الفصل 11 - ماساة بول الفصل 11—مأساة بول- ظلت كارولين ملتصقة ببول عدة دقائق في الحديقة وهي تبكي بصمت ثم أبعدها قليلا واخذ وجهها الجميل بين راحتيه وابتسم قائلا – لم تتغيري إطلاقا كارولين لازلت تشبهين تلك الفتاة المراهقة التي كانت تقضي وقتها في الإسطبل معي ...- وأنت تغيرت كثيرا بول ..لقد صرت رجلا الآن ويبدو انك تملك رتبة في الجيش ..نظر إلى بزته بفخر – فعلا لقد انضممت إلى الجيش بعد أن غادرت منزلك بشهرين في يوم عيد ميلادي الثامن عشر بالضبط حملت حقيبة صغيرة وتوجهت لأقرب معسكر وسجلت هناك ..والآن ألن تدعيني للدخول أم انك ستتركينني واقفا هنا ..بصراحة أنا أتضور جوعا..- أوه أنا آسفة بول لقد نسيت حسن الضيافة تماما ..تعال معي كي ترى منزلي المتواضع ...- هدا القصر الصغير لا يبدو متواضعا في نظري..واخذ ينقل بصره في أركان الصالون الواسع بأثاثه الفخم ونوافذه المغطاة بستائر حريرية من الواضح أنها كلفت ثروة ورفع رأسه للسقف ليرى الثريات الكرستالية تزينه والبيانو الموجود في إحدى زوايا الصالون وتذكر حب كارولين للعزف وتذكر بأسف كيف أن والدها حطم البيانو عنوة لأنه لا يحب صوت الموسيقى..أتاه صوت كارولين يخرجه من ذكريات الماضي فراها تضع طبقا من لحم الضان والخضار..– لقد أوصيت مدبرة المنزل بتحضير غرفة لك و هدا غداؤك ..اعلم انك لم تتناول فطورك ولهدا ارتأيت أن أقدم وقت وجبة الغداء ...ابتسم برفق – لقد بحثت عنك طويلا كارولين ..لست سهلة الإيجاد أتعلمين..الله وحده يعلم ..لقد مرت علي أوقات ياست فيها من إيجادك ولكنك أمامي الآن وهدا ينسيني تعب تلك السنوات ...خفضت رأسها وقالت بحزن – أنا آسفة حقا بول ..ظروفي ليست جيدة وأنت تعلم لكنني بحثت عنك بعد عودتي من المدينة ولكن لم أجدك ..هز رأسه – نعم كنت مع فرقتي في عرض البحر مند ثلاث سنوات تقريبا ..في الحقيقة سبب مجيئي هو والدك ..- انتفضت كارولين وبدأت تشعر بالاختناق فسارع بول لتطمينها – لا تخشي شيئا فهو لا يعلم عن مكانك ولكنه يبحث عنك كارولين ..وأخشى أنها مسالة وقت قبل أن يقترب من مكانك وكما تعرفين والدك ليس غبيا ..لقد علمت من مصادري انه أصبح لاعبا في القمار ..لاعب سيء يخسر كل ليلة إضافة انه يصرف الكثير على عشيقته الجديدة التي لم تتعد الثامنة عشر فشحت موارده وأظنه بدا البحث عنك كي تدفعي له ثمن ديونه ..انتفضت كارولين بعنف –لا وألف لا أفضل الموت على أن أعطيه درهما واحدا ..دلك البائس حطم حياتي وهو الآن ويلاحقني لأفك ضيقه ..اقسم انه لو حاول الاقتراب مني سأقتله...- ليس هدا كل شيء ..لقد رهن قصره لواحد من أثرى أثرياء المملكة كان قد رأى القصر وأعجب به والآن والدك يريد استرجاع قصره لكن هدا الشخص يرفض إعطاءه القصر قبل السداد..- أنا لا اهتم بداك القصر فليذهب هو وصاحبه إلى الجحيم ..لقد عشت أسوء سنوات حياتي في دلك المكان وأتمنى على هدا الشخص أن يبتعد عنه قدر الإمكان لأنه يجلب النحس على قاطنيه ..- لا أظن أن هدا الشخص بحاجة للعيش هناك فهو يملك قصورا في جميع المقاطعات ..انه الدوق فيليب ماكسويل..أحست كارولين بالدوار يلفها ..اخدت تتنفس بعمق حتى تتمكن من التغلب على الصدمة .. الدوق قريب صوفي هو صاحب الرهن ولكن كيف ومتى ..هدا يعني آن والدها يستطيع القدوم هنا بكل بساطة بحكم أن منزلها على مرأى قصر الدوق .. نظرت إلى بول وقالت برعب – ولكن قصر الدوق قريب من منزلي ويمكن أن يجدني والدي بسهولة ..- لقد صدمت أنا أيضا حين علمت بالأمر لدا أسرعت بالمجيء لتحذيرك ..انه عنيف جدا كارولين كما أن القصر تغير بعد رحيلك ..لقد صار مرتعا للفساد ..مليئا بالسكارى والمومسات ...- هدا متوقع من شخص مثله ..لا شيء يمكنه أن يصدمني حين يتعلق الأمر بوالدي..ولكن كيف يتعامل والدك مع الوضع هناك يا بول ...شحب وجهه فجأة و طاطا رأسه بحزن بالغ وهو ينظر إلى الأرضية اللامعة ...- والدي توفي مند ثلاث سنوات ..شهقت كارولين بصدمة وهي لا تكاد تصدق الخبر فاقتربت من بول – غير ممكن ..إن والدك كان لا يزال شابا يتمتع بصحة رائعة ..- هو لم يمرض أو يمت في حادث ..لقد قتله والدك كارولين ..كان الكلام أقوى من أن تسمعه فتهاوت على الأرض تنتحب فجلس بول بجانبها وهو يضمها مهدئا ...- يا الهي ..أي بشر هدا ..أنا آسفة بول ..آسفة حقا ..- لا تتأسفي على شيء ..لم يكن الذنب ذنبك فأنت أيضا عانيت من والدك الكثير ..- أرجوك بول اخبرني ..أطلعني على كل شيء ..أجلسها بول على الكنبة وجلس في مقعد مقابل واخذ نفسا طويلا – أخبرتك أنني توجهت إلى المعسكر وتم قبولي هناك وبعد سنتين من تواجدي وفي احد التدريبات الحساسة أصبت في قدمي بعد أن سقط علي عمود حديدي ثقيل ..نقلت إلى العيادة وكانت في استقبالي ممرضة حسناء تدعى ساندي ..كانت اقل مني بسنة وكانت تعمل متطوعة ..اعتنت بي طيلة شهر مكثته في تلك العيادة وكانت تمضي ساعات معي كل يوم وتطورت علاقتنا إلى أن تقدمت بخطبتها بعد ستة أشهر من تعارفنا وقررنا الزواج بعد شهر ولان ساندي كانت يتيمة الأبوين وقريبتها الوحيدة هي عمتها لكنها لم تكن تحبها قررنا الذهاب إلى منزل والدي كي تتعرف عائلتي عليها ونقيم هناك الزفاف ..صمت بول قليلا وكأنه كان يبعد شبح الذكرى الأليمة عن تفكيره – بمجرد وصولنا لمح والدك ساندي وكان يتودد إليها باحترام في البداية ولكنه أصبح يتحرش بها ليلا نهارا دون مراعاة لأحد منا وقد اشتكت منه ساندي كثيرا ولكنني طمأنتها بأننا لن نبقى هنا طويلا وفي الليلة التي سبقت زفافنا تظاهر والدك بالمرض مستغلا غيابي مع والدي واستدعى ساندي كي تفحصه وكانت ساذجة لدرجة أنها صدقته وبمجرد أن وصلت إلى غرفتها فاجأها من الخلف وأغلق الغرفة بإحكام و انقض عليها ..مزق ثيابها واغتصبها دون رحمة ..ثم رماها من نافدة غرفته فكان أن توفيت من جراء الارتطام بالأرض .. لم نكتشف الأمر إلا صبيحة الزفاف ..لقد كانت في حالة يرثى لها وعندما سألناه تظاهر بأنه لم يرها وانه كان طوال الليل في مكتبه ولكن احد الخدم اخبرنا سرا بأنه سمع أصوات صراخ في غرفة سيده وهو متأكد من أنها كانت ساندي ..حين واجهناه بالأمر أنكر في البداية مدعيا انه لم يرها بتاتا ثم تحت ضغط والدي اعترف أخيرا ولكنه أصر على أنها أغوته وهز يديه بعدم اكتراث مقترحا مبلغا من المال علينا ضمانا لسكوتنا ..لقد قالها بكل وقاحة ..- لا احد سيصدقكم ..ستكون كلمتي ضد كلمتكم وطبعا لن يصدقوا عائلة من المتشردين على احد النبلاء المعروفين .. لقد كانت مجرد امرأة وسيلتقي ابنك الكثيرات من الفتيات الجميلات ..وابتسم بغرور فلم يحتمل والدي الأمر فضربه ضربا مبرحا وبعد جنازة ساندي أرسل دلك النذل رجاله فضربوا والدي وطعنوه حتى فارق الحياة وكادوا يقتلونني لولا قدوم بعض أصدقائي من الجيش الدين أسعفوني وبعد أن استطعت الوقوف على قدمي غادرت دلك المكان بلا رجعة لكنني أوصيت قريبي بتقصي أخبار والدك وهو يزودني بالمعلومات مند حوالي ثلاث سنوات ... استمعت كارولين لسرده للأحداث بصدمة ألجمتها ..صحيح أنها تعرف نذالة والدها لكن أن يصل به الحد إلى القتل هدا ما لم تتوقعه منه ..لكنه فعلها مرتين وأحست بالأسف على بول المسكين ..لقد ناله من والدها أكثر مما نالها ..نظرت إلى بول والدموع تغشى عينيها – لست ادري أي قدر وضعني في هدا المأزق ..لم أنا ..لم ..لم علي أن أكون آنا ابنته ..طوال حياتي وأنا أعاني بسببه ولكنه تعدى كل الحدود مع عائلتك بول ..هدا الرجل شيطان ..بل إن الشيطان يقف عاجزا أمام شره...نظر إليه بول بهدوء عجيب – ليس طويلا ..نظرت إليه مستفسرة ..فأجابها بتصميم – سأقتله..شهقت كارولين – ولكن ..هل جننت بول ..هل تريد تحطيم حياتك لأجله ثم لا تنس انه رجل قوي رغم سنه إضافة انه حذر جدا ودائما محاط برجاله...- اعلم هدا ولكنني أتيت على أمل أن تساعديني في إيجاد خطة تمكننا من قتله دون أن يعرف احد ...وقفت كارولين فجأة واخدت تذرع الغرفة باضطراب ..- لا ..لا لا يمكنني ..أنا أخافه حتى الموت ..انه يبحث عني بول ..اعرف هدا ولا أريد أن أتصور ما سيحدث حين يجدني ..اوقفها بول بحزم – انا لم أعهدك يوما جبانة كارولين ..اعلم انك تخافينه ولكن الحل الوحيد أمامك هو موته ..فكري بالأمر ...ستعيشين بسلام وأنت تعلمين انه يحترق في جهنم ..أما بالنسبة لي فلن أرضى بأقل من قتله لأنه حطم حياتي قتل أكثر من أحب ..ساندي ووالدي وحطم حياة اقرب إنسان لي ..أنت كارولين ...ثم شدها إليه وضمها بحنان فهمست –أنا خائفة بول ..وعند تلك الكلمة سمعت باب الصالون يفتح ويبرز منه جاك الذي اخذ ينظر إليهما ببرود فسارعت تبتعد عن ذراعي بول وتنظر إليه بارتباك........................ |