بحزم:
ـ هذا الكتاب على شكل مذكرات....يوميات إن شئت, منذ اليوم الذى قررت فيه الذهاب إلى بابوا فى غينيا الجديدة حتى غادرتها, وهو يتخذ شكل كل التجارب و الأحداث بالإضافة إلى الملاحظات العلمية.....
قالت إيفون ببراءة:
ـ و ماذا بشأن قصتك مع السويسرية و اليوغوسلافى؟
تردد ريك للمرة الأولى, ولكن ليس لفترة طويلة, و قال معترفاً:
ـ البعض منها فقط يا باترسون لقد سردت فى الواقع تفصيلات لفشلى أكثر من...
أكملت له :
ـ الانتصارات ؟
قال :
ـ أنا لا أنام و اتحدث.
ردت عليه إيفون:
ـ لقد استراح بالى لسماعك تقول ذلك .
و رمقته بابتسامة مشرقة. ضيق عينيه الخضراوين فى الحال و سألها :
ـ هل أغفلت شيئاً فى مكان ما على طول الخط؟
ـ أغفلت شيئاً؟ إننى أشك فى أن تغفل شيئاً كثيراً بالمرة....لهذا أسألك هل كل الأحداث مرتبة حسب التسلسل الزمنى, إذن؟
قالت إيفون ذلك و هى تؤمى نحو أكياس الأوراق, ثم نظرت إليه عابسة و هى تقول بارتياب :
ـ يبدو أنه يوجد كم ضخم منها.
ـ أنها مرتبة ترتيباً جيداً, و لكن على الرغم من أنها عندما تصبح قابلة للقراءة, فسوف تكون فى حاجة إلى بعض إعادة الصياغة .
سألت إيفون بتحفظ:
ـ قابلة للقراءة ؟ ألست مى طريقة؟
ضحك ريك و قال:
ـ كلا
حدقت إلى وجهه:
ـ إذن....؟
ـ ألم يخبرك خالى أموس؟ كان يقول على الدوام إنه كان ينبغى لى أن أكون طبيباً, لدى هذا....
تمتمت إيفون:
ـ أوهـ, لا! و مالت بجسمها تجاهه لتلتقط كيساً و تُخرج منه ورقة بحجم الفولسكاب مغطاة بكتابة كبيرة مستديرة أشبة بالهيروغليفية بالنسبة لها على الرغم من كبر حجمها, و قالت متأوها:
ـ أوه يا إلهى! و كيف تعلمت الكتابة بهذه الطريقة؟
ـ تقول أمى أن السبب فى ذلك يرجع إلى أن أحداً لم ينتبه أننى أعسر, و تلقيت تعليمى أساساً على أساس الكتابة بيدى اليمنى, أنا فى الواقع أحمل صفات الشخصية الشاذة , فأنا اتعثر فى المشى و أفقد الأشياء....
فقالت إيفون بضجر :
ـ و تقول الشئ الكثير من الهراء, قد يستغرق منى هذا العمل أشهراً! لم أكن أدرك أننى سوف أكون مطالبة بكتابة مخطوط كامل على الآلة الكاتبة, و هو مخطوط لا أستطيع قراءته فى المقام الأول, كنت أعتقد أنك فى حاجة إلى شخص يساعدك فى الصياغة, و ربما فى كتابة بعض الموضوعات التى تحتاج إلى تعديل, على الآلة الكاتبة, لماذا لم تنسخ المخطوطة على الآلة الكاتبة أولاً؟ يجب أن تعرف أنه ليس باستطاعة مخلوق أن يقرأ خطك.
قال بوداعة:
ـ لا أستطيع الكتابة على الآلة الكاتبة, لقد حاولت ذلك ولكن أفة كتابتى باليد اليسرى لم تمكنى من ذلك. كما أنك عندما تخوضين فى مستنقع مملوء بالتماسيح, و تصلين إلى بقعة من الأرض الجافة فمن السهل عليك أن تخرجى ورقة و قلم و كنت احتفظ دائماً بحافظة منيعة ضد الماء, أضع فيها أوراقى و قلمى لكى أسجل الأشياء فى أوقاتها , فذلك أفضل من الانتظار حتى يضع الانسان يده على آلة كاتبة, أو يحمل واحدة معه طوال الرحلة.
تركت إيفون الورقة تسقط على السرير و قالت:
ـ أنا لا أصدقك, أعتقد أننى لا أستطيع أن أصدق كلمة واحدة مما تقول إنك تؤلف الشئ الكثير و أنت ماضٍ فى طريقك, أليس كذلك؟
التمع بريق الضحك فى عينى ريك إلا أنه قال بجد:
ـ لقد خضت حقاً فى مستنقع مملوء بالتماسيح.
ـ و أنا قد.... عضت إيفون على شفتها و اشاحت عنه بوجهها و لكن لكى يزداد توتر أعصابها عندما يقول بمرح و هو ينهض بخفة:
ـ أهدئى يا باترسون! من الواضح أن الخال أموس يثق بك ثقة كبيرة , ولابد لىّ أن أفعل أنا ذلك أيضاً عندما تتمكنين التعود على كتابتى .....و سوف أكون هنا على استعداد لمساعدتك فى ذلك خطوة خطوة... فسوف يصبح العمل سهلاً للغاية.
ـ لا, لن يكون الأمر كذلك. قالت ذلك متجهمة. و غاصت فى أحد مقاعد الراحة و هى تدفن رأسها بين يديها
قال ريك بعد برهة:
ـ إيفون.
و عندما رفعت رأسها فى النهاية و بدا أن خلقها تغير ظهرت خطوط وجه ريك على شكل مختلف و لأول مرة لم تعد عيناه الخضراوان تنظران إليها نظرة تسلية أو سخرية, بل ضاقتا و بدا فيهما التصميم على الرغم من أنهما كانتا تحملان قدراً ضئيلاً من التعالى . و ادركت أنها كانت على وعى قليل بقدرته على الانتقال من جلد إلى آخر . بطريقة أقرب إلى تلك الستارة التى اتهمها برفعها . و اصبحت على وعى بأنه تحت ذلك السحر و روح الفكاهة يربض نمر و قالت بكأبة:
ـ مـــاذا؟
ـ إننى قلما أكون جاداً بالنسبة إلى أى شئ, إلا أنه يوجد شئ أو شيئان أخذهما على محمل الجد. إذا بدأت عمل فى مشروع, واصلت العمل فيه باهتمام, و أؤديه على وجه طيب, وليس هذا الكتاب استثناء من القاعدة, مهما كان رأيك أنت و رأى خالى أموس على خلاف ذلك.
قالت إيفون و قد تضرج وجهها بحمرة الخجل:
ـ أننى لا أقصد بذلك التقليل من شأن كتابك.
قال و عيناه تعنفانها:
ـ كلا....أياً كان الوضع, عندما تصادف أن ذكرت للخال العزيز عرضاً أننى فى حاجة إلى من يساعدنى فى الكتاب, فلم تكن فكرتى أن يبعث إلى بمساعدته التى تعنى بأخص شؤونه, و أن تدس أنفها فى كل شئ....كل ما قلته إننى فى حاجة إلى كاتب على الآلة الكاتبة, إنسان صبور ليس لديه مانع فى حل رموز كتابتى. و قد قال لىّ فى ذلك الوقت عندى نفس الشخص الذى يصلح لهذا العمل. شخص لديه خبرة صحفية, و سبق له أن عمل سكرتيراً صحفياً لـ روبرت راندال.
انتفضت إيفون داخلياً.
و تابع ريك حديثه:
ـ ثم وصلتنى برقية, و بعدئذٍ خامرنى الشك و لكنى فكرت كذلك....لماذا يرسل لىّ فتى؟ إن الرجال بصفة عامة ليسوا مهرة فى الكتابة على الآلة الكاتبة, و هل أنا فى حاجة إلى شخص كان سكرتيراً صحفياً لشخص آخر حتى يقترح علىّ الاقتراحات و يثير اعصابى بصفة عامة؟
قالت إيفون و قد استعادت بعض حيويتها:
ـ ماذا, إننى أتردد فى السؤال هل أجابته بنفسك؟
ـ نظراً لأننى يا عزيزتى باترسون كنت متخلفاً بعض الوقت الذى حددته للعمل, و بسبب الوقت الذى أضعته عند اصابة رسغى. فقد فكرت فى الانتظار لأرى ما سوف يظهر, ز بعد كل شئ...لماذا لا يضرب الانسان على أذن الخنزير قبل أن تتاح له فرصة لاختبار قدراته فقد يكون كيس دراهم من الحرير بدلاً من ذلك؟
لاحت على وجهه ابتسامة قطعت التعبير الذى يبدو عليه للمرة الأولى ثم قال مازحاً:
ـ لم يسبق لى من قبل قط أن استطعت استخدام هذا التعبير بمثل هذه الكفاءة.
قال بلهجة أمرة:
ـ اتركينى استكمل حديثى, دعينا أولاً نغربل القمح من قش الخال أموس...هل أنت ماهرة فى الكتابة على الآلة الكاتبة؟
ـ نعم, ولكن.....
ـ هل لديك خلفية فى العمل الصحفى؟
ـ لقد حضرت برنامج ....
ـ أعنى من الناحية العملية؟ هل كنت السكرتيرة الصحفية لـ روبرت راندال و كيف حصلت على تلك الوظيفة؟
أخذت إيفون نفساً عميقاً و قالت:
ـ نعم, كنت سكرتيرته الصحفية, و شققت طريقى بعد عملى فى الإعلانات و النسخ و تحرير المقالات.
وقضيت فترة من الوقت فى إحدى دور النشر و فترة أخرى فى القسم التجارى لإحدى الصحف اليومية و لكم.....
كان مستنداً بظهره إلى الحائط, و ذراعاه مثنيتان و رجلاه معقودتان بحيث يرتاح رسغه المصاب فوق الرسغ السليم, إلا أنه اعتدل بسرعة و وقف أمامها قائلاً:
ـ إذن فأنت صالحة تماماً لهذه الوظيفة يا باترسون.
قالت إيفون و هى تحدق إليه فى انبهار:
ـ لقد قلت منذ قليل فى حوالى مائة كلمة إن آخر شئ تحتاج إليه....كل الذى تحتاج إليه كاتبة على الآلة الكاتبة حلوة الطباع.
ـ أريد كاتبة على الآلة الكاتبة طيبة , سعيدة و مولعة بعمل الطباعة على الآلة الكاتبة, ومما سمعته منك لن اهتم إذا كنت تقدمين بعض المقترحات بحق! و لكن الذى قصدته بعد ذلك. أنك قد تجدين العمل مسلياً فى الواقع و بطريقة أو بأخرى فإن هذه مهنتك. ولكن ربما كان هذا العمل فرعاً ممتعاً و مختلفاً, و ربما وصل بك الأمر إلى حد الإلهام حتى تؤلفى كتاب بنفسك. معظم الناس الذين يشتغلون بالصحافة يحلمون عمل شئ مثل هذا, أليس كذلك؟
ـ أنا.....قالت إيفون ذلك و هى تقفل عينيها.
ـ هل يوجد شئ يجذبك إلى ملبورن ؟ أو يجعلك ترفضين فكرة قضاء اجازة ممتعة مختلفة, تجربة ؟ مثل طفلين على الرغم من كونك آنسة, و أنك لم تتزوجى قط؟
ـ لا!
ـ إنه شئ يحدث.
ـ ليس بالنسبة لىّ . وجدت إيفون الدموع تسقط فوق رموشها على الرغم منها, و وقفت بغتة, و هى تمسح عينيها قائلة:
ـ أنا.....
قبض ريك على معصمها بقوة و أرغمها على الدوران لتواجهه و قال:
ـ و لكن يوجد هناك شئ ما....شئ غير سعيد على الأرجح, هناك فى أعماقك, أليس كذلك؟
قال ذلك بمنتهى الهدوء.
ـ كلا.
ـ شئ أفقدك توازنك, أننى أراه فى عينيك, بدأت فى هذا الصباح تعامليننى كما لو كنت صبياً فى العاشرة من عمرى.....منذ اللحظة التى وقعت فيها عيناك علىّ.و قد ظهر عليك الانزعاج و الغضب, إلا إذا كنت أذكرك بشئ مفقود أو عاشق خائن؟
انتظرت برهة قبل أن تقول:
ـ كلا أنت لا تذكرنى بشئ كهذا.
ـ إذن فقد حدث شئ جعل الدنيا تبدو مظلمة أمام عينيك, لا أستطيع أن أصدق أنك وصلت إلى الحالة التى أنت عليها من النحافة و عدم الثقة بالنفس, التى تظهر لىّ الآن.
كان كل منهما قريباً جداً من الآخر, و كانت اصابعه لا تزال ملتفة حول معصمها. كانت المسافة قريبة للغاية, إلى درجة أنها احتاجت إلى أن تميل إلى الخلف قليلاً برأسها ختى تتمكن من النظر إلى عينيه, و بدا الذهول فى حدقتيها السوداوين, مع الحذر و عدم تصديق أن هذا الرجل الذى لم يعرفه إلا منذ أربعة و عشرون ساعة كان باستطاعته أن يقرأها بهذه الطريقة.




احست بحشرجة فى حلقها و خُيل إليها خلال لحظة إن احساساً بالاختناق يجثم على أعصابها. كان الرجوع إلى الوراء ضرباَ من الجنون, و أن تبقى ....ولكن ما ذلك الشئ الخطر الذى يحدث عند بقائها؟ لم تكن فتاة غريرة حتى يفتنها وجه شاب وسيم بكتفيه الذهبيتين العريضتين, رجل يبدو فى بعض اللحظات أصغر من عمره الحقيقى, بسحر طفولى وقح.... سألت نفسها فى دهشة فى أى شئ أفكر؟ ربما أكون مستاءة أكثر مما كنت أدرك. لكونى قبلت أداء عمل تستطيع القيام به أى فتاة فى قسم النسخ على الآلة الكاتبة, أما بالنسبة له....فقد كان فى حاجة إلى كاتبة على الآلة الكاتبة , ومن الواضح أنه من ذلك الطراز المستعد لأن يكيل المدح أو يفعل أى شئف ى سبيل تحقيق رغباته, لو أنها لم يجعلنى أحس.....لا أدرى....إننى فى حالة ضعف تجعلنى قابلة لما يؤلمنى.
قال لها برقة:
ـ حسناً؟
قالت بصوت فيه بحه:
ـ يبدو لىّ أننى قد أكون فى حاجة إلى اجازة بعد كل شئ و يقولون أن التغيير هو أفضل الوسائل. ألا يقولون ذلك؟ و لا أستطيع أن أتعلل بالمكان و إذا كنت تريد منى البقاء حقاً فسوف أبقى .
التزم ريك الصمت وظل يراقبها فترة طويلة بعناية قبل أن يقول :
ـ ألا تستطيعين أن تعهدى إلى بأسرارك, ألا تفعلين ذلك؟
ـ كلا.....على الأقل قبضت يده على يدها بدون إرادة, واحست بها تضغط معصمها, و ضاقت عيناه و هو يرى الجهد الذى تبذله لمتابعة حديثها .
ـ لا يوجد شئ ماعدا أن أكون جلداً على عظم, و أننى لست صبورة, ورغم هذا فإنى باستطاعتى أن أدبر لك شخص آخر.
أطلق معصمها, و خطا إلى الوراء و قال بابتسامة ملتوية غريبة:
ـ سوف نتمكن من التعاون معاً بطريقة ما يا باترسون لماذا لا تلبسين تلك الملابس البديعة النسيج؟
بدا وجهها يعبس و فتحت فمها لتتكلم إلا أنها أغلقته , و بعد لحظة أومأت برأسها علامة موافقة.
ـ هذه هى فتاتى! سوف أنزل و آمر بإعداد مقعدين من مقاعد الاسترخاء لنا.
على أى حال أصبحت بعد الظهر منهمكة فى العمل.
طلبت من مديرة البيت أن تأتيها بمنضدة و مقعد مستقيم الظهر, و أسدلت الستائر لكى تحجب عن نفسها المنظر بتصميم, وضبطت جهاز التكييف على الوجه الذى يكفل لها العمل فى راحة و أغلقت النوافذ فى نفس الوقت حتى لا تزعج مخلوق آخر. بدأت تضغط أصابع الآلة الكاتبة لتكتب: "قفز الثعلب بلونه البنى قفزة سريعة فوق الكلب الكسول " و بعد نصف صفحة من تلك الكلمات كتبت: "كان لـ مارى حمل صغير, صوفه أبيض بلون الثلج و حيثما ذهبت مارى كان الحمل يتبعها بكل تأكيد."
حملت الورقة إلى ريك فى الغرفة المجاورة و سلمته الورقة بالإضافة إلى القلم قائلة:
ـ أكتب هذه الكلمات من فضلك بخط يدك تحت الكلمات المكتوبة من فضلك بخط يدك تحت الكلمات المطبوعة بالآلة الكاتبة.
ألقى ريك نظرة على الورقة و قال:
ـ بحق السماء ما هذا......آهـ فهمت, سوف يكون هذا دليلك, ليست فكرة سيئة يا باترسون و لكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك معاً فى عدة صفحات.....
قالت إيفون بحزم:
ـ لا, من الأفضل لىّ أن أحاول ذلك وحدى, وهو ما أتوقع أن أفعله مع حلول هذا المساء, ثم أنننى سوف أعرض عليك ما كتبته على الآلة الكاتبة لكى تلقى نظرة عليه.
ـ حسناً.....و لكن استمعى إلى, لا أتوقع منك أن ترهقى نفسك بالعمل حتى الموت, و لا إجهاد اصابعك حتى العظم.....
قاطعته بقولها:
ـ ليس فى نيتى أن أفعل ذلك, و لكن خطتى تتضمن أن انتهى من جزء فى كل يوم, وبهذا المعدل لابد أن ينتهى العمل خلال أسبوع.
قال وهو يضحك ضحكة خافتة :
ـ هل ينبغى ذلك؟ أنت تعـرفين أنه لا داعى لذلك أمامى أسبوعان قبل موعد تقديم الكتاب للناشر.
ـ هل لديك ناشر؟
ـ بالتأكيد. يبدو أنك دهشة لذلك.
ـ أنا....ترددت إيفون أنا.....
انتظر ريك و هو يرفع أحد حاجبيه ثم قال عن عمد:
ـ لا أعرف لماذا ينظر الناس إلى الجانب غير المتخصص فى بعض الناس . عندما جاءتنى فكرة قضاء وقت الراحة بالطريقة التى اخترتها, كان من الطبيعى أن أتصل بأحد الناشرين , لكى أناقش معه أولاً احتمالات النشر, و ما إذا كان الموضوع يهمه, و قد اتصلت بأكثر من ناشر . دار النشر جامعية اشارت أنها قد....من المؤكد أن هذه هى الطريقة الفنية للسير فى الأمور .
قالت إفون على وجه السرعة:
ـ أوهـ, نعم, هذه هى الطريقة السليمة , اعتذر لك....أنا....
قطعت حديثها و هى تتلفت حولها متطلعة إلى الفوضى الشاملة التى تعم الغرفة, و قالت:
ـ ربما كان السبب أنك لا تبدو....من طراز أولئك الأشخاص المنظمين و بهذا تعطى الناس انطباعات خاطئة . ألم تتعود قط تعليق ملابسك على المشجب؟
أجابها بقوله:
ـ ليس فى هذه العادة, و هل تعرفين السبب؟
جازفت بقولها:
ـ بسبب أنك أعسر؟
هز كتفيه و قال:
ـ حسناً, هذا محتمل جداً, و لكننى أفعل ذلك فى الفنادق و المصايف كنوع من الاحتجاج, أننى أرفض واقع افتراضهم أننى سوف انتزع علاقات ثيابهم لكى أضع بدلاً منها ذلك النوع الجديد من الفظيع بدون الكلابات التى لابد للإنسان أن يشقها داخل الحلقات الثابتة الموجودة فوق المشجب.
حملقت إيفون إليه....إلىّ الكبرياء الأصيل فى تعبيره و قالت بضعف:
ـ أنت تعرف أنك مصاب ببعض الجنون.
ثم توارت خلف الضحك الذى لم تستطيع كتمانه.
ـ لا تخبرينى أنك لم تتعاطى معها و تكتشفى أنها سخيفة و مثيرة للأعصاب!
ـ نعم, أنت على حق , لقد وجدتها كذلك.ـ
إذن لماذا لا تنضمين إلى فى احتجاجى؟
ـ لأننى أكن قدراً كبيراً من الاحترام لملابسى, هل تسمح بكتابة تلك الكلمات حتى تسمح لىّ ببدء العمل؟
بدا أنه أحس بجرح مشاعره و قال:
ـ تقولين ذلك كأنما ترين فى بقائك معى فترة أطول خطورة.
ـ أعتقد أن ذلك ربما كان ممكن او قد يكون مغرياً
قالت ذلك بمرح و بدون أى هاجس داخلى من نوع تلك التكهنات التى ساورتها من قبل, و تناولت منه الورقة بعد أن كتب عليها ما طلبته مع كلمة شكر بالحروف الكبيرة و تمتم قائلاً:
ـ مثل الجنرال ماك آرثر سوف أعود فى وقت لاحق

ـــ

لم تحاول حتى الوقوف لكى تسأله عم يعنيه, و هى تسمح لنفسها بالعودة إلى غرفتها. لماذا تشعر بذلك الإحساس الغريب من خفة الروح, و أن الهموم انزاحت عن عاتقها, فضلاً عن الشعور بأن المهمة التى قبلتها لم تكن ثقيلة كما كانت تحس من قبل. ولقد احتاجت فى الواقع إلى عدة أيام لكى تنسى الورطة التى خيل إليها أنها انغمست فيها .
خلال اليومين التاليين اشتغلت إيفون وفقاً لما قالته تماماً وكان العمل بطيئاً فى البداية, إلى أن أصبحت معتادة على خط ريك الذى تكاد تكون قراءته مستحيلة, و لكنها استطاعت أن تتعوده بالتدريج, وحدثت أشياء متعددة.
لقد أصبحت مفتونة و متحيرة فى نفس الوقت, لقد اصبحت خبيرة فى بعض الإحصاءات غير العادية فقد عرفت على سبيل المثال أن تعداد شعب البابوا فى غينيا الجديدة يعادل عشرة فى المائة من عدد لغات العالم و مئات من تلك اللغات لا يتحدث بها سوى عدة مئات من الأفراد.
و عرفت كثيراً عن بعض الأحواض المرتفعة فى تلك المناطق المرتفعة و نظم الأنهار العظمى مثل فلاى و سيبيك و إقليم بولولو الذى تم فيه اكتشاف الذهب لأول مرة و عرفت عن منجم أوكتيدى على ضفاف نهر فلاى و لكن عندما بدأت تعمل فى الفصل الثالث من كتاب ريك إيمرسون وجدته مقسماً إلى فصول على الرغم من انه كان على شكل مذكرات يومية, و أن السحر كان يفوح منه عالياً واضحاً ......و كذلك الحيرة.
كان الفصل الثالث معنوناً "بيلونج وونيم يو فيتيم ديسبلا بليسبوى؟" و من تحته ترجمتان
"فلتطلق عليه أى اسم يختاره هذا الفتى الشرطى الصغير؟"
أو
"لماذا ضربت هذا الشرطى؟"
كانت المعلومات الواردة تحت ذلك العنوان تدور كلها حول الكفاح المرير الذى قام به , للإلمام باللغة السهلة التى تستخدم للتفاهم بين الشعوب قبل أن يتمكن من معرفتها لكى يكتشف بعد ذلك المرة بعد المرة, أنه لا يجيد تلك اللغة بالمرة.
عرضت إيفون حيرتها من تلك الليلة على ريك فى أثناء العشاء , كان الجو شديد الحرارة, و كانت قد رفعت شعرها, و ارتدت ثوباً عادياً من القطن.
أخذت قطعة من الخبز و قالت و هى تمد يدها نحو الزبد:
ـ ريك...أى طراز من الناس أنت على وجه التحديد؟
نظر إليها بحذر و قال :
ـ ما تقصدين؟
ـ ما الذى تفعله فى الواقع؟ أعنى....حسناً, يبدو أن كتابك أقرب ما يكون لون ما من العمل الاحصائى, أنا أحاول التقليل من قيمته . ترددت قليلاً ثم قالت على وجه السرعة:
ـ أنه مضحك جداً, و له سحر غريب يدفع القارئ إلى مواصلة القراءة مضطراً و لكن .....
توقفت عن الاسترسال و هى متجهمة ثم اردفت تقول:
ـ أى منهج علمى تتبعه ؟
ضحك ضحكة قصيرة و قال :
ـ أوهـ تعنين ذلك الأم لكل العلوم
ـ الـ.....؟ ما زالت غير فاهمة.
ـ لا عجب فى ذلك, أنه موضوع ضخم, أنا عالم فى الجغرافيا .
كانت دهشتها واضحة تماماً الآن.
قال و على شفتيه ابتسا مة ملتوية:
ـ هل كنت تعتقدين أنه لم يعد هناك وجود لهم؟
قالت ببطء:
ـ لا....حسناً.... ثم أومأت برأسها إيماءة تدل على أنها مغلوبة على أمرها.
مال ماك بجسده إلى الأمام و ظهر بريق فى عينيه الخضراوين و هو يقول:
ـ من الواضح أن هذا يحتاج إلى تفسير, الجغرافيا هى العلم الذى يصف سطح الأرض, و بالتالى أى شئ فوقها, و مباشرة كل ما هو فوقها أو تحتها, مما يؤثر فيها, و لأن ذلك ميدان فسيح جداً, فقد انقسم ذلك العلم إلى فروع كثيرة.
بدت إيفون حائرة.
تمتم ريك لنفسه كيف استطيع شرح ذلك؟ :
ـ يشمل علم الجغرافيا كل الدراسات المستقلة التى يقوم بها علماء الارصاد و الجيولوجيا و الأحياء و الاقتصاد و السكان و العلوم السياسية و الفلسفة و اللاهوت لقد انبهرت أنفاسى!
قالت إيفون و هى تبتسم ابتسامة شاحبة :
ـ لست دهشة لذلك, يبدو الأمر مرهقاً. ألم يكن أفضل أن تكتفى بذكر واحد أو اثنين من بين كل تلك العلوم؟
ـ لقد فكرت فى ذلك, و لكن الواقع أن الصورة ال
كلية التى تثير فضولى و على الرغم من ذلك, فلىّ نوع من التخصص بين كل ذلك.
ـ و ما نوع ذلك التخصص؟
ـ الجغرافيا الاجتماعية و الثقافية, التى تعنى بدراسات موضوعات مثل الاختلافات فى العمر و الجنس بين الشعوب و تغير أنماط اللغة و الدين فى المجتمعات الريفية و مثل هذا النوع من الموضوعات.
قالت إيفون بوجه عابس:
ـ أهـ , لقد بدأت أفهم الآن!
لا يبدو أن ملاحظاتك العلمية بشكل متعمق لو سمحت لىّ أن أقول ذلك, و يبدو أنك كنت تواجه الشئ الكثير من المصاعب و أنت تحاول تتبع أى شخص, فضلاً عن ممتلكاتك الخاصة.
قال بلهجة جادة:
ـ أنا أواجه تلك المصاعب على الدوام بالنسبة لممتلكاتى . ثم اضاف بنظرة إلهام مفاجئ :
ـ من الواضح أننى بحاجة إلى امرأة مثلك لكى تنظمينى يا باترسون !
ـ أشك فى أنها قد تكون مهمة مستحيلة....ربما كنت فى حاجة إلى زوجة.
ـ هل تعتقدين ذلك؟ لدى إحساس بأن الزوجة هى آخر من استطيع التعايش معه, أنا واثق بأننى سوف أكون زوجاً بالغ ا ضعف.
رمقته إيفون من خلال اهدابها و قالت:
ـ اليس من المحتمل أن يكون السبب أنك لا تريد أن تكون مسئولاً عن أى نوع من الارتباط؟
قال برقة:
ـ كم أنت حكيمة يا باترسون.
ـ نعم.....حسناً.....دعنا نعد إلى كتابك.
ـ نعم, لابما كان من الأفضل أن ننتقل إلى أرض أكثر أمناً
قال ذلك بلهجة شديدة البطء و قبل أن تعلق إيفون استطرد قائلاً:
ـ يعتبر كتابى فى الواقع مجرد خط هامشى بالنسبة لتجربتى بصفة عامة, مجرد لمسة من لمسات العلماء الذين يأخذون الأمور على محمل الجد, و لا تعتبر فى نفس الوقت بالغة العمق بالنسبة للأشخاص الذين يهتمون بمثل هذا اللون من الموضوعات, أما دراساتى الحقيقية التى تعتبر جزءاً من رسالة الدكتوراة التى أقوم بإعدادها , فهى عملية بدرجة أكبر.
كررت إيفون:
ـ رسالة الدكتوراه ؟ اتسعت عيناها من الدهشة
ـ ألا توافقين على ذلك؟
ـ أنا....بالتأكيد. كل ما فى الأمر أننى أحاول.....خالك....
قالت ذلك بطريقة مشوشة : لم.......
ابتسم ريك ابتسامة كلها ود و قال :
ـ الخال أموس مثل عدد من الناس لم يستطيع أن يدرك تماما العمل الذى أقوم به, و لم يحاول على وجه الخصوص أن يفعل, و لكننى أفهم ذلك, فلديه من العمل ما يشغل باله, أى نوع من المعلومات الخاطئة عن مهنتى حاول أن يزودك بها؟
قالت إيفون:
ـ قال أنه ليس واثق تماماً مما إذا كنت عالماً مبتدئاً فى علم الإنسان أم الآثار القديمة, و لكن يبدو أن اهتمامك الحقيقى منصب على الـ ..... الممارسات الخاصة لشعب الـ كوكوكوس .
مال ريك برأسه الذهبى إلى الخلف و هو يضحك بانشراح و قال:
ـ لا عجب فى أنك كنت فى حالة اضطراب عندما وصلت إلى هنا يا باترسون! كان من الواضح أنك تتوقعين مواجهة مراهق مجنون بالجنس!
وجدت إيفون نفسها مرغمة على الضحك بدورها قائلة:
ـ و لكن الذى اقصده فى الواقع هو, ما العمل الذى تؤديه لكسب العيش ؟ أم أنه لا يوجد ثمة ما يبرر قلقك من هذه الناحية؟
توهجت عيناه الخضراوان برهة وجيزة إلا أن ذلك البريق كاد يختفى فى الحال و قال بوداعة :
ـ إننى أقوم بالتدريس لكى أعيش, أدرس فى الوقت الحاضر فى إحدى جامعات سيدنى, إذ آمل أن أستكمل رسالتى .
ـ أوهـ !
ـ أعتقد فى الواقع أننى أجبتك , أخمن ذلك من رنين صوتك.
نظرت إليه بآسف و قالت :
ـ أنا آسفة , كل ما فى الأمر أننى فى دهشة مما إذا كان شئ مما قاله خالك يعتبر صحيحاً.
ـ أى شئ آخر قاله لك؟
ت قال أن أباك...... كان دبلوماسياً إنجليزياً, و انك نشأت و أنت توف حول العالم.
ـ الآن , هذا صحيح, و ربما كان ذلك السبب فى أننى أعتبر العالم قوقعتى و أننى مفتون به.
قالت إيفون ببطء :
ـ هكذا, فهذه هى الطريقة التى تريد أن تقضى بها بقية عمرك....كأكاديمى, و فى الواقع كمستكشف للنوع.
أجاب مفكراً بعمق:
ـ أعتقد ذلك و على الرغم من ذلك فمن المحتمل أن يكون التنبؤ عن مثل هذه الأشياء حماقة, و لكننى لا أستطيع فى الواقع أن أعمل فى مهنة خالى.
ـ لماذا يصر إذن على التفكير فى أنك قد تفعل ذلك؟
ـ إننى .....فى الواقع فكرت فى أنك قد تقبل الفكرة أخيراً. زهز ما يبين إلى أى مدى يمكن أن يكون الانسان مخطئاً.
انتهت إيفون من تناول وجبتها فى صمت, ثم اخبرته أنها ذاهبة لكى تعمل, و احتج بأنها استنرت فى العنل طول فترة بعد الظهر و لكنها تمسكت برأيها, و لم يلح ريك عليها . و فى الواقع , فكرت فى أثناء المشى و هى فى طريق عودتها إلى غرفتها, و هى تتلفت حولها بحذر خوفاً من ظهور اللاما. إن ريك كان متعاوناً معها إلى أبعد الحدود منذ بدأت تعمل فى كتابه, و كان مختلفاً اختلافاً تاماً, فلم يعد يصدر عنه المزيد من التلميحات و لم يعد يصدر عنه مزيد من التلميحات, و لم يعد يرمقها بنظرات سليطة و اصبحت تشعر بالبهجة كلما اجتمعا معاً.
فكرت فى الوقت الذى قضياه معا ذلك الصباح, كانت حالة المد و الجزر مناسبة فى ذلك الوقت المبكر للقيام برحلة بحرية, و عندما طرق ريك باب غرفتها فيما يبدو أنه غبش الفجر, رمشت بعينيها و النوم لا يزال يلح عليها, ثم القت نظرة من النوافذ و سرعان ما وقعت أسيرة منظر البحر و هو يبدو أزرق شاحب كالحرير .
على الرغم من ذلك قالت له:
ـ لست لىّ معرفة بركوب البحر.
ـ تتوافر لدى المعرفة, سوف أعلمك.
ـ لا أعرف ما إذا كانت عندى قابلية للتعلم, سوف أكون خائفة جداً.....
ـ ليس و أنت معى, لن تخافى.
قال لها ذلك بلهجة التأكيد . و عندما وصلا إلى الشاطئ بعد ذلك, ساعدهما أحد صبية الشاطئ فى دفع القارب إلى الماء . كانت إيفون قلقة بشأن ركود الهواء و سألته:
ـ كيف نستطيع الابحار بدون وجود نسمة من الهواء؟
قال ريك بصبر :
ـ باترسون , ثقى بىّ أرجوك, فور أن نوغل فى الماء قليلاً سوف تقابلنا نسمة .
ـ و لكن كيف نخرج من البحر؟
كان ريك قد تبادل نظرة ساخنة مع صبى الشاطئ و قال :
ـ سوف نستخدم المجاديف إذا استلزم الأمر. هل تكتفين بالقفز إلى القارب و التوقف عن القلق؟
ـ كل ما سوف أفعله , أن أحكم ارتداء سترة النجاة....
رفع ريك عيناه إلى السماء, و لكنه سيطر على مشاعره و على الرغم من ذلك, بعد نصف ساعة, عندما كان القارب ينزلق بسرعة على سطح الماء أمام هبة نسمة خفيفة, عندما تدثر العالم بغلالة مضيئة بنور الصباح المبكر بألوانه الوردية و الذهبية, قال لها مغايظا:
ـ هل ندفعه نحو أعماق البحر؟
ـ أوهـ , لا ... هل لابد لنا من ذلك؟
شعورك الآن على النقيض تماماً ما كان عليه فى وقت مبكر!
قالت إيفون بحماس:
ـ لقد حولتنى , لم تكن عندى أى فكرة أن الأمر بمثل هذه السهولة و أنه مسلٍ هكذا.
و قد ضحكت عندما قاد القارب بمهارة, و صدمها رذاذ من الماء, و كان ريك يراقبها, و فكرت خلال لحظة أنه سوف يقول لها شيئاً يعبر عن الاعجاب, إلا أنه لم يفعل, و أكتفى بتعليمها المزيد عن ركوب البحر.


ـــــــــــ


عادا إلى الشاطئ و تناولا طعاماً ضخماً فى وجبة الفطور , و لعبا دورا فى الجولف, ثم استلقيا فى استرخاء على الشاطئ حتى حان موعد الغداء, و قالت إيفون اثناء تناول الوجبة:
ـ سوف أكون مسرفة تماماً عندما أعود إلى ملبورن ...ركوب البحر و لعب الجولف كل المهارات الاجتماعية التى تنقصنى.
قال ريك بكسل :
ـ كان ينبغى لىّ أن أفكر فى أنك تملكين الشئ الوفير من المهارات الاجتماعية.
قالت إيفون بخفة :
ـ أوهـ, باستطاعتى أن أعطى تقليداً طيباً جداً لها .....ثم اضافت لكى تسكن الفضول الذى ظهر فى عينيه: أننى أمزح فحسب, ماذا , ماذا ستفعل بعد ظهر؟
ـ سوف أذهب للصيد فى مياه البحر العميقة , و لا أعتقد أنه شئ طيب أن أوجه لك الدعوة فى هذه الرحلة ؟
ـ لا و شكراً لك مع ذلك.
و مع ذلك, عندما لم يعد فى الساعة الخامسة قررت التمشيه على رصيف الميناء باعتبار أن ذلك هو عين ما يحتاج إليه. كان الطريق يمر بمحاذاة خط السكة الحديد, و لو أن الإنسان أحكم التوقيت فى المشئ لاستطاع أن يلحق بموعد القطار فى العودة, و كانت إيفون قد قطعت ما يقرب من نصف المسافة و هى مستمتعة برائحة اشجار الكروم على أحد الجانبين, بينما ترتفع الأرض بانحدار شديد, فى حين يقع الشاطئ و البحر على اليمين. مع ضربات الماء الرقيقة بين الصخور و الشعب المرجانية. عندما سمعت زهرة منسية صوت القطار مقبلاً نحوها, كان اشبه بقطار اللعب و كان ذلك ما تتخيله إيفون بقاطرته ذات الألوان الزاهية و عرباته, لكنه كان فى الواقع قطاراً متحركاً حقيقياً كما كان يصدر صوتاً صاخباً جداً و قفزت إيفون مبتعدة من الممر, متحاشية الوقوف عن طريق القطار فى الوقت المناسب.
و لكنها التفتت لكى تلوح له محيية كما هى العادة فى برامبتون الصديقة . إلا أنها سمعت فى تلك اللحظة صوت احتكاك عجلات القطار بالخط المعدنى, ثم رأت القطار يسير إلى الخلف متجهاً نحوها.
ريـــكـــ !
ذلك ما خطر على بالها فى الحال, و لم تكن مخطئة فى ذلك, لقد طلب ريك من سائق القطار الوقوف لكى يلتقطها و نزل ريك و ساعدها فى الصعود إلى القطار, و وجدت نفسها تصبح جزءاً من فريق سعيد من صيادى السمك المتفرجين, الذين جعلوا من التمشية على رصيف الميناء العميق, فى الوقت المتأخر من فترة بعد الظهر, شيئاً أشبه بالطقوس.
بينما كانت فى طريقها إلى غرفتها, فكرت فى أن ريك يتمتع بشعبية كبيرة بين الضيوف و العاملين بالفندق على السواء, و أنه يجتذب الناس نحوه كالمغناطيس . هل كان يتمتع بتلك الشخصية السعيدة دائماً’ بحيث لا يضطر إلى الوقوف موقف الدفاع أبداً؟ ألا يشعر بأنه فى موقف شائك أو يجد نفسه ساعياً لاستجلاب العطف أو موضوع اللوم؟
تمتمت لنفسها و هى متجهمة: "مثلى أنا أتعجب, تُرى كيف يرانى الناس؟"
كان من الواضح أن يوجد بعض اللبس....بعض التأمل بالنسبة للعلاقة بينهما, و بسبب الوقت الذى قضته فى العمل, أدركت إيفون أن وضعها يبدو لبعض الناس, ليس باعتبارها صيداً تماماً... أو ربما كانت طبيعتها التى تميل للوحدة, تجعلهم مترددين بالنسبة للاسلوب الذين يتعاملون به معها, و كذلك النظرات العارضة القاتمة لتى ترمقها بها كل الشابات الصغيرات اللاتى يصلحن للزواج ممن يزخر بهن المكان, و يمكن تفسير معانيها, آهـ لو أنهن كن يعرفن!
أفاقت من أحلام يقظتها, و عادت إلى الكتابة على الآلة الكاتبة.....
فلتطلق عليه أى اسم تختاره هذا الفتى الشرطى الصغير؟
أنقضى يومان أخران.
فكرت إيفون فى أن عقلها و جسمها كانا يستجيبان خلال اليومين مثل زهرة التى تتفتح للشمس, و وجدت نفسها تبتسم لتخيلاتها , و لكن كان لابد لها من الاعتراف, بأنه إذا كان يوجد ما يسمى بحمى الجُزر, فلابد أن تكون قد أُصيبت بها. كان من المؤكد أنها تشعر بالاسترخاء, و بالحيوية رغم أنها تحس بالجمال من حولها, و تحس بالسكينة والكسل الجسدى فى بعض الأحيان, و لكن كما لو ان مسام جلدها تتشرب م البحر و الشجر, و السماء و حياة الطيورو الجمال الأخاذ للأسماك الاستوائية, و الشعب المرجانية فى القنال الضيق بين براميتون و كارليزل, و يعطى للإنسان الإحساس بأنه يزور أرض العجائب, و كان هناك بالتأكيد كتاب
ريك إيمرسون لكى تعود إليه, تعمل و ترفه عن نفسها, و يصل بها الأمر فى بعض الأحيان إلى حد أن تضحك بفتور, مثل تلميذات المدارس, من الطريقة التى يروى بها تحاربه. و قالت إيفون محدثة نفسها: "إننى على استعداد لأن أكل قبعتى إذا لم يصبح هذا الكتاب من أكثر الكتب رواجاً"
و مع حالة الاسترخاء التى كانت عليها, لم يخطر ببالها مجرد إلقاء نظرة على ما كان فى انتظارها لكى يُمزق كل شئ شر تمزيق.




بعد ستة أيام من وصولها, كانوا يقدمون عشاءهم الأسبوعى من الأسماك البحرية. أكدوا لها أنها سوف تتناول أشهى ألوان الأسماك التى تعيش فى مياه تلك المنطقة: المحار, الجمبرى, السرطانات البحرية, حتى أسماك اللوت التى تعيش بين الشعب المرجانية, سوف تكون ضمن القائمة’ بالاضتفة إلى تشكيلة وافرة من السلطات....وليمة حقيقة.
إكراماً لهذه الوليمة الحقيقية, ارتدت إيفون ثوباً من الشيفون الأزرق الطباشيرى محكماً حول جسمها تاركاً الكتفين عاريتين و الذراعين. و شبكت فى شعرها بعض الأزهار الحمراء و الوردية. وكان جلدها الآن يشبه العاج الدافئ.
أحتفل ريك أيضاً بهذه المناسبة و ارتدى سترة بلون القشدة فوق قميص بيج مفتوح الرقبة, و البنطلون بيج. و عندما ألتقيا أمام الأبواب المتجاورة تفحصته إيفون بعين ناقدة ثم قالت باستحسان :
ـ أنت تبدو لطيفاً جداً
أجابها و هو يضحك ضحكة قصيرة ماكرة:
ـ شكراً لك يا مدام, و أنت أيضاً تبدين رائعة فوق الوصف.
التوت شفتاها و قالت:
ـ اعتقد أن هذه هى المرة الأولى التى تعجز فيها عن التعبير بأفضل الكلمات . ثم ابتسمت و قال على الفور رداً على هذا التعليق:
ـ لم أفقد فى الواقع القدرة على التعبير, كل ما فى الأمر أننى لا أريد أن أكدرك لو....لو أننى تعرضت للمسائل الشخصية.....
ـ ريك, اعتقد أنه ينبغى لك أن تسرع إلى الوليمة لا نريد أن نكون آخر من وصل, أليس كذلك؟
رماها بنظرة ساخطة, ثم قال :
ـ حسناً, أستطيع أن اتقبل ملاحظة . تقديمى يا باترسون و لكننى لو كنت مكانك , لكنت على حذر الليلة من الذئاب, أعنى من ذلك النوع الذى يطلق صفيراً عند رؤيتك.
كانت تلك حالتها من الهدوء و ابتسمت إيفون ابتسامة صغيرة تكاد تكون حالمة. و قالت ببراءة:
ـ أصدق أنك جاد بالنسبة لهذه النصيحة, و لكن لو أن ذلك حدث فسوف أتجاهله خارجياً, و اشعر داخلياً بالاطراء , ماذا تقول فى ذلك؟
كان يقفان على قمة درجات السلم, يواجه كل منهما الآخر . و تفحص ريك وجهها المرفوع بشموخ كما تفحص عينيها السوداوين المتوهجتين و شفتيها المصبوغتين بلون ينسجم مع لون الزهرتين المشبوكتين فى شعرها الأسود بلون الليل, و قال بصوت لا يكاد يكون مسموعاً
ـ ذلك أفضل.
رفعت حاجبيها و سألت:
ـ ما هو؟
ـ لا شئ. و أمسك يدها و قال :
ـ لقد فقدت عصاى, هل تسمحين بمعاونة عاجز فى مرحلة النقاهة على النزول؟
ـ فقدتها مرة أخرى !
ـ سوف أعثر عليها على أى حال, فى الواقع لا أعتقد أننى أصبحت فى حاجة إليها.
ـ إذن فأنت لا تحتاج إلى يدى...كما أن هناك حاجز للسلم.
و اشارت نحو الحاجز.
رفع يدها إلى شفتيه و طبع عليها قبلة قصيرة ثم تركها قائلاً بحزن:
ـ هذا هو الجوهر بالنسبة لىّ يا باترسون, تقدمينى.....إننى أموت جوعاً!
كان عشاء السمك جديراً بما لقى من حفاوة.
قالت إيفون:
ـ ...أشك فى أننى سوف أتمكن من الحركة بعد كل ذلك. لقد كان رائعاً.
أخبرها نيك :
ـ أنهم لا يكتفون بتقديم الطعام فى عشاء السمك. هناك حفل راقص أيضاً .....يبدأ ببطء ثم تزداد حرارته مع مرور الوقت, أنت ذاهبة إلى الحفل, أليس كذلك؟
رمشت و قالت:
ـ أنا...؟
قال بتصميم:
ـ نعم , سوف تذهبين, لن أتركك تعودين إلى غرفتك للكتابة على الآلة الكاتبة هذه الليلة.
ـ حسناً....ربما كان ينبغى لىّ أن أذهب....إنه لا يجرى بالسرعة التى كنت أتخيلها و لكن....جلست وهى تتنهد و قالت :
ـ لا, لن أذهب.
كان ريك قد فتح فمه , إلا أنه عاد و أغلقه ثم قال :
ـ لقد فكرت فى أنه لابد لىّ من الدخول فى معركة معك.
ـ لا يبدو أننى قادرة على الدخول فى معركة هذه الأيام, أليس كذلك؟
قالت إيفون ذلك و هى تحملق فى الفضاء , حتى سألها ريك عما تفكر فيه؟
قالت معترفة:
ـ أ.....لست أدرى, ربما أدرس هذه الأنا الجديدة لىّ و لسبب ما سرت فى جسها رجفة, عندما بدأ يتحرك فى ذهنها أول تحذير مسبق, و لكنه فى الواقع لم يكن قابلاً لحل رموزه فى هذه المرحلة, بل مجرد احساس غريب بالشعور بعدم الارتياح .
ـ إيفون.....قال ريك ذلك ثم توقف أمام ابتسامتها المشرقة .
ـ نعم.
تردد برهة ثم هز كتفيه وقال:
ـ دعينا نذهب إلى هذا الحفل الراقص قبل أن تغيرى رأيك.


ـــ


ـ كان باستطاعتي أن أوصل الرقص طوال الليل .
كانت الموسيقى تتسرب إلى ذهنها و هى ترقص شطراً من الليل مع ريك إلى أن بدأ يشعر بالألم فى رسغه, ثم بدأت ترقص مع أى إنسان يطلب الرقص معها, لأنه كان مسموحاً فى هذه الليالى السعيدة لكل انسان أن يرقص مع من يشاء, و لم يبد أن أحداً كان يغار فى هذه الليلة. فضلاً عن أن العاملين فى الفندق كانوا على درجة كبيرة من اللباقة. عندما أعلنوا عن مباراة فى الرقص بين الضيوف متيحين بذلك الفرصة لكل راقص أن يبدل زميلته.
كانت ليلة تسربت فيها الموسيقى إلى روحها, واظهرت مهارتها الاجتماعية الوحيدة . وادركت و هى تفكر فى ذلك أن تلك المهارة ظهرت بطريقة طبيعية. و مكنتها من التفوق على أى شابة أخرى.
و استمعت إلى الكثير من الإطراء : أنت خيالية! ...هل تحترفين الرقص لكسب العيش؟ أين كنت تخفين موهبتك....لا تخبرينى أنك كنت مشغولة بكتاب ريك.......
كانت تعليقات و الإطراء ينهالان عليها بكثافة و سرعة, و اكتشفت أنها منهوكة القوى عندما توقفت الفرقة عن العزف. و بدأ الراقصون و الراقصات ينصرفون إلى حجراتهم فى سعادة و عندئذٍ أحست إيفون أنها تهوى من السماء إلى أرض الواقع.
كان ريك لا يزال موجوداً فى الفندق و لكن بينما كانت إيفون تراقبه, رأته يضع ذراعه حول خصر فتاة حسناء, و كان يتحدث معها, و يطبع قبلة على جبينها و رأتهما يضحكان بجذل و يعودان لاستئناف حديثهما.
أغلقت إيفون عينيها و ترنحت و هى واقفة, عندما بدأت فكرة مخيفة بعد فكرة تدق أبواب عقلها. و اصبحت على وعى بأنها لم تشعر طوال حياتها بمثل الوحدة التى تشعر بها الآن, إنها وحيدة و.....غيورة. وحيجة و لكنها على درجة عالية من الحيوية , بطريقة ما خيل إليها أنها لن تتحدث إليه أبداً بعد ذلك, حية متطلعة إلى الرغبة, محتاجة إلى أن تتلقى الحب.
استدارت على عقبيها بانفعال و جرت مسرعة تاركة ردهة الاستقبال غير عابئة بحيوانات اللاما و الكنغر. وظلت تجرى طوال الطريق ثم أخذت ترتقى درجات السلم إلى غرفتها, حيث أغلقت الباب من خلفها و استندت إليه بظهرها متلاحقة الانفاس و هى شاردة اللب, و تقول لنفسها مرة بعد مرة :
ـ كلا, أوهـ , كلا...........


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-06-16, 10:07 PM   #5

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الرابع

انتفضت عند سماع الطرقة على الباب, مما جعلها تبتعد عن الباب كما لو أنه كان يحترق, و سمعت صوت ريكـ ينادى باسمها, إنه صوت ريكـ الذى لا تخطئه الأذن على الرغم من أن الصوت كان مكتوماً.
قالت بصوت هامس مرة أخرى :
ـ لا.
و سارت على أطراف اصابعها نحو الجزء الرئيسى من الغرفة . كانت قد تركت مصباحاً واحداً مضاءاً بجوار السرير, و أسرعت نحوه و أطفأته, ثم جلست فوق السرير فى الظلام تعتصر يديها, و هى تحملق إلى اتجاه الباب مبتهلة إلى الله أن ينصرف.
فعل ذلك بعد مرور بعض الوقت....على الأقل , لقد توقف عن طرق الباب, ثم سمعت صوت أغلاق باب غرفته فى هدوء الليل, و أحست بعضلات صدرها تسترخى بعض الشئ.
غير أن احساسها بالارتياح لم يدم طويلاً على أى حال, لأنها سمعت و هى تستدير صوت طقطقة مرتفعة على شرفتها التى ينيرها ضوء القمر.


ـــ


فتحت عينيها على اتساعهما من الدهشة, فرأت ريـكـ يرفع جسده فوق مقعد و منضدة مقلبوين.
قفزت إيفون من مكانها إلا أنه دخل و هو يعرج من الباب الزجاجى للشرفة قبل أن تتمكن من الوصول إليه و قبض على معصمها بإحدى يديه, فى حين أغلق بالأخرى الباب, ثم اسدل الستار كذلك, و سحبها إلى الداخل ليضئ المصباح الموضوع بجوار السرير.
قالت و هى تلهث:
ـ كيف تجرؤ على ذلك؟
ناضلت لكى تحرر نفسها من قبضته و لم تكن تتخيل أنه على هذه الدرجة من القوة, و قالت:
ــ كيف تجرؤ على التسلق إلى غرفتى بهذه الطريقة؟
قال بسخرية:
ـ لم أفعل ذلك باختيارى , صدقينى, كانت تلك هى الطريقة الوحيدة للوصول إليك....أن اقتحم طريقى لدخول برجك العاجى.
اضاف ذلك بلهجة أقرب إلى الاحتقار, ثم تخلى فى الحال عن قبضته على معصمها.
فقدت إيفون توازنها و جلست على السرير بارتباك. قال ريك على الفور:
ـ أنا آسف, و لكن ربما كان من الأفضل أن تبقى هناك.
وقف أمامها تى لا تتمكن من الوقوف.
حملقت إليه إيفون و هى تفرك معصمها, و قد أصبحت فريسة للعديد من العواطف المتصارعة, على الرغم من أنها حاولت الكلام, إلا أن الكلمات لم تخرج من فمها .
ظل يلاحظ ذلك برهة, و قال :
ـ ما الذى حدث هناك؟ أشار برأسه تجاه المبنى الرئيسى.
ـ لا شئ!
قال باقتضاب:
ـ لا تكذبى يا إيفون . كنت فى لحظة تقضين أحلى فترات عمرك, ثم كنت فى اللحظة التاليىتفرين لتلوذى بملجأ, هل أدركت فجأة إلى أى مدى كسرت الوعود التى قطعتيها على نفسك أخيراً؟ هل صدمك أن تعرفى أنك كنت تعيشين و تضحكين.....و أنك كنت سعيدة بذلك؟
اتسعت عيناها و انفرجت شفتاها و انحبست الأنفاس فى دا خل حلقها و قالت متلعثمة:
ـ أ....كيف....؟
ثم ظللت عينيها سحابة من الرعب, و ادارت جسمها مبتعدة و وضعت رأسها فوق الوسائد و قالت بصوت فيه بحه:
ـ أخــــــــرج.
ـ كـــــــــــلا.
وقفت متشنجة و هى تقول :
ـ إذن سوف أخرج أنا, لست مطالبة أن....أواجه استجوابك دون سائر الناس.
سأل ريك:
ـ دون سائر الناس؟ ما المفروض أن تعنيه هذه الكلمات؟
ـ تعنى.....
لم تكن تدرك أن أسنانها تصطك, و لم تستطيع أن تمنع نفسها من تدفق الكلمات على لسانها.
ـ لا تدعنى أحرمك من البقاء مع الفتاة التى كنت معها, و قد كنت تخطط و لا شك لقضاء الليل معها!
انفجر فى وجهها قائلاً:
ـ تغارين يا إيفون؟
صاحت بانفعال :
ـ كلا.....أوهـ! توقف عن سد الطريق أمامى بهذه الطريقة....كما لو أنك.....
تحرك ريك مبتعداً, و لكنها لسبب ما, أحست أن رجليها لن تقويا على حملها, و من ثم بقيت حيث هى...تتنفس انفاساً غير منتظمة, محدقة فى الحائط الى أن مدت يديها نحو وجهها و انتزعت الزهرتين من شعرها , و مضت تنزع ورقاتهما ورقة بعد ورقة.
ـ إيفون؟
قالت بصوت هامس:
ـ كل ما أريده منك أن تنصرف.
لم يرد عليها, و خلال الدقائق المعدودة لإحساسها بالشفاء, لم يعد يهمها ما إذا كان يبقى أم ينصرف , أن تكون ميتة أو على قيد الحياة .
ثم اخترقت بعض الأصوات وعيها, و التفتت نحو مصدر الصوت فرأته يسخن الإناء الكهربائى الذى زُودت به كل غرفة فى الفندق, وأنه يصنع القهوة. تقوس كتفاها و تنهدت بدون صوت مسموع, ثم راقبته فى صمت وهو يضع برقة قدحين منم القهوة فوق المنضدة المنخفضة, و ينظم وضع مقعدين حول المنضدة.
اعتدل و حدق إلى وجهها لحظة, ثم قال بهدوء:
ـ تعالى.
اشاحت إيفون بوجهها ثم وقفت و هى تهز كتفيها .
كانت القهوة ساخنة للغاية, فآلمت شفتيها مع أول رشفة, و وضعت القدح المهتز فوق الصحن و سمعت صوت طقطقته.
قال ريك مبدداً الصمت الذى أعقب ذلك, و هو يتلفت حلوه بآسى:
ـ غرفتى تجعل غرفتى تقف أمامها فى خجل.
تلفتت حولها لتنظر إلى الغرفة المرتبة, لم تكن تظهر أى ثياب و كانت منضدة الزينة تحمل مستحضرات التجميل الخاصة بها فى تنسيق بديع كأنها فى فترينة للمعروضات , و لم تكن على الأرض أى احذية, ولا مناشف مبعثرة هنا و هناك, ولا حتى كيس نقود أو حقيبة يد, و لا يوجد فوق منضدة العمل أى أثر لأكياس المشتريات التى تضم أوراق كتابه, بل أكوام منظمة من ورق الفولسكاب و الأوراق التى تنسخ عليها بالآلة الكاتبة, و قلمان, على حين كانت الآلة الكاتبة مغطاة, و كان الدليل الوحيد على سوء النظام فى الغرفة, و ريقات الأزهار و كان قليل منها لا يزال ملتصقاً بالجانب الأمامى من ثوبها.
التقطت إحدى الأوراق بين اصابعها و قالت بصوت فيه بحة:
ـ استمع إلىّ, أنا آسفة, أنا .....لقد شرد عقلى قليلاً, ولكن لا يوجد فى الواقع ما يستوجب قلقك, ليس لك دخل.....
توقفت عن الأسترسال و عضت على شفتها.
أمدها بالكلمة:
ـ العمل؟
قالت بعد جهد:
ـ حسناً......لا أريد أن أظهر ناكرة للجميل, و لكن لا, ليس العمل.
أراح ريك ظهره على المقعد, و أخذ يتفحصها بنظراته بعض الوقت فى حين إيفون كانت تحبس أنفاسها فى انتظار الاستماع إليه, لاحظت و هى تعانى ألماً خفيفاً حول قلبها, أنه خدش جانب وجهه عندما عبر فوق أثاث الشرفة.
قال ريك أخيراً:
ـ أخشى أن أقول أننى لا أتفق معك.
و قالت:
ـ إذا كنت قلقاً بشأن كتابك, فسوف أتمه لك.....
قال برقة و لكن مع لهجة تهديد غريبة:
ـ إيفون, علينا ألا نستمر فى الخلاف. أننى متأثر للطريقة التى تعالجين بها الأمور و الحالة التى أنت عليها, و أنت تعرفين جيداً السبب.
قالت:
ـ هل أعرف حقاً؟ يؤسفنى أن أقول أننى ......
قاطعها قائلاً :
ـ نعم, أنت تعرفين, أوه, لقد احتفظنا به تحت دثار...لقد بذلت فى الواقع أقصى ما تملكين من جهد لكى تدفنيه فى أبعد عمق تستطيعينه, و بسبب الطريقة الغريبة التى يبدو أنه يؤثر فيك بها , فقد.....
هز كتفيه و أردف يقول:
ـ جاريته, و لكن شيئاً من ذلك لا يغير حقيقة أنه يوجد بيننا نوع من جاذب البدائى يا عزيزتى .
أصدرت صوتاً ضعيفاً يعبر عن اعتراضها, إلا أنه تجاهل ذلك و تابع حديثه:
ـ بل لقد ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك وقلت إن واحداً من تلك الأشياء التلقائية.....من المؤكد أنه كان شبيهاً بذلك بالنسبة لىّ.
وقفت إيقون بغلظة و هى تقول :
ـ لا أريد أن أسمع المزيد, لست مهتمة.......
قاطعها قائلاً ببرود:
ـ لماذا أنت منزعجة كل هذا الانزعاج البشع؟ و لماذا كل هذا التوتر؟
ـ أنا ...........
و زفر من تحت أنفاسه و وقف, و خطا خطوة واسعة نحوها قبل أن تتمكن من الافلات من, واحتواها بين ذراعيه و قال:
ـ من المؤكد أنه لم يكن باستطاعتك أن تكونى جميلة كل هذا الجمال .
قال ذلك و شفتاه لا تكادان تتحركان, على حين تنفذ عيناه الخضراوان إلى أعماق روحها:
ـ ولا يكون هناك أى صدق فى قلبك, كل واحد منا يريد الآخر يا إيفون, و أياً كان الخطأ الموجود فيك. ومهما كانت الاستحالة فإن ذلك لا يغير حقيقة واحدة ضئيلة, لا يستطيع شئ أن يغير حقيقة أنك رأيتنى مع أحدى الفتيات و جرح ذلك مشاعرك.
ـ فليكن, لقد جرحت مشاعرى.
قالت ذلك من بين أسنانها.
ـ و لكن الأمر لم يكن يتعلق بك أنت وحدك, لا تتملق نفسك على اعتبار أنه كان بسببك على وجه الخصوص, لقد كان......كان مجرد إحساس مفاجئ بالوحدة القاتلة, كان الجميع ينصرفون. و كان مع كل واحد....شريكته.....و قد نال ذلك منى, هذا كل شئ.
قال بسخرية:
ـ أيتها الصغيرة المسكينة سندريلا إيفون , الذى يعنينى يحق هو, لماذا تصرين كل هذا الاصرار على أن تكونى سندريلا العنيدة فضلاً عن العمياء و......
قالت له محذرة و هى تحاول التخلص من قبضته:
ـ اتركنى أذهب يا ريك.
قال بلهجة بطيئة :
ـ لا, ليس بعد يا حبيبة القلب, و يبدو أن لدى الشئ الكثير الذى يحتاج إلى تصفيه....كبريائى.
واضاف و هو يبتسم ابتسامة جافة قصيرة:
ـ يبدو أنها تعرضت للكدر, دعينا نر كيف تقبلين أى انسان ليس بصفة خاصة لو أنك سرت على منهجى .
شهقت إيفون و لكنه أكتفى بالضحك بهدوء و أدناها منه لكى تزداد اقتراباً.
قالت مهددة:
ـ سوف أصرخ.
قال بصوت منخفض:
ـ أصرخىبأعلى صوتك, لأننى لا أنوى أن أقبلك. و عندما أعبر عن ذلك بالكلمات.....حسناً, فعليك أن تعالجيها بأكبر قدر ممكن من الرشاقة, مثل نصل الخنجر الحاد فى أثناء عمله. و لكن بالنسبة لهذا الموقف, ربما كان يكفينى حد الخنجر.
لم تصرخ و لكنها قاومته بكل ما تملك من قوة, و قاوم ريك بأقل قدر يتطلبه الموقف حتى يبقيها بين ذراعيه, وهو يضغط بجسمه عليها. تمكنت إيفون من تحرير فمها و ذراعيها و حاولت أن تضربه , و لكنه قبض على معصمها و حبس ذراعها خلف ظهرها و ترك أصابع يده الأخرى تنزلق من خلال شعرها, و أمل رأسها إلى الخلف ليصل إلى فمها مرة أخرى , إلا أنها تمكنت من تخليص نفسها مرة أخرى, ثم بدأت تسبه, و تمطره بسيل من الكلمات التى كانت تكرهها دائماً, و تحاول أن تنسى أنها تعرفها , كلمات سمعتها من ابيها السكير و هو يقولها لأمها المرة تلو المرة, قبل أن يغادر البيت و يهجرهما جميعاً.........
كان بريق السخرية فى عينى ريك هو الذى منع تدفقا, و كان الأسوأ من ذلك, احتقارها لنفسها الذى استنزف كل ما تبقى لديها من قدرة على القتال, و كان ذلك عندما سقطت إيفون فى الفخ الرهيب .
قال ريك برقة :
ـ هل انتهيت تماماً؟
ثم بدأ يقبلها مرة أخرى.
فى وقت لاحق, كان على إيفون أن تعرب عن دهشتها عما إذا كانت قدرتها على القتال قد استنزفت روحياً, عن طريق الهفوة التى لا تغتفر بالنسبة للمظهر الكاذب لسقطتها, و لكن الإجهاد البدنى أيضاً الذى كانت تقترب منه, يعتبر هو المسؤول عن ذلك.....المسؤول عن حالها حين اكتشفت أنها بالتدريج هى التى تتعلق به, أكثر من كونها مقهورة أو مكبوتة, ووجدت قلبها يدق بغير انتظام و هو يزيد الضغط فوق فمها. وعندما رفع رأسه لم يكن باستطاعتها إلا أن تميل بجبينها على كتفه مهتزن من الاعماق.
سمعته يقول شيئاً بغير وضوح, و لكن ما إن سمعته حتى أصبحت كلماته الهادئة الساخرة و كأنها محفورة فى قلبها .
ـ إذن فانت تحبين الخشونة يا باترسون , لا أدرى ما إذا كان ينبغى لىّ أن أشعر بالدهشة, و لكننى بطريقة ما لا أشعر بالدهشة.
تحركت متشنجة و سقط ذراعاه, و لكنها ارتجفت عندما التقت نظراتهما, مدركة أن المزيد قادم فى الطريق.
و لقد كان, أمسك ريك يدها و جعلها تستدير حتى أصبحا يواجهان المرآة العرضية فوق منضدة الزينة, و لم يكن باستطاعتها إلا أن تغلق عينيها بعد لحظة أمام ما وقع عليها بصرها.....كان شعرها قد تهدل و خداها مضجران بالحمرة و قد سقط أحد جانبى ثوبها عن كتفها قليلاً . و لكى تكتمل الفوضى التى تشملها ......كانت تقف بعدم لياقة و هى تميل بزاوية , بعد أن فقدت فردة من حذائها فى أثناء مقاومتها العقيمة.
قالت إيفون بصوت هامس و هى تركل فردة حذاء:
ـ أخرج من هنا.
ـ أننى خارج.
ثم أضاف بعد تفكير :
ـ نعم. أعتقد أننى كنت أعرف دائماً أنك شبه مياه ساكنة تجرى بعمق , طابت ليلتك يا عزيزتى.
انصرف ريك من حيث جاء, متسلقاً من فوق شرفتها إلى شرفته , لأنه كان قد قال لها عرضاً إنه نسى إحضار مفتاح غرفته معه, ولم يتعثر فى أى شئ هذه المرة.


ـــــــــ

ظلت إيفون رابضة على السرير فوق الأغطية مدة تقرب من الساعة, و هى لا تزال مرتدية ثوبها الأزرق الطباشيرى, و هى تحملق بعينين مخيفتين إلى الحائط و هى تهتز طرباً, ثم توقفت و أخذت حماماً. و أغلقت باب غرفتها بامان و هى تدرك أنها غالبا ما كانت تكتب على الآلة الكاتبة فى وقت مبكر جداً من النهار , و وقت متأخر للغاية من الليل بدون أن تزعج ريك أو أى شخص آخر, و بدأت تعد نفسها للعمل .
عندما أشرقت الشمس قوت إيفون عزيمتها باحتساء قد من القهوة, وكانت فكرة أنها أكلت فى الليلة الماضية ما يكفى من الطعام تجعلها تستطيع الصبر عدة ساعات و هى تعمل عملاً متواصلاً و تنسخ على الآلة الكاتبة بسرعة و بدون توقف, لكى تضحك أو تستمتع بما تكتبه من المخطط. كانت تشعر بدوار, و تبدو لها الأشياء مزدوجة, وجسمها متصلب و متشنج, و لكنها كانت قد أتمت العمل.
شبكت أوراق الفصل الأخير من الكتاب مع بعضها البعض و هى تشعر بالتعب ثم وقفت, و فردت جسمها و بكل ما تملك من جهد, أخذت تحزم امتعتها. و فى النهاية , أخذت حماماً آخر و ظلت واقفة لما يبدو أنه دهر. تفكر فى الخيارات المتاحة لها. كانت هناك عدة رحلات للطيران تبعد مسيرة يوم عن الجزيرة. و لكن لو انها حجزت مكاناً لتمكنت من ركوب السفينة بعد الظهر. وكان كل ما تبقى لها هو كيفية قضاء الساعات حتى ذلك و كيف تغمى على ذهنها حتى لا تسأل ذلك السؤال الذى ظل يلح عليها. هل كانت على صواب؟.... أم أن ريك هو المحق؟ و استمرت تخبر نفسها أن الأمر لم يعد مهم.
خرجت من تحت الدش فى النهاية و ارتدت ثوب الرحلة بلون اللوز بحزام منسوج فيه من القش, و حذاء يناسب الثوب, ثم ربطت شعرها إلى الخلف بوشاح حريرى أخضر, و كانت النتيجة النهائية مرضية تماماً’ إلا أن شيئاً لم يستطيع إخفاء الظلال تحت عينيها, و بقيت حقيبتها و نظارة الشمس على السرير فى وضع الاستعداد, و مع هذا كان من الصعب عليها أن تترك الأمان فى غرفتها, لكى تقوم باتخاذ الترتيبات اللازمة. و كان من أحد مساوئ برامبتون. أنه لا توجد أجهزة تليفون داخل الحجرات و ظلت مترددة فترة قصيرة , عندما سمعت طرقة ريك على الباب.
جفلت و هى تفكر بغباء فيما إذا كانت تستطيع التعرف على طرقة أى انسان آخر مثلما تتعرف على طرقة ريك. ثم سوت كتفيها و ذهبت لتجيب الطارق.
كانت تعرف أن شيئاً لا يستطيع أن يمنع حمرة الخجل لمجرد رؤيته.
كان ريك يميل بجسده نحو إطار الباب و يده مرفوعة ليكرر الطرق مرة أخرى. كان يبدو طويلاً, لا يزال النوم فى عينيه و لكنه يرتدى ملابسه بالطريقة الرسمية التى اعتادت رؤيته فيها. الطريقة الرسمية بالنسبة لـ ريك كما كانت تتوقع. أن يلبس قميصاً تحت جاكيت إسبور باللونين الرمادى و الأزرق و بنطلون رمادى.
لم يقل أحدهما شيئاً خلال لحظة, بينما هو يراقب ازدياد حمرة خديها. و تجمدت إيفون فى مكانها و هى تفكر فيما ينبغى لها أن تقوله.
ـ تفضل بالدخول.
اعتد و تبعها إلى الداخل, واتجه بصره مباشرة نحو متاعها الذى كان موضوعاً بنظام فى وسط الغرفة فوق الأرض, و تمتم:
ـ لقد ارتبت أن يحدث مثل هذا!
اجابته إيفون بجفاء:
ـ اعتقد أنه كان الشئ المحتمل.
ـ لا, أعنى أنى أحسست بذلك فى عظامى, أنظرى إلى هذا .
التفتت نحو الباب و اشار لها لكى تخرج و ترى بنفسها .
ـ ماذا هناك؟
ـ عليك أن تُلقى نظرة.
زمت شفتيها, ثم هزت كتفيها بلا اكتراث, و خرجت لتلقى نظرة و تبعها ريك و أشار إلى كومة من الأمتعة خارج باب غرفته.
رمشت إيفون بدهشة:
ـ أنت أيضاً....مسافر؟
ـ أهـ ها.
ـ لماذا؟
ـ ألا تستطيعين التخمين ؟
ـ نعم.....أعنى....
استدارت و عادت إلى داخل غرفتها, تبعها ريك و قالت :
ـ لست فى حاجة إلى أن تفعل ذلك. لقد انتهيت من نسخ الكتاب كله على الآلة الكاتبة.
اشارت إلى السرير و قالت :
ـ لست فى حاجة إلى الرحيل بعد.
نظر إلى الكومة الموضوعة على السرير ثم حول بصره نحوها بنظرة عابسة تتزايد فى عينيه, و قال بذهول :
ـ أنت....و لكن متى؟
قالت باقتضاب :
ـ فى الليلة الماضية.
ثم اضافت بدقة أكثر :
ـ هذا الصباح.
ـ الم تذهبى إلى الفراش بالمرة؟
هزت كتفيها و قالت :
ـ نعم, و هكذا ترى ........
قاطعها قائلاً بخشونة :
ـ أننى لا أرى شيئاً.....لماذا؟
استنشقت إيفون نفساً و قالت بثبات :
ـ أنا أيضاً احب اتمام أى مشروعات أتولاها, و إذا أردتنى أن أكون صريحة معك ....
اغمضت عينيها قليلاً أمام رنين الغضب المفاجئ فى صوتها. إلا أنها استمرت تقول بضيق:
ـ فكرت فى أن ذلك قد يجنبك الحاجة إلى استخدام أى لون من الابتزاز التهديدى.
قال ريك بوداعة:
ـ الابتزاز التهديدى.
ـ نعم, الابتزاز التهديدى.....
توقفت و عضت على شفتها ثم أضافت ببرود:
ـ المؤلفون مشهورون بذلك.
قال بلهجة بطيئة:
ـ أوهـ, ذلك النوع من الابتزاز التهديدى, إنه يحدث احيانا, أنت على حق.
ـ حسناً, لا توجد حاجة الآن.....
قاطعها بقوله:
ـ إيفون, أجلسى, هل تسمحين بالجلوس؟ هناك شئ لابد لىّ أن أخبرك به.
ـ لا يوجد شئ أريد أن أسمعه !
ـ لا ترغمينى على إكراهك على ذلك عزيزتى.
قال ذلك بهدوء, على الرغم من بريق نظرة النمر المفاجئة فى عينيه الخضراوان.
ترددت إيفون و تذكرت و قد تضجر وجهها قليلاً, ثم جلست بكل ما تملك من كبرياء و هى تقول لنفسها: و لكننى لن أتأثر بأى شئ!
حملق ريك إليها لحظة, ثم جلس على حافة السرير و فرك جانب وجهه بحذر. و لاحظت للمرة الأولى وجود كدمة خفيفة حول إحدى عينيه, بالاضافة إلى خدش خفيف آخر.
انفرجت شفتاها و قالت بدون إرادة من جانبها:
ـ لديك عين مسودة . ثم لعنت نفسها.
ـ نعم, من أثاث شرفتك.
ـ أنها لست ملكى....
ثم احجمت عن الاستمرار و قالت بلهجة آمرة:
ـ هات ما لديك, ليس لدى وقت لك اليوم.
ابتسم ريك ابتسامة فاترة و وجدت نفسها تشعر بالسخونة....مرة أخرى, السخونة و الحماقة التى كانت تدفعها على الدوام إلى اتخاذ موقف الدفاع . و سألت نفسها بتعاسة :أوهـ, لماذا لا يتركنى أذهب؟
قال ببطء:
ـ الأمر تعلق بكبريائى و بىّ, نحن فى حالة من التنافر أكثر مما كنا عليه فى الليلة السابقة, هذا لابد لىّ أن أقول لك إننى آسف لما حدث.
تفحصت عيناه الخضراوان وجهها. قالت له بجفاف:
ـ شكراً, أقدر.....
ـ من الناحية الأخرى.... لن اسمح للأمر أن يستمر, و لهذا السبب استيقظت من النوم هذا الصباح, و لدى اعتقاد جازم بانك تحزمين امتعتك و أنك مصرة على الرحيل, و قررت أن أذهب معك.
حملقت إيفون إليه و قد أتسعت عيناها من الدهشة و قالت :
ـ تذهب....؟ لا أعتقد أننى أفهم ما تعنيه, إلى أين؟
ـ إلى حيث تذهبين
قالها بهدوء مع الوداعة المطلقة للاقتناع المطلق.
قفزت واقفة و هى تقول:
ـ أنت مجنون! مجنون تماماً. لماذا أنا......لماذا أنا؟
قال ريك و هو يفكر :
ـ لست واثقاً تماماً, أعنى أننى أنا نفسى مدهوش إلى حد ما, أننى أميل – فى العادة – نحو الرياضيات الشقراوات غير المتمنعات, و لكن فيك أنت شئ مختلف تماماً, لديك بريق و توقد كاللؤللؤ الشاحب, و لكنه مغلف بالغموض كما لو كانت غمامة تغطيه و شخصيتك بالاضافة إلى قوام الجميل.....
قالت إيفون بلهجة آمرة بصوت به بحة:
ـ كفى! على أى حال لا أستطيع أن.........
قاطعها قائلاً بهدوء :
ـ أوهـ و لكننى أستطيع, إننى باحث عن الحقيقة على الدوام و ذلك يأتى بدون شك من كونى عالماً خغرافيا لهذا فأنا مهتم فى هذا الأمر باكتشاف من منا على صواب, أنا أم أنت ؟!!
كانت إيفون تمشى فى الغرفة فى ذهول إلا أنها توقفت كما لو أن طلقة أصابتها و قالت :
ـ أنت شيطانى.
هز ريك كتفيه و قال :
ـ هذا هو الشئ الأخير الذى أحب أن أصل إلى أعماقه. لماذا أنت على الحالة التى أنت عليها . ما ذلك الشئ الشيطانى فيها
ـ أنت.........
قاطعها قائلاً :
ـ .....و لكننى أعدك أنه لن يكون هناك أى إكراه كانت الليلة الماضية مجرد انحراف يسير كما قلت لك و اعتذرت عنه, إلى أين أنت ذاهبة؟ تعودين إلى الخال أموس؟ ليست تلك مشكلة بالنسبة لىّ, سوف أخبره أنك أنجزت المستحيل, و لقد اتممت مهمتك فى الواقع.
قالت متلعثمة :
ـ لا....لن.....تفعل!
ـ ليس لدى أى تأنيب ضمير بالنسبة لأن أقول له إنه ربما كان ينبغى لى أن ألقى نظرة على الاشتغال بالتجارة بدلاً من رفض العرض مقدماً....من يدرى؟ و ربما كان ذلك شيئاً حكيماً أن أفعله.
ـ كـــــتـــــــابـــــكــ.
قالتها لإيفون بصوت هامس و هى مدركة تماماً أنها وقعت فى الفخ. و أن ريك قد يفعل ما يقوله تماماً, و لكنه...شئ لا يُصدق ! حدثت نفسها بذلك ثم رمته بنظرة سريعة و هى تعرف أن الأمر ليس كذلك, ليس بالنسبة لرجل قضى حتى الآن عاماً من حياته, مدفوناً وراء آخر الحدود بين قوم عدوانيين يصعب التفاهم معهم, من أجل قضية العلم الذى يؤمن به بشدة.
كرر الكلمة مفكراً :
ـ كتابى. فى داخل هذا الموضوع يوجد البديل بالنسبة لنا يا إيفون.
جلست و هى تتفرس فى وجهه ببرود, ثم قالت له أخيراً بإحساس من الأفتتان المشئوم:
ـ أخبرنى.
ـ إنه طويل جداً .
رفعت حاجبيها :
ـ كيف لك أن تعرف ذلك؟
ـ لقد قضيت عدداً كافياً من السنوات فى العمل و التصحيح لكى أعرف أن عدد كلمات الكتاب يقارب خمسة و سبعين ألف كلمة, فى حين أقصى عدد من الكلمات يريده الناشر ينبغى ألا يتجاوز على الأكثر ستين ألف كلمة.
ـ هل تعنى بما تقوله أننى نسخت خمسة عشرة ألف كلمة لا لزوم لها؟
ضحك ضحكة فاترة و قالت:
ـ كانت المشكلة هى كيفية اختصار الكلمات غير الضرورية, و قبل أن يتم نسخ الكتاب على الآلة الكاتبة.....
نظر إليها نظرة حزينة .
التزمت زهرة منسية الصمت بعض الوقت و هى تتفرس فى يديها, ثم قالت ببعض الجهد :
ـ لست أدرى....لقد تم نسخه على الآلة الكاتبة الآن, و سوف يكون ناشرك أقدر الناس على........
قال بهدوء و لهجة حاسمة:
ـ لا, أننى أفضل أن تقومى أنت بهذا العمل, لديك الخبرة و قد تعبت فى نسخه. و من الأشياء التى قلتها لىّ أعتقد أن الكتاب يروقك....دعينا نفعل ذلك.
ـ ريك......
وقفت إيفون مرة أخرى و مشت نحو النافذة. و تفرس ريك فى خط ظهرها النحيل الرقيق و ثوبها الذى يشبه لون اللوز الهادئ و نهض لكى يقف خلفها .
قال لها بهدوء شديد:
ـ دعينا نذهب إلى سيدنى يا إيفون تجعلنى سيدنى أشعر بالحيوية دائماً, أننى أحبها, و لم أرها منذ أثنتى عشر شهراً, دعينا نستمتع بجمال سيدنى و لنر ما يمكن أن يسفر عنه ذلك.
سألت بصوت هامس:
ـ هل لدىّ حرية الاختيار؟
ـ لا. لكن لديك على الأقل حرية الاختيار بالنسبة للاعتراف بأنك – مهما كان السبب – قد قبلتنى فى الليلة الماضية مثل امرأة.....جائعة, تغرق.....
رمشت بعينيها و رفع ريك يده ليلمس الوشاح الأخضر الكائن فوق شعرها, ثم استرسل قائلاً:
ـ.....امرأة معذبة, تستطيعين على الأقل الاعتراف بذلك, فذلك أفضل من الاستمرار فى كونك جبانة عاطفية.
لم تتحرك, و رفع شعرها لكى يتركه يستريح بخفة فوق كتفها, ثم جعلها تستدير لكى تواجهه. لم تقاوم أو تحاول إجفاء الحقيقة أن الدموع تترقرق فى عينيها. و قالت له و هى تمسح الدموع التى سقطت فوق شفتها:
ـ إذن فأنت تعتقد أنك تستطيع أن تكون طبيبى النفسى بالإضافة إلى عاشقى؟ لا توجه اللوم لىّ إذا ذكرتك بأن تلك كانت فكرتك.

ــــــ

نامت إيفون معظم الوقت أثناء رحلة الطيران إلى سيدنى على خلاف عادتها عند ركوب الطائرة, و كان ذلك بسبب أن الوجبات وحدها لم تكن هى التى قطعت الوقت, بل بسبب هبوط الطائرة كذلك فى روك هامبتون و برسبين و وصلت كالميت الحى. و كانت سيدنى جميلة على حد قول ريك, مكسوة بسحابة كثيفة داكنة. على حين ينهمر المطر على الأرض. و منذ غادرا برامبتون لم يدر الحديث بينهما إلا لماماً .
قال لها ريك فى أثناء ركوب السيارة الأجرة :
ـ حجزت فى فندق إنتركونتننتال حجزت غرفتين منفصلتين و لكنهما متجاورتين, هل تعرفين الفندق؟
ـ نعم, أنه لطيف, و لكنه مرتفع التكاليف.
قال :
ـ لا تحملى هم لذلك؟
ـ لما حجزت غلافتين منفصلتين؟
رماها بنظرة سريعة و قال عن قصد:
ـ كانت فكرتى ألا ننام معاً وفقاً لقولك....أنتى التى أردت هذا و قد حصلت على ما تستحقين.
تطلعت من النافذة إلى المطر الذى ينهمر فى الخارج بغزارة, و كتمت رجفة و قالت:
ـ لا يساوى ذلك الشئ الكثير.
لم يجب ريك و عندما التفتت نحوه كان فى عينيه الخضراوين بريق غاضب, إلا أنه أكتفى بقوله:
ـ ربما كان ينبغى لك أن تتركى للآخرين الحكم على ذلك.
هزت كتفيها.
كان فندق انتركونتننتال من الفنادق الحديثة نسبياً و لكن إيفون كان قد سبق لها النزول فى الفندق مرتين فى رحلات عمل إلى سيدنى و كان المكان قد أسرها, و احبت كورتيل و ردهة الاستقبال. و أحبت عربات المصاعد القديمة التى لم تعد تستخدم, بل تبقى مصونة, و قد لاحظت خلال زياراتها السابقة وجود مجموعة رجال من مختلف الصحف العالمية يقمون بـ الأنتر كونتننتال و هم يشربون القهوة فى كورتيل و يسطرون التعليقات فى دفتر مذكراتهم.
بينما كانا يلقيان نظرة على كل ذلك لم يعطيها أى شئ من ذلك دفعة لرفع روحها المعنوية. و أدركت إيفون أنها انتقلت من حالة من عدم الارتياح الجسمانى نتيجة الارهاق إلى حالة من فقدان الحس و الحركة. كانت غرفتاهما فى الطابق الحادى و العشرون تطلان على فارم كوف, حدائق النباتات و الميناء ....أو قد يحدث ذلك عندما يتوقف تساقط المطر, إلا أن المطر كان غزيراً و مستقراً, ثقيلاً مثل قلبها. .
تفرست فى حقائبها فوجدت فكرة فتح الحقائب لا تقل عن ذلك ثقلاً .
ـ لا تفعلى.
قال ريك ذلك من خلفها و دار حولها ليتأمل وجهها:
ـ هل سيكون باستطاعتك النوم؟ هل تعتقدين ذلك؟
هزت إيفون رأسها فى صمت. ثم بذلت جهداً لكى تقول :
ـ لم يكن ينبغى لىّ أن أرقص بكل ذلك النشاط بالإضافة إلىّ....بالإضافة إلى كل شئ آخر. إننى أحس كما لو أننى أرقص مرة أخرى ذلك جنون, لكن.....
نصحها ريك بدخول الحمام و فعلت ذلك. و بعد خروجها سألها :
ـ هل تشعرين أنك أفضل حالاً؟
تلفتت إيفون حولها فى حيرة و قالت :
ـ نعم. ما هذا....؟
قال بطريقة عارضة: فتحت حقائبك, تذكرت ما سمعتك تقولينه عن احترامك لملابسك و على أى حال, فهذا هو نوع الفنادق الذى يناسبنى.
ـ أ هو كذلك؟ ما دخل الفندق فى هذا؟
ـ لديه مشاجب ثياب جيدة.
تفرست إيفون فى وجهه, ثم استدارت لكى تفتح خزانة الثياب المبنية فى الحائط فوجدت كل ملابسها معلقة بنظام فوق مشاجب الثياب المناسبة
فتح ريك أحد الأدراج تحت التليفزيون و قال :
ـ الملابس الداخلية هنا, و بقية الأشياء فى هذا الجانب بما فيها من الأحزمة.
و تابع حديثه:
ـ ـ لم أفتح حقيبة أدوات الزينة, لأننى فكرت فى أن الحمام هو أفضل مكان لها....ما الشئ المضحك جداً؟
ـ لا أعرف.
شهقت و هى تجلس على جانب السرير, ثم مالت فوق الوسائد و قالت:
ـ أنت تثير دهشتى فى بعض الأوقات. أوهـ إننى متعبة للغاية.
ـ هل ستنامين الآن؟
قالت بصوت يغلبه النعاس :
ـ نعم, نعم, لقد كدت أنام فى الحمام.
ـ هل تحبين ارتداء قميص النوم؟ لديك مجموعة جميلة من قمصان النوم أكثر مما رأيته من قبل.
ـ لا, أنا مرتاحة هكذا, لست عندى طاقة لتغيير الملابس...
و حقاً وجدت صعوبة فى الاحتفاظ بعينيها مفتوحتين, حتى عندما وجدت شفتيه تمران على جبينها.
ـ استسلمى فى النوم يا سندريلا.
ـ طاب مساءك.
و لم تعرف أنه ظل يراقبها و هو ينتظر إلى أن رأى انتظام انفاسها و يدها التى كانت مكورة حول الوسادة تسترخى و تُفتح, و لو أنها رأته, لشاهدت النظرة العابسة فى عينى ريك و هو يدرس استسلامها اللا واعى مكشوفة الوجه مدة دقائق قليلة قبل أن يغادر الغرفة بهدوء.
استيقظت دفعة واحد فى وقت متأخر جداً, و ظلت راقدة فى سكون. و تحولت أفكارها إلى ريك مثل قناة هادئة لا يمكن تحويل مجراها. فكرت إنه رجل لا تكاد تعرفه, ثم كان عليها أن تتعامل معه من خلال كتابه إن لم يكن هناك سبب آخر. و قد عرفته من خلال الكتاب و لكن ليس بمقدار نصف معرفته لىّ. ماذا...لماذا اسمح لنفسى بالانزلاق نحوه؟ إذا لم استطيع التراجع فى هذه المرحلة بطريقة ما, فما النهاية الوحيدة التى يمكن أن تصل إليها الأمور؟ النهاية التى تحدث , لابد لىّ من التفكير
لكن النوم غلبها مرة أخرى....عدو مخادع صامت بأسلحة لا قبل لها بمقاومتها مثل ريك نفسه. كانت تلك آخر فكرة طافت بذهنها قبل أن يجرفها النوم.



Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-06-16, 10:08 PM   #6

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الخامس

فى الساعة الثامنة و نصف, رن جرس تليفون غرفتها ليوقظها, و كان المتحدث ريك, ليخبرها أنه طلب وجبة الفطور لهما معا و أن الطعام موجود خارج باب غرفتها, و سألها عما إذا كان يستطيع الحضور ليأكل معها.
قالت إيفون:
ـ نعم .
و سرعان ما سمعت طرقة على باب غرفتها. إذن فقد كان هذا هو الحال, كانت لا تزال ترتدى روب الحمام, و شعرها شعث, و هى لم تفق من النوم تماماً. ذهبت لتفتح الباب لكن لم يستقبلها زوج من العيون فحسب, بل زوجان من العيون الحادة , كان أحدهما لـ ريك و الآخر لمضيف الغرفات, كان ريك حليق الذقن مملوء بالرجولة و الحيوية, على حين لم يكن المضيف حاد النظرات فحسب بل كان لطيفاً للغاية.
قال المضيف و هو يدفع غربة التروللى إلى الداخل:
ـ إنه يوم لطيف مدام....هل أفتح لك الستائر؟ لقد بدأت سيدنى تزدهر اليوم و لن تأسفى لرؤيتها.
قالت إيفون و هى تبتسم:
ـ أرجوك أن تفعل
ولقد كان على حق فلم يعد هناك أثر للسحاب و أمطار اليوم السابق, و كانت مياه الميناء صافية و كذلك كل شئ آخر الضواحى الحدائق الهيدروفيل الذى يتجه نحو مانلى مخلفاً وراءه خط ابيض فوق زرقة السماء. إيذانا بيوم جديد بالغ الصفاء.




جلست إيفون على جانب السرير على حين انتقلت محتويات عربة التروللى إلى مائدة عليها مناشف سفرة و عصير البرتقال و احست أنها مغلوبة على أمرها بعض الشئ و أنها ليست منسجمة مع الجو المحيط بها أو الصحبة التى معها .
ـ أشربى هذا
قال ريك ناصحاً و هو يقدم لها كوبا من عصير البرتقال بعد انصراف المضيف :
ـ أنا اعرفك كيف تشعرين.
ـ هل تعرف؟
تناولت الكوب منه و تماست أصابعهما مسا خفيفاً
ـ فترة قصيرة بعد نوم فترة تزيد عن الاثنتى عشر ساعة تكاد تكون الحالة اسوأ منها قبل الذهاب إلى الفراش. بهذه المناسبة, طلبت لك عجة بيض. إذ لابد أنك ميتة من الجوع.
نظرت إليه إيفون من فوق كوبها. كانت الكدمة حول عينه قد أسودت أكثر قليلاً, إلا أن الخدش شُفى. و كان يلبس بنطلون جينز رمادياً و قميصاً قطنياً أخضر بياقة مفتوحة عند الحلق . و كان شعره مبتلاً و مرتباً بشكل غير عادى.......و مرة أخرى فوجئت بأنه يبدو أصغر سناً منها, أصغر و خالياً من الهموم و أبعد ما يكون عن منظر عالم الجغرافيا الذى تتخيله زهرة منسية, فكرت فى أن تلك مشكلته, ورشفت جرعة من عصير البرتقال و تحدثت مع نفسها: أنت تفكرين فى أنه مجرد شاب آخر أنيق يجتذب البنات إليه, مثلما يجتذب إناء العسل النحل, و يستمتع بذلك تماماً. و أنت تندفعين إلى....الجانب الآخر منه, ما الذى أشعر به....مغلوبة على أمرى تماماً؟
قال ريك مثلما فعل من قبل:
ـ تعالى. عجة البيض فى انتظارك يا سيدتى.
كانت عجة البيض محشوة بطبقة خفيفة من عش الغراب, و كانت لذيذة, ثم صب لها القهوة. و قد كانت رائحتها قوية, و مالت إيفون برأسها إلى الخلف لتستنشق الرائحة باستمتاع.
سألها و هو يضحك ضحكة خافتة:
ـ هل أعتمد على أنك قد تعيشين الآن؟
ـ نعم, و لكننى أشعر بأننى مشوشة.
رفعت إيفون ذراعيها و تخللت شعرها بيديها.
ـ أنا واثق بأن أحداً لا يستطيع أن يصلح ذلك بطريقة محكمة غيرك أنت, على الرغم من أن فكرتك عن التشويش تختلف عن فكرتى .
جلست إيفون و رشفت رشفة من القهوة و قالت :
ـ ريك, أنا......
قاطعها بقوله :
ـ لماذا لا نعطى نفسينا فرصة راحة اليوم؟
وضعت إيفون فنجان القهوة و أخذت تعبث بمقبضه و هى تحدق إليه, ثم رفعت عينيها السوداوين:
ـ راحة من أى شئ؟
فكر ريك قبل أن يتكلم, ثم قال و هو يرمقها بنظرة حادة غريبة :
ـ الجرح, الدراما ذلك النوع من الأشياء, الكثير من التفكير و التعليل. لماذا لا نكتفى بأن نترك حواسنا تتعهد بذلك؟
ازداد التفاف أصابعها ضغطاً على مقبض الفنجان الدقيق و قالت :
ـ إذا كنت تقصد......
ـ أقصد, عندما تصبحين مستعدة و تستطيع الاستمتاع بكل الوقت الموجود فى العالم....لماذا لا نذهب إلى سيركولا كواى و نركب العبارة إلى حديقة الحيوان؟ كل شئ جميل فى الميناء, وحديقة الحيوان تفتن لبى, نستطيع أن نتمشئ ببطء. و نتناول بعض الطعام هناك, و نتجاوب مع الطبيعة, و نتحدث.....حول كل شئ ما عدا أنفسنا إذا فضلت ذلك.
فردت إيفون اصابعها و قالت بوداعه:
ـ حديقة الحيوان.
ظهر بريق فى عينيه الخضراوان و قال:
ـ هل تحبين أنت أيضاً حديقة الحيوان؟
ـ أنا....تعودنا الذهاب إلى حديقة الحيوان بعيد الميلاد و فى بعض الأحيان بالسنة كلها, و أعتدنا أن ننغمس كلنا فى حمى من الإثارة و بعد ذلك عندما تُنهك قوانا تماماً و نتشاجر تقول ماما:
ـ حسناً ! سوف تكون هذه آخر مرة أخذكم فيها إلى حديقة الحيوان!
و لكننا كنا نكرر الزيارة كل عام بطريقة ما .
شردت إيفون ببصرها عبر الغرفة و هى تغوص فى الماضى و تستعيد منظر ىخر مرة ذهبت فيها إلى الحديقة كانت فى الخامسة عشر من عمرها و كانت أكبر أخوتها, و كانت تحمل ساندرا طفلة العائلة التى لم تتجاوز السادسة من عمرها. كانت تحملها فوق إحدى فخذيها. على حين تحمل سام و هو فى الثامنة من عمره فوق الفخذ الآخر و هى تقبض عليه بإحكام لميله الدائم إلى التجول بعيداً و فقد العائلة إياه. و رفت على شفتيها ابتسامة .
قال ريك بهدوء :
ـ أخبرينى.
هزت كتفيها هزة خفيفة و قالت :
ـ لقد كنا مجموعة م الأخوة الأشقياء. ماما المسكينة !
ـ كم كان عددكم؟
ـ ستة. كنت أفكر منذ قليل فى المرة الأخيرة, فى اليوم التالى لعيد الميلاد وقت كنت فى الخامسة عشر من عمرى لم أذهب إلى الحديقة بعد ذلك قط.
ـ لِــمَ لا؟
قالت بعد تفكير :
ـ كانت تلك السنة التى فقدت فيها براءتى, أوهـ.
اتسعت عيناها و هى تستطرد:
ـ ليس الأمر كذلك, فقد حدث بعد عدة سنوات, و لكننى خلال تلك السنة توقفت فجأة عن.... كونى طفلة على ما اعتقد, بدأت أشعر بحالة التعاسة التى كنا عليها, وهو كان شيئاً غريباً, لأننى حتى ذلك الحين, كنت أقاتل بالباع و الذراع لو أن أى إنسان قال كلمة ضدنا . و لكن فى تلك السنة بدأت أتوق إلى الخلاص من تلك الحياة, أن ابتعد عن الفقر و.....كل شئ أخر يربطنا إلى الابد بتلك الحياة البائسة. لا أظن أنك تعرف شيئاً عن طعم الحياة عندما يكون الانسان فقيراً؟
ختمت بذلك حديثها, و لم يجب ريك على الفور و سيطر التصور الغريب على ذهن إيفون كان باستطاعتها أن ترى ذهنه يتشرب هذه الحقيقة بالنسبة لها, و يضعها فى الاطار المناسب.
وحدثت نفسها: آهـ, هذا واحد من الاسباب التى جعلتها على الصورة التى تبدو عليها الآن, ثم مرة أخرى, أنا.......
قال ريك فى النهاية:
ـ لا, ولقد تحقق لك النجاح, و من الواضح أنك حققت تلك الاحلام التى كانت ترواد خيال
بنت الخامسة عشر عاماً.
ـ أوهـ, نعم. نعم!
ـ إذا كان ذهابنا إلى حديقة الحيوان سيثير تلك الذكريات الأليمة نستطيع أن...........
قاطعته أيفون و هى تنظر إليه باسمة:
ـ أعتقد أن شيئاً لا يروقنى اليوم أكثر من الذهاب إلى حديقة الحيوان, لدديك فى بعض الأوقات أفكار طيبة جداً, و لكن غداً........
توقفت عن الاسترسال فى الحديث عندما استقر شئ فى ذهنها مثل ورقة تسقط, تنهيده صامتة. و عرفت أن أنها قد سلمت بدون قتال فى هذه المعركة التى كان يبنغى لها أن تشنها, و أنها قد أرجأت إلى الغد ما كان ينبغى أن تقوم به اليوم, سألت نفسها : لماذا حديقة الحيوان؟ كيف يفعل ذلك؟ من أين له أن يعرف أننى كنت سأقاوم أى شئ ما عدا حديقة الحيوان؟ هل أفكر فى أننى سأعثر على تلك البراءة مرة أخرى بذهابى إلى حديقة الحيوان؟
سأل ريك و هو يرفع حاجبيه بدهشة:
ـ غداً؟
ردت عليه بقولها:
ـ أعتقد أنه من الأفضل أن انتظر, قبل أن أطلق حكماً على الغد
علق على ذلك بقوله:
ـ منتهى الحكمة, أنها فى الواقع نفس فلسفتى.
رمشت و هى تفكر فى شئ كانت تريد أن تقوله, و لكنها احجمت عن ذلك, و قالت :
ـ سوف استعد للخروج إذن, ثم وقفت .
ـ اتركك لكى تستعدى.
ارتدت بنطلون فضفاضاً باللون الأحمر الوردى, به خطوط بيضاء و حذاء منخفض من القماش بنفس اللون, و بلوزة بيضاء واسعة و تركت شعرها مسترسلاً, ممشطاً خلف أذنيها. و حملت حقيبة الكتف الخفيفة و حملت فيها أقل قدر ممكن من المستلزمات, فرشاة نظارة شمس بعض النقود و قبعة من الكتان. ولم تستطيع مغالبة الإحساس بأنها تبدو أصغر سناً, و أنها أقرب إلى شكل السياح و من المحتمل أن تكون متشوقة إلى حياة غير تلك التى تهمها.


ـــ

بدا على ريك أنه معجب بهيئتها لأنه أطل النظر إليها فى المصعد و هو يتفحصها بنظراته, حتى تضرج وجهها بحمرة الخجل. و قال ببطء:
ـ يروقنى ذلك.
لم يكن يحمل شئ سوى الكاميرا.
قالت إيفون بدهشة :
ـ لقد تغيرت!
ـ هذه هى المرة السادسة التى تقولين فيها ذلك.
ـ و لكن عربات الأطفال....إنها أصغر.
ـ ربما كنت أنت التى كبرت الآن, لأنها لست أصغر.
قالت إيفون بحزن زهرة منسية :
ـ اعرف ذلك, أوهـ.....أنظر ما هذا الذى يبدو هناك؟
اصر ريك بعد ساعتين على التوقف لتناول الغداء و قال بمرارة :
ـ لا عجب أنكم كنتم ترهقون أنفسكم تماماً....لم نترك قفصاً واحداً أو حظيرة حيواناً أو أى نوع إلا و توقفنا لمشاهدته. و نحن ما زالنا فى منتصف الطريق إلا أننى منهك القوى.
ـ سوف اشترى لك بعض الغداء إذن...لا, أرجوك أنت سمح لىّ بذلك, كنا نتمنى و نحن صغار لو أنه ان باستطاعتنا شراء الغداء و لكننا كنا نأتى معنا على الدوام بطعام للرحلة لكى نوفر النقود....أليس من الصعب إرضاء الصغار؟
ـ حسناً, يوجد هناك مطعم صغير, ولكن......
ـ لا, لا, أنت لا تزور حديقة الحيوان لكى تذهب إلى مطعم صغير.
قالت له إيفون ذلك باحتقار ثم استطردت :
ـ الشيبسى و صلصة الطماطم و قطع الدجاج الرخوة....حسناً, ربما كنت على حق . ضحكت ضحكة قصيرة ثم قالت:
ـ يستوى الأمر عندى.
كان ذلك أمام حظيرة الفيل, و المعبد الهندى بطلائه الزاهى, عندما استند ريك إلى الحاجز, على حين كانت إيفون تراقب الفيلة بافتنان و قال ريك:
ـ أنت تستمتعين بهذه الرحلة و أنت تستعيدين حبل الذكريات شئ طيب أن يرى الإنسان ذلك.
أدارت رأسها فى الاتجاه الآخر, و رفعت وجهها لتنظر إلى الشمس و أغلقت عينيها و هى تقول:
ـ لقد كنت أشبه بالطفل الذى أطلقوا سراحه فى دكان الحلوى, إننى لا أدرى لماذا لم يتغير الاحساس بالبهجة, لقد فكرت فى أن ذلك قد يحدث....استعادة ذكريات الماضى التى حاول الانسان نسيانها فترة طويلة.
ـ ربما لم تعد لتلك الذكريات القوة التى تجعلك تحسين بالألم.
ـ ربما.....و فكرت فى دهشة فى ذلك.
بعد فترة قصيرة وصلا إلى حظيرة الزرافى و كان بينهما زرافة حديثة الولادة و ليس ذلك فحسب.......
صاحت إيفون قائلة بابتهاج:
ـ أنظر أسمها ريكى هكذا اصبح لكل واحد منى سمى!
و أصرت أن يلتقط ريك صوراً لها من مختلف الزوايا.
لكنهما وصلا فى النهاية إلى خاتمة الرحلة, و ركبا العبارة مرة أخرى. و بينما كانت إيفون ترسل بصرها تجاه مسز ماكارى تشير و خليج وولو مولو بسفن الاسطل الرمادية التى تصطف فيه, و اشارت إليه و هى تقول له, أن هذا هو المكان الذى نشأت فيه.....
لقد علد الماضى ليؤرقها من جديد, و التزمت إيفون الصمت.
سارا نحو الفندق و اقترح عليها ريك تناول أى شئ تريده فى ردهة الاستقبال.
ـ لا بأس و لكننى أحس بأننى أشبه بالحطام.
أممسك يدها بطريقة مثيرة للدهشة و هو يقول:
ـ أنت تبدين رائعة, أنت تبدين مدهشة حتى ولو داخل جوال لست فى حاجة إلى تغيير ملابسك و ارتداء حلة تجعلك اشبه بمن يلبس حلة من الدروع.
عضت إيفون على شفتيها و تبعته على مضض. و على الرغم من ذلك قررت فيما بعد أن الشاى كان رائعاً, و كان يساوى ثقله ذهباً, و أنه قد مكنها حتى من الرد على سؤاله برزانة:
ـ إذا كنت تعيشين هذه الذكريات مرة أخرى, فدعينى اشارك فيها. لماذا كنتم فقراء؟
ـ ربما بسبب الأحلام المحطمة. جاء أبواى من الريف. تزوجا فى سن صغيرة و جاءا إلى سيدنى ليجمعا ثروة إلا أنهما لم يكونا من الطراز الذى يمكنه التعايش فى المدينة....و أبى بصفة خاصة. لقد اصبح سكيراً يضرب زوجته ربما كانت تلك عادته من قبل, لا أدرى, و كانت أمى واحدة من هؤلاء السيدات الساذجات, اللاتى يتقبلن كل شئ, لقد انجبت ستة أطفال على التوالى و عندما بلغ أصغر أطفالها عامه الثانى خرج الزوج و لم يعد, ترك البيت و لم نسمع عنه أى خبر بعد ذلك. و من المثير للضحك حقاً, أنها عندما تحولت إلى قلعة من القوة, يعلم الله كيف تمكنت من مواصلة الحياة, و لكنها فعلت ذلك, و بقينا كلنا معاً لم نمت من الجوع قط, و ذهبنا كلنا إلى المدرسة بانتظام. و على الرغم من براعتها المذهلة فقد ظلت روحاً طيبة و هى تنظر إلى مصاعب الحياة و قسوتها.
ـ و أنت ألم تكونى كذلك؟
ابتسمت إيفون و قالت :
ـ نعم, لقد اصبحت سريعة الغضب....مندفعة متوترة الاعصاب و من المحتمل أن قلبها تحطم و هى ترانى على هذه الحالة, و لكننى كنت أعرف أننى لن أقع فى الفخ الذى وقعت فيه أمى على الرغم من أننى كنت عندما فى حوالى السابعة عشرة و النصف من عمرى, دفعتنى الهرمونات أو ما شئت أن تسميه, إلى التفكير فى تلك الأمور.
قال ريك:
ـ أعرف هذه المشاعر .
ـ هل تعرف؟
ابتسم ابتسامة شاحبة و قال :
ـ لم يكن هناك وفاق كامل بين والدىّ. على الرغم من أنهما بقيا معاً, و كافحا من أجل ذلك بحكم, و على الرغم من ذلك فقد كانت حياتهما جحيماً لا يطاق و أعتقد أننى كنت فى الثامنة عشرة من عمرى عندما وقعت فى الحب لأول مرة. كان الموضوع جاداً للغاية مما أدهشنى بعض الشئ, لأننى كنت أفكر فى أننى ساخر جداً من الحب و الزواج, و ربما كان الإنسان يدخل فى مرحلة أسمى عندما يفترض أنه يستطيع أن يفعل الشئ الصحيح .
رمشت إيفون ثم قطبت وجهها و قالت:
ـ اعتقد أنك ربما كنت على حق, و ما الذى حدث؟
ـ ألقت بىّ بين يدى لاعب تنس فرنسى, رجل دنئ حقاً, و لم يكن جاداً بأى حال من الأحوال . ضحك ضحكة قصيرة و سألها:
ـ و ماذا بشأنك أنت؟
ـ لقد تر كنى زهرة منسية بهدوء, و لكننى أستطيع أن أخمن .....لقد كنت أنظر إلى الموضوع نظرة جادة جداً. و لحسن الحظ, كانت فعلته تلك.....أن هجرنى بلا مبالاة....بمثابة أجراس إنذار. هزت كتفيها و استطردت :
ـ كانت الصعوبة الحقيقية هى كيف اجتاز تلك الأزمة و أنا باقية فى المنزل. و مع حبى الشديد لامى و إعجابى بها . إلا أننى وضعت قدمى على الطريق.
ـ هل سمحت لهرموناتك أن تطلق لنفسها العنان مرة أخرى؟
ثبتت إيفون نظراتها عليه ثم قالت بهدوء:
ـ كان ذلك الشئ هو نفسه ما كنت فى حاجة إليه. هل تعرف أننى لو جلست مع مخطوطك مدة ساعتين لخرجت ببعض الاقتراحات.
ـ أظن أننا اتفقنا على أن يكون هذا اليوم مقدساً؟
ـ ريك لا تحاول أن تدفع حظك إلى الأمام!
ـ ريــــــــــــــــــــك ! سمع صوت غريب فوقهما يقول:
ـ يا إلهى, أنه أنت ! كيف كانت بابوا؟ منذ متى عدت إلى المدينة....و بالتأكيد! هل ينبغى لىّ أن اركع على إحدى ركبتى يا سير ريتشارد؟
قال ريك ضاحكاً:
ـ و هل تجرؤ؟
ثم نهض ليصافح رجلاً طويلاً له لحية ثم التفت نحو إيفون قائلاً:
ـ هذا باسيل براش, لا, ليس ذلك فى الواقع, باسيل ماكنزى زميل لىّ. إيفون, أيفون باترسون يا باز.
ـ كيف حالك يا مس باترسون ؟ هذه أغرب مصادفة فى الواقع يا ريك. سوف يلتقى العديد منا الليلة فى المدينة لتناول العشاء, لماذا لا تنضم إلينا أنت و إيفون؟ سوف يكون ذلك من دواعى سعادتنا.... منذ متى كانت عودتك إلى المدينة أيها الأبن الكهل؟ و لماذا أهملت زملاءكـ فى الجامعة.... و لكن لا تلق بالا لذلك, نستطيع أن نصحح ذلك الليلة’ هل أنت باقٍ هنا؟
ـ نعم, و لكننى أخشى أن أخبرك أننا لا نستطيع يا باز. لقد تلقينا أنا و إيفوندعوة خاصة الليلة, أمر مؤسف.
قال ريك ذلك بلهجة بطيئة.
ـ أوهـ.....أم.........فهمتك.
قال باسيل ماكينزى ذلك و هو يغمز بعينه و ينبهه بوكزة من الكوع.
ما دامت شهرتك الجديدة لم..........
قاطعه ريك:
ـ أين ستتناولون العشاء؟ ربما مررنا عليكم فى وقت لاحق.
ـ فى زوليس........نعم, أفعل ذلك أيها الأبن الكهل, أنا سعيد للقائك يا إيفون! و لا تدعيه ينسى, هل تفعلين؟
وجدت إيفون نفسها تحاول إخفاء ابتسامة لعدة اسباب, أحدها التعبير الذى بدا على وجه ريك اثناء انسحاب باسيل و علقت على ذلك بقولها عندما ابتعد زميله بمسافة لا تسمح له بسماع كلماتها:
ـ ليس واحداً من زملائك المفضلين عندكـ.
جلس ريك و هو يبتسم بتردد.
ـ من طراز زملاء الدراسة الابديين! نحن تعرف على الأقل أين نتناول العشاء الليلة, أو أن نبتعد عنه بمسافة نصف ميل, أم أن لديك اختيار أفضل؟
ـ أنا.......لا يا ريك.........
ـ إيفون, سايرينى فى هذا....
قال ذلك و قد ظهر فى عينيه بريق خطير .ـ كل الذى أطلبه منك أن تذهبى لتناول العشاء معى, و ليس الذهاب معى إلى الفراش.
قالت ترد على الاهانة:
ـ على الرغم من ذلك فغالباً ما يكون الواحد مقدمة للأخر.
قال بغضب:
ـ أقسم لك أننى لن أكون مكشوف لهذه الدرجة, أو ساذجاً, ألم تستمتعى بقضاء هذا اليوم؟
ـ نعم,.... بالتأكيد .......شكراً لك.
قالت إيفون بكلمات غير مترابطة بعض الشئ, ثم اضافت بعد تفكير:
ـ و على الرغم من ذلك فلو أننى نجحت فى دفعك للاستياء, فلا أظن أنها فكرة جيدة أن.....
قاطعها قائلاً:
ـ لست السبب الوحيد لإثارة استيائى.
رفعت حاجبيها متسائلة:
ـ أوهـ؟
قال ريك :
ـ على الرغم من افتراضك الهادئ أنك نجحت فى إثارة استيائى حتى بدون محاولة ذلك, كما أننى كنت تلميذ غير عاقل, فإن ذلك يثير استيائى بدرجة أكبر !
قالت إيفون بهدوء :
ـ يبدو أننا نجرى فيما بيننا حواراً مستحيلاً.
ثم جمعت حقيبتها و نظارة الشمس .
قال ريك بخشونة:
ـ و هذا ما نحاول أن نهرب منه ولا شك.
رمقته بنظرة سريعة و هى تحبس أنفاسها داخلياً, لأنه على الرغم من أنه يبدو غاضباً, إلا أنه كان يبدو فى نفس الوقت مملوءاً بحيوية مكثفة. و حتى إن كان بعض ذلك غضباً إلا أنها وجدت من تلك الحيوية تنتقل إليها بطريقة غامضة, و تبدأ فى النفاذ إلى عروقها. و حدثت نفسها قائلة : أننى أحب الدخول معك فى شغب كبير يا ريك إيمرسون, شغب تام نظيف أود أن أقول لك إنك كنت صبيانياً و أننى استمتع بالشعور بالجنون الحق معك....و لكن لا. لقد جعلتنى ألعب تلك اللعبة من قبل مع نتائج فظيعة, لا!
ثم قالت باعتدال:
ـ لا بأس. سوف اتناول العشاء معك, إذا أخبرتنى بسبب آخر يثير استياءك.
تعدى التعبير الذى ظهر على وجه ريك الوصف, ثم بسرعة البرق تحول من حالة الغضب إلى الضحك, و لم تستطيع إيفون أمام ذلك أن تمنع نفسها من الضحك معه بدورها, و عليهما معاً, و كان دافئاً و أنيساً.....
قال ريك فى النهاية:
ـ السبب الآخر, هو صديقى و زميل دراستى باسيل براش. سوف ينتشر خبر عودتى. هل رايتى؟
ـ و هل للامر كل هذه الأهمية؟
ـ نعم, له كل هذه الأهمية, كنت أرجو أن أظل مختفياً عن الأنظار فترة أطول قليلاً.
ـ هل تعرف عدداً كبيراً من الناس فى سيدنى؟
ـ إننى اعيش هنا
ـ حسناً, ترددت إيفون برهة ثم قالت:
ـ نعم, لقد نسيت....أين؟
ـ ليس فى مكان ما.
ـ إذن....؟
ـ فى الوقت الحاضر, تخليت عن بيتى عندما سافرت إلى غينيا الجديدة, و سوف أبحث عن مكان أخر استاجره, هذا إذا قررت الباقاء.
قالت:
ـ إذن لم تكن سيدنى هى المكان الذى ينبغى أن تقصده إذا لما تكن ترغب فى مقابلة الناس اللين تعرفهن؟
ـ كانت تبدو فكرة جيدة فى حرارة اللحظة, و قد أكدت لنفسى أنها مدينة كبيرة....على أى حال, فليكن ما يكن, هل كنت دعوتى لك بالدرجة الكافية لكى تتناولى العشاء معى؟
قالت على الفور:
ـ نعم, و لكن عليك أن تختار فهذه مدينتك بعد كل شئ. هل مسموح لىّ بالتغيير؟
جلس ريك و ابتسم ابتسامة التوت معها شفتاه, و قال:
ـ هل تعرفين ما أحبه؟
ظهر بريق فى عينيه الخضراوان و هو يستطرد:
ـ اعتقد أننى أحب أن أتعامل الليلة مع باترسون ذلك الإنتاج الكامل, لهذا أذهبى لتلبسى ملابسك السعيدة ثم نذهب بعد ذلك إلى المدينة.
قالت إيفون بلمسة غير مصطنعة من الكبرياء:
ـ أعتقد أنك لم تكن راضياً عن.....عن الدوافع التى كانت تجعلنى أرغب فى ارتداء الملابس الكاملة؟
ـ قد يروقنى ذلك, و لكننى أيضاً أحب أن أرى لمسة من لمسات الفن.
تفرست إيفون فى وجهه و داخلها مرة أخرى ذلك الاحساس بالورقة التى تسقط مثل تنهيدة صامتة. و فكرت زهرة منسية فى إنه إنسان مستحيل, و أنه على درجة كبيرة من الخطورة و همست لنفسها : كلما قضيت معه فترة أطول , ازدات صعوبة تعامله معى. الليلة, لابد أن يكون ذلك الليلة.
قالت له بلهجةاقرب إلى الرقة:
ـ أنت الذى طلبت ذلك. و لكننى أحتاج إلى بعض الوقت, لا يمكن التعجيل فى مثل هذه الأمور.
ألقى ريك نظرة على ساعته و قال:
ـ ساعتان؟ الساعة الآن السادسة, صدقى أو لا تصدقى .
وقفت و قالت:
ـ سوف يكون ذلك كافياً, أتوقع حضورك فى الثامنة, لا.... لا تأخذ مثل الوقت اللازم لىّ, فلن تحتاج إلى ساعتين, على أى حال يوجد شخص آخر يقترب.......
كانت تنظر من فوق رأسه:
ـ يا إلهى, إنه ريك!
ابتسمت عندما رأته يغلق عينيه ولاذت بالفرار.




عندما أصبحت آمنة فى غرفتها أغلقت إيفون الباب, و استندت إليه بظهرها لحظة. ثم دفعت نفسها إلى الداخل و أخذت تتجول فى الغرفة.
على حين أخذ عقلها يدور فى دوائر غريبة.
ثم بدأت تعمل.
جاءها ريك فى تمام الساعة الثامنة....و فاجأها, كان يلبس سترة بلون القشدة و بنطلون أسود و قميص سهرة أبيض و رباط عنق أسود للسهرة. و كان شهرة الذهبى يلمع تحت الضوء و عيناه الخضراوان أكثر اخضراراً. فكرت إيفون فى ذلك عندما استقرت عيناه عليها, قال برقة:
ـ اللون الأسود يناسبك....كنت أفكر دائماً فى أنه يناسب الشقراوات بدرجة أكبر, و لكننى أعرف الآن أننى كنت مخطئاً. إنه جلدك الجميل الأصفر الزعفرانى كم كنت حكيمة عندما لم تتركيه يسمر بفعل الشمس.
ـ لست شاحبة اللون كالعادة.
قالت ذلك بحماقة, بسبب أن حواسها الخادعة كانت تترنح أمام طول قامته, و تحت تأثير عبوسه الصارم .
قال لها:
ـ كل ما فى الأمر أن برامبتون أضفت عليه بريقاً.
ثم مد يده ليمسك يدها :
ـ هل أنت مستعدة؟
ـ نعم.
تطلعت إيفون إلى المرآة فى المصعد لترى نفسها , إلى ثوب السهرة الرائع الذى تلبسه من الستان الحريرى, ثوب سادة أنيق جعله نسيج القماش حسياً, و البروش و القرط الماسى وكانا هدية من خال ريك بعد نجاح كتالوج السنة الأولى, ثم أشاحت بوجهها عن الصورة التى يرسمانها معاً على المرآة . كان رأسها يكاد يكون فى مستوى كتفه. وخفضت رأسها لتنظر إلى جلدها تحت الجراب الأسود و إلى حذائها و حقيبة يدها التى تحملها بكلتا يديها و إلى أظافرها المطلية بنفس لون طلاء شفتيها و الفيونكة المصنوعة من القطيفة فى شعرها و اصدرت لنفسها أمراً بما يجب عليها ان تفعله فى هذه الليلة.
تناولا وجبة شهية من المحار الصغير المستخرج من صخور سيدنى ثم لحم الاستيك المشوى إلى درجة التفحم من الخارج مع سلطة طازجة و تناولاً شراباً خفيفاً مع الحلوى.
غادرا المطعم و سارا حتى تجاوزا عدة مبانى إلى أن وصلا إلى مقهى يعزف فيه البيانو حيث كان الضوء خافتاً و الموسيقى خفيفة, و طلب ريك قهوة , ثم قالت إيفون:
ـ سوف أكون منتعشة بعد فترة وجيزة.
ـ من أين لك أن تكونى بهذ الدرجة؟
ـ لأننا سوف نرقص.
همت بأن تقول شيئاً ما, إلا أن الفرقة الموسيقية بدأت تعزف, ورأت أبواباً مزدوجة تُفتح لتكشف عن حلبة رقص ارضيتها لامعة, فى حين كانت الأضواء تخفت و أدركت أن تلك الموسيقى سوف تعنى سقوطها .
و قالت بدلاً من ذلك:
ـ أنت فى بعض الأوقات تكون أكثر ذكاءاً بالنسبة لى. حديقة الحيوان أولاً, ثم هذا.
ابتسم ريك ابتسامة خفيفة و قال:
ـ كانت حديقة الحيوان طلقة فى الظلام.
خفضت أهدابها و أخذت تتفرس فى وجهه ثم اكتسحته بنظرة مملوءة بالبشاشة, سألها:
ـ هل هذه دعوة لكى أفعل أكثر ما عندى سوءا؟
ـ ربما.
وضع يده فوق يده الموضوعة على المائدة و قال :
ـ إذن فأنا موافق, هل نرقص؟
كانت إيفون فى منتهى الهدوء عندما غادرا المكان بموسيقاه الساحرة و سارا يداً بيد نحو الفندق و الموسيقى لا تزال تربط بينهما باحساس كل منهما بالآخر, و القرب الذى كانا يتشاركان فيه و الطريقة التى كان يراقب بها استسلامها التام لأنغام الموسيقى التى تجرى فى عروقها. لم تفكر فى ذلك فحسب. بل و فى استسلامها له......
سألها:
ـ هل أنت متعبة؟
ـ نعم.
أخذا مفاتيح غرفتيهما من مكتب الاستقبال إلا أن ريك لم يتركها عند باب غرفتها و كانت تعرف أنه لن يتركها. أخذ المفتاح من بين أصابعها و فتح الباب و قادها إلى الداخل و هو يمسك بيدها.
كان هناك قمر أبيض مضئ يُلقى بنوره الفضى فوق سيدنى, و يتسلل إلى داخل غرفتها لهذا لم يضئ ريك أنوار الغرفة و عندما أحست بالتوتر و عرفت أنها جرت بحماقة حتى آخر المشوار فى اللحظة الأخيرة و أنها تواجه الفشل الذى يبدو على صفحة وجهها, أخرج ريك من جيبه شيئين صغيرين :
ـ لقد جئت بهذين الشيئين لنا.
ـ ماذا.....ما هذان الشيئان؟
كان صوتها غير منتظم و تشوبه بحة ظاهرة
ـ هاتان تميمتان
وضع الأولى فى راحة يدها ثم وضع الثانية بجانبها.
احنت إيفون ؤأسها لكى تفحصها, ووجدت قلبها يخفق فجأة ببطء, و بإعزاز لا يكاد يكون محتملاً....كانتا تمثالين صغيرين من الخشب لحيوانين: لاما و الزرافة و كنا أسميهما منقوشان على القاعدتين إيفون & ريك.
سألته فى دهشة :
ـ أين.....كيف؟
ـ فى حديقة الحيوان, هل تذكرين عندما ذهبت إلى حمام السيدات؟ ذهبت فى تلك الأثناء إلى محل الهدايا. و قد.....نقشت الاسمين بنفسى.
قالت بصوت هامس و هو يضع يده على شعرها و يحل الفيونكة:
ـ أوهـ, ريك أنت عذب للغاية ولكن.
رفعت وجهها نحوه و استطردت :
ـ لست الإنسانة المناسبة لك, حاولت طول السهرة أن أقول لك ذلك, و الآن....و الآن....
توقفت عن الكلام مغلوبة على أمرها .
غادرت أصابعه شعرها و مضت تتحسس خدها و سألها بهدوء شديد:
ـ ما الذى يجعلك واثقة كل الثقة من ذلك؟
ـ لأننى أعرف نفسى معرفة جيدة. أنا....أنا....أكبر سناً
ـ أنا متردد فى معارضتك, و لكننى أخمن أنك أصغر منى بثلاث أو أربع سنوات.
ـ ثلاثة عند تقديرها بالأعوام و لكن بطرق أخرى أنا أكبر منك من ناحية القلب , أنا متحررة من الأوهان, متحجرة الفؤاد, متشائمة و.....أرجو أن تتركنى!
قال ريك, ربما بهدوء أكبر و هو يجذبها بين ذراعيه:
ـ لا أستطيع , كم من العمر كنت تحسين أنك أكبر منى الليلة و أنت ترقصين معى. عندما سمحت لنفسك بالانطلاق و الرقص معى لأنك كنت منجذبة إلىّ و ليس إلى الموسيقى و حسب.
حبست إيفون أنفاسها
ـ لقد فعلت ذلك. ألم تفعلى ذلك؟ كان الأمر مختلفاً الليلة. الطريقة التى رقصت بها و أنت تعرفين ذلك, لقد كان اجتماعنا معاً, وليس مجرد لقائك أنت و الموسيقى.
احست بحمرة الخجل تصعد إلى خديها, و قالت:
ـ أنا آسفة, لم يكن ينبغى لىّ....
و لكنها توقفت عن الكلام و هى تشهق شهقة خفيفة عندما التفت ذراعاه حولها بدون رحمة, و قال بصوت بارد خشن:
ـ تذهبين إلى مدى بعيد جداً فى بعض ا
لاحيان يا إيفون.
قالت و هى ترتجف :
ـ أوهـ يا ريك, لو أنه كان بأستطاعتى فقط أن أجعلك تفهم!
تخلى عن قبضته عليها بغتة. و سار مبتعداً عنها واضعاً يديه فى جيبه بعنف, و قال:
ـ اعتقد أننى أفهمك....على الأقل أفهم ما تحاولين خداع نفسك به.
مسحت شفتيها عندما التفت فجأة نحوها و قال:
ـ تحاولين أن تقولى إنك....أننى لست الشخص المناسب لك, هذه هى الحقيقة, ألست هذه هى الحقيقة يا إيفون؟
التوت شفتاه بسخرية و أطلق يده و هو ينقر على المصباح بفراغ صبر.
سألته:
ـ و هل يوجد فارق؟
قال و هو يضغط اسنانه:
ـ نعم, و لكى تضيفى إساءة فوق إساءة. فمما لا شك فيه إنك تُلقين باللوم على هورموناتك بالنسبة لما تحسين به و أنت بين ذراعى, الطريقة التى يتفاعل بها جسدك تحت يدى, و فمك تحت شفتىّ. لا تنظرى بهذه الطريقة....لا يوجد لذلك سوى تفسير واحد ....تستطيعين أن تخبرينى كذلك, من هو؟ و لماذا لا تستطيعين الحصول عليه؟
اغمضت إيفون عينيها و قالت :
ـ اعتقد أنك قلت إن هذا اليوم مقدس.
انفجر ريك قائلاً:
ـ مقدس بالنسبة لنا, و ليس بالنسبة لذكرى واحد من الرجال لا تسمحين لنفسك بنسيانه.
ـ لا يوجد ما تسميه بـ نحن.
قال ببطء :
ـ أوهـ, بل يوجد
و تحرك مقترباً منها مرة أخرى. تصلبت و قالت:
ـ ربك. لقد وعدت, لقد قلت....
ـ قلت إننى لن أكون شديد الوضوح أو ساذجاً حتى تفترضى أنك قد تنامين معى الليلة.
ـ لقد قلت أيضاً....لا دراما و لاجرح شعور أو شيئاً من هذا القبيل .
تفرست فى وجهه, و عيناها السوداوان يطل منهما العذاب و وجهها شاحب أكثر من المعتاد و شفتاها ترتعدان
ـ من الواضح أنك اخترت نسيان الشئ الآخر الذى قلته....على الرغم من أنك رقصت معى بكل حواسك.
قال ريك ذلك بحدة و فى عينيه الخضراوين بريق قاس.
غطت إيفون وجهها بيديها و أدركت أنها لا تزال تحمل التميمتين, و طفرت الدموع من عينيها و هى تنظر إليه ثم فاضت على خديها.
و قال ريك:
ـ إليس ما أقوله صحيحاً يا إيفون؟
ابتلعت لعابها:
ـ نعم.....
ـ أنت لا تكذبين بطريقة مقنعة يا عزيزتى, لابد أن ذلك الرجل كان وغداً بحق حتى يتركك بهذا الشكل ....بالمنظر الذى تبدين به.
و قبل أن تنتبه للفخ الذى توشك أن تقع فيه. كان رد الفعل عند إيفون غريزياً و بنفس الطريقة التى كان يمكن أن تحدث منذ عشر سنوات, و فى نفس الوقت الذى توقفت فيه عن جذب انفاسها, كان الوقت متأخراً للغاية إنها لن تستسلم لوقف الدفاع الذى لا يتاتى لاحد أن يخطئه فحسب, بل صبت على ريك إيمرسون لعناتها بلغة خشنة, كان يبدو أنه هو وحده القادر على أن يستخرجها منها بعد مضى كل تلك الأعوام.
توقفت زهرة منسية و هى تحبس أنفاسها داخل حلقها و شفتاها تتحركان, و شعرها المرسل ينزاح مثل ستارة سوداء على حين تضرج خداها بحمرة الخجل عندما ظهرت على شفتى ريك ابتسامته الباردة الملتوية, و ظهر البريق المحير فى عينيه الخضراوين الذى تذكره جيداً.
و عندما قال ببطء:
ـ هذا أفضل.....إننى أحب الطريقة التى تفعلينها.....عندما لا توجهين اللكمات حين يستبد بك الغضب!
كل ما استطاعت فعله أن تمنع نفسها من الصراخ تعبيراً عما تشعر به من اليأس, و ابتعدت عنه بسرعة لكى تتعثر و تجد نفسها واقعة فى قبضته
قالت و هى تلهث:
ـ اتركنى!
ـ سوف اتركك بعض لحظة....لا ترهقى نفسك. لقد سبق لنا أن مررنا بهذه التجربة من قبل, لو أنك كنت تتذكرين.
ـ أنت...... إلا أنها لم تستطيع التخلص من قبضته . و ألقت رأسها فى النهاية إلى الوراء و هى تنظر إليه بتمرد و احتقار, و قد أقفلت شفتيها بإحكام.
ضحك ضحكة خافتة و قال ساخراً:
ـ ربما لم أكن أحلم بمحاولة ذلك, و لكننى سأفعل ذلك فى أحد الأيام, لأنك سوف تطلبين منى أن أفعل ذلك. و لن تكونى قادرة على الامتناع, و لن تجدى كل ما تتذرعين به من حجج بالنسبة للطريقة التى أؤثر بها فيك يا إيفون, و لن ينفعك أى رماد من ذلك الحب الميت الذى تحملينه فى قلبك.
انفجرت فى وجهه قائلة:
ـ لو كنت مكانك لما عولت على ذلك!
ابتسم ريك ابتسامة خفيفة و قال:
ـ ذلك لأنك لا تعرفين إلى أى مدى يمكن أن أكون وغداً لحوحاً بالإضافة إلى بقية الصفات التى أطلقتها علىّ. لديك فى الواقع مفردات لغة متعددة الألوان!
تخلى فجأة عن قبضته عليها, ووجدت نفسها بطريقة غريزية تشبك ذراعيها, على حين تزحف يداها نحو كتفيها, و لدهشتها اكتشفت أنها لا تزال تحمل تمثالى اللاما و الزرافة فى إحدى يديها و بحركة غاضبة مدت يدها نحوه ليأخذهما.
تجاهلها ريك بغلظة:
ـ أنا آسف إذا كنت قد أذيتك... ام هل فعلت ذلك؟ ربما كانت تلك طبيعة الأشياء بيننا...منهى اليأس. بهذه المناسبة لا تجعلى نفسك تحسين بالتوتر و أنت تسهرين طوال الليل للعمل فى كتابى, هل ....ستفعلين؟ و إذا فكرت فى حزم امتعتك و الفرار مرة أخرى فلن أكون خلفك بمسافة بعيدة.
تفرست فى وجهه و لم تقل سوى كلمة واحدة يائسة:
ـ لماذا؟
تمتم قائلاً :
ـ اعتقد أننى حدثتك عن مشاعرى بالنسبة للأعمال التى لا تتم .
ووضع يده فوق يدها التى كانت لا تزال ممدودة, و أطبقها حول الحيوانين الخشبيين, و قال:
ـ احتفظى بهما, خذيهما معك على السرير.


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-06-16, 10:09 PM   #7

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل السادس

استيقظت إيفون فى التاسعة و نصف من صباح اليوم التالى, و جلست لكى تمشط شعرها الذى سقط فوق عينيها .
و أصبحت على وعى بإحساس بعدم الارتياح, و أنها مثقلة بالهموم حتى أكثر من أحداث الليلة السابقة التى سقطت فى مكان ما فى عقلها. ثم رقدت على جانبها و هى تتنهد, قابضة على ركن الوسادة و محملقة إلى يوم جديد آخر مشرق من خلال ستائر الغرفة المفتوحة, التى نسيت أن تغلقها فى الليلة الماضية, و مضت عدة دقائق قبل أن ترى الرسالة الضوئية التى تومض فى جهاز تليفونها.
ظلت تحملق إلى التليفون مدة دقيقة كاملة قبل أن ترفع السماعة .
قالت عاملة التليفون:
ـ نعم مس باترسون, تقول الرسالة:
ـ "أرجو مقابلتى فى الـ كورتيل فى تمام الساعة الحادية عشرة صباحاً و معك المخطط." التوقيع, إيمرسون
أجابت إيفون بقولها:
ـ شكراً لك,
فكرت فى طلب وجبة الفطور. انتفضت و هى تتذكر الطريقة التى بدأ بها يوم الأمس.


ــــ

نهضت من السرير , و اعدت لنفسها فنجان من الشاى بدلاً من ذلك ثم أخذت حماماً, محاولة عدم التفكير فى أى شئ سوى الفكرة التى كانت تدور فى ذهنها....هل هذه هى النهاية؟ هل استسلم ريك بعد كل شئ؟
إذا كان الأمر كذلك. فلماذا لا أشعر بالابتهاج؟ و حتى لو أن رأيه كان صحيحاً بالنسبة لىّ. فلا يوجد مستقبل لنا. ما هذا الذى أفكر فيه؟ إنه ليس على صواب....كل ما فى الأمر أنه جذاب بدرجة خطيرة, و أنا....لقد مضى وقت طويل, و ربما كانت إراحة أعصابك تحتاج إلى وقت طويل جداً.....
تمتمت لنفسها و هى تخرج بغتة من حوض الاستحمام: "أوهـ, اللعن غير أن كعبه من الخشب, و لبست عقداً من حبوب خشبية مصقولة, ثم مشطت شعرها إلى أعلى بتسريحة عادية, إلا أنها اكتشفت أنه لا يزال متبقياً أمامها ما يقرب الساعة, و فى ثورة من الغيظ المفاجئ, قررت أن تحزم أمتعتها, و حتى لو أنها فعلت ذلك, فسوف يتبقى نصف ساعة, و جلست على السرير و المخطوط فوق حجرها. و أخذت تقلب صفحاته إلى أن اصبحت الساعة الحادية عشر إلا خمس دقائق.
كانت لا تزال مترددة و نظرت إلى التمثالين الخشبين الصغيرين الموضوعين على المنضدة بجانب السرير, و مدت يدها لكى تلمسهما.
إلا أن يدها ارتدت إلى الخلف, و وقفت على وجه السرعة, و اختطفت حقيبة الكشف وو المخطوط و غادرت الغرفة.
كان ريك جالساً مع رجل أكبر منه سناً, و كانا منشغلين فى حوار عميق عندما اقتربت إيفون منهما, و لم يرفعا بصريهما حتى وقفت إيفون أمامهما مباشرة.
اصطدمت عيناها بعينى ريك للحظة سريعة, و عرفت من تلك اللحظة القصيرة أن شيئاً لم يتغير منذ الليلة الماضية, كما عرفت أنه فى حالة من نفاد الصبر, و أن عينيه تلمعان بخضرة شديدة مثل عينى نمر.
أحست بتوتر داخلى عندما وقف الرجلان و قال ريك ببطء:
ـ لين, هذه باترسون, إنها....
توقف و أخضع إيفون لنظرة ساخرة, ثم استطرد قائلاً:
ـ لا أعرف كيف أصفها على وجه التحديد. زهرة منسية تسود بيننا كما ترى تلك العلاقة المؤرقة. إنها العقل الواعى لمخطوطى, بالإضافة إلى أنها محل....طموحى الآخر.
بهذا اختتم كلماته, ثم اضاف فجأة بنظرة خبيثة من عينيه:
ـ نعم, هى ذاكرتى, هذا لين وودوارد يا إيفون ناشرى.
لم تستطيع إيفون أن تتمكن من السيطرة على الشعور الخفيف بالمهانة وهو يزحف إلى حلقها, و لكنها حاولت تجاهله, و مدت يدها لتصافح يد لين ووددوارد الممدودة , و تمتمت:
ـ كيف حالك؟ على الرغم من أنها كانت تغلى فى أعماقها.
على أى حال من الواضح أن لين وودوارد معتاد اساليب ريك لأنه أمسك يد إيفون بكلتا يديه و قال بابتسامة دافئة :
ـ أخمن أنه نهض من السرير من الجانب الخطأ هذا الصباح, أنا سعيد جداً لمقابلتك يا إيفون, و اعتقد أننى مدين لك بالشكر فأنا واثق أنها لم تكن مهمة هينة, تلك التى قمت بها لتحويل مخطوط ريك إلى شئ يمكن قراءته.
قال لها ريك:
ـ أجلسى يا إيفون. شاى....قهوة! أم تريدين شيئاً أكثر قوة؟
أجابته بقولها:
ـ قهوة من فضلك.
ـ أخبرنى ريك أن لديك تجربة ماضية فى هذه المسألة, و أن باستطاعتك اختصاره إلى الحجم الذى اتخيله فى ذهنى.....
قال ريك بكسل و هو يُخضع إيفون لنظرة مستفسرة:
ـ ربما تكون غيرت رأيها بالنسبة لذلك.
ضمت إيفون يديها فوق حجرها و قالت:
ـ لدى فكرة بالفعل أو فكرتان.
قالت ذلك ناظرة إلى لين وودوارد, ثم قالت:
ـ و لكننى واثقة بإنك لا تحتاج إلى هاوية – و أنا اوية فى الواقع – حتى أقول لك....
قال لين وودوارد مقاطعاً لها بلهفة:
ـ هل عملت نسخة منه؟
ـ نعم, فعلت ذلك لكن.....
ـ إذن فهذا هو اقتراحى احتفظى بنسخة, و سوف أخذ النسخة الأخرى....سوف تقومين بعملك و أقوم بعملى و سوف نرى ما يمكن أن نصل إليه. أعدك...
والتفت نحو ريك قائلاً:
ـ بالاستماع إلى مقترحات إيفون لو أنها اختلفت عن أفكارى, مع إعطائك حق تفضيل عمل على الآخر بالتأكيد, ولكن لابد لىّ من الإشارة إلى أن الرأى الأخير سوف يكون لىّ.
فتح ريك فمه ليرد إلا أن إيفون قالت بهدوء:
ـ لا تستطيع فى الواقع أن تتجادل فى ذلك.
لاماها بنظرة خضراء و قال:
ـ ألا أستطيع ذلك؟
ثم بدا أنه يعيد التفكير فى الأمر و قال لـ لين وودوارد و هو يضحك ضحكة قصيرة ملتوية:
ـ أهذا ما يسمونه المزاح مع المؤلف؟
قال الرجل الآخر موافقاً:
ـ شئ كهذا, إلا أننى مهتم أيضاً بالاستماع إلى أراء إيفون, و يبدو أنك واثق بأنها سوف تكون جيدة.
ابتسم ريك ابتسامة ملتوية و هز كتفيه:
ـ لا اعرف لماذا.
تفرست إيفون فى حجرها بينما أخذ لين وودوارد ينقل بصره بين ريك و بينها, و يعمل على استخلاص استنتاجاته الصحيحة, وهو غير معروف لأى واحد منهما, و قرر أن الوقت قد حان لكى يحارب ريك إيمرسون.
من أجل الحصول على ما يريده – بحكم أنه مولع به – و تذكر و هو يتنهد بداخله, المعركة التى شنتها زوجته عليه, ثم قرر أنه لابد من محاولة نزع الفتيل لهذا الموقف المتفجر فى الحال, إذا كان يريد لهذا المخطوط أن يرى النور, و قال بلطف:
ـ حسناً, لقد انتهينا من هذا الموضوع, الشئ المضحك يا ريك أنه منذ عدة أيام فحسب, اتصلت بىّ إحدى وكالات الإعلان لتسأل عنك. أعتقد أن قسم الجغرافيا هو الذى ارشدهم.
رفع ريك حاجبيه باهتمام
ـ أنهم يبحثون عن خبير شئون شعب بابوا فى غينيا الجديدة, شخص له اتصال بالأناس المحليين شخص تكون لديه المعرة بكل التفاصيل التى تفيد حملة إعلانية هناك.
قال ريك :
ـ يوجد الكثيرون من هؤلاء . كنت أفكر فى بعض الأحيان أنه لا يوجد هناك رجلان يتحدثان نفس اللغة !
ـ و لكن لغة التفاهم بالإشارة هى اللغة المشتركة , أليس كذلك؟
قال ريك ببطء:
ـ آهـ, الإشارة .
إلا أن بريقاً من الفضول لمع فى عينيه و قال :
ـ ما السلعة التى يريدون ترويجها؟
ـ لا أعرف , أعتقد أن هذه مجرد المرحلة التخطيطية. و فى الواقع سوف يعقدون مؤتمراً مدته يومان, و تدور الفكرة الرئيسية حول تسويق المنتجات الاسترالية خارج استراليا للجيران القريبين, أو شئ من هذا القبيل. و كانوا يريدون منك إلقاء محاضرتين.
ـ و لماذا لجئوا إليك بحق السماء؟
ـ بدأ لهم أننى الشخص الوحيد الذى يمكنهما الاتصال به, و هو الذى لديه فكرة عن مكانك و كيفية الاتصال بك, و أخبرتهم أننى أشك فى إمكانية اتساع وقتك لمثل هذا العمل, و لكن الانسان لا يعرف شيئاً على وجه التأكيد, و قالوا أنهم سوف يعيشون على الأمل حتى آخر دقيقة, و تصور مدى دهشتى عندما قمت بالاتصال بىّ تليفونياً هذا الصباح, قبل الموعد الذى اتفقنا عليه بثلاث أيام........
قال ريك بملل:
ـ لا تستمر يا لين . يبدو أننى محاط بأشخاص يريدون استغلالى قابلينى للطيران على حين هناك آخرين يريدون إخماد أنفاسى.
اضاف ذلك و هو يلقى نظرة سريعة على إيفون:
ـ على أى حال لماذا أقضى يومين فى مؤتمر يكتم الأنفاس؟
قال لين وودوارد معترضاً:
ـ يكتم الأنفاس؟ لا أعرف شيئاً عن ذلك. كنت أظن النقيض, لقد اختاروا مكاناً جميلاً لعقد المؤتمر. أنت تعرف بيبرز, أليس كذلك؟
بيبرز فى بوكولبين فى قلب وادى هنتر؟
كان ريك موشكاً أن يعترض, إلا أنه تراجع و التزم الصمت. و أخذ يتفرس فى ناشره ثم قال ببطء:
ـ هل قلت بيبرز؟ متى؟
ـ غداً و بعد غد, و قد أكدوا لىّ صراحة أنهم لا يتوقعون أن تقضى كل الوقت فى المؤتمر, هل سبق لك الذهاب إلى بيبرز يا إيفون؟
قال لين وودوارد ذلك و هو ياتفت نحو إيفون فجأة.
جفلت إيفون و قالت:
ـ أنا.....لا.
ـ أبداً؟
قالة بدون ثقة:
ـ لا. لماذا.....لماذا تسأل؟
ـ مكان هادى رائع بالنسبة إلى إجراء إعادة صياغة الكتاب, هذا كل ما فى الأمر.
احتدمت المعركة طوال الطريق إلى المصعد – و كان أغلبها صمتاً – و لم يكونا وحدهما فى المصعد, إلا أن إيفون كانت تقول لنفسها بثبات :
"لا, لن أفعل." و كانت ترسل هذه الرسالة بعينيها و هيئتها, فى حين أن ريك كان مسترخى الأعصاب على الرغم من بريق عينيه الشيطانى الذى يثير الرعب فى قلبها .
خرجا من المصعد فى الطابق الواحد و العشرين, و أمسك ريك يدها فى الحال و قادها بعناد إلى غرفته, حيث قاد الهجوم وفقاً لأسلوبه الغير قابل للتقليد.
ـ لا تكونى قد عرفت طعم الحياة أن لم تزورى بيبرز
ـ هذا هراء و أنت تعرف ذلك.
ـ لا أعرف. انتظرى, يوجد شئ خاص بالنسبة لذلك المكان.
ـ لن يغير مشاعرى أكثر الأمكنة خصوصية على وجه الأرض, لا أريد الذهاب إلى أى مكان معك, لقد بدأت أشعر بالآسف لأننى وضعت عينى عليك.....
ـ لأننى كشفت لك عن بعض الحقائق المتعلقة بك؟لأن أى عملية كى تكون مؤلمة. لأنك كنت ميتة منذ زمن طويل من قمة عنقك الجميل حتى أخمص قدميك. مثل أحدى القلاع لحب مفقود, و لأننى أثرت عاصفة على تلك القلعة؟ من كان الرجل يا إيفون؟ أشعر كما لو أنه ينبغى تسجيل اسمه فى كتاب "أغرب الأحداث الحقيقية" مثل هذا الرجل بين سائر الرجال.
شبك ريك ذراعيه و استند بظهر كتفيه العريضتين إلى الباب – لما يكونا قد توغلا داخل الغرفة – و انتظر بدون حركة .
عضت إيفون على شفتيها بقوة و ادارت ظهرها له.
ـ قولىّ لىّ شيئاً آخر....هل حزمت أمتعتك؟
ـ نعم!
ـ عظيم. هذا ما فعلته أنا أيضاً....مرة أخرى لقد قرأ كل منا أفكار الآخر.
ـ لا. لم يحدث ذلك’ أننى عائدة إلى بيتى.
ـ مثل النعامة؟
قال ذلك بجفاء’ ثم أردف يقول :
ـ أم هل تستمتعين بتعذيب نفسك؟
كان هناك شيئاً فى اللهجة التى قال بها ذلك, جعلها تلتفت نحوه ببطء و فى عينيها نظرة عابسة, و قالت:
ـ ماذا.....؟ ثم سكتت.
اعتدل ريك فى وقفته و قال برقة:
ـ ما الذى أقصده؟ إنه يكون من الأفضل لك كثيراً أن تسيرى فى الاتجاه المضاد, و هو إلى بيبرز.
قالت بصوت هامس :
ـ إلى أين؟ المضاد لماذا؟ إننى لا أعرف عن أى شئ تتكلم؟
ابتسم ريك و قال :
ـ ألا تعرفين؟ إننى أتحدث عن روبرت راندال يا إيفون.




Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-06-16, 10:10 PM   #8

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل السابع


خيل إلى أيفون خلال لحظة أنها سوف تصاب بالإغماء.
ترنحت قليلاً و فقد وجهها كل لونه, و لاحظ ريك ذلك, إلا أنه لم يتحرك أو يحاول تهدئتها.
قالت متلعثمة:
ـ كيف....كيف؟ وضعت يدها على حلقها.
و قال ريك لها:
ـ لقد استشرت العراف تليفونياً صباح اليوم.
ثم اتسعت عيناه فى حيرة و هو يضيف بنفاد صبر:
ـ لقد اتصلت بخالى المحبوب.
مسحت شفتيها و قالت:
ـ لكنه لم يعرف.......أعطانى الاستشارة على اعتبار أنه رايه, و بالمصادفة, إذا كنت دهشة بالنسبة للموضوع بأكمله, فقد كان ذلك هو سبب إرسالك لىّ. و كان ذلك, و هذا رأيه أيضاً, أنك وافقت على المجئ للقيام بمهمة تبدو جنونية من وجهة نظرك, و أعتقد أنه كان مقرراً إقامة حفل عشاء كنت فى العادة تحضرينه و يحضره المستر و المسز راندال.
ـ هو....هل كنت تعرف أى شئ عن هذا.....من قبل؟
ـ لا....ربما فكرت فى أن ذلك واضح.
قال ريك ذلك بخشونة, ثم أضاف :
ـ و لكن لم يمض وقت طويل تى بدأت أشك طعم آخر..
ثم أردف يقول بوجه متجهم::
ـ إننى أشك حتى فى أن الخال أموس كان يتوقع أن تكون المهمة ناجحة إلى هذا الحد.
ـ هل تقصد.... هل تعنى...هل تعنى أنه تعمد أن يلقى أحدنا على الآخر كى......كى.....
ام تستطيع إيفون الاستمرار.
ـ تماماً, قرر أنك فى حاجة إلى التخلى عن الانشغال برجل لا تستطيعين الحصول عليه, و أننى قد أكون نفس الشخص الذى يستطيع أن يفعل ذلك, و قرر أننى فى حاجة إلى حب سيدة طيبة كنوع من التغيير.
قالت إيفون مهتزة:
ـ لا أصدق ذلك.
ثم أشاحت عنه مرة أخرى, و تلمست طريقها نحو أحد المقاعد. تبعها ريك و قال:
ـ لا أظن أنك كنت تفكرين فى العودة إلى البيت من أجل حضور ذلك العشاء. هل كنت تفكرين؟ للرجل زوجة و طفلان.
ـ اعرف ذلك.
تفرست إيفون فى يدها بدون أن ترى شيئاً. و استطردت تقول:
ـ لا......
ـ إذن أذهبى معى إلى بيبرز. ما الذى ستخسرينه؟

ــ

و لماذا فعلت ذلك؟ لم تكن إيفون تدرى السبب فى الواقع ماعدا حقيقة أنها – باختصار- لم تكن لديها الرغبة فى الاستمرار فى التشاجر معه. كما لم تكن لديها الارادة لكى تقابل بالدهشة أو الفضول أو أى شئ آخر اعتباراً من هذه اللحظة فصاعداً. لهذا عندما نزلا إلى خارج المدخل الرئيسى, تحيط بهما أمتعتهما و أحضر أحد الخدم سيارة زرقاء من طراز بورسكى وقفت أمامهما. أدركت فى هذه اللحظة أنها سيارة ريك واكتفت بالنظر إليها خلسة.
قال ريك :
ـ اعتقد أننا سوف نسلك شارع بوتى, أعرف أنه متعرج بعض الشئ, و لكن فكرة التعامل مع زحام المرور فى هورنسبى لا تروقنى.
هزت كتفيها بدون اكتراث قائلة:
ـ أى شئ تريده.
ـ تريدين أن تقولى بكلمات أخرى إنك غير مهتمة بأى طريق نسلكه إلى الجحيم.
ـ ريـــــــــكــــ......
نطقت اسمه ثم وضعت يدها فوق فمها. رمقها بنظرة سريعة ثم قال بهدوء:
ـ أنا آسف.
ثم أدار مفتاح الراديو, لم يحاول إجراء أى حوار آخر معها.
كانت السيارة قد تجاوزت وندسور و أوغلت فى شارع بوتى و الجبال الزرقاء, عندما اكتشفت إيفون بغرابة أنها المسؤولة عن صمتها, و عن جلوسها فى تعاسة مدة ساعتين بدون أن تفتح فمها بكلمة واحدة, و أدارت رأسها لكى تنظر من الشباك فى جانبها. ثم رفعت يدها لتدلك مؤخر رقبتها, و بدأت المناظر الجميلة التى تمر بها السيارة تستولى على مشاعرها أمامها بطء....الضباب الذى كان يحيل الجبال إلى اللون الأزرق, و أشجار الصمغ الضخمة بألوانها البيضاء و الصفراء و أزهار الشجيرات الصغيرة البنفسجية.
قالت إيفون أخيراً على سبيل التجربة:
ـ المنظر بديع, اليس كذلك؟
أومأ ريك برأسه.
مرت السيارة بسرعة أمام علامة للطريق, و سألته:
ـ هل سوف نذهب إلى سنجلتون؟
هز كتفيه قائلاً:
ـ لا. سوف ننحرف عند ثنية بروك, و ربما كانت على بعد نصف ساعة من هنا, هل تشعرين بأنك أحسن حال؟
ـ نــــعـــــم.
عندما وصلت السيارة إلى منحنى بروك كانا قد بلغا – ولا شك- الريف الذى تغلب عليه زراعة الكروم. و كان المنظر جميلاً كذلك على الرغم من أنه كان مختلفاً عن شارع بوتى. كانت منطقة تلال, إلا أنها زهرة منسية أكثرقة.
قال لها ريك:
ـ تستمد بروك أسمها من هذه التلال , سلاسل بروكن باك.
قالت تشجعه على الكلام:
ـ حدثنى عن بيبرز.
ـ إنه بيت للضيافة. صمم لكى يكون قريب الشبه ببيت المزرعة فى العهد المبكر لاستعمار استراليا, و به قاعة طعام رائعة, و هو محاط بأرض و حدائق بديعة- و احيانا تفوح من المكان رائحة نفاذة.
قالت إيفون :
ـ اشبه بجبل القمر .
و عندما تجاوزت السيارة علامة الطريق قالت:
ـ يا له من اسم جميل!
ـ هممم. لم يعد بعيداً الآن, هاهى ذى تيربل تبدو الآن على يسارنا.
قالت إيفون فجأة:
ـ ـ وهـ!
ـ ماذا؟
ـ الورد! ألم تر فى الممر كل تلك الأشجار حاملة الورود؟
ـ سوف نعود إليها لنتذوق رائحته, و نشاهد ألوانه بعد الظهر إن شئت.
أنحرف ريك بالسيارة نحو طريق فرعى على اليمين و قال:
ـ و هناك فوق التلة مباشرة, يوجد بيبرز.
بعد عدة دقائق, عندما وقفت السيارة وقفت السيارة البورسكى, تطلعت إيفون حولها إلى بيبرز الذى كان غارقاً فى ضوء شمس ما بعد الظهر, و كان منظره يسلب اللب. كان يضم عدة مبان كل جدرانها بلون القشدة المائل للاصفرار, و أسقفها من الحديد المعرج الأخضر الداكن. و كان المكان الذى وقفا فيه يطل على فناء و حديقة باجنحة على ثلاث جوانب, و ممرات حولها مظلمة, و إطارات نوافذ الطوابق العليا مطلية باللون الأبيض, و لو لم تكن تعرف الحقيقة لظنت أنها عادت خطوة فى الزن إلى الوراء.
سألت إيفون بدهشة:
ـ هل.....هل هو جديد؟
نظر إليها ريك باسماً و قال :
ـ انتظرى حتى تشاهديه من الداخل.
إلا أن الإحساس بالافتتان الذى شعرت به فى البداية خف اخيراً, عندما وجدت نفسها وسط غرفة جميلة مزينة بالطريقة القديمة . و فيها منضدة عتيقة الطراز للزينة و خزانة ثياب و صور و مطبوعات قديمة على الجدران. و أصيص أزهار فوق المنضدة مملوء بالورود المختارة بعناية و أغطية جميلة للوسائد الموضوعة على السرير المزدوج فى غرفتهما.
قالت إيفون بعصبية:
ـ لم تقل لىّ شيئاً عن كل هذا.
هز ريك كتفيه و قال :
ـ لم أكن أعرف أن كل غرف الفندق محجوزة, و لكن ذلك الذى كان يدور فى ذهنى... على
اى حال حجز غرفتين مضيعة للمال .

ـ أستطيع أن أتصور ذلك!
ـ هل تستطيعين؟ ربما كان باستطاعتك....لقد جئت معى بعد كل شئ.
جلست إيفون على طرف السرير و قالت:
ـ لقد قلت عندما كنا نغادر برامبتون إنه لن يكون هناك....لن يكون هناك....
ـ إجبار؟ لن يكون هناك إكراه, كما أنه يوجد كذلك سرير إضافى.
كما أشار إلى اريكة تتسع لفرد واحد, عليه عدة وسائد.
ـ باستطاعتك دائماً أن تحكمى على بالنفى إلى تلك الأريكة إن شئت. قال ذلك و فى عينيه بريق اللهو.
ـ أنت تعرف أنك إنسان لا يحتمل.
ـ اعرف ذلك, استمعى إلىّ قبل أن تبدئى فى الإحساس بكل ذلك الحزن مرة أخرى. هل استطيع أن اعرض عليك اقتراح؟
رمته إيفون بنظرة شرسة و عضت على شفتها و هى تفكر فى الرد على إهانته, و فكرت فيما إذا كانت ميالة إلى الحزن.....و هى فكرة جعلتها تجفل. و قالت ببرود:
ـ لا بأس هات اقتراحك.
وبعد ساعة, كان لابد لها من الاعتراف بينها و بين نفسها أن ذلك كان الجزء الأول من اقتراحه على الأقل.
ـ أننى أفهم ما تقصده.
قالت ذلك بصوت يغلبه النعاس من فوق مقعد الاسترخاء الأصغر الذى كانت ترقد عليه فى الحديقة أمام غرفة البحيرة التى تتضمن حمام البخار, و ينبوع المياه المعدنية و بحيرة صغيرة من الماء الساخن, حيث كانت توجد مدلكة تقدم خدمات تدليك الجسم و الوجه, و غير ذلك من أساليب العلاج التجميلى .
كان على المائدة الموجودة بينهما زجاجة عصير تطل بعنقها الرفيع من فوق حافة دلو فضى مملوء بالثلج, و أمامها كوبان ممتلئان بالعصير, و طبق فيه بقايا شطائر من سمك السلمون المدخن الشهى.
كان ريك قد تحايل على إحضارها من المطبخ, لأن موعد وجبة الغداء كان فاتهما, و قال ريك من فوق مقعد الاسترخاء الذى يجلس عليه:
ـ سحرى, أليس كذلك؟
ـ جميل.
قالت إيفون موافقة و هى تمر بأصابعها فوق العشب الأخضر الكثيف الذى تخرج منه أزهار البرسيم, و شعرت برغبة فى الرقاد عليه, لكى تحس بخشونة ملمسه فوق جسمها, و بمرونته تحت ثقلها. كانت السماء فوقها زرقاء تتخللها بقع من السحب الكسلى, و تهبط الأرض على البعد فى اتجاه اليمين إلى غابة من الادغال التى تضم مجموعة هائلة من اشجار الصمغ و شجيرات لم تمسسها يد البشر, ثم ترتفع الأرض برفق مرة أخرى, حيث تزرع الكروم فى صفوف كثيفة, و لم يكن يعكر صفو السلام سوى اصوات ملايين الحشرات ذات الأجنحة الشفافة فى ذلك الوقت من فترة بعد الظهر, و صوت طلقات متفرقة لابعاد الطيور عن أشجار الكروم. و كان النشاط الوحيد الذى تستطيع إيفون رؤيته أرتفاع كرة التنس فى الهواء فوق ملعب التنس الموجود على الجانب الآخر من الموقع.
سألت إيفون:
ـ أين ذهب الجميع؟ أكاد أشعر بأننا الوحيدان الموجودان على سطح الأرض.
ضحك ريك ضحكة قصيرة و قال :
ـ هذا عامل آخلا من عوامل سحر بيبرز فى وسط الأسبوع على أى حال, أعتقد أنهم يقضون معظم وقت النهار هنا فى المؤتمرات و الاجتماعات لهذا يكون أغلب رواد الفندق فى قاعات الاجتماعات, منشغلين فى العمل, و قد تدب الحياة فى المكان فى أثناء الليل.
و استطرد ريك بهدوء:
ـ هذا أفضل من كونك فى حالة عصبية.
قالت بجفاء:
ـ لا داعى لذلك, فذلك شئ آخر أحب أن أكونه, و من المضحك حقاً أنه لا يوجد الشئ الكثير الذى يمكننى قوله.
ـ حول روبرت راندال؟
ـ لا....أنا لم أنم معه قط.....أنا.....لم يكن فى الواقع يعرف حقيقة مشاعرى حتى....
جلس ريك, و وضع يده فوق يديها و قال :
ـ لماذا لا تبدئين من البداية؟
ـ لقد حدثتك عن البداية, كانت لدينا فى أول الأمر تجارب مماثلةلو أنك تتذكر.
ـ ألم تكن لك علاقات قبل ذلك؟ قبل ظهور روبرت راندال فى حياتك؟
سألته إيفون بسرعة:
ـ هل تعرفه؟ ثم عضت بعد ذلك على شفتها.
ـ التقيت معه, و لكننى أعرف الجانب الخاص بأسرة زوجته بدرجة أفضل....أسرة كنجستون من ميرابيللا و لقد ذهبت إلى نفس المدرسة التى كان فيها إيان كنجستون و مكثت فيها فترة قصيرة, على الرغم من أنه كان يسبقنى بثلاثة أعوام ول قد لقى حتفه فى حادث سقوط طائرة. ووجهت إلينا الدعوة فى إحدى المرات إلى ميرابيللا حيث التقيت مع كلاريسا كنجستون التى اصبحي الآن مسز روبرت راندال على ما أعتقد.
اغمضت إيفون عينيها و قالت:
ـ نعم .
ـ و لكن استمرى.....فى غضون تلك الفترة, هل كنت على علاقات متعددة؟
ارتفعت أهداب إيفون بعنف:
ـ لم أكن أحلم بتوجيه سؤال كهذا إليك!
قال ريك و شفتاه تلتويان:
ـ هذا هو الفرق بيننا يا باترسون. و لكن ربما يتملكك نفس الفضول فى يوم ما.
زمت إيفون شفتيها ثم فكرت فى غضب مفاجئ: لماذا لا أخبره بكل شئ؟ ربما احسست ببعض الراحة لو أننى فعلت ذلك. و سألته بسخرية:
ـ هل وجود علاقة مزدوجة يعتبر تعدداً للعلاقات؟
قال ببطء :
ـ ثلاث علاقات طوال كل تلك السنوات؟ لا, لا أستطيع أن أقول ذلك.
أجابته بوجه عابس:
ـ شكراً لك.
ـ هل كان لهم وزن؟
قالت بحزم:
ـ لا, لم يكونوا جديرين بالاهتمام, كان الأول – وهذا ما ظننته- حباً آخر فى حياتى إلا أن ذلك الحب لم يدم طويلاً, و على الرغم من ذلك لم يتركنى خالية الوفاض, و كانت كذلك علاقة عمل, و بدلاً من السوار الماسى حصلت على ترقية, و استطعت فى النهاية أن أسيطر على زمام نفسى.....
توقفت عن الحديث ثم تنهدت و رشفت رشفة آخرى من العصير, واستطردت قائلة:
ـ و لم أكن دهشة فى المرة الثانية. و كنوع من صعود درجة أخرى للسلم, لم أثر أى ضوضاء أو مشاجرات, و لكن......
توقفت مرة أخرى و لم تواصل الحديث هذه المرة, إلى أن قال ريك:
ـ اعرف ذلك الاحساس زهرة منسية.
التفتت إيفون نحوه و قالت:
ـ هل تعرفه؟ لا أظن أن باستطاعتك أن.....
ـ يتاتى لأى أنسان أن يتحول إلى الزهد, سواء أكان رجلاً أو امرأة.......
ـ الزهد....نعم. كان الأمر كذلك.
ثم استطردت قائلة بملل:
ـ و لكنه كان أكثر من ذلك...كانت معرفتى لأننى لم اتغير. و كنت لا أزال....فى حالة من التوتر الشديد, كنت مستعدة لتصديق أننى ما زالت غارقة فى الحب و كان أخطر ما يواجهنى هو ذاتى, لهذا قررت الحصول على الترقيات و الأسورة الماسية.....
توقفت عن الاسترسال و ابتسمت بمرارة ثم تابعت حديثها:
ـ لقد كنت على الاستعداد لسلوك الطريق الأصعب, و لكن أيا كان ذلك فقد كان على قدمى لا على ظهرى.
ابتسم ريك ابتسامة خفيفة .
مالت إيفون بظهرها إلى الخلف و قالت :
ـ لقد كانت صفقة حقيقية أن أحصل.....على الوظيفة عند راندال.
ـ ووقعت فى غرامه.
ـ نعم....
ـ لقد قلت أنه لم يعرف قط؟
أغلقت إيفون عينيها و قالت:
ـ لا لم يعرف إلى أن اضطررت إلى مصارحته.
كانت حرارة الشمس ساخنة فوق جفنيها.
ـ و كيف منعته من معرفة ذلك حتى ذلك الوقت؟
قالت بعد صمت دام فترة طويلة:
ـ لا أعرف, لم يكن الأمر سهلاً. إلا أنه لم يكن يسعى إلى ذلك الحب. لقد كان.....كما ترى كانت تسكن قلبه فتاة. هى التى تصادف أن أصبحت زوجته, و لكنها كانت فى ذلك الوقت صغيرة جداً كلاريسا....كلارى. و لكنها كانت جد صغيرة لقد كانت بريئة للغاية, إلا أن العلاقات بينهما لم تكن على ما يرام, و أنا.....
اهتز صوتها قليلاً و هى تقول:
ـ اصبحت صديقة لها . و كا ذلك آخر شئ أريده, أو أصدق أنه يمكن أن يحدث, لقد كانت كل شئ لم أكنه, و أتمنى يائسة أن أكونه و لقد نفرت منها بسبب ذلك.....كما استأت منه. إلا أنى لم أستطيع مقاومة دفئها و ظُرفها....لقد كانت من ذلك الطراز كما كانت ساذجة كذلك تصدق كل شئ, و بناء على تلك الظروف لم استطيع السيطرة على الموقف حتى يزداد التقارب بيننا. و أصبحت في إحدى المراحل السكرتيرة الرقيقة كما كان يحلو لها أن تسمى ذلك, و بقيت في ميرابيللا و ساعدتها......لم تكن تشارك بأى قدر في حياته الاجتماعية, أو على الأقل الجانب الاجتماعى من العمل......و ككانت شديدة العصبية بالنسبة لذلك.
انتظر ريك في صمت.
ـ ثم اكتشفت ذات يوم حقيقة مشاعرى نحوه....و بلا تيقظ, كشفت عن حقيقة مشاعرى تماماً, و بسبب.......بسبب المشاكل التى كانت قائمة في العلاقة بينهما, اعتقدت أن الحب المتبادل بيننا, و لم يكن باستطاعتى إقناعها أن الأمر لم يكن كذلك. و لم يكن باستطاعتى أن انفذ إلى قلبها بالمرة, كما أننى كنت أعرف أن تلك الفترة من زواجهما كانت تمر بأزمة لاسباب أخرى, لهذا.....
توقفت إيفون عن الاستمرار في الحديث و فتحت عينيها ثم قالت :
ـ وجدت نفسى مضطرة إلى الذهاب لاخبره بما حدث, و كيف كانت مشاعرى نحوه و كيف أننى كشفت عن ذلك لـ كلارى بدون أن أعرف أنها كانت موجودة طوال الوقت....و كيف أنها لم تستمع إلىّ و تصدق, معتقدة أنه يبادلنى نفس المشاعر, كان ذلك هو الشئ الوحيد الذى استطعت أن افعله.
في هذه المرة عندما طال الصمت خلدت الحشرات ذات الأجنحة الشفافة إلى فترة من الهدنة و قالت إيفون أخيراً:
ـ لقد كانت الفتاة الوحيدة التى اقتربت منها طوال حياتى.
و ما زالت تشعرين في قرارة نفسك بأنك غدرت بها؟
تنهدت و قالت:
ـ نعم, و لكن ذلك لم يقف حبى له و على الرغم من أننى هجرته.........أعنى أننى استقلت و لم أره منذ ذلك الحين ما عدا مرة واحدة, رأيتهما معاً ذات مرة, و من المنظر الذى كانا عليه لم أشك في أنها قد كبرت أخيراً بالنسبة إليه .
مررت يديها فو عينيها و قالت:
ـ أنت تعرف الآن القصة المحزنة كلها و تعرف كل شئ عنى.
ابتسمت ابتسامة ملتوية.
ـ بالاحرى يبدو كل شئ مبتذلاً و....جعجعة بدون طحن, ألم يكن كذلك؟
ـ ما عدا أنك تصرفت بشرف, ربما كان في داخلك من اللطف أكثر مما تدركين يا إيفون.
قالت:
ـ نعم...لقد تصرفت بشرف. و على الرغم من ذلك, لم يكن ينبغى لىّ في النهاية أن اسمح للامور بالوصول إلى تلك المرحلة. كان ينبغى لىّ أن أرحل منذ اللحظة التى أدركت فيها ما يحدث لىّ و لكننى بطريقة ما لم استطيع.
ـ و لم يكن باستطاعتك نسيانه؟
حملقت في الأفق و هى لا ترى شيئاً و لم تقل شيئاً. أراد ريك ظهره و قال:
ـ حسناً, لسوء الحظ أو ربما لحسن الحظ أننا كلنا لا نستطيع أن نكون روبرت راندال......من المؤكد أننى لا أستطيع أن أقدم لك نوع الامبراطورية التى عنده و لكننى أملك شيئاً ليس عنده.
اعتدلت إيفون في جلستها و ملأت كوب العصير و قالت:
ـ لست في حاجة إلى ذلك, إننى لست آسفة من أجل نفسى أو حزينة, و من ثم لست في حاجة إلى أن تخرجنى مما أنا فيه, أو أن تعرض عليا مسكنات حكيمة, أو إهانات من أجل ذلك الموضوع. دعنا نكتف بنسيان الأمر, لقد أردت أن تعرف, و أنت تعرف الآن.
ـ كل ما في الأمر أننى أوشكت أن أسير إلى شئ يبدو أنك لا تعرفينه عنى, شئ أنا لا أتاجر به في العادة و هو يمثل في الواقع عنصر مضايقة شديد لى, و لكن.....يبدو أن نفسى قد جرحت , قد جُرحت بعض الشئ.
سألت إيفون
ـ أى شئ ذلك؟
كرر ريك و في عينيه بريق شرير:
ـ الأنا, و هكذا.......فى سياق محاولة قياس نفسى بالنسبة لـ روبرت راندال فقد فكرت في أنه يجدر بىّ أن أخبرك, بالاضافة إلى أى شئ آخر يتعلق بىّ, أنا أحمل لقب بارونو كان المفروض أن يذكر أى إنسان ذلك.
كانت إيفون ترتشف في تلك اللحظة عصيرها و غصت بالشراب فجأة . ثم قالت بسرعة:
ـ أنت تمزح!
و لكنها تذكرت ى الحال باسيل براش و عدة أشياء أخرى صغيرة , مثل النظرة المتأملة التى لاحت في عينيه عندما نادته في إحدى المرات بـ مستر إيمرسون و الارتباك الذى حدث في برامبتن عندما سألت عن المستر إيمرسون.......
و قال ريك:
ـ أوهـ, لكى أكون أمينا معك , أنا لم أفعل شيئاً لاستحق اللقب. إذ يكفى أن يكون الإنسان أبناً لأب , إلا أننى رأيت نفسى في الواقع أوصف في إحدى المرات بأننى مرشح لحمل اللقب .
رفع ريك حاجبيه و استطرد قائلاً:
ـ و نظراتى بالتأكيد , توجد ضيعة قديمة في انجلترا ترتبط بذلك...و كان ذلك الأمر يثير استياء أبى قبل موته عندما بدا له أننى أفضل استراليا. و لكن أمى كانت استرالية بعد كل شئ. كيف تريننى الآن في تقديرك؟
تفرست إيفون في وجهه, ثم بدأت تضحك ضحكة خافتة و قالت:
ـ أنت......
لم تستطيع الاستمرار في الكلام فترة و هى تهتز من كثرة الضحك من قمة رأسها حتى أخمص قدميها, و لكنها استطاعت مواصلة الكلام في النهاية.
ـ سير ريتشارد, أنت رائع, لا أظن أننى قابلت أى أنسان يشبهك تماماً.
ضحك ضحكة قصيرة, و مد يده لها مرة أخرى:
ـ أنا أحبك زهرة منسية عندما تضحكين, تعالى معى إلى ينبوع المياه المعدنية, ثم سنسبح بعد ذلك.
قالت برزانة:
ـ أنا لم أقصد..........
ـ أعرف أنك لم تكونى تقصدين.....كل ما في الأمر أننى أردت أن أغير المزاج, كما أننى فكرت أنك ربما شعرت بالحيرة لو أن أحداً غيرى أخبرك.
قالت إيفون بأنفة:
ـ انتظر حتى تطول يدى خالك إموس.


ـــ

خطر ببال إيفون و هى في ينبوع المياه المعدنية ثم و هى تسبح بعد ذلك أن شعوراً غريباً بداخلها, مثل سجين يُطلق سراحه و أنها تشعر بخفة قلب غريبة على الرغم من شيئاً لم يتغير. كانت لا تزال نفس شخص بنفس مشاكله. و كانت شريكة في غرفة لا تزال تحمل المشكلة الرئيسية الجارية . و فكرت ماذا سوف أفعل بالنسبة له؟ ما الذى سوف يفاجيئنى به في الخطوة التالية؟ لست في حاجة إلى أن أكون عبقرية حتى اعرف.....
من المؤكد أن سحر بيبرز ليس بالقوة التى لا تجعلنى اهتم بالأمر, و لكن على الرغم من ذلك, يبدو اننى مستنفدة عاطفياً, و منعزلة عن نفسى بدرجة خطيرة .
عندما غادرا ينبوع المياه المعدنية اصبحت إيفون أكثر انعزالاً حتى عن افكارها و هى تقفز داخل حمام السباحة .
صعدت إلى سطح الماء و هى تشهق و تقول:
ـ لو أنهم كانوا يسخنون هذا الماء, فإننى اكره الاحساس به عندما لا يكون ساخناً!
قال ريك:
ـ اعتقد أنهم يعتمدون على الطاقة الشمسية في الصيف.
و أشار إلى ألواح من البلاستك ظاهرة في السقف :
ـ أعدك أنك سوف تشعرين على الرغم من ذلك بالروعة فيما بعد.
غاب عنها شئ عند انعزالها, بينما كانا عائدين إلى الغرفة استعداداً للعشاء. وقفت تبرم منشفتها و داخلها احساس بالارتباك أثار اعصابها. لم تكن قد فتحت حقائبها و ذلك كان الحال بالنسبة لـ ريك, و ادركت إيفون فجأة أن الموقف مستحيل, ساحق يتحداها لمنازلته.
قال ريك عندما رأى تعابير وجهها:
ـ أحب أن أقول لك شيئاً......لماذا لا اخذ حماماً و ارتدى ثيابى أولاً ثم أغادر المكان لكى أخليه لك؟ سوف انتهز الفرصة لاقدم نفسى لهؤلاء الدهماء المختصين بالدعاية و باستطاعتك مقابلتى في المقهى عندما تكونين مستعدة, لقد حجزت مائدة للعشاء في الساعة السابعة و النصف.
فكرت إيفون برهة ثم أومأت برأسها علامة الموافقة و خلال فترة قصيرة بشكل ملحوظ اصبحت الغرفة لها وحدها. و جلست فوق السرير عدة دقائق ثم وقفت و هى تتنهد و أخرجت بعض الاشياء من حقيبتها و بدأت تستعد.
كان مزاج إيفون لا يزال هادئاً و هى تشهق طريقها إلى المقهى متوقفة بين الحين و الحين لتبدى اعجابها و تلمس بعض الاشياء الجميلة التى يحفل بها بيبرز.... الموائد القديمة الرائعة, المصابيح اللوحات أصص الأزهار الصينية صحون فوق حوامل ترجع إلى عهود ماضية و واحد منها بصفة خاصة منقوش بازهار البنفسج الأرضية الخشبية و السجاجيد القديمة.
كان ريك جالساً فوق أحد مقاعد المقهى العالية بدون ظهر يتحدث بحرارة مع رجل و لكن على الرغم من وقوف إيفون على بعد عدة اقدام خلفه إلا أنه أدار رأسه فجأة و وقف ماداً يده نحوها .
ترددت عندما رأت نظراته تستقر عليها, مستعرضة الثوب المألوف بلونه القرنفلى و شعرها المسترسل و رجليها العاريتين و الصندل ذا الكعب العالى و سوارها الذهبى و عقد اللآلى الصغيرة, و شفتيها المطليتين باللون الأحمر الوردى و عينيها اللتين كان يبدو فيهما التردد فجأة
ثم مرت لحظة قبل أن تتحرك إيفون إلى الأمام و منذ تلك اللحظة فصاعداً كانت الليلة و الأحداث و الأشخاص الذين قُدمت لهم ...كل شئ كان يبدو غير واضح المعالم بشكل غريب.
تكلمت قليلاً و احست بارتياح مبهم عندما اعتذر ريك بمهارة عن تناول العشاء مع خمسة عشر رجلاً من وكالة الدعاية الذين وفدوا لحضور المؤتمر المنتظر عقده في اليوم التالى .
أخذت انطباعاً غامضاً عن سحر قاعة الطعام وخزانات أدوات المائدة الضخمة العتيقة. و مفارش الموائد المنقوش عليها رسوم الأزهار الصغيرة و تناولت في بداية الوجبة طبقاً من اللحم المشوى الشهى, على حين كان الطبق الرئيسى من السمك النهرى و كان ضوء النهار المتأخر في صيف الشرق, و قد بدأ يخبو و بدت المروج و النباتات المتسلقة من خلف نوافذ قاعة الطعام كالأشباح.
سأل ريك بدون مناسبة:
ـ كيف عرفت أننى كنت هناك في المقهى؟
ـ شئ مثل الحاسة السادسة.
قال ريك ذلك و هو لا يحول بصره عن عينيها حتى اشاحت بوجهها.
و عندما اقترح عليها في النهاية تناول القهوة في الشرفة وافقت .
كان القمر قد بدأ يصعد في صفحة السماء ملقياً اشعته الفضية على المروج تحته و اشجار الورد و على سطح سد صغير على البعد.
قالت إيفون و هى تحمل فنجان القهوة بكلتا يديها:
ـ كنت أعرف أن القمر سوف يكون موجود.
ثم وضعت الفنجان على المائدة بعناية, عندما اكتشفت أن يديها ترتعشان.
ـ إيفون؟
و لكنها لم تستطيع النظر إليه. كانت الدموع تترقرق في عينيها عندما فالت:
ـ لكى أكون أمينة معك....لقد ارتديت ثيابى من أجلك.
تحسست بأصابعها الثوب القرنفلى .
ـ أردت أن أبدو صغيرة....خالية من الهموم من أجلك و لكننى لا أستطيع. إننى لم أكن ادرى ما أفعله, ما أحس به, حتى أدرت رأسك في المقهى و نظرت إلىّ, فكرت....فكرت في أنك تستدرجنى, و أعرف الآن.........
توقفت عن الكلام و هى مغلوبة على أمرها.
سالها ريك بهدوء:
ـ هل تريدين أن احتويك؟
قالت بصلابة:
ـ لم يكن باستطاعتى أن أتحمل الوحدة هذه الليلة, هذا هو الشئ الوحيد الذى أعرفه, و لن يكون من العدل أن أقول لك شيئاً مختلفاً, أنا آسفة.
ظل ريك صامتاً لفترة طويلة, و احست برعدة تسرى في جسدها و رغبة في أن تسحب كلماتها, أن تشكلها بصيغة أخرى مختلفة, أن تفسر له بطريقة أفضل, و لكن.....كيف تستطيع أن تخبره أنها تكون أضعف ما تكون أمام ضوء القمر ورائحة الورود و المكان و احاسيسها بالنسبة له؟ أن تخبره أنها لم تكن تفهم كيف يمكن أن يحدث ما حدث؟ إن الأمر مخجل, ولكنها تشعر في مكان ما في أعماقها بأن حفرة من الوحدة العميقة تفغر فمها تحت قدميها و أنها في حالة رعب حقيقى فظيع.
تحركت إيفون و همت بالوقوف بثقل, مرتاعة إلى جانب خوفها مرتاعة أمام الإهانة التى عرضتها عليه باسه الأمانة و انشغال بالها بنفسها.
ـ إلى أين أنت ذاهبة يا إيفون؟
غاصت في مقعدها, و ارغمت نفسها على النظر إليه في النهاية, و لكنها خائفة إلى حد بعيد مما يمكن أن يقع عليه بصرها, و قالت متلعثمة:
ـ لم يكن ينبغى لىّ أن أقول ما قلته.
وجفلت أمام تعبيرات وجهه, كانت غلطة لا تغتفر........كانت كلماتها المضطربة تغوص في بركة من الصمت و بدأ قلبها يخفق بعنف بينما رفت على شفتى ريك ابتسامة ملتوية و قال ببطء :
ـ يستوى الأمر يكفى أننى متاح لك, أليس كذلك؟
قالت بصوت هامس:
ـ ريك.........أنا.......
لكنها رأت الحيوية تدب في زهرة منسية عينيه فجأة, الحيوية و الخضرة و النظرة الساخرة ثم في تغير بسرعة البرق, توهجت عيناه ببريق أشبه بنظرة نمر , يتباطأ, يلعب.........أوهـ, ما الذى فعلته؟
القت حولها نظرة متوحشة إلا أن رد العل التلقائى من جانبها لم يأت بشئ سوى ابتسامة خفيفة على شفتيه و قال لها برقة:
ـ لديك مطلق الحرية في أن تهربى يا عزيزتى, إلا أننى عائد إلى غرفتنا.
وقف و هو ينظر إليها من عليائه و نظرته تقول بوضوح أنها جبانة.
نكست إيفون رأسها و سقط شعرها إلى الأمام و تقوست كتفاها, ثم وقفت على قدميها .



Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-06-16, 10:11 PM   #9

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الثامن

فتح ريك باب غرفتهما و مد يده إلى الداخل ليضغط زر النور ثم تنحى جانباً ليفسح لها الطريق, و دخلت إيفون و أغلق ريك الباب خلفهما. و راقبته و هو يقفل الباب, و يحكم أغلاقه بإدارة المقبض النحاسى, و راقبته و هو يضع المفتاح على منضدة الكتابة, و يضئ مصباحاً بجوار السرير, و يطفئ النور العلوى للغرفة, ثم يذهب إلى كل واحدة من النوافذ, و يسدل الستائر إلى ابعد حد ممكن.
كانت إيفون واقفة في الجانب المقابل له من الغرفة, واضعة يديها على جنبيها و قد جفت دموعها الحمقاء, و عيناها باردتان.




ــــ

قال لها بصوت لا يكاد يُسمع:
ـ تعالى إلى هنا يا إيفون.
ـ ريك, أنا
ـ عليك اللعنة.
قالها بصوت منخفض في شئ من العنف, جهل الرعدة تسرى في بدنها .
ـ لا تضطرينى للمجئ كى أمسك بك. ولكن أليس هذا ما تريدينه؟ حتى تتمكنى بعد ذلك من صب اللعنات فوق رأسئ بكل ما لديك من لغة مملؤة بالشتائم. و تقاتلى........و تتركى نفسك تخضعين للقوة, هذه هى الطريقة التى تحبينها, إليس كذلك؟ الخشونة , كيف كان باستطاعتى أن أنسى؟
قال الجملة الأخيرة بلهجة ساخرة .
قالت بصوت هامس و هى ترتجف بشكل لا تملك السيطرة عليه:
ـ أوه...لا, لا.
ـ إذن فأنت تريدين إلقاء كل المسؤولية على غيرك, و ليس على نفسك.
ـ أنت لا تفهم........
توقفت وقد اتسعت عيناها فجأة. عندما بدأت ترى في النهاية ببطء ما يجرى في داخل نفسها.
قال ريك بسخرية:
ـ إذن أخبرينى ما الشئ الذى لا أفهمه.
و قال محذراً لها بشراسة:
ـ ولكن لا تعودى إلى تكرار تلك القصة القديمة عن الوحدة.
ازدردت لعابها و مسحت شفتيها ثم اتقد بريق الغضب في عينيها, لأنها دفعت نفسها إلى ذلك الموقف. و قالت:
ـ إننى مرتاعة, إذا كان لابد لك أن تعرف.
و فكرت في أن صوتها أجوف بشكل غريب.
ـ من ناحية لقد مضت سنوات.
اشاحت بوجهها بعصبية. إلا أنها تابعت حديثها و هى تضع يدها على فمها.
لم أجن منذ ذلك الجين شيئاً إلا الفشل, لابد أن هناك سفسطة سرية لم اعرفها قط. خشونة........
انحبس صوتها و لكنها تابعت حديثها بصوت فيه بحة:
ـ عندما أتحدث عن ذلك.....الأشياء التى لا أعرف كيف يمكننى السيطرة عليها- على نفسى, على سبيل المثال.........سبق أن حذرتك في إحدى المرات و لكنك لم تشأ أن تستمع لىّ.
ثم غطت وجهها بيديها و صرت على اسنانها فى يأس.
ـ إيفون.......
نطق ريك اسمها من الجانب الآخر عبر الغرفة .
ـ لو أنك تمسكت باسم باترسون!
خطا ريك خطوتين ليكون بجوارها و ادارها لكى تواجهه و هو يضغط بقوة على ساعديها:
ـ لا تقولى ذلك, أنت مخطئة......
ـ لا, لست مخطئة يا سير ريتشارد.
و انهمرت الدموع من عينيها مرة أخرى و سالت على وجهها عندما تمكنت من تحرير أحد ساعديها و أخذت تفرك عينيها إلا أن ذلك أفسد مساحيق الزينة على وجهها, و عندما رأت طلاء الرموش فوق أصابعها. ضحكت و هى لا تزال تبكى, ضحكت و هى تقول:
ـ أنت دون عن كل الناس, تعرف الجانب الخشن الوقح منى.
أغمض عينيه و هو يقول لها بوداعة:
ـ كفى.
لكنها لم تستطيع منع نفسها, و تابعت حديثها:
ـ ربما لم تكن تعرف.....كيف سمعتهم يتحدثون عنى في إحدى المرات, و لكنى سأخبرك....إنها قطعة من المادة الساخنة, و لكنها قد تبليك قبل أن تبلغ عامك الأربعين... ذلك ما قاله عنى شخص لا أكاد اعرفه, و تابع حديثه قائلاً, إنه حصل على تلك الكلمات من فم رجل كنت اعرفه بالفعل, و اتخيل أننى احببته. هل تعرف كيف كانت حقيقة مشاعرى؟ مثل الكعكة المحشوة, كما لو أن تلك كانت حقيقتى.
تمتم ريك من بين أنفاسه:
ـ أوهـ, يا إيفون! و جذبها لكى يقربها منه. على حين انخرطت في بكاء لا تملك السيطرة عليه و هى تريح جسمها على صدره. و أحاط ريك مؤخرة رأسها بيده. و وضع خده فوق شعرها.
بقيا على هذه الحالة فترة طويلة, إلى أن هدأت عاصفة بكائها, ثم تمتمت:
ـ أنا آسفة.....أنا بخير الآن. لقد قلت لك أن هذا ربما لم يكن فكرة طيبة.
سمعته يتنهد ثم قال:
ـ تعالى.
و تركها, إلا أنه أمسك بيدها و قادها إلى السرير, و قال بلهجة الأمر:
ـ أرقدى.
عندما استراحت فوق السرير, جذب الوسائد و انحنى فوقها ليخلع لها حذاءها. ثم أختفى داخل غرفة الحمام. و عندما عاد حاملاً كوب ماء و بعض المناديل الورقية, كانت مكورة فوق الوسائد.
لكنها جلست و رشفت بعض الماء ثم مسحت عينيها و هى تنظر إلى الخطوط السوداء التى ارتسمت فوقها مختلطة مع اللون الأزرق الفضى لمسحوق تظليل العينين. و قالت:
ـ لابد أن شكلى فظيع.
تنهدت و هى تحاول اغتصاب ابتسامة و قالت:
ـ ليست مساحيق التجميل هذه منيعة ضد الماء كما يدعون! ثم أراحت رأسها و قاومت بعض الدموع التى كانت تهدد بالانفجار من جديد.
أخذ ريك كوب الماء من بين اصابعها و وضعه, ثم رقد بجوارها لا يلمس سوى وجهها و راسه فوق ذراعه.
خفضت بصرها عن السقف لتنظر إلي عينيه و قالت:
ـ أنا في الواقع آسفة لأن....لأننى أثقلت عليك بالفضوى التى أنا عليها. قد تفكر في أن امرأة في الثامنة و العشرين كان ينبغى لها أن تكيف نفسها على وجه أفضل من ذلك بعض الشئ.
ثم أخذت تجذب نسيج الثوب الذى تلبسه و قالت:
حتى محاولة أن أظهر بمظهر البنت الصغيرة التى لم أعرفها قط!
أمسك اصابعها بقبضة قوية و قال :
ـ هل تريدين منى أن أطلعك على إيفون باترسون الحقيقية؟
الشخصية التى أعرفها, التى ارتكبت أخطاءها....و لكننا بعد كل شئ نفعل ذلك, لا تفكرى لحظو واحدة أنك امرأة وحيدة.
ـ إذن لماذا يختلف الأمر معى؟
قال لها بإخلاص:
ت يبدو أنك ثائرة و مستعدة للعراك يا إيفون و أنت ذكية أيضاً, أذكى من معظم الفتيات, أكثر حيوية إلى أن قررت الموت بطريقة ما, وقد قاتلت ضد مزايا عظيمة, و لكن ينبغى لك أن تندمى على شئ واحد....إذا كنت محبة وعاطفية, و عندما تقعين في الحب, حتى لو كنت مخطئة يجب أن تعطيه كل نفسك, و لا تندمى على ذلك, كما أنه لابد من وجود شخص يتكافأ معك, شخص يحب بهاءك الخالص.
أغمضت عينيها و كانت أهدابها مبتلة فوق خديها.
ـ ألم تتوقفى قط لتفكرى في أن ما كنت تحسين به نحو روبرت راندال رما قد يكون نما متجاوزاً حجمه, بسبب أنه لم يكن يريدك؟
قالت:
ـ علم النفس المعكوس؟
ـ ربما كان وضعه في ذهنك جرح فوق الجروح التى أحدثها؟
تنهدت و قالت:
ـ ربما.
ثم توهجت عيناه الخضراوان فجأة و قال:
ـ إذن ماذا سوف تفعلين بالنسبة لهذا الرجل الذى ينام بجوارك ؟ في أى مرتبة سوف تصنفينه؟ لأننى لا استطيع أن أنكر أنه يريدك, ربما بدرجة بائسة, و من ناحية أخرى ليست لديه أساور من الماس في ذهنه, أو درجات سلم تصعدينها, و هناك أوقات عندما أجد نفسى مضطراً للاعتراف بانه يشعر كأنما يخنقك.....أخشى أن أقول إنه في حالة سيئة.
استنشقت إيفون نفساً و لمست شعرها و قالت:
ـ أوهـ , ريكـــــ!
و أمسكت خصلة من شعره و هى تتحسس ملمسها بين أصابعها. ثم تركت يدها تنزلق على جانب وجهه.....
ـ تكون عذباً للغاية عندما لا تراودك الرغبة في ان تخنقنى!
نظر إليها بعينين جزينتين و قال :
ـ في هذا السياق, هل استطيع أن أقبلك؟
ـ حسناً......
لكنها لم تتجاوز تلك الكلمة’ لأن ذلك كان الوقت الذى أراد فيه ريك أن يحول الكلمات إلى أفعال.
ـ أوهـ, ساعدنى.
رفع ريك رأسه من فوق صدرها.
ـ سوف أفعل أى شئ تريدينه منى, أنا نفسى في حاجة إلى بعض المساعدة.
قالت إيفون بصوت هامس:
ـ أخبرنى.....
حول شفتيه إلى رقبتها. و أحست به يضحك بهدوء.
ـ كل ما في الأمر, أننى لم أعد أتحمل الانتظار أكثر من ذلك.
ـ لا تنتظر إذن.
ـ هل أنت واثقة؟
كان كل الصوت الذى ردت به حشرجة تعبر عن الرغبة.
ـ إذا أذيتك, أخبرينى..........
ـ ل أعتقد أن أى شئ أذانى قدر ما لقيته من شخص أعسر, أنت ماهر بشكل ملحوظ.
ـ إذا كنت كذلك, فالسبب أنك جميلة بشكل مذهل.
قال ذلك ببعض الجهد......
ـ أنا آسف, كنت أقصد أن استمر فترة أطول.
ـ كنت سأموت لو طالت الفترة عن ذلك......يبدو أننا نتكلم كثيراً.
قالت إيفون ذلك ببراءة و بصوت هامس.
ـ إننى أتحدث كثيراً على الدوام, ألم تلاحظى ذلك؟ ولكننى سوف أتوقف عن ذلك و.........
ـ لا. - احاطته بذراعيها – أرجوك أن تستمر في الكلام..........
ـ أوهـ.........
و من مكان ما اكتشف أنه قادر على الكلام فيما بين القبلات, إلى أن أحس أن انكماشها بدأ يزول. لقد أدرك من وحدة السنوات الطويلة التى كانت في حاجة إلى بعض الوقت لكى تجتاز تلك الحالة. و اصبحت في النهاية على استعداد للتجاوب معه.
احست إيفون بنمو الحب في قلبها من جديد, و انتابها الرعب و همست لنفسها: لا, لا, لا ترتكبى تلك الغلطة مرة أخرى مع ريك.
ربما مع ريك بصفة خاصة, واصلى إغاظته و لكن لا تقدمى على تلك الخطوة...........
و نظراً لأن الغرفة كانت غارقة في الظلام, ما عدا ضوء القمر, لم يستطيع ريك أن يرى ما يبدو في عينيها, و على أى حال نفد رصيدهما من الكلام, لأنه جذبها نحوه, و أراح رأسها فوق صدره, و اخذ يربت على شعرها برفق, إلى أن غلبها النوم بدون أن تعرف. و الذى لم تعرفه كذلك, أنه استسلم للنوم بعدها بفترة قليلة.
استيقظت و ما زال ريك نائماً و رمشت بعينيها عندما وجدت ضوء الشمس يغمر الغرفة, أخبرتها ساعتها أن الساعة الثامنة و النصف. إلا أن جسمها كان يقول لها شيئاً آخر : أنها ليس لديها الرغبة في مغادرة السرير, و استدارت و هى تسند خدها بيدها لتملأ عينيها بمنظر ريك إيمرسون و هو نائم.
و مدت يدها في أحدى المرات لتلمس جسمه الذهبى, و لكنها تراجعت و منعت نفسها. دق قلبها بعنف و هى تراه يتململ في الفراش, ثم صدر عنه آنين خافت قبل أن يفتح عينيه. جلس و دفع يده ليتحسس شعرها. و يتطلع حوله في دهشة, كأنه لا يعرف أين هو, ثم استقرت عينيه عليها, و اتسعتا مع شعور بالارتياح, و ظل راقداً على ظهره بعض الوقت, ثم جذبها ليحتويها بين ذراعيه و تمتم:
ـ لقد فكرت أننى كنت أحلم.
قالت له بصوت هامس و الابتسامة ترتجف على شفتيها:
ـ أوهـ, يا ريك.
ثم سألها بعد خمس دقائق:
ـ كم الساعة الآن؟
ـ حوالى التاسعة إلا ربع.
ـ يا للسماء ! تركها و جلس مرة أخرى و أخذ يفرك وجهه و هو شارد اللبز سألته:
ـ ماذا هناك
ـ من المفروض أن ألقى كلمة الافتتاح في ذلك المؤتمر الملعون في الساعة التاسعة و النصف... ليست لدى أى فكرة عما سأقوله, و من المفترض أن أتكلم ساعة كاملة....كيف أضع نفسى في هذا المأزق الـ....
ـ هس!
لا مزيد من السباب, إنه يكون شئ سيئاً عندما تبدأ به لصباح, سوف أساعدك.
سألها:
ـ كيف؟
ـ حسناً....
فكرت قليلاً ثم قالت:
ـ على حين تستعد و تتناول الفطور سوف أكتب لك مسودة بالخطوط الرئيسية لخطابك, إننى أجيد هذه العملية بل لقد كانت تلك مهمتى في الواقع. و..........
تابعت حديثها و هو يرمقها بنظرة سريعة,
ـ ما رأيك في شئ يتصل بالمحاولات و المتاعب بالنسبة للغة المبسطة للتفاهم بين الشعوب؟ لقد توافرت لدى معلومات عنها عند نسخ كتابك على الآلة الكاتبة. بل و استطيع أن أفكر في عنوان جيد – شئ مثل - فلنطلق عليه اسم يختاره هذا الفتى الشرطى الصغير على الأقل مع وجود الخطوط العريضة. حسن.....لن يكون الأمر صعباً بالنسبة لك للملء بقية الخطاب.
حملق إليها بدهشة, و قال شيئاً من بين أنفاسه, ثم ارتمى ليرقد على السرير و هو يأخذها معه, و قال:
ـ لا أستطيع.
ـ نعم, بل تستطيع. لابد لك من ذلك.....ربما كانوا قادمين للبحث عنك.
بدأ يسب و يلعن مرة أخرى, حتى أدرك أنها كانت تضحك في صمت, ثم بدأ هو يضحك بدوره, و استرخت أعصاب في النهاية و لكن بعد دقيقة أو ما يقرب من ذلك, قال :
ـ سوف أذهب. لو أننى وجهت إليك سؤلاً و تلقيت منك إجابة أمينة.
أمسك ذقنها بإحدى يديه و ارتجفت اهدابها و قالت:
ـ هات ما لديك.
ـ فلتطلقى عليه أى اسم تختارينه, بالنسبة لحقيقة مشاعرك ذا الصباح
فكرت إيفون ثم قالت بجد:
ـ مشاعرى طيبة للغاية.
خمنت إيفون بحكم الممارسة الطويلة. رأت ريك يأخذ حماماً و يحلق ذقنه و يرتدى ملابسه في دقائق معدودة و جلست في السرير و معها القلم و نوتة المذكرات و هى تفكر بسرعة, ثم بدأ القلم ينساب الورق, و كانت تجيد ذلك, ثم أخذت تكتب على وجه السرعة.
ذهب ريك لتناول الفطور, و عاد في التاسعة و خمسة و عشرون دقيقة حاملاً صينية . كانت إيفون خلال تلك الفترة قد كتبت عدة صفحات في يسر و سهولة.
رفعت بصرها و سألته :
ـ ما هذا؟
ـ فطورك, ينتهى موعد وجبة الفطور في التاسعة و النصف لهذا اخبرتهم أنك متوعكة.
نظرت إيفون إلى الصينية التى تحمل فاكهة و مجموعة مختارة من اللحم البارد و الجبن و كرواسان و قهوة و وردة حمراءو قالت له بصوت به بحة:
ـ شكراً لك ,
ثم سلمته نوتة المذكرات :
ـ أنظر ماذا تستطيع أن تخرج به من هذا.
تصفح ريك الأوراق على عجل ثم رفع بصره إليها في أعجاب و قال:
ـ هذا رائع أفضل من أى شئ كان باستطاعنى كتابته.
و قالت إيفون و هى تغمز له بعينها:
ـ أشك فى ذلك و لا تزال أمامك الفرصة لتضيف إليه من عندك شيئاً أنت متفوق فيه.
ضحك ضحكة قصيرة و قال :
ـ لو أنه كان باستطاعتى أن أجدك بجوارى بصفة دائمة لكى تنظمى لىّ عملى! إننى ذاهب.
قبلها قبلة سريعة و قال :
ـ ولكن مثلك و الجنرال ماك آرثر, سوف أعود عاجلاً."

ــــ


خلال فترة الصباح بذلت إيفون جهداً واعياً لتحليل حالتها الذهنية. كما أنها أخذت معها إلى الحديقة مخطوط ريك, جلست أمام غرفى البحيرة وفى نيتها البدء فى إعادة تحرير المخطوط, و لكنها اكتشفت أنها لا تستطيع التركيز على أى شئ, لهذا أخذت حماماً فى ينبوع المياه المعدنية. و وجدت راحة فى احتكاك الماء بجسمها. ثم سبحت بعض الوقت و عندئذ وجدت نفسها قادرة على التفكير.
و خرجت من البحيرة الصغيرة و اثبتت لنفسها أنها كانت على صواب. و رأت من خلال الأبواب الزجاجية ريك يقترب و هو يمشى فوق العشب.
كان قد غير ملابسه و ارتدى الشورت و قميصاً و غطى رأسه بقبعة القش القديمة, و اسدل حافتها فوق عينيه. وقف عند المنضدة التى تركت فوقها المخطوط و ألقى عليه نظرة سريعة ثم تلفت حوله باحثاً عنها. زهرة منسية
وقفت إيفون و ذكريات ممارسة الحب مع ريك لا تزال تغمر ذهنها و اكتشفت فى تلك اللحظة اللحالة الذهنية لها على وجه التحديد....كل ما كان خامداً فى اعماقها طغا على السطح, ووجدت نفسها ترتعد مثل فتاة صغيرة – تفكر: أوهـ, ماذا سوف أفعل بنفسى؟ لم تكن واعية بأى شئ سوى ريك.....يديه....فمه....و قربه منها.........
ثم التفت ريك و رآها, و تحركت إيفون بسرعة لتلتقط منشفتها و لم تستخدمها فى تجفيف نفسها فحسب بل لتغطية عواطفها أيضاً.
قال و هو يسحب الباب الزجاجى إلى الخلف:
ـ هذه أنت. لقد هربت.
ـ كيف سارت الأمور؟
ـ أوه. لقد......ذبحتهم!
علقت إيفون على ذلك بقولها:
ـ أنت متواضع بشكل مذهل.
ـ شكراً لك....كنت موشكاً أن أضيف شيئاً . إلا أن ذهنى سرح.
تفرس فى وجهها.
ـ لم ألاحظ.....ريك....لا, سوف يرانا الناس.
قال بنعومة :
ـ لا, لن يرونا. وجذب جسمها الرطب بين ذراعيه.
و قالت محتجة:
ـ إننى.....ما زالت مبتلة.....
ـ حورية ماء جميلة, عروسة بحر تسحر الرجال و تقودهم إلى حتفهم.
قال ذلك و شفتاه لا تكادان تتحركان, على حين كانت عيناه تبرقان,
ـ سوف أفعل أحد الشيئين.
قالت إيفون:
ـ أتركنى قبل أن أبلل كل ملابسك.
ـ إذا فعلنا واحداً من الشيئين اللذين أحملهما فى ذهنى فلن أكترث كثيراً. لابد لىّ من خلع ملابسى على أى حال, و الشئ الآخر.
لف شعرها المبتل على شكل حول أحدى يديه و قال :
ـ فهو عملى بدرجة كبيرة, نتمدد بعض الوقت, أو نذهب لمشاهدة مصنع المشروبات و نتذوق بعضها ثم نتناول الغداء.....عليك أن تختارى.
قالت على الفور:
ـ الآخير, لنكن عمليين.
نظر إليها ملياً ثم قال برقة:
ـ كم يبدو ذلك لطيفاً!
ثم تركها و أمسك يدها و قبل أصابعها.
منذ تلك اللحظة فصلعداً أتخذ كل شئ بالنسبة لـ إيفون بعداً جديداً. ليس ما كانا يفعلانه فحسب بل كل شئ كان يبدو أنه يزداد ووضوحاً....السماء تبدو أكثر زرقة و العشب أكثر خضرة.
توجها إلى مصنع المشروبات تيريل و تذوقا بعض العصير و قاما بجولة داخل الحجرات الباردة المعتمة التى تضم براميل خشبية مستديرة و تحت صنبور بعض منها بعض الجير.
سألت إيفون:
ـ هل السبب فى ذلك اكتشاف ما إذا كان هناك تسرب من البراميل؟
قال ريك بحزن:
ـ هذا واضح, لماذا لم أفكر فى ذلك؟
قالت إيفون مازحة :
ـ لأن لىّ عقلية عملية أكثر منك, هذا كل ما فى الأمر.
ضحكا معاً. و لف ذراعه حول كتفيها, ثم قاما بزيارة مصنعين جديدين آخرين مزودين بقاعات مزينة لتذوق المشروبات, إلا أن الجو فيهما كان مختلفاً عن جو المصنع القديم, قالت إيفون بصوت حالم :
ـ أحب الأشياء القديمة.
ـ إذن سوف تحبين تولوك محطة وقوفنا القادمة, حيث سنتناول الغداء هناك.
ـ أنا سعيدة لذلك أعنى الغداء.
ـ أعرف ما تقصدينه....ربما كانت لا توجد سوى أكواب صغيرة, لكنهم يعيدون ملأها.
قالت إيفون لـ ريك إن تولوك قد أرضاها بحق فقد كان مكاناً هادئاً, يقع بين الأشجار و يوجد مبنى أبيض قديم حيث تنتشر الموائد و الدكك فى الخارج لتناول الطعام. و بدلاً من المطعم الذى كانت تتوقعه كان هناك محل صغير يقدم وجبات سريعة, و كانت الشطائر طازجة, و هى متميزة و لذيذة. أختارت إيفون شرائح الديك الرومى ثم ذهبا إلى الخارج و جلسا يأكلان و يشربان فى صمت, وهما يستنعان إلى زقزقة الطيور فوق الأشجار و حدثت ريك عن حبها لـ استراليانا, و دار بينهما حديث بشكل لم يسبق من قبل. و عندما عاددا إلى السيارة, التزما الصمت, على الرغم من اتحادهما ذهنياً, بطريقة خيلت لـ إيفون أن روحها كانت متعطشة لها منذ زمن طويل و كان ذلك مرعباً و مخيفاً.
بعد العودة إلى بيبرز أخبرها ريك فى آسف أنه مضطر إلى أن يعود إلى المؤتمر لحضور الجلسة الأخيرة فى ذلك اليوم.
قال له برقة:
ـ كل شئ على ما يرام.
ـ ماذا سوف تفعلين؟
ـ اشبع العاطفة الأخرى.
قالت ذلك ثم عضت شفتها. تفرس فى عينيها و قال بهدوء شديد:
ـ لا تسحبى تلك الكلمات.
قالت بصوت هامس:
ـ ريك.
لكنه وضع أصبعه فوق شفتيها :
ـ حديثينى عن تلك العاطفة الآخرى.
قالت بعد لحظة:
ـ هناك على الطريق فى منتصف المسافة فى الواقع يوجد محل التحف القديمة.ط
ـ آهـ .....نعم, أنه محل حديث كان موجوداً منذ جئت إلى هنا فى آخر مرة . هل تحبين استخدام السيارة؟
ـ لا, المسافة ليست بعيدة, سوف اتمشى لأن ذلك يفيدنى.
ـ لا تذهبى بعيداً فى جولتك.
قال ذلك ثم قبلها بتمهل. مضت عدة دقائق بعد انصرافه, قبل أن تتمالك إيفون السيطرة على مشاعرها بدرجة كافية لكى تذهب إلى أى مكان.


ــــ


كان أصحاب محل التحف يقيمون فى نفس المسكن فوق المحل, فى بيت مبنى من الحجر و بعد أن ألقت إيفون نظرة على محتويات المحل اشترت صحناً قديماً من الفضة لأمها, و وقفت قليلاً تتحدث مع أصحاب المحل, و أكتشفت أنهم دخلوا حديثاً فى مجال صناعة المشروبات, و اشترت زجاجة من أحدث منتجاتهم لـ ريك.
عادت إلى بيبرز فى وقت متأخر من فترة ما بعد الظهر و هى تستنشق رائحة العشب. و تمتع عينيها بمناظر الريف البديعة.
لم يكن ريك قد وصل بعد عندما ذهبت إلى غرفيتهما و استلقت فوق السرير لتستريح بعض الوقت, و غلبها النوم.
عندما استيقظت وجدته راقداً بجوارها.
تمتمت:
ـ أوهـ.....لقد عدت.
ـ همممم......و أنت فاتنة, حتى فى أثناء نومك.
ابتسمت إيفون و هى ناعسة وسألته و هى تسند رأسها فوق صدره:
ـ هل ذبحتهم مرة أخرى؟ كانت اصابعها تعبث بازرار قميصه .
قال لها بوجوم:
ـ أخشى أن أقول نعم.
ـ لايبدو أنك سعيد لذلك.
ـ لا, لست سعيداً.
قال ذلك بين فترة تقبيل جبينها و الربت على شعرها خلف أذنيها:
ـ لقد أحبونى بدرجة كبيرة, و قد قرروا إقامة حفل عشاء الليلة تكريماً لىّ. لم أستطيع فى الواقه العثور على أى حجة للتهرب منهم.
التوت شفتا إيفون و لكنها قالت بجدية كالعادة:
ـ هذه ضريبة الشهرة.
ـ أنت ايضاً مدعوة لحضور العشاء, هل يزعجك ذلك كثيراً؟
ـ أوه.....حسناً, أعتقد أنه لابد للانسان أن يأكل.
أمسكها و هو يركز النظر إلى عينيها و قال:
ـ أنت تسخرين منى.
قال ذلك موجها لها الاتهام, و لقد كانت تلك هى الحقيقة, فعلى الرغم من أنها كانت تخفى رأسها فى كتفه, إلا أنه أحس باهتزاز جسمها.
سألها بمرارة بعد لحظة:
ـ هل أنا ذلك البهلوان؟
ـ لا.....أنت فى الوقت الحاضر أجمل و أفضل محاضر, و عالم جغرافيا و بارون هذا كل ما فى الأمر, لات غير شعرة من رأسك.
قالت ذلك بلهجة الناصح, و رفعت وجهها نحوه و هى لا تزال تضحك برقة.
حبس ريك أنفاسه و قال:
ـ و أنت........أوهـ, اللعنة!
قال ذلك بغيظ و هو يستلقى فوق الوسائد.
قالت بصوت هامس و قد رفت على شفتيها ابتسامة جديدة:
ـ ماذا الآن؟
ـ لم يعد أمامنا سوى نصف ساعة, هذا و الموضوع!
ـ نصف ساعة الآن, و لكن أمامان الليل بأكمله, لا ينبغى التعجل فى مثل هذه الأمور.
قال لها بخبث و فى عينيه بريق شيطانى:
ـ لا يا ماما.
قالت إيفون:
ـ ربما كان ينبغى لنا أن نأخذ حماماً.
ـ حتى أكثر رخات الدش برودة لا تستطيع أن تخمد بعض الرغبات التى تثيرنها فىّ.
ـ هل أستطيع أن أخذ حمامى أولاً؟
ـ أوهـ, أعتقد ذلك يا مس باترسون.
تركها برهة ثم أمسك بها مرة ثانية و قبلها قبلة حارة:
ـ تستطيعين الذهاب الآن.
فكرت إيفون فى أثناء ارتدئها ثيابها استعداداً لحفل العشاء, كيف تختلف هذه السهرة عن السهرة الأخيرة, كيف اشتركا فى الوقوف أمام مرآة الحمام و كيف أغلق لها ريك سوستة ثوبها الحريرى, و كيف وقف يراقبها و هى تقف أمام منضدة الزينة تضع فى أنيها قرطاً ذهبياً تحف به اللآلئ الصغيرة, ثم و هى تضع ساعتها ى يدها. و فى آخر لمسة من استعدادتها تنثر بعض العطر على قاعدة عنقها.
قالت إيفون و هى تستدير نحوه:
ـ كفى.......
تخلل ريك شعره بأصابعه و اعتدل فى وقفته, و كان يميل بجسمه مستنداً على باب الحمام يرتدى الجاكيت الأنيق فوق قميص بدون ياقة و كان شعره يحتاج إلى تقصير, و فكرت فى أنه بحاجة إلى ملابس أكثر مراعاة للأصول.
قالت إيفون:
ـ أ....هل قلت شئ؟
ـ كان يبدو أنك تريدين ذلك, كما لو أنك أوشكت أن تفتشى على أذنى!
ابتسمت إيفون ابتسامة مرة و قالت:
ـ أنا آسفة.
قال ريك برقة:
ـ تعالى هنا.
تحركت نحوه و لكنه لم يمسك سوى يدها و قال :
ـ هل يسوءكـ أننى واحد من أولئك الأشخاص غير المنظمين كلية؟
انفرجت شفتاها فى دهشة و هى تفكر, فيما إذ كان باستططاعته قراءة أفكارها. و قالت بعد تردد برهة قصيرة:
ـ لا.
ـ قولى إن كان هذا رأيك و سوف أحاول إصلاح أخطائى.
ـ ريك. هذا حوار غريب ذلك الذى تبدؤه الآن!
ـ منذ هذه اللحظة فصاعداً, سوف أبدأ فى تعليق ثيابى!
ـ هل نذهب الآن؟ لقد تأخرنا عشر دقائق بالفعل.
تفرس فى عينيها, و كانت عيناه قاتمتين بشكل غريب لحظة سريعة . ثم ظهرت عليهما ابتسامة بطيئة و قال :
ـ لا بأس, سوف نترك الحديث فى هذا الموضوع الآن.
ثم قال بلهجة بطيئة:
ـ ما الذى يقولونه عن تجاذب الأضداد؟

عبرت الحيرة وجه إيفون و قالت بصوت فيه بحة:
ـ لست متأكدة, ما الذى يقولونه؟
هز ريك كتفيه و تخلى عن قبضته على يدها و قال:
ـ إن ذلك محتمل بدرجة كبيرة, و أنهم فى بعض الأحيان يشبعون حاجة كامنة فى كل واحد منهما, تذكرى ذلك.
ـ ريك.....
أخذت نفساً عميقاً:
ـ .....لا تفعل .........
إلا أنه لف ذراعه حولها و قال:
ـ أبقى بجوارى الليلة. سوف أشعر بوحشة شديدة من غيرك, و هل تفعلين شيئاً أخر؟
تفرست فيه و قالت:
ـ مـــــــــــــاذا؟
ـ ابتسمى لىّ الآن, لىّ وحدى.
ارتعدت شفتاها, ثم ابتسمت و أغمضت عينيها لحظة وجيزة و هو يحتضنها بقوة. ثم تركها و هو يبتسم ابتسامة ملتوية و قال :
ـ آسف أن كنت قد أفسدت زينتك.
قالت له مبهورة الأنفاس:
ـ لا أظن أنك فعلت ذلك.
لكنه فعل ذلك بدرجة كبيرة فيما بعد.
كان عشاءاً لطيفاً و استطاعت إيفون الصمود حتى نهاية الحفل, بحكم خبرتها فى مجال الدعاية و الإعلان, و إذا كان عقلها قد شرد فأن احداً لم ينتبه لذلك غيرها, و كان من الصعب عليها وضع اسم بسبب ذلك الشرود, ثم أدركت أنه نبع مما قاله ريك عن الاختلافات القائمة بينهما, و كان ذلك عندما أخشوشن شرودها و تحول إلى فكر واضح, فكرت: هل يمكن ان يحدث ذلك؟ و لكن كيف يمكن حدوثه فنحن مختلفان من نواحة كثيرة, المغفلون وحدهم هم الذين يؤمنون بأن الحب يقهر كل شئ. و هو ما يعنى......أوهـ, و لكن لماذا تكونين عمياء يا إيفون؟ ألم تتعلمى شيئاً؟
تحركت المجموعة إلى الشرفة لتناول القهوة, حيث طرأ على خاطرها اكتشاف آخر على الرغم من كل الجهود الطيبة التى قام بها ريك, فقد كان مفترقاً عنها, و لكنه لم يكن يبدو كذلك - من ناحية المظهر الخارجى على الأقل – و هو يجلس بين سيدتين جذابتين يضحك و يتحدث. و لكن على حين كانت تراقبه كان باستطاعتها أن ترى أعجاب السيدتين و حيويتهما الزائدة و هما تنظران إليه. و كيفية علاج ريك للموقف فى هدوء. و أحست إيفون بموجة غيرة تجتاحها حتى أعماق نفسها. رشفت قهوتها و فكرت: إذن فنفس الشئ يحدث لىّ مرة أخرى, و لكننى لن أبقى فى هذه المرة حتى النهاية القصوة. ليلة أخرى......ذلك كل ما سوف أسمح به لنفسى, ليلة واحدة أخرى .
ـ أعطهم بنساً!
قفزت إيفون و هى تنظر إلى عينى ريك الخضراوين الغريبتين و قالت:
ـ أوهـ أنا.....كان ذهنى يسرح بعيداً.
ـ هذا ما لاحظته, سوف اعتذر لننصرف الآن, أعتقد أننا أدينا واجبنا, هل أنت قادمة؟
ـ نعم............نعم.
قالتها بطريقة مشوشة, و وضعت فنجانها على المائدة و وقفت. لقد كان ساحراً و لطيفاً, إلا أنه أصم اذنيه أمام كل الاحتجاجات بأن الليل لا يزال فى أوله و قال:
ـ شكراً جزيلً لكم جميعاً. و لكننى فى حاجة إلى النوم بالفعل .
و عندما بدا على رئيس المجموعة أنه يريد أن يلقى حديثاً بادره ريك بضحكة قصيرة و تمتم:
ـ كان هذا من دواعى سرورى حقاً, يكفى أن تتصل بىّ إذا أحتجت إلى المزيد من المعلومات, و سوف يسعدنى أن أقدم المساعدة للجميع!
ثم لوح لهم بيده و جذب إيفون من الشرفة إلى الحديقة, ثم دار حول ركن المبنى ليختفيا عن الانظار, و عندئذ احتواها بين ذراعيه و قبلها قبلة سريعة و قال:
ـ لنبتعد عن هذا المكان.
قطعا الطريق الأطول حول المبنى و سارا فى الحديقة الشرقية. ثم وقفا ليستمتعا بمنظر القمر.
قالت إيفون و هى تشير إلى الأضواء اللامعة فى السماء :
ـ أوهـ, أنظر إلى تلك الطائرة إنها تسير فى خط طيران عبر القمر.
تمتم ريك :
ـ هكذا أنا أيضاً.
ثم جذبها نحوه برقة ليتواريا فى ظلال شرفة غرفة البحيرة التى كانت مغلقة الآن, و غارقة فى ظلام الليل, و قال بصوت هامس:
ـ هل تعرفين أن فكرة خيالية روادتنى لممارسة الحب معك فوق العشب, من الأفضل أن يكون ذلك تحت ضوء الشمس, و لكن ضوء القمر ليس بديلاً سيئاً.
تنفست بصعوبة و هى تسند ظهرها إلى الحائط بينما بدأ ريك فى تقبيلها من جديد, قالت:
ـ لا, لا نستطيع ذلك!
ـ إذن أخبرينى ما الذى أفعله معك؟
قالت بصوت هامس فى حيرة مذهلة:
ـ أنه كما لو....لم يحدث لىّ ذلك من قبل. كأنما عدت طفلة صغيرة........و أنها المرة الأولى, إننى لا أتوقف عن التفكير .......ما الذى سوف أفعله بنفسى؟ ماذا........كيف حدث هذا؟
ـ هل تسمحين لىّ بأن أخذك إلى غرفتنا, و أمارس الحب معك كما لو أننا كنا هنا؟
لم تجب إيفون و كان ذلك ما فعله ريك تماماً.
لكن فى صباح اليوم التالى كان ريك مستيقظاً عندما فتحت إيفون عينيها و رأى فى عينيها وميض ذكريات العاطفة المشبوبة التى جمعت بينهما فى الليلة الماضية, تنهد و جذبها لكى تزداد اقتراباً منه, و قال:
ـ هل تقبلين الزواج بى؟


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-06-16, 10:12 PM   #10

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل التاسع

بقيت إيفون فترة طويلة لا تستطيع أن تتفهم معنى تلك الكلمات التى فعلت مفعول المادة الوسيطة فى الكيمياء و لكن شيئاً لم يغير حقيقة أنها كانت كذلك, لقد سقطت الغشاوة التى كانت على عينيها, وزال الارتباك من قلبها, ورأت فجأة كل شئ واضحاً كل الوضوح و عرفت ما يجب عليها أن تقوله:
ـ ريك.......ثم ترددت و رفعت يدها لتلمس وجهه برقة,
ـ لقد وعدتنى بأنه لا.......صعود درجات السلم أو أساور من الماس.
قال ريك بشئ من الجفاف:
ـ كان ينبغى أن أفكر فى أن هذا هو النقيض.
ـ إذا كنت تفكر فى أن العرض الذى تعرضه هلىّ, أن أكون ليدى إيمرسون ليس خطوة عملاقة فى صعود السلم......
قال مستنكراً:
ـ أوهـ, ذلك إنه لا يعنى شيئاً, هل تنظرين إليه تلك النظرة الجادة؟
كان فى عينيه بريق مفاجئ لنفاد الصبر.


ـــــ


قالت إيفون بهدوء:
ـ أنا.....نعم, إلى حد ما.
ـ إيفون.......
قال بصوت خشن:
ـ لا, دعنى أخبرك لماذا يكون زواجناً ضرباً من الجنون. أولاً......حالتى..........
ـ تعنين حالتك و أن فى الفراش, إذا كان ذلك الشئ لا يزال يقلقك.........
ـ ليس هو, أنا..........
سكتت برهة ثم أردفت تقول :
ـ معك لا أستطيع الشعور بالندم أبداً. و ربما تكون عالجت حالتى على وجه ما.
سكتت مرة أخرى و نكست رموشها حتى لا يرى ريك حدة الألم فى عينيها, لكنها رفعت رأسها وقالت بثبات:
ـ لكن لا يوجد ما هو أكثر منى, هناك الجانب الآخر من شخصيتى الذى يستحيل عليك التعايش معه, و أعتقد أنك أدركت ذلك عندما تحدثت فى الليلة الماضية عن الأضداد, هل تعرف فيما كنت أفكر؟ كنت بعد ذلك بفترة وجيزة – ارتجف صوتها, إلا أنها واصلت حديثها بحزم - :

ـ أفكر فى طرق لتغييرك........
قاطعها بقوله:
ـ لقد طلبت منى أيضاً بالأمس ألا أغير شعرة من رأسى.
ـ لم يكن ذلك يعنى أننى لن أكون قادرة على مواصلة السعى لتحقيق ذلك, هذه هى أنا.
قال بغضب مفاجئ:
ـ تعنين أنك ما زالت تبحثين عن شخص قوى, شديد المحافظة على التقاليد مثل روبرت راندال؟ بتعبير آخر . لقد تطلعت إلى مدى مرتفع جداً.
منذ ثلاثة أسابيع . كانت إيفون تفكر فى أسى أن ذلك صحيح, و حدثت إيفون نفسها قائلة : الآن....لا تسمحى له بالحصول على أفضل ما عندك يا إيفون.
قالت بسرعة:
ـ ثم هنام موضوعك أنت يا ريك, إنسان لقى من البعض أكثر مما يسمح لأحد أن يمضغه.
بين كل ردود الفعل التى كانت إيفون تتوقعها. لم يكن الضحك واحداً من بينهما. و قال:
ـ أوهـ, باستطاعتى معالجة ذلك. هل تستطيعين أنت؟
سألها بسخرية خفيفة.
تضرج وجه إيفون و هى متألمة و قالت:
ـ لم أقصد ذلك.....
قال لها بحدة:
ـ إذن فلا ينبغى لك أن تقولى مثل هذه الأشياء ما لم تكونى تقصدينها .
عضت على شفتها و قالت :
ـ كنت أقصد......المعنى العاطفى, أنت.........و أنا.........
ثم توقفت عن الاستمرار, و بدأت تتحدث من جديد:
ـ لانك....أنقذتنى – إن شئت أن تقول ذلك – من الحالة التى كنت عليها, لا يعنى ذلك أن تتحمل مسؤوليتى و ....لا, أكترنى أكمل حديثى.
قالت ذلك بحزم ثم أضافت :
ـ لانك......لانك إنسان شريف فقد فكرت فى أن ذلك هو ما يجب عليك أن تفعله.
قال بعصبية :
ـ هكذا بتعبير آخر, يصبح سليماً بالنسبة لىّ أن استمر فى الذهاب إلى الفراش معك إلى أن نصل إلى أتفاق مشترك حول الافتراق , و لكن ليست رغبة فى الزواج بك؟
قالت بصوت أجش:
ـ لا, لن يكون الزواج سليما, لقد وعدت نفسى بالأمس, بـ ليلة واحدة أخيرة
قال بوداعة:
ـ ليلة أخرى؟ مجرد ليلة واحدة أخرى؟
أغمضت إيفون عينيها :
ـ أنا........
ـ أنت؟ .......إنك تثيرين دهشتى يا إيفون. خصوصاً بعد ليلتك الواحدة الأخيرة فى الخارج, عندما كنت أقبلك تحت ضوء القمر, هل تذكرين.......؟
قالت بيأس:
ريك. قل لىّ شيئاً واحداً, هل خططت لطلب الزواج بىّ هذا الصباح أم أن ذلك حدث بطريق المصادفة و أنت تشعر بالآسف من أجلى؟
ظل ريك صامتاً فترة تقرب من الدقيقة, ثم قال بغتة:
ـ لا. لم أخطط لذلك, و لكن....
ـ هل رأيت؟
التقت نظراتهما, و كان الألم يبدو واضحاً فى عينيها, إلا أنها كانت مصممة تماماً.
قال ريك أخيراً و هو يريح رأسه فوق الوسادة:أ....نعم, أعتقد ذلك, إذن فأنت تعتقدين بجد أن العلاقة بيننا مجرد قضاء وقت للتسلية؟
قالت بصوت هامس:
ـ أنا...........نعم.
ـ فليكن, و قال ريك بعد فترة صمت أخرى :
ـ ربما كنت على حق, لا أظن أننا منحنا تلك العلاقة الوقت الكافى لنثبت أى شئ و لكن إذا كنت واثقة بأننى لست الشخص المناسب لك.......
ـ أعتقد أننى أنا زهرة منسية المرأة الغير مناسبة لك, لقد قلت لك ذلك مرة من قبل, و لكنك لم تصدقنى, أنت بحاجة إلى..........
قاطعها بعنف مفاجئ:
ـ إيفون, لا تحدثينى عما أحتاج إليه, أنا شديد الحساسية بالنسبة لسماعى ذلك.
قالت إيفون يائسة:
ـ أوهـ, يا ريك. أنا آسفة.
ـ حسناً.
جلس و هو ينظر إليها.
ـ لِمَ لم تقولى لىّ على الأقل كم أن عذب, كيف سوف ننظم ذلك الفراق؟ هل لديك أى مقترحات؟
انحنت إيفون لكى تخفى وجهها فى الوسادة, و هى تفكر فيما إذا كان قلبها ينزف حتى الموت و همست لنفسها: الأمر فى غاية السهولة. و أنت – أيها الأحمق – كانت تأمل فوق الأمل. ألم تكن تفعل ذلك؟
قالت بصوت خافت يكاد لا يُسمع:
ـ لا أعرف.
ـ نعم, ذلك أمر مؤسف, ربما كان الوضع أفضل لو أنك رحلت وتركتنى. – ثم قال و هو يفكر-
ـ و لكننى أخشى أن أخبرك أنه لا بد لىّ من أعادتك إلى سيدنى, و لكن ربما كان باستطاعتنا قضاء ساعاتنا الأخيرة فى صداقة من أى لون.
دفنت إيفون وجهها فى الوسادة لتخفى دموعها.
قال ريك بجفاف:
ـ أوهـ.....و بعد يا باترسون. هل يعنى هذا أنك تملكين شجاعة معتقداتك؟
أدارت إيفون رأسها لترفع بصرها نحوه, و فى عينيها غضب مفاجئ.
ـ نعم, بل لدى كل الشجاعة.
و رد عليها:
ـ أعتقد.........ارجو ذلك.
و بالنسبة لاسلوب الفراق, لم تكن الرحلة إلى سيدنى سيئة للغاية مثلما كانت إيفون تتخيل لأن ريك عثر على راكب يرافقهما خلال الرحلة, فقد عاد واعدمن فريق رجال الدعاية و الإعلان إلى ملبورن فى مأمورية طارئ, واكتشفت أن ريك و إيفون و إيفون سوف يرحلان, و عندما أعلن أثناء الفطور عن الورطة التى هو فيها, عرض عليه ريك ركوب السيارة معهماحتى مدينة سيدنى.
سارت الأمور فى الواقع على خير حال, لأن إيفون كانت قد قررت ركوب الطائرة من سيدنى إلى وظنها رأساً و بهذا كان باستطاعة ريك أن يوصلهما معاً إلى المطار.

ـــــ

و لكنها مرة أخرى, لم تستطيع خلال الرحلة أن تسلط خطتها على ريك فإن شيئاً لم يغير أو يقلل من الإحساس بالألم المرير الذى كانت تشعر به طوال الرحلة......أولاً و هى تلتفت إلى الوراء لتلقى نظرة على فندق بيبرز و هو يرقد فى كسل تحت ضوء شمس الصباح, ثم بعد ذلك على فترات متعددة, و هى تفكر فى ذهول و فد توهجت فى ذهنها شرارة صغيرة : كيف تم الأمر بتلك الدرجة منالسهولة؟
لكن تلك الشرارة الصغيرة انطفأت فى المطار و كان على لحظات الوداع أن تنتظر حتى ينصرف رجل الدعاية . ثم كانت المواجهة بينهما, قالت إيفون بعدم لباقة و هى تحمل حقيبة أمتعتها:
ـ أ.......لدى شئ أحب أن أعطيه لك, إنه مجرد زجاجة من العصير و لكنها منأنتاج مصنع جديد للمشروبات, و ربما كان شيئاً متميزاً إذ طلبوا الاحتفاظ بها لك........خانها صوتها و هى تقول : لبعض الوقت .
نزع ريك الزجاجة من الورق ال1ى يغلفها و تفرس فيها, و قال:
ـ سوف أشربها فى لحظة عاطفية, و ربما كانت معى زوجة مناسبة.
اشاحت إيفون بوجهها كوسيلة دفاع و قال ريك بصوت جاف غريب:
ـ أنت فى شوق لـ روبرت راندال؟
التفتت نحوه بوجه شاحب يبدو عليه التعب و قالت :
ـ لا.
سألها فى سخرية :
ـ مجرد.......لا؟
ـ إذا لم تكن تريد أن تصدقنى فما الذى باستطاعتى أن أقوله؟
رد عليها بقوله:
ـ إنه لا يزال أمامك مشوار طويل لتقطعينه يا إيفون قبل أن تعرفى نفسك, على أى حال ربما كنت على حق, ربما لم يكن أمامك سوى نسيان ذلك و كل ما باستطاعتى أن أفعله ......
سكت برهة و أضاف بمرارة:
ـ أنا أتقبل الوضع كرجل, وداعاً يا عزيزتى باترسون و شكراً لك على مساعدتى فى مخطوطى و........
رفع زجاجة العصير قائلاً:
ـ السوار الماسى.
ثم سار مبتعداً عنها بدون أن يلقى نظرة واحدة إلى الخلف.
فى تلك الليلة عندما عادت إيفون إلى بيتها, لم تستطيع النوم و هى تفكر فيما إذا كانت ستعرف النوم مرة أخرى, و كانت أكثر فكرة تؤرقها و تزيد آلامها أن ريك كان يعتقد أنها لا تزال متعلقة بأهداب ذلك الحب القديم, و لكنها ظلت تسأل نفسها : ما الحقيقة الآن؟ إننى أحب ريك كما لم أحب أى رجل من قبل, إلا أننى أعرف أننى لست صالحة له, كيف لىّ أن أتأكد من كلا الأمرين, و أن أكون متأكدة من أنه لم يكن ينوى الزواج بىّ فى حقيقة الأمر؟ لقد رسخ فى ذهنى ذلك الأعتقاد لسبب ما. و لكننى عندما هيأت له وسيلة الفرار انتهز الفرصة........
إذا لم تستطيع أن تثبت لنفسها شيئاً خلال الأسبوعين التاليين, فقد اكتشفت مدى صعوبة قدرتها على نسيان ريك. و سادتها نوبة من الحزن الممزوج بالرعب, عندما جاء موعد دورتها الشهرية, و خامرها بعض الشك فى أن خطأ ما قد حدث, إلا أنها تعلقت بأهداب الأمل أن تكون مخطئة فى شكوكها.
أخذت اجازة مدتها أسبوع آخر بعد عودتها إلى بيتها فى ملبورن ثم ذهبت إلى آموس دابلداى. كان صباح يوم رطب آخر عندما وصلت إلى مكتبه
قال آموس بابتهاج :
ـ إيفون.
ثم ألقى على وجهها نظرة فاحصة ثم تنهد بعمق و قال برقة:
ـ أجلسى.
جلست و سوت تنورتها و قالت:
ـ لقد جئت بفكرة أو فكرتين طيبتين بالنسبة للكتالوج القادم يا آموس.
قاطعها بقولة :
ارجو أن تسمحى لى بالتعبير لك عن آسفى إذ لم يكن ينبغى لىّ أن أفعل ذلك, و لم يكن هناك من دافع سوى محبتى الحقيقية لك و الاحترام الذى أحمله لك, مما دفعنى إلى تكليفك فى المقام الأول بهذه المهمة.
تفرست إيفون فى وجهه و قالت بهدوء:
ـ أصدق ذلك, و لكننى أفضل عدم التحدث فى هذا الموضوع.
ـ إيفون...............
قالت بصوت هامس:
ـ أرجوكـ.
ثم أخذت نفساً عميقاً قبل أن تقول :
ـ ما عدا امرأً واحداً, كيف عرفت موضوع روبرت راندال؟
قال آموس ببطء:
ـ كنت اعرف بالفعل, لقد جمعت أثنين زائد أثنين. عندما تقدمت لطلب الوظيفة هنا, راجعت شهادة خبرتك شخصياً و نظراً لأننى كنت أعرف جده. فقد كان باستطاعتى أن أتحدث معه بنفسى, و لم يكن يقل من حقك فى شهادة ممتازة فحسب, بل قال أيضاً أنها لست ماهرة و ذكية فحسب, بل لها شخصية متميزة.
هز آموس كتفيه و استطرد قائلاً:
ـ و خلال السنتين الآخرتين, ما كان مجرد بذرة شك فى ذهنى تحول إلى يقين. لم أكن مخطئاً, هل كنت مخطئاً؟
ـ و لكنه لم يكن يبادلنى الحب بالمرة.
ـ فهمت.
ـ حسناً, - بذلت إيفون جهداً لكى تبتسم ثم قالت :
ـ هل تعرف أن لك المرجان يمكن أن يتحول إلى جواهر رائعة عندما يتم صقله, و أنه منذ أن صنعنا قبعات القش الأفريقية للوقاية من حرارة الشمس أصبح ذلك فناً جديداً؟ نحن متخلفون بعض الشئ فى صناعة القبعات, اعترف بذلك و لكننى اعتقد أنها صناعة سوف تبقى هنا, و مع بائع القبعات الذى أحمله فى ذهنى و اعتقد أنه عبقرى متواضع, نستطيع أن نحقق نجاحاً مرموقاً بحيث تكون كل قبعة مصنوعة يدوياً عليها بطاقة كما نصنع حقائب من القش, و ربما لباس السارونج و هو الزى الذى يصلح لكلا الجنسين أيضاً.
قال آموس بمرارة:
ـ أرى أنك لم تضيعى وقتك فى المناطق الاستوائية يا إيفون!


.

وصلت أول رسالة بعد أسبوعين و كانت إيفون فى المكتب عندما رأت الخط بكتابة اليد على الظرف, و بدأ قلبها يخفق ببطء و ثقل, و احست بجفاف فى حلقها, و ارتعدت يداها و هى تفتح الظرف :
’’عزيزتى باترسون...
ألم تلاحظى أنه منذ بيبرز و العالم يبدو مسطحاً بشكل غريب؟
كم لو أن الإنسان يقع بدون أن يحاول بذل مجهود. بهذه المناسبة هناك أخبار طيبة
بالنسبة للمخطوط....لقد أجيز الكتاب و تمت الموافقة على نشره......
و استطيع أن أحول مجهودى الآن نحو الرسالة......
أو ربما أستطيع ذلك لو أننى توقفت عن التفكير فيك. شئ غريب, أليس كذلك؟
لا أستطيع أن أفعل ذلك منذ أن اتضح أننا غير متناسبين!!
ريك"
ظلت الخطابات تصل مرتين أسبوعياً خلال مدة تقارب الشهرين....و استخدم ريك أسلوباً كانت إيفون تعرفه جيداً....أسلوب اليوميات فى الواقع, و بهذا كانت تستطيع تصور حياته يوماً بيوم و تشاركه فى الكتب التى يقرؤها و الأفلام و المسرحيات التى يشاهدها. و تعليقاته السياسية المضحكة, و لم يكن يبدو أنه منزعج لعدم ردها على خطاباته, كما لم يكن باستطاعته أن يعرف إلى أى مدى كانت تقترب منه فى بعض الأحيان, و كيف كانت تخشى مراجعة بريدها اليومى كل صباح, لأنه كان يبدو لها استحالة عمل أى شئ. و لكن ذلك كان كل ما تقدر عليه. و كم كانت ممتنة لأن لديها سكرتيرة مدربة تدريباً جيداً, و لم تكن تفتح خطاباتها الشخصية قط, مما كان يريح بالها. ربما تعرضت روحها العذرية للارتباك الشديد أمام بعض الذكريات التى كان ريك يحركها بحيوية, و لم يكن ياستطاعته أن يدرك الحيرة التامة التى كانت تعترى إيفون, و الأسئلة التى كانت توجهها لنفسها.....
ثم توقفت رسائلة بغتة, و انتقلت من الخوف مما تحمله الخطابات إلى الرقاد طول الليل مؤرقة, و هى ترجو و تأمل فوق الأمل أن تعثر على خطاب فوق مكتبها فى الصباح التالى.
بعد أسبوع من توقف وصول الخطابات ألح عليها آموس فى الذهاب معه إلى المنزل لتناول العشاء, و قال بلهجة لاتهام :
ـ أنت تبدين نحيلة و مهلهلة, أنت يا إعلانى النابض بالحياة!
ـ آموس, إذا كان هذا......
ـ لا, ليس كذلك , تقول هاتى أنها لم ترك منذ أجيال.
و تفرس فى وجهها لائماً.
ـ حسناً,........ و لكن.....
ـ دعك من هذه!
ربما كانت هاتى دابلداى تقف حائرة أمام عمل من أعمال الخياطة, ولكن إذا كان هناك عمل تحبه, فهو الطهو الذى كانت ممتازة فيه.
قالت إيفون و هى مغلوبة على أمرها بعد تقديم الطبق الثالث:
ـ أوهـ يا عزيزتى, سوف انفجر أن أكلت شيئاً آخر!
أدارت هاتى عينيها ناظرة إلى السماء و قالت:
ـ أعرف أن النحافة من سمات الموضة, و لكن لا تفرطى فى ذلك, تذكرى ذلك, تذكرى ذلك – ثم ربتت على يد إيفون بعطف – حدثينى عن الساعة الجديدة التى تسبب توتر أعصاب آموس.....جواهر المرجان و القبعات و الحقائب؟
أخرجت إيفون صوراً أولية للنماذج التى أختاراها للكتالوج.
تنهدت هاتى و قالت:
ـ جميلة! لو أننى كنت نحيفة بالدرجة الكافية لارتداء السارونج......ما الذى قلته؟
سألت ذلك عندما رأت آموس و إيفون يتبادلان النظرات و يضحكان.
أخبراها و شاركتهما الضحك ببشاشة, كانت سيدة سعيدة رقيقة القلب, و كم كان مؤسفاً أنها لا تستطيع الانجاب....فكرت إيفون فى ذلك فى حزن.
تحسست هاتى ثوبها, ثم بحثت فى جيبها و هى تهز كتفيها ثم قالت:
ـ يبدو أننى فقدته, و لكننى تلقيت اليوم خطاب من ريكى آموس....لن تصدق ما يقوله ذلك الفتى التعس......
تمتم آموس:
ـ هاتى! و نظر إليها بوجه غريب, إلا أنه يبدو أن زوجته لم تلاحظ ذلك, لأنها استمرت فى حديثها:
ـ ـ ليس معنى ذلك أنك تستطيع قراءة الخطاب , فخطه ردئ للغاية, إلا أننى أعتقد أن لدى خبرة سنوات – التفتت نحو إيفون – و قالت : إيفون....ولكننى أنسى .....أنت تعرفينه........لقد أرسلك آموس لمساعدته فى مخطوطته, و قد طلب فى خطابه أن نذككرك به......على الأقل أنا واثقة أن الأمر كان كذلك. مثل ذلك الفتى الموهوب, أليس موهوباً؟
تنهدت ثم أضافت :
ـ تصورى سوف يكون فى يوم من الأيام الدكتور...سير ريتشارد إيمرسون! لو أنه لم يكن ميالاً للحوادث.........
رمقت إيفون آموس بنظرة باردة, و أجاب عليها بهزة من كتفه إلا أنهما اتجها نحو هاتى و قالا فى نفس واحد:
ـ ميال للحوادث؟
قالت هاتى:
ـ لن تصدقا ما حدث هذه المرة! كان يقود سيارته - لم أحب قط فكرة تلك السيارة البورسكى يا آموس. إنهم يقودونها بسرعة شريرة, و لكنها يقول إنه لم يكن مخطئاً...عندما صدمه أحدهم بسيارته! سيارة نقل, هل تصدقان؟
قال آموس:
ـ هاتى!
لكن هاتى استمرت فى حديثها :
ـ أصيب بكسر فى ذراعه فقط. رسغه فى المرة السابقة, و ذراعه فى هذه المرة, يقول أنه واثق بأن هذه الفترة من حياته قد أغلقت الآن, لأن مثل هذه الأشياء لا تأتى فرادى- أثنان من أطرافه بينما تحطمت السيارة تماماً, و لكن الجزء المحزن فى الموضوع..............
نهض آموس بهدوء و أحضر لـ إيفون كأساً من الشراب قائلاً لها برقة:
ـ أشربى هذا
فعلت إيفون ذلك و سعلت قليلاً فى حين تابعت هاتى حديثها دون وعى و عندما انتهت من روايتها تكلمت إيفون فى النهاية قائلة بذهول :
ـ هل تقصدين أن تقولى أنهى فقد كل مذكراته الخاصة برسالة الدكتوراة فى الحادث؟
ـ ليس الأمر كذلك تماماً.
ـ كيف إذن؟
ـ لقد تطايرت و دهستها السيارة.
أغلقت إيفون عينيها و قالت :
ـ ليس ذلك ممكناً!
قالت هاتى برباطة جأش :
ـ لا يوجد شئ مستحيل عند ريك, كانت معه حافظة الأوراق فى السيارة تضم مذكراته و جزء من الرسالة مكتوب على الآلة الكاتبة, فضلاً عن النسخة, حسناً...عندما حدث الاصطدام انفتح الباب و طارت حافظة الأوراق و أنفتحت تحت عجلات السيارة النقل و حتى لا تكون المصيبة مصيبة واح\ة وصلت إحدى سيارات الإطفاء لكى ترش السيارة النقل بنوع من الرغاوى, لأن السيارة كانت تحمل حمولة قابلة للاشتعال, و لم يفطن أحد إلى أن كل الأوراق الملقاة حول المكان هى رسالة ريكى – هزت هاتى رأسها بأسى – و قالت:
ـ و هو يشير إلى أن بعض الوقت سوف يمضى قبل أن يصبح الدكتور سير ريتشارد, و يعتبر بعض عمله فى الرسالة غير قابل للتعويض ما لم يقم برحلة أخرى. و على أى حال. كانت ذراعه اليسرى التى تعرضت للكسر, إيفون يا طفلتى العزيزة, ما الذى بك؟
ـ سامحينى, و لكننى لا أصدقك.......
ـ إيفون........
لكن إيفون قالت بمرارة:
ـ لو أنك حاولت التدخل فى حياة مرة أخرى يا آموس فلن أكلمك أبداً!
ثم ركبت سيارتها و وضعت وجهها بين يديها. ثم أطلقت لسيارتها العنان.
قال آموس لزوجته بصرامة:
ـ هاتى, كان ذلك أمراً بالغ السوء منك.....و لقد كنت فتاة ذكية على الدوام. ثم أضاف برقة:
ـ ولكن هل تلك القصة حقيقية؟
ـ أنها حقيقية بالتأكيد! لقد تلقيت الخطاب فى صباح هذا اليوم!
ما السبب الذى تعتقد أنه دفعنى لكى أطلب منك دعوتها على العشاء؟


ـــــــ

لم تستطيع إيفون اللحاق برحلة طيران فى تلك الليلة, فقد كان الوقت متأخر جداً, قالت إيفون لنفسها : إن ذلك شئ طيب, باستطاعتى أن أنام الليلة بدون أن أقدم على عمل طائش. هل وصل خطاب بالفعل؟ أم أن الأمر كان من نسيج خيال آموس و هاتى؟
كيف يكون الحال لو أن حادثا لم يقع و أنهما ألفا تلك القصة؟ سوف أبدو امرأة مغفلة تماماً لو أننى هرعت إلى سيدنى......و لكن هل يمكن أن يفعل شيئاً هكذا؟
حدثت نفسها : نعم, قد يفعلان ذلك, تذكرى فى المقام الأول كيف احتال آموس عليك للذهاب إلى براميتون! حسناً. لن أخدع مرتين.
كانت قد وصلت إلى مسكنها فى هذه اللحظة, و أخذت تذرع غرفتها جيئئة و ذهاب مثل النمر الهائج. غيرت ثوبها و ارتدت روباً حريرياً طويلاً قرمزي اللون و أزالت مساحيق التجميل.
كانت فى حالة من الغضب الشديد, و كان تعرف أنها لن تتمكن من النوم.
و حاولت إيفون أن تذكر نفسها : ولكن ريك توقف عن الكتابة بالفعل, و لكن من يستطيع القول إن ذلك ربما كان بسبب عدم ردها على رسائله؟ لماذا لم أكتب له؟
سارت ببطء إلى مكتبها, و فتحت درجاً أخرجت منه كل مذكراته, قرأت و اعادت قراءة كل خطاب منه. ثم ضمتها إلى صدرها, خطابات حب؟ سألت نفسها و فى عينيها نظرات عذاب. بكل أساليب ريك التى يمكن تقليدها, هل يمكن تصنيف هذه الخطابات على أنها رسائل حب؟ إنه لا يقول ذلك فى الواقع, و لكن لماذا يشعر كما لو أن العالم قد أصبح مسطحاً لا طعم للحياة فيه و عشرات الأساليب التى يعبر بها عن أننى جزء من حياته و البيت الذى استأجره على سبيل المثال فى وولاهرا ....تلك قفزة هائلة من وولومولو . فى أى شئ أفكر؟
لماذا تمطر السماء دائماً فى كل مرمة أركب فيها طائرة إلى سيدنى؟
سألت إيفون نفسها ذلك السؤال و هى تستقل السيارة الأجرة فى صباح اليوم التالى. ترى فى أى شئ يفكر آموس الآن؟ ربما كانت أفكاره تتجه إلى سيارة أجرة قد دهستنى!
قال لها سائق التاكسى مقاطعاً أفكارها:
ـ تقولين وولاهرا؟ ما أسم الشارع مرة أخرى؟
ـ حسناً......أليست معك خريطة أو أى شئ من هذا القبيل؟
ـ من الصعوبة بمكان على السائق أن يقود السيارة و يقرأ خريطة فى نفس الوقت.
ـ كنت أعتقد أن سائقى سيارات الأجرة........
ـ سيدنى مدينة كبيرة يا سيدتى, سوف أتوقف لأسأل........
اضطر السائق للتوقف ثلاث مرات. و كانت أعصاب إيفون قد توترت و أصبحت على حافة الأنهيار, و عندما تمكن السائق فى النهاية من العثور على الشارع و البيت, قالت له إيفون بمرارة:
ـ لا أستطيع أن أخبرك. لن تتمكن من الحصول على رخصة قيادة للسيارة فى ملبورن! مما دفع السائق إلى أن ينظظر إليها بسخرية و يقود سيارته بنفس الطريقة. تمتمت لنفسها فى غيظ:
ـ اللعنة ! و فتحت على عجل المظلة الواقية من المطر التى تحملها دائماً فى رحلاتها . إننى لا أعرف ما إذا كان موجوداً فى المنزل, لأن كل الذى أعلمه أنه ربما كان لا يزال فى المستشفى, أو يعلم الله أين هو! كان ينبغى أن أطلب من سائق السيارة الانتظار.
استعرضت الشارع بنظراتها و هى شاردة اللب, و فكرت فيما إذا كان ريك غائباً عن البيت و أنها سوف تجد نفسها مضطرة إلى المشئ إلى الطريق العمومى لكى تبحث عن سيارة أجرة أخرى نكست رأسها لتلقى نظرة على حذاء السهرة الذى تلبسه. و إلى المطر الذى يرتطم برصيف الشارع فى كل مكان من حولها, و ينزل على حذاءها و فخخذيها, و إلى حلتها الرمادية و بلوزتها البيضاء و إلى أصابعها التى تقبض بقوة على كيس نقودها الأسود, ثم نظرت إخيراً إلى باب البيت الذى يطل على الشارع, و كان مفتوحاً فتحة صغيرة, و تنفست إيفون و هى ترتعد.
كان الباب يؤدى إلى فناء أرضيته مغطاة ببلاط أسمنتى, و فيه أصص كثيرة للنباتات التى يقطر المطر منها, و كان الباب الأمامى للمنزل الذى يتكون من طابقين مفتوحاً هو الآخر فتحة صغيرة.
ترددت إيفون برهة, ثم عبرت الفناء بسرعة. و اقفلت مظلة المطر بعنف. علقتها على حامل تحت السقف, ثم خطت إلى الداخل.

كان الباب الأمامى يُفتح إلى ردهة على اليمين تهبط درجتين و كان فى الردهة قطع من الأثاث الجلدى ذات اللون الداكن, وعلى الجدران بعض اللوحات فحين كانت ستائر النوافذ مسدلة, و مصابيح حديثة ترسل نوراً مرحباً يزيل أثار الكأبة الموجودة فى الخارج و كان ريك جالساً على الأرض. تحيط به أكداس من الورق. كان يلبس قميصاً من الصوف باللونين الأزرق و الأخضر مما يلبسه لاعب كرة القدم بياقة بيضاء و بنطلزناً جينز.... عارى القدمين تهدل شعره فوق عينيه عندما رفع رأسه لينظر إلى القادم.
كان أحد كمى قميصه مقطوعاً بدون انتظام من فوق الكوع, على حين كانت ذراعه فى جبيرة من البلاستر حتى الأصابع. تفرس ريك فى وجهها و هو يرمش بعينيه.
أما إيفون فلم يكن باستطاعتها أن تحول نظراتها عنه و هى غير قادرة على أن تصدق سيل العاطفة الذى بدأ يتدفق داخلها.........


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:27 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.