شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.rewity.com/forum/f202/)
-   -   حياتي احترقت - فيفيان لي - ع.ج ( كتابة / كاملة )** (https://www.rewity.com/forum/t139210.html)

عروس القمر 29-11-10 09:35 PM

حياتي احترقت - فيفيان لي - ع.ج ( كتابة / كاملة )**
 
للامانة مش انا اللى كتباها بس برضة ادعولى وعايزة الردود تكسر الموضوع
الملخص

كانكلام السيدة دونيكان واضحا: " إذا تزوجتما خلال ستة أشهر ، فهذا المنزل الفخم والثروة الكبيرة سيكونان لكما ، و إلا فلن تحصلا على شيء".
و سافرت العمة العجوز، لكن شرطها بدا مستحيلا ، فكيف يجتمع النقيضان؟
هو: رجل أعمال ناجح واقعي ،يحتقر الفنانين و ... يكره النساء.
هي: رسامة موهوبة حالمة تعيش من أجل لوحاتها. أحرقتها نار حبه حتى أطراف أصابعها ، و لكنه لا يهتم بها إطلاقا. و مهلة الستة أشهرشارفت على النهاية و على أحدهما أن يرحل ، إلا إذا توصلا إلى اتفاق...:kfoof:

يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي

عروس القمر 29-11-10 09:37 PM

دة الفصل الاول
و قضمت العجوز من الخبز قضمة كبيرة و تمتمت:
-
من دونه ،أشك في قدرتي على تكديس الثروة التي أمتلكها أو في التأثير الذي لي على العديد مندوائر العمل.
و ضحكت بليندا ، و تناولت قطعة من الخبز بدورها و قالت:
-
لقدقابلت اشخاصا أضخم جثة منك سيدة دونيكان.
و حثتها السيدة دونيكان قائلة:
-
ضعيالمربى و الزبدة على قطعة خبزك يا عزيزتي و لا تخافي. فأنت تعرفينني جيدا و تعرفينأنني لا أمانع.
و هزت بليندا رأسها و قالت:
-
إنه لطف منك ، و لكن لا يجب عليأن أفعل ، فسيجعلني هذا سمينة ، و من سمع من قبل بفنانة سمينة؟ سيفسد هذا شكلي. فالمفروض بالفنانين أن يبقوا جائعين لا أن يسمنوا بالمربى و الزبدة.
-
سيستلزمالأمر كثيرا لتسمني أيتها الشابة ، فأنت نحيلة ، و جميلة و جسدك متناسق بطبيعته. وطباعك حلوة غير أنانية تتناسب مع جمال شكلك.
و نظرت بليندا إلى الأعلى نحو وجهرفيقتها:
-
أتمنى أن لا تسافري سيدة دونيكان. فأنا أفضل أن أحتفظ برفقتك على أنأحتفظ بمالك أو منزلك ، أو حتى أن أشارك فيه.
-
هذا إطراء زائد يصدر عن فتاة شابةلإمرأة عجوز. و لكنني قد أتخذت قراري ، و سأهاجر.
و قطبت بليندا جبينها و وضعتآخر قطعة خبز في فمها ، و نفضت يديها:
-
هل أنت متأكدة من أن حفيد أخيك سيكونمتعاونا؟
-
أنا واثقة. واثقة تماما... و لماذا؟ لأنني أمرته بذلك ، و لم أطلب منهو لأنني عندما آمر شخصا بشيء ، حتى و لو كان عنيدا و رأسه يابس مثل حفيد أخي فيتعامله التجاري ، فهم عادة ينفذون ما أريد ، و كما ترين فإن حفيد أخي قد ورث الكثيرمن عناد عمته العجوز!. لقد كتبت له و أعلمته بالوضع. و سيعود اليوم من الأرجنتين. ويستطيع أن يحتج قدر ما يريد ، لقد أبلغت المحامين و وقعت على الوثائق التي أعطيبموجبها هذا المنزل له و لك لتتشاركا به على الدوام. و سيكون ملككما معا ، و أرجوأن تنتبهي لكما معا و ليس لنفسك فقط.
-
ولكن سيدة دونيكان ، عندما تعودين إلىإنكلترا أين ستسكنين؟
-
لن أعود إلى إنكلترا. سأقضي بقية أيامي في نيوزيلندا معشقيقتي.
و أظهرت بليندا بعض الإعتراض إلا أن المرأة العجوز أمسكتبيدها:
-
لنواجه الأمر. أنا عجوز و أيامي تكاد تكون معدودة. و لا أستطيع تحمل سوىرحلة واحدة بإتجاه واحد ، و عبر العالم مباشرة ، و لن أستطيع بعد خمس ، أو لنقل عشرسنوات إذا كنت محظوظة أن أتحمل رحلة العودة.
-
و لكنك ستحتاجين لمالك سيدةدونيكان.
و ابتسمت في وجه بليندا:
-
هل حقا تريدين التحدث معي حول كمية المالالتي تركتها لك؟ لن أحتاج إلى مالي. فشقيقتي أرملة ثرية مثلي ، يبدو أن هذا إرث فيالعائلة! و سيكون عندنا من المال أكثر ، بل أكثر بكثير ، مما نحتاجه في أواخرأيامنا.
ضغطت السيدة دونيكان على زر قرب المدفأة فأقبلت إمرأة مسنة و لكن أقلعمرا من مخدومتها ، و أنحنت مبتسمة للعجوز ثم لبليندا التي كانت تضع الأطباق فيالصينية و قالت:
-
لا تزعجي نفسك يا آنسة.. هذا عملي أنا...
و سألتهابليندا:
-
هل أنت تواقة للذهاب إلى نيوزيلندا يا ليديا؟
-
كثيرا جدا يا آنسة ،فلم أغادر إنكلترا من قبل.
و قالت إيلين دونيكان:
-
و بما أننا سنسافر بحرا ،فسنشاهد الكثير من العالم في الطريق...
و وقفت بليندا و قالت:
-
إعذريني سيدةدونيكان؟
-
طبعا يا عزيزتي.. فلديك عملك. و أنت مشغولة ، تماما كما حفيد أخيمشغول بعمله ، و لا وقت أمامكما لأي شيء آخر ، و لا تشغله إمرأة في حياته ، علىالأقل لا يتكلم عنهن. و لكن لا أعتقد أنه يقول لعمته الكبيرة كل شيء!
كلما دخلتبليندا الغرفة الكبيرة التي تدعوها المرسم تشعر بالنشاط. و بسبب كرم السيدة دونيكانالذي لا يصدق ، تستطيع أن تعتبر المرسم مرسمها الآن. فلم تعد تشغله إعارة أوإمتيازا ، و لكنه أصبح هبة.. نصف المنزل الآن ملكها... و لا يهمها واقع أن يشاركهافيه رجل لا تعرفه ، حسب وصف عمته له طبيعة مسيطرة و صعبة و غير مرنة. لكن لا بد أنيكون عنده بعض الصفات الإنسانية. و يجب عليهما أن يتوصلا إلى إتفاق ما بينهمابالنسبة لإدارة هذا المنزل... و قد أوحت السيدة دونيكان ، أن له مركز مرموق في عالمالصناعة ، كونه مدير قسم في شركة إليكترونيات عالمية. و قالت عنه:
-
إنه قاس فيتعامله التجاري. و أي رجل عند القمة يجب أن يكون هكذا. لا لكي يصل فقط إلى القمة بلحتى يبقى فيها.
و أخذت أدوات التلوين و بدات تخلط الألوان و هي تفكر... ترى كيفيبدو في تعامله مع الناس؟ ستعرف في القريب العاجل ، إذ يتوقع وصوله في أي وقت منهذا اليوم. لا بد أنه قطع آلاف الأميال من الأرجنتين إلى لندن ، و سيمضي لي
لته هناكقبل أن يستقل سيارة أجرة إلى دير بشاير ، حيث سيمارس عمله الجديد هنا.
و سمعتصوت سيارة تدخل الممر الذي يقود إلى مدخل المنزل و أسرعت نحو النافذة التي تطل علىالممر. و كل ما أستطاعت أن تراه كان شعر رأسه الأسود ، و عرض كتفيه ، و بقية طولجسده من الزواية التي تستطيع الرؤية منها. حركات الرجل كانت سريعة و ثابتة ، أخرجمعطفه و حقيبته الصغيرة من السيارة و أغلق الباب ، و فتح الصندوق و أخرج حقيبتينمنها في لحظات. و كأنما القادم الجديد في سباق دائم مع الوقت ، و يبدو أن الوقت هوالخاسر الدائم معه.
و لم تنزل بليندا إلى الأسفل ، فقد شعرت بالخجل من لقاءالرجل الذي ستكون شريكة له في ملكية هذا المنزل القديم و الجميل ، و شعرت بالخوفأيضا. فقد تكون شخصيته من الصعب التفاهم معها. و هي في حالتها هذه دخيلة و هو عضومن العائلة ، و الأفضل أن تحتجب عن المسرح و أن تستأجر مكانا تعيش فيه أو أن تعودإلى منزل والدتها الصغير ، و تجد لنفسها عملا بالقرب من هناك ، و قرعت ليديا بابالمرسم قائلة:
-
السيدة دونيكان تريدك يا آنسة. السيد غاردنر وصل و تريدك أنتقابليه!
و أخذت تنظف الدهان عن يديها ، ثم أخذت مشطا عن طاولة الزينة ، فقد كانالمرسم أيضا غرفة نومها ، زودتها مضيفتها فيه بسرير و عدة أدوات راحة أخرى ، و مشطتأطراف شعرها الطويل ، الذي طالما وعدت نفسها بأن تذهب إلى الحلاق لتقصه ، و لكن دونأن تجد الوقت الكافي.
هل تغير ثيابها؟ لقد كانت ترتدي ثياب العمل العادية ، وتبدو في كل مظهرها كفنانة حقيقية. و إذا كان يحب الفنانين ، فإنها تبدو رائعة ، ولكن ماذا إذا لم يكن؟..
إنه لا يحب الفنانين. تستطيع أن ترى هذا بوضوح في قسماتوجهه الأسمر القاسي ، الوسيم و عيناه الضيقتان. و كان طويلا أيضا ، و شعره كثيف وقاتم ، و ملابسه فاخرة ، و تصرفاته حادة. و الجو المحيط به هو لرجل ، على الرغم منتودده السطحي ، إلا أنه في الداخل يملك تحت هذه القشرة ذهن متوقد و صافي ، و تحفظمنعزل لا يمتلكه سوى النخبة المحظوظة. و بما أن بليندا لم تكن من النخبة المحظوظةهذه فقد استطاعت أن تلاحظ ذلك على الفور.
على كل الأحوال ، ابتسمت له ، و كانللإبتسامة عدة صفات مختلطة! كانت جميلة ، غير واثقة ، و مع ذلك مرحبة ، و تغطيالإرتبارك الذي ساورها عند مشاهدته. و قالت بثقة بالنفس لم تكن تشعر بها حقا:
-
مرحبا سيد غاردنر.
و نظر إلى يدها الممدودة ، ثم نظر إليها ، و للحظة فظيعةاعتقدت أنه سيرفض يدها و يقابلها بالتالي بإزدراء ، و لكن بأدب جم ، حتى و لو ظاهريوضع عدائيته الظاهرة للعيان ، جانبا و مد يده للقاء يدها.
كانت قبضته ثابته ،مصافحة عمل ، ليس أكثر ، و دامت ثانيتين كما خمنت بليندا. و من الغريب كيف شعرتبأنها "عدوته" بالرغم من أنه لم يوجه لها أية كلمة. و قالت السيدةدونيكان:
-
غارث.. أليست جميلة؟.. أليست بهية المنظر؟ أليست كل شيء قلتهلك؟
-
عمتي.. لا يمكن لإمرأة أن تبلغ حد الكمال كما وصفت الآنسة هامر ، بالطبع.. لقد كنتي كمن "يبيعني" إياها. و يحتاج الأمر إلى بائع قوي الحجة "ليبيعني" أيةإمرأة. إنهن مفيدات كسكرتيرات ، أو طباخات ، أو ممرضات عندما يكون المرء مريضا. ولكن ما عدا ذلك ، لا أرى أية حاجة ملحة لأن يمتلك الرجل واحدة منهن فيحياته.
-
غارث.. سفرك إلى الخارج لم ينفعك. لقد جردك من الصفات البشرية. لو أنرجلا يحتاج إلى إمرأة في حياته لتعيد الدم إلى عروقه فهو أنت يا إلهي يا ولد ، أنتفي الثالثة و الثلاثين من عمرك ، و مع ذلك تتكلم و كأنك أعزب جاف العاطفة سريعالغضب. و هذا ما يجعلني سعيدة لأن أكون بعيدة النظر بأن أضع الشروط التي وضعتها علىالمبلغ الهائل من الأموال التي جعلت المحامين يضعونها قيد الأمانة لصديقتي الشابةبليندا هامر.
و سألتها بليندا:
-
قيد الأمانة سيد دونيكان؟
-
أجل.. قيدالأمانة يا عزيزتي.
-
و ما كان قصدك ياعمتي؟ أنت عجوز غريبة الأطوار لا يمكنالتنبؤ بنواياك ، و أنا لا أثق بك أبدا..!
-
أشكرك يا ابن أخي العزيز... أنت تعنيبقولك التوبيخ ، و لكنني أتقبلها و كأنها إطراء لي. أعترف بأنني غريبة الأطوار ، وبثروتي أستطيع أن أكون ما أشاء. و أعترف بأنني لا يمكن التنبؤ بما أنويه ، فأنا علىالدوام كنت مسرورة بعمل كل شيء مسرف في الخيال، و هذا سبب قراري بالسفر آلافالأميال عبر العالم في عمري المتقدم ، الثامنة و السبعين هذا. و لو كنت في مكانك ،لما وثقت أبدا بنفسي أيضا!
و أشارت إلى بليندا التي كانت تقف إلى جانبها ، و دعتابن شقيقها ليقف إلى الجانب الآخر. و أخذت يديهما و جذبتهما أمامها حتى التقيا وقالت:
-
دعني يا غارث أقدمك لزوجة المستقبل بليندا هامر. بليندا هذا غارث غاردنر، زوج المستقبل...
و ردت عليها بليندا:
-
سيدة دونيكان لا يمكن انك تعنين ماتقولين!
و نظرت إليها إيلين ، ثم قال غارث:
-
عمتي هذا أمر غير معقول!
ونظرت إليه إيلين أيضا و قالت:
-
لقد حذرتك... و لكنني سأكون لطيفة معكما.. سأعطيكما ستة أشهر. إذا تزوجتما ستتسلم بليندا مبلغا محترما من المال كل شهرلمساعدتها في عملها الفني... و ستحصل على مال وفير تصرفه كيفما شاءت!
و قالتبليندا:
-
و لكن... إذا لم نتزوج؟
-
سيعود مالي إلى عمل خيري مفضل عندي "منزلالقطط" أنت تكره القطط ، أليس كذلك يا غارث؟ و حصتها في المنزل ستعود إليك و عندهاستضطر هي إلى مغادرة المنزل.
و قاطعتها بليندا:
-
و لكن سيدةدونيكان.
-
آسفة يا عزيزتي ، قد يبدو علي أني لطيفة ، و لكن في داخلي ، أنا قاسيةو عجوز مزعجة. و أحب أن أفعل ما أريد ، حتى و لو عنى ذلك الإساءة للناس. و حفيد أخيورث أخلاقي ، لذلك أحذرك عندما تتزوجان...
و صرخ غارث بالكلمات من بينأسنانه:
-
لن يكون هناك زواج! إنه أمر مناف للعقل! أنت مجردة من الضميرّ!
-
وأنت كذلك يا غارث... مثل الميل إلى الزواج من الرجال الأثرياء و وراثتهم بعدموتهم... مثل شقيقتي أتذكر؟... مثل هذه القسوة وراثة عائلية، و لا تستطيع أن تحتجيا غارث. فأنت تملك ما ورثته من العائلة من أخطاء. و أنا أتكلم معك بطريقتك: إما أنتتزوج هذه الفتاة ، و تأخذ المال مقابل الجمال و الذكاء و العاطفة ، و هذه أشياء لاتملكها أنت ، و تعطيها فرصة للعيش الهنيء ، إذا لم يكن الباذخ ، لما تبقى من حياتها، أو أن لا تتزوجها و ستعود إلى ما كانت عليه من الفقر و التشرد قبل أن أضمها تحتجناحي. و إذا تركت هذا البيت ، لن يعود عندها بيت تلجأ إليه.
-
لن يكون هناكزواج!
و ارتجفت شفتا بليندا لعنف لهجته و قالت:
-
لا أريد أن أتزوج سيدةدونيكان ، خاصة إلى... إلى...
-
لا يا عزيزتي... لا تستطيعين وصفه إنه جلف فظ ،إنه غير متمدن ، إنه.. إنه.
و ارتجف صوتها و اختنق ، و أسرع غارث ليقف أمامها ويمسك بيدها:
-
أنا آسف يا عمتي... أعتذر ، أعتذر بكل إخلاص... و لكن يا عمتي... الوضع مستحيل ، و يجب أن تعرفي هذا. لم أشاهد هذه الفتاة سوى منذ دقائق.. لا أستطيعأن أضع "السرج" على ظهري...
-
تضع "السرج"! مع مثل هذه الساحرة ، المحببةالجذابة..
فاستدار و نظر إلى بليندا:
-
لا شك أنها كذلك. فصديقتك الشابة ، قدسوقت نفسها لك بقدرة و خبرة بائع قدير. و كيف تعرفين أنها صادقة ، و أن البضاعةالتي باعتها لك ليست زائفة.. ثانوية... و مستعملة؟
و تصاعد الدم في وجه بليندا وقالت بغضب:
-
أرجوك المعذرة سيدة دونيكان.. لدي أعمال أريد أن أنهيها!
-
طبعايا بليندا..
و التفتت إلى غارث:
-
هذه الفتاة متعصبة لعملها. إنها مشغوفةبه.
-
و هذا ما يجعلنا إثنين من نوع واحد ، على الأقل أصبح لدينا شيء مشترك و هومحبة أعمالنا.
و نظرت إليه بليندا من عند الباب و قالت:
-
و هذا شيء ضئيل جداسيد غاردنر.
و إبتسم بسخرية و استدار إلى عمته:
-
لو أننا وافقنا على إقتراحكالسخيف بأن نكون رجلا و زوجته ، على الأقل لن نضطر لأن نقف في طريق بعضنا البعض. سأكون منشغلا حتى أعلى رأسي بالعقود و المشاريع و اللقاءات و ستكون هي في مرسمهامنشغلة تماما برسم خيبتها و صدمتها و اضطراباتها العصبية على الكانفا ، و الورق أوأي شيء يستخدمه الفنانون هذه الأيام.
و أجابته بليندا:
-
شكرا لك لتخفيضكمستوى قدراتي الفنية و مهنتي إلى درجة الإضطرابات النفسية. و إعذرني لقولي هذا ، ولكن مع أنك قد تمتلك الذكاء لتحويل نفسك إلى "ملك أعمال" فأنا أشك في إمتلاككالإحساس الضروري لتعجب بعمل فني حتى و لو شرح لك بالكلمات.
أنا أرسم لأريح نفسيمن التوتر العصبي. أنا أرسم لأني أحب الرسم ، و لأنه لا يوجد شيء بداخلي ، لا قوةغير مسؤولة تدفعني و لا تتركني لأرتاح. و أنت بما أنك رجل في القمة لا بد تعرف عنالقوى الدافعة و التي تعطينا شيئا مشتركا أيضا!...
و صفقت الباب وراءها ، و سمعتمن وراءه ضحكات سيدة المنزل التي كانت تطلقها برضى و سرور...
وقف غارث غاردنر فيمنتصف غرفة المرسم ، و يداه في جيوبه يتحدث إلى بليندا:
-
ماذا سنفعل بخصوصالموضوع؟ لقد دفعت عمتي إلى هذه النهاية أليس كذلك؟
-
لا بد أنني في نظرك مصابةبداء عصبي سيد غاردنر ، و لكنني لم أصل إلى هذا المستوى من الجنون. لا بد أنك لمتأخذ فكرة عمتك على محمل الجد؟
-
و هل تأخذينها أنت؟
-
بالطبع. لا...
-
هللديك أصدقاء شبان؟
-
واحد أو إثنان.
-
هل هناك واحد خاص؟
-
ربما ، على كلماذا يعني لك هذا لو أن عندي صديق؟
و إبتسم بسخرية و إتكأ على حافةالنافذة:
-
أريد أن أعرف مدى المنافسة التي سوف أواجهها ، و كم من منافس يجب أنأتغلب عليه لأكسب "الجائزة".
-
لا تهتم ، فالإتفاق لاغي ، بالنسبة لي لم أفكر بهأبدا. إعطني فقط ستة أشهر هنا و هذا كل ما أطلبه. و بعدها سأجد مكانا آخر أعيشفيه.
-
و تتخلين عن المال؟

و عضت شفتها و لم تجب. و أخذ يتجول في الغرفة ، يحدق بالصور غير المكتملة ، والرسمات البدائية المنتشرة على الأرض ، و التي أخذ يرفسها برجله ليديرها أو ليزيحهالينظر إليها. و التقط بعض طين الخزف ثم رماه من يده و نظفها بمنديله. ثم تقدم إلىجانبها يراقب ضربات فرشاتها على اللوحة.
-
هل هذا ما تفعلينه طوال اليوم؟ تستغلينعمتي كممول لك ، تقدم لك كل إحتياجاتك ، و ليذهب كل العالم إلى الجحيم؟
-
أنامدرسة ، إنني أدرس الفنون في مدرسة محلية كبيرة ، لهذا ترى أن لدي بعض من التفكير ،مع صغره ، و لكنه كاف لأن أكسب معيشتي و أهتم بنفسي حتى النهاية.
-
نهايةماذا؟
-
نهاية أيامي حتى لا يضع السرج على ظهري رجل.
-
بكلمة أخرى ليس لديكالنية أن تلتزمي برغبات عمتي؟ و في هذه الحالة لن تحصلي على مالها. كم أنت بحاجةلهذا المال؟
كم هي بحاجة لهذا المال؟ بحاجة إليه كثيرا ، و بيأس. من أجل والدتهاو ليس من أجلها شخصيا. و لكن لو قالت له الحقيقة ، سيعتبر أن ذلك بمثابة وضعه أمامأمر واقع ليتزوجها ، و ليريح والدتها من متاعبها المالية الكبيرة.
عليها أنتعترف أنها بحاجة إلى المال. و لكن ثمن الوصول إليه كان أكبر من أن تتحمله ، حتى ولو كان سيريح والدتها من الحمل حتى لا تعمل بعد الآن.
و لكنها تعلم أن عليها أنلا تدفع هذا الرجل ليكون مجبرا على الزواج منها أبدا. إنه قاس و لا رحمة في قلبه ،هكذا قالت عمته ، و صلب في مبادئه ، و ما عليها إلا أن تنظر إليه لتعرف هذا. و إذااقتنع بتنفيذ أمر ما فلن يتردد في الوسائل التي توصله إليه. و إذا كان بزواجه منهاسيقوم بعمل خير لوالدتها ، فلن يتردد بالزواج منها. و لكن فكرة الزواج من هكذا رجلأرعبتها. لذا قررت أن تلعب أوراقها بمهارة. فقالت:
-
إنني أريد المال برغبةكبيرة.
-
لمن تريدينه؟
-
و لمن غيري؟ سيكون مالي ، و سأحتفظ به! سأستخدمه لدفععملي ، و لكي أتحمل المنافسة ، سأصرفه على الثياب ، الثياب المكلفة الجميلة ، وسأشتري سيارة ، ليس سيارة صغيرة بل كبيرة ، و أتباهى بها على زملائي فيالمدرسة...
و تحرك عن النافذة ، و وقف في وسط الغرفة ينظر إليها قائلا:
-
شكراآنسة هامر لأنك قلت لي هذا... و أيضا لإظهار جزء من شخصيتك لي ، و التي أبقيتهامخفية عن عمتي.. ماذا قالت؟ حلوة.. مرحة ، جميلة المظهر ، ذكية و عطوفة؟ يا إلهي ،لا تعرف عنك سوى القليل لتقوله لي! و قد أستخدم كلمات بدائية لأصفك. كلمات مثل جشعةو و محبة للمال و أنانية بكل ما في هذه الكلمات من معنى!
و التقت عيناهما ،عيناها واسعتان غير مصدقتان ، و عيناه ضيقتان فيهما إزدراء ، و خرج من الغرفة. إذا.. ها هو الآن يحتقرها لجشعها و أنانيتها و هو تماما ما قصدت إليه ، لن يتزوجهابعد الآن بالتأكيد. و هذا ما أرادته.
و اختار غارث قسما منفصلا من المنزللأستخدامه الخاص ، غرفة نوم كان يستخدمها في الماضي ، و غرفة جلوس كانت تعرف بغرفةالإحتفالات. و غرفة الطعام الكبيرة التي رفضت بليندا أن تشاركه بها.
و هناك غرفةأصغر منها ملاصقة لغرفة جلوسه اقترحت السيدة دونيكان أن تستخدمها كغرفة طعام و أصبحمفهوما أن بليندا إضافة إلى المرسم الذي تشغله ، سوف تستخدم الغرفة الملاصقة لهكغرفة نوم.
كما أن هناك مطبخ كبير في الناحية الخلفية للمنزل ، و على الرغم منأنه مزود بأحدث الأدوات إلا أنه لا زال يحتفظ بطرازه القديم. و تم الإتفاق على أنيستخدمانه مشاركة و بالتساوي. و قال غارث إنه سيحضر طعامه بنفسه ، مما أدهش بليندا، إلا أنه أجاب أنه يفعل هذا عن قصد حتى يزيل أي حاجة للمرأة في حياته. فاحتجت عمتهقائلة:
-
لا لزوم لهذه الفظاظة..
و سألته بليندا و قد ظنت أنها تمكنت منه:
-
و ماذا بشأن الغسيل؟
-
أستخدم الغسالة ، أو الأفضل أن أرسل ملابسي إلىالمصبغة ، فتعود إلي نظيفة و مكوية و موضبة ، أفضل من عمل أية إمرأة ، و أيةزوجة...
فقالت بليندا:
-
يا إلهي من ستتزوجك سيكون أمامها مهمة صعبة ، سوفتمزق نفسها لتستطيع العيش بمستواك...
و أجابها:
-
لن تتزوجني أية إمرأة.
و تدخلت عمته:
-
غارث! ستغير رأيك. يجب ذلك ، و إلا سيثقل هذا ضميرك لماتبقى من حياتك ، لأنك عامدا متعمدا ستحرم هذه الفتاة من إستلام الهبة التي حضرتهالها.
-
و أنت يا عمتي عامدة متعمدة حضرت لي فخا لتدفعيني للزواج ، و لن تستطيعيإنكار هذا!
-
لن أنكره ، و طبعا فكرتي تناسب ما في ذهنك ، فأنت بحاجة إلى ترويضأيها الفتى ، و إمرأة وحدها ، جميلة و كاملة تستطيع...
-
لا تقولي هذا يا عمتي ،ليس هناك من لها هذه الصفات في هذه الأيام ، و بالتأكيد لن تكون فنانة قادرة علىادعاء مثل هذه الصفات الحميدة القديمة الطراز...
و لم تتابع العمة الموضوع ، ولكن بليندا كانت تعرفها جيدا لتعلم أنها مستاءة من تصرفات حفيد أخيها غير المحتملة، و لكن هذا أسعدها. فلم تكن تريد أن تتزوج هذا الرجل. و عزت نفسها بأنها لو لمتحصل على المال ، فإن أمها لن تستفقد الراحة المالية لأنها لا تعرفها أصلا.
وتركتهما السيدة دونيكان لوحدهما ، فقال غارث:
-
آمل أن تتذكري الأوقات التيأستخدم فيها المطبخ آنسة هامر..
-
لا تقلق سيد غاردنر. سأتذكر، فعقاب النسيانسيكون فظيعا!
و ضحك و تحول وجهه الوسيم القاسي القسمات إلى وجه دافئ. و كان لهذاالتحول تأثيره على سرعة نبضات قلب بليندا. و فكرت: الرجل من جنس البشر على كلالأحوال! و لكن هذه المظاهر البشرية لم تدم طويلا و عاد إلى سخريته عندما قالتله:
-
ليس لدي نية الصدام معك بأية طريقة. في الواقع سأكون مسرورة لو تدبرناأمرنا بحيث لا نلتقي حتى على مسافة للكلام.
-
هل وجودي ثقيل عليك؟ إذا الشعورمشترك آنسة هامر! أرجوك أن تبقي بعيدة عن طريقي ، فأنا رجل مشغول دائما ، و لاأستطيع إبقاء باب مكتبي مقفلا و أنا في مثل هذا المركز و سأمضي معظم امسياتي فيغرفة المطالعة على مكتبي. و كل ما أطلبه منك الهدوء ، و إذا كنت ستشاهدين التلفزيونأو تستمعين للراديو ، فأخفضي الصوت قدر المستطاع ، و سيكون كل شيء على ما يرام.
و إبتسمت متحدية:
-
و إذا لم أفعل؟
و قطب محدقا بعينيها الزرقاوينالواسعتين فأردفت:
-
لن تستطيع طردي... أليس كذلك؟
-
أستطيع أن أقابل الأذىبمثله آنسة هامر ، فلدي وسائلي الخاصة. و قد أكون أكره النساء ، و لكن معرفتي بهنأكبر مما تعتقدين. فلا يزال لهن مكان في حياتي ، مع أن هذا المكان صغير . و إذااحتجتهن للعمل ، أستخدمهن ، و إذا احتجتهن للمتعة ، أعرف أين أجدهن. إذاً.. إذاأزعجتيني زيادة أو دفعتيني زيادة ، فيجب أن تعرفي ماذا ستتوقعين...
و إبتسمت لهبعذوبة:
-
لقد أخفتني سيد غاردنر ، لقد جعلتني أرتجف.
و تقدم نحوها خطوةبطيئة متعمدة ، فأسرعت للخروج و أغلقت الباب وراءها ، ثم فتحته ثانية و قالت:
-
أحيانا أكون إجتماعية جدا ، فأقيم الحفلات الصاخبة للعديد من أصدقائي. ومعظمهم فنانون ، و عندما تستحوذ عليهم روح الحفلة ، لن تستطيع إسكاتهم.. أنا آسفة.
و أغلقت الباب ، ثم فتحته ثانية لتقول:
-
سنرحب بك دوما إذا انضممت إلىحفلاتنا.
و أقفلت الباب و هربت إلى غرفتها قبل أن يتمكن من الرد.
يوم سفرالسيدة دونيكان قالت لابن أخيها إن السيدة هوغند التي تنظف المنزل ستستمر بالحضورمرتين في الأسبوع و لكنه قال:
-
لا لزوم لها ، فأنا قادر على أستخدام المكنسةالكهربائية.
-
هنا أكثر من دفع ماكنة كهربائية أيها الفتى فوق السجاد. و إذا لمتأتي السيدة هوغند ، فستترك الأمور لبليندا لتجد نفسها تنظف و تنفض الغبار و تلمعالأثاث. و أنا أعرف طرق الرجال.. يقصدون عملا و يبدون بشكل حسن ، و لكن بعد ذلك... و عاملا الحديقة سيستمران في عملهما ، أجرة الثلاثة مع المحامين و سيرسلون لهمأجورهم كل أسبوع.
عند البوابة ، و الخادمة ليديا تنتظر في السيارة ، التفتتإليهما غامزة:
-
كل ما عليكما أن تفعلا ، هو أن تتعلما كيف تعيشان معا ، و هذاهو الزواج في الحقيقة.
و ضحك ابن اخيها عاليا و قال:
-
لقد قلت لك من قبل ،أنتعجوز ماكرة. و لكن ليس كل حيلك ستنجح ، فلست مستعدا لتغيير عادات حياتي ، بأنأغير معاملتي للنساء و أحمل أعباء زوجة لمجرد أن انقاد إلى حبك للخير الذي في بعضالأحيان تقوده العاطفة فقط.
-
أنت عنيد يا غارث. و لكنني أعند منك ، أنا أحبالقطط ، و أنت لا تحبها ، و مع ذلك فأنت مصمم أن تستفيد منك القطط ، أليس كذلك؟ وهل ستضع استفادة القطط من الثروة قبل مصلحة هذه الفتاة؟ لا أصدق يا غارث. أعرفك وأنت طفل ، و أنت لست شريرا كما تحاول أن تبدو. إنه ليس شريرا يا بليندا ،حقيقة!
و ضحكت بليندا:
-
سيلزمني الكثير لأقتنع بهذا!
-
استمع إليها ياغارث ، لقد بدأت بتمزيق صفحات كتابك. لقد قابلت أخيرا من هي ند لك. و لن تجد سهولةفي إكتسابها كما تعتقد.
و قال ببرود:
-
لن أحاول حتى أن أفعل.
عند البوابةعانقته و طلبت منه أن ينحني لتقبله. و قبلت بليندا و الدموع فيعينيها:
-
لقد كنتي لي كالحفيدة يا عزيزتي ، لقد كنت عجوزة مزعجة وكنت لطيفة معي ، و شعرت معك بأنني أصغر عمرا. استمري في رسمك و المال الذي ستحصلينعليه مني سيساعدك كثيرا يا عزيزتي.
و هزت بليندا ، رأسها و لم تستطع أن تتكلمفتابعت العجوز قولها:
-
قد لا تريني ثانية ، و أنت أيضا يا غارث. دعوني أركمامعا. ضع ذراعك حولها. دعوني ارى كيف يبدو منظركما معا لأحمل الصورة في ذهني إلىالجهة الثانية من العالم.
و ببطء محاولا عدم إظهار ضيقه ، أطاعها ، و استجابتبليندا عندما لمسها:
-عانقها يا غارث ، لمرة واحدة ، لأجلي أنيا ولدي العزيز ، سأكون مسرورة أكثر مما أستطيع التعبير عنه..
و تمتم:
أنتعجوز ماكرة.
و استدار لبليندا و وضع ذراعاه حولها و جذبها نحوه و وضعت يداهاحوله ، وبقيا هكذا ، و بدا لبليندا أنه وقت طويل ، طويل لجعل جسدها حارا و يرتجفإلى أن احترق وجهها بالإرتباك ، ثم الغضب.
لم يكن هناك لزوم لهذةالإطالة ، فلم يكن هذا ما طلبته السيدة دونيكان. لا بد أنه يفعل هذا لمجرد إزعاجها، و قد نجح. و لكنها علمت أن عليها أن لا تظهر الإنزعاج ، ليس أمام السيدة العجوزالتي من الممكن أن لا يرياها ثانية.
و عندما تركها آخر الأمر ، استدارت بليندامبتعدة عنه بإتجاه العجوز و هي تبتسم ، لتشاهد سرور إيلين الزائد. و قالتالعجوز:
-
ستة أشهر! كم كنت غبية! كان يجب أن أشترط ثلاثة فقط. هذا ما سيستغرقهالأمر بينكما. لقد أصبحتما في منتصف الطريق إلى الحب بالفعل!
و قالت بليندابسرعة:
-
سيدة دونيكان.. إنه ليس...
و لكن ذراع غارث حول وسطها اشتدت عليهامحذرة ، و قال مبتسما:
-
قد تكونين على حق يا عمتي إيلين... قد تكونين على حقتماما.
و لوحت العجوز بيدها مترددة ، و أطالت النظر إليهما ، قبل أن تخرج نهائيامن حياتهما...

sofea 30-11-10 05:55 PM

\ياي كتير حلوة تسلمي يا قمر وبانتظار التكملة :reedface: بسرعة ببلييييييييييز

toth@ 01-12-10 01:14 AM

حلوة كتير
ناطرينك

دمعة انثى 01-12-10 03:41 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

جورجينا 02-12-10 09:33 PM

سلمت الاياديعلى هالرواية الحلوة ناطرينك

امراة بلا مخالب 03-12-10 08:03 PM


تسلم ايدك يا قمر فى انتظار التكملة :)

* فوفو * 03-03-11 11:01 PM

الفصل الثاني
عدو النساء


ما أن ابتعدت السيارة عن الأنظار ، حتى أفلت غارث ذراعه من خصر بليندا ، و ابتعدا و أخذا يحدقان ببعضهما.
و تساءلت بليندا في نفسها ، ماذا تنتظر؟ عرض صداقة.. هدنة.. غفران ، غفران عن ماذا؟ ماذا فعلت بحق السماء؟
لم يبدو شيء في عينيه السوداوين المتفحصتين يريحها ، أو يلطف من إضطرابها. بل كان هناك تفحص غير متحيز و غير شخصي لوجهها تبعه تفحص لشكلها. هل يحاول أن يقرر كيف يصنفها ، في سبيل أن يقرر كيف سيستخدمها في المستقبل؟ و بأية صفة.. للعمل.. أو للتسلية؟... هذان هما الوظيفتان التي قال إنه ينظر إلى المرأة من خلالهما في حياته. هل تتناسب مع نظرته للأشياء أم أن عليه أن يخلق لها تصنيفا جديدا يناسبها؟
و استدار نحو المنزل و أخذ يقرأ بسخرية الكلمات المنقوشة على أعلى مدخله و المطلية بالذهب:
-من قدر له أن يدخل هذا البيت عليه أن يتخلى عن عدوانيته و أن يفرد جناح الإلفة و المحبة.
و نظر إليها بسخرية قائلا:
-هذا مدعاة للسخرية ، أليس كذلك؟ رسالة كتبت منذ عقود من الزمن و لكن و كأنها وضعت هنا خصيصا لنا... حسنا آنسة هامر المنزل لنا ، لك و لي.. هل نطيع أمر السيد... لا بد أنه سيد من كتب هذا ، فلا يوجد إمرأة تستطيع التفكير بهذا الكلام.. الذي كتب هذا الكلام منذ مئة سنة أو أكثر ، رجل مسالم ، كتبها بماء الذهب كأمر موجه لكل الداخلين؟ و هل سنعيش بتوافق تحت السقف القديم "لبراين ثورب"؟
-لن أراهن على ذلك سيد غاردنر.
-بصراحة ، و لا أنا كذلك.
و نظرت بليندا إلى المنزل بعيني من يملك ، أو بالأحرى نصف مالك ، و لم تتمالك أن تخفي شعورا بالفخر. فماذا يهمها حتى و لو أن حصتها في الملكية لن تدوم أكثر من ستة أشهر؟ فلو أنها عاشت هذه الستة أشهر بكامل حيويتها ، و رسمت كما لم ترسم من قبل ، لأصبحت هذه الفترة القصيرة من حياتها تاريخا لن تنساه أبدا.
و لم تشاهد بليندا غارث لبقية ذلك اليوم. المنزل كان كبيرا ، و توزعا ، كل في جناح خاص له. و كان من السهل أن يمضي شخصان مختلفان في حياتهما أياما طويلة دون أن يلتقيا ، حتى و لو كانا يعيشان داخل نفس الجدران.
مع أن اليوم كان الأحد و بليندا عادة تبقى في الفراش إلى وقت متأخر ، إلا أنها ذلك الصباح إستيقظت باكرا ، و أرتدت ثيابا عادية ، و ركضت نحو المطبخ لتحضر طعام الإفطار. و هنأت نفسها لأنها استطاعت أن تسبق وجود غارث في المطبخ ، و حضرت بعض الكورنفليكس و الحليب مع السكر و جلست إلى طاولة المطبخ الخشبية الكبيرة لتتناولها.
و دخل غارث بعد بضعة دقائق ، و أظهر الإمتعاض لوجود رفقة معه في المطبخ. و رفع حاجبيه و قال بأدب مصطنع:
-أعتقد أنك على وشك الإنتهاء من طعامك آنسة هامر.
-آسفة ، و لكنني لم أنته بعد ، فلم أصنع قهوتي.. لقد حضرت مبكرا سيد غاردنر!
-لا.. بل أنت من تأخرتي آنسة هامر.
و نظرت إلى ساعتها ، و وجدت أنه غير مخطئ ، و دفعت كرسيها بقوة فأوقعتها على الأرض ، و أقفلت الكتاب الذي كانت تقرأه ، ثم جمعت أطباقها و وضعتها في المغسلة ، و قالت:
-سأغسلها فيما بعد.
ثم خرجت.
-و ماذا عن قهوتك؟
-لن أتناولها..
-لا تتصرفي و كأنك ضحية. تناولي قهوتك.
و أرادت أن ترفض شاكرة. و لكن لماذا لا تتناول قهوتها؟ و بينما هي منهمكة في تحضير القهوة ، وقف غارث ينظر إلى الحديقة عبر النافذة. ثم صبتها و إنتظرت و هي جالسة على الطاولة لتبرد. و أخذت تراقب غارث و هو يحضر إفطاره. محاولة التظاهر بأنه غير موجود. رائحة البيض و اللحم المقلي ، أثارت شهيتها ، و لم تستطع إبعاد نظرها عن الطبق الذي حضره. و لكنها استطاعت في النهاية أن تغرق ذهنها بالكتاب أمامها ، منتظرة القهوة لتبرد.
-هذا مضر لك..
-و ما هو؟
-القراءة و أنت تتناولين الطعام. فهذا يتعارض مع عملية الهضم.
-أنا لا أتناول الطعام ، لقد إنتهيت ، و القهوة ليست طعاما.
-إنها جزء من وجبة طعام.
و ابتلعت ما تبقى من القهوة ، و كادت تشهق للسعتها الحارة في حنجرتها ، ثم غادرت الطاولة. و بينما هي تفعل ، أخرج كتابا من جيبه و فتحه أمامه كما كانت تفعل:
-هذا مضر لك. ستقول لك هذا عملية هضمك طوال الصباح!
و انفجر ضاحكا و هي تستدير لتنصرف.
صباح الأثنين ، اصطدما مرة أخرى في المطبخ عند الإفطار. و حدق بفستانها المرتب الجميل ، و بوجهها المزين بدقة ، و بشعرها الطويل الأشقر المضموم بضفيرتين إلى الخلف ، و على الرغم من ألوان ثوبها الزاهية ، إلا أنها كانت تبدو كمعلمة تماما. و بدا أن مظهرها قد أدهشه. هل يعتقد أنها غير محترمة تماما لأنها لم ترتدي ثيابا عادية للمدرسة؟ لو أنه سألها لكانت قالت له إنها تحتفظ بمظهرها كفنانة للأمسيات و العطلات.
و تناولا الطعام بصمت ، و نظر إلى طعامها العادي ، و نظرت بدورها إلى طبقه من البيض و اللحم. و لاحظ نظرتها فإبتسم و قال:
-هل ترغبين في شيء منه؟
و هزت رأسها بالنفي ، فأردف:
-إذا توقفي عن التحديق ككلب يجلس على رجليه ينظر بتوسل..
-بإمكاني أن أحضر نفس الطعام لو شئت. و لكنني أراعي رشاقتي.
- و من لا يفعل هذا؟
هذا الرجل يبدو واثقا بنفسه ، و لا يحتاج إلى أحد ، و خاصة إلى إمرأة. و لا يجب عليها أن تنجذب إليه. يجب أن تجبر نفسها على كراهية تصرفاته المسيطرة.. لا أن تنجذب لها...
و جمع أطباقه و وضعها في المغسلة و قال:
-لا تلمسيها آنسة هامر سأغسلها عندما أعود في المساء!
-لن ألمسها أبدا. فأنا لست خادمتك ، و لا مستأجرة في هذا المنزل ، فأنا أملكه... معك.
-أوافق معك.. لذا أتنمى بما أنك شريكة لي في.. هذا... المشروع ، أن تقومي بحصتك من الواجب و تبقيه مرتبا و نظيفا بطريقة متمدنة...
-و ماذا تظنني؟ أظنك تعتقد لأنني فنانة ، فأنا أكره النظافة و النظام ، و أتمرغ بالأوساخ و الفوضى.
-أنت قلتي آنسة هامر.. و ليس أنا.
-و لكن هذا ما عنيته بقولك.
-و أفترض أن عليك المشاركة بالعناية به أيضا ، للمحافظة عليه و إصلاحه عند الضرورة.
-و هل تعني.. ماليا؟
-و ما سواه؟
-و لكنني...
-و لكنك ماذا؟ لا بد أنك تتقاضين مرتبا؟ المعلمون هذه الأيام رواتبهم ليست سيئة. أليس كذلك؟
-الصغار لا يدفع لهم جيدا.
-و لكنك تعيشين هنا دون دفع إيجار. و لا مصاريف عندك سوى الطعام و الملابس ، و الأدوات الخاصة بنشاطك الفني؟
-أنا.. أنا أساعد والدتي.
-أتعنين أنك ترسلين لها المال؟
-أجل.. نصف مرتبي.
-فهمت.. أليس عندك والد.
-والدتي أرملة. والدي توفي منذ ثمان سنوات ، بعد سنة من ولادة شقيقي.
-إذا.. أنتم ثلاثة في العائلة؟
-لا.. بل خمسة ، فلدي شقيقتان واحدة في الحادية عشر و الأخرى في الثالثة عشر ، لذا لا مكان لي في البيت لأنه صغير. و عندما حصلت على وظيفة المدرسة هنا ، لم تأسف والدتي على رحيلي ، فقد أصبح المكان أوسع لمن بقي.
-و هل تعيش والدتك على مساعدتك فقط؟
-إنها تعمل دواما كاملا في مخزن حكومي ، و مع ذلك فالمال الذي تكسبه لا يكفيهم ثمن ملابس و طعام ، ناهيك عن إيجار المنزل. و هكذا فأنا مضطرة لمساعدتها. لا حاجة بك للقلق سأدفع ما يتوجب علي هنا. و لن أكون عبئا عليك ، و كشريكة ، يجب أن أدفع نصف الفواتير.
-يا فتاتي العزيزة ، من الواضح أن العبء المالي الذي يطوق عنقك لا يتركك في وضع تستطيعين الوفاء بهذا الوعد. من الآن و صاعدا ، و طالما كان ذلك ضروريا سأدفع الفواتير بنفسي. و لنكن صريحين ، ستكونين عبئا على رقبتي.
و صرخت به و هو يخرج من المطبخ:
-لن أكون عبئا عليك ، لن أكون أبدا طالما أنا حية.
و نظر إليها و هو يبتعد:
-لن أراهن على هذا أبدا.
في المدرسة ، و في غرفة الفنون ، أخبرت بليندا صديقها المدرس براد ، عن هبة السيدة دونيكان لها ، فأخذ يصفر ، و عندما قالت إنها تتشارك المنزل مع حفيد أخ السيدة دونيكان قال براد:
-لوحدك؟ أنتما فقط؟ أعتقد أنك تعرفين ماذا سيقول الناس؟
-ليقولوا ما يريدون.. سيكونون على خطأ تماما.
-و لكن الناس سيتوصلون إلى إستنتاجات خاصة مهما أنكرتي و سيكون أمرا واقعا أنك تعيشين معه.
-لو عرفت الرجل لعرفت كم سيكون مضحكا هذا الافتراض. إنه ليس إنساني حتى. إنه يكره الزواج أكثر من أي شخص آخر.
-و هل يكره النساء؟ و مع ذلك يسكن مع إمرأة في منزل واحد؟
-إنه منزلنا معا. سيضطر إلى العيش معي ستة أشهر على الأقل... لأن...
و توقفت عن الكلام ، فلا تستطيع أن تقول حتى لبراد الشرط الذي فرضته إيلين دونيكان ، و تابعت القول:
-لأنني بعد ذلك سوف أبحث عن مكان آخر أعيش فيه.
-و لكن لماذا يا بليندا؟ لا يمكنك طلب أكثر من هذا ، منزل قديم و جميل ، و فيه كل ما هو فاخر!و هو ممتاز لفنانة مثلك!
-لا فرق عندي! سوف أتركه.
و سمعا صوت أقدام في الممر تنبئ ببدء موعد التدريس ، فقالت له:
-أنت لم تزرني بعد؟ ليس لدي عمل هذا المساء. أتحب أن تزورني؟
-الليلة؟
-أجل.. تعال حوالي السابعة.. سيكون الساكن الآخر قد تعشى و إختفى في غرفة مكتبه.
و لكن عندما وصل براد ، لم يكن غارث قد تعشى ، حتى أنه لم يكن قد عاد إلى المنزل بعد. و على الرغم منها ، أخذت تفكر به ثم بدأت تقلق. و وبخت نفسها على إهتمامها به. ليس من شأنها ما يفعله غارث غاردنر في أوقات فراغه فلا بد أنه تعشى في المطعم ليوفر على نفسه عناء تحضير العشاء بنفسه.
و بدلا أن تستقبل براد في جناحها ، أخذت تجول معه في المنزل ليشاهده. و ضحك عندما قرأ الكتابات المتعددة فوق الأبواب ، و أعجب بالأثاث الأثري ، و بالآنية الصينية الرائعة ، و بالرسومات المعلقة على الجدران ، و أخذ يتفحصها آملا ، و هو يمزح ، أن يكتشف قطعة أصلية بينها لرسام مشهور.
-هل أنت مدركة أن بعض هذه الأشياء ثمينة جدا؟
-أنا شريكة في المكان فقط ، و لا أملكها ، و بالنسبة لي فهي لا تزال ملك للسيدة دونيكان ، و لكن حتى لو أن في نيتها أن نتشارك في هذه أيضا ، فلن يهمني الأمر. سأنتقل من هنا بعد بضعة أشهر. أتذكر هذا؟
-لا بد أنك مجنونة!
و دخلا المطبخ لتحضير القهوة و أخذ ينظر من حوله ، إلى كومة الأطباق في المغسلة:
-هل استخدمتها أنت أم شريكك؟
-لم أستخدمها أنا.
-ألن تكوني فتاة لطيفة و تغسليها؟
-لن أجلب لنفسي وجع الرأس؟ لقد قال أن أتركها ، و هكذا سأفعل.
و أنهت صنع القهوة ، و طلبت من براد أن يحملها إلى فوق ، و أطفأ سيجارته في منفضة على الطاولة و حمل الصينية عنها. و وقف عند باب المرسم.
-واو...!إنه فاخر!.
و وضع الصينة على الأرض ، إذ لم يكن هناك ما يضعها عليه. الطاولات كانت مغطاة بالفراشي و أدوات الرسم و أوراق الرسومات النصف منتهية. و بينما كانت بليندا تصب القهوة و هي جاثية أخذ برد يتجول و هو يشعل سيكارة أخرى ، قائلا:
-ألا تحبين أن يشاركك هذا المرسم فنان مناضل آخر ، صديق و زميل و أسمه براد سترونغ؟ ستفسدين نفسك لو عشتي في هذا الجو المترف طويلا.
-طالما لدي والدة و شقيق و شقيقتان يعيشون في ظروف صعبة ، لا أظن أنني سأفسد نفسي..
-إذا فلن ترغبي في مشاركتي هذا الدلال.
فابتسمت له و قالت:
-لا يمكن هذا يا براد.
-ألن يوافق الأخ الأكبر؟ هل هو متزمت ، مسقيم مثلك؟
-لا أعرف شيئا عن أخلاقه. كل ما أعرفه أنه يكره النساء ، و عنده "كره" خاص لي على الأخص.
-لا بد أنه رجل من حجر. فتاة جميلة في المنزل ، تملك الجاذبية حتى قمة رأسها ، و لا يستطيع أي رجل ، أن يقاومها ، و مع ذلك يتجاهلها؟
-إنك مخطئ ، فهو يعتبرني وباء ، إزعاج يجب أن يحتمله لفترة معينة.
-و إلى متى؟
-إلى أن أجد لنفسي مكان آخر.
عندما غادر براد ، حوالي العاشرة ، لم يكن غارث قد عاد بعد. أطباق فطوره كانت لا تزال حيث هي. من السخافة أن رجلا في مثل مركزه يجب أن يغسل أطباقه بنفسه. و بينما هي تغسل فناجين القهوة. قررت أن تغسل أطباقه ، و إلا ستبقى كل الليل كما هي. و أخذت تغسلها ، و عند إنتهاء آخر طبق سمعت صوت المفتاح يتحرك في قفل الباب. و أحست بشعور لص يضبط في مسرح الجريمة فوضعت الطبق من يدها و استدارت و وقفت و ظهرها إلى المغسلة و كأنها تخفي آثار الجريمة.
و بدا تعبا و هو يدخل المطبخ ، و تحركت عيناه منها نحو المغسلة. و حملته رجلاه نحوها و عندما وصل إلى مواجهتها قال:
-ماذا تفعلين هنا في هذا الوقت من الليل؟
-كنت... كنت أنظف فناجين القهوة.
-أطباق إفطاري.. لقد إعتقدت هذا... ألم أقل لك أن تتركيها؟ قلت لك سأنظفها بنفسي..
-الوقت متأخر سيد غاردنر. و فكرت أن أنظفها عنك. إعتقدت أنك ستكون تعبا...
-أنا تعب فعلا... لقد عملت إلى وقت متأخر. و لكنني أتأخر عادة في عملي و دائما أكون تعبا، و لكنني معتاد على هذا ، و معتاد أيضا على تنظيف أطباقي بنفسي حتى و لو بعد منتصف الليل.
-إعتقدت.. أنك ستكون مسرورا. فعلت هذا للمساعدة...
-في المستقبل ستساعديني في ترك أشيائي دون أن تمسيها آنسة هامر ، و بأن تسمحي لي بأن أدير حياتي كما أريد و بالبقاء بعيدا عن طريقي بالكامل. فأنا قادر على تدبير نفسي دون تدخل إمرأة أو مساعدتها و سأستمر هكذا.. هل فهمتي؟
-أجل فهمت جيدا أنك ناكر للجميل ، غير متمدن ، رجل لا يحتمل لا يعرف معنى كلمة "الأدب". و لا أعرف كيف أن عمتك كانت تفخر بك. و لا أعرف كيف أحبتك. أنت أكثر مخلوق كريه لا يطاق قابلته في حياتي. أفضل صفاتك أنك تكره المرأة ، لأن أية إمرأة قد تميل إليها ستكون حكيمة إذا استدارت عنك و هربت منك في الإتجاه المعاكس...

و وضعت يدها على خدها المحترق ، ثم على رأسها التألم ، ثم على فمها ، لأنها الطريقة الوحيدة لمنع تدفق الإهانات لهذا الرجل الذي يقف و يداه في جيوبه ، ينظر إليها بعينين تضيقان حتى كادتا أن تختفيا. و قال:
-أظن أنك يا آنسة هامر كنت تعملين. هل تدخنين و أنت ترسمين؟ و هل تدخنين و أنت تغسلين الأطباق؟
-أنا لا أدخن سيد غاردنر ، لقد كان عندي زائر.
-رجل بالطبع. شخص يدخن. مثل المدخنة كما أعتقد. لأن المنزل كله عابق برائحة الدخان.
-أجل إنه رجل. و هو يدخن ، و بما أنه ضيفي ، لا أستطيع عمل شيء بهذا الخصوص.. إنه زميل لي.
-فنان آخر؟ يدرس في نفس مدرستك؟ إذا كان جيدا مني أن أتأخر في الحضور إلى البيت؟ و كأنني كنت أعرف أنك تمتعين نفسك!
و أعطى الكلمة تركيزا ذا معنى جعلها تغضب.
-إذا كنت تفكر في إتجاه معين ، فأنت مخطئ.
-لا أعتقد إنني مخطئ في مثل هذا الوقت من الليل! أنا عادة أذهب إلى ما تأخذني أفكاري إليه. و هي تقودني إلى أماكن شقية و تعطيني أفكارا غريبة.
-على كل... ضميري مرتاح... فهذا بيتي كما هو بيتك. و إذا كنت تظن بي مثل هذه الظنون ، لماذا لا تكتب إلى عمتك الكبيرة و تخبرها كم أنا دون أخلاق ، و إنني أعطي المنزل سمعة سيئة ، و أنك ستطردني...
و وضع يداه على كتفيها:
-سأطردك.. خارج المطبخ.. أنت تعبة كثيرا ، و لا تعرفين ماذا تقولين ، و بالكاد قادرة على الوقوف على رجليك.
و حركها بالقوة نحو الباب ، و لكنها قاومته و حاولت تخليص نفسها... بينما كانت ذراعه تمسك خصرها تشتد عليه و عندما التفتت مستديرة وجدت نفسها تواجهه ، كان قريبا جدا منها حتى شعرت بأنفاسه على جبينها. و التقى الغضب في عينيها بالغضب في عينيه ، و أخذا يحدقان ببعضهما ، و بدا منصدما بقربهما من بعض بنفس قوة صدمتها.
و أجفلها الشعور بأنهما معا متلاصقين و خائفين ، و مع أنها جذبت نفسها من قبضته بيأس ، فقد أحست بشعور عميق يغمرها برغبة لأن تتلاقى معه في عناق يماثل ما جرى بينهما يوم سفر عمته.
و بينما هي تصعد السلم نحو غرفتها أطل من باب المطبخ و صاح:
-شكرا لك على تنظيف صحوني...
و لكن يبدو أن السيد غاردنر كان يفكر بطريقة مختلفة ، فهو يرفض أن يلقي بالا للإشارات المتكررة بأن بليندا لا ترغب في رفقته ، ففي مساء اليوم التالي بينما كانت مستغرقة في رسم منظر ريفي ، دخل عليها المرسم ، و لكنها لم تحييه ، بل شعرت بالتوتر و هو يقترب منها. عندما يقترب هذا الرجل تشعر بتجاوب مخيف و غير إرادي بداخلها ، و ما عليه سوى أن يدخل نفس الغرفة التي تتواجد فيها حتى يحدث لها هذا.
و وقف إلى جانبها يراقبها. و كان عليها أن تحارب التوتر الذي يسببه لها وجوده ، لأنها لا تستطيع أن تكون متوترة و أن ترسم في نفس الوقت.
و بعد برهة قال:
-أنت تغشين.
و نظرت إليه متسائلة. فأشار إلى صورة فوتوغرافية للمنظر الذي تقوم برسمه:
-أنت تقومين بنسخ هذا.
-إنه ليس غشا. لقد كان يعتبر هكذا في الماضي ، و لكن الآن يدعى التصوير الواقعي.
-كلمات جيدة.. و لكنه لا يزال غشا.
-إنه ليس غشا. و لماذا يكون غشا أن تنسخ صورة فوتوغرافية بدل أن تسافر إلى الريف و ترسم نفس المنظر؟ بطريقة ما سيظل الأمر "نسخا". في كلا الحالتين أنا أنقل المنظر كما أراه ، لا كما التقطته الصورة.
-و هل أنت فنانة تجارية؟
-بطريقة ما.. ربما.. و لكن ليس من سوء بهذا الأمر.
-إعتقدت أن الفن التجاري ينظر إليه الأصليون على أنه فن سيء.
-في الأيام القديمة ، كان على الفنان أن يكون له سيد ، شخص مستعد لدعمه ، و مثل هذا الشخص عادة ما يصر على أن يظهر في الرسم حتى و لو ضمن مجموعة من الناس. و مثل هؤلاء صعب إيجادهم في مثل هذه الأيام ، لذا فعلى الفنان أحيانا أن يرسم من أجل المال ، فعلينا أن نعيش ، و هكذا حلت الروح التجارية مكان الرعاية و الإحسان ، و أصبح الفن التجاري محترما.
-إنه تزويق جميل للكلام ، و لكنني فهمت ما تعنين.. و هل تحبين تعليم الفن للأطفال؟
-أحبه كثيرا.. تقول لطفل "ارسم". بعضهم يرسم و البعض لا يعرف كيف يبدأ ، فتقول له أرسم صديقك ، أو أمك. و هذا الأمر يدفعهم للعمل.
-حتى و لو كانت النتيجة رديئة؟
-لا يهم.. فعلى الأقل هي بداية.و لكنني أفضل تعليم الأكبر سنا. ففي الصف الخامس استطاعوا إما تحقيق مستوى فني أو الإنسحاب. و تستطيع تطوير نوع خاص من التفاهم معهم ، و التحدث إليهم على قدم المساواة ، فالمعلم و التلميذ قد يكونان على نفس المستوى من الذوق الفني.
-تجعلينني أبدو جاهلا. و يبدو عليك أنك أستاذة ماهرة.
و احمر و جهها و شكرته على تقديره غير المتوقع. فقال لها:
-لو طلبت منك ، هل بإمكانك أن تعلميني الرسم؟
و تطلعت نحوه لتلتقي بنظرته المتسائلة ، و قررت أن تتجنب ردا مباشرا:
-سيكون ذلك تحديا. معظم الناس ممكن تعليمهم. و هذا يعتمد على ما لديهم من خيال.
-ألا تعتقدين أن لدي خيال؟
-لقد بدأت أشك.
و ضحك عاليا ثم وقف خلف اللوحة التي كانت تعمل بها ، و نظر إلى وجهها ، ثم ترك عيناه تسرحان ببطء فيها ، و تحركت بإضطراب تتساءل عما سيقول:
-إذا أنا لا أملك الخيال... أستطيع أن أتخيلك دون صعوبة لا ترتدين...
-حسنا حسنا... لديك مخيلة. و هذا يعني إنني أستطيع تعليمك أن ترسم و تلون أيضا.. و لكن سعري مرتفع للدروس الخصوصية.
و تحرك ببطء ليقف إلى جانبها: -أنت تغرينني بأن ألزمك بتعليمي. و ربما بعد حصص الدرس أستطيع أن أعلمك شيئا بدوري.
و حركت رأسها حتى غطى شعرها وجهها المتورد ، و تابع:
-أتذكرين الوضع بيننا آنسة هامر؟ إنه وضع متفجر. و أنا أحذرك بأن لا تشعلي الفتيل ، فعندما يبدأ الإشتعال سيكون من الصعب ، إذا لم يكن من المستحيل ، إطفاءه. و لن يكون لديك من تلجأين إليه أو مكان تهربين إليه.
-لقد إعتقدت أنك تكره النساء سيد غاردنر...
-أكره النساء... أجل.. فالمرأة ليس لها مكان دائم في حياتي... و لكنني لا أنكر أنهن مفيدات أحيانا...
و ابتعد عنها و أخذ يتجول متفرجا على رسوماتها ، كل واحدة متطورة أكثر من غيرها ، و قال:
-نتائج أعمالك تذهلني. هل لديك نصير غني كما تسمينه.
-إنها السيدة دونيكان عندما كانت هنا ، لقد كانت دوما تدعمني. مع إنني كنت أعيد إليها ما تدفعه حتى آخر قرش. و الرد على سؤالك ، نعم ، حاليا...
-أوه و هل هو رجل أم إمرأة..
-إنه رجل.
-لا تقولي من هو.. سأصفه أنا.. إنه رجل رمادي الشعر ، يميل إلى السمنة. محفظته منتفخة ، و لديه زوجة غير متفاهمة معه. و لذا هو يدعمك...
و قالت بغضب ، و شعرها يتطاير و هي تدير رأسها بقوة:
-ماذا تظن بي بالضبط؟
-فنانة ، بأخلاق الفنانين. و لا تطلبي مني أن أصفهم ، فوصفي لهم قد يزعج إحساسك.
-أنت مخطئ بالنسبة لي سيد غاردنر.. مخطئ.. مخطئ!
-حسنا... لقد أوضحت وجهة نظرك... لقد إعتقدت للحظة أن الآنسة الحلوة بليندا هامر ، لديها نقطة ضعف مثلنا جميعا.
-و هل لديك نقطة ضعف سيد غاردنر؟... لا أعتقد أبدا!
-يوما ما آنسة هامر ، هذا الإنفجار بيننا سيحصل لا شك... و أنت من سيشعل عود الثقاب و ليس أنا... حسنا من هو هذا الثري الذي يساعدك ماليا؟
-عمتك لها صديقة زوجها يمتلك مطعما في المدينة ، و لقد شاهدت رسوماتي و أقنعت زوجها بأن أعرضها في مطعمه ، و أعتقدت أن رسوماتي ستبرز المطعم و تعطيه نكهة خاصة. و الرسومات معروضة للبيع ، و كل رسم معلق عليه سعره ، و بما أن المكان لا يرتاده سوى الأثرياء فإن البيع سائر على ما يرام.
-إنها طريقة ممتازة لدعم مدخولك.
-و لم لا؟
-و لم لا.. بالطبع.. و كيف تأخذين رسوماتك إلى المطعم.. تستأجرين تاكسي؟
-لا.. فلديهما ابن يتولى أمر المبيعات ، ضمن أشياء أخرى.
-آه.. إذا هناك رجل في المسألة.
-ليس بالطريقة التي تظنها.
-إنك تكررين القول بصورة دائمة حتى بدأت أصدق. ما أسم المطعم؟ ليس...
-إنه جيميز.
-آه.. نويل جيميز ، الأبن الذي يدير الأمور الإجتماعية ، العشاء و الإجتماعات الراقصة ، و ما إلى ذلك.
-و هو من يوفر لي النقل.
-و هل هو التالي على لائحة صداقاتك؟ أم أنه ، لماله ، هو رقم واحد و صديقك في المدرسة رقم أثنين؟
-ليس عندي أفضلية بالترتيب.
و ابتسمت و نظرت إليه ، لتجد بإندهاش أنه ينظر إليها بشيء من الغضب!
-صغيرة و شابة و بريئة ملعونة! أنت لست أفضل من بنات جنسك!
وجدت أن من غير المفيد إنكار اتهاماته ، لذا عادت إلى فرشاتها و رسمها ، و ليفكر كما يريد.
-بما أن علاقتنا علاقة غريبة ، و بما أن عمتك تظن أننا نتحرك و لو ببطء نحو حالة الزواج.. فهل لي أن أسألك كما سألتني عن وضع حياتك العاطفية؟
-أجل... يمكنك هذا... أنت تعلمين أنني عدت حديثا من الأرجنتين... كان هناك إمرأة ، جميلة و ذكية و صديقة مقربة لي. و عندما غادرت كانت مستاءة جدا، إذ كان علي أن أتركها ، و هذا ما أغضبها.
يدها التي كانت ترسم الغيوم في سماء اللوحة أرتعشت و أعطت الغيوم لونا أغمق مما كانت تنوي ، ثم توقفت و أرجعت الفرشاة بطء إلى الطاولة ، و أخذت تنظف يدها بقطعة قماش مغموسة بالمنظف.
-إذا.. أنت لست في الحقيقة من كارهي النساء الذي تتظاهر بأن تكون؟
-لقد قلت لك إن النساء ليس لهن مكان دائم في حياتي.
-إذا لقد كانت..
-هذا ليس من شأنك آنسة هامر.
-آسفة. لم يكن لدي حق لأسألك. أتمنى لو أن عمتك لم تمنحني نصف هذا المنزل ، و أتمنى لو أنها لم تضع هذا الشرط المستحيل... و أتمنى .. أن أغيب عن الوعي لستة أشهر و أستيقظ لأجد القصة كلها منتهية!
-حسنا لو قررتي أن تمضي الستة أشهر بسبات و نوم ، فسيكون لديك خيار جيد مع من تمضينه ، أليس كذلك؟ من يا ترى من بين صديقيك هو المحظوظ؟ أهو الفنان الفقير أم الثري؟ و لمعرفتي بالنساء ، أراهن على الأخير بكل مالي. فلديه الكثير ليقدمه لك.
و مر أسبوعان من أًصل الستة أشهر ، و كان أواخر آذار ، و الربيع مقبل بكل ما يحمله في الجو ، و الحياة البرية و البراعم المتفتحة ، و في عقول و قلوب بني البشر. و أمضت بليندا ساعات و هي تقف عند نافذة مرسمها ترسم الحدائق التي تحيط بالمنزل ، و رسمت العاملان في الحدائق و هما يعملان بنشاط و كأنهما يتسابقان مع الموسم ، و رسمت السيدة هوغند ، العاملة بالتنظيف. و رسمت مرة رسما جميلا لغارث ، يداه في جيوبه ، و هو يتحدث إلى أحد عمال الحديقة.
و نزل غارث في صباح أحد الأيام إلى المطبخ لتناول الإفطار و في يده حقيبة. و نظرت إليها بليندا بدهشة ، تحولت دون تفسير إلى خيبة ، ثم إلى إنزعاج. فقد كان مسافرا... و لكن إلى أين؟ إلى الخارج ثانية؟ و كم من الوقت؟.
-سأسافر لبضعة أيام.
بضعة أيام... قلبها الذي غاص بين ضلوعها عاد إلى الطواف ثانية و هو يخرج الفقاعات مثل زجاجة فارغة رميت إلى البحر ، و في هذه الزجاجة رسالة ، رسالة هامة ، و لكن لأنها كتبت بالرموز لم تستطع حل رموزها.
-مسافر إلى لندن... مؤتمر في المركز الرئيسي.
-لقد قالت لي السيدة دونيكان أنك تعمل لدى مؤسسة أميركية.
-أجل..
-و مكتبها في لندن؟
-هذا سؤال جيد... لم يكن يجب أن أقول المركز الرئيسي فقط بل المركز الرئيسي لإنكلترا. مكتب أميركا في نيويورك.
-لقد قالت السيدة دونيكان إنك ستنشئ مصنعا جديدا هنا.
-أجل.. في الواقع فرع جديد للشركة. و أنا رئيس هذا الفرع هنا. سنتخصص في صنع الترانزستورات للكوابل البحرية. يبدو عليك التأثر...
-فعلا... أنا متأثرة جدا.
-ألا تعتقدين أنني أملك الموهبة؟
-لم أقل هذا.. فأنت... بارع و ذكي.
-و ما هي المقدمات التي أوصلتك إلى هذا الإستنتاج؟
-حسنا... يبدو... عليك الذكاء.
و ضحك عالي ، و قال:
-لا أعلم هل أعتبر هذا إطراء أم إهانة.
-إنها الحقيقة... و لم أعني بها إهانة.
و أنهيا طعامهما بصمت ، و غسل أطباقه ، و عندما ذهب وقفت إلى المغسلة تغسل أطباقها. كانت تحب أن تودعه ، و لكنها لم تعرف كيف ، و لم تكن تعرف حتى إذا كان يريدها أن تفعل. و ساد صمت قصير ، و ظنت أنه ذهب ، و استدارت لتجده واقفا ينظر إليها من الردهة. و قال:
-إلى اللقاء بليندا.
فابتسمت ، و قلبها يتراقص. بكلمة واحدة حطم حاجزا ما بينهما ، و أجابته:
-إلى اللقاء يا غارث.
و إبتسم لها.
و أقفل الباب وراءه ، و تمنت لو أنها سألته متى سيعود.


***********************


* فوفو * 03-03-11 11:07 PM

الفصل الثالث
على حافة الجحيم

عادت بليندا من مدرستها إلى بيت مهجور. شعرت بالفراغ و كأنما هو نوع من المشاعر و ليس واقعا. و علقت معطفها في الردهة ثم تطلعت نحو السلالم و الأبواب المغلقة ، تستمع إلى الصمت. لو أنها تستطيع رسم الفراغ. فكيف سيبدو؟ صفحة بيضاء؟ و لكن لا يوجد شيء إسمه فراغ...
من حولها كان هناك أشياء تذكرها بالحياة و بالحركة ، و بالسيدة دونيكان التي كانت تعيش هنا كانت تملأ المكان. تذكرها بنفسها و هي تطير إلى مرسمها عندما تطلب منها السيدة دونيكان أن ترى رسوماتها...
الفراغ...؟ و أخذت ترتعد. كيف للمكان أن يكون فارغا في وقت يتواجد غارث فيه في كل مكان من حولها. وقع أقدامه على السلم ، وجوده في المطبخ معها ، وقع صوته و هو يتكلم في المرسم؟ هل أصبحت متعودة على هذا الرجل حتى أنها "تفتقده" بالفعل؟...
لم تكن تشعر بالجوع... فصعدت إلى مرسمها لترسم... ربما بالفرشاة و الألوان تستطيع الخروج من هذه الكآبة التي أثقلت ساقيها ، و أطاحت بشهيتها.
و مرت بغرفة نوم غارث ، و نظرت عبر الباب النصف مفتوح. الغرفة تتخبط في الفوضى ، و السرير غير مرتب. كم ستبقى على هذا الوضع؟ حتى السيدة هوغند لا تستطيع التعاطي مع غرفة بهذه الفوضى. و هكذا ، و هي تشعر مثل مجرم مبتدئ ، يرتعد من توقع أن يلقى القبض عليه ، يتطلع حوله يفتش عن طريق للهرب عندما تدعوه الحاجة للنجاة بحياته ، و دخلت الغرفة!
علاقة ثياب ملقاة على الأرض ، مدت يدها لتلتقطها و كأن لها أسنان على وشك أن تعضها. و التقطت بنطلونا ملقى على السرير ، و طوته و وضعته على رف ، ثم القت فوقه سترة. و نظرت إلى الخزانة. هل ستجرؤ على فتحها؟ و بما أنها قد بدأت فيما تعمله ، لم يكن امامها بديل آخر.
و وضعت البذلة بين باقي الثياب ، و الحذاء بين الأحذية الأخرى. و علقت ربطات العنق في مكانها المخصص. الفراش... هل تمتلك الشجاعة الكافية لترتيبه؟ و هل ستتحمل النتائج مهما كانت؟ هذا السرير لا يمكن أن يبقى دون ترتيب ، إلى وقت لا تعلم مدته ، ربما أسبوع أو عشرة ايام؟ بيجامته زرقاء اللون ، و طوت بنطلون البيجاما و فتشت عن السترة ، يبدو أنه لا يرتدي السترة عند النوم...
عندما أنهت ترتيب السرير ، نظرت من حولها ، و شعرت و كأنه في الغرفة ، يراقبها عبر مرآة طاولة الزينة ، أو مرآة الخزانة ، أو من المرآة الطويلة المثبتة إلى الحائط. كان و كأنه في كل مكان من حولها ، و استدارت لتركض هاربة من الغرفة... من قوته... من الشعور به.. من سيطرة وجوده... و بينما هي تنظر إلى سريره لبضع لحظات ، لم تستطع أن تنكر بأنها تتوق إلى عودته...
و مرت ثلاثة أيام ، و لم يعد بعد ، و لم يتصل ، و لم يرسل جوابا ، و لا حتى بطاقة ، و لكن لماذا يتصل بها؟ إنها إنما تشاركه المنزل فقط بسبب نزوة من عمته الثرية...
مساء يوم الجمعة أنهى أطول أسبوع أحست به بليندا ، و جاء براد إلى المنزل لزيارتها. و جلس في المرسم يراقبها و هي تعد الرسمات التي سترسلها إلى العرض في المطعم... كان يجلس إلى طاولة و يداه تمسكان بأطرافها يرقب السماء و الغروب و الشمس تتحول من برتقالية إلى حمراء داكنة.. و قالت بليندا آمرة:
-أبقى كما أنت... لا تتحرك.. سأرسمك.
و ابتسم ، و لم يتحرك ، و قال:
-فنان يرسم فنانا.. سأرسمك يوما ما ، و أنتقم لنفسي. و لكن للأسف الطريقة التي أحب أن أرسمك بها ، لن تسمحي لي بها.
-أحضر لنفسك موديلا محترفا ، فأنا فنانة مألوفة لك ، و لن أنفعك..
و وضعت اللمسات الأخيرة على رسمتها ، و قال براد:
-إنني أرسم الموديلات طوال الوقت. و أرغب أن أرسمك. و لن أخبر أحدا أعدك بهذا. و سأضع الرسم فوق سريري و أحدق به عندما أستلقي عليه.
و سمعا صوتا عند الباب ، صوت سعال خفيف ، و أوقعت بليندا القلم من يدها. إنه غارث... و احمر وجهها لدرجة الإحتراق ، و امتد هذا إلى كل جسدها. كم من السخف أن تشعر بالذنب هكذا ، و هما جالسان فقط لا يفعلان شيئا.! و لكن كم سمع غارث مما كانا يقولانه؟
يبدو أنه الكثير.. فعيناه بدتا باردتان ، و قال براد:
-مساء الخير!
و وضعت بليندا الرسم من يدها و سارعت لتقدمهما لبعض. و تركهما و خرج.
و قال براد:
-يا إلهي قد يعتقد أي إنسان أنك زوجته و قد ضبطنا في وضع مشبوه!.. في المرة القادمة عندما يكون حارس طهارتك مسافرا لا تدعيني لزيارتك يوم رجوعه.
و التقط معطفه و خرج... و لحقت به إلى السلم:
-براد، الأمر ليس كما تصورت. أنت تتخيل الأشياء!
-قد أكون فنانا ، و لكنني أبقي مخيلتي تحت السيطرة التامة ، و ما أشاهده بعيني لا أستطيع الشك فيه. هذا الرجل يعتقد أنه يمتلكك!
لم يهمها كم سمع غارث ، فليس من حقه أن يدخل إلى مرسمها دون دعوة منها ، و لا أن ينظر إليها و إلى ضيفها و كأنهما في أحضان بعضهما. و ما شأنه بكل هذا؟
-براد إنه يكره النساء لقد قلت لك هذا...
و لكن براد دخل سيارته و ابتعد... و جاءها نداء من الطابق العلوي:
-آنسة هامر!...
-نعم سيد غاردنر؟
-لقد دخل أحدهم غرفتي؟
-أجل سيد غاردنر... لا سيد غاردنر. لقد رتبتها و رتبت الفراش و..
-أنا لا أذكر أنني اعطيتك الإذن لترتبي الفراش.
-لا... لم تفعل سيد غاردنر ، و لكنني لم أتحمل المرور أمام غرفتك و رؤية الفوضى فيها لمدة أسبوع أو أكثر...
-كان بإمكانك إدارة رأسك ، أو إقفال الباب.
-في المرة القادمة سأفعل.. في المرة القادمة لن أهتم أبدا لو رجعت تعبا أو جائعا من رحلتك لتجد الفوضى بإنتظارك.. في المرة القادمة ، لو تعلمني متى ستعود ، لن أكون حتى في المنزل!
-و أين ستكونين؟ في منزل صديقك ، و الأوضاع معكوسة؟ و هل سيكون هو من يرسمك ، كما يتوق لأن يفعل؟
-هذا أمر يخصني لوحدي ، و ليس لديك الحق لتستمع لمحادثتنا.
كان عليها أن تكون غاضبة ، و إلا لانفجرت بالبكاء. لقد تطلعت بشوق لعودته ، و مع ذلك فهاهما يتشاجران ثانية ما أن وطأت قدماه المنزل ، و صرخت به:
-ماذا ذهاك! ماذا ذهانا؟ ألا نستطيع أن نلتقي ، و لو بعد أسبوع ، و نكون مرحين مع بعض؟ حسنا.. أنت لا تحب النساء. أنسى إنني إمرأة. تخيل بأنني من الجنس المختلط. بأنني غير موجودة ، أي شيء تحبه ، و لكن لا تستمر بالصياح في وجهي ، و إتهامي ، و كأنك تصفعني...
و ركضت نازلة الدرج نحو المطبخ. و تبعها ، و لكنها وقفت عند المغسلة تنتحب ، و تقدم نحوها و وضع يداه على كتفيها:
-بليندا؟
و جففت دموعها فتابع:
-أن تطلبي من رجل أن ينسى بأنك إمرأة ، أمر مستحيل.
-إذن من الأفضل أن أرحل.. أليس كذلك؟ بما أن من الواضح أنك لا تتحمل وجودي في المنزل؟
و أخذ يتجول في المطبخ:
-إذا رحلتي.. فأين ستذهبين؟
و أجابت:
-سأجد لنفسي مكانا.. غرفة... سرير في غرفة...
-و تتخلين عن كل هذا؟... أليس من الأفضل أن أرحل أنا..؟
-و لكن.. و لكن سيكون هذا خطأ. خطأ بالكامل. إنه في الواقع منزلك ، و ليس منزلي ، أجل.. إنه منزلك. لقد أشركتني عمتك به بدافع الرعاية... لا أستطيع العيش هنا بمفردي... لقد اكتشفت ذلك هذا الأسبوع.
-هل شعرتي بالوحدة؟ أتحبين رفقتي؟
و أرادت أن تعترف ، و لكن سيكون هذا نهاية كل شيء ، لن تسطيع أن تبقى هنا لو اعترفت. و تابع كلامه و هو يغادر المطبخ:
-يجب أن نفكر بشيء نفعله حول هذا الأمر...
اليوم التالي كان يوم السبت ، و بعد الظهر أتى نويل جيميز ، ليأخذ اللوحات. و دعته بليندا للدخول ، و لم يكن قد دخل المنزل من قبل. و عندما رأى الكتابات فوق الأبواب ضحك و أخذ يقرأ إحداها:
-الكلب صديق... مخلص و صادق... و هو أفضل من إمرأة مستغلة.
و وضع ذراعه حول خصر بليندا و جذبها نحوه قائلا:
-و هذه المرأة تستغلني. فأنا أقدم لها فرصة ، دون مقابل ، لتبيع لوحاتها لزبائن أثرياء ، و ماذا تعطيني في المقابل؟ حب مصلحة؟
و بينما هما في هذا الوضع ، نزل غارث السلم. و تبادل نويل معه إنحناء التحية ، و تجاوزهما غارث و دخل غرفة جلوسه ، و سألها نويل:
-أين هو مرسمك؟ فوق أم تحت؟.. تعالي يا حلوتي و أريني أين هو.. و سأفعل ما تبقى...
كانت الرسومات موضوعة في كومة فوق بعضها ، و بينما أخذ نويل يقلبها معجبا بكل واحدة منها ، تركته بليندا لتحضر الشاي في المطبخ ، و دخل عليها غارث و توقف مستديرا ليعود أدراجه ، و لكنه غير رأيه ، و قالت له بليندا:
-يوجد فنجان شاي إضافي.. هل تحب أن تأخذه؟
-لا ، شكرا ، أفضل أن أصنع واحدا لنفسي.
-و لكن لماذا؟
و تجاهل كلامها و حضر لنفسه صينية ، قفالت بمرارة:
-أنا آسفة لأن أصدقائي لا يعجبونك ، و لكن العقد لا ينص على أن تصنف زواري و أن لا تمنحهم فرصة الدخول إلى هذا المنزل القديم الفخم.
و لم يتحرك لسخريتها ، و غرق أكثر بالصمت فقالت صارخة:
-من تظن نفسك لتعامل كل من أدعوه بمثل هذا الإزدراء؟ أنتظر حتى تأتي بشخص ما إلى هنا.. سوف أعامله أو أعاملها ، و كأنها النفاية التي تنتظر أن يلتقطها عامل التنظيفات!
و أخيرا استطاعت أن تغضبه ، و لكنها جفلت من الغضب الذي أثارته. و استدار ليواجهها:
-أنظري يا فتاة... لا أهتم أبدا كم من الرجال تدعينهم إلى المنزل. فعمتي لم تعينني حارسا لك. أنت كبيرة كفاية لتعرفي ماذا تفعلين.. و إذا كانت طريقتك بالحياة العبث مع رجل بعد الآخر ، إذا تابعي طريقتك... و من أنا لأمنعك من التمتع؟ و لكن لا تهاجميني مثل كلبة متوحشة صغيرة ، و كأنما تسببت لك بإصابة ، أخرجيني من ذهنك ، فأنا لا أهتم بك ، و لا أهتم بالتطفل عليك. اعتبريني شخص حيادي، و غير مهتم ، و غير مبال بك إطلاقا.
و أرتجفت شفتاها ، و احمرت عيناها و صاحت بصوت جاف:
-أنا لست هكذا ، أنا لا أعبث مع الرجال. و أعتقد أن عليك أن تعتذر. يجب أن تعرف أنني لست هذا النوع من الفتيات.
-كل الدلائل التي شاهدتها حتى الآن تشير دون شك إلى العكس. أما بالنسبة للإعتذار... لن أعتذر و لو على حياتي! فأنت من بدأ الصدام!
و خرج من المطبخ...
كانت اللوحات ، تباع في مطعم جيميز بأسعار أعلى مما كانت ستحصل عليه لو عرضتها عبر قنوات عادية. نويل لم يكن يسمح لها بتعليق الكثير منها في غرفة واحدة. علقا أربعة في قاعة المطعم الكبيرة. و ثلاثة عند المدخل الواسع ، و أربعة أخرى على حائط مدخل غرفة المؤتمرات.
بعد الإنتهاء قال نويل:
-لقد قمت بواجبي و وزعت عمل صديقتي و سأجلس الآن و أمتع نفسي بإنتظار أول زبون يدفع المال لإحدى قطعها الفنية...
و تأبطت بليندا ذراعه و قالت:
-و الرسامة المحظوظة تحصل على شيك ضخم.
و رد عليها:
-أما أنا ، رجل الأعمال القنوع ، فأحصل على مبلغ عمولة أقل.
-تسطيع قبض عمولتك طالما تبيع لي اللوحات.
-و لكنني أرد الأرباح إلى العمل يا حلوتي ، هكذا يصر والدي... و لكنني أفعل هذا و أنا مسرور. سأدعوك إلى العشاء ، و لكن أمامنا ساعة قبل الموعد ماذا سنفعل؟
-سنجلس في غرفة الاستقبال بالطبع.
و أحست و هي تقول هذا بعدم الإرتياح ، فلماذا يظن الجميع أن الفنانات لا أخلاق لهن؟
-و أضيع ساعة مع فتاة جميلة في غرفة الاستقبال؟ ماذا تظنين بي؟ إضافة إلى أنني أريد أن أخطبك!
-لا تكن سخيفا يا نويل... و لا تتحدث بخفة عن مسألة جدية كهذه.
-و من يتحدث بخفة؟ تعالي معي لنسير في الحديقة ، نحن في شهر نيسان و قد حل الربيع. و أنت تعرفين ما يقال عن الربيع و عن الشبان. و أنا أرجو أن يكون للربيع نفس التأثير على الشابات أيضا!
الحدائق حول المطعم كانت مليئة بالزهور ، و الأشجار بدأت تطرح البراعم ، و شمس المساء كانت دافئة ، و قال لها نويل:
-تعالي إلى الخلف ، المكان أهدأ هناك.
و وجدت تلة خضراء تمتد صعودا من المطعم ، و تسلقاها معا.
و أخذ نويل يدها و قال:
-كنت أعني ما أقول.. يا حبيبتي!
-أنت لا تحبني يا نويل!
-لا أحبك؟ أحب النظر إليك ، أحب عينيك الحالمتين. أحب ابتسامتك ، شعرك ، و... و كل ما فيك... ماذا تريدين أكثر؟ أستطيع توفير الأمان لك ، و مستقبل مؤمن ، و كل المال الذي تريدينه ، و مرسم يتغلب على كل الفنانين. هذا بالإضافة إلى معارض خاصة بك.
و ابتسمت له:
-آسفة يا نويل... أنا لا أهتم بالزواج.
الزواج! الكلمة أعادت إلى ذهنها وجهه البارد و الوسيم ، كلما نظر إليها أوصل ساقيها إلى حالة شاذة من الضعف ، و حجم ذاتها إلى حجم طابع بريد. و جذبت يدها من يد نويل... و قالت:
-على كل الأحوال.. لا تعرف شيئا عني ، عن حياتي ، عن خلفيتي... و قطب جبينه و قال:
-و ما نوع خلفيتك؟
-الفقر... والدة أرملة مكافحة لتربي شقيقي و شقيقتي...
-هل هذا كل شيء؟ تزوجيني و سأسكب المال في حضنها إلى أن تعتقد أنني مجنون!
-آسفة يا نويل.. إنه لطف منك ، و لكنني لا أستأهل... سأكون صفقة خاسرة لك.
-أعتقد أنني أنا الحكم في هذا. فلدي الخبرة الكافية.
و حاول إقناعها ثانية و هما يتناولان العشاء. و انهمك السقاة بإرضاء ابن صاحب المطعم ، و الفتاة التي يعيرها كل هذا الإهتمام المحبب. و تمتعت بليندا بوجبتها ، و هي تعلم أنها بعد رفضها عرض نويل ، سيمر عليها زمن طويل لن تتمتع به بمثل هذه الضيافة.
و لكنها قللت من أهمية إصرار نويل ، إذ قال لها:
-إنها المحاولة الأولى. و عروض الزواج مني ستتبع في اوقات متلاحقة!
و أجابته بإبتسامة عنت بها تلطيف كلماتها:
-ستضيع وقتك سدى...
و قررت بقدوم نهاية الفصل الدراسي أن تقيم حفلة في منزلها. و وعدها براد أن يحضر للحفلة عددا كبيرا من الفنانين من كلا الجنسين ، و عندما دعت نويل وعد بإحضار عدد من الضيوف أيضا. و حذرتهما قائلة:
-إنها حفلة يحضر كل ضيف فيها طعامه ، فلست طباخة ماهرة ، و ليس لدي الوقت الكافي لتحضير الطعام.
بعد المدرسة ، و قبل أن يحضر غارث إلى المنزل. أخذت بليندا ترتب المكان بسرعة و تعيد ترتيب المقاعد ، و تبعد الآنية الصينية الفاخرة. فمع أنها تنوي كبح جماح فضولهم ، إلا أن الفنان عندما يرى شيئا جميلا ، لا تستطيع ضمان أن لا يتناوله متفحصا.
و فتح الباب ، و دخل غارث ، و ذهبت بليندا لتستقبله ، مترددة بخجل فقد كانا لم يتبادلا الحديث منذ أكثر من أسبوعين.
-غارث؟ سأقيم حفلة هذه الليلة... هل... هل تحب أن تنضم إلينا؟ سأرحب بقدومك كثيرا.
-شكرا لك.. لا أستطيع.. فأنا حيوان غير إجتماعي ، و أنا لا أختلط مع أقراني بسبب متطلبات العمل.
و شعرت بخيبة الأمل ، و لكن ماذا كانت تتوقع؟ قبول مرحب ، و كأنما هو واحد من ضمن حلقة أقرانها؟ من المؤكد أنه سيختلط مع أقرانها كما يختلط الأسد مع قطيع من الغزلان!
-هذا يعني أنك ناسك؟
-لن أذهب بعيدا إلى هكذا إدعاء ، لنقل إنني متعصب حول الناس الذين أختار لأن أكون إجتماعيا معهم.
-و أصدقائي ليسوا من الصنف الجيد بالنسبة لك؟
-أصدقائك ليسوا أصدقائي. و أصدقائي ليسوا أصدقائك. لنترك الأمر هكذا.
-كيف استطاعت عمتك أن تظن أننا سنستطيع العيش ما تبقى من حياتنا معا في سلام!
-من المستحيل حدوث هذا.. أليس كذلك؟ لقد وصفتيني بأنني اكثر شخص بغيض قابلته في حياتك.
و عضت على شفتها... و ناقشته ثانية.. دائما تجادل:
-و لماذا يجب أن تكون دائما مزعجا؟
و لكنه لم يرد ، و نظر إليها لثواني ، ثم استدار و ابتعد.
في البداية حضر إثنا عشر شخصا ، و بتقدم الأمسية وصل عدد أكبر ، و أحضر الجميع طعاما ، و أحضر بعضهم أطباقا و أكوابا من الممكن التخلص منها. و فتحت بليندا ، و فتاة أخرى ، علب السندويشات ، و الحلوى ، و البسكويت و وضعتاها في الأطباق.
و امتلأت غرفة طعام بليندا بالرجال و النساء بعضهم يجلس على المقاعد القليلة و البعض الآخر على الأرض أو يتكأون على الجدران ، و أحضر أحدهم مسجلة أدارها و جذب نويل بليندا من مكانها على الأرض و بدأ الرقص معها ، و لم تمض ثوان حتى انضم الأخرون لهما ، و توقفوا عن الرقص ليتناولوا الطعام و استمرت الموسيقى تصدح بصوت مرتفع ، و أرتفعت أصوات الضحك و الحديث لتتغلب على صوت الموسيقى.
و غادر أول ضيف الحفلة عند الواحدة بعد منتصف الليل. و لم يخرج آخر ضيف قبل الثانية. و عرض نويل على بليندا أن يساعدها في تنظيف المكان ، و لكنها عرفت أن ذلك حجة ليبقى معها على انفراد ، و في الردهة أخذها بين ذراعيه و قال:
-لقد قلت هذا من قبل.. و أقوله مجددا... هل تتزوجيني؟
-لا يا نويل.. لقد قلت لك...
و لكنه أسكتها بضمها إليه بقوة ، و سمعت صوت حركة في أعلى السلم ، فجذبت نفسها مبتعدة عن ذراعي نويل. و استدارت مذعورة ، و حدقت إلى أعلى السلم ، و لم ترى سوى ظل ، إختفى فورا...
هل سمعها غارث؟ هل شاهدهما؟ و دفعت نويل إلى الباب.
-لدي مدرسة غدا.. و لن أستطيع التدريس إذا تأخرت ، أرجوك إذهب. لقد تمتعت بوقتي.. شكرا لك.
و حاول جذبها ثانية ، و لكنها لم تستجب. و عندما ذهب ، جلست على الدرج و هي تعبة.. هل تنظف المكان الآن؟ غرفة الطعام لا تهم ، و لكن المطبخ... لو أن غارث يراه كما هو الآن...
و على الرغم من الأطباق الورقية و الأكواب البلاستيكية ، فإن العديد من الصحون و الأكواب الزجاجية جرى إستخدامها. و لن تسمح لنفسها بأن تترك حتى سكينا واحدة دون تنظيف.
ظهيرة اليوم التالي شعرت بالإرهاق ، و بألم حاد في رأسها و ضعف في ساقيها. و عزت ذلك لعدم نومها كفاية في الليلة السابقة. و عرض عليها براد أن يتولى آخر صف لها ذلك اليوم. فقبلت العرض و عادت إلى المنزل. و لكن بدل أن ترتاح بدأت بتنظيف غرفة الطعام.
و قبل أن يعود غارث ، صعدت إلى مرسمها و هي تشعر بإزدياد الألم في رأسها ، و كل ما تحتاجه الآن هو الدفء. و سمعته يصل ثم يدخل غرفة نومه. و تسللت بدورها إلى غرفة نومها ، و خلعت ثيابها و دخلت الحمام لتغتسل. و أراحها الحمام قليلا ، و لكنه لم ينعشها تماما. ثم عادت إلى غرفة النوم و أرتدت ثياب نومها ، و تذكرت بأنها نسيت زجاجة الماء الساخن لتضعها في الفراش.
و هبطت نحو المطبخ لتحضر الزجاجة ، فوجدته جالسا إلى الطاولة ، و قد وضع جريدة المساء أمامه ، يتناول طعامه. و وقف عندما رآها قائلا:
-لقد إعتقدت أنك تناولت وجبتك ، و إلا لتركت المطبخ لك.
-أرجوك إبقى حيث أنت.. أنا... لست جائعة.
-و هل تعشيتي في الخارج؟ ربما في مطعم جيميز؟
-لا.. أنا ذاهبة إلى الفراش.. فأنا تعبة.
-تبدين بالفعل شاحبة ، مع إحترامي لك ، التأخر في السهر لا يناسبك... فهو يوتر النساء، ناهيك عن إفساد الجمال...
-لست أهتم.. لست جميلة زيادة لأفسد جمالي...
-أنت تعلمين أن هذا ليس صحيحا.
و ساد صمت هنيهة ، و بعد أن ملأت زجاجة الماء الساخن قالت متحدية:
-و ماذا تعرف أنت عن مشاعر النساء؟
-أكثر ما تتخيلين.. فأنا لم أعش حياة رهبانية.
-ما تعنيه أنك استخدمتهن لحاجاتك الأنانية. ثم رميتهن.
-نحن نتكلم باشياء خطرة. و بلباسك هذا تبدين عرضة للتهجم. كل فلسفة تحرر النساء في العالم ، و التي تعرضينها علي الآن ، لن تحميك لو قررت أن أرمي كل تحفظ جانبا ، و أستخدم قوتي لأحطم كل حواجزك. ثم أنفذ ما قلتيه : أستخدمك لحاجاتي الأنانية ، ثم بعد ذلك أرميك...
و أمسكت بزجاجة الماء الساخن المطاطية و لفت يديها حولها ثم ركضت خارج المطبخ. و في الفراش حاولت أن تنام ، و لكن ألم الرأس كان يضربها و كأنه المطرقة على الجدار. و على الرغم من حرارة كيس الماء فقد إرتجفت.
و بعد برهة ، تسلل صوت إلى حلمها. و تبين لها بعد أن استفاقت تماما أنه صوت موسيقى تصخب عاليا حتى كادت تهز المنزل ، منبعثة من غرفة جلوس غارث ، و لا بد أن الباب مفتوح.
كان يعلم أنها نائمة. و يعلم أنها تعبة من الليلة الماضية.. إذا لماذا يفعل هذا؟.. للإنتقام؟.. طريقة دنيئة للإنتقام من الصوت الذي صدر عن حفلة أمس؟
كان وجهها يحترق ، و هي تقف شعرت أن ساقيها ضعيفتان ، و صرخت من أمام الباب بكل عزمها:
-أرجوك يا غارث.. أخفض الصوت!
لم يكن بإمكانه أن يسمعها ، فصوت الموسيقى مرتفع. و يجب عليها أن تنزل ، إذا استطاعت قدماها أن تحملاها. و عاد الألم إلى رأسها ، و أخذت تستند إلى درابزين السلم خطوة خطوة و يدا فوق يد و قدما فوق قدم.
و لم يرد عليها أحد عندما قرعت الباب. و أدارت المقبض و خطت إلى الداخل. لم يكن هناك. لقد أدار الصوت إلى أقصى إرتفاعه و غادر الغرفة. و بينما هي تنسحب من الغرفة ، سمعت حركة عبر الردهة و كان واقفا عند باب المطبخ ينظر إليها بسخرية... و قال:
-لقد عرفت الآن مدى الإزعاج. لقد عرفت كم هو مستحيل النوم في ظل أصوات تصخب و ترتفع.
و أمسكت بليندا بالباب لتتكأ عليه ، و نبضات قلبها تصخب ، و شفتيها جافتان ، و توسلت إليه قائلة:
-أرجوك يا غارث.. أرجوك أطفئ الصوت!
و بقي واقفا.. واقفا فقط.. في مواجهتها ، و ذراعاه متشابكتان و ظهره على حافة الباب. و استمر الصوت يصخب من خلفها و جسدها يرتجف ، و رأسها يتحرك من جانب إلى جانب صارخة:
-أرجوك.. أرجوك يا غارث.. أنا آسفة عن الليلة الماضية.. لن يحدث هذا ثانية ، أعدك!
-لا أصدقك!
سخريته ، أخلاقه التي لا ترحم.. قلة شفقته جعلت رأسها يسقط على صدرها و جسدها يرتخي.. و أخذت عيناها تتوسلان إليه و كأنها تقول:
"أعطني بعضا من قواك ، احملني ، أمسك بي..." و سحبت نظرها عنه.. ماذا تحاول أن تظهر؟ حاجتها إليه؟ حاجتها لحبه؟ و احتبس نفسها في حلقها. بطريقة ما يجب عليها الابتعاد عنه ، و عن الصوت المصم داخل الغرفة هذه. ستعود إلى فراشها و ستدفن رأسها في الوسادة و تغطي أذنيها.. لا يمكن لها أن تتوسل إلى برودة هذا الرجل الذي لا يحتمل..
و أمسكت بمقبض الباب لتدعم نفسها ، و خطت إلى الأمام و لكنها ترنحنت و بقي يراقبها... هل يظن أنها تمثل عليه؟ و قال لها دون مبالاة:
-لقد قلت لك.. سهر الليالي لا يناسبك.. و ما يبدو عليك الآن هو البرهان.
-غارث أنا مريضة... لست تعبة... بل مريضة.
و بقي غير مصدق لها. بقي حيث هو ، و ذراعاه متشابكتان. السلم كان بعيدا عنها ، و هي تحتاج للعون.. العون.. ممن؟ ليس من غارث غاردنر.
و تحركت قدماها ببطء و تحركت ساقاها معهما. و وصلت إلى أول السلم.. ثم إنهارت ، و وضعت يداها على أذنيها و صرخت بضعف و يأس. صوت الموسيقى كان يدفعها للجنون، و الرجل الساخر اللامبالي يمزقها بتصرفاته ، نصفها يكرهه و نصفها الآخر يريد عونه ، قوته أن تلفها بالمساعدة...
-ألن تكملي صعودك؟
و لم تستطع الإجابة لأنها كانت تبكي...
-ماذا تحاولين أن تفعلي ، أن تجعليني أشعر بالأسى عليك؟ أنت فنانة؟ أنت ممثلة!...
كان و كأنه يتحداها أن تكمل طريقها صعودا على السلم ، على هذا الجبل... و شدت على درابزين السلم ، و جذبت نفسها لتقف على رجليها. و لكنها ترنحت و وقعت... و تحرك كالبرق. و أصبحت بين ذراعيه دون حراك... ضعيفة و ترتجف. و رفعها و تحرك بها نحو غرفة الجلوس ، و ضغطت رأسها على صدره لتمنع صوت الموسيقى الداوي. و شعرت بالأمان عندما أطفأ الصوت. و شعرت في لحظة بأنها خارج الزمن.
و حملها برفق إلى غرفتها ، و وضعها في السرير ، و وضع الأغطية فوقها.. و عندها فقط لاحظت أنها لم تكن ترتدي روب المنزل.. و إنحنى فوقها ، و وضع يده على جبينها ، و ربت على شعرها:
-هل تقبلين إعتذاري؟.. لو أنني علمت...
-لقد قلت لك...
-أنا آسف.. هل تريدين أن أتصل بالطبيب؟
-لا.. شكرا لك...
-إذا لم تتحسني في الصباح.. سأستدعيه..
و سألته بقليل من القلق:
-أين أنت ذاهب؟..
هل استطاع أن يسمع نبرة الخوف في صوتها؟
-لأحضر لك بعض الحليب ، و أقراص دواء لتخفيض حرارتك.
كان البخار يتصاعد من الحليب عندما قدمه لها ، و ساعدها على الجلوس ، و سوى الوسادة من خلفها لترتاح عليها ، ثم قال لها:
-لقد كنت أبلها.. كنت غاضبا منك ، و الغضب أعمى عيناي عن الحقيقة.
و ابتعد عنها نحو النافذة و جذب الستارة لينظر إلى الخارج.
-بليندا؟ ألا تنوين أن تضعي حدا لبؤس صديقك و تتزوجيه؟
-من؟ نويل جيميز؟ إذا لقد سمعت ما قاله؟
-و كيف لي أن لا أسمع؟ لقد منعتيني من النوم بنجاح لساعات و كنت أتجول في المنزل أتساءل ماذا سأفعل عندما نظرت و شاهدت منظركما المؤثر ، و سمعت عرضه للزواج منك.
-لا.. لا أظن أنني سأتزوجه.
-و لماذا لا؟ ماذا تأمل فتاة بمركزك أن تنال أكثر؟ أم أن السبب براد؟
-أنا مولعة بكليهما..
-مولعة؟ ما هذه الكلمة مثل الحليب و الماء. لا تولعي بي أبدا ، أتسمحين؟ لا أستطيع تحمل ولعك.
إذا هو ينذرها ، يعلمها بأدب أن عليها أن تستثنيه عندما يتعلق الأمر بالزواج ، و لكن كلماته التالية أدهشتها:
-لو تزوجتك كما ترغب عمتي.. فماذا ستفعلين بالمال الذي سيعود إليك؟
و أعادت رأسها للوراء ليغرق في الوسادة ، و أخذ منها كوب الحليب الفارغ ، ثم وقف ينظر إليها ، ماذا ستفعل بالمال؟ ستعطيه لأمها. و لكن هذا شيء يجب أن تحتفظ به في مطلق الأحوال لنفسها يجب أن لا يشعر أبدا بأنه مجبر بالتضحية لأجلها بزواج من غير حب لا معنى له.
-ألم أقل لك؟ سأصرفه على نفسي أشتري به الأشياء التي طالما رغبت فيها.
و أدارت وجهها لتنظر إليه ، و أدركت من التعبير الذي كسى وجهه أنها ببطء و تأكيد تدفعه بعيدا عنها ، و تابعت:
-كل قرش منه سأصرفه على نفسي.. على نفسي فقط.
-شكرا لإبلاغي بهذا
و توجه نحو الباب... و أغمضت عينيها و قالت:
-هل صدمتك أنانيتي؟
-لقد أصابتني بالغثيان!
-و لكن ألا أتصرف بهذه الطريقة كامرأة؟ ألا أؤكد هكذا ما تؤمن به؟ ألا أبرر كرهك للجنس الآخر؟
و فتح الباب و هو يقول:
-استدعيني ليلا لو احتجت إلي...
و لم تحتجه ليلا... بل تاقت إليه.. و لكنها لم تستدعه...


**************************

* فوفو * 03-03-11 11:10 PM

الفصل الرابع
عطش الحب


لازمت بليندا الفراش في اليوم التالي. و عندما حضر غارث ليراها قبل أن يذهب إلى عمله قالت إنها تشعر بأنها أحسن حالا ، و مد يده ليلمس جبهتها فبادرته:
-ليس هناك حرارة... و لا لزوم للطبيب!
-و الطعام؟... هل تستطيعين تدبير أمرك؟.. لقد أحضرته لك..
-لطف منك أن تهتم بي يا غارث...
و هز كتفيه و خرج... و بدت و كأنها بعيدة عنه أكثر مما مضى. لن تستطيع لوم أحد لهذا سوى نفسها.
-سوف تمضي السيدة هوغند النهار معك إلى أن أعود ، لقد رتبت الأمر معها.
و مر اليوم ببطء ، و اتصلت السيدة هوغند بالمدرسة و إعتذرت عن بليندا. و بوجودها في المنزل ، لم تحتج بليندا إلى شيء ، فهي لا تزال شابة و عندها أطفال تربيهم ، و عاملت بليندا و كأنه من أطفالها ، حتى أمها لم تدللها هكذا من قبل:
-يجب أن أعتني بفتاة السيد غارث الجميلة.. تعليماته أن أبقى بين يديك.
-و لكن ، سيدة هوغند ، أنا لست...
و توقفت عن الكلام فلم تكن ترغب في أن تزعزع ثقتها. لقد دعاها "بفتاته الجميلة". و كيف له أن يصف الفتاة التي تشاركه المنزل؟ أكان يضع في ذهنه هذا عندما سألها عما ستفعل بمالها إذا تزوجته؟ و في الواقع ، كم من الوقت يستطيعان الإستمرار في العيش معا هكذا دون إثارة الأقاويل؟ و تابعت ردها على السيدة هوغند:
-أنا لست مريضة كثيرا... إنه إلتهاب خفيف ، و سوف يمر...
-علي أن أستدعي الطبيب إذا ساءت حالتك... هكذا قال السيد غاردنر!
عندما وصل غارث إلى المنزل ، أبكر من المعتاد ، صعد فورا إلى غرفتها. و كانت السيدة هوغند هناك ، تأخذ صينية الشاي. و جلس غارث على طرف السرير ، و أخذ يدها الساخنة و قبلها. فابتسمت السيدة هوغند و تركتهما و خرجت.. و سألته بليندا:
-و لماذا فعلت هذا؟
-إنه نوع من التغطية يا حبيبتي! فأنت فتاتي ، و الأكثر من هذا أنت خطيبتي ، و التقاليد تفرض هذا ، فنحن نعيش معا.. أليس كذلك؟
-لا تكن سخيفا يا غارث ، لنفترض أن عمتك سمعت بهذا ، فماذا ستقول.
-سترسل لي طالبة صور حفلة الزفاف.
-لن يكون هناك زفاف... لا يمكن. لا تستطيع الزواج مني.. فأنت لا تحبني!
-و هل يجب أن يكون الحب دائما من شروط الزواج؟
-بالطبع.. و كيف تفكر بطريقة أخرى؟
-كم عمرك؟ أثنان و عشرون؟ أم ثلاثة و عشرون؟ و لا تزالين في هذا العمر تحلمين بالحب الرومانسي مثل المراهقين؟
-منذ متى يعتبر الزواج عن حب حلم المراهقين فقط. الزواج دون حب لا يمكن أن ينجح... أتذكر الكلمات المنقوشة فوق الباب في الردهة: "غبي هو الرجل الذي يتخذ زوجة في حياته ، فيوم زفافه هو يوم مماته".
و ضحك ، ثم دخلت السيدة هوغند ، فانحنى غارث و قبل خد بليندا ، و دفعته بغضب عنها ، و لكن بإبتسامة عذبة على وجهها ، لأن السيدة هوغند كانت تراقبهما. و اضطرت لأن تقول:
-ستلتقط العدوى.
و ابتسم بكسل:
-قد أحب ذلك.
و قالت السيدة هوغند:
-هل هناك شيء آخر سيد غاردنر؟
و اجابها بالنفي ، و شكرها على عنايتها "بفتاته" فتنهدت:
-عمتك ستكون مسرورة جدا... هذا ما كانت تريده تماما.. أن تتزوجا.
و رن جرس الهاتف في الردهة و خرج معها ليرد.. و عندما عاد كان وجهه مكفهرا ، و كأن ما جرى بينهما لم يكن ، و قال بجفاء:
-صديقك رقم واحد.. أم هو رقم أثنين ، براد سترونغ ، يريد أن يعرف إذا كان يستطيع زيارتك؟
-الأفضل لا.. قد يلتقط العدوى.
و عندما عاد ، قال:
-أبلغت الرسالة ، و استقبلها بإستياء و عدم تصديق. أنت تعاملين أصدقاءك الرجال بقساوة أليس كذلك؟ أنا سعيد أنني لست واحد منهم!
-و لكنك قلت للسيدة هوغند إنك صديقي...
-هذا يسعدها ، فأخلاقها من الطراز القديم.. هل تريدين بعض الطعام؟ لا لزوم للامتعاض.. فأنا طباخ ماهر ، لو كنت رئيس طباخي جيميز ، لتضاعف عدد زبائنهم.
فابتسمت و قالت ساخرة:
-حسنا... أرني أسوأ ما عندك.
و نظر إليها متوعدا:
-أسوأ ما عندي أفضل من أحسن ما عندك ، أيتها الفتاة.
و لم تستطع إنكار هذه الحقيقة ، و أكلت كل ما قدمه لها بشهية.
و عندما أخذ الصينية علق قائلا:
-الطبق الفارغ أفضل إطراء للطباخ.
و قالت ضاحكة:
-هذا شيء لن أعرفه أنا أبدا...
و أخذ يضحكان ، و رن جرس الهاتف ، و وقف ممتعضا ، و خرج ، ثم عاد فورا:
-صديقك رقم أثنين: نويل جيميز ، يأسف لسماعه بمرضك و يسأل إذا كان يستطيع زيارتك.. نفس الرسالة السابقة؟
-أجل.. أرجوك..
فتنهد و قال:
-لم أكن أعتقد بأنني مدير الفرع الرئيسي ، و الذي ينحني لي كل الموظفين و يرتجفون و ينادونني يا سيدي ، سألعب يوما دور الحاجب لمدرسة فنون شابة غير معروفة.
و عندما عاد قال:
-لقد بلغت الرسالة.. و لكنه لم يوافق.. توقعي حضوره بعد عشر دقائق.
و نظر إليها ساخرا:
-بقليل من المكياج و تسريح شعرك قد تقنعينه بالإنضمام إليك ، و لكن يجب أن تفسحي له مكان في السرير لأن الأسرة الإفرادية ليست مريحة لشخصين.
-و كيف تعرف؟.
-أعرف بالممارسة...
و خرج ، فصاحت به:
-غارث... غارث... الأمر ليس كما تعتقد!
و حضر نويل ، و انحنى ليقبل رأسها ، و جلس قربها على السرير ، فابتسمت له و قالت:
-نويل أنا أريد ن أستفيد منك.
-أطلبي كل ما تريدينه يا حبيبتي! أنا في خدمتك! متى تريديني...؟
-توقف عن المزاح يا نويل و استمع : يوم السبت ، سأكون قد تحسنت ، و كنت وعدت أولاد صفي بأن أخذهم إلى الريف في نزهة ، و تمرين للرسم أيضا...
-و كيف أستطيع المساعدة؟
-هل تأخذنا بسيارتك ، إنها كبيرة...
-و ماذا أفعل أنا و أنتم ترسمون؟
-تجلس و ترتاح... و ستبدو جميلا حتى أنني قد أرسمك...
-شكرا للمديح.. حسنا سآخذكم.. و لكن العدل عدل.. يجب أن تقدمي لي معروفا بالمقابل
و أخرج علبة كبيرة من جيبه و فتحها ، و بدا فيها خاتم ماسي ضخم يلمع بشكل لا يصدق في العلبة المخملية، و قال:
-البسي هذا.
-و لكننا لسنا مخطوبين يا نويل.
-لقد قلت لك إنني لجوج.. هيا إلبسيه يا حلوتي!
-آسفة يا نويل...
-هل أستعجلك؟ حسنا.. سأنتظر!
-و لكنك ستأخذنا إلى الريف يا نويل ؟ أرجوك؟
-عندما تنظرين بهاتين العنين الواسعتين ، كيف لرجل أن يرفض؟
-شكرا..
-ألا أستحق أكثر؟
-إنني مريضة و هذا يجعلني ضعيفة.
فضحك و وقف:
-سأراك يوم السبت. في أي وقت؟ الساعة الثانية؟
و بعد أن خرج دخل غارث... و لا حظ وجهها المتورد فسألها:
-هل حددتما الموعد؟
-بالطبع لا.. و لكنه قدم لي خاتم الخطوبة.
و رفع يدها لينظر إليها فقالت:
-لقد أعدته إليه.
-إنك فتاة طيبة ، كم تحبين أن تبقي رجلك معلقا. أشكر الله إنني لست واحد منهم.
في الصباح التالي كانت لا تزال في السرير عندما دخل غارث ، بعد أن قرع الباب أولا.
-هل أنت أفضل الآن؟
-أجل شكرا لك. سأخرج من الفراش اليوم. و غدا أعود إلى عملي.
-و هل هذا أمر حكيم؟ و هل هو ضروري؟ على كل غدا آخر يوم في الدراسة ، أليس كذلك؟
-أجل إنه ضروري ، فمعلمين آخرين يتولون حصصي ، و هذا ليس عدلا لهم. على كل ، يوم السبت وعدت أن آخذ مجموعة من الأولاد إلى الريف ليرسموا ، و يجب أن أرتب أمر اللقاء بهم و ما إلى ذلك.
-و من سيوصلكم إلى هناك؟
-سيوصلنا نويل...
-سيمثل دور الأب؟ يتمرن منذ الآن على رعاية الأطفال.
-هذا لطف منه...
-لطف كبير أن يساعد فتاة يحبها.
و قطبت جبينها و أخذت ترتب الشراشف و هي تقول:
-مع السلامة.
-أنت تعرفين كيف تجعلين الرجل يشعر بأنه غير مرغوب فيه.. أليس كذلك؟
أحضر رجل البريد رسالة من السيدة دونيكان تقول فيها :
-أخبريني عن أحوالك يا بليندا. لقد كتبت لغارث و لكنه لم يرد ، كيف حالكما معا؟ هل خطبتما؟ لقد مضى شهران ، و بقي أربعة فقط لتستفيدا أو تستفيد القطط! أنا واثقة أن بإمكانك تحطيم حواجزه ، مع أنني أعترف أنها صلبة".
"أنتي جميلة جدا يا عزيزتي. و لك طبع جميل.. كيف يستطيع أن يعيش في نفس المنزل معك و لا يقع في حبك؟ أنت جزء من خطتي ، و أعلم أنني عجوز مزعجة ، لا بد أن طباعه أصعب مما تصورت ، بما أنه قادر على أن يقاوم سحرك حتى الآن! اكتبي لي ، و أتمنى أن تكون أخبارك جيدة... عمتك المحبة.. إيلين دونيكان"...
و بعينين دامعتين طوت الرسالة ، ثم استغرقت بالرسم ، لونت قليلا ، ثم رسمت قليلا ، و تجولت في البيت على غير هدى...
كان باب غرفة جلوس غارث مفتوحا ، فأدخلت رأسها عبر الباب بحذر و كأنه داخل الغرفة.
جلست في مقعده المفضل ، و أمالت رأسها على وسادة المقعد ثم دفنت رأسها فيها و كأنها تعانقه. و تركتها منزعجة من أفكارها و مشاعرها ، و سارت نحو الغرفة. على حافة المدفأة ، كانت هناك صورة ملونة لإمرأة في أوائل الثلاثينات من عمرها ، طويلة نحيلة ، و جذابة ، و كانت تبتسم ، عند الزاوية هناك كتابة جميلة الخط و منمقة:
-"إلى غارث من لوسيا.. سأفتقدك".
إذا هذه هي الفتاة التي تركها هناك ، إنها لا تشبهني ، و مررت يدها على شعرها الأشقر الطويل ، و نظرت إلى شعر المرأة القصير البني المتجعد ، و تفرست بملابسها ، أنيقة و مكلفة ، مع لمسة من عالم الأزياء ، ثم قطبت جبينها و قد تذكرت طريقة لبسها.
بعد دوام المدرسة ، اتصل بها براد و سألها إذا كان بمقدوره زيارتها ، و كانت تشعر بالسأم ، فلماذا لا يزورها؟ و قال:
-سأحضر بعد عشر دقائق.
و استقبلته في غرفة طعامها ، فجلس و أشعل سيجارة و نفخ دخانها و فتح حقيبته و أخرج بعض الرسومات و قال:
-هذه بعض الأعمال التي قام بها الأولاد في صفك. متى ستعودين إلى المدرسة؟ غدا؟ هذا جد. لقد قلق الأولاد الذين ستأخذينهم في الرحلة.
-آمل أن لا تمطر ، أنت تعرف الريف ، لا يمكن الحصول على طقس جيد هناك في مثل هذا الوقت من السنة.
-إذا أمطرت دعيهم يرسمون المطر... المطر الحقيقي ، إنه تمرين جيد.
الساعة بلغت الخامسة و النصف ، و في أي دقيقة قد يحضر غارث و براد لا يزال هنا. و لكن لماذا عليها أن تهتم إذا وجد غارث براد هنا؟ إنها ليست تابعة له!
لا بد أن غارث قد لاحظ رائحة دخان براد ، و بدلا من أن يصعد مباشرة إلى غرفته كما يفعل دوما ، دفع باب غرفة جلوسها. و أحنى رأسه لبراد بالتحية ، و نظر إلى بليندا بغضب ، ثم نظر إلى الرسومات المنتشرة على الطاولة و خرج ، تاركا الباب مفتوحا.
و عندما غادر سألها براد:
-لماذا فعل هذا؟ ماذا كان يظن أننا نفعل؟ نقوم بخيانته؟
-براد.. إنني لست متزوجة منه.
-قد يظن أي شخص آخر أنك متزوجة منه. لا أستغرب أن يقوم بتقييدك إلى الباب ، و بدلا من أن يكتب أمامك "إحذروا هذا الكلب" يكتب "إحذروا هذه الإمرأة" إنها لي...
و ضحكت بليندا:
-لك أفكار غريبة يا براد. لقد قلت لك إنه يعترف بنفسه بأنه يكره النساء.
-ليس هناك رجل طبيعي يكره النساء يا عزيزتي ، و خذي كلامي على محمل الجد ، هذا الرجل طبيعي تماما...
-إنه لا يطيق رؤيتي!
-ما بالك؟ لست واقعة في حبه؟
و احمرت وجنتاها ، فبراد يلاحظ بدقة كبيرة.
-أحبه؟ أستطيع أن أحب قطعة من الصخر بسهولة أكثر. إنه مصنوع من الصخر...
و جمع الرسمات و هو يقول:
-سأذهب عند أهلي لقضاء الأعياد.
ثم سار نحو الردهة و عاد ليقول:
-ألن أحصل على قبلة وداع؟
فأجابته:
-آه منكم أيها الرجال و من العناق.
و تقدمت نحوه و عانقته قليلا ، فقال:
-أيجب عليكي أن تكوني جذابة هكذا؟ لولا ذلك لما غازلك الجنس الآخر.
بعد أن حضرا وجبة عشائهما ، أخذ غارث طعامه و ذهب إلى غرفة الطعام. و أرادت أن تسأله لم هو غاضب منها؟ و ماذا فعلت له هذه المرة؟ و لكن الجو المتوتر بينهما منعها من السؤال.
بعدما أنهت غسيل أطباقها ، مرت من أمام غرفة الطعام بصمت ، فتقدم نحو الباب و قال:
-من سمح لك بدخول جناحي الخاص أثناء غيابي!
و احمر وجهها... كيف عرف؟ هل ملأ الغرفة بأجهزة تجسس؟
-و لكنني... لم...
-بل دخلتي.. لدي دليل أنك دخلتي...
و لحقت به إلى الداخل.. و مد يده إلى وسادة صغيرة موضوعة ، على الطاولة و قال: -الدليل رقم واحد.
و أشار إلى شعرتين شقراوين طويلتين متعلقتين بالمخمل الأزرق. و نظر إلى شعرها و نظر إلى الشعرتين:
-إنها لك.
-أنا آسفة.. و لكني لم أفعل شيئا خاطئا.. إنني فقط ...
فقط ماذا؟
هل عانقت الوسادة ظانة أنها أنت؟.. لقد جلست هنا فقط!
-و لكن لماذا؟ لديك جناحك الخاص.
-لقد كنت ضجرة... لا يوجد أحد أتكلم معه ، و لا شيء لأعمله. و أنا لن أمانع لو دخلت إلى غرفتي. فليس لدي شيء أخفيه ، فأنا أثق بك و عليك أن تثق بي.
-أوافق... و لكنني لا أحب أن تنتهك أملاكي على يد...
-تابع كلامك.. قلها.. قل على يد إمرأة ، و خاصة إمرأة تكرهها.
-يا فتاتي العزيزة.. أنا لا أكرهك... إنني فقط...
-إنك لا تهتم بي... و كأنني لا أعرف هذا!
و استدارت لتبتعد ، و لكنه أمسك بيدها و جذبها إليه.
-هل يهمك أن لا أهتم بك؟
-الأمر فقط.. أن لا أحد يحب أن يتجاهله الأخرون ، و أن يعامل و كأن الأمر لا يهم إذا كان موجودا أم لا...
-و لكن... لديك أصدقاء شبان كثيرون "يهتمون" بك. فلماذا تهتمين إذا لم أفعل أنا؟
و سحبت يدها منه و قالت بغضب:
-لقد قلت إنني آسفة ، لن يحدث هذا مرة ثانية.
و رد عليها:
-لقد سمعت هذا القول من قبل.
-لقد أغلقت باب غرفة نومك ، حسنا ، أقفل أبواب كل الغرف، فأنا لا أهتم!
و استدارت لتركض صاعدة السلم ، و رمت نفسها على الأريكة في مرسمها ، و حدقت في السقف ، كم ستسطيع تحمل الصدام معه؟ لقد قالت عمته "حطمي حواجزه" و لكن كيف لأية إمرأة أن تجد طريقة لأختراق دفاعاته الصلبة؟
صباح يوم السبت ، بعدما تناول غارث إفطاره ، حضرت لنفسها بضع سندويشات و بعض الكعك ، و زادتها قليا إحتسابا للطوارئ. كانت ستلتقي الأولاد عند باب المدرسة ، فقد وعد نويل أن يلتقي بهم هناك. و رن جرس الهاتف ، و كان نويل المتكلم ، و كان صوته ملئ بالإعتذار و الأسف:
-آسف حبيبتي... هذا المؤتمر يجبرني على البقاء. والدي غائب ، لذا يجب أن أبقى... ثم هناك عشاء سيتبع المؤتمر ، و من واجبي أن أكون موجودا ، أكره أن أخذلك. ربما تستطيعين إستئجار باص؟ و إلا عليك بإلغاء الرحلة.. آسف يجب أن انهي المكالمة...
و جلست بليندا على السلم و وضعت رأسها بين يديها. ماذا ستفعل؟ هل تخيب أمل الأولاد؟ و سمعت وقع خطوات وراءها ، و تنحت لتسمح لغارث أن يمر. فقال لها:
-آسف ، لقد سمعت حديثك هل خذلك نويل جيميز.
-ليس الذنب ذنبه.
-أنا لا أقول أن الذنب ذنبه... كنت فقط أنوي عرض المساعدة ، و لكن...
و استدار ليعود أدراجه ، و لكنها ركضت وراءه و هي تصيح:
-غارث!
و وقفت أمامه:
-أرجوك.
و وضعت يدها على ذراعه
-هل ستساعدني؟ سيكون رائعا لو أنك أخذتنا.
-الأطفال سيخيب أملهم إذا لم يذهبوا.. سآخذك من أجلهم فقط...
و سقطت يدها عن ذراعيه.. من أجلهم فقط... و ليس من أجلها. حسنا! ماذا كانت تتوقع منه؟ و ابتسمت:
-إذا تغذيت الآن.. أجل.. ما رأيك بتناول الشاي؟
و ركضت نازلة السلم نحو المطبخ و هي تصيح:
-سأصنع بعض السندويشات لك...
-سأصنعها بنفسي...
-كما تحب... لقد صنعت إبريقا من القهوة..
-سأصنع واحدا لي...
و عضت شفتها ، أليس هناك شيء يرغب في مشاركته معها؟
و جلس المراهقون الخمسة ، ثلاث بنات في الثالثة عشرة ، و صبيين في نفس العمر ، في السيارة على أحضان بعضهما. و ساد الهرج و الضحك في المقعد الخلفي لسيارة غارث. و كانت المرة الأولى التي تركب فيها بليندا في سيارة غارث. و قالت هذا ، فرماها بنظرة غريبة ، مقطبا:
-من النادر أن أسمح لإمرأة أن تجلس بقربي ، المقعد الأمامي لم يستخدم بعد.. و يجب أن يستخدم...
-أتفكر بأن تتخذ لنفسك صديقة ، و لكن لديك واحدة ، أليس كذلك؟
-و ماذا تعنين؟
تلك الصورة في غرفة الجلوس.. لوسيا.. التي تشتاق إليك.
و إبتسم قائلا:
-ظننت أنك لم تسترقي النظر في ذلك اليوم عندما دخلتي الغرفة.
-لو علمت عمتك بأمرها ، لما وضعتك في هذا الموقف السخيف المتعلق بي! لماذا لم تكن صادقا معها؟ لماذا لم تخبرها عن صديقتك التي تركتها تنتظر؟
-هذا ليس من شأنك! على كل أنا مصنوع من حجر ، أليس هذا رأيك! لذا فما نفعي لأية إمرأة؟
-لقد سمعت ما قلته لبراد!
-ألم تقصدي أن أسمع؟ كم من المؤسف أنني لست قطعة من الصخر المنحوت. لكنت وقعت في حبي بسهولة أكثر... أليس هذا ما قلتيه؟
-و ما نفع وقوعي في حبك؟ مكان قلبك يضيع فيه نهر جوفي!
و إبتسم غارث إبتسامة ساحرة..
و وصلوا إلى الوادي حيث يقصدون. كتل من الصخر المستطيل تقبع بروعة على ضفتي النهر. و ركضت البنات نحوها ليستكشفنها ، و أخذ الصبيان يضحكان و يلاحقانهن ، مهددان بدفعهن إذا لم يسرعن في سيرهن ، و وصلوا إلى الجانب الآخر من النهر.
و أمسك غارث بيد بليندا.
-تعالي... سأتأكد من وصولك إلى الضفة الثانية دون أن تقعي في الماء الجاري.
و خاضا إلى أول صخرة ، ثم إلى الأخرى ، تاركا لها الوقت لتدوس على الصخر المنزلق من الماء ، و صاح أحد الصبية:
-ادفعها في الماء يا سيدي.
-إذا لم تحسن تصرفها سأفعل!
و مضيا في طريقهما ، صخرة خلف صخرة ، و كانت بليندا مسرورة لأن غارث يمسك بيدها عندما كانت قدمها تنزلق مرة بعد مرة.
و عندما وصلا إلى الضفة الأخرى ، رفعها غارث و طوق خصرها بذراعه و أمسك بها قريبة منه للحظات قطعت أنفاسها. و تمتم قائلا:
-لا أريدك أن تقعي إلى الخلف...
و بينما ساروا جميعا ، انزلقت يده نحو يدها و أمسكها و كأنه لا ينوي أن يدعها تهرب من قبضته. و لأنها لم تكن ترغب في أن تترك يده ، كان من المستغرب أنه يرغب في أن يمسكها ، و سارت إلى جانبه ، و وجهها يعبق بالسعادة ، و ألوان عينيها تماثل ألوان النبات و الشجيرات و الأزهار من حولها.
كان يوما ممتازا للرسم و التلوين. و تجمع الفريق حول بليندا التي أخذت تشير إلى تباين الظلال و الشمس ، و كان فوقهم الصخور العالية ، و العشب الأخضر اللامع يحاذي المياه ، و شرحت لهم ، ما يفعله الماء و الريح عبر العصور في أماكن محددة من الصخور ليشكلها بأشكال غريبة ، مثل تلك الصخرة التي تماثل الأسد الجاثم ، لمن لهم الخيال ، و إبتسمت بسعادة لغارث الذي وقف يراقبها و يستمع. و قالت لهم:
-تستطيعون رسم و تلوين أي شيء تحبونه. نفذوا ما ترسمونه بطريقتكم الخاصة ، و حاولوا أن تتذكروا كل ما علمتكم في المدرسة حول "النظرة الخاصة" عوضا عن التطلع فقط. إذا كنتم تتطلعون إلى شجرة ، لا تنظروا فقط إلى أوراقها و أغصانها ، بل إلى المسافات بين هذه الأوراق و الغصون ، تستطيعون في الواقع أن ترسموا هذا الفراغ بدل الشجرة نفسها. و ستكون النتيجة مهمة...
و تفرقت المجموعة ، غير بعيد ، و أخرجت أدوات الرسم الخاصة بها و تجول غارث قليلا ، ثم قرر أن يستكشف الوادي بعمق أكثر. و خاب أمل بليندا ، فقد تمنت لو أنه بقي معها ، و لكن روحه الاستقلالية لا تتركه يستقر في مكان واحد ، و هذا ما سيعذب أية إمرأة قد يتزوجها في يوما ما.
و بدأت الغيوم تتجمع في السماء ، ثم تتكثف ، و لكنها لم تلاحظها. كما لم تلاحظ أن غارث قد رجع ، و جلس على مسافة قريبة منها يحدق بها.
كانت تسمع ضحك البنات و الصبيان و هم يتجولون بعض الأحيان مفتشين عن منظر أجمل. و استلقى غارث ليرتاح على كوعه ، و هكذا استرعى انتباهها. و حضرت بسرعة ورقة رسم جديدة و بدأت ترسمه ، و هو ثابت في مكانه مثل الصخور التي تحيط به ، مستغرق في أفكاره. و حاولت أكثر من أي شيء آخر أن تلتقط في رسمها الذكاء الذي يشع من عينيه ، بينما كانتا تجولان في المكان ثم تستقران ثانية عليها. و عندما أنهت الرسم خبأته بين الأوراق الباقية. و تنهدت دون قصد فنظر إليها، ثم وقف و انضم إليها و أخذ قلبها يتجاوب خافقا.
-يبدو أنك تحبين عملك.
-إنه حياتي...
-التدريس أم الرسم؟
-الأثنان معا. أحب أن أفتح عيون الأولاد على الأشياء من حولهم. ليس الجمال فقط ، بل الحزن أيضا ، الظلال كما ضوء الشمس أعلمهم الفن ، أعتقد أن هذا يعلمهم الحياة نفسها.
-إذا أنت لست فنانة عصرية ، أعني تلك التصميمات الغامضة و الألوان التي لا معنى لها؟
-بالطبع أنا فنانة عصرية. و لكنني لم أترك الفن التقليدي. كل منهما لديه شيء يعطيه للآخر.
-مثل الرجل و الإمرأة؟
-طبعا.. و لكنك لن تستطيع تصديق هذا لكرهك الأعمى للمرأة!
-أعترف أن لدي قناعات معينة.
-أنت صعب المراس!
-حسنا.. لقد عشتي معي لفترة شهرين الآن ، و يجب أن تكوني تعرفينني الآن جيدا..
-أنا لم "أعش معك" و أنت تعرف هذا.
-و لكن زملاءك لا يعرفون هذا. ماذا تعتقدين أنهم يظنون؟
-لا أهتم بماذا يفكرون! كل العالم يتوقع أن يكون تصرف الفنان شاذا ، و ماذا عن زملاءك؟
-إنهم لا يعرفون شيئا عن حياتي الخاصة. و هم يعتقدون أنني أعيش وحيدا.. لقد.. وصلتني رسالة من عمتي..
-و أنا كذلك.
-أعتقد أنها قالت نفس الشيء لك... متى الزفاف؟
-تقريبا... ماذا ستقول لها؟
-لا شيء... لن أرد على رسائلها.
-هكذا قالت. أظن أن هذا أمر ردئ منك. إنها عجوز رائعة...
-اكتبي لها عن كلينا ، و أخبريها أننا نتقدم بنجاح. قولي لها إننا نمسك بخناق بعضنا أكثر من الأول. لو كتبت أنا فماذا سأقول؟ هل أقول إن لديك اثنان على الأقل يحبانك و يتوسلان إليك للزواج منك؟
-هذا كلام خاطئ... فهما لا يحباني بالمعنى الذي تقصده.
-لا؟..
-لا.. إنهما مجرد أصدقاء.
و ضحك... و عاد الأولاد بسرعة بعد أن بدأت قطرات المطر تتساقط ، و ساعدها غارث بتجميع أدواتها و نظر من حوله:
-لنجد مكانا نلجأ إليه.
و قال صبي يدعى كنيث:
-هناك مغارة هناك.
و تبعه الجميع و وصلوا إلى المغارة. و كانت المغارة مظلمة و لا يوجد معهم ما يشعلونه. فتجمعوا معا قرب فتحتها ، و كان هناك بعض الحجارة التي جلسوا عليها و تناولوا الطعام و الشاي و هم ينظرون إلى المكان و قد غرق بالمطر. و إلى النهر الذي تسارع تدفقه كثيرا ، و الأغصان التي أنحنت بفعل ثقل المطر. و شعرت بليندا بإرتجاف من البرد مفاجئ... فتقدم نحوها و جذبها إلى قربه واضعا ذراعه حول خصرها. فحاولت أن تبتعد عنه ، و لكنه قال لها بصوت خفيض:
-إذا لم يكن هناك شيء أستطيع إعطاؤه لك ، فعلى الأقل سأعطيك بعض الدفء من جسمي. دعيني أقول لك سرا. أنا لست من حجر. لدي مشاعر و حرارة ، و عاطفة.. أنا من دم و لحم.
و إرتجفت ثانية ، ليس من البرد ، بل من شعورها بقربه منها ، و من ضغط جسده عليها. و للود المثير في صوته. و لكنها قالت محاولة أن تسخر:
-لن تستطيع خداعي.
-هل هذا تحدي.
-لا...
و شدها إليه أكثر و حاولت أن تبتعد ، و لكن متأخرة ، فقد وجدت نفسها بين ذراعيه ، و لفترة قليلة ، ثم جذبت نفسها مبتعدة عنه. و بجهد تمالكت نفسها ، و قالت للآخرين محاولة إيجاد جو تستطيع التوازن فيه:
-المطر بدأيخف لذا لنحاول أن نركض ، لا تتركوا شيئا خلفكم.
و أوصل غارث الأولاد واحدا واحدا إلى منازلهم ، و تلقى شكرهم و لوح بيده مودعا لكل منهم. و تمتم كنيث لهما و هو يضحك:
-حظا سعيدا سيدي ، آنستي.
و شكرته بليندا بإبتسامة ، و لكن عندما ذهب التفتت إلى غارث:
-سيعتقدون الأولاد أن هناك شيئا بيننا و سيقولون لأباءهم ، و...
-ظننت أنك قلتي إن الأمر لا يهمك؟ على كل هناك شيء بيننا... كمية ضخمة من المال.
و نظرت بليندا من نافذة السيارة ، و لاحظت أن الطريق الذي يسيران عليه لا يقود إلى منزلهما.
-أين أنت ذاهب؟
-لنتعشى...
-و لكن... بهذه الثياب؟
-و ما بها هذه الثياب؟
-وجهي... و شعري...
-هيا.. مشطي شعرك ، و ضعي بعض المكياج... و لكن ليس من أجلي ، أنا واثق أن نويل جيميز سيحبك كما أنت.
-أتأخذني إلى جيميز؟ لا أستطيع الذهاب إلى هناك...!
-و لماذا لا؟ إنه أفضل مطعم في المدينة. و أفضل مكان هو ما يناسب المرأة التي إختارتها عمتي لي لأتزوجها.
-لا تكن غبيا هكذا يا غارث ، فنحن لن نتزوج...
-ها قد وصلنا...
و أوقف السيارة ، ثم رافق بليندا إلى المطعم ، و بينما هما يدخلان وضع ذراعه حولها و جذبها نحوه. و كان نويل يقف في الردهة. و اتسعت عيناه بالدهشة ، ثم انقلبت إلى عدائية عندما شاهد غارث ، و لكن لتعلمه ضبط أعصابه في عمله ، إبتسم لهما إبتسامة زائفة... و أحنى غارث رأسه و قال لها هامسا:
-خلصي نفسك من هذا الموقف.
و زجرته بنظرة من عينيها ، فابتسم لها إبتسامة ساخرة. و رفع نويل يده مرحبا:
-أهلا بليندا... كيف كانت الرحلة؟ من أخذك ، أحد الأباء؟
-لا.. لقد أخذنا غارث.
-أوه.. هذا جيد.. عذرا يجب أن أذهب.. تمتعا بوجبتكما. سأعطي تعليماتي لرئيس السقاة ليخدمكما.. هذا أقل شيء أقدمه لفتاتي الجميلة!
و تناولا طعامهما ، و كانت الخدمة ممتازة و الطعام شهي. أفضل ما يمكن أن يقدم هذا المطعم الفاخر. و كان غارث يحاول جهده أن يرضي الفتاة التي ترافقه.
و علمت بليندا سبب ما يقوم به.. لمجرد إزعاج نويل... الذي كان يتجول في المطعم ، و في إحدى المرات و هو يمر ، وضع غارث يده على يد بليندا ، و سألهما نويل ، كمدير للمطعم ، إذا كانا يتمتعان بطعامهما. و أجابه غارث بكل كبرياء رجل الأعمال الناجح:
-بشكل ممتاز سيد جيميز! سنعود أنا و بليندا إلى هنا مرة أخرى!
و تركهما و ذهب. و التفت إليها غارث :
-هل نذهب إلى المنزل يا بليندا؟
و بينما هما يغادران توقف غارث لينظر إلى لوحات بليندا. و حدق بكل واحدة منها عن كثب متفحصا. و ظهر نويل و وقف عند طاولة الاستعلامات. فتقدم غارث نحوه و أومأ برأسه محييا ثم دفع فاتورة العشاء. و قال:
-أحب أن أشتري واحدة من هذه اللوحات.
-و لكن يا غارث... أستطيع أن أعطيك واحدة.. لا حاجة لأن...
-أعطني لوحة المنظر الطبيعي ، أرجوك.
و التفت إلى بليندا:
-و هل أقبل هدية من الفتاة التي أسكن معها؟ حبيبتي.. يجب أن يكون الأمر معكوسا. يجب أن أعطيك أنا الهدايا، لكل ما تقدمينه لي... من لطف..
و أعاد النظر إلى وجه نويل.
-كم ثمنها سيد جيميز؟
و ذكر له نويل الثمن و تحرك نحو الجدار ليحضر اللوحة ، و أخرج غارث دفتر شيكاته و قال:
-سأضاعف المبلغ.
و تمتمت بليندا و هي تجذب أكمامه:
-غارث.. لا حاجة لذلك.. اللوحة لا تستأهل كل هذا.
فابتسم لها ، ثم أخذ اللوحة التي غلفها له نويل.
-أنت متواضعة كثيرا يا حبيبتي! لا يجب عليك أن تقللي من قدرك هكذا.
هل أستطاع نويل أن يلاحظ السخرية في صوته و الزيف في قوله؟
و لاحظت على وجهه الاضطراب و البؤس... و كان غارث قد خرج...



* * *

* فوفو * 03-03-11 11:13 PM

الفصل الخامس

هل تتزوجيني؟

و ثارت بليندا في وجه غارث طوال طريق العودة. لماذا فعل هذا؟ و ما هي اللعبة التي يلعبها؟ من يحاول أن يخدع؟
-أتعاملني و كأنني أهمك ، و كأنني ملكك ، فتاتك! لا أعلم ماذا سيقول نويل الآن عني؟
-لا تقلقي. قيمتك ستزاد عنده ، سيرغب بك أكثر. فالغيرة تفعل في الرجل العجب... ألم يكن علي أن أحرر الشيك لك؟
-لا.. نويل سيعطيني واحدا آخر ، بعد حسم عمولته على البيع.
-أتعنين أنه يأخذ منك حصة؟
و ضحك عاليا:
-يا إلهي ! جيميز يأخذ عمولة على عمل فتاة مكافحة! صديقك هذا ولد و هو رجل أعمال. و لا عجب أن لدى أبيه هذه الثروة.
و بينما كان غارث يضع سيارته في الكراج ، ركضت نحو المرسم و هي تنوي أن تغلق على نفسها ، و لكنه لحق بها. كان مصدر عذاب لها أن يدخل إلى هناك ، يحدق بثمار تفكيرها ، بلوحاتها ، التي رسمتها من الجزء اللاواعي في فكرها ، التي تكشف للعين الناقدة أفكارها السرية ، عمق شخصيتها. و قال لها ساخرا:
-أين سأضع اللوحة التي أشتريتها بهذا المبلغ الكبير؟ في غرفة الجلوس كما أعتقد. يجب أن توقعيها لي و عندها سأظهر لزواري بأنني أعرف هذا الفنان.
-لم يكن عليك أن تدفع هذا المبلغ للوحة.. و لكن شكرا لك إنه كرم زائد منك.
و أخذ ينظر إليها و هي جالسة على الأرض قرب الأريكة.
-كنت كريما اليس كذلك.. حمدا لله! لقد أصبح لدي فضيلة جيدة ، أنا كريه ، لا أحتمل ، مصنوع من حجر ، و لكني كريم.
و أنحنى ليصبح عند مستواها:
-يبدو أنك تمضين وقتا طويلا هنا على الأرض ، لماذا؟
-لا أعلم. يبدو أنني أفكر بشكل أفضل و أنا على الأرض. هناك دائما مكان لم يستخدم على الأرض. الطاولات مليئة ، و الكراسي مغطاة ، و لكن الأرض.. إنها تصرخ لمن يستخدمها.
-الأرض للسير عليها ، و ليس لرمي النفايات عليها.
-من الجيد إذا أنك لن تتزوجني أليس كذلك؟ سوف تسأم من نفاياتي في وقت قصير ، و أنت تتعثر بها يمنة و يسارا.
-إلا إذا تعلمت أن أعيش على الأرض بدوري.
-ليس أنت ، ستبدو في غير مكانك هنا.. أنت جليل القدر ، متفوق ، مدير عالي الشأن.
-إذا أنا لست حتى من البشر الآن؟ إذا قلتي المزيد سأثبت لك العكس!
و وقف مهددا ، و خفق قلبها ، و لكنه ابتعد ، و أخذ ينظر إلى اللوحات ، و توقف لينظر في مجموعة موضوعة على الجدار. و أخذ يتفحص واحدة منها ، و ظهر تعبير غريب على وجهه و سألها:
-هل هذه صورة صديق لك؟
و نهضت بليندا لتنظر من فوق كتفه ، و ضحكت:
-بالطبع لا.. إنه موديل.. نحصل على دروس حية في المعهد. ندرس علم التشريح و ما إلى ذلك. نتعلم أن نرسم البشر في صيغتهم الأساسية.
-حسنا.. أجل.. لقد جعلتني للحظة أتساءل.
-تتساءل عن ماذا ؟
و عادت إلى رسمها ، و وقف قربها.. فقالت متسائلة:
-غارث.. أنت تعرف نوع عملي.. أخبرني عن عملك ، لقد ذكرت شيئا عن صنع أجهزة ترانزستور للكابلات تحت المياه.
-أوه... يا عزيزتي ، هذا أمر مختلف... كيف أستطيع ترجمة مثل هذا الموضوع العالي التقنية إلى لغة عادية؟
-و خاصة إلى فنانة غبية!
-أنت قلتي ، و ليس أنا.. في الوقت الحاضر نعمل في القسم الذي تصنع فيه الأجهزة. إنه يدعى غرفة العزل. لا غبار أبدا ، و يبدو و كأنه غرفة عمليات في مستشفى. الناس يتوجب عليهم إرتداء أقنعة على وجوههم ، محكمة ضد الهواء. و هناك ضغط مستمر على مستوى معين و رطوبة معينة. و من يعمل هناك يحصل على عصير الليمون المجاني للتغلب على جفاف الجو.
و وضع يده على رأسها و أداره لتنظر إليه ، فضحكت و أزاحت يده و قالت:
-يبدو الأمر مرعبا. و لكن ماذا تفعل هذه الأجهزة بالضبط؟
-إنها تدعى "المرددات" إنها تضخم الصوت ، و تجعل الرسائل أوضح ، و إلا لن تسمعي الرسالة أبدا.
-يبدو أن العمل دقيق جدا في هذه الأجهزة.
-لمن يعمل بها... أجل. و لكننا دوما نحسب حساب الأخطاء البشرية ، لذا نعيد فحص كل قطعة على حدة قبل استخدامها. و الآن و قد علمتي.. هل أصبحت حكيمة أكثر؟
-قليلا... و هل أنت مسؤول عن القسم كله؟
-أجل...
-و هل تدير القسم بنفس القساوة و الفعالية التي تدير بها حياتك؟
فاستدار إليها مبتسما:
-أجل... و إلا لما وصلت إلى هذا المركز.
-لا عجب إذا أنك تكره فكرة مشاركتي السكن. يجب عليك أن تعيش في شقة فخمة كاملة الخدمات كل شيء فيها جاهز و أي شيء تطلبه يصل إليك بكبسة زر ، و بدلا من ذلك تضطر إلى تحمل طريقة عيشي غير المحتملة ، و قلة نظافتي ، و الفوضى التي أدير بها منزلي ، حتى أنني لا أستطيع مساعدتك في الطبخ.
و انتظرت أن يقول لها كلمات رقيقة ، مطمئنة ، و أن يؤكد لها أن قلة براعتها في الأعمال المنزلية لا تهمه ، و لكنه لم يقل شيئا ، فتابعت كلامها:
-و هكذا ترى كم سأكون زوجة سيئة لرجل في مثل مركزك. و السيدة دونيكان تعرفنا كلانا ، فكان عليها أن تعرف كم هي سخيفة فكرة زواجنا. مع المال أو بدونه ، لا ألومك لعدم رغبتك في ربط نفسك بي. فأنا لست بمستواك الإجتماعي و لا العملي. و الزواج بيننا بكل بساطة لن ينجح.
و صفق على يده بمسطرة كان قد التقطها و كأنه توصل إلى قرار ما ، و أعاد المسطرة إلى مكانها ، و حدق عبر النافذة إلى الخارج:
-إذا كان الطقس جيدا في الغد ، سأذهب لقضاء عطلة. لدي عدة أيام عطل متراكمة من الأعياد الماضية. لذا سأوضب بعض الثياب و أذهب في سيارتي و أتخلى عن كل شيء.
-لوحدك؟
-أجل لوحدي. لماذا؟ أتحاولين أن تتصيدي دعوة؟ هل تنوين أن تتطفلي على عزلتي؟
و احمر وجهها ، و قد خاب أملها لقراره بالسفر ، و للسهولة التي يستطيع فيها إنتزاع نفسه ، من أصدقائه و معارفه... و منها. مما جعلها غاضبة دون سبب ، فقالت:
-هل تظن أنني أذهب في عطلة معك؟ لا.. شكرا. ستكون هذه العطلة بمثابة أيام راحة ، أستطيع فيها الخلاص من رفقتك للستة أشهر التي سأقضيها هنا.
و نظرت إليه و هو يغادر الغرفة ، و كانت عيناه باردتان:
-غارث؟ أين ستذهب؟
-لا أعرف ، و حتى لو عرفت لن أقول لك. فقد تقررين اللحاق بي و لن أتحمل هذا.
و أغلق الباب وراءه. حسنا لقد طلبت بنفسها هذه الإهانة ، أليس كذلك؟ و قد إنتقم منها ، و لن تستطيع لومه.
و أخذت الرسمات التي رسمتها له بعد ظهر ذلك اليوم ، لن تدعه يعرف عنها. ستكون ذكرى عنه تأخذها معها عندما ترحل إلى الأبد بعد أربعة أشهر. و بدأت أولى ضربات الفرشاة في تلك اللوحة بعناية و حب.
و في الصباح التالي ، سافر غارث باكرا دون أن يودعها. و اختبأت خلف ستارة غرفة النوم و أخذت تراقبه و هو يبتعد. كيف ستواجه عددا غير محدد من الأيام من دونه؟ أن تشعر به في كل مكان ، و صوته في أذنيها و لكن في غياب شخصه الحقيقي؟
ستسافر إلى أمها.. هذا هو الحل.
و استقبلتها أمها بالقبلات و الابتسام القلق ، و استقبلها شقيقها و شقيقتيها بعدم إكتراث معتاد. أمها بدت شاحبة و نحيلة. و بقيت هناك لأسبوع ، و لم ترتح في نومها على الأريكة في غرفة الجلوس ، و لكن لم يكن عندها مكان آخر تذهب إليه. و كانت تستيقظ كل صباح لترى ورق الجدران الممزق الباهت ، و السقف المشقق ، و الأثاث المهترئ.
لو أنها تحصل على ذلك المال ، لأعطته كله لأمها لتسعدها و تريح حياتها. و لو كان هناك الكثير ، لاشترت لها منزلا آخر ، في منطقة أفضل و أكبر من هذا. هذا المال محجوز ، و لن يكون لها ، إلا... و لكنها لن تستطيع أن تتزوج غارث. لن تستطيع أن تتزوج رجلا يكرهها بقدر ما تكرهه. إنهما يتحملان بعضهما إلى أن تنتهي الستة أشهر.. ثم.. وداعا... و سيخرج من حياتها إلى الأبد. سيسلخ نفسه من حياتها بالسهولة التي سافر بها هذه المرة ، ما عدا أنها هذه المرة هي التي ستخرج من الباب ، و لن يراقبها حتى من النافذة كما فعلت.
و شعرت بالراحة لإنتهاء الأسبوع عند أمها... يبدو أنه لم يعد لها مكان ضمن العائلة. و شعرت و كأنها خرجت من حياتهم كما ستخرج من حياة غارث.
و عادت إلى منزلها ، و لكن الكآبة لم تغادرها. فقد كان بإنتظارها ، الجدال ، و النزاع ، و سوء التفاهم ، مختبئة في زوايا غير متوقعة ، مستعدة للقفز في وجهها. و دخلت غرفتها ناوية العزلة حتى لا تقابله.
و وقفت عند باب المرسم مذهولة... كان هناك ، يحدق خارج النافذة و يداه في جيوبه. و استدار ، و لكنه لم يكن محرجا كما قد تكون هي في ظروف مماثلة. و قال دون تعبير:
-أنا أفعل مثلك.. تسللت إلى غرفتك دون إذن ، و لن أعتذر.
-لا تهتم.. ليس لدي شيء أخبئه.. لا شيء أبدا.
-لا شيء؟ إذا من ربح معركة تفضيلك... الولد الثري اللعوب أم زميلك الفنان؟ أراهن بكل مالي على الأول. لديه مال جاهز ، دون ذكر الخاتم الذي في جيبه ينتظر أن يحل في يدك حالما توافقين.
كانت تعبة كئيبة ، و العطلة التي قضتها جعلت حياتها أسوأ.
-لقد ذهبت عند أمي..
-حقا؟
-أجل.. عند أمي.. و إذا لم تصدقني إذهب و اسألها. ليس على هاتفها بل على هاتف الجيران. هاك الرقم.. هيا.. إذهب و اتصل بها.
و استدار دون أن يقول شيئا فقالت:
-و لماذا علي أن أقول لك عن كل تحركاتي؟ أنا لا أسألك عن أي تفاصيل.
-حياتي كتاب مفتوح.
-و كذلك حياتي.. ها قد عدنا من جديد... إلى الشجار و إلى بغض بعضنا.
و تدفقت الدموع التي كانت تنتظر الإنفلات ، و شقت طريقها على المسرح و كأنها ممثل ثانوي مصمم على أن يترك تأثيره. و هبطت بليندا نحو الأرض و استدارت لتريح وجهها بين يديها على الأريكة.
و رفعتها ذراعاه إلى الأريكة و أجلستها هناك و جذبتاها إليه. و كان صدره الصلب و تنفسه الثقيل تحت خدها و يده تمسح شعرها. و لم تستطع أن تجذب نفسها عنه لأن قدرتها على المقاومة تلاشت. كانت بحاجة إلى العطف ، حتى أنها كادت تطلبه ، و ها قد حصلت عليه. و أدار وجهها إليه بأصابع ناعمة ، و نظرت إلى عينيه المليئتان بالحنان و العطف. و تمتم:
-أخبريني ما بك.
و تدفق الكلام من فمها دون وعي. و أنهت كلامها عن وضع أهلها بقولها:
-والدتي قد تكون سعيدة بي لأنني أساعدها. و لكن أشقائي... أظن أنهم يغارون مني.. و لكن بحق السماء لماذا؟
و أغرقت وجهها في صدره... ثم وقف يحدق بها مفكرا. و قال:
-سأحضر بعض الطعام ، هل ترغبين بمشاركتي؟
-لا شكرا... لن أكون رفيقة جيدة لك.
-لعن الله الرفقة... لقد اعتدت عليك حتى الآن لأعتبرك مجرد...
و توقف عن الكلام. و علمت أنه قرر أن لا يخبرها كيف ينظر إليها.. ربما جزء من أثاث المنزل.. و لكنه قال:
-سأضع طعاما لأثنين.
و نظرت إليه ، و وجهها مشتعل ، و عيناها ثقيلتان من البكاء.
-لماذا تظهر كل هذا اللطف؟
-لماذا؟ الأمر واضح ، لأنك بحاجة إلى صديق ، إلى شيء صلب تستندين إليه.. أعتبريني ذلك الشيء.. فأنا قوي ، و صلب. و وقفت في وجه العديد من العواصف ، و أنا هنا عندما تحتاجين إلي ، تذكري هذا دائما.
و نظرت إلى القوة في وجهه ، إلى الجاذبية في جسده ، إلى أخلاقه التي يعتمد عليها. إنه يملك الإستقامة و المبادئ الواقعية. لو أن هناك إمرأة محظوظة بما فيه الكفاية كي تكون زوجته ، ستجده عنده كل ما تحلم به المرأة في رجل.
-حسنا.. هل مقاييسي متناسبة مع الولد الثري اللعوب الذي ما زال يطلب منك الزواج؟
و أرادت أن ترد عليه... مقاييس... أنت ترتفع عنه كثيرا... و لكنها ابتسمت و قالت:
-هذا سؤال من الأفضل أن لا أجيب عليه.
و وضع أصابعه تحت ذقنها:
-كل هذا و ديبلوماسية أيضا ، هناك شيئا في عينيك يجب أن أرضيه.
و رفع رأسها عن الأريكة و وضع وسادة خلف رأسها:
-قد أكون أكره النساء. و لكنني أعرف كيف أعامل المرأة ، و أستطيع أيضا أن أكون زير نساء عندما أشاء. ابقي هنا و انتظري ، و ألحقي بي عندما أدعوك.. هل تفعلين هذا؟
و احمرت و هي تنظر إلى عينيه.. لن ألحق بك بل سأرمي نفسي بين ذراعيك ، دون النظر إلى العواقب. و هزت رأسها موافقة:
-هذا جيد... سأذكرك بالأمر يوما ما.
و تناولا الطعام في غرفة طعامه. و كانت الوجبة لذيذة. كان يلفهما جو احتفال... و لكن بماذا يحتفلان بالضبط ، لم تستطع بليندا أن تتصور.
الأيام التي تلت كانت أقرب إلى الجنة ، و الاتفاق بينهما استمر. لقد وضعا بالفعل حال العداء بينهما على الرف... و لكن إلى متى.. لا أحد يعرف.
و أقبل شهر أيار و أقبل معه دفء الشمس. و عندما يكون غارث في الخارج... كانت بليندا تعمل في اللوحة التي ترسمها له. كانت اللوحة تبرز إلى الوجود تحت يديها ، بعد كل ضربة فرشاة.
مرت ثلاثة شهور ، و بقي ثلاثة قبل أن تضطر إلى مغادرة المنزل. و كان غارث في هذه الأثناء مرحا ، و على الرغم من الوفاق و الهدنة بينهما كانت بليندا تشعر في أعماقها أنهما عندما يودعان بعضهما ، لن يشعر أبدا أنها قد ذهبت.
في إحدى الأمسيات حضر نويل لزيارتها ، و قد بدد قدومه الهدنة بينهما و قلب علاقتهما إلى حالة الحرب القديمة. فقد عانقها نويل في الردهة و كان غارث ينزل السلم ، و عندما لاحظت بليندا النظرة النارية التي رمقها بها غارث شعرت و كأنها تلقت ضربة عنيفة ، فقد عاد في لحظة إلى الرجل البارد القاسي الذي كانت تعرفه من قبل.
-تعال فوق يا نويل... هناك لن يقاطعنا أحد.
هذه الدعوة لم تكن مصادفة. فلو أن غارث عاد إلى حالة الحرب فلديها أيضا أسلحة تجابهه بها.
-حول ذلك المعرض يا نويل... هل يناسب شهر تموز؟ أظن أنني قادرة على إنهاء كل اللوحات بهذا الوقت ، ما يكفي للغرفتين في "الغاليري" الذي قلت عنه.
-فليكن المعرض في تموز يا حلوتي. و ماذا ستعطيني بالمقابل.
-أنت تعلم جيدا ما ستحصل عليه بالمقابل.. العمولة.. و عند الإنتهاء كل مالك الذي دفعته عني.
-سأستغني عن المال إذا دفعت بطريقة أخرى ، أو قبلتي خاتمي.
-لن يكون هذا.. إنها صفقة عمل.
-و لكن رجل الأعمال عادة يمزج العمل بالمتعة. اكبري يا عزيزتي فالزمن يمر...
-إما أن تاخذ هذه الصفقة بجدية يا نويل ، أو انسى الأمر و ألغي المعرض.
-لقد ربحتي ، العمل أولا... ثم المتعة في أي وقت تقولين فيه تلك الكلمة الصغيرة "نعم".
و بعد أن بحثا تفاصيل الصفقة ، حضرت بليندا القهوة و بعد تناولها حاول نويل ثانية أن يغازلها و صدته ثانية ، و قالت له إنه يجب عليه أن يذهب ، لأنه مهما حاول جاهدا لن تقبل معه. فقال لها:
-أستطيع استخدام القوة يا حبيبتي!
-لا تستطيع و غارث موجود في البيت.
-إذا هو حارسك الآن.. أليس كذلك؟ ماذا بينكما؟ إذا كان هناك شيء ، فلماذا لم يصعد إلى هنا و يرميني إلى الخارج؟
-الأمر ليس كما تظن. على كل أنا تعبة يا نويل... و أنا أشكرك على دعمك لي و الاتصال بأصدقائك و تدبير كل شيء.. أنا فعلا شاكرة..
-الآن انت من تغلبت علي.. لقد أدرت سحرك ، هكذا أنتم النساء ، حسنا لقد فزتي ، و لكن فقط لأن حارسك هنا. و لكن عندما لا يكون...
و حالما غادر نويل المنزل ، أغلقت الباب الأمامي الثقيل بقوة لأن الزمن قد أثقل مزلاجه. و جلب الصوت غارث إلى الردهة ، و إتكأت بليندا على الباب. تنتظر هجومه.
و لم تكن مخطئة ، فقد عادت الأمور بينهما إلى سابق عهدها.
و ولت أيام اللطف و المجاملة ، و عادت أيام السخرية و الهزء.
-منذ متى و أنت عشيقة نويل جيميز؟
و طعنها السؤال كالخنجر و توقف الدم في جسدها.
-ما هو دليلك الذي أوصلك إلى مثل هذا الاستنتاج؟
-لقد إتهمتني مرة أنني دون خيال.. يا إلهي كم كنت مخطئة! لم يلزمني الكثير لأعرف ماذا يجري بينكما فوق رأسي.
السخرية كانت كاملة.. إذا لديه مخيلة ، و لكنه استخدمها بشكل خاطئ!
-أنت مخطئ... و لكن كل ما أقوله لن يقنعك.
-أنت محقة تماما... تعالي إلى هنا.
و لحقت به إلى غرفة الجلوس ، و كانت النار مشتعلة في المدفأة ، و لكن النار كانت الحرارة الوحيدة الموجودة هناك. و دعاها إلى الجلوس. و لكنها رفضت قائلة:
-سأخبرك بما كان يجري "فوق رأسك"! لقد كنا نتكلم... و بإمكانك أن تظهر عدم التصديق كيفما تشاء يا غارث ، إنها الحقيقة. ففي تموز سأقيم معرضا لأعمالي.. و نويل لديه صديق يملك في لندن "غاليري" و سيسمح لي باستخدام جزء منه لمساعدتي على الإنطلاق...
-و لكن ألن يكلف هذا الكثير من المال؟
-أنت على حق سيكون الأمر مكلفا.
-إذا من أين سيأتي المال؟ لا تقولي أن نويل جيميز سيقدمه مقابل استرجاع بعض خدماته منك...
و احمرت وجنتاها و لكنها لم ترد... فتابع:
-إذا تمثيلة "الابنة المسكينة" غير المرغوب فيها ، و التي جعلتني أفكر بك بشكل مختلف ، كانت زائفة.. نويل جيميز يرغب بك ، و سيدفع بسخاء كي يحصل عليك.. لا بد أنك تقدرين المال كثيرا ، ربما يجب أن أجرب يوما ما.
-كم في استطاعتك أن تصبح مهينا؟
-هذا لا شيء ، مع الوقت قد أضاعف ما أقول...
-هل أستطيع الذهاب الآن؟
-لا... هناك الكثير بعد لأقوله..
و أشار إلى كرسي لتجلس عليه ، ثم سار في الغرفة وعاد و وقف أمامها:
-ذلك المال الذي ربطتنا به عمتي. لو وقعت يدك عليه ماذا ستفعلين به؟
-لقد قلت لك... سأصرفه.
-على ماذا؟ على نفسك؟ على حاجاتك الشخصية؟
و حدقت فيه غاضبة. ستجعله يزدريها لدرجة أن يطردها من حياته فابتسمت له و قالت:
-طبعا.. كل قرش سأصرفه على ما أشتهيه ، على البذخ الذي أحلم به و لا أملك المال لتحقيقه: الثياب ، أدوات التجميل ، السهرات في أفخم الفنادق ، العشاء في المطاعم ، الرقص...
-أنت تريدين المال بقوة ، حتى أنك تفعلين أي شيء للحصول عليه... حتى لو تزوجت رجلا تكرهينه ، من دعيتيه مرة بالمكروه ، غير المتمدن ، و من لا يحتمل ، رجل لا يعرف معنى الأدب... أرأيت ، أنا لم أنس... ومع ذلك ستتزوجيني؟
-أتزوجك؟ أتزوج رجلا يكره النساء ، و يكرهني بشكل خاص؟
و لكنها تمنت لو أنها تضيف إلى كلامها: رجل أحبه كما لم أحب أحدا في حياتي... و قال لها:
-حسنا... فكري جيدا... أنا أعرض عليكي الزواج من أجل تحرير المال و جعله متوفرا بين يديك لحاجاتك الأنانية الخاصة... فهل تقبلي عرضي؟



* * *


* فوفو * 03-03-11 11:15 PM

الفصل السادس
زواج أبيض

أول فكرة تبعت صدمة كلماته كانت: "أمي! سأتمكن من مساعدة أمي!" و كان ينظر إليها و هي تفكر فسألها:
-أنت مترددة... لماذا؟ أخبريني هل لديك النية لقبول عرض نويل جيميز للزواج؟
-لا...
-و هل هناك نوع من الانجذاب ، إذا صح التعبير ، بينك و بين صديقك الفنان؟
-براد؟... لا.
-إذا بالتأكيد الميدان خال لي؟
و لم تستطع أن تجد ردا ، و سار نحو المدفأة و حدق بالنار قائلا:
-في الحقيقة لم أكن أتصور أنني من النوع الذي قد يتزوج. و لم يكن في نيتي أبدا أن أضع خاتما في اصبع إمرأة. و لكن بسبب مناورة ماكرة و واعدة من عمتي ، اندفعت نحو وضع لا مهرب منه. فإذا لم أتزوجك ستخسرين ذلك المال ، و معرفة أنني سبب حرمانك منه سوف تطاردني لما تبقى من حياتي... و لكن إذا تزوجتك...
و صمت طويلا ، ثم استدار من مواجهة اللهب ، و أعطى ظهره للنار ، و تابع:
-لقد اعترفتي بأنك تريدين المال الذي ستعطيك إياه عمتي.. هل تقومين... و أكرر.. هل تقومين بعمل أي شيء للحصول على هذا المال حتى أن تتزوجيني؟
-حسنا... أنا..
-أجيبي على سؤالي فقط!
-أجل يا غارث!
و أمسك بيديها المتشابكتين ، و أبعدهما عن بعضهما ، و سحبها لتقف على قدميها.
-حسنا.. سأسألك رسميا... هل تتزوجيني؟
و تنفست نفسا عميقا:
-سأتزوجك يا غارث!
-شكرا...
و ترك يديها و تحرك نحو النار ثانية ثم التفت إليها:
-سيكون زواجا بالاسم فقط. لن يكون هناك شروط. لن يكون عليك واجبات زوجية.. لن ألمسك ، إلا إذا طلبتي مني بالطبع! سيكون القرار لك بالكامل. و بالنسبة لي ستأخذين اسمي و لا شيء آخر. و سنستمر بالعيش مفترقين و بعيدين كما نحن الآن. و ستحصلين على المال ، و سيرتاح ضميري. هل يرضيكي؟
و أرادت أن تقول لا يا غارث.. أرادت أن تبكي ، أرادت أن تصرخ.. أنا أحبك. كيف سأتمكن من البقاء بعيدة عنك؟ و لكن إذا كان هذا ما يريده.. فهل تستطيع الرفض؟ إنه يصنع معها معروفا... يضحي بحريته... و السماء تعرف بماذا أيضا ، فعليها أن تطيع قوانينه! و قالت بهدوء:
-هذا يرضيني يا غارث.
و فكر للحظات و وقف قائلا:
-هناك شرط واحد ، سأطلب أن تلتزمي به... سوف تلغين كل علاقتك بنويل جيميز...
-و لكن يا غارث ، معرضي ، الذي يساعدني فيه..
و لكن النظرة في عينيه أوقفتها عن الكلام فهمست قائلة:
-حاضر يا غارث... و لكن... و لكنني عملت جاهدة لأحقق هذا المعرض.
-إذا كنت لن تتحملي فراق المال الذي ستحصلين عليه بعد الزواج ، فبصفتي زوجك سأصرف على المعرض.
بعد صمت مشحون.. تابع كلامه:
-غدا سأشتري خاتمين: واحد لخطوبتنا و الآخر لزواجنا ، الذي سيتم الأسبوع القادم ، و سأحصل على ترخيص خاص ، و تبعا للظرف الراهن سيكون زواجا هادئا ، هل لديك اعتراض؟
و هزت رأسها بالنفي.. فتابع:
-هل تريدين حضور عائلتك.
-أجل... أرجوك يا غارث.
-والداي غائبان في جولة حول العالم ، سأبرق لهم بالخبر... و تستطيعين دعوة من تشائين من أصدقائك. سيكون اثنان من زملائي شاهدان. أعلم أن على أهل العروس إجراء الترتيبات و لكن بالنسبة لنا أمك لا يمكنها ذلك.
-أنا آسفة يا غارث... و لكن...
-لا لزوم للشرح... أفهم الوضع تماما ، و أتحمل كامل المسؤولية...
-شكرا لك لتفهمك!
-سأحجز طاولة عشاء في أحد أفخم الفنادق ، و بعدها نعود إلى هنا لن يكون هناك شهر عسل بالطبع..
-أوافق على كل شيء تقوله..
-يا إلهي! ما هذه الطاعة! كم أنت راغبة بهذا المال! الأفضل أن تشتري لك ثيابا جديدة للحفلة و للمناسبات القادمة. إنك على وشك أن تصبحي زوجة مدير عالي المقام في مؤسسة عالمية و الزوجات تعتبر مساعدات للرجال في مثل هذا المركز...
-لا حاجة لأن تشعر بالخجل مني.. صحيح أنني من عائلة غير مرتاحة ماديا... و لكنني لست جاهلة للواجبات الإجتماعية... أعدك أن لا أخذلك ، و سأجعلك فخورا بي...
و حدق بها للحظات ثم تركها و انصرف.
كان غارث قد وعدها أن يأخذها من المنزل بعد إنتهاء موعد المدرسة لشراء الخاتمين... و بعدها سيحصل على الرخصة الخاصة بالزواج. و كانت بليندا قد اتصلت بأمها و أخبرتها عن الزواج. و بدت أمها مسرورة ، بعد دهشة المفاجأة ، ثم تقبلت الوضع دون سؤال. و أبلغتها بليندا أن غارث سيدفع لها مصاريف الانتقال.
و بينما كانت بليندا ترتدي ثيابها للخروج مع غارث ، دق جرس الباب. و خفق قلبها لدى سماعها الصوت. إنه زائر بالتأكيد. هل نسي غارث مفاتيحه؟ و لكن غارث لا ينسى شيئا.
و وقفت إمرأة شابة عند الباب تبتسم ، مدت يدها قائلة:
-آنسة هامر... لقد قال غارث إنك ستكونين موجودة.
و حدقت بها بليندا... المرأة طويلة ، أنيقة الثياب ، وجميلة... و قالت المرأة:
-أنا لوسيا اغنيس ، صديقة غارث.. أنا أعرفه من الأرجنتين. لقد أتيت إلى هنا لقضاء بعض الأعمال.
و مدت بليندا يدها مصافحة اليد الممدودة:
-أنا آسفة آنسة أغنيس ، أرجوك أن تعذريني... لقد كانت مفاجأة لي..
و ضحكت المرأة:
-آسفة لأنك لم تعرفي بقدومي.. بالمناسبة أنا السيدة أغنيس. لقد وصلت يوم أمس إلى لندن ، و أتيت إلى هنا صباحا.. و كنت أعرف أين يعمل غارث ، فاتصلت به و أعطاني عنوان المنزل و قال إنني سأجدك هنا.. لقد علمت أنك مدرسة.
و أخذت بليندا تفكر ، الخواتم التي سنخرج لنشتريها ، تراخيص الزواج... ماذا سيحصل الآن؟ هل أخبر صديقته بالخطبة و الزواج القادم؟
و قادت بليندا ضيفتها إلى غرفة الجلوس.. و قالت لوسيا:
-لن يتأخر غارث عن الوصول قال لي على الهاتف إنه سيأتي حالما يستطيع... هل تعيشين هنا؟
و أخبرتها بليندا كيف أن عمة غارث كانت تدعمها في أعمالها ، كي تشتهر لوحاتها ، و كيف أنها سافرت تاركة المنزل "براين ثورب" لبليندا و غارث مشاركة ، و تابعت:
-لدي مرسم فوق.
-و هل هو مليء بلوحاتك؟ كم أحب أن أراها!
في المرسم ، أعجبت لوسيا بأعمال بليندا ، و قالت لها بتقدير إن المرء ليس بحاجة لأن يكون خبيرا بالفن ليدرك قيمة لوحاتها.
-أحب أن أشتري لوحة... و لكن أعتقد أنها غالية الثمن؟
-سأعطيك لوحة لو شئتي.
و سرت لوسيا بالفكرة... و لكن يجب عليها الانتظار لتعرف أين ستبقى في المستقبل: في لندن أم تعود إلى الأرجنتين؟ و جلستا على الأريكة ، ثم قالت لوسيا:
-لقد كان زوجي صديقا لغارث. و كان كثير السفر ، و في إحدى المرات تحطمت طائرته.. و تركني مع طفلين. و كان غارث رائعا معي بعد وفاة زوجي. إنه من دعمني ماليا إلى أن وجدت عملا.. أنا أعمل الآن سكرتيرة. و أنا بارعة في اللغات.. و هذا يساعدني في عملي.
هكذا إذا.. عندما ترى بليندا غارث على إنفراد.. ستحله من وعده. إذ لا تستطيع أن تبقي رجلا على ارتباط معها و هو كاره ، رجل لا يحبها ، عرض عليها الزواج فقط بسبب وصية عمته الحمقاء.
عندما دخل من الباب قال صائحا:
-هل حضرت لوسيا؟
-إنها هنا يا غارث في المرسم.
و صعد السلم قفزا ، و للحظة حدق بزائرته و حدقت به ، ثم تقدمت منه و وضعت يديها على ذراعيه ، و وضع يديه حول خصرها ، و قبلها على خدها ثم أبعدها عنه قليلا و تمتم:
-أنت جميلة أكثر من الماضي... تعالي معي إلى غرفة الجلوس.. أرى أنك تواقة للحديث. سآخذك لتناول الطعام.. بليندا... إذهبي إلى غرفة الجلوس و سألحق بك.
و هزت لوسيا رأسها و خرجت ، و ردد غارث:
-بليندا.. يجب أن نؤخر ذهابنا لشراء الخواتم إلى الغد.. أعتقد أنك لن تعارضي؟
-غارث.. إذا كنت تريد...
و لكن غارث كان قد خرج ليلحق بلوسيا.
عندما حان وقت النوم ، لم يكن غارث قد عاد.. و في الصباح كان المنزل خاليا منه كما كان في الليلة السابقة ، لقد بقي طوال الليل في الخارج ، لقد بقي مع لوسيا..
و نهضت من سريرها و أرتدت ثيابها.. و بينما كانت تتحضر للذهاب إلى عملها رن جرس الهاتف:
-بليندا؟ أنا غارث. أنا في لندن ، لقد أوصلت لوسيا إلى الفندق. لقد تأخرنا كثيرا ، فلم أعد إلى المنزل... لقد بقيت هنا.
-فهمت...
-أرجو أن لا تكوني قلقة ، في الواقع أعتقد أنك لم تستفقدي لي ، أليس كذلك؟
أستفقد لك!.. لقد طاردني طيفك طوال الليل!
-ليس بالضبط... غارث إذا كنت تريد أن أحلك من وعدك الآن و قد عادت لوسيا.. فلا مانع عندي.. انسى أمر الخطبة. تظاهر أنها لم...
-سأعود وقت الغداء. و بعد المدرسة سآخذك لأشتري لك الخواتم ، و هذه المرة لن أخيب أملك.
خاتم الزواج كان عريضا من الذهب ، و خاتم الخطوبة كان مستديرا مرصع بالألماس. و وضع خاتم الزفاف في علبة ، و وضع خاتم الخطوبة في إصبعها ، دون قبلة ، حتى و لا إبتسامة.. و في الشارع خارج المحل شكرت بليندا غارث و لكنه لم يجب. و في الطريق حاولت أن تخبره بأنها لن تمانع إذا غير رأيه ، و سحب عرضه.. و لكنه لم يرد. و أغضبها تصرفه البارد فقالت له متحدية:
-ماذا تنوي أن تفعل؟ أن يكون لك زوجة بالأسم في المنزل ترعى شؤونك المادية و عشيقة في لندن تهرع إليها عندما تحتاج لحنان إمرأة و حبها؟
-إذا استمريت بهذا الكلام ، سأعتبر أنك تغارين.. و هذه ستكون مسألة غير مريحة في علاقتنا ، و هي تعني أنك ستورطيني بحالة عاطفية قد لا استطيع تحملها. و هذا ليس ضمن اتفاقنا...
-و لكنك ستتزوجني... فكيف تستطيع التكلم هكذا؟ ألا يعني الزواج لك شيئا؟
-أنت تعرفين لماذا سأتزوجك ، لذا لا تتظاهري بهذه البراءة. أنت تجرين وراء المال ، و لا أنوي أن يبقى وزرك في ضميري طوال حياتي.. و تستطيعين أن ترفضي الزواج مني.. و لكنك ستكونين و كأنك ترفضين المال أيضا...
و بقيت صامتة... فقال لها بلطف:
-لا.. في الواقع لا أعتقد أنك ستتراجعين و تلك الثروة في متناول يدك.
ثوب الزفاف الذي اختارته بليندا كان باللونين الزهري و الأبيض. و أطرى الناس بعد المراسم على مظهرها الجميل... أثناء المراسم بكت والدتها قليلا. و استمر براد بالابتسام و قد اقتنع بخسارة "فتاته" و زملاء غارث ، الكثير ، كانوا مقتنعين أن زواجهما هو عن حب. و جرت تعليقات عن مهارته في إخفاء سيدة أحلامه ، فكيف أنه خدعهم بتظاهره بكره النساء.
و أخذت "فلاشات" الآت التصوير تعمل ، طلب منهما أن يقبلا بعضهما ، و صاح أحدهم "أنظر في عينيها" و نظر غارث في عينيها و لكن كان ذلك و كأنه ينظر إلى مرآة في ضوء رديء.
و أقام غارث حفل استقبال في أفخم فندق ، و بعد تناول العشاء تدفقت التهاني و الأمنيات من الأقارب و الأصدقاء. و وصلت برقية من والدي غارث "غبطتنا بسماع النبأ كبيرة.. لقد تغلبت على كرهك للنساء. غبطتنا مماثلة للترحيب ببليندا في العائلة... الحب لكما معا". و جرى التصفيق و شرب الأنخاب للوالدين الغائبين. و همست والدة بليندا:
-لم أجلب الصغار معي.. ليس لدي مال لأشتري لهم ثياب جديدة.
-تبدين رائعة يا أمي.. هل هذا ثوب جديد؟
-أجل الثوب و المعطف ، و لكنني استعرت القبعة و القفاز. لقد أحببت غارث يا عزيزتي. يبدو لطيفا و يعتمد عليه. أتمنى لك السعادة. لا تتأخري بإنجاب الأطفال...
-أمي.. سأستمر بالعمل. لقد قررنا أن هذا أفضل... على كل أنا لا زلت في الثالثة و العشرين.
و أمتدت يد غارث و جذبتها إليه.
-ألا توافقين على اختياري لزوجتي يا حماتي؟
و عانقها بشدة ، و ومض "فلاش" آلة تصوير و صاح أحدهم:
-إذا كان هذا ما تدعوه "كراهية المرأة" فكيف سيكون شكلك و أنت "محب المرأة" يا غارث؟
و تمسك بفتاته أكثر و قال مبتسما لها:
-أسألوا زوجتي بعد أشهر من الآن.
زوجتي! يا لها من كلمة.. غارث ماض بتمثيليته إلى النهاية بإتقان. و كأنه فخور بها.. و يحبها... و قال لحماته:
-يجب أن تأتي لزيارتنا... لا تتأخري علينا ، و أحضري الأولاد معك. أريد أن التقي بأخي الصغير الجديد و بأخواتي الجديدات. ربما عندما أراهم سأعرف كيف كانت تبدو زوجتي عندما كانت بعمرهم.
زوجته ثانية! إنه يبالغ في التمثيل. و ضغطت بليندا على يده محذرة فاستدار و ابتسم لها. كان يعلم بالضبط ماذا يفعل ، و لا شيء في الدنيا سيوقفه ، بالطبع ليس ضغطة يد.
و إنتهى الإحتفال ، و أوصلتهما سيارة العريس إلى المنزل بعيدا عن المرح ، و الوجوه المبتسمة ، و تمنيات الحظ. و في ردهة المنزل وقفا و نظرا إلى بعضهما.
و أمسك بيدها و نظر إلى خاتم الزفاف الذهبي ، ثم نظر إلى الكلام المنقوش فوق باب غرفة الجلوس و قرأه بصوت مرتفع:
-غبي الرجل الذي يتخذ زوجة في حياته ، فيوم زفافه هو يوم مماته.
و جذبت يدها من ذراعه.
-و لكنك لا زلت حيا.. قد نكون متزوجين. و لكن لا تعتبر نفسك مقيدا بي. كان الزواج فكرتك.
-تصحيح... إنه فكرة عمتي!
-و لكنك كنت حرا... و لم يكن عليك أن تستسلم لهواها.
-لسوء الحظ ، لدي ضمير شديد التأثر. و لدي أكثر من شك في أنها كانت تعرف هذا. و هذا يعني أنها أيضا كانت تدرك أنني إذا استمريت في الوقوف بينك و بين المال فإن ضميري اللعين لن يتركني أرتاح لما تبقى من حياتي.
و تركها في الردهة لوحدها و ذهب. و بدل مسك الأيدي و الضم و الحديث العذب ، كان هناك الفراغ ، و التنهد ، و صدى يرن في داخلها و ظلال مجهولة للمستقبل. إذا كان هذا في أول يوم زواج لها.. فماذا يخبئ لها المستقبل؟
و خرجت نحو الحديقة ، و وقفت تتنشق عطر الأزهار و الورود ، رائحة المساء التي تعبق في الجو ، و لكنها سرعان ما عادت إلى المنزل ، و أقفلت الأبواب ، غير قادرة على التمتع بالهدوء و الصمت بينما هي في داخل نفسها تتعذب.
و صعدت إلى غرفتها ، و خلعت ثوب زفافها و علقته في الخزانة. و أرتدت ملابس عادية و خرجت حافية القدمين إلى المرسم و لكن بدل أن تأخذ الفرشاة لترسم ، و قفت تحدق خارجا عبر النافذة. و لم يكن هناك شيء مألوف في المشاعر التي في داخلها. و فتح باب المرسم ، فاستدارت. كان غارث يرتدي ثياب الخروج و سألته بصوت حاد:
-أين أنت ذاهب؟
-سأخرج.. لماذ؟ هل تريدين أن أبقى؟ لقد وعدتك أن لا ألمسك إلا بناء على دعوة منك! هل ستأتي الدعوة بسرعة؟
-إنه اتفاق عمل.. ليس أكثر بيننا. أنت قلت هذا. لقد وعدتني.
و أخرج ورقة من جيبه و قال:
-هذه وثيقة الزواج.
و رماها على الأريكة ، و شكرته ثم نظرا إلى بعضهما.
-هل كان عليك أن تدعو أمي لزيارتنا؟ كيف تستطيع أن تأتي؟ و ذلك الكلام عن لقائك بأشقائي ، هل كان عليك أن تنافق إلى هذا الحد؟ كل ما أظهرته لي من حب ، كان زائف و لا معنى له.
-لقد كان يوم زفافنا. كان علي أن أفعل شيئا نتذكره بشء من السعادة. حتى لو كان سببه لؤم سيدة عجوز. و كيف توقعتي أن أتصرف ، و كأنني في جنازة؟ و لديك الجرأة لدعوتي بالمنافق ، يا إلهي.. كم أنت ناكرة للجميل! بعد كل ما فعلته لأجلك لا أجد سوى الإنتقاد و الإهانة. لقد حصلت على خاتمي في يدك ، فلا تطلبي أكثر. تمتعي قدر ما استطعت بثروتك.. و لكن لا تعتبريني هدية على البيعة.
بعد لحظات سمعت الباب الخارجي يقفل ، و حدقت في الأرض لتجد بأنها تميل بها ، و رمت نفسها على الأريكة ، و خبأت وجهها بين ذراعيها و بكت إلى أن أقبل الظلام.
و أمضت أطول ، و أوحش ليلة عرفتهافي حياتها. و لم يعد غارث تلك الليلة. اليوم التالي كان يوم الأحد ، و شعرت بأنه لن ينتهي.. و عاد غارث قرابة المساء. و لم تذهب لرؤيته و لا هو سعى لرؤيتها.
و أخذت ترسم.. العمل وحده كفيل بإبعاد تفكيرها عن مشاكلها.. و تساءلت أين كان يا ترى. هل ذهب إلى لندن ثانية ليرى لوسيا؟ هل يحاول تعذيبها بقضاء ليلة زفافه مع لوسيا بدل قضاءها مع زوجته الشرعية؟
و خرجت إلى المدرسة باكرا صباح الأثنين. و اتصلت بالمحامي من هناك و أخذت منه موعدا وقت الغذاء.. و استقبلها بدعوتها السيدة غاردنر ، و صافحها بحرارة. و تفحص وثيقة الزواج و قال لبليندا إن المبلغ الشهري قد أصبح الآن لها. و سيرسله لها كل أول شهر ، و لكنها طلبت أن يذهب مباشرة إلى أمها.
و لكن المحامي أعترض قائلا:
-لا أظن السيدة دونيكان تحب أن يحدث هذا.. فالمبلغ لاستخدامك الشخصي سيدة غاردنر..
-إذا كان المبلغ لي ، فبالتأكيد من حقي أن قرر ماذا أفعل به.. أليس كذلك؟
و هز المحامي رأسه بالإيجاب..
-إذا أنا أريد أن أعطيه لأمي! أهناك مانع؟ على كل لدي زوجي الآن ليصرف علي. و هذا الأمر يجب أن يبقى سرا. لا أريد أحدا أبدا ، حتى زوجي أن يعرف بالأمر.
-سيبقى هذا سرا...
ذلك المساء.. كتبت رسالتين ، واحدة لأمها ، تعلمها بوصول المال إليها بإنتظام من الآن و صاعدا ، و الرسالة الأخرى للسيدة إيلين دونيكان تخبرها فيها بزواجها من حفيد شقيقها ، غارث غاردنر.
بعد بضعة أيام على الزفاف أتصل بها نويل جيميز و بادرها قائلا:
-حبيبتي أرجوك أن تقبلي إعتذاري ، لقد تخليت عنك لفترة طويلة ، و لكنني كنت مشغولا جدا.
و بهتت بليندا عندما سمعت صوته. لقد قال لها غارث أن تفسخ الصداقة بينهما.. إنه احد شروط الزواج. و لكن ماذا ستقول له؟ لست صديقتك بعد الآن.. و دائما؟
-أهلا يا نويل.. جميل أن أسمع صوتك.
-أنستطيع أن نلتقي؟ سأدعوك إلى العشاء ، غدا الساعة الثامنة مساء.
-نويل.. أنا.. سفة.. لأنني... تزوجت!
-أنت ماذا؟
-لقد تزوجت يا نويل.. تزوجت... غارث غاردنر.
-و هل لي أن أسأل متى؟
-السبت الماضي.
-أليس هذا أمر مفاجئ!... ليس الأمر حالة...
-لا.. ليس كذلك.. أخرج الفكرة من رأسك!
-آسف ، كنت أفكر بصوت مرتفع... و لكن لا يمكنك لومي.
و سمعت شخصا يتحرك خلفها ، و همس لها:
-أنت تعرفين ماذا قلت.. انهي علاقتك بنويل جيميز.
-نويل حول معرض اللوحات.. زوجي.. هو من يدعمني الآن و لكن.. و لكن أشكرك جدا يا نويل.. لكل...
-إذا كنت لن أشارك فيه يا حبيبتي ، فهو ملغى ، فصاحب "الغاليري" صديقي. و نحن نعمل معا. بدوني ليس هناك غاليري ، و ليس هناك معرض. تستطيعين القول لحارسك الذي أصبح الآن زوجك ، إنه يستطيع توفير دعمه المالي.
و أقفل الخط. لم يكن عليها أن تفسخ الصداقة. لقد فعل نويل هذا عنها. و كان غارث يقف متكئا على باب غرفة الجلوس و قال لها:
-هذه نهاية علاقة رائعة. لقد تحطم قلبي. ألن تنتحبي على حبك الضائع؟
-أنا لن أحصل على المعرض. لقد قال إذا لم يشارك به فلن يكون هناك تسهيلات لاستخدام "الغاليري". و بسببك خسرت أكبر فرصة لي. هل أنت مسرور الآن؟ لماذا لا تتبجح بانتصارك؟ لقد خربت مستقبلي العملي. و لن أحظى بفرصة أخرى أبدا.
-أبدا...
و بدأت بالبكاء. فقال لها:
-يا زوجتي العزيزة.. هناك أمكنة أخرى للعرض.
-أنت لا تفهم. إن الأمر صعب جدا على فنان غير معروف أن يحظى بمعرض يقبل حتى النظر إلى لوحاته. عليك أن تدور في كل لندن حاملا الرسومات. و عليك أن تدع مدراء المعارض يتفحصونها ، و ينتقدونها ، و يشيرون إلى أخطائك. و قد يقول البعض إنها جميلة ، و لكن لا تناسبهم ، و هذه طريقة مهذبة لقول "أخرج من هنا"
-استخدمي كمية المال الضخمة التي في حوزتك الآن. ستساعدك بالتأكيد لدفعك إلى عالم الفن.
-بهذا انت مخطئ لا تستطيع شراء عالم الفن.
-و ماذا يدفعك للظن أن عملك ليس بمستوى أن يكتسب عطف أصحاب المعارض عن جدارة؟
-لن أخدع نفسي.. أنا فنانة جيدة ، و لكنني لست لامعة. و عليك أيضا أن تضع الإطارات للوحاتك بنفسك ، و هذا يكلف المال ، و سيكون هناك إيجار الغرف في المعرض ، و مصاريف الدعاية في مجلات الفنون. و الصحف ، و الدعوات دون تدبير مقابلة مع الصحافة ، و النقاد و ما شابه.
لن أستطيع تدبير أمري بمفردي.. كان نويل سيساعدني.
-نويل.. دائما نويل.. إذا كان هناك نويل في حياتك طوال الوقت؟
-لا لم يكن الأمر هكذا! لم يكن!
و رمت نفسها على الدرج و بكت "كل هذا العمل" و انتحبت "لقد ذهب سدى" و وقف يراقبها.
ثم رفعتها يداه عن الدرج ، و قادها نحو غرفة الجلوس ، و نزع قطعة القماش الملطخة بالدهان التي كانت تمسح بها دموعها و أعطاها منديلا كبيرا قائلا:
-أظن أن هذا أنظف ، أقل تلوينا و لكن أكثر فعالية.
فشكرته و جففت دموعها. و جلس قبالتها و ابتسم:
-أنت تبدين و كأنك إحدى لوحاتك.
-صحيح؟
-أليس هناك غاليري في البلد؟ ألن يكون معرض محلي أفضل من لا شيء. و أقل كلفة بكثير؟
-ربما ، و لكن لن يكون له نصف الأهمية التي لمعارض لندن.
-أنا أعرف بعض أعضاء المجلس البلدي.. سأقوم بالتحري..
-شكرا لك..
و وقفت:
-سأغسل لك المنديل.
و لم يحثها على البقاء. بل هز رأسه ، و عندما وصلت إلى الباب قال:
-أنا آسف بشأن المعرض.
وهزت كتفيها و تابعت طريقها.
كان يلتقيان عند الإفطار كل صباح ، و لكن نادرا ما تبادلا الحديث. و مرة ، بينما كان غارث يدخل الحمام ، خرجت هي منه ، شعرها مبلل و مسترسل ، تعبق منها رائحة الصابون الذي استخدمته. روبها كان مفتوحا ، فلم تكن تعرف أنها ستلتقي بزوجها ، و ثوبها الداخلي كان قصيرا و يكشف الكثير ، و قد ارتفع عند الخصر ، متعلقا بالمنشفة التي كانت تجفف بها شعرها.
و نظرا إلى بعضهما لثواني.. و أحست بليندا أن أنفاسها قد علقت في رئتيها، تكافح لتخرج. شعرت بتأثيره عليها، بالجاذب الرجولي الذي يجذبها كطوق حول رقبتها. و كان عليها أن تكبح جماح نفسها لتبقى بعيدة عنه.
و تجولت عيناه فيها. و تحرك نحوها ، و لكنه كبح نفسه فورا و أدار ظهره لها و دخل إلى الحمام ، و أقفل الباب وراءه. و ركضت نحو غرفة نومها ، و أغلقت الباب و إتكأت عليه. تصرفها هكذا ، جاء من عمق مشاعرها. إنه زوجها و الرجل الذي تحب ، و أدركت الآن كم تتوق إليه بعمق ، أن يحملها و يجعلها زوجته ، لا بالاسم بل بالفعل.



* * *

* فوفو * 03-03-11 11:24 PM

الفصل السابع
قلبي الخائن

سرت والدة بليندا سرورا عظيما بهدية ابنتها من المبالغ الشهرية المنتظمة. و اتصلت بها في المدرسة وقت الغذاء. إنها تستطيع الآن أن تتحمل مصاريف إجراء مثل هذه المكالمة المكلفة. و سألتها إذا كان الأمر مناسبا.. و هل تستطيع أن تتدبر أمرها دون هذا المبلغ.
و شعرت بليندا أن الأمر يستحق كل هذا العناء ، لتسمع سعادة أمها تكاد تقفز من الهاتف ، إنها تستطيع الآن إعادة فرش منزلها ، و أن تشتري للأولاد بعض الملابس الجيدة ، و شراء سجادة و ستائر جديدة... و كتبت إيلين دونيكان رسالة مليئة بالسرور لبليندا. و عنونت رسالتها "أعزائي المتزوجان حديثا" و أضافت في النهاية "أرجو أن لا يطول الوقت قبل أن تنجبا لي ابن ابن ابن أخ أو بنت".
عندما قرأ غارث الرسالة ، ابتسم و رفع حاجبيه ، محاولا التعليق و لكن نظرة التحدي التي رمقته بها بليندا أجبرته على السكوت.. و طوى الرسالة و أعادها إلى المغلف قائلا:
-لا تصدميها.. دعيها تحلم أحلام الحب... فستتعود بالتدريج أن تتقبل عدم ظهور طفل. فلن يكون في هذا البيت "وقع أقدام صغيرة...".
في إحدى الأمسيات دعاها إلى غرفة مكتبه. كان جالسا إلى طاولته ، و لكنه وقف بطريقة رسمية و عندما دخلت طلب منها الجلوس. و فكرت ببؤس أنه يتصرف و كأنها غريبة عنه أتت لزيارته بخصوص عمل ما. و لكنها اكتشفت بعد بضع دقائق أن هذا فعلا ما أراد أن يراها بخصوصه.
جلس.. ثم حرك كومة من الأوراق أمامه و أخذ يقلبها:
-هذه فواتير أشياء عادية مثل الكهرباء و الوقود و ما شابه ، كذلك لتصليح و صيانة المنزل. عندما عشنا معا هنا في البداية. قلت كرجل محترم تماما إنني سأتقبل مسؤولية هذه الأمور دون أن آخذ أي مال منك. و لكن منذ زواجنا ، تغيرت الظروف ، و إضافة إلى راتبك كمدرسة ، تتلقين الآن مبلغا محترما. و أظن أن الوقت حان لأن تدفعي حصتك من هذه الفواتير.. ألا تظنين هذا؟
-و لكن.. و لكننا متزوجان الآن...
-بالضبط.. و هذا جعل مزيدا من المال يصل إلى يدك. و هذا كان هدف المسألة كلها.. أتذكرين؟
و أخذت تفكر.. بما أنها تعطي أمها الآن المبلغ الآخر ، فهذا يعني أن راتبها لا يمس.. و هذا بالتأكيد يكفيها لتغطية حصتها من الفواتير التي يتحدث عنها.
-أجل.. أجل يا غارث.. سأدفع.. حصتي..
-علي أن أضيف أن هناك فواتير أكبر ستأتي. ربما لم تلاحظي أن أجزاء من المنزل بحاجة إلى إصلاح. يجب مثلا أن ننتبه للاهتراء الذي قد يصيب الخشب ، و المنزل بحاجة إلى ديكور جديد من الداخل و الخارج. و نحن بحاجة إلى سجاد جديد في غرفة الاستقبال و الجلوس... هل توافقين على كل هذا؟
بينما كان يتحدث شعرت بذعرها يتصاعد ، و أمسكت برقبتها:
-حسنا.. حتى أكون صادقة لم أكن أفكر بكل هذا...
فتنهد ، و أرجع جسمه إلى الوراء و قال:
-أعتقد أن هذا هو الجزء الذي علي أن أدفعه لزواجي من فنانة حالمة. إنها تعيش في عالم خيالي لا يمسه أبدا عالم الواقع...
و أطبقت يديها.. أمامها مشكلة الآن.. من أين ستجد كل هذا المال؟ من مدخراتها.. لا بد أن تسحب من مدخراتها ، و أن تبيع بعضا من لوحاتها...
بعد ظهر أحد الأيام اتصل بها غارث ، عندما كانت قد وصلت لتوها من المدرسة:
-لوسيا هنا.. و سآخذها لتناول العشاء.. أعتقد أنك لا تعارضين؟
أعارض؟ بالطبع أعارض؟.. كيف تأخذ صديقتك إلى العشاء و لا تأخذني؟ أنا زوجتك؟ و لكنها قالت بكبرياء:
-تستطيع أن تخرج مع كل النساء اللواتي ترغب بهن.. أنا لا أهتم...
-ألا تهتمين؟
-لا.. فلن أكون لوحدي.
-و ماذا تعنين بكلامك؟
-لدي لوحاتي... أليس كذلك؟
و أقفلت الخط ، ثم فورا طلبت رقم براد:
-براد.. أنا وحيدة. سيكون غارث في الخارج هذه الأمسية. أتحب أن تأتي لتؤنسني؟
و علمت أنها إنما تطلب المشاكل ، هكذا شعرت عندما تردد براد قبل أن يرد. و لكنها لم تهتم ، فغارث زوجها سيخرج مع إمرأة أخرى. فلماذا لا تستطيع هي أن تكون مع رجل آخر؟ براد مجرد زميل لها.. و هذا كل شيء ، لا يعني لها سوى أنه صديق...
-طبعا يا عزيزتي ، ما الأمر ، هل تشاجرت مع زوجك؟
-بالطبع لا... الأمر فقط...
-لقد فهمت.. سآتي عندك بعد العشاء.
عندما فتحت له الباب كانت في حالة بائسة ، فدعته للدخول.
-تعال لتشاهد لوحاتي.
فضحك و قال:
-هذه دعوة تقليدية.
-أنا أقصد هذه الدعوة.. و لكن ليس بالطريقة التي تفكر بها.
-لقد أرحتني.. فلا أظن أنني أناسب أن أكون ثالث زوايا المثلث. و أعتقد أنني لا أهتم أبدا بمواجهة غضب زوجك إذا شك في أنني.. حسنا.. ما يقال له عادة ، نوايا شريرة تجاهك.
-غارث؟ لم يهتم أبدا.. هل أقول لك الحقيقة؟ إنه سيخرج برفقة إمرأة أخرى هذه الليلة.
-آه.. لقد عرفت الآن دوري في اللعبة...
-قل لي.. ما رأيك بعملي.. هذه هي اللوحات التي كنت سأعرضها. و لكنني الآن لن أفعل بفضل نويل جيميز. و لكن غارث اقترح أن أقيم معرضا محليا.
-هذا ممكن.. أنا أعرف صاحب المكتبة العامة في البلد ، و هو أيضا المسؤول عن معرض الفنون سأتحدث معه.. إذا رغبتي.
-أوه.. هل تفعل هذا لأجلي يا براد؟
-أمر غريب كيف أن أصدقائك من الرجال يحضرون لإنقاذك دوما.
-ليس لدي اصدقاء يا براد.. و لا واحد.
و أدارت عينيها الواسعتين الحزينتين إليه ، فأشار إلى كتفه و قال:
-أتحبين أن تبكي على كتفي؟
فضحكت ، و هزت رأسها بالنفي. و تحدثا عن الفن لفترة طويلة. ثم سألته بليندا:
-أتحب أن تشرب شيئا؟
فأجابها بالإيجاب..
-إذا تعال إلى المطبخ لنحضر القهوة.
بعد أن حضرتها قدمت له فنجانا و أستغرقا في الحديث حتى أنهما لم يسمعا الحركة من خلفهما ، و نادى غارث:
-بليندا...
و جفل براد ، و لكنها وضعت يدها على ذراعه و أجابت:
-أهلا غارث لم أسمعك تدخل المنزل.
-لقد وصلت لتوي.. أنا آسف.
و استدار و خرج.. ثم عادت بليندا و براد إلى المرسم. وتابعا حديثهما و كأن شيئا لم يكن. و ضحكت بليندا للفكاهات التي كان يقولها براد ، بصوت عال ، أكثر مما تستحق ، و أدار غارث الراديو عاليا حتى أضطرا إلى رفع صوتهما ليسمعا بعضهما، كان هناك لمعان زائف في عينيها و نوع من الهستيريا في ضحكاتها ، إلى أن سمعت صوت الباب الخارجي يصفق. و علمت أن غارث لم يعد يسمعها. لا بد أنه الآن سيعيد لوسيا إلى الفندق.
-سأذهب الآن ، قبل أن يعود محبوبك.. فلا أحب أن أشاهد منظر شجاركما عندما يعود.
-لن يعود.. على الأرجح سيمضي الليل كله خارجا يا براد.. كل الليل..
-لا تقلقي يا عزيزتي.. لا شيء من الممكن أن يكون بالسوء الذي تظنينه.
و خرج تاركا بليندا تحدق بالجدار. و لم يعد غارث سوى بعد وقت طويل ، و كانت لا تزال جالسة تحدق بالجدار. حتى عندما سمعت صوت أقدامه تصعد السلم ، بقيت حيث هي.
و وقف بالباب ينظر إليها.
-لقد أخرجت نويل جيميز من حياتك ، و ها أنت الآن قدمت مكانه بزميلك الفنان لقد استغليت غيابي القصير.. أليس كذلك؟ هل تمتعت بوقتك؟ هل كان عند حسن ظنك؟
-و لم لا... هل يجب أن تحصل على المرح لوحدك؟ لماذا أحرم نفسي لمجرد أنني زوجتك؟ و لكنني لست زوجتك أليس كذلك؟ أنا لست زوجتك؟
و حذرها شيء في داخلها بأنها تثيره ، و لكنها لم تهتم. و أمسكها و جذبها عن الأرض.
-و هل هذا ما ينقصك؟ إذا كان هذا ، فأنا أستطيع أن أعطيك إياه بالكامل.
و جذبها إليه.. و حاولت التخلص ، و لكن لم تجد القوة لمقاومته.
و قالت شاهقة:
-لقد وعدتني.. قلت إنك لن تلمسني إلا...
-ماذا كنت تفعلين إذا ، ألم تطلبي مني؟
-لا.. لا لم أكن أطلب منك! أنا أكرهك.. أكرهك!...
و تركها فسقطت على الأريكة ، و وضعت وجهها بين يديها و أخذت تنتحب... و تركها و خرج.. و عرفت في أعماق قلبها أنها قد أفسدت شيئا بينهما.. شيء كان ينمو و يتطور في داخلها حتى دون إدراك منها.
بعد هذه الحادثة ، انطوى غارث على نفسه. كانا يلتقيان دوما و لكن دون تبادل كلمة واحدة. و للسخرية ، أصبحت بليندا شاعرة بوجوده أكثر من الوقت الذي كانت فيه علاقتهما حميمة. كلما اقترب منها في المطبخ أو في الردهة. شعرت ببشرتها تقشعر ، و مشاعرها تتوتر. و لكنه بدا و كأنه لا يهتم بها أكثر من ظل على الجدار.
في صباح أحد الأيام عند تناول الإفطار قال لها فجأة:
-بعد بضعة أيام ، أتوقع وصول زائر ، أحد كبار المسؤولين في المكتب الرئيسي في نيويورك سينزل في الفندق ، و لكن بصفتي مسؤول الفرع هنا يتوقع أن استقبله في بيتي في إحدى الأمسيات.
و استجابت له بشوق ، لأنه تحدث معها ، و قلبها يخفق:
-أجل.. أجل بالطبع يا غارث!
-أتوقع منك أن تحضري وجبة طعام.
-وجبة طعام؟ و لكن.. غارث أنت تعلم أنني لا أجيد الطبخ...
-على الأقل حاولي.
-طبعا سأحاول ، و لكن..
-ثقي بنفسك قليلا..
و حدق بها ، ثم تركها و ذهب إلى عمله.
كانت تريد كثيرا ان ترضي غارث ، فذهبت إلى السوق يوم زيارة الرجل و أشترت بعض اللحم. و في المساء ، و قبل أن يحضر غارث ضيفه ، وضعت كتاب الطبخ أمامها و أخذت تتبع التعليمات ، و أخيرا أصبحت الوجبة في الفرن ، و الخضار مقطعة ، و الحلوى جاهزة و موضوعة في البراد.
في غرفة الطعام ، أعدت المائدة ، و وجدت شمعتين ملونتين ادخلت طرفهما في عنق زجاجتين قديمتين. و فتشت عن الملاعق و السكاكين الفضية فوجدتها ، و لكنها كانت غير لامعة كفاية ، و لا يمكن ان تنظفها جيدا قبل وصول الرجل. و وضعت كؤوس الكرستال على المائدة.
و حان وقت لبسها.. و فتشت ضمن ثيابها ، و تمنت لو أنها سألت غارث ما إّذا كان يرغب أن تظهر بثياب رسمية أو عادية ، و لكنها اختارت البساطة ، فانتقت ثوبا أبيضا بسيطا له ربطة عنق جميلة ، و حزام أسود ، و أرتدت حذاء أسود.
و شعرت بالتوتر و هي تنزل السلم ، و تمنت لو تهرب إلى مرسمها و تغلق على نفسها الباب حتى تنتهي السهرة. لم تكن قد لعبت دور المضيفة من قبل ، وهذه الزيارة مهمة جدا لغارث.. لو أنها فقط تستطيع أن تتصرف كزوجة حقيقية أن تشعر كزوجة حقيقية!
و سمعت صوت المفتاح في قفل الباب ، ثم فتح و كان الرجل يقرأ الجملة المكتوبة فوق باب المدخل ، ثم قال:
-هذا كلام رائع يا غارث.
و شاهد بليندا واقفة في الردهة بخجل ، فمد يده ليسلم عليها سلاما حارا:
-سيدة غاردنر؟ سعيد بلقائك ، أنا فعلا سعيد بلقائك.
ثم استرعى انتباهه الجمل الأخرى المكتوبة في الداخل فوق الأبواب ، فتحرك ليقرأها ، ضاحكا بصوت مرتفع:
-لا بد أن من كتبها يكره النساء هل هو أحد أسلافك يا غارث؟ و لكنك لم ترث مشاعره و هذا واضح. مع زوجة مثل زوجتك؟ لا أستطيع التصديق!
-بليندا.. هذا السيد سترونغ.. رودريك سترونغ.. سيد سترونغ هذه زوجتي بليندا.
-لأجل السماء يا رجل ، نحن لسنا في العمل. إدعوني رود.. بليندا.. و أنت أيضا.
فابتسمت بليندا و رفع رود يديه!
-لديك زوجة جميلة يا غارث إبتسامتها كالشمس المشرقة!
-إنها ليست جميلة فقط ، إنها فنانة أيضا...
-أتعني أنها رسامة؟ أترسم لوحات؟
و أحنت بليندا رأسها و قالت:
-في الواقع أنا معلمة فنون ، و لكنني أمضي وقت فراغي بالرسم.
و نظرت بخجل إلى زوجها:
-هذا يبقيني بعيدة عن طريق غارث.
و ضحك رودريك سترونغ ، و قدم له غارث شرابا ، ثم إلى بليندا و رفع كأٍسه قائلا:
-لنشرب نخب زوجتي الجميلة الكاملة.
و ركز نظره على بليندا ، فشاهدت لمحة من السخرية في عينيه. و جلس على ذراع كرسيها. و أخذ يدها بين يديه و بدأ يعبث بأصابعها قائلا:
-سأقول لك سر... إنها فنانة عظيمة ، و لكنها لا تعرف كم هي عظيمة.
و احمرت وجنتاها من الخجل لتقديره هذا ، و لكنها قالت لنفسها إن هذا كلام زائف ، و إنه يقول هذا لإسعاد ضيفه.
-ماذا ترسمين يا بليندا؟ هل ترسمين الأشياء القديمة القبيحة مثلي؟
-أنت لست قبيحا سيد.. يا رود. في الواقع وجهك يثير الإهتمام!
-صحيح؟ هل تعنين هذا؟ ارسمني إذا.
و فتش في جيوبه عن ورقة:
-هيا ارسمني.
و أخذت ترسمه بينما استمر الحديث ، و قال غارث و هو يمثل دور الزوج النبيل الفخور بزوجته:
-في الواقع إنها تريد عرض لوحاتها. و آمل أن أٌقنع بعض المسؤولين المحليين ليسمحوا لها بإستخدام معرض الفنون هنا لعرض أعمالها.
و تمتمت بليندا دون قصد:
-لقد قال براد..
ثم توقفت مذعورة.
-و ماذا قال براد؟
-لا شيء.. لا يهم.
و سألها رودريك:
-أين هي لوحاتك.. لا بد أن لديك مرسم في مكان ما؟
-إنه موجود فوق.
-هل نستطيع أن نصعد و نرى لوحاتك.
-أرجوك رود.. بضع دقائق أخرى فقط...
-آسف يا بليندا لا أستطيع إلا أن أتحرك ، إسألي غارث ، أعتقد أنني لا أستطيع الجلوس لترسمي لي لوحة ، من سيرسمني يجب أن يركض ورائي و الفرشاة بيده محاولا اللحاق بي!
-ها قد إنتهيت...
و رفعت الرسم ليراه غارث.
-هل هو جيد؟
-جيد؟ يا حبيبتي إنه رائع! أريه لرود!
و تنهد رود قائلا:
-يا إلهي! كم أنا سعيد برؤية عصفوري حب مثلكما! تعالي أيتها الشابة دعيني أرى وجهي.
و أخذ الرسم منها و صاح:
-إنه جيد.. جيد.. وقعي لي عليه هنا ، لديك شيء رائع في يديك و رأسك.. أين هذه اللوحات يا غارث؟ خذني لأراها.
في المرسم أخذ رود يتجول ، يلتقط الفراشي ، العلب الفارغة ، أنابيب الدهان. و أرته بليندا لوحاتها ، فتفحصها واحدة واحدة ، معجبا بها ، مقدرا لها ، دارسا لكل تفاصيلها. و طوال الوقت سار غارث و يداه في جيوبه ، ينظر إلى الرسمات المتناثرة ، و الرسمات التي لونتها.. و قال رود و هو يرفع إحدى اللوحات:
-أستطيع فهم رسومات الأشخاص ، و أواني الفاكهة ، مزهريات الزهور.. و لكن هذه.. و هذه.. إنها أبعد من تفهمي الفتي... هيا قولي لهذا الشخص غير المثقف.. ما هذا؟
-إنها فن تجريدي ، في الواقع بسيطة جدا. أنظر إليها و كانها رموز ، و كأنها تمثل شيئا.. أترى.. في الفن ، يتم التعبير عن الشعور الإنساني بالرموز.. الفنان يستخدم الأشكال و الألوان ليعطي المعاني..
-اتعنين أن كل هذه الأشكال و لطخات الألوان تقول شيئا؟
-في أعماقي هناك مشاعر أستطيع أن أعبر عنها بطريقة يومية عادية ، و ها هي ، على الورق لا بالكلمات ، و لكن بخطوط و أشكال و ألوان.. لغة الفن.. و أنا أحب أن ألعب بالأشكال. هل لاحظت أن هناك نماذج محددة ، نماذج عادية رمزية في الطبيعة؟ ليس فقط أشكال ندف الثلج التي نعرفها كلنا ، بل أشياء مثل ذرات الغبار و قفير النحل و الدبور و حتى قطع من المرجان و الكرستال؟
-تابعي كلامك.. لقد سحرتيني...
-هناك نموذج عادي تكونه الريح عندما تضرب رمال الصحراء. و نفس النموذج موجود عند الشواطئ من صنع المد و الجزر ، تستطيع أن تجد نماذج جميلة بين الأصداف و أجنحة الفراشات و هناك نماذج و رموز في كل الطبيعة ، و كل منها له خاصيته و هدفه.
-هل هذا صحيح؟ و يقال إن الفنانون حالمون!
-هناك الكثير من علوم الطبيعة و الهندسة في الرسم ، دون ذكر ضرورة معرفة علم التشريح و ما شابه.
-و هل تعلمين كل هذا للأولاد؟
-للكبار غالبا. أما الصغار فلهم أسلوب آخر.
و وقف رود قائلا:
-أهنئك يا غارث على حسن اختيارك لزوجتك إنها إمرأة عظيمة.. فعلا عظيمة!
-هل عرفت الآن لماذا أردتك أن تلتقي بها؟
-يا رجل.. لديك شيء تفتخر به. هل هذه اللوحات للبيع؟ سأشتري العديد منها. قولي السعر الذي يناسبك؟
فضخكت بليندا:
-آسفة يا رود ، فأنا أتأمل أن أعرضها. بعد ذلك قد يكون هناك ما أستطيع بيعه.
-سأكون قد رحلت.
-حسنا.. ممكن أن استغني عن بعضها.
-جيد.. هذه الفتاة الشابة؟
-إنها فتاة ادرسها ، تستطيع أخذها.
-و هذا الشيء الملون؟ إنها عظيمة ، سأعلقها في منزلي ، و سأكون مسرورا و أنا أراقب الناس تحاول فهمها! أتعرفين ماذا سأقول لهم؟ سأقول إن الفنانة نفسها لا تعلم ما هي! و الآن كم ثمنها؟
و عندما ذكرت الثمن صاح:
-هذا فقط؟ أنت مجنونة؟ غارث عليك أن تضع رأسا تجاريا فوق أكتاف هذه الفتاة.
-رود صدقني إنها بارعة ، و هي تمتلك الحس التجاري. و ليست بحاجة إلى التعليم...
و نظرت بليندا غلى ساعتها بذعر ، "الطعام!" و أسرعت نحو المطبخ و قلبها يخفق. كان الجو عابقا بالدخان ، من الطعام المحترق! اللحم في الفرن ، و الخضار فوق النار كل شيء قد تلف! لقد نسيته كله.. كيف أستطاعت أن تنسى ، و هناك ضيف مهم عندها؟ و لحق بها غارث ، ثم رود ، و أخذت بليندا تصرخ:
-غارث.. لم يبق شيء لنأكله ، كل شيء احترق.. أوه يا غارث أن آسفة.. آسفة..
و أخذت تبكي.. و أحاطها بذراعيه و ضمها إليه ، و خبأت رأسها في كتفه و تعلقت به و هي تنتحب:
-لا أمل بي.. لست نافعة.
و ربت رود على ذراعها:
-هيا يا عزيزتي.. لا تبكي.. إنها غلطتي.. لقد شغلتك بالكلام ما رأيك يا غارث لنذهب للعشاء في الفندق.
و أبعدها غارث عنه قليلا و قال:
-ما رأيك يا حبيبتي؟ لا نستطيع فعل شيء آخر ، أليس كذلك؟ هيا غيري ملابسك... سأترك لك عشر دقائق.
و هزت رأسها ، ثم ركضت نحو غرفتها.. عشر دقائق.. ليس الوقت كافيا لتغير ملابسها.. و ترتب شعرها و تعيد تزيين وجهها.
و وضعت نصب عينيها مركز غارث ، و المكان الفخم الذي سيتناولون الطعام فيه ، فأخرجت من الخزانة ، ثوبا من المخمل الأزرق الغامق ، بطول الكاحلين عالي الياقة ، دون أكمم و يكشف عن الكتفين.
و قبل ان ترتديه ، شاهدت غارث يقف بالباب.
-قلت لك عشر دقائق...
و أخذ يتفحصها من قمة رأسه إلى أخمص قدميها ، و في حركة دفاع عن النفس ، مدت يديها بسرعة و التقطت الفستان.. و لكنه قال:
-إنتظري!
و تقدم نحوها ببطء ليقف أمامها ، و جذبها نحوه و تمتم:
-ألم يحن الوقت بعد لأن تتخلي عن موقف "لا تلمسني" الذي تبنيتيه ضدي؟ ألم يحن الوقت بعد لتدركي كم أنت سهلة المنال بالنسبة إلي؟ و نحن نعيش لوحدنا في هذا المنزل إذا كنت تظنين أنني سأنتظر إلى ما لا نهاية لأحصل على ما هو حقي بالقانون..
و تحركت يداه لتجذبها أكثر.. تجاوبها معه أذهلها... لو أنها سمحت له بالمضي اكثر.. سيكتشف الحقيقة ، حقيقة أنها تريده ، ليس "كشريك عمل" بل كإمرأة تريد زوجها الذي تحبه.
و تصلبت بين يديه ، و كأنها لا تطيق لمسته ، فتركها فورا ، و ابتعد:
-إذا فأنا أثير فيك النفور؟ يا للأسف. كان يجب أن تفكري بهذا قبل أن تقرري أن تنالي حبي و احترامي و العناية بي. أحببت هذا أم لا ، أحببتني أم كرهتني ، فقبل أن تمر أيام سأقتلك يا فتاتي ، سأقتلك جسدا و روحا.
-لقد وعدتني.. وعدتني أن لا تلمسني إلا...
و لكنه تركها و خرج.
في المطعم جلسوا يتحدثون إنتظارا لطعامهم. و تحدث الرجلان عن العمل أكثر الوقت ، و أخذت بليندا تسلي نفسها بمراقبة الناس ، و اعتذر رود لأنهما تجاهلاها لفترة.. و بعد إنتهاء وجبة العشاء قال رود:
-هل هناك مكان للرقص هنا؟
فرد عليه غارث:
-إنه في القاعة التي خلف قاعة الطعام.
-لقد ظننت هذا ، فقد سمعت الموسيقى ، هيا إذهبا و أرقصا. أعلم تماما كيف يشعر الشبان المحبون.
و أخذ غارث يدها و قادها إلى قاعة الرقص ، كانت الموسيقى ناعمة ، فأخذها بين ذراعيه ، و أمسك بها و كأنها من ضروريات جسده ، كتنفسه... و دخل رود بعد قليل و نظر حوله ، و رفع يده لهما ، ثم دخل المقهى... و جلس يتحدث إلى أحدهم و هو يشرب ، و يحدق بهما طوال الوقت. هل مظهرهما يذكره بأيام شبابه الضائعة؟ لم يكن هناك شك لدى بليندا ، أن غارث يمثل دور العاشق بشكل مقنع و كأنه كذلك فعلا.
عندما عادا للانضمام إلى رودريك سترونغ في مدخل الفندق قال لها:
-عندما تأتيان لزيارتنا في أميركا.. سأجعلك ترسمين لوحة لزوجتي قرب المدفأ’ في بيتنا الريفي.. ستحب ذلك كثيرا.. لدينا شقة أيضا في المدينة.. خذها معك يا غارث عندما تسافر إلى أمريكا.. أتعرف ، أنت أيضا ولد محظوظ.أنتما ولدان سعيدان ، افعلا المستحيل لتبقيا هكذا.
و قبل بليندا على خديها. و التفت لغارث:
-سأراك غدا صباحا قبل أن أذهب إلى لندن...
و رفع يده بالتحية و ذهب.
رحلة العودة إلى المنزل كانت ثقيلة و صامتة. و عندما أغلقا الباب وراءهما قالت بليندا:
-أنا آسفة يا غارث بخصوص وجبة الطعام. فأنا طباخة سيئة ، و لا أنفع كزوجة أيضا. و لا أعلم لماذا تزوجتني؟
-أنت تعرفين جيدا لماذا تزوجتك! لقد كنت مجنونا.
-أنا آسفة لأنني لست عند حسن ظنك ، حتى أنني لا أنفع أن أكون مضيفة منزل لك.
و رن جرس الهاتف ، فرد غارث ثم أعطاها السماعة:
-بيلندا هامر.. أعني غاردنر.
-أنا براد.. من رد علي.. شبح؟
-إنه.. زوجي.
-آه فهمت ، هل يغار؟ لا؟.. لا تصدقيه.. كنت أحاول الاتصال بك طوال السهرة.
-كنا في الخارج نتعشى و نرقص..
-آه.. كل شيء على ما يرام بينكما إذا. حسنا يا حلوتي لدي أنباء سارة لقد اتصلت بالمشرف على "الغاليري" في المدينة ، و قال إن هناك فرصة لاستخدام "الغاليري" كمعرض لمدة أسبوعين ، بعد ثلاثة أسابيع و أخبرته عنك و قال إنه سيكون سعيدا لرعايتك.
-هذا عظيم يا براد! لدي خمس و عشرين لوحة. هل تكفي؟
-إذا بقي فراغ نضع بعض رسوماتي. و بالنسبة للإطارات هناك صديق على استعداد لمساعدتي..
-براد.. هذا جيد جدا! لا أعلم كيف سأبدأ.
-سنبدأ فورا.. هل أنت مشغولة مساء الغد؟ سنتحدث حول الأمر.. عندي أو عندك؟
-عندك يا براد ، أظن هذا أفضل.
-حسنا... سآخذك مع اللوحات ، و سنبدأ فورا. سيكون أمامنا الدعاية في الصحف ، و الاتصال بأهم شخصيات المدينة و ما إلى ذلك.. ألست مسرورة يا حلوتي؟
-رائع يا براد ، و كأنني في حلم.
-قولي الخبر لشريك حياتك.. كم أود رؤية رد فعله.. أراك غدا...
كان غارث يقف عند باب غرفة الجلوس:
-لماذا كانت المكالمة؟
-معرضي بعد ثلاثة أسابيع أي بنهاية حزيران.. أليس هذا رائع يا غارث؟
و لكنه هز رأسه ببرود و دخل غرفة الجلوس. و حدقت بالباب نصف المفتوح... هل عليها أن تدخل عليه عاصفة ، مطيحة بالحواجز التي يحيط نفسه بها ، لتجبره على الكلام ، على أن يستمع لها؟ و إذا فعلت ، فإلى ماذا سيقود هذا؟ ألن يفسر العمل و كأنه "الدعوة" التي قال إنه ينتظرها منها؟ و تنهدت ثم صعدت السلم إلى غرفتها.
على الإفطار ، في الصباح التالي قال لها:
-عندما كان السيد سترونغ هنا الليلة الماضية شعرت بالإحراج لحالة أثاث المنزل.. ألا تعتقدين أن الوقت قد حان لأن نفعل شيئا حول الأمر؟
-أتعني السجاد و ما شابه؟ أعتقد معك حق.. متى...
-الأسرع هو الأفضل.. ألا تستطيعين أن تذهبي للتسوق بعد المدرسة؟
-أنا.. أتسوق؟ و لكن.. و لكن ألن تأتي معي؟
-ليس من طبعي.. آسف. سأترك الخيار لك.. أنت فنانة و لدي كل الثقة بذوقك. أنت تعرفين إنسجام الألوان و ما شابه.
-و ماذا بخصوص الدفع؟
-الدفع؟ ظننت أننا اتفقنا على أن تشاركي بدفع حصتك؟
-أتعني أنني يجب أن أدفع ثمن السجاد؟
-و لماذا لا؟
-و لكن يا غارث.. ستكلف ثمنا باهظا.
-طبعا.. سأتوقع أن تختاري الأفضل.
و وضعت يداها على خديها.. بحق السماء.. ماذا ستفعل؟ هل تستخدم مدخراتها؟ و لكن ماذا ستفعل غير هذا؟
-أنا آسفة.. و لكن للثلاثة أشهر القادمة يجب أن لا تعتمد على مالي.
-و لكن عليك أن تشتري السجاد اليوم. إشتري شيئا جيدا ، يبقى لفترة طويلة.. على الأقل مدة زواجنا.
و نظر إليها نظرة ساخرة و تركها و غادر المنزل.
في المدرسة ، تناقشت مع براد حول المعرض:
-هل تريدين أن أتولى أمر الدعاية للمعرض؟
-هل تفعل هذا لأجلي يا براد.. أوه كم أود معانقتك.
-لا يوجد هنا سوى دزينة أشخاص فقط.. هيا عانقيني...
و جالت بليندا بعد الظهر في المدينة من متجر إلى متجر إلى أن أصبحت ضائعة تماما بالألوان و النماذج و النوعية و الأسعار. و في النهاية أختارت سجادتين ، إحداهما لو اشترتها. ستبتلع نصف مدخراتها. و الأخرى ، و هي الأفضل نوعية ، ستبتلع كل المدخرات. و لم يكن أمامها أي بديل.. فقد قال غارث "إشتري الأفضل". و هكذا اشترت السجادة الغالية الثمن.
و عندما أخبرت غارث بالأمر قال:
-أعتقد أنك دبرت موعد قدومهم لتركيبها في المنزل؟
-تركيبها؟ لا.. لم أفعل.. نسيت.. أنا آسفة.
-إذا من تعتقدين سوف يدبر أمرها؟
-أنت.
-و لكن هذا عمل محترفين.. و أنا لا أعرف من أين أبدأ.
-و لكن يا غارث هذا سيكلف كثيرا...
-أخبريني.. على ماذا بالضبط تصرفين مدخولك الشهري؟ هل تأخذينه و توزعينه على الفقراء و المحتاجين؟ فأنا لا أرى دليل على صرفك المبلغ على لبسك أو حياتك.
-أنا.. أنا أصرف المبلغ على نفسي... معداتي و أدواتي و ما شابه.
-هل تستثمرين المبلغ؟
-أجل.. أجل.. هذا صحيح.. أنا أستثمره.
-و من يقوم بتقديم النصح لك.. هل لي أن أسأل.
-إنه.. إنه المحامي.
-مهما يكن.. عليك أن تتصلي بالمتجر و تطلبي إرسال أحد ليركب السجادة.
أمضت بليندا معظم أمسيات الأسابيع الثلاثة التي سبقت المعرض في شقة براد ، و قابلت غوردي الصديق الذي يساعده بالإطارات ، و انتقت نوعا مناسبا من الإطارات ، و راقبت الرجلين و هما يعملان ، و صنعت لهما القهوة و نظفت المكان.
و تمتعت بليندا بهذه الأمسيات. و كانت تذهب إلى المنزل مليئة بالسرور و الحيوية ، و الترقب. في البداية سألها غارث بغضب "أين كنت؟" ثم بعد يوم أو يومين قال:
-هل من الضروري أن تمضي كل هذا الوقت في شقة زميلك؟
-طبعا ضروري. مجرد سؤالك يظهر قلة خبرتك بالموضوع.
-حسنا أخبريني عنه.
-إنه.. حسنا إنه.. لا فائدة.. لن تفهم عن ماذا سأتكلم..
-أنا لا أفهم بالفنون.. أليس هذا ما تعنيه؟ بمعنى آخر أنا لست مثقفا.
و أخذت تفكر.. أتمنى لو تضع ذراعيك من حولي ، تحبني ، و تبني الجسور فوق الهوة التي بيننا.. عندها لن يعود أي شيء مهم ، و لن يهم أن ننظر إلى العالم من زوايا مختلفة.. و استوى في جلسته و سأل:
-ماذا تتمنين؟.. ماذا تتمنين؟
-أن أتحدث معك حول الفن ، أن ألتقي معك حول قواسم مشتركة.. أتمنى لو أنك تفهمني..
-أفهمك كزميل فنان أم كزوج؟ أم كحبيب؟
و بما أنها توصلت لما تريد.. فقد أصبحت خائفة ، و بينما احاطت بها ذراعاه ، كانت رغبتها فيه تغرقها ، تسحبها إلى الأسفل ، و التيارات تحملها بعيدا...
طالما لا تزال تملك أنفاسها ، قوتها ، يجب عليها أن تقاوم. إنه لا يحبها. كل ما يريده هو أن يثبت حقوقه عليها كزوج ، و على هذا الأساس لا تستطيع ، أن تسمح له أن يحقق ما يريد. و قاومته بضعف حتى تركها.
وقفت أمامه مصدومة ترتعش.
-هذا ليس إنصافا منك.. لقد قلت إن ما بيننا ترتيبات عملية. زواج بالإسم. و إنك لن تلمسني حتى..
-يا إلهي يا إمرأة..أنا من البشر. كم تتوقعين مني أن أصبر..؟ تقولين إنك تتمنين أن أفهمك و أن نلتقي حول قواسم مشتركة... و عندما أحاول أن أقدم هذه القواسم...
-و ما الفائدة؟ إذا كان ما تجده من قواسم هو جسدي؟ و روحا نحن عالمان منفصلان ، و ما فائدة ممارسة الحب لأشخاص مثلنا. و ماذا يبقى لنا بعد أن ننتهي؟
-بحق الله يا بليندا.. سنبقى لبعضنا.. ألن نكون؟ و ماذا تعرفين عن الحب..و ما يتبعه..؟
و مررت يدها على جبينها.. أهذا ما يقصده؟
-إذا كنتي بهذه الخبرة التي تبدو عليك.. فبحق السماء سآخذ ما هو من حقي أردتي هذا أم لا. و لو كنت أثير نفورك ، أو ستكرهينني بعد أن أنتهي.
و تحرك نحوها ثانية ، فتجنبته و هربت صارخة:
-أنت لا تفهم.. لن تفهم أبدا..
و أغلقت باب غرفة نومها بالمفتاح و وقفت و ظهرها إلى الباب تشهق و تبكي.. و هي خائفة...




* فوفو * 03-03-11 11:27 PM

الفصل الثامن
رحل في المساء



وصلت السجادة و ركبت ، و جرى دفع الفاتورة ، و هكذا تبخرت مدخرات بليندا ، و نظرت إلى الردهة و السلم بإعجاب للتغيير الذي بدا فيهما. و لو أن غارث قد أعجب بذوقها إلا أنه لم يقل لها شيئا.. فقد عادا إلى صمتهما ثانية.
و تمنت بمرارة لو أنها فنانة جيدة بما فيه الكفاية لترى ما تحت سطح مظهر زوجها الخارجي، و لكن دفاعاته ، بالنسبة لها ، كانت غير قابلة للاختراق. و لم تستطع أن ترى سوى ، البرودة الظاهرة ، الحقد ، بينهما.
يوم أفتتاح المعرض.. سألته:
-هل ستأتي لحضور المعرض هذا المساء؟
-لم أتلق دعوة.
-أوه يا غارث أنت زوجي.. و لهذا لم يبعث لك براد دعوة.
-و هل أنا زوجك؟ ما كنت لأعرف لو لم تقولي لي...
-أرجوك يا غارث... أريدك أن تحضر.
أريدك أن ترى اللوحة التي رسمتها لك.. إنها القطعة الأساسية في المعرض.. الجميع يقول إنها رائعة... و لكن كل هذا بقي في ذهنها و لم تقل له شيئا... و استمر الصمت لحظات طويلة ثم قال:
-لدي مؤتمر هام اليوم و غدا. و إجتماع قد يستمر إلى ساعة متأخرة...
-إذا لن تأتي؟
-سأحاول.. و لكنني لا أستطيع أن أعدك.
لو أنه أراد معاقبتها لما أستطاع أن يختار طريقة فعالة أكثر. و لكنها لن تدعه يتشفى برؤية خيبة أملها. و رفعت رأسها كي تقابل الإساءة بالإساءة..
-حسنا.. على كل ، براد سيكون هناك.
-إذا لن تفتقديني.. أليس كذلك؟
و أخذت نفسا ، و هي تكاد أن تبدأ بالإنكار، و لكنها رأت البرودة في عينيه فتوقفت ، ثم استدارت و صعدت إلى غرفتها...
و سمعته يقول من خلفها:
-أتمنى لك حظا سعيدا...
و أجابته بحدة:
-شكرا لك.
و وقفت تراقبه و هو يخرج إلى عمله.
طوال أمسية الإفتتاح ، و ما بين أصوات الضحك ، و الشراب ، و الإستماع للتقديرات حول عملها ، أخذت بليندا تنتظر قدوم غارث. لوحته سيطرت على كل المعرض ، و وقف الناس أمامها معجبين و معلقين.. و سألها مراسل صحفي محلي:
-أهي لزوجك؟ لقد فهمت ، و أعتقد أنها ليست للبيع.. و لكن لا بد أنك تلقيت عروضا لها؟
-العديد من العروض ، و لكن...
و تدخل براد قائلا:
-إنها تريدها لعرضها في معارض قادمة ستقيمها قريبا..
و قال المراسل:
-دعوني أعلم متى و أين سيقام المعرض القادم.. سأقوم بتغطيته!
و قال براد:
-لقد بعت خمس لوحات يا عزيزتي ، و تلقيت طلبات لثلاث أخرى... الأمر على ما يرام هذه الليلة.. ألم يظهر الرجل الكبير بعد؟
-لن يستطيع المجيء. لقد أخبرني بهذا.
-لن يستطيع أم لا يريد أن يقوم بمجهود ليرى أول معرض لزوجته؟
-ليس الأمر هكذا يا براد. لديه مؤتمر.. حسنا.. لقد تشاجرنا و لم يسامحني على ما قلته له.. ها قد علمت الآن.
-آسف لم أقصد أن أزعجك.. و لكن بطريقة ما يجب على أحد أن يفعل شيئا بخصوص زواجك هذا.. إنه يحطمك.
قبل إنتهاء موعد المعرض لتلك الليلة ، وصل غارث ، و إلى جانبه إمرأة عرفتها بليندا ، إنها لوسيا ، وقف غارث إلى جانبها ينظر من حوله.
-براد. و أمسكت بيده لتشعر بالطمأنينة .. وصل غارث.
-أنظري من أتى معه. من أين ألتقطها؟
-إنها أرملة صديق له عندما كان في الأرجنتين.
-ليس في الأرجنتين فقط يا عزيزتي... لديك الآن منافسة لك.
-براد.. لا تذهب.. تعال معي..
و رأهما غارث أخيرا ، و بينما هما يقتربان لاحظ أيديهما المتشابكة و قالت بليندا و عيناها تلمعان بسعادة مصطنعة:
-حبيبي... رائع أنك استطعت الحضور! و أتيت معك بالسيدة أغنيس أيضا. هذا جميل هيا أدخلا و أنظرا بنفسيكما إلى اللوحات.
و حدق غارث بوجهها الساخر بإرتياب ، و ترك لوسيا ، و تقدم من بليندا و قبل خدها. ثم رفع رأسها و نظر إلى عينيها الغاضبتين متأملا.. و مدت يدها مرحبة برفيقته.
-جميل أن أراك ثانية سيدة أغنيس.. هل كنت تحضرين المؤتمر أيضا؟
-أرجوك ناديني باسم لوسيا ، أجل.. كنت في المؤتمر.. ضمن السكرتاريا. لم أكن أعرف أحدا هناك ، فأشفق علي غارث. أموت شوقا لرؤية أعمالك الفنية. لقد أخبرني غارث عنها و نحن نتعشى سوية ، ثم طلب مني أن أحضر معه.
و ضحك الجميع ، ثم قدمت بليندا براد لها ، و وضع براد يده في ذراعها قائلا:
-إسمحي لي سيدة أغنيس ، بصفتي من منظمي المعرض أن أتجول بك لرؤية معرض زميلتي. و بصفتي فنان ، أستطيع أن أشرح لك كل شيء عن لوحات بليندا. مع أنه يجب أن أعترف أن بعضا منها أعلى من مستواي الفني!
و قادها بلطف ، و لكن بحزم.. و وقفت بليندا مع غارث!
-شكرا لحضورك.
-لقد أظهرت لوسيا الإهتمام ، لذا أحضرتها.
-غارث ، أريد أن أريك شيئا.
و أخذت يده ، و قادته إلى الناحية الثانية من الغرفة ، و أشارت إلى اللوحة ، المعلقة لوحدها ، ثم نظرت إليه. و بدا و كأنه يلتقط أنفاسه و هو يرى رسمه و قال و هو يتنفس بصعوبة:
-يا إلهي.. متى؟ كيف؟ و أين؟
و ضحكت ، و قد أسعدتها دهشته و سروره.
-يوم ذهبنا إلى الريف ، رسمت لك عدة رسمات من زوايا مختلفة!
-هل فعلتي هذا؟ ذكريني أن أضعك على ركبتي لأضرب قفاك!
-هل أعجبتك يا غارث؟
-و ماذا أستطيع القول؟ هناك جواب واحد.. أعجبتني كثيرا... كثيرا جدا.
-هل أنت صادق؟
-و كيف لي أن لا أكون صادقا معك؟
و سمعا صوتا يدعوها "سيدة غاردنر" و التفتا معا ، و لمع فلاش آلة التصوير مرة ، أثنان ، "شكرا" و ابتعد المصور. و أقبل براد لينضم إليهما قائلا:
-ستظهرين الآن في الصحف.
و ضحكت لوسيا لغارث:
-لأكون صادقا.. لم يكن لدي الوقت لأبتسم.. لقد حدقت فقط. ربما ستعكس الصورة ما كنت أشعر به.. مذهول تماما.. يجب علي أن أعتاد على زوجة لامعة في عالم الفن.
و وضعت لوسيا يدها على ذراع غارث ، و نظر براد محتارا لما يراه.. و قالت لوسيا:
-تعال لأريك باقي المعرض.. لديك زوجة تقرب من النبوغ.. و بما أن براد شرح لي اللوحات ، ربما أستطيع أن أشرحها لك. لن تمانعي يا بليندا أن أستعير زوجك ، أتمانعين؟
و ابتسمت بليندا ابتسامة مشرقة و هي تهز رأسها:
-خذيه يا لوسيا.. إنه لك تماما.
و بينما هي تستدير مبتعدة عنهما ، استطاعت أن تلاحظ بداية ابتسامة ساخرة على وجه غارث ، و مسح براد جبينه و قال:
-يا لها من ارملة.. من إمرأة. إنها الفتنة من قمة رأسها إلى أخمص قدميها. دعي عمك براد يقدم لك نصيحة.. إنها بحاجة لمراقبة.
و حان موعد الإقفال.. و قال غارث:
-سأوصل لوسيا إلى الفندق يا حبيبتي.
و لوحت له بليندا بروح طيبة:
-لا بأس يا حبيبي.. أراك فيما بعد.
و بعد أن ذهبا ، وضعت ذراعاها حول خصرها و أخذت تتجول في الغرفة.. كان عليها أن تتغلب على الألم لرؤيتها زوجها يتركها ليأخذ إمرأة أخرى معه. و نادت عبر الغرفة الفارغة تقريبا:
-براد.. أتود الذهاب معي؟
-حتى لا تكوني لوحدك؟ حسنا ، حبي. سألعب لعبتك.. إفعلي ما شئت و سألعب كما تريدين.
في السيارة قالت له بليندا:
-شكرا يا براد.
-لا تفكري بالأمر. لم أكن لأتركك تذهبين لوحدك لتحزني بعد نصرك هذه الليلة.
و عندما وصلا إلى المنزل ، كانت سيارة غارث هناك ، و فتحت الباب لتسمع صوت الضحك ينبعث من غرفة الجلوس.. إذا لم يأخذها إلى الفندق. لقد أتى بها إلى المنزل. و نظرت إلى براد قائلة:
-براد.. ماذا أفعل؟ هل أدخل إليهما.. أم..
و دفعها بلطف:
-إلى فوق يا عزيزتي.. و لنصدر صوتا بقدر ما نستطيع.
و صفقت باب المدخل بقوة ، و سعل براد و هما يذهبان إلى المرسم فوق. و لم يحاول غارث أن يخرج ليدعوهما ، و ساد صمت في كلا الطابقين ، ثم عاد الحديث و الضحك.
و شعرت بليندا بالنعاس عند منتصف الليل و قال براد:
-بالكاد تستطيعين إبقاء عينيك مفتوحتان. سأذهب الآن. إذهبي للنوم ، و إنسي كل شيء يا بليندا ، سوى أن تأملي.. يا إلهي.. لا بد أن الرجل أعمى لعدم قدرته على رؤية كل ما يريده من زوجة فيك. اعطيني نصف فرصته و... و ربت على رأسها.. ثم تركها و انصرف مسرعا.
كان براد داعمها و صديقها الوحيد في المعرض ، و استمر تدفق الزوار ، و العديد منهم يسأل عن الأسعار و عن اللوحات. بعد الإنتهاء أوصلها براد إلى المنزل و تركها عند الباب. كان المنزل يعطي صدى الفراغ ، بعد صخب المعرض. إذا.. لم يعد غارث بعد. لقد قال لها براد إن أمامها منافسة لها ، و يبدو أنه على حق ، و غارث يفضل رفقة إمرأة أخرى.
و تساءلت إذا كان يحب لوسيا ، فلماذا تزوجها؟ ربما في الأرجنتين ، كان قد سألها أن تتزوجه ، و بما أنها كانت لا تزال تحب ذكرى زوجها الراحل.. رفضت. و ربما تكون هذه الذكرى قد توقفت عن إيلامها. و هي الآن مستعدة للقبول بغارث ، و لأن تسمح له بأخذ مكان الرجل الذي خسرت حبه.
هل تكون هذه نهاية زواجهما؟ لوسيا أقرب بالسن من غارث ، و أكثر نضجا منها ، و مناسبة أكثر لتكون زوجة رجل في مثل مركزه. و إذا كان يحبها و يريد أن يتزوجها ، فكيف تستطيع أن تقف في طريقه؟ و دخلت إلى غرفته و استلقت على السرير و وجهها على يدها فوق الوسادة. و أغمضت عينيها.. و حلمت بأنها بين ذراعيه ، و سمعته يهمس لها ، يخبرها عن حبه لها ، و كم يرغب بها ، و كم هو بحاجة لها...
و استفاقت على ضوء.. كان في الجهة الأخرى من السرير.. لا بد أن شخصا قد غير مكانه.. و اتسعت عيناها.. هذه ليست غرفة نومها.. و حدقت بما حولها... لا... لا يمكن أن يكون غارث... و لكنه ظهر أمامها و هو يحل ربطة عنقه و يفك أزرار القميص... عيناه فيهما بريق الانتصار و شفتاه تبتسمان.
-حسنا.. هذا جيد.. لقد استفاقت أخيرا.. هذه هي الدعوة... و ليس لدي النية أن أرفضها!
-إنها ليست دعوة يا غارث.. إنها غلطة..
و عرفت حالما تلفظت بالكلمات كم أنها غبية. و ضحك:
-غلطة؟ غلطة أن تستلقي على فراش زوجك بإنتظار عودته؟ يا زوجتي الساذجة و الجميلة.. هذه علامات الزواج الجيد..
و حاولت الجلوس و لكنه أجبرها على الاستلقاء.
-ستبقين حيث أنت ، لا مجال للتراجع يا بليندا.. لقد وصلنا إلى درجة اللاعودة في علاقتنا.. نامي ثانية ، لن أتأخر سأوقظك عندما أصبح جاهزا..
و صرخت بجنون:
-سأعود إلى غرفتي.
فابتسم و أقفل الباب بالمفتاح من الخارج و حبسها حيث هي. في غيابه أخذت تذرع الغرفة ، و قد لفت روب المنزل حولها بقوة ، محاولة تهدئة الطبول التي تقرع في قلبها. كيف سمحت لنفسها أن تسير نحو الفخ؟ هل هي مشاعرها و قد انقلبت إلى خيانتها.. و أنها في عقلها الباطن أرادت لهذا أن يحدث؟ ألأنها تحبه و تريده ، أم ربما هذا سلاح ضد لوسيا؟ و لكنه سلاح خائب.. ماذا لو أنه استخدم حقه؟ لن يمنعه هذا من معاشرة لوسيا أيضا في أي وقت يختار.
و سمعته يعود ، و أدار المفتاح و زاد رعبها ، و ظهر هذا في عينيها ، و أختنق تنفسها في رئتيها. و دخل ، فرآها واقفة عند النافذة ، فقال:
-اخلعي روبك يا بليندا ، أم تحبين أن أفعل أنا هذا.
و أطاعته بهدوء و رمت الروب إلى الأرض ، و تقدم نحوها و عيناه تلمعان ، و لم تكن غلالة نومها تخفي عن نظره الشيء الكثير. و أمسك بها.. و لكنها جذبت نفسها مبتعدة. و سألها بلطف:
-لماذا أنت قلقة؟ لست وحشا. سأكون ألطف مما تتصورين...
و تحرك بسرعة و أصبحت بين ذراعيه ، و أخذ يسحقها. و سرحت بأفكارها و هي تقول لنفسها "لو أنه يحبني.. لو أنه فقط يحبني!".
و ماذا بعدما حدث؟ هل أصبحنا فعلا رجل و زوجته ، أم أن ما حدث كان عابرا. و دخل الغرفة من الحمام و قد لف المنشفة حوله. و نظر إليها مبتسما:
-تبدين رائعة بالنسبة لإمرأة تقسم بأنها تكره زوجها و تقول بأنه لا يحتمل.
و جلس بقربها و همس:
-لو بقيتي أكثر هنا فسأضطر للتغيب عن عملي ، يا حلوتي.
و أسرعت بمغادرة السرير و ركضت نحو الجهة الأخرى من الغرفة و ضحك لمنظرها المرتعب ، و التقطت الروب و ارتدته ، و أخرجت شعرها تحت الياقة ، و لحقت بها عيناه و هي تخرج من الغرفة.
و لم يمض وقت طويل لتستحم و ترتدي ثيابها ، ثم نزلت إلى المطبخ لتتناول فطورها. و كان غارث جالسا هناك يقرأ الصحيفة المحلية:
-إنها صورة جميلة.
و تقدمت إلى جانبه و حدقت من فوق كتفه.
-لا تبدو مندهشا في الصورة بل تبدو مسرورا بنفسك.
-و انت أيضا سيدة غاردنر. لقد كتب المراسل يقول: قالت الفنانة و هي تشير إلى صورة زوجها "زوجي ليس للبيع.. أريد أن أحتفظ به". هل تنوين حقا الإحتفاظ بي؟ هذه أخبار جيدة.
-لقد عنيت بكلامي الصورة. ما عنيته أن الصورة ليست للبيع. فقد أراد كثير من الناس شراءها.
-أتمنى أن يكونوا من النساء.. لا عجب في ذلك ، سيدفعن أزواجهن للغيرة.
-في الحقيقة أنت وسيم... لا بد أن لديك شيئا ما...
و حاول أن يمسكها و لكنها هربت منه ، و توقفت في منتصف السلم و نظر إليها من الردهة و قال:
-أنت ذاهبة في الإتجاه الخاطئ يا حلوتي... إذا أردت أن لا ألاحقك فلا تثيريني.. هناك زمان و مكان لهذا.. فانزلي إلى هنا!
و عادت للانضمام إليه في الردهة ، فقال و هو يفرك ذقنه:
-من سوء الحظ أنني مضطر للسفر مع الأخرين إلى لندن بعد إنتهاء المؤتمر.
و حاولت أن تخفي خيبة أملها ، فتابع:
-و لكن قد أتدبر الأمر و أتركهم في وقت مبكر...
و كان عليها الآن محاولة إخفاء سرورها. و أجبرت نفسها على أن يبدو قولها عاديا.
-سيكون علي حضور المعرض.. لذا الأمر ليس مهما على كلتا الحالتين.
-أنت باردة و ناكرة للجميل.. أليس كذلك؟ بعدما حدث الليلة الماضية بيننا؟.
-لا.. لا.. لم أقصد هذا.. أريدك أن تبقى معي هذه الليلة.. صدقا.
و قطب جبينه ، و بدا ظاهرا أنه لم يقتنع بصدقها.. فوضعت يداها على صدره و رفعت رأسها نحوه ببطء:
-إنني أعني ما أقول يا غارث.
فضحك و عانقها ثم أفلتها على مضض:
-سأرى ما أستطيع فعله.
و للمرة الأولى منذ زواجهما ، لوحت له مودعة و هو يخرج إلى عمله و مر النهار ، هرعت بليندا بعد المدرسة إلى المنزل و حضرت طاولة الطعام في غرفة طعامها لأثنين ، و حضر غارث ، و تناولا عشاءهما باكرا مشاركة للمرة الأولى.
و غسلا الصحون معا ، للمرة الأولى أيضا ، و خفق قلبها عندما قال غارث:
-هل من الضروري أن تذهبي إلى المعرض هذا المساء؟ ألا يستطيعون تدبير الأمر من دونك؟ لقد عدت خصيصا إلى المنزل بدل السفر إلى لندن.
و تنهدت.. ربما كلمة "حب" ليست موجودة في قاموسه. فكيف ستخبره عن حبها له؟ ربما سيشعر بالإحراج.. و يشعر بأنه وقع في فخ... و سمع تنهيدتها و فسرها بشكل خاطئ ، فقال:
-حسنا.. إذهبي ، إذا كنت مضطرة.. لقد أتيت معي ببعض العمل على كل الأحوال...
و شعرت أن الوضع ينزلق خارج سيطرتها ، و ارتفع ذعرها فقالت:
-لن أذهب يا غارث.. لقد تنهدت فقط لأن.. لأن.. سأتصل ببراد ، سوف يمثلني...
و أتصلت ببراد لتقول له أن ألم رأسها لن يسمح لها بحضور المعرض فقال:
-آسف لألم رأسك.. و لكن لا بأس سأراك غدا لأبلغك كيف كانت الليلة.
-شكرا يا براد.. لقد قلت لك هذا من قبل: أنت لطيف و خاصة معي.
كان غارث يقف إلى جانبها ، وجهه كان جادا و عيناه باردتان.. ما الأمر الآن؟ أسمع ما قاله براد؟ و تمنت لو لم تكن حساسة هكذا لتغير مزاجه. و قال لها:
-سأعمل قليلا في المكتبة.. لن أتأخر.. أين ستذهبين؟
-إلى المرسم... و ماذا غير ذلك؟
-إذهبي إلى غرفة الجلوس ، إقرأي ، شاهدي التلفزيون ، و سأنضم إليك حالما أستطيع...
كان هناك توتر غريب بينهما يجذبهما بعيدا عن بعض. كان هناك شيء ناقص في هذه الأمسية. لقد بدت الحياة لها رائعة في مطلع هذا اليوم ، كبريق الذهب ، و قد ذهب هذا البريق الآن ، و هنا و هناك لمسة من فقدان اللمعان ، مما يثبت ، ربما أن الأمر لم يكن من الذهب الحقيقي.
-سأفعل إذا كان هذا ما تريده يا غارث...
-و لكنك لا تريديني.. أليس كذلك؟ حسنا إذهبي إلى لوحاتك...
-و لكن غارث لما لا تفهمني؟ أنا أحب لوحاتي...
-حسنا.. أنت تحبينها.. إذهبي إلى المرسم إذا شئتي..
و تركها و دخل إلى مكتبه ، و وقفت في الردهة متسائلة عند أية نقطة بدأت الأمور تسوء ثانية. عند المكالمة الهاتفية؟ لا... بالتأكيد قبلها؟ لو أنها فقط لا تشعر بأنها غير قادرة.. ماذا كانت ستفعل لوسيا؟ لا بد أنها بخبرتها في الزواج.. تستطيع أن تدبر أمر زوج تعب و متوتر الأعصاب و خاصة إذا كان غارث غاردنر.
و دخلت إلى غرفة الجلوس ، وأغلقت الباب ، ووضعت جانبا كل تفكير بعملها .. ستثبت لنفسها قبل أن تثبت له أنها زوجة مخلصة تضع مصلحتها خلف ظهرها في سبيل إرضاءه.
عندما دخل غارث عليها الغرفة كانت متكورة على الأريكة تقرأ. و نظرت إليه مبتسمة ، ثم أطرقت. سرور غارث لرؤيتها هناك كان أفضل مكافأة لها على تضحيتها برغباتها الخاصة. و خفق قلبها بالسعادة لوجوده معها.. و لأنهما لأول مرة يتصرفان كما يتصرف الزوج الحقيقي مع زوجته.
-بليندا.. تعالي إلى هنا..
و نهضت من مكانها و أقبلت نحوه ، فأخذها بين ذراعيه و عانقها ، و بينما هما منسجمان هكذا ، رن جرس الهاتف فصرخ
-اللعنة!
و على كره منه ، سحب نفسه و ذهب إلى الردهة ليرد. و شاهدت النعومة و قد غادرت عيناه لسماع الصوت من الجهة الأخرى.
-ما الأمر؟
و لكنه لم يجب ، بل أعطاها السماعة.
-بليندا تتكلم.. براد.. هل حصل شيء في الغاليري؟
-لا.. و لكن معي صديق قديم.. آسف للأصوات المرتفعة هنا و لكن حضر مشاهدون كثر هذه الليلة و كلهم يتكلمون بصوت مرتفع و رفع صوته لتستطيع سماع ما يقول:
-نويل جيميز هنا. لقد قرأ عن معرضك ، و حضر ليراه ، و خاب أمله عندما لم يجدك.. تحدثي معه...
-حبيبتي... كيف حال أجمل فتاة عندي؟ لقد علمت من براد أن حياتك الزوجية لا تطاق مع كاره النساء ، قطعة الأدوات الإلكترونية الذي تسمينه زوجا لك.. يبدو أن زواجك منه يؤثر عليك سلبا.
هل كان يجب أن يكون هناك كل هذه الضجة ، و هل كان عليه أن يرفع صوته هكذا ليقول هذه الأشياء الرهبية بأعلى صوته؟ لا بد أن غارث ، الواقف قربها تمكن من سماع كل كلمة قالها.. فقالت له بضعف:
-لقد فهمت خطأ يا نويل..
-لا بأس ، إذا قررت أن تتخلصي منه و تهربي تذكري أنني أنتظر بذراعين مفتوحين.
-نويل.. لماذا أردت الحديث معي؟
-آه.. فهمت.. لا بد أن حارسك يستمع.. اسمعي هذا المعرض رائع..
و تحرك غارث مبتعدا.. و لا حقته بليندا بعينيها...
-شكرا يا نويل..
-في الواقع أنه جيد لدرجة أنني أسامحك و أعرض عليك معرضا آخر في لندن. دومنيك، صاحب الغاليري ، لن يعارض عندما أخبره عن نجاح معرضك هنا.. سأتصل به و أسأل متى يكون الغاليري عنده مؤمنا للعرض.. أيرضيك هذا؟
-هذا رائع يا نويل.. و ماذا عن المصاريف و ما إلى ذلك؟
-سأكون كبيرا و انسى خلافتنا.. سأدعمك ماليا كما وعدتك المرة الماضية. ستحتاجين لبضع لوحات أخرى ، لا تكفي هذه لمعرض ضخم في لندن.. هل تستطيعين تدبير الأمر؟
-إذا عملت بجهد كاف.
-جيد.. سألقاك و نتحدث بالأمر...
و ركضت عبر الردهة نحو غرفة الجلوس. و السعادة بادية في عينيها. و وقفت أمامه ، فلم يرفع نظره من المجلة التي كان يقرأها.
-نويل سيدير لي معرضا في لندن يا غارث. أتذكر المرة الماضية عندما سحب عرضه؟... لقد عرض أن يدعمني ثانية!
و لم يتحرك ، و لم يستجب ، و لم يرد ، بل بقيت عيناه تلمعان.. ثم جاء رده عنيفا ، و رمى المجلة من يده و وقف:
-يدعمك ، بماله؟ و تقبلين؟ و تعامليني مع عرضي لك بالدعم و أنا زوجك ، بالإزدراء؟ أتدركين بأنك بهذا إنما تقبلين مالا من رجل غريب؟
-لا أرى الأمر بهذه الطريقة!.. و لا أستطيع أن أفهم الخطأ بالأمر.
و دس يداه في جيوبه ، و كأنما ليمنعهما من الإمتداد إليها:
-لا تستطيعين!.. لا تستطيعين! و ماذا بخصوص الهبة الشهرية التي تصلك؟ لماذا لا تدعمين نفسك؟ لم تصرفي سوى القليل حتى الآن و لا بد أن معك مبلغا محترما.
و عضت على شفتها لتمنع نفسها من قول الحقيقة ، سيعلم يوما ما و لكن ليس الآن ، و تابع قوله:
-و شيء آخر ، هناك شرط وضعته ، و وافقت أنت عليه قبل زواجنا. بأنك سوف تنهين صداقتك مع نويل جيميز. لقد وفيت بوعودي لك فلماذا لا تفين بوعودك؟
-هل وفيت بوعودك؟ و ماذا حدث الليلة الماضية ، لقد وعدتني أن لا تلمسني إلا إذا...
-و ماذا عن تمثيلية نومك في فراشي.. ألم تكن دعوة؟
و أخذت تفكر يا إلهي ماذا نفعل ببعضنا؟ بعد هذه السعادة التي خبرناها أمس ، يحصل هذا الآن ، إننا نحطم بعضنا.. و تابع كلامه:
-لقد استعدتي صديقك نويل جيميز ليركض وراءك.. يا إلهي كيف تستطيعين الحفاظ على إهتمامهم بك؟ واقع أنك متزوجة يعطيهم دفعا لملاحقتك ، و هذا دون شك عائد إلى أنك تخبرينهم عن حياتك البائسة معي.. ألا يكفيك واحد... بل أثنان! ألست قانعة بفنان طليق الشعر يعيش على الطبيعة يركض خلفك مثل الكلب..
و انفجرت به قائلة:
-إنه ليس كذلك! ليس كذلك. براد جيد و لطيف و متعاطف معي. عندما أفكر بكل ما فعله معي ، و كم شجعني...
-لقد كنت وراء أثر خاطئ إذا؟ براد الفنان ، و مع أنك زوجتي ، فأنت تحبينه.. أليس كذلك؟ طوال المدة التي تزوجتك بها ، كان علي أنا أن أتخلص و أهرب ، فأنت واقعة بحب رجل آخر.
و توجه نحو الباب ، و التفت قائلا:
-سأذهب إلى لندن ، و سأخذ معي لوسيا ، خذيه و اشبعي منه فأنا سأترك و لا يهمني ماذا سيحصل لهذا الزواج اللعين.
و صعد إلى غرفته ، ثم عاد يحمل حقيبة ملابس ، و خرج من باب المنزل.. و ركضت وراءه و هي تصيح:
-غارث.. أرجوك أن تبقى!
و صعد في سيارته.
-غارث!
و أدار المحرك ، و ركضت نحو النافذة:
-كم ستغيب؟
و لكنه لم يرد ، و لم ينظر إليها ، لذا لم يرى الدموع المتدفقة على خديها و ضربت على الباب بيديها:
-غارث!
و انتحبت قائلة:
-قل لي! أرجوك قل لي؟
و قاد السيارة مبتعدا نحو ظلام الشارع.


* فوفو * 03-03-11 11:28 PM

الفصل التاسع

هل يعود؟


بكت بليندا معظم ليلتها تلك. و تسلقت إلى سرير غارث مؤملة نفسها ، مع إقتناعها التام في قرارة قلبها بالعكس ، أن يعود غارث و يجدها هناك. و لكن في الصباح كانت ما تزال لوحدها..
و في المدرسة سألت براد ما إذا كان قد قال شيئا لنويل جيميز حول زواجها من غارث ، فقال:
-لا شيء البتة... عندما سألني هززت كتفي ، و أخذ هذا منطلقا لإستنتاج ما يريد..
و إرتاحت بليندا لقوله ، فقد كانت تثق به و كان جديرا بهذه الثقة.
-على كل الأحوال تبدين بصورة رهبية ، ما الأمر؟
-لقد رحل غارث الليلة الماضية يا براد ، بعد أن اتصلت بي و تكلمت مع نويل جيميز تشاجرت مع غارث و غادر المنزل.
-و لماذا بحق السماء؟ هل ساورته الظنون بك؟
-لست أدري متى سيعود ، أو إذا كان سيعود...
-يا فتاتي العزيزة.. هل تظنين أن هذه نهاية الطريق؟ كيف لأي رجل أن يهجرك إلى الأبد.. اخبريني فقط؟
-براد هناك لوسيا في حياته ، لدي منافسة ، لقد قلتها بنفسك. لقد أخذها معه إلى لندن. هكذا قال.
و وضع يداه على كتفيها ملاحظا:
-لدي حدس بأن كل شيء سيكون على ما يرام يا حلوتي.. و حدس عمك براد..
و لكن بليندا هزت رأسها بيأس.
مرت ثلاثة أيام دون كلمة من غارث ، و لم تعد تستطيع عد الأيام ، لأنها لم تكن تدري متى ستتوقف عن العد ، كل ساعة مرت كيوم ، و كل يوم كشهر ، لقد أتخذ الزمن لها معنى جديدا.
في مساء اليوم الثالث أخذت تتجول في المنزل على غير هدى ، محاولة التركيز على موضوع لرسم لوحة. و لكنها كلما فكرت بموضوع ، حل مكانه وجه غارث الغاضب. و سمعت قرعا على الباب ، لا دقة جرس ، و لا دقة ناعمة لغريب.
أول فكرة قفزت إلى رأسها إنه غارث. و لكن غارث ليس بحاجة لأن يقرع الباب بالطبع ، فلديه مفتاح. ربما براد؟ أو نويل؟ و تمنت أن لا يكون نويل...
و وقفت السيدة العجوز عند المدخل ، و وجهها المستدير يبتسم مظهرها المريح يبعث الراحة في النفس ، ثيابها شديدة الأناقة و مؤثرة كما كانت دائما.
-يا طفلتي الحبيبة.. ألست سعيدة برؤيتي؟
-سيدة دونيكان!..
و خطت الزائرة إلى الداخل ، و تعانقتا ، و قبلتا بعضهما البعض.
-ما هذه السخافة..؟ ناديني بعمتي إيلين ، أرجوك. أنت ابنة اخي الآن ، عن طريق الزواج!
و تحرك رأسها من جانب إلى جانب ، و جالت عيناها تستكشفان محتويات الردهة. كل شيء كما هو منذ أن غادرت.
-هل أنت مندهشة لرؤيتي؟
-آه.. يا عمتي إيلين ، لا أعرف ماذا أقول.. لقد ظننت...
-أنك لن تريني مجددا. و كذلك أنا.
و توقفت عند غرفة جلوس غارث:
-هل أدخل هنا؟
و هزت بليندا رأسها.
-أتعلمين.. لقد تملكني شعور غريب يقول لي "عودي إلى إنكلترا" و أنا لا أتجاهل أبدا مثل هذه المشاعر ، فتحركت على الفور ، لن أمكث طويلا ، فقط ما يكفي من وقت لـ... حسنا ، ما يكفي من وقت.
و جلست على المقعد و أشارت لها بالجلوس على ذراعه.. و لكن بليندا اتخذت الوضع المفضل لديها على الأرض إلى جانبها.
-كما في الأيام الماضية يا بليندا. كيف حال ابن أخي؟ أرجو أن يكون يتصرف كزوج كامل؟ تبدين شاحبة يا عزيزتي.. ألست في طريق لإنجاب طفل لي...
-لا يا عمتي إيلين..
و ساد صمت قصير...
-المكان هادئ بشكل غريب.. هناك شيء ما.. أستطيع أن أحس به في الجو... أعرف هذا البيت كما أعرف مكنونات قلبي... و أعرف عندما تكون السعادة فيه، و أعلم متى يكون حزينا. بليندا ، هناك شيء رهيب يحدث ، و هذا ما دعاني للعودة.. لقد دعاني هذا المنزل القديم... هيا يا طفلتي.. أخبريني كل شيء. أين ابن أخي... أين زوجك؟
-لا أعلم ، يا عمتي إيلين.
و استوت إيلين دونيكان في جلستها متوترة...
-لا تعرفين...؟ ماذا تعنين؟ هل هجرك؟
-آه يا عمتي.. لا أعلم.. لا أعلم.
و أراحت رأسها على حجر إيلين و بكت ، و أخذ النحيب يهز جسدها ، و بللت الدموع منديلها. و تركتها العجوز تبكي ، و قد أحست أنها المرة الأولى التي سمحت بليندا لبؤسها أن يظهر. و أخذت ترتب شعرها الأشقر ، منتظرة لتهدأ و تتكلم لتصغي لها.
و أخيرا رفعت بليندا رأسها و أعتذرت ، و وجهها مليء بالدموع و عيناها حمراوان و منتفختان.
-قولي لي كل شيء يا طفلتي العزيزة. خذي وقتك ، لدي ما يكفي من وقت لأستمع.
و هكذا و ببطء ، و تردد ، روت لها كل القصة. فصاحت إيلين:
-اتفاقية عمل... يا إلهي.. لقد ورث الكثير عني.. حتى أنا العنيدة القاسية ، و لم أزل حتى الآن ، تزوجت عن حب. و ظننت ، كم أنا غبية ، أنني قد دبرت خطة ثابتة لأجمعكما. لقد جمعتكما ، و لكنني لم آخذ بالحسبان ما قد تحدث بكما خطتي.
-و ما الذي يجعلك تظنين إنه لن يعود؟
-إنه لا يحبني يا عمتي.
-و لكن هذه سخافة.
-لم يقل لي أبدا إنه يحبني.
-إعذريني لسؤالي.. ألم تتعاشرا كزوج و زوجته؟
-مرة واحدة.. منذ أربعة أيام.
-مرة واحدة؟ يا للسماء.. مم هو مصنوع هذا الرجل؟
-لقد قال لي أنه سيكون زواج بالإسم فقط يا عمتي. و قال إنه تزوجني فقط لأحصل على المال و ليريح ضميره..
-أتمنى أن أعرف أين هو الآن. سأعطيه "اتفاق عمل" حقيقي... سأعطيه "الضمير".
-كل ما أعرفه أنه في لندن.. لقد أخذ معه لوسيا...
-لوسيا! و من هي لوسيا؟
-ألا تعرفين..؟ أعتقد أنني أستطيع القول أنها عشيقته.
-عشيقته؟ و لكنه رجل متزوج من زوجة شابة و جميلة. و ماذا يريد من عشيقة؟
-لقد كان يعرفها من الأرجنتين.. لقد فقدت زوجها و ترك لها ولدين.. و كان غارث كريما معها ، و أعتقد أنها عادت إلى هنا لترى إذا كانت تستطيع العيش هنا. إنها تعمل كسكرتيرة لمؤسسته ، لقد أتى بها إلى معرضي ، حتى أنه خرج معها للعشاء.
-كم سيبقى بعيدا؟
-لا أعرف.. لم يقل لي.
-يا إلهي لم أكن أعلم أنه قد يكون قاسي الفؤاد و عنيد إلى هذه الدرجة. أعتقدت أن الزواج قد يلينه ، لم أكن أتصور أن بإمكانه العيش مع فتاة جذابة مثلك في بيت واحد ، و يتزوجها ثم يغلق باب غرفة النوم في وجهها.
-ما عدا مرة..
-ما عدا مرة.. تقولين إنه لا يحبك؟ هناك طريقة لمعرفة الأمر. أنت معلمة مدرسة.. أتستطيعين أن تأخذي إجازة دون مرتب؟
-أجل.. أعتقد هذا.
-جيد.. أفعلي ما أقوله لك.. غدا يا عزيزتي.. قدمي طلبا لإجازة لمدة إسبوعين. و بعد غد سافري.. قرري بنفسك إلى أين ، و لا تخبري أحدا.. سافري فقط.. سأتصل بالسيدة هوغند ، و ستستمر بالمجيء إلى هنا لتنظيف المنزل ، و سأعطيها عنواني لتتصل بي في الفندق ، إنه "الأمباسدور" هل تعرفينه؟
-أجل إنه الفندق الذي أقام فيه حفلة زفافنا.
-أوه.. هل فعل هذا.. على الأقل كان من الإنسانية أن يفعل هذا لأجلك. حسنا.. عندما يحضر غارث إلى المنزل ستتصل السيدة هوغند بي. و عندما تستقرين زوديني برقم هاتفك. و سأبلغك بعودته. ستبقين بعيدة لأسبوع على الأقل بعد عودته.. هل هذا واضح؟
-أجل يا عمتي.. و لكن..
-من دون و لكن..
-و لكن كيف سيساعدنا هذا؟
-الأمر بسيط.. تستطيعين أن تعرفي بالطريقة التي سيتقبلك بها عند عودتك ، ما إذا كان يحبك أو لا.. فإذا مد ذراعاه لك ليحضنك هذا هو جوابك..
-و إذا لم يفعل؟...
-حسنا يا عزيزتي.. سيكون الجواب الآخر ، و لكنه جواب غير سعيد. و أظن أن هذا غير معقول. و لكن هكذا هو الأمر. لا يستطيع المرء أن يعرف كل شيء عن البشر حتى و لو كان ابن ابن أخيه ، حتى و لو حضنته بين ذراعي يوم مولده.
و صنعت بليندا بعض الشاي ، و أحضرت البسكويت الجاهز.
-ليس لدي توست أو مربى و زبدة.. إنني طاهية سيئة ، و هذا أمر آخر يحمله غارث ضدي. إنه بارع أكثر مني بالطبخ.. إنني فنانة حالمة فقط...
-أنت لست حالمة.. إنك فتاة موهوبة.. و حان الوقت ليقول لك أحدهم هذه الحقيقة.
-لست موهوبة كفاية لأحتفظ بزوجي..

في الصباح التالي لحصول بليندا على الإجازة و ضبت ملابسها و ركبت الباص بإتجاه الريف. كانت تأمل أن تكون إقامتها قصيرة.. لو أن غارث أخبرها فقط كم سيغيب. لو أنه أخبرها لماذا تركها؟ هل سيطالب بأن يتحرر من الزواج حتى يكون بإستطاعته أن يكون الزوج الثاني للوسيا؟ هل يعيشان الآن معا؟ كانت تحدق من نافذة الباص و هي قلقة.
و وصلت إلى البلدة التي ذهبت مع الأولاد و غارث إليها في السابق و توجهت إلى الفندق. و استقبلها الموظف ، و أعطاها غرفة و تبعته إلى فوق إلى غرفة ذات سقف مائل ، و نوافذ واسعة تطل على منظر جميل للريف.
و قال لها الموظف و هو يخرج:
-العشاء عند الثامنة مساء..
و غرقت بليندا في سريرها ، جالسة و يداها متشابكتان حول ركبتيها. ماذا ستفعل في أيامها هنا..؟ لديها في الحقيبة ، أقلام ، و ألوان و فراشي.. و إذا كان الطقس لطيفا تستطيع الخروج لترسم و تلون.. و إذا لم يكن؟ و سارت نحو النافذة.. يجب عليها إذا أن تبقى في الغرفة و تقرأ. فقد جلبت معها بعض الكتب و المجلات..
في اليوم التالي ذهبت إلى النهر ، حيث ساعدها غارث على عبوره فوق الصخور.. و تردد في رأسها صوت الولد و هو يصيح "إدفعها إلى النهر"... لقد دفعها الآن ، و لكن خارج حياته ، و خارج أفكاره ، و ذهب بعيدا دون أن يبقى حتى ليراقبها و هي تغرق.
ذلك المساء أتصلت بالعمة إيلين ، و أعطتها رقم هاتف الفندق ، و سألتها عن أخبار غارث.
-لا شيء يا عزيزتي... لا تقلقي يا بليندا سأخبرك عندما يتغير الموقف. و في هذه الأثناء ، إرتاحي جيدا... و إنسيه يا عزيزتي. إنسيه.
-لا أستطيع يا عمتي... لا أستطيع ، كلما ابتعدت عنه أكثر ، كلما...
-أنت تريدينه ، أعرف كيف تشعرين ، أوه يا عزيزتي ، ابن أخي هذا الغبي ، الأعمى العنيد..!
بعد ثلاثة أيام أبلغتها العمة إيلين بأنه عاد.
-لقد عاد يا عزيزتي ليلة أمس ، و سأل السيدة هوغند إذا كانت تعرف أين أنت ، فادعت أنها لا تعرف. دعيه ينتظر.. دعيه ينتظر و يتعذب.. و إياك و العودة إلى المنزل يا بليندا بعد.. و إلا فكل ما رتبناه سيفسد. إصبري.. عديني بذلك يا عزيزتي..
-شكرا لكل ما تفعلينه لأجلي يا عمتي..
-لا تشكريني يا طفلتي.. فقد ينتهي بك الأمر أن تلعنيني لتدخلي في حياتك. و إذا لم تلعنيني أنت سيلعنني هو. فلديه الكثير من أخلاقي ، و أنا لا أتحمل أن يتدخل أحد في حياتي!
و مر يومان آخران ، يومان مرا بالتساؤل و القلق... ماذا يفعل غارث لوحده في المنزل؟ هل هو سعيد لأن يكون المنزل له وحده؟ هل تخلى عن إنتظار قدومها و عاد إلى لندن.. إلى لوسيا؟



* فوفو * 03-03-11 11:29 PM

و تغير الطقس و بدأ المطر ينهمر ، و لكنها استمرت كل صباح بالذهاب إلى النهر تحمل ألوانها و أقلامها و فراشيها. كانت تلجأ إلى تحت شجرة على ضفة النهر ، أو تجلس في المغارة التي أكتشفوها مع الأطفال يوم أتوا إلى هناك. و أخذت ترسم سطح التلة المليء بالأشجار و مياه المطر تسيل منه ، و القطرات و هي تتساقط فوق ماء النهر. و حركات الماء المضطربة بفعل الرياح ، و الغيوم الرمادية الثقيلة تشرف على الوادي الضيق الذي يسير خلاله النهر.
ثالث يوم ، بعد ظهر مليء بالمطر ، عادت إلى الفندق و قد بللها المطر ، شعرها مبلل على الرغم من القبعة ، و قدماها غارقتان بالمياه ، و الماء يثقل معطفها.
في مدخل الفندق ، خلعت القبعة ، و أفلتت شعرها و نفضته ، ثم علقت المعطف ، و خلعت حذاءها المبلل ، و هرعت نحو دفء النار.
و أملت أن لا يكون هناك الكثير من ضيوف الفندق ليروا قدميها الحافيتين.
من الأفضل لها أن لا تنظر من حولها. و الأفضل أيضا أن تتوجه فورا إلى الدرج صاعدة إلى غرفتها. شيء ما جعلها تقف.. صوت ينادي بإسمها... لن تستدير.. إنها تخيلات.. لا أحد هنا يعرف إسمها الأول ، لا بد أنها لحلمها الطويل بهذا الصوت قد بدأت تسمع رنته في أذنيها. يتردد صداه حتى إعتقدت أنه حقيقي.
و لكنه ها هو من جديد.
-بليندا...
و أمسكت بياقة كنزتها العالية و استدارت.. كان يقف هناك.. في منتصف القاعة. يداه في جيوبه ، وجه قاس و جدي.. بعكس لهيب النار المتأججة ، و عيناه القاتمتان لا يمكن سبر غورهما.
حاولت أن تلتقط كلمة "غارث" و لكن الكلمة لم تخرج. في منتصف الغرفة ، واجها بعضهما البعض.. ماذا هناك ليتكلما حوله؟ بعد كل أيام الإنتظار هذه ، من الشوق إليه ، لرؤيته ، لسماع صوته ، للمسته ، كان هناك صمت فقط ، صمت فارغ ثقيل ، مشحون... و كسر الصمت:
-أنت مبتلة.. الأفضل أن تغيري ملابسك!
-نعم...
و استدارت و تابعت صعودها فأوقفها الصوت ثانية:
-بليندا.. هل أصعد معك إلى الغرفة؟
إنه زوجها.. و له كل الحق.. "و لم لا؟" صوتها كان فيه عدم الاكتراث ليغطي العاصفة التي كانت ترعد داخلها ، ترجف أطرافها ، و كأن صاعقة ضربتها. و عندما دخلت و إياه و أغلقت الباب وجدت أنها ترتجف.
عزلة الأيام الفارغة الماضية كانت قد كبرت من حولها ، غطتها و كأنها جلد آخر فوق جلدها. لم يعد غريبا عليها أن تبقى وحيدة. كان الأمر و كأنها تكافح لتشق طريقها عبر ضباب ضاعت فيه لعدة أيام ، و فجأة حصل اتصال بشري ما ، لم تكن مستعدة له ، أصبحت منطوية على نفسها ، في أعماق كهف في عقلها. و ها هي الآن و قد أعماها ضوء النهار الباهر.
لقد أتى زوجها يبحث عنها.. و لكن.. لماذا؟ هل ليشرح لها ما يشعر به إتجاه لوسيا؟ كي يطلب الطلاق؟
و بينما كانت تجفف نفسها و تغير ثيابها ، وقف غارث يحدق من النافذة. لا يمكن أن يكون المنظر هو الذي يجذبه. لقد كان الطقس بعد الظهر هذا معتم ، و عاصف ، و كأنه نذير لمستقبل زواجهما.
لقد قالت عمته "ستعرفين.. كيف يشعر تجاهك ، إذا كان يحبك سيفتح لك ذراعاه. و إذا لم يكن.. حسنا...".
أنه لم يبق يداه في جيوبه فقط ، بل أدار لها ظهره. لقد حصلت على الجواب.. و سألها دون أن يكون لصوته معنى:
-في أي وقت يقدم العشاء هنا؟
و أخبرته الموعد و هي تمشط شعرها ، ثم وضعت بعض المكياج.
-غارث.
فاستدار:
-هل حجزت؟
و أجاب:
-نعم.
و فكرت بجنون ، و لكن دون أن تكون متأكدة.. معي؟ و لكنه سؤال لم تجرؤ على طرحه. و جلست على السرير و يداها متشابكتان ترتجف و عيناها خائفتان ، مثل طفل ينتظر أن يقابل مدير مدرسته. و استدار ، و لكنه لم يتحرك عن النافذة.
-بليندا.. لماذا ابتعدت عني؟
ماذا تستطيع أن تقول له؟ لأختبرك إذا كنت تحبني؟ كم سيبدو الأمر غبيا.. و أخذ يسألها بطريقة بدا فيها غير قادر على طرح السؤال الصحيح:
-هل أنت.. هل.. هل هربت مع أحد؟
كل التعاسة التي عاشتها و أختزنتها في فكرها ، فجرت حواجزها ، و طغت عليها و لرعبها تحولت إلى نار تحرق جسدها بالغضب.
-أهذا ما تظنه بي.. أنني هربت مع رجل آخر؟ هل هذه هي الطريقة التي تفكر بها بأخلاقي؟ بكرامتي؟ حسنا.. سأقول لك.. لقد هربت مع شخص ما... و هو رجل.
و هرب اللون من وجهه ، وجفت شفتاه ، وثقلت عيناه.
-مع من؟
-مع من؟ سأقول لك مع من...
و توقفت برهة طويلة و هي تقاوم لإخراج الكلمات من القيود التي حبستها بها ، من الكبح الذي كبحت فيه نفسها .
-طوال الوقت الذي أمضيته هنا.. كل الأيام التي أمضيتها أتجول عند النهر ، أرسم ، أقرأ ، أو حتى أحدق ، كان معي رجل..
و رفعت عينيها إليه فتصلب ، تصلب كل جسمه ، و عقله ، و عينيه و فمه... و خفضت عينيها و همست:
-ذلك الرجل كان أنت...
و انهمرت الدموع على وجنتيها.
-لقد سرت معك.. تحدثت معك.. رسمت و أنت إلى جانبي... أنا.. أنا...
و توقفت عن الكلام ، لتتنفس:
-أنا حتى نمت معك.. كلما حاولت الهروب منك أكثر كلما تعلق بي طيفك أكثر... و ها أنت الآن قد عرفت ، و لكن لا تدع الأمر يقلقك ، إذا كنت أتيت تطلب الطلاق ، اطلبه... ربما أوافق...
و جفت عيناها الآن ، فتجرأت على النظر إليه ، كان و كأنه رجل تسلق إلى أعلى الجبل ، و لاقى كل ما هو صعب ، و وصل إلى القمة. و من تحته ، و حواليه هناك غرائب من الجمال لم يكن قد رآها من قبل...
و راقبت بسمته البطيئة السعيدة ، و الضوء يشع بهدوء من عينيه. فهمست:
-غارث؟
و رفع ذراعاه نحوها عبر الغرفة:
-بليندا... يا حبيبتي.. يا حبي...
و ركضت نحو هاتين الذراعين المنتظرتين ، و التفتا حولها و سحقتاها على جسده. و مر بهما الوقت ، دون نهاية ، دون قياس ، و بعدما هدأ شوقهما لبعض ، و قفا بهدوء ، و قناعة.. ينظران إلى بعضهما.. و قالت بليندا لنفسها و هي بين ذراعيه "لقد عدت أخيرا إلى بيتي". و جلسا في مقعد مريح معا. و قال غارث:
-كنت على وشك الجنون. عندما مرت الليلة الأولى عند عودتي و لم تعودي إلى البيت. تجولت كالتائه في المنزل ، دخلت المرسم ، غرفة نومك.. كنت في كل مكان ، ما عدا حيث أردتك بين ذراعي.. لقد اتصلت بصديقك ذو الشعر الطويل.. براد سترونغ.
-و ماذا قال لك؟
-قال إنه كان مدرك بأنك ستهربين مني ، و لكنه لا يعرف إلى أين. على الأقل عرفت أنك لست معه. و لكنني لم أتصل بنويل جيميز ، لذا فالقلق لم يغادر عقلي.. في الصباح التالي سافرت عند أمك.
-كل هذه المسافة؟
-لقد أقنعت نفسي بأنك هناك. و بقيت لتناول الطعام ، أمك قلقت عليك أيضا.. يجب أن نتصل بها لنعلمها أنك بخير..
و قطبت جبينها مفكرة ، و لكنه مسح على جبهتها باصابعه و تابع:
-أجل عليك أن تبدي القلق سيدة غاردنر.. لقد أخبرتني أمك كل شيء.. و أين يذهب المبلغ الشهري الذي تقبضينه.. ليس إلى جيبك و لا لحسابك في المصرف. بل لأمك. لا عجب أنك ذعرت يوم طلبت منك شراء السجاد. كيف دفعتي ثمنه يا مجنونة...
-من مدخراتي..
-أمك كانت تظن أنني أعرف؟ لقد قلت لها إنني عندما سأجدك سأضربك على قفاك لأنك أبقيت الأمر سرا. لماذا لم تخبريني يا حبيبتي؟ لماذا كنت تدعين أشياء؟ كنت تفهمت الوضع...
-اعتقدت أنك ستغضب لأن سبب زواجك مني قد ذهب.
و أمسك بذقنها و رفع رأسها نحوه:
-هل أقول لك الآن لماذا تزوجتك؟ لأنني من اللحظة التي شاهدت فيها الشابة النحيلة الجميلة التي دخلت غرفة عمتي ، عندما شاهدت عينيها الذكيتين ، الطائشتين ، المثيرتين ، وقعت فورا في حبها..
-من أول مرة التقينا؟ و لكنني يا غارث ، لقد بذلت جهدي لأجعلك تكرهني حتى لا تتزوجني.. لقد ادعيت أنني أرغب في المال لأنفقه على إحتياجاتي الشخصية الأنانية.. ليس لنني لم أحبك ، بل لأنني لم أكن أريدك أن تشعر بأنك تحت وطأة الالتزام بالزواج مني..
-الالتزام؟ لعن الله الالتزام! مع أنك دعوتني بعدة اسماء شنيعة و على الرغم من أنني طلبتك و وافقتي.. فقد كان علي أن أقنع نفسي بأنك ستتزوجيني من أجل المال فقط. و كان علي أن أضع الخاتم في اصبعك بأي طريقة لقد أقنعت نفسي بانك حتى و لو لم تحبيني ، فمع الوقت قد تحبيني و ترغبين بي.. و لهذا تركتك لوحدك ، على أمل أن تكتشفي بأنك تريدين فعلا أن تكوني زوجة حقيقية لي.
-غارث.. لماذا تركتني تلك الليلة حقا.. لماذا لم تتصل؟ أو حتى تكتب؟
-كنت غاضبا ، غاضبا بمرارة منك. لأن لديك أصدقاء رجال. منذ أن التقيتك لأشهر خلت كنت في قبضة مشاعر غريبة عني. على الرغم من عدم حبي للنساء ، كانت الغيرة مؤلمة. و هذا بالضبط سبب مشاجرتي معك.
-لا أتحمل التفكير بهذا الأمر.. لماذا ذهبت إلى لندن؟ لتكون مع لوسيا؟
-ماذا تقصدين بهذا الكلام؟ إنني على علاقة معها؟ يا إلهي.. سأضربك لأجل هذا.
-كنت غيورة.. و هذا ما حرف حكمي عليك.
-إنتهى الأمر. سأسامحك. كان علي أن أذهب إلى لندن لحضور سلسلة من الإجتماعات. لقد عادت لوسيا إلى عملها ، لذا سآخذك معي. لقد قررت العودة إلى الأرجنتين و سافرت يوم أمس لتنضم إلى طفليها. هل إرتاح بالك الآن؟
-و كيف عرفت أين تجدني؟
-بفضل السيدة إيلين دونيكان.. من الواضح أن السيدة هوغند قلقت لمظهري الضطرب. و أخبرت عمتي التي لم أكن أعلم أنها هنا ، و أتت عمتي لرؤيتي ، و أخبرتني عن الدور الذي لعبته في عملية إختفائك.. فثرت و غضبت و نعتها بأسماء مختلفة ، قلت إنك زوجتي ، و إنك من شؤوني الخاصة و ليس لأحد أن يتدخل. ثرت عليها و كانت تعلم أنني أنفس عن غضبي. فجلست تبتسم و تركتني أقول ما أريد. ثم قالت ثلاث كلمات ، أسم الفندق ، أسم البلدة ، و أسمك. و خرجت من المنزل قبل أن تنهي حديثها. و ها أنا هنا.
-و هل تريدني أن أترك عملي؟
-ليس قبل أن يكون هناك سبب واضح ، أو غير واضح.. و لكن دون توقفك عن الرسم تستطيعين الرسم حتى بوجود أقدام صغيرة تخطو على أرض المنزل ، أليس كذلك؟ في الواقع تستطيعين رسمهم.
-الأقدام الصغيرة؟
-لا أيتها المرأة الغبية... أطفالنا.
-نستطيع إقامة معرض للوحات العائلية.. أنت ، و أنا في الوسط يحيط بنا كل أطفالنا..
-يا إلهي.. و كم تنوين أن تنجبي؟
-لا تقلق يا حبيبي ، إثنان كفاية...
-هل قلت لك يوما كم أنا فخور بقدراتك الفنية؟ و لم أشكرك أبدا على اللوحة التي رسمتيها لي.
-لقد وضعت كل حبي في كل ضربة فرشاة بها. ألم تستطع رؤية ذلك؟
-قلت لك يا حبيتي.. أنا لا أفهم في الفن. لا في التقدير و لا في التصنيف. هل تعلميني...
فوعدته بذلك ، و تابع:
-أمامنا دعوة من رودريك سترونغ لزيارته في الخريف. علي أن أسافر إلى نيويورك بعد ثلاثة أشهر ، و لدي تعليمات صارمة بأن أصطحبك. أظن أن لديه لائحة من الناس ، أصدقاء عائلته ، يريد منك رسمهم!
-غارث.. أما زلت تكره النساء؟
-أجل.. و لكن باستثناء.. المرأة التي أحب.
في الصباح التالي أجريا اتصالين هاتفيين: الأول لوالدتها لتطمينها على سلامة ابنتها ، و الآخر للسيدة إيلين دونيكان في الفندق. و تحدثت بليندا معها.
-عمتي إيلين.. أنا سعيدة جدا.. شكرا لكل ما فعلتيه.
-هل نجح الأمر؟
-لقد نجح.. بشكل صاعق.
-هذا عظيم.. سأسافر الآن. و بعد تسعة أشهر سأعود ، لأحتفل بولادة ابن ابن ابن أخي أو بنت ابن ابن أخي.. أخبري زوجك بهذا.. إلى اللقاء يا عزيزتي!
و أقفلت الخط..
و استدارت بليندا و الدموع في عينيها إلى غارث:
-هل سمعت ما قالت؟
و هز رأسه:
-إنها عجوز تحب التدخل في شؤون الآخرين!
و انحنى عليها و همس:
-شكرا لله.
معا و ذراعيهما تلتفان حول بعضهما البعض دخلا غرفة الطعام لتناول الإفطار...


****************************

تمـــــــــ بحمد الله ــــــــــت

nor11 04-03-11 12:34 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .بانتظار التكملة

مشاعر ناعمة 04-03-11 02:36 AM

شكر جميلا لإكمال الرواية

وتستاهلي وسام البذل والعطاء

لتعاونك وسرعة إستجابتك

لك ود وورد غلاااتي

https://img10.imageshack.us/img10/3223/27909591.png

ندى تدى 04-03-11 03:36 AM

روووووووووووووووووووعه

لوتشيابب 21-03-11 10:10 PM

thank for you on special labor on the finished the novel

فوفو


[imgl]https://files.mothhelah.com/img/4d003509.gif[/imgl]

مصريه... 24-03-11 04:29 PM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

اكون 24-03-11 04:56 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

جوريات111 06-04-11 12:18 AM

حلوة كتير

nosa 06-04-11 02:10 AM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

فجر الكون 07-04-11 12:28 PM

رواية رائعة جدا

يعطيكم العافية

سكون العاصفة 17-04-11 06:34 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

shh 21-04-11 03:43 PM

يسلمو والله الرواية كلش هووووووووووواي ممتعة

SHELL 20-05-11 02:44 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

aliaa_al 17-06-11 05:53 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

مسالمة 20-06-11 08:22 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

كان يا ماكان 01-07-11 10:55 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عروس القمر (المشاركة 3905845)
للامانة مش انا اللى كتباها بس برضة ادعولى وعايزة الردود تكسر الموضوع
الملخص

كانكلام السيدة دونيكان واضحا: " إذا تزوجتما خلال ستة أشهر ، فهذا المنزل الفخم والثروة الكبيرة سيكونان لكما ، و إلا فلن تحصلا على شيء".
و سافرت العمة العجوز، لكن شرطها بدا مستحيلا ، فكيف يجتمع النقيضان؟
هو: رجل أعمال ناجح واقعي ،يحتقر الفنانين و ... يكره النساء.
هي: رسامة موهوبة حالمة تعيش من أجل لوحاتها. أحرقتها نار حبه حتى أطراف أصابعها ، و لكنه لا يهتم بها إطلاقا. و مهلة الستة أشهرشارفت على النهاية و على أحدهما أن يرحل ، إلا إذا توصلا إلى اتفاق...:kfoof:

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

فتاة الطبيعة 05-07-11 05:48 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

العسل المور 23-07-11 11:37 PM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

mal 15-08-11 04:19 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

shimaa1 15-08-11 07:19 AM

راااااااااااااااااااااائع ه

يقين العمر 04-01-12 12:13 AM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . هي الروايه رائعه بس يا ريت لو توفرها بي دي اف

ام ضاري 21-06-12 06:09 AM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

الهشيم 999 30-06-12 12:03 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . 😄😄😄😄😄😄😄😄😄😄😄😄😄

allia 05-07-12 01:40 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

rachrouch 29-09-12 04:03 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين


الساعة الآن 12:20 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.