آخر 10 مشاركات
خلف أوداج الغضب (104)-(1) غموض الورى-قلوب نوفيلا[حصريا] مروة العزاوي*مميزة *كاملة (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          لك بكل الحب (5) "رواية شرقية" بقلم: athenadelta *مميزة* ((كاملة)) (الكاتـب : athenadelta - )           »          شهريار .. على باب الفاتنات *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : سحابه نقيه 1 - )           »          أحلام مستحيلة (37) للكاتبة: جيني لوكاس .. كاملة .. (الكاتـب : سما مصر - )           »          للحب, الشرف والخيانة (101) للكاتبة: Jennie Lucas *كاملة* (الكاتـب : سما مصر - )           »          [تحميل] عندما عبروا حدود الظلام ،للكاتبة/ عاشقة أمها (جميع الصيغ) (الكاتـب : Topaz. - )           »          134_ اتى ليبقى _ جانيت ديلي _روايات عبير القديمة (كتابة /كاملة )** (الكاتـب : تلميذة الحب - )           »          قلبه من رخام (37) للكاتبة الآخاذة: أميرة الحب raja tortorici(مميزة) *كاملة* (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          79 - أين المفر ؟ - لوسي جيلين - ع .ق ( تصوير جديد ) (الكاتـب : Dalyia - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

Like Tree5Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-05-11, 04:58 PM   #11

amabed
 
الصورة الرمزية amabed

? العضوٌ??? » 110763
?  التسِجيلٌ » Feb 2010
? مشَارَ?اتْي » 661
?  نُقآطِيْ » amabed is on a distinguished road
افتراضي


شكرا عزيزتي باين عليها رواية رائعة,بس انا مش مطمنة لنهاية لان الملخص الخاص بها مايطمنش.
شكرا على المجهود


amabed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-05-11, 05:19 PM   #12

taman

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية taman

? العضوٌ??? » 62057
?  التسِجيلٌ » Nov 2008
? مشَارَ?اتْي » 6,430
?  نُقآطِيْ » taman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة amabed مشاهدة المشاركة
شكرا عزيزتي باين عليها رواية رائعة,بس انا مش مطمنة لنهاية لان الملخص الخاص بها مايطمنش.
شكرا على المجهود

بالعكس الرواية رائعة والنهاية جميلة
الرواية كاملة عندى وان شاء الله اقوم بوضع اجزاء منها كل يوم


taman غير متواجد حالياً  
التوقيع











رد مع اقتباس
قديم 30-05-11, 05:37 PM   #13

taman

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية taman

? العضوٌ??? » 62057
?  التسِجيلٌ » Nov 2008
? مشَارَ?اتْي » 6,430
?  نُقآطِيْ » taman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond repute
افتراضي

وهذا الجزء الثامن بين ايديكم




أبعدتُ عنك سيدي فؤادي
فارجع إلى طبائعِ الاستبدادِ

اغضب وصح فلن يضجّ مسمعي
لأنني أسمعُ في حيادِ

الحبُّ مات بيننا لأنهُ
لا حُبّ بين العبدِ والأسيادِ!!


===============


(8)


أناملها تلامس شفتيها المرتجفتين وقد ارتكزت بإحدى يديها على سطح الأرض بضعف...


هي لا تصدق ما حدث للتو!!


كيف حدث ذلك؟!


هو السبب، ذلك الغشاش المخادع يخالني لا أعرفه، لا أفهمه، لكن لا...


لا وألفُ لا، سأحاربه....سأٌقاومه حتى آخر رمقٍ لي..


لأنني...لأنني أكرهه!!


أكرهه وكفى!!


امتدت أصابعها لخدها وهي تهزُّ رأسها، الدموع تملأ الوجه المعذب، تحفر في حناياه شيئاً، والخطوط تتضح لتكون معلَماً,,


السطور تُرسم، والوجه صفحة، يحتاج لمن يفهمه ويقرأه....


عادت لتهز رأسها غير مصدقة....


الحروف تتبعثر، والكلمات تتلاشى وتبتعد هناك، حيثُ لا قلم، لا حبر، لا سطور!!


همست لنفسها بخوف:

- و خالي، ماذا سيقول عني الآن؟!!

- ماذا سيفعل؟!

- رحماك يا رب رحماك....


نجوم السماء تتراءى من خلف زجاج النافذة، ها هي تنبض بقوة ووضوح، في نورها أمل وألم!!!


اتجهت لفراشها وهي تحيطُ نفسها بدثارها، لعلها تشعر بالأمان قليلاً، قلبها لم يتوقف عن الدق بعنف، بجنون...


أخذت تطمأن نفسها:


ما حدث كان كذبة، كذبة سقيمة من تخيلاتي...


لا بد أنني كنتُ أحلم، أتوهم...


ولكن....


كيف حدث ذلك أخبروني، كيف؟؟!!


الجبين لازال يتصفد عرقاً رغم الجو المكيف، وباب الغرفة المجاورة لم يُوصد بعد!!!



=================


- "غدير" انهضي..

- ............

- غدير!!

ردت دون أن تفتح عينيها، الصوتُ كان متعباً، راحلاً منذُ الأمس:

- ماذا تريدين؟!

- هيا افطري.

- لا أريد.


"لا أريدُ شيئاً، لا أريد أن أراهم، لا أريدُ أن أرى خالي".

- أيتها الكسولة!!

- أريدُ أن أنام.


"لم يصافحني الكرى منذُ الأمس، هو السبب، هو الغشاش، المخادع".


وعادت لتتدثر من جديد...


الهجوع نعمة، لا يقدرها إلا المحرومون!!


==============




- هذا الأسبوع يحمل لكِ الرضا والسعادة. تتمتعين بلباقة الحديث وتستفيدين من قوة إقناع مميزة تجعلك محط أنظار العديد من الأشخاص.



رفعت "ندى" رأسها عن الجريدة بزهو وهي تبتسم لصُحيباتها، ثم أردفت بخيلاء وهي تضم خصلة نشزت سهواً من حجابها للداخل:


- كم أحب "الأبراج" تشعرني بالتفاؤل.


- أنا لا أصدقها. ردت "جميلة".


"أكيد لن تصدقيها لأنكِ حقودة وحسودة، ولو كان طالعي اليوم سيئاً لقلتِ آميين!!".



- ندى، أقرأي برج المدير.. خاطبتها "أشجان".

- من أي برجٍ هو؟!


- من برج الحمل..


فتحت "ندى" عينيها دهشة في بادئ الأمر، ثم ما لبثت أن ضحكت بإستهزاء:


- الحمل؟!!! ظننته من برج "الثور"، برج "أم دويس"، برج "الله وأكبر عليك يا الظالم"...


ثم أكملت وهي ترفع الجريدة لأعلى:


- اسمعن "برج الوحش" ماذا يقول اليوم: تتجه إلى إقامة علاقات فوضوية. كن صادقاً مع نفسك واعطِ قلبك فرصة ليدق دقاته الحقيقية..


ولم تكمل، إذ غرقت في نوبة هستيرية من الطراز الأول:


- قلبه يدق؟! أشك..أشك إن كان لدى هذا الرجل قلبٌ أصلاً..


وألقت الجريدة ووجهها يتضرج احمراراً من شدة الضحك:


- مسكينــ .....



لكنها توقفت فجأة ما أن رأت وجه "أشجان" الذي تغير فجأة والتي راحت تدفن رأسها في الأوراق الموضوعة أمامها، ولم تفتها تلك الابتسامة الخبيثة التي لاحت على شفتي "جميلة"..


وبلا شعور صدت للباب، ورأتهُ واقفاً وقد ضمّ قبضته لجانبه وانحرف فمه بزاوية حادة...


وضعت يدها على فمها وهي تشهق وتسب نفسها في سرها ومن أخترع الأبراج ووضعها في الجرائد!!!


- أ..أ...أ.. هذا كان..كان برجي أنا. وابتسمت ببلاهة وهي تشير لصحيباتها كي يؤيدنها لكن أحداً منهن لم تنطق بكلمة.


ملامح وجهه الجامدة جعلتها تزدرد ريقها وتبتلع ابتسامتها البلهاء.


- تعالي إلى المكتب فوراً. قالها بصوتٍ آمر مليء بالوعيد.


وانصرف إلى الداخل..


- ماذا أفعل، أشيروا علي، ثم لماذا لم تخبروني، أشهد ألا إله إلا الله، منذُ زمن والنحس مكتوب على جبينك يا "ندى".


وأخذت تندب حظها العاثر و"أشجان" تحاول تهدئتها:


- لقد جاء على حين غرة، ثم لقد أشرتُ عليكِ بأن تتوقفي لكن صفحة الجريدة كانت تغطي وجهك بأكمله.


- ماذا يقول برجكِ اليوم: هذا الأسبوع يحمل لكِ الرضا والسعادة. قالتها "جميلة" بإستهزاء وتشفٍ، ثم أردفت:


- صدق من قال "كذب المنجمون ولو صدقوا".


لم ترد عليها "ندى" بل أخذت تحدجها بنظرة نارية وهي تود لو تنقض عليها وتملأ وجهها بعلامات خضراء وزرقاء بدلاً من ألوان المكياج التي تصبغ بها وجهها كل يوم.


التفتت لأشجان وهي تسألها:

- ماذا أفعل الآن؟!

- أذهبي له الآن..

- ماذا؟!


وكأن أفعى لدغتها، أحنت جذعها لتحكم إرتداء لحذائها، قالت دون أن ترفع رأسها:


- أذهب إليه وهو في هذه الحالة؟!! مستحيل.


وسحبت حقيبتها والجريدة بعد أن جعدتها بغيظ:


- أنا سأعود إلى البيت الآن، بعد يومين لدي حفلة إحدى قريباتي و أريد أن أذهب هناك وأنا سليمة، مع السلامة.


- انتظري...


- قولي له معدتها آلمتها، أخاها عاد من السفر، دهستها سيارة، أي شئ...



وانصرفت عنهم وهي تهرول حامدةً نجاتها، تاركةً بركان الغضب ينتظرها هناك لوحده!!!



===========



سمعت طرقاً على الباب، عادت لتتدثر وتصمّ آذانها وتتظاهر بالنوم من جديد:


- "غدير" هذا أنا خالك افتحي الباب.


فزّت من فراشها وقد بدأت تقضم أظافرها دون شعور:

- غدير!!

- لحظة، لحظة، سأفتح الآن..


تلكأت كثيراً قبل أن تمسك إكرة الباب، طأطأت رأسها وهي تتحاشى النظر إليه....


جلس على الكرسي المقابل للمنضدة أما هي فاحتارت...


أتقف أم تجلس على حافة السرير، أم ترمي بنفسها من النافذة وترتاح من الموقف برمته!!!!


كان يتأملها، ويتأمل علامات الشعور بالذنب الذي أنطبعت على وجهها حمراء قانية...



الصمت بينهما طال، كلاهما سارحٌ بفكره، ولكن ما أصعب الانتظار..


الكلمات لا بد أن تُراق بسرعة، بسرعة، حتى يكون أثرها قاضياً مميتاً، ربما بعدها يلتأم الجرح دفعة واحدة!!


والنزف، النزف فلتكن حذراً منه، إياك أن تقترب منه، فغبار الأيام كفيلة بأن تثيره، وتجدد ثوب حزنه من جديد...


لكن المشكلة تكمن في نوع الجرح، أليس كذلك؟!


أهي جروح الجسد أم جروح الذاكرة؟!!


طال الصمت وآن لهُ أن يقطع، والمجرم لا بد له أن يتكلم، أثمه يخنقه، يضيق عليه الخناق...


دعه يتحدث لعل مطرقة الضمير تتنحى عنه، فلقد أعياها وأثقل همها..


الحروف تخرج مترددة، مبعثرة، خجلة هي من نفسها:


- خالي، أنا..أنا...


لكنها لم تستطع أن تكمل، ماذا تريدونها أن تقول؟!

تنهد وهو يربت على ركبته:

- بعد الذي حدث البارحة لا بُد أن يتمم هذا الزواج.


- لا أرييييييد.


وانكبت على قدميه وهي تنتحب:

- لن أخرج من هنا حتى، سأحبس نفسي، ولكن لا، لا توافق يا خالي.

- لماذا يا ابنتي كل هذا؟! لماذا تتعبين نفسك وتتعبيني؟!


- أنا قلتُ لك، نحنُ..نحنُ مختلفان.

- لكنكما تزوجتما وانتهى الأمر، ليس من المعقول أن تبقيا هكذا للأبد.

- ..................

- ثم لا بد أن تتابعا حياتكما، كلٌّ له حق بأن يعيش..

- فليكمل هو حياته، أنا مرتاحة هكذا، فليطلقني، أجل يطلقني ويذهب كلٌّ في حال سبيله.


- ماذا تقولين؟! لم يمر أسبوع واحد على قرانك وتريدين الطلاق؟! وبهذا السن الصغيرة؟! لا حول ولا قوة إلا بالله.


"ليتني لم أوافق منذ الأساس، ليتني"..


- أنا أقبل بأي شئ إلا هذا، أتوسل إليك يا خالي، أتوسل إليك.


ودفنت رأسها بين قدميه، وهي تتشبث به بإستعطاف...


جثا للأرض وهو يمسحُ على شعرها، رفع وجهها المبلل بالدموع:

- لا تتوسلي يا ابنتي، وسيكونُ لكِ ما تريدين، ولكن اعلمي ستكون هذه آخر فرصة لكما، إن تكرر ما حدث بالأمس، سأبتُ في الأمر.


- حـــ....حسناً..


ربت على ظهرها لكي تقف على قدميها من جديد...


كان يتنهد كل حين وكأن شيئاً يضايقه، وكأن الأمر برمته لا يعجبه....

- هيا قومي لتتناولي إفطارك.


- لا أريد...ليس الآن.

"ربما لحين أن يذهب ذاك إلى عمله".


- طيب سأترككِ، ولا حاجة لأن تحبسي نفسكِ هنا.


هزت رأسها بإيجاب دون أن تؤمن فعلاً بإماءتها...


وما أن خرج وابتعدت خطواته حتى أوصدت باب غرفتها من جديد...


تنهدت هي الأخرى وهي تلهج بالحمد، لقد نجت بأعجوبة!!!


لكن تنهيدتها لم تكتمل، إذ سرعان ما سمعت صوت "عمر" يرتفع شيئاً فشيئاً، وكان يقول شيئاً عنها...

أخذت تدور في الغرفة بتوتر وهي تقضم أظافرها من جديد، وما هي إلا ثواني حتى سمعت طرقاً عنيفاً على الباب..


توقفت في مكانها وقد أخذ منها الخوف مأخذاً كبيراً...

- من؟!

- لا تتظاهري بالغباء.

- ماذا.. ماذا تريد؟

- أحقاً لا تعرفين!! صاح فيها بشراسة.

- قلتُ لك لا تتعب نفسك معي.

- أنتِ مجنونة.

- أجل مجنونة، أتريدُ الزواج بمجنونة؟!

- بودي ذلك كي أعالجك.

- أليس لديك كرامة، أقولُ لك لا أريدك، لا أريدك، أتريدني أن أصرخ عالياً علك تفهم.

- اسمعيني هذا الزواج سيكتمل شأتِ أم أبيتِ، وتوجد طرق كثيرة لإجبارك على ذلك..

- أنت شخص لا تُطاق.


- لديكِ 4 جدران في غرفتك، أليس كذلك؟!


لم تفهم مغزى سؤاله لكن أجابته بنعم.

- وباب أيضاً؟!

- نــ..عم..

- اضربي رأسكِ بأياً منهم.



وانصرف تاركاً إياها في حالة فوضى...


مستحيل، هذا الرجل مستحيل!!



وقطع صوت ندى خيالاتها...

- لحظة، لحظة.

ولجت إلى الداخل وهي تتنفس بسرعة:

- أعوذُ بالله..

نظرت إليا "غدير" بتساؤل:


- بعلك العزيز كان سيقطع رأسي منذُ قليل.


تجاهلت "غدير" كلمة "بعلك" وعادت لتستفسر:

- لماذا؟!

- لأنني سألتهُ كيف حالك!!


ثم أردفت وهي تلقي بنفسها على السرير:

- الإجرام تفشى في كل مكان، في البيت، وفي المكتب..


أخذت "ندى" تثرثر عما حدث لها اليوم، والأخيرة لا تسمع، كان ذهنها منصرف للذاهب منذُ قليل، في حديثه، في تهديده المبطن...


أتراها ستنجو فعلاً؟!

أتمنى ذلك.....


==============


- لكنك وعدتني.

- لقد اتفقنا بعد شهر وليس بعد مرور أسبوع!!!


- أنت لا تفهم، لم لا تحس بي، لم تستصغر هذا الأمر، أينما التقيتُ إحدى صديقاتي يسألنني: ألم تحملي بعد؟! وأمي تسألني وأقاربي كذلك، أكادُ أجن..


- .........................


- وأنت ليس لديك إلا اصبري واصبري، لم أنت خائف هكذا؟!


وانتفض "ناصر" في مكانه وكأن أفعى لدغته:

- ماذا تعنين بحديثكِ هذا؟!


صمتت وكأنها أحست بفداحة ما قالته، لكنهُ لم يمهلها لتعتذر:

- لا تظنيني من هؤلاء الرجال الذين يقيسون الرجولة بهذا الشئ، لو كان بي عيباً لكنتُ أول من أخبرتك..


- "ناصر" أنا...

- يكفي، لقد أفضتِ أم لديكِ المزيد؟!


طأطأت "شيماء" رأسها خجلة من نفسها:

- على العموم سيكونُ لكِ ما تريدين، واليوم إذا شأتِ حتى لا تظني أني أتهرب..


- أ..أ.. اليوم سنشتري فساتين لحفلة الغد.


- ..........................

- ألن تذهب بي إلى السوق؟


- ...............

- ناصر؟!

- نعم. رد بضيق.

- هل أنت غاضب مني؟

- كلا.


- ناصر، لا تكن قاسياً علي هكذا.


واقتربت منه وهي تذرف "دموع التماسيح"، قالت بإستكانة:


- إذا لم تسامحني فلن أذهب لحفلة الغد.


ولأنهُ يعرفها، أخذ يجاريها وهو يخفي ابتسامته:

- لا تذهبي..

- هذا يعني أنك لم تسامحني.

- بل سامحتك، ولكن لا تذهبي.

- ولكن، ولكن، "ندى" ستذهب، حتى "غدير" ستذهب هي الأخرى، ماذا سيقول عني الناس؟!

- قولي هذا من البداية..

- ناصر!!

- آه منكن!!!




=============


- هيا يا غدير لقد تأخرنا.

- لا أريد..لا أدري.

- تريدين أن تبقي لوحدك في البيت مساء الغد.

- لا.

- إذن؟!

- من سيوصلكم؟!


- قلتُ لكِ ألف مرة "ناصر" و "عمر".

- ولم لا يوصلنا "ناصر" فقط؟

- وهل سيبقى "ناصر" لوحده في المجمع ونحنُ ندور في المحلات!!


سحبت "غدير" خمارها وهي تدمدم، إنها خائفة من مقابلته وجهاً لوجه بعد آخر حوار دار بينهما، لكنهم ليسوا لوحدهم، سيكون الجميع معهم....


سارت وهي تطمأن نفسها، ألقت السلام بصوتٍ لا يكاد يبين وهي تلج داخل السيارة...


كانوا يتسامرون ويتضاحكون حتى هو، وكأن شيئاً لم يكن!!


بقيت صامتة وهي تنصت لأحاديثهم وعينها على المرآة والسائق!!!

"حتى لم ينظر إلي، غريبٌ أمره"..


ووصلوا إلى مجمع "..."، تقدمت النسوة أماماً والرجال يتبعنهم، لم يتركوا ركناً إلا دخلوه...


كانت "غدير" تتابع بملل الملابس المعروضة بعكس "شيماء" و "ندى" اللتان أخذتا تبحثان بحماس عما يليق وفي أيديهم عشرات القطع!!!


ولفت انتباهها فستاناً ما، اقتربت لتتفحصه...


لونه أسود بغموض الليل، ملمسه أثيري ينزلق بسرعة عند لمسه...


كان بسيطاً في تصميمه، حتى التطريز لم يكن ملفتاً للنظر...


أخذت تقلبه وقد بدأ يروقها، لكن شيئاً ما فيه استوقفها وجعل يدها تتوقف فجأة!!


"لا يوجد شئ كامل، لا يوجد، حتى الفساتين!!"..


- ماذا؟! هل أعجبكِ هذا الفستان؟! سألتها "ندى" وهي تتفحصه هي الأخرى.

- إنه جميل، لكن....

- لكن ماذا؟! لا تتعللي، لقد حل المغرب الآن، والحفلة غداً وليس بعد أسبوع.

- لو كان مقفلاً من الخلف لأخذته..

- وماذا في ذلك؟!


- أنا لا أحب هذا النوع من الملابس.

- أيتها الغبية، تلك كانت ملابس جدتي، ثم كل الفتيات يرتدين هكذا، ألم تشهدي أعراساً من قبل.


"بلى، بلى شهدتُ واحداً، وكان عرسي!!"...

- كلا، سأبحث لي عن شئ آخر..

- انتظري لا تتركيه، إن ابتعدتِ عنه الآن، لن تجديه، سيتخطفهُ غيرك...


"هذا فستان أم قطعة لحمة؟!"...


- اسمعي، بوسعك أن ترتدي عليه وشاحاً بمثل لونه، لدي واحد في خزانتي..

- ألم تنتهين بعد، لقد أصابني الدوار من السير وراءكن.


أتاهم صوت "عمر" مزمجراً من الخلف، فغضت "غدير" بصرها بإرتباك، ردت "ندى" مدافعةً عن نفسها:

- أنا قد انتهيت و "شيماء" منذُ قليل، زوجتك هي من أخرتنا..


لكزتها هذه الأخيرة بمرفقها، فصاحت متوجعة، أما "عمر" فلانت ملامحه الغاضبة وقال بهدوء:

- ألم يعجبكِ شئ؟!


تطلعت "غدير" إلى "ندى" لكأن تنتظر منها أن ترد.


- إنهُ يسألكِ أنتِ وليس أنا.

تطلعت للأرض وهي تهمهم بصوت غير مسموع...


خاطبت "ندى" أخيها بعد أن امتنعت تلك عن الكلام:


- لقد أعجبها هذا الفستان لكنها تقول...

ولم تكمل، إذ سرعان ما وضعت "غدير" كفها بسرعة على فم "ندى" مانعةً إياها من أن تنطق المزيد..


تطلعت إليه لأول مرة منذُ الأمس ووجهها يتضرج إحمراراً:

- سآخذه، لقد انتهيت من الشراء، أليس كذلك؟!


هزت "ندى" رأسها بالإيجاب وهي تكاد تختنق...


أما "عمر" فقد بقي ينظر إليهما بدهشة وهما تبتعدان وكلٌّ منهما تدفع الأخرى...



وجالت عبارة "أصحاب العقول في راحة!!!" في ذهنه طويلاً....


تُرى من قالها؟!!


===========



وضعت "ندى" العذر الطبي الذي أخذته بالأمس من الطبيب في حقيبتها كي لا تنساهُ في الغد....


لقد غابت يومين كاملين عن العمل بحجة المرض ، وأغلقت هاتفها كي لا تتصل لها تلك "العقربة" أو "أشجان" ويخبرنها بردة فعل المدير فتفسدان عليها فرحتها...


فلتهنأ براحة البال ولو مؤقتاً، فالليلة حفلة ولا بد أن تكون هي النجمة بلا منازع!!!


أخذت تتطلع إلى نفسها في المرآة، تستوثق من ملابسها و مكياجها، تضيف وتمسح، وهكذا دواليك!!


وفي الجانب الآخر، كانت "غدير" حابسةً نفسها في الحمام، لا تفتأ أن تثبت الوشاح حولها بضيق، فوجوده أو عدم وجوده سيان!!!


ماذا تفعل الآن؟!


إنها لا تتبع إحساسها، لا تتبع حدس الأنثى أبداً!!


كيف ستخرج، مستحيل أن تذهب هكذا، هذا من رابع المستحيلات!!

ودت أن تلقيه في القمامة، لكنها استدركت نفسها، فهو ليس ملكها...


فتحت إكرة الباب وهي تنادي:

- "ندى"...

- نعم، ماذا تريدين؟

- وشاحك هذا لا ينفع؟!

ردت عليها وهي تعقص رموشها:

- إذن لا تلبسيه.

- ماذا؟!

- لم تعطين المسألة أكبر من حجمها الحقيقي، يا ماما هذه حفلة نسائية..


- أنتِ لا تفهمين..

- أفهم ماذا؟!


- لا شئ...
-

- لم أتوقعكِ هكذا من العصر الحجري مثل مديرنا.. قالتها بصوت هامس، ثم هزت رأسها لكأنها تريد أن تنفض ذكراه من ذهنها.


- والحل؟! سألتها بنفاذ صبر.

- أخرجي وسأجد لكِ حلاً بإذن الله..


ترددت "غدير" كثيراً في الخروج، لكن ما باليد حيلة، لفت الوشاح عليها من جديد وهي تمسكه من الخلف كل حين...


وما أن خرجت حتى صفرت "ندى" تصفيرة إعجاب "فاشلة":

- تبدين رائعة.

- شكراً. ردت "غدير" بتواضع، ثم أردفت:

- وأنتِ أيضاً.

تطلعت "ندى" لنفسها بزهو في المرآة وهي تقول وابتسامة كبيرة على وجهها:

- بالتأكيد هذا أمر لا نقاش فيه!!!!!!!

- والآن جدي لي حلاً يا "أبو العريف"..

- استديري لأرى..


- اعطني وشاحاً آخر أكبر من هذا فقط..

- ما بك؟ سأتأكد أولاً أي الأحجام تناسبك..


عادت "غدير" لتثبت الوشاح جيداً بيدها اليمنى بإرتباك، ونظرات "ندى" المستغربة لم تساعدها...

- أ..أ..ستــ..ستعطيني وشاحاً آخر أم..أم لا؟


هزت "ندى" كتفيها وهي تتنهد من غريبة الأطوار هذه:

- لحظة واحدة...

فتشت في ملابسها المبعثرة إلى أن وجدت شيئاً مناسباً..

- خذي هذا..

تناولته منها بسرعة، وعادت للحمام مرة أخرى ونظرات ندى التي كادت أن تقع تلاحقها...


وأخيراً خرجت وفي وجهها شئ من الرضا وكثير من الإحراج...


لكن "ندى" لم تعلق وعادت ترتب خصلات شعرها المتناثرة بتمعن مصطنع..


جثت "غدير" لتبحث عن حذائها الأسود المخبئ أسفل سريرها، وبينما هي منشغلة في البحث، غافلتها "ندى" بحركة مفاجئة وسحبت وشاحها، وهي تضحك بلؤم:

- ألديك وشــم أم...


لكن ضحكتها لم تكتمل، إذ سرعان ما شهقت بقوة وهي تسقط الوشاح من يدها...


وضعت يدها على فمها وهي تتراجع إلى الخلف حتى اصطدمت بالباب:

- آنا آسفة، لم...لم أقصد، يا إلهــي...


وفرّت من الغرفة وهي تحبس دمعة خانتها على حين غرة...


أما تلك القابعة ليس ببعيد، بقيت هكذا ردحاً من الزمن جامدة في مكانها وهي تمسك ذلك الوشاح المتطاير...



الأيام لا تخبئ أحداً، أليس كذلك؟!!




كانت يدها اليسرى ممتدة على حافة السرير، و الأخرى قابضة على عنقها المطرق إلى الأرض بوهن.


نظرت بذبول إلى القدمين اللتين اقتربتا منها بوجل، رفعت رأسها فجأة فاصطدمت بتلك العينين الخضراوين، في مرآتهما تساؤل وشفقة و......!!!!


ابتعدت لاشعورياً عن السرير وجسدها يرجف من الهلع، دنا منها فصاحت بصوتٍ مبحوح:


- ماذا تريد أنت الآخر؟!


- لم آتِ لشيء، اطمأني..


- أ..أخرج، أخرج من هنا.


- أريني ما بظهرك أولاً.


- ليس بي شئ أتسمع.


- لا تخافي لن أفعل شيئاً، لن أقترب حتى، أريني من بعيد.


تراجعت إلى الوراء وهي تضم يديها خلفها، لصقت نفسها بالجدار وصدرها يعلو ويهبط بقوة واحتقان...


- لا تقترب مني ولن أريك شيئاً، أخرج من هنا، أرجوك أخرج....


- لن أخرج قبل أن أطمأن عليكِ..

- قلتُ لك ليس بي شيء.

- إذن أريني...


جالت ببصرها حول الغرفة بيأس، ثم نظرت إليه وهي تقول له بإستعطاف:


- أرجوك أخرج قبل أن يأتي خالي، أتوسل إليك.


لم تنتبه إلى وشاحها الحريري الذي انحسر فجأة عن كتفيها، ملس بسهولة، انزلق حتى وصل لأصابع قدمها ثم تدحرج بعيداً عنها......


حاولت أن تثني جذعها لتلتقطه، لتلفه عليها من جديد، لكنه سيراها، سيرى ما بها، تطلعت إلى الوشاح بعجز ثم هزت رأسها بألم.



ركع للأرض وانتشله، نظر إليه مطولاً ثم مده إليها، يداها لاتزالان مضمومتان إلى الخلف، تحيطان بظهرها، نزعت إحداها وهي تشعر بالثقل، مدتها وما أن لامست أصابعه حتى شدها إليه وبقوة......




ارتطمت به بفعل القصور الذاتي، مسكها من كتفيها كي لا تسقط، حاولت أن تبعده، أن تدفعه، لكن يداه كانتا كالصخر...


ضربته بما تبقى لها من قوةٍ متلاشية، ضربته بجنون وهي تحاول التملص منه....

صرَّ على أسنانه وهو يهزها:


- اهدأي ...


- دعني، خاليييييييييييي.


لم ينصت لها، أدارها ليرى ما كانت تخفيه، مرّت ثانية و لم تشعر إلا بوقع أصابعه تنغرز بقوة على كتفيها...


الجسد يرجف، ينوءُ بما يحمل، سكنت عن المقاومة، اهتز جسدها بقوة ويداه لازالتا مثبتتين تمنعها من السقوط أو الهرب....


بكت بصمت وإن أفلت منها صوتٌ متقطع...


أحست بالعار، بالمهانة، ها هم اكتشفوا أحد أسرارها الخاصة بها وبأوراق دفترها، ماذا سيبقى لها بعد إذن؟!!


أتاها صوتهُ أجشاً كابتاً إنفعاله:

- من فعل بكِ هذا؟

غطت وجهها بكفيها، أتاه صوتها متقطعاً، راحلاً، غائباً في زمن لا يملك إلا الغبار!!!


- لا...لا أحد..

- كفي عن الكذب.


حاولت أن تبتعد عنه.


ردّ بإصرار:


- ليس قبل أن تخبريني، حميد، أليس كذلك؟


سكنت حركتها وكأن اسمه كان كفيلاً بإيقاف أي شئ، أي شئ...


- متى وكيف ولماذا؟ أجيبي...


الأسئلة تتوالى، تتدافع بقوة زخات المطر، وسيلان السم!!!


الجروحُ تنكأ، والماضي يُنبش، ولم يتبقى من الورق الشئ الكثير!!!


أمسكت عنقها وهي تشعر بالإختناق، أدارها لتنظر إليه....


أبعد يدها عن جيدها:


- أخبريني بما حدث..

- ليس لدي شئ لأخبرك إياه.


عاد ليهزها من جديد، لكنها كانت تصرُّ على شفتيها من جديد:

- لن أدعكِ إلا بعد أن تخبريني بما حدث.


- ماذا أقولُ لك. صاحت في وجهه وقد عادت إليها نوبة الشراسة.


- أبي قد يأتي في أي لحظة!!! قالها بتهديد.


عادت لتحاول سحب يدها وهي تنادي بندى وشيماء لكن أحداً منهن لم يكن ليسمعها...


تطلعت إلى العينين الصارمتين بيأس وهي تتلفت كل حين خشية أن يأتي خالها، صرخت بألم:

- تريد أن تعرف؟!

- أجل. رد بهدوء.

تنفست بتقطع وهي تطالع البعيد:

- هو طلب مني أن أكوي له ثوبه، صدقني لم أكن أقصد أن أحرقه، لا بل قصدت، لا بل لم أكن أقصد، كنتُ أتمنى حرقه في خاطري ولا أدري كيف أحترق..


أرخى ذراعيه شيئاً فشيئاً فهامت روحها، ارتحلت لبضع سنين إلى الوراء، حين كانت تملك جديلتين، جديلتين فقط!!!


الصوت يبتعد، يخبو، والعينين تدكنان وتعكسان صفحة ألم:


- ضربني ووضع المكواة على ظهري و....

ورفعت رأسها إليه وهي تردد ببطء، ثم ما لبثت أن هزت رأسها بعصبية:

- حرقني، حرقني، طبع على ظهري العلامة الكريهة، بتُ أكره نفسي، أكره أن أراها في المرآة...


شدته من ياقة قميصه بعنف، الصور تتضح، تومض وتنطفئ، ولم يتبق من الألوان إلا الأبيض والأسود!!


- وهي، هي، لم تفعل شيئاً، لم تقل له شيئاً، فقط وضعت لي مرهماً، حتى المستشفى لم يرضى أن تأخذني إليها، وتقول لي إنها أمك، وهي مسكينة!!!!


وحينها فقط أفلت يدها....


وانزوت بجانب سريرها تبكي بصمت...


بقيا هكذا زمناً ليس بطويلاً...


جثا بجانبها وبيده وشاحها، خاطبها بحنان:


- خذي، ارتدي هذه وامسحي دموعك.


لكنها لم تستجب، فألقاه في حجرها وهي تزداد انكماشاً..

- هيا قومي، لقد بدأ الحفل..

- لن أذهب.

- بل ستذهبين.


رفعت رأسها، وقد بانت ابتسامة على محياه بين غلالة دموعها..

- ألا تريدين أن ينبهر الجميع بجمالك كما تقول "ندى"..


أشاحت بوجهها كي لا ترى عيناه، كي لا تؤثرانِ بها!!!


مدّ لها منديلاً ورقياً، فأخذت تمسح وجهها، لكن ما أن رأت ما علق به حتى شهقت:

- مكياجي؟!


رفع كتفيه بإستسلام، أن لا حيلة لي...


وأنهضت نفسها بسرعة وهي تنظر لنفسها في المرآة، لكن صوت استنكارها احتبس في حلقها، بعد أن رأت صورته بجانبها....


كسا اللون الزهري وجهها، فعادت لتتلعثم:

- لو سمحت...

- ماذا؟
- أخرج من هنا..

- لماذا؟!!!

- لأسباب كثيرة..

- مثلُ ماذا؟!


تطلعت إليه بحنق من أسئلته السخيفة، ثم عادت لتصرخ:

- هيا أخرج...


وابتسم لها بإغاظة وهو يشير لها بعينيه الأثنتين..


تابعته إلى أن وصل الباب، لكنهُ تلكأ وعاد ليقول:

- لقد نسيتُ شيئاً..

- ماذا؟!


- أن أقول أنكِ تبدين جميلة جداً هذا المساء....


وانصرف!!!


وأُسقط في يدها....



"صدقني يا عمر، أنا لا أستحقك!!!!!"....



=================

أتمنى لكم قراءة ممتعة


taman غير متواجد حالياً  
التوقيع











رد مع اقتباس
قديم 30-05-11, 05:39 PM   #14

taman

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية taman

? العضوٌ??? » 62057
?  التسِجيلٌ » Nov 2008
? مشَارَ?اتْي » 6,430
?  نُقآطِيْ » taman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


هذا الجزء الـ 9 ساضعه بين ايديكم



علا كثيراً بيننا الغبارُ
وضيّع اليقين الاستكبارُ


فأنت لم تنجح أمامي مرةً
وكل يومٍ بيننا اختبارُ

ما عدتُ أدري هل أقول: يا أخي
بالحبّ أم أقول: يا جبّارُ!!!


==============


(9)



وصلت "ندى" وقلبها المخلوع يسبقها إلى الشركة، أخذت تفتح شنطتها كل حين لتتأكد من وجود العذر...


استقبلتها "أشجان" عند الباب بحرارة وهي تضربها على كتفها بخفة:


- لقد اشتقنا لكِ كثيراً، العمل ممل بدونك، هذه آخر مرة تغيبين فيها..

- ليس باليد حيلة، تعرفين كانت لدينا حفلة..


وتطلعت إلى "العقربة" التي كانت تحدجها بطرف عينها وهي تمطُّ شفتيها:


- لديكم حفلة أم خائفة مما جنتهُ يداكِ؟!

- أنا لم أفعل شيئاً لكي أخاف، أسمعتي؟!


- ولم وجهك مخطوف هكذا إذن؟!

- من رؤية وجهك السمج.

- ومن تحسبين نفسك؟! السفيرة عزيزة. قالتها بسخرية.



أمسكتها "أشجان" قبل أن تنقض عليها بأظافرها:

- ابتعدي عني، دعيني أؤدبها..

- أدبي نفسكِ أولاً..

- لا، هذا كثير..


وأفلتت من قبضة "أشجان" وهي تتوجه إليها كالسيل الهادر، غرست إصبعاً غاضبة في جبهتها وهي تقول بتهديد:


- لقد تغاضيتُ عنكِ كثيراً، ليس لشخصك فأنتِ بالنسبة لي لا شئ، ولكن احتراماً لذاتي لأن ليس من مقامي أن أُخاطب مثلك..


أبعدت "جميلة" إصبعها بقرف:


- و مثلك لا يشرفني أن تلمسيه.


- لأنكِ قذرة.


- أنتِ قليلة أدب.


ردت عليها ببرود:

- والدي رباني جيداً، ليس مثلك أخرج كل يوم أمام الرجال بهذا الوجه المصبوغ.


هرعت "أشجان" لتقف بينهما كي لا يتطور النقاش أكثر:

- أهدأن، هذا الكلام لا يجوز.


وتعالى صراخ الفتاتان وكلٌّ منهما تشتم الأخرى بقاموسها الخاص دون أن يبالين بصياح "أشجان" الغارقة بين دفتي بركان..


خرج المدير بعد أن وصل الأمر بينهما إلى تكسير المزهريات وتقذيف الأقلام!!


- ماذا يجري هنا؟! صاح بغضب.


- هي من بدأت أولاً. ردت "ندى" وهي تلهث.

- كذابة.


- أتنعتينني بالكذب؟!


- أصمتا كلاكما، ألا تخجلن من أنفسكن في هذا السن وتتشاجرن!!!


- هي من تفتعل المشكلات دائماً، انظر حتى أظافري تكسرت.



وقربت "ندى" يديها من وجهه وهو يطالعها بإستغراب:


- لقد دفعت 4 دنانير بأكملها من أجل "المانيكير". قالتها بحرقة.


وصمت مشدوهاً من تصرفاتها الخرقاء، ثم ما لبث أن قال بحزم:


- أنت ِتعالي إلى مكتبي.


- ولم أنا دائماً؟! صاحت بإستنكار.



حدجها بنظرة ما فأسبلت عينيها بذل...


"أيها الظالم"..


- هيا تحركي.

- سألحقك بعد قليل أستاذ. ردت بإستكانة.


- بل الآن، أم تريدين أن تهربي كالمرة السابقة.


صمتت "ندى" وهي تبتلع كل شئ، لسانها، قهرها، وابتسامة تلك العقربة الخبيثة.




سارت أمامه وكأنها سجينة، أوصد الباب خلفه فقرأت الفاتحة في سرها ونطقت الشهادتين !!!


جلس على كرسيه الوثير، وبقيت هي واقفة بذّل دون أن تفوتها نظراته المتفحصة...


أتاها صوته خالياً من أي تعبير:


- أيمكنكِ أن تخبريني لم غبتِ؟

- كنتُ..كنتُ مريضة، لحظة...


وأخذت تفتش في حقيبتها عن العذر، لكن يدها العمياء لم تره، تطلعت إليه بإرتباك وهي تقول بتلعثم:


- لقد أحضرته معي، صدقني..

- أريني إياه إذن..


وعادت لتفتش بعد أن بعثرت محتويات حقيبتها وهي تجثو على الأرض...


ولكن المصيبة العظمى أنها لم تجده أيضاً!!!


أين ذهب؟!


- لا أدري أين طار.. قالت بصوتٍ متباكِ.


- ربما أخذه علاء الدين في طريقه!! رد بسخرية.


- والله العــظ...


- لا تحلفي، على العموم كل شئ سيدون في تقريرك، الإهمال، اللعب وعدم اللامبالاة، كل شئ سيُحتسب عليك.


- لكن هذا ظلم، ظلم، أنا لم أفعل شيئاً، والعذر كان بحوزتي قبل أن أراك..



- أنا لا يهمني هذا الكلام برمته، أنا تهمني الوقائع الملموسة بيدي، أتفهمين؟!



"أنا لا أفهم إلا شيئاً واحداً فقط، هو أنك بإختصار حقيرررررررررررررررر"..


ثم أخذ يعبث في الحاسب الذي أمامه تاركاً إياها تغلي ودموع توشك أن تطفر من عينيها.


- أتعرفين برنامج spss أم لا؟!

- أجل أعرفه. ردت من طرف أنفها.

- إذن خذي هذه البيانات وأدخليها بدقة، أسمعتي!!

- ماذا؟! لكنني لا أعرف.

- لقد قلتِ للتو أنكِ تعرفين هذا البرنامج.

- أ..أجل، لقد أخذته فصلاً واحداً و لكنني نسيته فأنا لم أستخدمه بعد ذلك في مقرراتٍ أخرى..


- بودي لو تقولين لي مرة واحدة فقط عن شيئٍ تعرفينه!!


أحست بالمهانة، بالإحراج فأن تُطعن في قدراتك لأمرٌ مهين، ردت بكبرياء:


- أنا أعرف أشياء كثيرة مثل...


لكنهُ قاطعها وهو يكمل بسخرية لاذعة:


- مثل قراءة الأبراج والفناجين أليس كذلك؟!

- .............

- ماذا عن قراءة العيون، أوصلكم هذا التكنيك أم ليس بعد؟!


" وصلنا تكنيك "مُت بغيظك" !!!"...


- أستاذ أنا أنا...

- اخرسي...


"إلى متى؟!! سأصابُ بالخرس بسببك"


"في المرة القادمة سأضع لساني في "المفرمة" قبل أن آتي إلى هنا"...


- وإن كررتها مرة أخرى وذهبتِ دون إخطاري بالأمر شخصياً سيكون لي معك تصرف آخر...


"فالتذهب إلى أسفل سافلين، هذا هو مكانك الذي تستحقه"..



وعاد ليعبث في درج مكتبه، مدّ إليها بقرص:


- خذي هذه نسخة من البرنامج وطريقة استخدامه، أقرأيها جيداً ثم طبقي هذه البيانات.


أخذت تنظر إلى يده الماسكة للقرص بحقدٍ أسود:


- ماذا تنتظرين؟!


"أنتظر أن تموت وأرتاح منك"..


وسحبته بحدة وهي تضغط عليه بعصبية:


- احذري، ما بك؟! وأشار بأصبعه إلى رأسه..



الصرخة في جوفها تتلاحق، تكاد تنطلق من حنجرتها وتهدم هذا المكتب بمن فيه..


خرجت بسرعة من المكتب دون أن تغلقه، وما أن وصلت لطاولتها حتى صاحت:



- انتظر، انتظر فقط حتى تسلّم تقريري، لن أتركك وشأنك، سأفرغ كل النيران التي في جوفي بوجهك، فقط انتظر علي..


وعادت لتضرب بيديها على سطح المكتب بقوة:


- ماذا قال لكِ هذه المرة أيضاً؟! سألتها "أشجان" بشفقة.


- لا أدري لم يعاملني هكذا لوحدي، لم لا يأتمر عليكِ أو على تلك "العقربة"؟!


- اخفضي صوتك كي لا تسمعك، إنها في الحمام تضمد جراحاتها..

- أجيبيني لماذا؟!

- لا أدري..



جلست "ندى" بغيظ وإحدى يديها أسفل ذقنها واليد الأخرى تكادُ تحطم القرص!!!



=============




- ألم أقل لكِ أنهُ سيقول مثل هذا الكلام؟!


- فلنذهب إلى طبيبٍ آخر، أنا لا أثقُ فيه.


- اسمعي، إن بقيتِ توسوسين هكذا فلن يحدث شيء، الطبيب قال لا بد من الاستقرار النفسي وعدم القلق.


- ما يقوله هراء في هراء، كلام المجانين هذا لا أصدقه.


رد عليها بغضب:

- العلم يقول هذا، لا تكوني عنيدة.


وخرجت من السيارة بسرعة و صوت "ناصر" يلاحقها..


وما أن وصلت إلى غرفتها حتى أوصدتها بالمزلاج، ألقت بنفسها على السرير وهي تجهش بالبكاء..


- شيماء افتحي الباب.

- .................

- ماذا تريدين مني أن أفعل أكثر من هذا؟!


رفعت رأسها المثقل وصاحت بتهدج:

- نذهب لطبيبٍ آخر.

- كلهم سيقولون كما قال هذا الطبيب.


- لا بأس المهم أن أطمأن.


تنهد "ناصر" بإستسلام وهو يرد:

- حسناً، سنذهب فب الغد.

- كلا، ليس غداً بل اليوم.


أخذ يضرب بيده كفاً بكف وهو يستعيذ من الشيطان الرجيم:


- إن شاء الله، سيكون لكِ ما تريدين.


أنهضت نفسها وهي تفتح الباب، لكنهُ لم يدخل:


- سأستأنف عملي الآن، انتبهي لنفسك..


وقفل عائداً من حيثُ أتى، راقبت خياله الذي يتهادى من بعيد..

- أنا لم أكن قاسية معه وهذا من حقي!!


=============




كان الأب جالساً وبجانبه "ندى"، تخبره عن مديرها وإن كان معظم ما تقوله ملفقاً!!


أخذت "غدير" تضحك بخفوت وهي تشير لها: أيتها الكاذبة.


وتلك لازالت تواصل الحديث عن أمجادها التي يفتخر بها المدير وكيف حاول إقناعها بإلحاح بأن تعمل هناك بعد أن تتخرج لكنها رفضت!!!!



- أتصدق يا أبي، أحياناً أصرخ عليه وأقول له أفعل هذا وذاك، ويفعله دون نقاش!!


- لا يا ابنتي، لا بد أن تضعي بينك وبين رؤسائك حدوداً مهما كانوا طيبين.



وأخذ يُلقي عليها بالنصائح و "ندى" تهز رأسها بإيجاب وهي ترفع حاجبيها كل حين إيماناً بما يقوله، و "غدير" توشك أن تنفجر من الضحك المكبوت...


أما "شيماء" فكانت ساهمة، شاردة في حديث الطبيب الآخر، فلقد قال كما قال الأول:

- الاستقرار النفسي قبل كل شئ...


وقطع صوت الهاتف أفكارها، فرفعت السماعة التي بجوارها:

- آلو.

- السلام عليكم.

- وعليكم السلام والرحمة.


ثم سرعان ما أندمجت في الحوار:

- ماذا؟! أيّ واحدةٍ تعنين؟!

- التي ارتدت ثوباً أسوداً.


- امممممم، لكنها متزوجة.


وحينها التفت لها الجميع وعلى وجوههم علامات التساؤل والاهتمام.


- لا بأس، لا.. ليس بكِ حاجة لأن تعتذري.

- ...............

- مع السلامة.


ووضعت السماعة وهي توجه خطابها لغدير:


- لقد خطبوكِ!!

- ماذا؟! صاحت "ندى".


- أيُّ حديثٍ هذا الذي تقولينه يا "شيماء"؟


- صدقني يا عمي، المرأة اتصلت وقالت نريدُ ابنتكم التي كانت ترتدي ثوباً أسوداً واعطتني اسمها أيضاً.


ارتبكت "غدير" في جلستها وهي تنقل بصرها بين وجوههم، قالت وهي تحاول أن تلطف الجو:


- كثيراً ما يحدث ذلك في الأعراس. وضحكت بقلق ضحكة مبتورة.


- ترى ماذا ستكون ردة فعل "عمر"، إن علم بالأمر.


وحينها أنقبض صدرها وهي ترد بسرعة:

- ليس هناك داعي لإخباره.

- أيتها الغبية، لا بد أن تخبريه حتى ترتفعين في نظره أكثر وأكثر. عللت "شيماء".



- ولكن كيف لم يخطبوني أنا، لقد صرفتُ الكثير على مكياجي وملابسي كي تلقطني إحداهن!! تساءلت "ندى" بصوتٍ مسموع.


- بلا شك خالوكِ مجنونة، وهل يوجد فتاة عاقلة تصافح 400 مدعو وهي تنتقل كنحلة من طاولة لأخرى. ردت عليها شيماء.


- ألآ تفهمين، كنتُ أفعل ذلك كي أتأكد من أن الجميع شاهدني!!! ردت بغباء.



لم تلتفت "غدير" لحوارهما، كان همها ذاك الذي يخاطبها بحدة:


- كلا يا ابنتي، أنا لا أرضى لإبني بالمهانة، وأيُّ رجلٍ في العالم، أياً كان لا يرضى بأن يُطعن في كرامته.


- خالي، هم لو كانوا يعلمون أني من مذهب آخر، ما كانوا سيخطبوني..


- وإن يكن!! إلى متى سيستمر هذا الحال، لا أحد يعرف بهذا الزواج.


- خالي، أفهمني أنا..


- يكفي يا ابنتي، وأنا منذُ البداية لم أكن مرتاحاً لهذا ولكنني مررتُ الأمر، لكن أن تصل الأمور إلى هذا الحد، فلا أقبلها لنفسي وأولادي.


- خالي...


لكنهُ قاطعها:


- أعتقد لم يتبقى على شهر "محرم" إلا 3 أسابيع، لذا جهزي نفسك بسرعة لأن زواجكما سيُشهر وعلى الملأ.



ونهض وتركها بعد أن أخذ منها شيئاً...


سلب منها روحها!!!

ماذا يتبقى من الجسد؟!



أتعرفون ما معنى هذا؟!


ما معنى أن أتزوج؟!


معناه أن أنتهي، أن أضيع...


في بدايتي نهايتي...


أم في نهايتي بدايتي؟!


أم ماذا؟!!



خالي!!! ماذا تقول؟!



يا روح هيمي، هيمي في ملكوتك..


ولتنثري جناحيك...


ما عاد هناك المزيد من الوقت...


الفراشات ولت، والغربان بدأت تحوم...


يا روح هيمي، الظلال تنتشر...


ولن يتبقى في السماء نجمة...


ها هي الغربان تعود...

ولكن!!!


روحك ما جرى بها الآن؟!!


أيّ جناحين متكسرين تلك التي تطوينهما...



لذا ارحلي بعيداً..بعيداً...


حيثُ لا نجوم، لا أحد!!!



تطلعت إلى "ندى" و "شيماء" بوجه غائم، لكأنها تطلب منهما أن تلحقا به، أن يحجم عن قراره!!!



أن تُخبراه أن الفراشة بلا جناحين، بلا روح!!!


لكنهما كانتا تتجادلان دون أن تنتبها لخطاب العيون الموجه إليهما...



الجو يبدو كئيباً، مظلماً، والقلب لا يتوقف عن الخفقان، وجميع الحواس مُستثارة، متيقظة على أهبة الاستعداد للسفر، للرحيل!!!!


لا، مستحيل، لا لالالالا...


جمعت يدايها بجانب صدرها، تنفسها بات سريعاً، متقطعاً، وشعور بالغثيان يرافقها كل حين...


الشعور بالإختناق يتصاعد، لكأن الأوكسجين نفذ من هذا المكان، والأظافر بدأت تُقضم، لم يتبق منها شئ!!!


وتوقف الزمن برمته، توقف بعد أن لاح صاحب تلك العينين الخضراوين بقامته الطويلة عند باب المجلس...



وما أن رأته "شيماء" حتى هتفت:


- "عمر" صدق أو لا تصدق؟!

- ماذا؟

- لقد خطبوا زوجتك منذُ قليل!!

- ماذا؟


وصدَّ لغدير التي سرعان ما أن طأطأت رأسها للأرض حيث هوت الروح!!!


أما هو فتحولت ملامح وجهه الدهشة إلى الغضب وهو يستمع لإعادة الحديث الذي دار بين أسلاك الهاتف.


- لمَ لم تقولي لها أن لديها ابنة خال عازبة حتى تأتي و تخطبني؟!!!!!


أخذت "ندى" تقاطعها كل حين بهذا السؤال الملح والأخيرة لا تُجيبها.



- أنتِ سعيدة بلا شك؟! وجه خطابه الغاضب لتلك الغارقة في اللاشئ...


أصابعها تقبض على الأريكة بتوتر، والصوت يحتبس، ضاع هو الآخر مع الحواس..


لالالا، مستحيل، مستحيل...


وقال شيئاً جعل حواسها تستيقظ، تعود لتنشب أظافرها من جديد ولكن في قلبها!!!



و رفعت رأسها بسرعة لترى طيفه الغاضب يبتعد حيثُ غرفته...


فزت من مكانها وأخذت تهرع إليه وهي تناديه، لا بد أن تفعل شيئاً لا بد، وهو القادر على حسم الموضوع....


أجل، لا بد!!!



كلهم انصرفوا ولم يتبقى إلا "ندى" و "شيماء"...


كانت هذه الأخيرة تتنهد بإستغراب من تصرفات "غدير"، لكن تنهيدتها قطعها صوت صياح "ندى":



- يا ناااس أريدُ أن أتزوج أنا الأخرى، ظلم في كل مكانٍ ظُلم!!!!


نهضت هي الأخرى مفزوعة وهي تردد في نفسها:

- كلهم مجانين، لا حول ولا قوة إلا بالله...



==============



- عمر، عمر انتظر. صاحت وهي تحاول اللحاق به.


استدار لها وقد دكنت عيناهُ الخضراوين:


- ماذا تريدين؟! أن يكتمل طابور خطّابك!!


- ما حدث كان إلتباساً ليس إلا، تعرف أنا...


لكنهُ قاطعها بصوتٍ غاضب جعلها تجفل:

- هذا الموضوع انتهى، وكان من المفروض أن ينتهي منذُ زمن، أتفهمين.


- قلتُ لك نحنُ لا نليق ببعض... أخذت تردد ذلك وهي تضرب بقدمها الأرض.


- أعذارك الواهية هذه ضعيها تحت وسادتك قبل أن تنامي!!!



وأراد أن يدخل غرفته فاستوقفته من جديد، وهي تقول له بتوسل:


- لننسى كل ما حدث، لنكن كالسابق أقارب فقط، أرجوك.


أمسك يدها وهو يهزها بعنف:


- تريدين أن أنسى أنكِ زوجتي؟! أن أنسى أنكِ لا تبعدين عني إلا مسافة باب واحد!!!


حاولت أن تسحب يدها وهي تصرخ:

- لا تُعد علي هذا الكلام....يا أخي أنا لا أطيقك، أنا أكرهك، أكره أن أراك حتى..


- أولاً أنا لستُ أخاكِ أنا زوجك، ثانياً حبك لي أو كرهك لا يهمني في شئ..


- أليس لديك ذرة إحساس واحدة؟!


- إحساس؟!! أنتِ آخر من يتكلم عن المشاعر يا قالب الثلج، انظري لي جيداً، انظري لوجهي، أأخلو من الإحساس..


- ..............................


- واجهيني إن أستطعتِ، لا تفتأتين أن تدفني رأسكِ كالنعامة.. قالها بشراسة.



تحاشت نظراته وهي تحاول أن تتمسك بأي شئ، أي شئ...


- أتعلم، في شهر محرم لا أرتدي إلا السواد، ما ستراه هو أسود في أسود..

- .......................


- وربما أمدده حتى "صفر"، تعرف لدينا وفيات كثيرة في هذا الشهر أيضاً.


- ....................

- لم لا ترد؟! أيعجبك هذا؟!!



- افعلي ما تشائين، أنا لستُ ديكتاتورياً. رد ببرود.


- كما أنني فاشلة في كل شئ، حتى البيض لا أعرف كيف أسلقه.


- المطاعم كثيرة والحمد لله، هل انهيتي سخافاتكِ أم لا، أنا متعب وأريد أن أنام.



نظرت إليه دون تصديق وهي تعضُّ على أناملها دون وعيٍ منها:

- أنت مخلوق من ماذا؟!

- من ماء وطين مثلك.



وترك يدها فجأة فكادت أن تهوي لولا أن أمسكت بالجدار..



انسابت دمعتها حارة شقية حائرة في ظلمة الليل، لا تدري إلى أين سيجرفها التيار معه...



لا تدري إلى أين؟!!



- لماذا تركتني يا أبي، لماذا؟!!

.
.
.
.
.
.
.
.
.


الطبول تدق، وصداها يكاد يصمُّ الآذان...


وقد بدأ ثوب العرس يُحاك...



وآن للشمعة أن تُظهر ذُبالتها قريباً!!!


==============

اتمنى لكم قراءة ممتعة


taman غير متواجد حالياً  
التوقيع











رد مع اقتباس
قديم 30-05-11, 05:41 PM   #15

taman

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية taman

? العضوٌ??? » 62057
?  التسِجيلٌ » Nov 2008
? مشَارَ?اتْي » 6,430
?  نُقآطِيْ » taman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond repute
افتراضي

جئت بالجزء الـ 10




إني خيرتكِ فاختاري
ما بين الموت على صدري

أو فوق دفاتر أشعاري

اختاري الحب أو اللاحب
فجبنٌ ألا تختاري

لا توجدُ منطقةٌ وسطى
بين الجنةِ والنارِ!!




=============



(10)



تقلبت على وسادتها، وهي تحاول أن تمنع صوت ضحكاتهم من أن تصل لأذنيها....


لحظتها دفنت رأسها بقوة في الفراش وهي تحيطه بيديها النحيلتين...


لا تريد أن تسمع شيئاً، أي شئ!!!


هم لم يسمعوها حين بكت وتوسلت، حين جثت أمام أقدامهم واحداً تلو الآخر كي يوقفوا هذا الزواج...



بل تركوها وساروا، لم يعبأوا بها، وقالوا وهم يلوون أنوفهم:


"دلع بنات!!!"..



كلا كلا ليس دلعاً البتة، فأنا لم أعرف في حياتي معنى "الدلع"....



الوسادة تتراخى والعينان تُسبلان بوهن فقد أضناهما البكاء وجافاهما الكرى...



ضاع كل شئ، كل شئ، ولم يتبقى من الزمن إلا الغد!!!!



ها هم قد وضعوا فستانها الأبيض في خزانتها وأغلقوها كما أغلقوا حياتها وربما للأبد...



لازالوا يضحكون وهي تبكي...أيُّ مفارقةٍ عجيبةٍ تلك!!



الأصوات تتضح، تتعالى في حبور، وكان أقواها صوت الأب...


الفرحة تكاد لا تسعه، فإبنه الصغير عاد أخيراً من غربته وابنه البكر سيتزوج غداً، أيُّ سعادةٍ تلك التي تغمر قلبه الآن...



امتدت يدها النحيلة إلى قلبها هي الأخرى، قلبها الذي انفجع، بات كليلاً الآن، لا أحد يبالي به، لا أحد...


حتى هو ترك المنزل، وبات في شقتهما المستقبلية!!!


قالوا: ليس فئلاً طيباً أن يرى الرجل عروسه قبل ليلة زفافه...


تركوه يذهب قبل أن أقنعه، قبل أن أثنيه عن قراره!!!


لماذا يا خالي لماذا؟!


ماذا فعلتُ كي تفعلوا بي هذا؟!!


ألا زلت تضحك، وأنا لوحدي أنزف هنا....


لا أريد أن أتزوج...



لا أريد أن أرتدي هذا الفستان، خذوه، لا أريده...



كنتُ قانعة بقدري، راضية بنفسي، لم يا خالي لم؟!



ماذا أفعل الآن، أخبروني؟!



يقولون غداً عرسي، عرسي أنا!!!!


رحماك يا رب رحماك...




الشجن ينطلق من ذاك الرأس المثقل بالهموم، بالآلام...


والأظافر لم يتبقى منها شئ!!!


وقد بدأت خيوط الفجر تشتبك مع ظلمة الليل المتواري في الأفق، في نقطةٍ بعيدةٍ هناك...



ولا بد للشمس أن تظفر، فأنى لضياء القمر أن يقاومها؟!!



=========




الحركة تدبُّ في المنزل بنشاط، و "ندى" لا تتوقف عن الصياح:

- لقد تأخرنا عن "الصالون"، هيا انهضي.


- هيا يا "غدير"، ناصر ينتظرنا منذُ زمن في السيارة.


- لا أريد قلتُ لكم لا أريد.



وعادت لتبكي بصمت ووجها مدفون في وسادتها، جلست "شيماء" بجانبها وهي تمسح على شعرها بحنان:


- صدقيني، أنا أعرف شعورك تماماً، بل هو شعور يخالج كل عروس..


"أنتِ لا تفهمين، كلكم لا تفهمون".


ردت ندى وهي تمطُ شفتيها:

- لو كان عرسي أنا ما كنتُ بكيتُ أبداً، بل لظللتُ أقفز من السعادة..


قالتها بصوتٍ حالم، لكن صوت "شيماء" قطع عليها أحلامها:


- أنتِ حالة خاصة تختلف عن بنات خلق الله!!


لم تبالي "ندى" بما قالته هذه الأخيرة وأردفت بتساؤل:


- تعتقدين لو وضعتُ إعلاناً في الجريدة "أريدُ عريساً" سأجد من يقبل بي؟!!!!


- أكيد، ومن يرفض أن يأخذ مجنونة؟!


زمّت فمها بإستياء وهي تصيح:

- لا أحد يحس بي هنا، كلكم متزوجون، حتى "غدير" ستتزوج، أخشى أن أبقى العانس الوحيدة في هذا المنزل مع أبي نبكي على الأطلال...


ثم أخذت تضرب على صدرها وهي تولول:

- سيذهب شبابك وجمالك سدى يا "ندى"...


دمعت عينا "شيماء" من شدة الضحك على منظر تلك الأخيرة، حتى "غدير" توقفت عن البكاء هنيهة وأفلتت ابتسامة صغيرة من شفتيها.


- أضحكوا علي، سنرى من سيبكي غداً. صاحت.



وكأن كلماتها كانت كافية لأن تمسح تلك الابتسامة الخاطفة و تعود لواقعها المر، اهتزّ جسدها من جديد وأخذت تبكي بصوتٍ مرتفع...



تطلعت الفتاتان لبعضهما البعض بإستغراب، أمسكتها "شيماء" من كتفيها وهي تحاول تهدئتها:


- اذكري الرحمن واغسلي وجهك، هذا لا يجوز، هيا انهضي.


لكنها لم تتوقف بل أخذت تتشبث بقوة بعمود السرير.


- ندى ساعديني لنذهب بها إلى الحمام، ستدمي عينيها هكذا من كثرة البكاء.


صرخت فيهما بصوتٍ مبحوح وهي تقاوم:


- اتركوني، لن أذهب، لا أريد أن أتزوج، أتوسل إليكم.


وذهبت توسلاتها أدراج الرياح....


كانت من الوهن بحيث أوشكت أن تسقط عدة مرات...


- ماذا بك؟! لم تفعلين بنفسكِ هكذا يا "غدير"، انظري لوجهك أهذا وجه عروس... سألتها "شيماء" بألم.


غطت وجهها بكفيها وهي تهزُّ رأسها و تشهق:


"أنا لستُ عروساً، لستُ كذلك"!!!!


لكن صوتها أحتبس في حلقها تلك اللحظة وأطاعتهم بإستسلام....


ماذا يستطيعن أن يفعلن؟!

لا شئ!!!


================



الدقائق تمرُّ بطيئة كسلحفاةٍ كسول تأبى أن تُغير من مكانها، لكنها لا تقدر أن تغير مسار القدر!!!



النجومُ قد زينت السماء ببريقها الفضي وتركت إحداها تهوي سهواً هناك، في مكانٍ ليس ببعيدٍ على الأرض...



جثة هي بلا روح، أينما قالوا لها شئ هزت رأسها وفعلته، بريق عينيها أنطفأ والعينان تأفلان كأفول الشمس لحظة مصافحة الغروب،،،



ها هم يطلبون منها أن ترفع رأسها وتبتسم...



ابتسمت وهي تطالعهم وعلى وجهها علامة استفهام:



"أيكفي هذا، أم هل من مزيد؟!"...


- انظري لنفسك في المرآة، تبدين مذهلة...



وتأملت صورة تلك الفتاة التي أشاروا لها في المرآة، إنها تكاد لا تعرفها، من هذه؟!



الصورة غائمة، مهشمة، محطمة هي...




وضعت كلتا يديها على المرآة لكأنها تود أن تخفيها، أن تهرب بها إلى البعيد...



الصورة بقيت، والروح ذهبت بعيداً بعيداً...



ساعدتها "شيماء" لتنهض فحركتها باتت ثقيلة والفستان يعيقها، يكاد يخنقها....



الشفتان ترتعشان والوجه منطفئ...



لا أحد يجيد القراءة هذه الأيام، ها هم يسوقونها وهي تمشي بإستكانة...



ماذا بعد ذلك، أجيبوني؟!!



ضمت يديها في حجرها وهي تنظر للطريق من نافذة السيارة...



النجوم في السماء لازالت تنبض بوهن، والنجمة الحمراء المسماة بالدب الأكبر تكاد تغطي على الجميع....



أسرها منظرها، مدت يدها التي ترتجف لأعلى قليلاً لكأنها تودُّ لو تصل إليها وتلامسها، أو ربما لتذهب معها إلى هناك!!!



حتى الطريق للحفل كان طويلاً، مرهقاً ومعذباً، والنجمة الحمراء لازالت بقوتها، لازال شعاعها الأحمر نابضاً...



وتوقفت السيارة فجأة، كان "ناصر" و زوجته يتحدثان وهي تسمع بلا حياة...




القلب ينزف، ينزف صديداً، كل ما فيها استُنزف، لم يبق إلا القليل...



فتحت "شيماء" الباب وهي تحاول مساعدتها على الخروج، كانت تنظر إليها بذهول، عينيها الذاويتان تتطلعان لحنايا وجهها....




"ألا تفهمين؟!"...



الرسائل لا تصل، والبريد ضاق ذرعاً بحملها...



اتصلت "شيماء" بندى لتخرج من الصالة وتساعدها في حمل فستان العروس....




وتهرع تلك لتلحق بالركب، كلاهما تمسكان شيئاً، إحداهما اليد والأخرى الفستان...



ماذا عن القلب الدامي؟!!




الطبول تدق والفرقة لا تتوقف عن الغناء،،،



الدقات تتوالى بقوة، بصوتٍ يكاد يصمُّ الآذان...



الدم يجري بقوة هو الآخر، يساير الهواء والماء والمطر والموت!!!!



- ابتسمي، وجهك يبدو شاحباً..



وتبتسم مرةً أخرى ابتسامةً ميتة!!



هي الآن آلة، تنفذ ما يقولونه، دائماً تسمع وتطيع...



وهناك في نهاية الممر، وقف بقامته الطويلة ينتظرها...



وقف صاحب تلك العينين ببدلته السوداء كسواد الليل المظلم...



المظلم هنا وهناك!!!



تلفتت يميناً وشمالاً كلٌّ بجانبها، صدت للأمام...



وهو أيضاً...


أين المفرُّ إذن؟!!!



الطريق مسدود، والثغرات تُملأ....



ها هي شيماء تمسك بيدها وتمدها لذاك الأخير...



تناول تلك اليد النحيلة، ضمها إلى يده..



لكنها كانت باردة لا حياة فيها....




شدها بقوة لعل الحرارة تعودُ إليها وتنظر إليه...



رفعت رأسها فتقابلت بعينيه...



إنها تجيد القراءة جيداً، ليست مثلهم...



في عينيه شوقٌ قديم، حب، وحنان...



أخفضت رأسها لكأنها لا تريد قراءة المزيد، دارت بجذعها قليلاً فلقت "ندى" و "شيماء" يتهامسن وهن يبتسمن ويشرن إليهما.



أشارت لها "شيماء" بأن أكملي المسير...



رفعت "غدير" إصبعها المرتجف وهي تشير لنفسها بتساؤل، فهزت لها "شيماء" رأسها بالإيجاب...



أغمضت عينيها بألم، الطريق إلى الموت بات وشيكاً، والشريط يُفلت و لم يتبق من الخيوط إلا القليل...



- هيا يا "غدير". أتاها صوته دافئاً وهو يضغط على ذراعها بخفة.



التفتت إليه بسرعة، تأملته من جديد وعاد الحديث القديم....



وضعت أصبعها من جديد على جيدها لكأنها تستفهمه هو الآخر...




هز رأسه وهو يبتسم لها مطمئناً، أخفضت إصبعها و فمها يرتعش بيأس...



الإثنان يتقدمان، والطبول تدق بعنف، الحواس ضاعت، هامت هي الأخرى..



أخذت تطالع المدعوات بعينين لا تريان، كان يهمس لها بالكثير مازحاً ومعلقاً لكنها أيضاً لا تسمع!!!



وأخيراً جلسا وبقيت هي هادئة، ساكنة في مكانها...



يده لا تزال مشتبكة بيدها علها تبعث الحياة فيها....



ولكن ماذا بعد نفخ الرماد، لاشئ، لاشئ....


اقتربت منها "ندى"، وهمست في أذنها شيئاً...


كانت قد طلبت منها أن تبتسم كي تلتقط لها "المصورة" صوراً...



آه نسيت، لطالما نسيت أن تركّب ابتسامتها على شفتيها!!!


أطاعت وهي تحدق في الحاضرين...



وتساءلت في نفسها بذهول: إلامَ ينظر هؤلاء؟!



لكن حضور "شيماء" وبيدها تلك العلبة الحمراء قطع عليها لحظة تأملها....



فتحت العلبة أمامهما، كانت عبارة عن طقم من الذهب الأبيض المطعم بالألماس...


أشارت إلى "عمر" بأن يُلبسها الخاتم....



وعاد ليبحث عن أصابعها التائهة فالتفتت إليه وهي تطالعه بتعجب هو الآخر...



الخاتم ينزلق بسرعة في الإصبع النحيل، تأملت ذلك الطوق الصغير، لا تدري إلى متى سيبقى مُطوقاَ لإصبعها؟!!



أعطتها "شيماء" خاتماً آخر فضياً وهي تشير بأن تُلبسه عُمراً....


تطلعت إلى ذاك الأخير بألم، بضياع.....


يدها لا ترى و لا تتوقف عن الاهتزاز، تأبى أن تُدخل هذا الخاتم....



نظرت إلى "شيماء" بعجز وكأن لسان حالها يقول:


"ألم تفهمي بعد؟!"..


- ساعدها يا "عمر"... ردت "شيماء".


"آه، لم تفهم"...



أمسك "عمر" بيدها وأخيراً دخل الخاتم....


شدّ على يديها من جديد و ترك إحداها تهجع بين يديه....



أطرقت للأرض تناظرها بعينين غائمتين، خاويتين من كل شئ، كل شئ إلا النجوم!!!!



و لاح طيفها يتهادى بين الحضور، بعباءتها حضرت هذا المساء...



لكنها لم تكن لتراها أليس كذلك؟!!



اقترب منها "عمر" وهو يهمس في أذنيها:


- أمك وصلت...



رفعت رأسها ببطء تتأمل تلك القادمة من بعيد...



غريبة!!!



لم تأتي باكية بل كان على وجهها تباشير الفرح!!


أخطأتي!!


دائماً تخطأين وتعكسين الأدوار...


الليلة يحق لكِ أن تبكي...


أن تندبي نفسك وحظ ابنتك العاثر!!!



وهرعت إليها لتضمها ، لكنها أدارت وجهها بضيق للناحية الأخرى منتظرةً أن تفكها من عناقها!!!


- مبروك يا ابنتي...


الآن عدتِ، عدتِ بعد أن أنتهى كل شئ...


وأخيراً تركتها لتبارك لعمر....



بقيت هي واقفة ورأسها مائل ناحية الغرب، حيثُ لا تشرق الشمس أبداً!!!



أجلستها "شيماء" فأخذت تمسح على جبينها بإعياء...



تابعتها بطرفها وهي تنزوي في زاوية ليست ببعيدة وعلى وجهها تلك النظرة الشفافة!!!



الحفل لازال مستمراً رغم خفوت حركة البشر والفرقة لا تتوقف عن الغناء....


- هيا، لنخرج..


كان هذا صوته، أفاقت من ضياعها لتتطلع إليه وعلى وجهها إمارات التساؤل..


- أجل، سنذهب الآن.



أشاحت وجهها بذعر ناحية الغرب حيث تجلس "شيماء"، شدتها من ثوبها المنفلت من عباءتها.


- ماذا تريدين؟!


لكنها لم تقدر أن تنطق واستمرت في الشد بقوة..



تقدمت منها وهي تحاول أن تسمع ما تحاول شفتاها أن تنطقان به لكنها صمتت فجأة وبقيت تنظر لها بيأس....



همست لها في أذنيها وهي تساعدها على الوقوف:


- اذكري الرحمن ولا تقلقي.


وضعت يدها على عنقها وهي تبحث بعينيها عن شئٍ ما، عنها هي؟!


نطقت بتقطع:


- أين..أين أمي؟!!


- لا أدري ربما ذهبت.


وعادت لتجول ببصرها التائه حول المكان...


ذهبت؟!!


دائماً تذهب وتذهب وتذهب و....


تتركنني....



تطلعت إلى "عمر" ، إلى عينيه العميقتين وهي تهز رأسها بقوة..


- ماذا بك؟! سألها.


فتحت فمها لتنطق وهي لاتزال ممسكةً بشيماء...


ماذا تقول له؟!


- سأبقى..سأبقى هنا. قالتها بإستعطاف.


رفع حاجبيه بإستغراب ثم سرعان ما لانت ملامح وجهه:


- أنا متعب الآن، سنعود مرة أخرى!!


ماذا يخالني هذا الرجل؟! غبية؟!


وسارت معه بإستسلام بعد أن دفعتها "شيماء" بخفة وأصوات الزغاريد تسبقهما...


الطبول تدق، تدق بقوة طبول الغجر إبان إشعال الحطب، والرماد ينثر في كل مكان...


ها هي تكاد تتعثر في مشيها وهو يسندها بجانبه كل حين...


أين المفرُّ أين؟!


قبضت على كم "الجاكيت" وهي تهزه بوهن:


- أريد أن أذهب إلى البيت..


- الآن سنذهب.


- كلا أريد أن أذهب لبيت خالي وليس إلى هناك.



لكنه لم يسمعها هو الآخر وأكمله طريقه وهي تبكي بجانبه بصمت...


وصلوا إلى نهاية الممر، حيثُ الباب مفتوح، والأب ينتظرهم هناك...


ضمها إليه وهو يمسح على رأسها، فزادت من تشبثها به...


لماذا يا خالي لماذا؟!!


تهدج صوته وهو يحاول أن يرفع رأسها لأعلى:


- لا تبكي يا ابنتي..

ثم التفت لإبنه وهو يوصيه بحزم:


- انتبه لها يا ابني...


- سأضعها في عيني..



وأفلتها الأب فضاعت من جديد، الطريق إلى السيارة يبدو قصيراً هذه المرة، وهي لا تتوقف عن شد كمه:


- عمر..عمر. أخذت تشهق ببطء.

- ماذا؟

- أريد أن أعود.

- صدقيني غداً سآخذك إلى هناك.

- عمر..


لكن صوتها ضاع من جديد دون أن تكمل، تنهد بتعب وهو يساعدها في الدخول بفستانها الثقيل:


- لا بأس..لا بأس..


وتحركت السيارة دون أن تترك شدّ كمه، لعله ينتبه لها أو يفهمها....



أمواج السراب تتلاطمُ من بعيد، وقد بدا شعاع نجمة الدب الأكبر خطاً متعرجاً يرنو إلى السماء...


أخذت تحدق فيه من النافذة ويداها تتراخيان....


التفت إليها متعجباً من هدوئها المفاجئ لكنه قال: هذا أفضل!!!



الليل طويل، طويل، والوقت يراوغك، يخدعك، والأيام لا تخبئ أحداً أليس كذلك؟!



ها هم قد وصلوا.....



أوقف مكابح سيارته وهو يتوجه لبابها ليفتحه، رفعت رأسها إليه بألم، عيناها تنضحان بالكثير، ولكن يبدو أن الإرسال بات مشوشاًً هذه الأيام...



أمسك بيديها فعادت لتقبض عليهما بقوة وهي تهز رأسها ببطء...


افهمني...



لكنه لم يفهم، لم يفهم هو الآخر!!!



سارت معه بإستسلام، توشك هي على السقوط، على التعثر دائماً...


- انتبهي...


بعد ماذا؟!



وفتح باب الشقة تاركاً إياها تدخلُ أولاً بقدمها اليُمنى....


كل شئٍ يبدو جديداً لم يُمس، الطلاء، الأثاث، والبلاط!!


ورن هاتفه معلناً عن وصول رسالة، قرأها ثم غمغم:


- سأذهب دقيقة فناصر بالأسفل قد جلب لنا العشاء.


لم تعلق و جلست على الأريكة مطرقةً رأسها للأرض وهي تسمع خطوات حذائه تتهادى على البلاط المصقول....




وعاد سريعاً، عجيبٌ أمر الوقت، كيف يتلاعب بنا هكذا!!



وضع الأكياس على الطاولة الصغيرة أمامها، قال وهو يشيرُ لها بابتسامةٍ هادئة:


- ادخلي الغرفة تلك لتغيري ملابسك ونتناول العشاء أم تريدين أن أُريك الشقة أولاً؟!


- لا أريد. ردت بخفوت.


- لا تريدين ماذا؟! العشاء أم مشاهدة الشقة؟! حددي بدقة.


رفعت رأسها حينها وهي تدعك ثوبها بعصبية...أتراهُ يسخر منها؟!


- لا أريدُ شيئاً. صاحت.



"آه عادت من جديد لعدائيتها".



جلس على الكرسي المقابل لأريكتها وهو عاقدٌ ذراعيه وحاجبيه معاً!!


- بودي أن أفهمكِ مرةً واحدة فقط أيتها المخلوقة من لاشئ، أجيبيني ماذا تريدين بالضبط؟!


- أنا لا أريدك.


- ماذا؟!



نظرت مباشرة إلى العينين الخضراوين المشتعلتين وردت بحدة:


- قلتُ لك ألف مرة أنا لا أريدك، لا أريدك لكنك لا تفهم.



- هذا الحديث أنتهى أمرهُ منذ زمن ولم يعد مجدياً الآن.. رد ببرود.



وقفت وهي تسندُ نفسها بيدها على الأريكة:


- كلا لم ينتهي، لم ينتهي. وأخذت تصرخ بهستيرية وهي تضرب بقبضتيها على ثوبها الفضفاض.



وفزّ من مكانه حتى كاد ظله أن يسقط عليها، أجفلت في بادئ الأمر وأوقفت حركتها، لكنها لا بد أن تقول شيئاً، لابد!!




قبض على إحدى يديها وهو يهزها بعنف لعلها تعودُ إلى صوابها:



- اسمعي لقد تحملتكِ كثيراً بتصرفاتك الغريبة وحديثك السخيف ودموعك البلهاء وليس بي صبرٌ لأتحمل المزيد، أسمعتي؟!



سحبت يدها منه بصعوبة وهي تترنحُ للخلف:


- مريضُ القلب تجرحه الحقيقة أليس كذلك؟!


- إذا كان هناك مريضاً ما في هذا المكان فهو أنتِ..



وسكنت برهة وهي تطالعه بعينين غائمتين، ردت بتهدج وهي تهزُّ رأسها نفياً:


- أنا لستُ مريضة، أنا قلت لهم لا أريد أن أتزوج، لا أريد أن ألبس هذا الفستان لكنهم لم يسمعوني..




وغطت وجهها بكفيها الصغيرين وهي تجهش بالبكاء بمرارة، تقدم منها وقد هدأت ثائرته قليلاً من منظرها، أبعد كفيها يضمهما بحنان بين يديه....



- آسف، لم أقصد أن أعاملكِ هكذا...



وأشاحت بوجهها لتخفي دموعها أو ربما لتهرب من عينيه!!



لكنه لم يسمح لها بالهرب أو الإفلات...



أحاطها بذراعيه، وكانت هي تبحث عن الأمان، عن شئٍ تستندُ عليه في زمنٍ بخل بالحب والسلام...



بكت على صدره وتكررت تلك الصورة الفريدة، ولكن من منا يحتفظُ بصوره كاملةً؟!


الصور تومض وتنطفئ كبروقٍ سماوية يكادُ سناها يخطفُ عقلها، لبّها، روحها الباقية....



لا تريد أن تضعف هي...



في بدايتي نهايتي...


أم في نهايتي بدايتي، أجيبوني إن كان عندكم الإجابة!!!



لا بد أن تقاوم هذا الضعف، لا بُد...



وانتزعت نفسها منه بإنهاك وهي تحاول تهدئة دقات قلبها المضطربة،،،،


رفعت يدها المرتجفة بجانب فمها لكأنها تود أن تخفف من وطأ كلماتها التي ستلقيها عليه بعد قليل...



الكلمات تصل لطرف لسانها وتقف عنده بإرتعاش، وتتبعثر...



أراد أن يقترب من جديد، لكنها صدته بيديها وهي تتراجع إلى الوراء بتثاقل...



الكلمات لابد لها من الخروج، لابد أن تفرض سيطرتها في هذه الحظات:



- أنت لا تفهم، أنا لا أريدك، أنا أحبُّ رجلاً آخر وتخيلتهُ أنت!!



الزمن توقف تلك اللحظة، أم أنعدمت الأشياء؟!



أم يا تُرى كان كابوساً، أضغاث أحلام؟!



لماذا يا "غدير" لماذا؟!



وهوى بصفعةٍ قوية على وجهها كادت أن تطرحها أرضاً، وسرعان ما أمسكها قبل أن تسقط لا لكي يحميها ولكن ليشدها من شعرها، من بُصيلاته، من جذوره!!!



- أعيدي ما قلته؟! صرخ في وجهها بشراسة وهو لا يتوقف عن الشد.


لكنها لم تستسلم، صاحت بصوتٍ مختنق وهي تحاول أن تبعد أصابعه المنغرزة في شعرها دون جدوى:




- أحب رجلاً آخر... أحبه، أحبه.




وتردد صدى الصفعة الأخرى في أركان الشقة المظلمة، وهوت هي على الأرض بفستانها الأبيض تُقبل بلاطه....



الصور لا تلبث أن تتكرر، والأدوار تتبدل أليس كذلك؟!



الصمت يخيمُ حول المكان ما خلا صوت أنينها المتقطع وصوت أنفاسه المتلاحقة الثائرة بجنون...



وقف برهة وأفكارٌ كثيرة تحتدُّ بصدره الله أعلم ما هي.....



مرر أصابعه في شعره الأملس بعصبية ونظرةٌ قاتلة ارتسمت في عينيه اللتان دكنتا وبات لونهما أسوداً تلك اللحظة...



خاطبها بصوتٍ أفح:


- أجيبي أيتها الحقيرة من هو وإلا قتلتك..


- .....................


- أجيبي وإلا قسماً ستباتين هذا المساء في قبرك.



لكنها لم ترد، فجثا للأرض ماداً يده بعزمٍ جديد، أحست به فحركت أصابعها المرتجفة لاشعورياً لتحمي شعرها الذي تقصف وترسبت بعض خصلاته بين يديه....



وارتفع صوت أنينها المتقطع بعد أن أطبق يده الثقيلة على عنقها بعنف مغيراً اتجاهه، وقال بقسوة وهو يقرب وجهها المعلّم بأصابعه من وجه:


- من هو؟!


- ............


- من هو؟!


وصرخ صرخةً جعلت جسدها بأكمله يرتعد، أنكمشت وهي تحاول أن تمد يدها وتغطي وجهها الذي شحب رُعباً وبات لونه يحاكي جلد الأموات..


- ألن تنطقي؟!


- .............


- ألا تقولين؟


- ....................


- تخفين هويته؟!


- ................


- ستتكلمين رغماً عنكِ أيتها الحقيرة والأيام بيننا، وأقسم سأُحيلها كلها إلى جحيم.



وأفلتها فجأة فسقطت على فمها...



سال الدم أحمراً، قانياً بلون شعاع نجمة الدب الأكبر!!!



ها هو خيطه الضعيف يجري على البلاط، يبلله، ربما ليمنحهُ تذكاراً خاطفاً!!



صفق باب غرفته بقوة بينما هي لاتزالُ على الأرض تأن!!!!



============




توقفت "ندى" أمام مرآتها وهي تطالع نفسها من كل جانب وفي مختلف الوضعيات!!!


وعندما تأكدت من نفسها و جمالها!! دخلت إلى الحمام لتزيل آثار المكياج وتغير ملابس الحفل...


ألقت نفسها على السرير وهي تتنهد...


الغرفة باتت خاويةً على عروشها، وعادت هي إلى وحدتها من جديد بعد أن غادرتها "غدير"...


سحبت لها "دباً" كبيراً ووضعت عليه رأسها بدلاً من وسادتها علهُ يخفف وحشتها ولو قليلاً....



أغلقت عينيها بتعبٍ وإرهاق كي تنال لها قسطاً من النوم، فغداً لا بد أن تذهب للعمل مبكراً وإلا كان لها المدير بالمرصاد!!



وفي الجانب الآخر، كانت "شيماء" واقفةً في منتصف الصالة ، تنتظر أن يلحق بها زوجها ويبدو أنها نسيت أن "وليد" عاد إلى هنا، وأنهُ احتلّ غرفة "عمر" بعد أن تزوج هذا الأخير...



خلعت وشاحها وسمحت لتسريحة شعرها أن تتحرر من ضغطه وضغط الجو الحار....



سمعت صوت حركةٍ خافتة خلفها فالتفتت وعلى وجهها ابتسامةٌ ساحرة:



- ناصر ....



وقطعت جملتها قبل أن تكتمل وقد صُدمت من ذلك الطيف الذي يطالعها بإنبهار!!!



وانتبهت لنفسها فارتدت وشاحها بسرعة من جديد وتنحنح هو الآخر معتذراً عن دخوله المفاجئ هكذا....


تابعته وهو يلج إلى الغرفة المجاورة لغرفة "ندى"، وبعد دقائق عاد "ناصر" ليفيقها من صدمتها ويأخذها معه...



.
.
.
.
.
.
.
.


وكانت أول صفعة..


أول نظرة....


دائماً هناك الأولى، أليس كذلك؟!!

============




taman غير متواجد حالياً  
التوقيع











رد مع اقتباس
قديم 30-05-11, 05:44 PM   #16

taman

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية taman

? العضوٌ??? » 62057
?  التسِجيلٌ » Nov 2008
? مشَارَ?اتْي » 6,430
?  نُقآطِيْ » taman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جئت بالجزء الـ 11



أشكو من الظلم الذي ألقاهُ
وظلمُ من أحببتهُ أبقاهُ


وكلما زاد اضطهادي عندهُ
تبسّم القلبُ فما أشقاهُ

الاضطهادُ كاللهيب فهو إن
أحرق قلب عاشقٍ نقاهُ...



===========



(11)



أمالت بكرسيها إلى الجدار وهي مندمجة في قراءة الرواية التي بين يديها....



كانت "أشجان" تثرثر في أشياء كثيرة لكن أذنيها لم تكن لتعمل تلك اللحظة، فقط عيناها اللتان تكادان تلتهمان تلك الحروف الصغيرة المنحوتة على الورق الباهت....



ودخل بعد أن ألقى التحية حاملاً معه حقيبته السوداء:

- السلام عليكم.


- وعليكم السلام. ردّ الجميع.



رفعت عينيها عن القصة لترد هي الأخرى بخفوت ثم عادت من جديد لتتبع السطر الذي توقفت عنده.



ومرّ خاطفاً أمامها لكنهُ سرعان ما عاد أدراجه ووقف أمام مكتبها يدقه بأصابعه.



الظل الواقف يمنعها من الإكمال والدق يحدث بلبلة في ذهنها، وضعت القصة في حجرها ونظرت له بتساؤل، فلا تدري أي تهمة سيلقي عليها اليوم!!!


- ماذا تقرأين؟!


- قصة. ردت ببراءة.


- أريني إياها.



ومدتها إليه وهل تستطيع أن ترفض؟!


وقبل أن تصل إلى أصابعه أرجعتها بسرعة إلى الخلف وهي تبتسم له بإرتباك وقد انتبهت لنفسها وللقصة!!!



- إنها لا تناسبك، أنصحك ألا تقرأها. ضحكت بغباء.



وأطبقت فمها بعد أن رأت تلك النظرة المجرمة على وجهه.


- هاتيها. قال بصوتٍ آمر.


فوضت أمرها لله وأعطتها إياه وسط نظرات "أشجان" الراثية لحالها..



وما أن وقعت عيناه على الغلاف حتى رفعها عالياً وهو يصيح:


- أهذا ما تقرأينه؟! قصص مراهقين!!


رمشت عينيها عدة مرات وهي تتمنى أن يخفض القصة كي لا يروا الصورة أو عنوانها..


"غرام وانتقام"!!!!



لمَ لم تختار عنوان آخر "محترم" بعض الشئ، لكن المشكلة أن كل روايات "عبير" هكذا، أليس كذلك!!!


"فضحتني يا رب تنفضح بين خلقه"...


- كم عمرك؟! صرخ في وجهها.


"ولم هذا السؤال المحرج؟!"..


- أ..أ.. ثمانية عشر عاماً.



وانطلقت ضحكة صغيرة من فم "أشجان" لكنها سرعان ما دفنتها بين الأوراق.


نظرت إليه من طرف عينيها...


آه، لم يصدقها هو الآخر!!



فتحت فمها لتعلل بتلعثم:


- أتصدق، كثيراً ما يخالونني في الإعدادية، انظر لوجهي أبدو صغيرة أليس كذلك؟!



قالت ذلك وهي تشير بيديها لوجهها وهي تكاد تخرج المرآة من حقيبيتها لتستوثق من نفسها وتُريه!!



تحركت عضلة صغيرة أسفل فمه وهو يصرُّ على أسنانه:


- سألتكِ سؤالاً محدداً فأجيبي عليه.


- عمري اثنان وعشرون عاماً. ردت وهي تلوي فمها بعبوس.



وقبل أن يفتح شفتيه قاطعتهُ مستدركة بسرعة:


- هذا بالتاريخ الانجليزي، لكن بالعربي لم أكمل بعد اثنان وعشرون، لازلتُ واحد وعشرون عاماً..



وعادت لتبتسم بزهو لأنها صغرت عاماً لكن ابتسامتها لم تكتمل، يكفي نظرة واحدة إلى وجهه لتجعلك تُصاب بالمغص.



أخذ يضرب بالقصة الذي ثناها على الطاولة بنفاذ صبر، قال:


- ألا تخجلين من نفسك في هذا السن وتقرأين هذه السخافات.



"لااااا هذا كثير، ماذا يخالني هذا الأحمق، ثم ما قصدك في هذا السن؟! تخالني بعمر جدتك؟!"..



- هذه حرية شخصية. ردت وقد وضعت كلتا يديها على خصرها بعصبية.



تطلع إليها من علو وقد ارتسمت على وجهه الدهشة من حركتها، لكنه سرعان ما صاح:


- حرية شخصية في بيتكِ هناك وليس هنا، هذا المكان للعمل وليس لقراءة القصص الفاسقة!!


- كنتُ أقرأها في وقت فراغي، لم يحن بعد وقت بدأ العمل. زمت فمها.


تطلع إلى ساعته ثم نظر لها بشزر:


- الساعة الآن التاسعة والربع يا آنسة.



- كانت التاسعة إلا عشراً، لكنك من ضيعت وقتي كنتُ سأُنهيها في العشر دقائق المتبقية.



- ضيعتُ وقتك؟! سألها بغضب.



وكأنها انتبهت لكلامها الذي تمادت فيه، فأسبلت رموشها بذل بسرعة محاولةً أن تُنزل أي شئ من عينيها، لكن يا لعناد عينيها!!


نكست رأسها وهي تقول بإستعطاف:


- أستاذ، البارحة..البارحة أخي تزوج ابنة عمتي، وكانت تنام معي في الغرفة والآن ذهبت، وأنا فتاة صغيرة تعرف ذلك والكل يشهدُ بهذا!!!



ثم أكملت وهي تزدرد ريقها وتلون من نبرة صوتها:


- و..و رومانسية والطبيب الذي أخذت منه العذر بذلك اليوم قال لي ليس جيداً أن أكبت مشاعري فأنا صغيرة، قلتُ لك ذلك من قبل أليس كذلك؟!


ورفعت رأسها قليلاً ليؤكد أو يفند سؤالها، لكنه كان يطالعها وعيناه مفتوحتان على أوسعهما...


عادت لترمش عينيها ببراءة وأردفت:

- وهذه القصص تفيدني، فمثلاً أبكي بعد قراءة القصة، تعرفني حساسة ورومانسية، وابنة عمتي تزوجت البارحة بأخي و....


- يكفييييييييييي.


وصرخ فجأة فأجفلت في مكانها وهي لا تعرفه سبب صراخه، وضعت أصبعها الأيسر في فمها وهي تطالعه بتعجب.



"يبدو أنه جنّ!!"


- لم أطلب منكِ أن تحكي لي قصة حياتك التافهة كقصتك.



وأردف وهو يلقي بالقصة في القمامة المجاورة لطاولتها بتهديد:



- هذا سيكون مكانها الحقيقي، وسأمر كل يوم لأتفقدها وإن تحركت شبراً واحداً سأُلقيكِ بدلاً منها، أتسمعين؟!



"ستلقيني أنا في القمامة؟! أنا "ندى" بنت "محمد" ألقى في القمامة؟! ماذا عنك يا "عنتر"؟! المحرقة تناسبك أليس كذلك؟!"



ودخل إلى مكتبه وهي تتابع طيفه وتتخيل أنها تخنقهُ بأصابعها، التفتت للفتاتين إحداهما تبتسم بتشمت والأخرى تبتسم أيضاً!!!



قالت وهي تحركُ كتفيها بلا مبالاة:



- كنتُ سأردُّ عليه لولا أنه ذهب، تعرفون..يخافُ مني!!



"الآن نحنُ في الصباح، لازال الوقتُ مبكراً على الأحلام!!"..



وجلست على كرسيها تطالع قصتها بحسرة!!



تُرى ماذا حدث بجاكلين الآن؟!!




===========



فتحت عينيها بإضطراب وهي تحاول أن تتجنب الضوء الشارد الذي انسلّ إلى هذا المكان عُنوةً من زجاج النافذة الكبيرة....



حركت أصابعها بتعثر لتصل إلى نحرها وتقبض عليها...


الإحساس بالضيق، بالإختناق يتصاعد، والوجود أسود رغم شعاع النهار!!!



كانت مستلقية على الأرض بفستانها الأبيض، مررت عينيها الذاويتين على حاشيته فعادت إليها ذكرى ليلة البارحة...



صدرها بدأ يرتفع ويهبط بسرعة وهي تجول ببصرها حول المكان، حول الفراغ، حول السكون المطبق وهي تطالع باب تلك الغرفة حيثُ يقبع ذاك الذي في يديه مصيرها...


وضعت كفها بوهن على جبينها، أزيزٌ قوي يطنّ برأسها، جسدها متهالك من شدة التعب، ومن كثرة البكاء..


لكنها لا بد أن تقوم، أن تُنهض نفسها قبل أن ينهض!!!


و عاد الإختناق ليغلفها من جديد، ليزيدها تقريحاً ويشلّ حواسها رعباً...



استندت بيديها بتثاقل على البلاط لكن قواها الخائرة لم تسعفها، ربما كان ذلك بسبب ثقل الفستان أو ثقل أثمها أو خيال يده الثقيلة التي تلوحُ لها كل حين!!



أفلتت يديها وهي تشعر بالعجز...


العجز!!!


شعور مقيت، مميت، يحطمك، يحيلك إلى هشيم، إلى لاشئ....


ولكن منذُ متى كنّا شيئاً حتى نتحول إلى لاشئ؟!



أسندت رأسها على الأريكة القريبة منها وهي تغمض عينيها بقوة، فهذا أقصى ما تستطيعُ فعله حتى الآن!!


وسمعت حركة خافتة، كان هذا صوت إكرة بابٍ يُفتح...


انتفضت في جلستها تلك فعادت لتنكمش وودت تلك اللحظة لو تختفي خلف الأريكة أو تتحول إلى جماد، إلى سراب، إلى ذرة غبار لا تكاد تبين!!!



آه، ليت المطالب بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا غُلابا....



لاح لها طيفه بقامته الطويلة واقفاً عند الباب وبصره مصوب نحو البقعةِ التي افترشتها دثاراً على الأرض...


أخفضت رأسها، لا تريد أن ترى وجهه، ملامحه، عيناه!!!


نحنُ في البعيدِ أفضل، أفضل بكثير...


لكنهُ لا يرضى بالبُعد ولا بالسلام...


في أيِّ عالمٍ نحنُ نعيش وفي أي زمن؟!


أليس بزمن الموت والورود؟!


في الزمن الذي تعانق فيه الياسمينة أشواك "الورد المُحمدي"؟!



دنا منها شيئاً فشيئاً وهامتهُ عالية أما هي فلا تزال تطأطأ، لازالت تلامسُ الأرض والطين!!!



أيُّ مسافةٍ تلك التي تفصلُ بينهما الآن؟!


بحجم الثرى وطول الثريا!!!


نظر إليها من علو، بحدة وقدمه تدوسُ على تلابيب فستانها الأبيض...


الصوتُ ينطلق بارداً، ساخراً، مليئاً بالقسوة والإزدراء:


- ما بالُ العروس العاشقة نائمة هنا؟!


- .......................


- أنمتي جيداً أم أن خيالاتك حوله سرقت عينيكِ لذة النوم؟!


- .....................


- ما بك لا تنطقين، أكلُّ هذا خجلاً من حبك الفياض؟!!


ونزل بمحاذاتها فأخذت ترتجف وهي تدفن رأسها في الأريكة....


لكن صوته عاد أكثر بروداً، السم يجري في أوتاره، والسم ينفذ، يخترق الروح والقلب معاً، فما أقسى الكلمات، ما أقساها...


- هذه الدموع والنظرات المرعوبة ما عادت تؤثر في، لذا لا تمثلي المزيد.


- .................


- الآن فهمتُ لم كان زوج أمك يضربك، لا بد أنهُ عرف بإنحلالك الأخلاقي، ربما لهذا قال لي ذلك اليوم المشؤوم حين أخذتك: انتبه لها، وأنا الأحمق كنتُ في خبر كان..


- ..................



- ويبدو أنهُ فشل في ذلك، وقد حان دوري يا عزيزتي لأسيرك على الصراط، ألا توافقيني الرأي؟!



رفعت رأسها والألم يعتصر وجهها من كلماته، من قطرات السم!!


تطلع هو إلى سحنتها المبللة، إلى عينيها الذابلتين، وتوقف كثيراً عند فمها المتورم في نهاية زاويته اليسرى.



تجهم وجهه فجأة ثم قال بعد برهة بتوتر:


- اذهبي وغيري ملابسك..



عادت لتنكس رأسها فتهدل شعرها المبعثر على كتفيها...


مرت لحظة صمت ودون شعور مرر أصابعه في تلك الخصلات الطويلة ليزيحها عن وجهها، التفتت إليه بسرعة فانتبه لنفسه ويده!!!



سحب يده وهو يدير وجهه بعيداً عنها وقال بصوتٍ مصرور:


- اغربي عن وجهي فوراً..


وحاولت أن تنهض باضطراب لكن محاولاتها باءت بالفشل من جديد، إن استمرت على هذا الحال ستتحطم بلاشك...



وقف وعادت نظرة السخرية ترتسم في عينيه الخضراوين، مدّ يده إليها، أخذت تطالعه بتردد لكنها ما لبثت أن مدت يدها النحيلة لتستند عليه وأخيراً وقفت على قدميها..



وترك يدها بإمتهان وهو يخاطبها :



- حقيبتك في الغرفة الأخرى..



أسرعت الخطى إلى حيثُ أشار، استندت على الباب وهي تتنفس بعمق، أوصدته خلفها ثم تحركت للسرير....


كان بودها أن تستلقي، أن تغفو، لكنها عادت وفتحت تلك الحقيبة الكبيرة واستخرجت لها شيئاً لترتديه، لتتحرر من هذا الثقل...



غسلت وجهها بالماء وهي تربت بخفة على جلدها علّ لون الحياة يعود إليه من جديد....


وأخيراً أمسكت بدثارها وهي تقبض عليه بتعب، وقبل أن تضع رأسها على الوسادة وترتاح، سمعت طرقاً على الباب.


ردت بوهن:

- من؟!


- من تعتقدين؟! حبيب القلب!!


غطت رأسها بدثارها، لا تريد أن تسمع المزيد، كفاك...


- أعدي لي شيئاً أنا جائع.


- أنا متعبة، أريدُ أن أنام..


- صحيح؟! ألم يكفك نوم البارحة بأكمله!! سألها بإستهزاء.


وطفرت الدموع من عينيها بعجز، إنه يتقصد تعذيبها، إهانتها، جرحها...


لكنها من بدأت وعليها أن تُكمل...



انتشلت نفسها بصعوبة وهي تبعد دثارها وتهمهم بخفوت بأنها ستأتي...


وسمعت صوت شخصه يبتعد ففتحت الباب، لكنها لم تعرف أين تذهب...


أين هو المطبخ؟!


أطلت برأسها للصالة فلم تره فقررت أن تبحث عن المطبخ لوحدها...


وما أن استدارت على عقبيها حتى لقته أمامها!!!!


شهقت وهي تضع يدها على صدرها و تتراجع إلى الوراء من رؤيته المباغتة..


- ماذا؟! أخفتك؟! لم أكن أعلم بأني مخيفٌ لهذه الدرجة!! قالها بتأسف زائف.



ثم صمت وهو يتأملها ببطء من رأسها لأخمص قدميها، ناداها آمراً:


- تعالي إلى هنا...


لكنها بقيت مستندة على الجدار وهي تهزُّ رأسها ببطء، عيناهُ تبدوان غامضتان، مخيفتان أحياناً!!



وما أن شرع بالإقتراب حتى حاولت الهرب لغرفتها لكنهُ كان أسرع منها، أمسكها من زندها وهو يضغط عليه، صاح في وجهها بغضب:


- أنا لا أحب أن أكرر كلامي مرتين، حين أقول شيئاً تنفذينه مباشرةً أتفهمين؟!


هزت رأسها بجنون بالإيجاب لكنهُ زاد من ضغطه فصرخت من الألم:


- أريد أن أسمع الإجابة أم أن لسانك لا يعرف إلا أن ينطق الحقارة فقط.


- ح..حسناً، فقط..أترك..أترك يدي..

أردف بتساؤل وهو عاقدٌ حاجبيه:


- والآن ما هذا الذي ترتدينه؟!


تطلعت إلى نفسها بحيرة وشفتها ترتجف:


- مـ...ماذا؟!


- اللون الأزرق لا أحبه، وما لا أحبه أنا لا تحبينه أنتِ!!!


تطلعت إليه بشرود دون تصديق فهزها لتنتبه له وهو يردد:

- لم أسمعك، قولي لا أحبه.


- لكنني أحبه. صاحت بهمس مرتعش.


أطبق على عنقها وهو يقرب وجهها من وجه حتى كادت أن ترى صورتها المرتجفة في عينيه المشتعلتين، قال بتهديد، بموتٍ زاحف:


- أنتِ لا تريدين أن تستثيري شياطيني اللعينة هذه اللحظة أليس كذلك؟!


هزت رأسها بخوف وهي تردد:


- لا...لا أحبه، لا أحب هذا اللون.


وترك عنقها فهمّت بالدخول لغرفتها من جديد، صاح فتجمدت في مكانها:

- أين تذهبين؟!


تطلعت إليه إرتباك وهي تشير لنفسها:


- سأغير ملابسي...


- ليس الآن، اذهبي واصنعي لي "فطوراً" أولاً..


- أين المطبخ؟ سألته بوجل.


- هناك.



وما أن وصلت هناك حتى استندت على الباب وصدرها يعلو ويهبط بهلع..


لقد فقد صوابه هذا الرجل!!


أكان يقصد اللون فعلاً؟!


وانصرفت لتصنع الشاي وهي تسقط كل الأشياء من يديها من شدة التوتر...


فتشت في الثلاجة عن أطعمة جاهزة، أخرجت جبناً وشرعت في قلي البيض...


وضعت الإفطار في "صينية" متوسطة الحجم....


كان جالساً في الصالة واضعاً قدماً على أخرى فوق الطاولة، وبيده جهاز التحكم عن بعد، يقلب القنوات...


ودون أن يلتفت إليها قال:

- ضعيه على الطاولة.


لكنها لم تتحرك وبقيت تنظر له بتساؤل، وحين أطالت في وقفتها، رفع بصره إليها وهو يحدجها:


- ماذا؟! ألا تسمعين؟ أأصبتِ بالصمم أيضاً؟!


- كيف أضعها وأنت..أنت قدميك على الطاولة..


- أعتقد أن هذا الأمر لا يحتاج إلى ذكاء خارق، أبعدي قدمي..



و كادت "الصينية" أن تسقط من يديها، لولا أن تشبثت بها جيداً في اللحظة الأخيرة...



أن تُجرح، تُسب، تُضرب، أمرٌ أعتادتهُ من صغرها ولكن فليقف عند هذا الحد، فهي لا تسمح لأحد، أي أحد أن يمتهن كرامتها.


وعادت كبرياءها لتعود للصدارة وتدوسُ على الألم، على الخوف...


ردت بشموخ:


- أنا لستُ خادمتك..


وحنت جذعها لتضعه على الأرض لكنها توقفت في نصف حركتها بعد أن رأت ساقيه الطويلين أمامها، أرخت يديها وأكملت إلى أن وضعتها على الأرض بتصميم...


ودارت دون أن تلقي عليه نظرةً حتى...


وبقيا هكذا واقفان بلا حركة، بلا صوت....


الهواء يرفلُ بالغبار، بشرارٍ متطاير والصمت أبلغ من الكلمات أحياناً!!


أتاها صوته من الخلف بعد أن أخذ قسطاً من الزمن:


- أنتِ محقة أنتِ لستِ بخادمة...أنتِ لا شئ...


و غاب البريق الشامخ من عينيها، أنطفأ، وحل محله الإنكسار، بقايا الحطام...


كم من السهل أن تكسرنا الكلمات، تشطرنا شطراً، فيبقى الجرح نازفاً ويد الجراح عاجزة عن تضميده....



- خذي هذا الإفطار أو كليه فأنا لا أريده!!!


النجمة تأفل، تهوي إلى القاع، تتعفر في التراب وتفقد بريقها، ضياءها الأزلي...


تأملت "الصينية" بعينين لا تريان، فقدتا بريقهما هما الأخرتين، ها هما تغيمان الآن، سحقهما ذاك الأخير وذهب..


آه ما أقسى الكلمات....


عادت لتنحني من جديد، حملت "الصينية" ووضعتها على الطاولة ثم توجهت إلى غرفتها...



القلق يكتسحها، والتعب يحطم بقايا خلاياها...


ما تعيشه الآن هو كابوس، كابوس كريه، لكنها ستحاول أن تتخلص منه...


أجل ستفعل ذلك...


أخذت تمسح على جبينها وهي تضغط عليه بأصابعها بقوة:


أحقاً سأنجح!!


قولوا بلى، أرجوكم..


أرجوكم...


وألقت نفسها على الوسادة وهي تجهش بالبكاء بصمت...



==========



النهار لا يلبث أن ينطوي سريعاً...


كصفحةٍ من الجريد هو....


ويأتي الليل بغيومه، بنجومه، برعوده!!!



لماذا يا "غدير" لماذا؟!



================


taman غير متواجد حالياً  
التوقيع











رد مع اقتباس
قديم 30-05-11, 05:47 PM   #17

taman

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية taman

? العضوٌ??? » 62057
?  التسِجيلٌ » Nov 2008
? مشَارَ?اتْي » 6,430
?  نُقآطِيْ » taman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond repute
افتراضي

إن تبحثي بين سطور الورقِ
عما أردتُ قوله تحترقي

لا تقرأي إلا الجلي واتركي
عنكِ الخفي واسلمي من أرقِ

إن الحروف كالبحار من يخض
غمارها مهددٌ بالغرقِ


===============



تابع>>> (11)



سارحة في جلستها تلك، ويدها أسفل ذقنها، عيناها الشاردتان ترفّان وتمسان الهواء البارد المنبعث من جهاز التكييف...


كان يسرّح شعره استعداداً للخروج وهو يخاطبها من خلال المرآة، ناداها بعد ذلك عدة مرات علها تنتبه إليه...


رفعت رأسها ناحيته وهي ترفع حاجبيها بتساؤل:


- شيماء!!


- ماذا؟!


- ألن تذهبي معنا؟


- بلى، سآتي.


- هيا إذن ارتدي عباءتك، سيدمدم أبي إن تأخرنا.


نهضت وهي تسحب خمارها من الشماعة ببطء، اقتربت من زوجها وهي تدعك شيئاً علق بذيل الخمار.




- ناصر، لم لا تستشر أخاك في أمرنا؟! لقد درس الطب في السويد وبالتأكيد طرق العلاج هناك متطورة أكثر من هنا.


تطلع إليها بتعجب ثم سرعان ما قال عابساً:


- "وليد" لم يصبح طبيباً بعد حتى أستشيره.


- لم يتبق عليه إلا سنة واحدة ويتخرج.


عاد ليبعثر شعره من جديد في اتجاه آخر دون أن يعلق.


- ناصر!!

- ........

- ماذا قلت؟!

- أقول ماذا؟!


وتطلعت إليه بنفاذ صبر وقد تركت ما بيدها:

- أنت لا تأخذ الأمر بجدية أبداً.


حدجها بنظرة نافذة، لكنها لم تلن وبقيت على وقفتها الجامدة تلك..


رد بصوتٍ غاضب:


- ماذا تريدين بالضبط؟! أن أخاطب ذلك الغر وأستشره في...


قاطعته بسرعة:

- هو ليس غراً وإن كان على مظهره، فأنت تعرف أن معظم من يسافر للخارج يتغير..


- أنا لا أثق فيه أصلاً، حتى الدراسة أشك بأنه قد درس طب..


- وماذا كان يفعل إذن؟!


- لا أدري، لكنني لم أحب أن أقلق والدي بشكوكي هذه.


- أنت تتوهم، لقد آراني أنا وندى شهاداته للعام الماضي وكانت بتقدير "امتياز".


صمت برهة ثم تنهد مستغفراً:


- حتى وإن كان كذلك فسنستشر طبيباً حقيقياً وليس متدرباً.


- وماذا فعل الأطباء الحقيقيون؟! ليس لديهم إلا كلمة: اصبروا..اصبروا.. رددت بسخرية مريرة.


- وهذا بالفعل ما ينبغي علينا فعله، فليس بنا عيباً والحمد لله.


- وماذا ستخسر إذا سألته؟! أم أنت تغار منه لأنه أصغر منك ولديه شهادة جامعية!!



تعابير الوجه تجمد، و تتلاشى تلك الخطوط الدقيقة المحفورة في حناياه...


الألم يرتسم في المقلتين، ينعكس في العدستين الزجاجتين الصغيرتين...



خرج من الغرفة بهدوء، أما هي فتهاوت على الكرسي بتثاقل....



غطت وجهها لكأنها خجلت من فداحة ما قالته...


باتت تلقي الكثير من الكلام في الآونة الأخيرة..


دون حساب، دون حذر...


ليست من الدرر، ليست كذلك أبداً...



كلنا نشرب من هذه الكأس ولكن حذارِ، حذارِ من الانغماس حتى الثمالة!!!!




أتاها صوت "ندى" من أسفل ينادي عليها، يستعجلها للذهاب ويفيقها من خواطرها التعسة.....


ارتدت حجابها وهي تشعر بالضيق، ووصلت إلى حيثُ كانوا مجتمعين...


انقسمت العائلة إلى سيارتين، الأب ووليد وندى في سيارة و ناصر وشيماء وهدوءهما العاصف في سيارة أخرى...


=============



خرجت من غرفتها بتعثر وهي تتطلع لنفسها كل حين...


لقد اتصل خالها وقال أنهم سيأتون هذا المساء...


ارتدت بنطالاً من الجينز الأخضر الباهت، وقميصاً زيتوني اللون تنتهي أطرافه بقصات غريبة ذات طابع غجري...


مشت إلى الصالة دون هدى وهي منكسةٌ رأسها بقلق...



كان واقفاً أمام النافذة يطالع المارة والسيارات، وما أن سمع وقع أقدامها الخافتة حتى التفت إليها...


رفعت رأسها هي الأخرى ببطء فالتقت بعيناه....


وتضرج وجهها احمراراً مما رأته!!



كان يرتدي بدلةً بمثل لون قميصها وقد بدت عيناه منسجمة تماماً مع ما يرتديه..


كلاهما خضراوان!!!



حاولت أن تشيح وجهها وتطالع أي شئ، أي شئ، لكن تلك النظرة المرتسمة في عينيه عادت لتأسرها وتجبرها على النظر إليه من جديد!!



وتحرك هو من مكانه أما هي فبقيت متجمدة، واقفة بلا حراك، قدماها لا تتزحزحان عن البلاط!!



أصبح في مواجهتها مباشرة، عيناه تطوفان بحرية في قسمات وجهها المرتبكة في خجل غريب..


الزمن يتوقف هو الآخر، يتوه، أو ربما يحاول أن يختلس لحظات، لحظات فقط ويحتفظ بها في علبته!!!



ضاعت هي الأخرى...


عاجزة، حائرة من عينيه المتشابكتين في غموض، إعجاب، شوقٌ دفين....


أسبلت عينيها بضعف ومشاعر غريبة تمزقها، تُحيلها لأشلاء، ويظل بقاياها فتاتاً تذروه الريح والهمسات!!!


لا تريد أن تغرق في هذا المحيط البلوري، هي منارة هكذا هي، والمنارة إما أن تغرق أو تبقى صامدة حتى النهاية!!


أتاها صوته أجشاً هامساً:


- سيفدون الآن!!


- .............


- سيفدون الآن؟! كرر عبارته من جديد.



رفعت وجهها باضطراب وهي تحاول أن تتحاشى عينيه:


- وإذن؟! سألت بهمس.


- وليد و ناصر سيحضران أيضاً، أتريدين أن تخرجي أمامهم هكذا؟!



ها هي تطفو، تضيع بلا منارة بلا قشة!!



والصخب يعلو هنا، هنا بين الضلوع حيثُ يتوسد القلب بلا حول، بلا قوة!!!



استدارت لتعود إلى غرفتها وترتدي وشاحاً....


الطريق إلى هناك بدا طويلاً، متعباً، مؤلماً رغم قصر المسافة..


جلست على كرسيها بوهن وهي تحاول أن تتجنب تلك الغصة بصدرها، بحلقها..


الصراع النفسي منهك، مميت حتى النخاع...


سمعت أصوات التهاني والترحيب تتزاحم جملةً مع بعضها البعض و تقترب...


ارتدت وشاحها وهي تمسح عينيها بعجل...



وما أن فتحت الباب حتى أطلت "ندى" بوجهها الضاحك، عانقتها على الفور دون أن تترك لها المجال لتتنفس.



- لقد اشتقتُ لكِ كثيراً، الغرفة مظلمة بدونك..



عادت الابتسامة الضائعة لترتسم على شفتيها :


- وأنا أيضاً... كثيراً..


- اتركيها يا "ندى" أريد أن أسلم عليها أنا الأخرى. صاحت "شيماء".


- انتظري، أريد أن أسألها عن سبب جمالها المفاجئ مرةً واحدة، أعترفي أي نوعٍ من الكريمات تستخدمين، شانيل أم ديور؟!


ضحكت "غدير" وقد تورد خداها:


- لم أستخدم شيئاً صدقيني.


- إنها عروس، والعروس تكون مشرقة دوماً هكذا، ولكن ما أدراكِ أنتِ؟!


تطلعت لها "ندى" بحنق أما "غدير" فاكتفت بالإبتسام ببهتان، ردت عليها بعصبية:


- غداً عندما أتزوج إن شاء الله لا أريدك أن تزوريني في الصباح، أسمعتي؟!


- ومن هذا تعيس الحظ الذي سيجني على حياته بيديه ويأخذك؟!


- ربما المدير. ردت "غدير" بسرعة.



زمت "ندى" شفتيها بغضب وهما تضحكان عليها بصوتٍ مرتفع، مدت يدها وقرصت "شيماء" في ذراعها فصرخت الأخيرة متوجعة أما "غدير" ففرت من أمامها إلى الداخل وهي تصيح بتهديد وتضحك في آنٍ واحد:



- قفي مكانك، سأنادي خالي، كنتُ أمزح، نددددددددى..


وأخذت تجريان في الغرفة وهما تقذفان بعضهما بالوسائد.


وبينما كانت تحاول الوصول للباب اصطدمت بشئ!!


كان هو...


- أجل، أمسكها يا "عمر" سأقتصُ منها.



وبحركة دفاعية أحاطها بذراعيه وهو يرد على "ندى" بتهديد:


- كلا، هذه زوجتي إن اقتربتِ منها كسرتُ يدك.


- هكذا إذن؟!



وعبست في وجهيهما وهي تندب حظها العاثر:

- كلهم لديهم من يدافع عنهم إلا أنا..



نظرت إليه مشدوهة وقد مستها كلماته في الصميم، انتبه لها وهي تتأمله فعاد البريق البارد ليطوح نظراه وصوته من جديد:



- أبي يريد أن يسلم عليكِ.


هزت رأسها بالإيجاب دون أن تنطق، أبعد ذراعه عنها فأحست بالبرد والضياع!!!



أخذت تختلس النظرات إليه من جديد وهو بجانبها بقامته الطويلة...



إنها لا تفهمه، لا تفهمه أحياناً!!!



وقطع عليها خالها تفكيرها وهو يصافحها ثم يقبل جبينها ويجلسها بجانبه...



بارك لها "ناصر" و "وليد" وأعطياها هدية فأخذتهما شاكرة.


كانت تستمع إليهم وتبتسم بخفوت، كثيراً ما تتلاقى بعينيه فتضطرب وتعود لتعبث بما في يديها.


وحانت لحظة الإنصراف فقال "عمر":


- أبقى يا أبي وتعشى معنا.


تطلع إليه بعتاب وهو يسأله:


- جعلتها تطبخ منذُ اليوم الأول؟!


ابتسم في وجه والده:


- العشاء لا، سنطلب لنا جميعاً من أحد المطاعم.


- بالهناء والعافية يا ابني، لكننا تأخرنا والبيت خالٍ دون رقيب.



تسمع حديثه وهو يتحدث وكأن شيئاً لم يكن، كزوجٍ سعيد هو!!!



غاب الرجال بالأسفل ولم يتبق إلا هي و"ندى" و"شيماء".



اعتراها الخوف فجأة من ذهابهم، أخذت تتطلع لصاحبتيها بتوتر وهما يمازحنها وتتشاجران دون أن تفقه ما تقولانه..




وحين تحركتا للإنصراف، وقفت هي الأخرى:


- أين ستذهبان، لازال الوقت مبكراً.


- الساعة التاسعة وأنا أنام مبكراً تعرفيني. ردت "شيماء".


تطلعت "غدير" إلى "ندى" بتوسل خفي:


- أبقي معي هذا المساء.


- لا بأس، ليس لدي مانع، سأستأذن من والدي أولاً.


لكن "شيماء" سحبتها معها والأخيرة تصيح:


- مع السلامة سنذهب الآن، لا عليكِ من هذه المجنونة.



و بدأ قلبها يدق بطريقة غريبة، بقوة، بجنون، تطلعت إلى حيث انصرفوا، إلى حيثُ خرجوا كلهم، كلهم دون استثناء!!!



أرادت أن تعود لغرفتها، لكن جسدها خانها مرةً أخرى، لم حين نأمره أحياناً يرفض الانصياع، تُرى ماذا يحدث للجهاز العصبي حينها، أيصاب بالركود أم ماذا؟!!



نظرت إلى القدمين اللتين انتصبتا أمامها، رمشت عينيها عدة مرات ثم صدت للأمام...



عيناه تتقدان شرراً و وجهه مظلم كسمرة الليل حين هجوعه...



فتحت شفتيها لتقول شيئاً لكنها أمسكت، بدت مبلدة الحس تلك اللحظة...



كيف يتغير الإنسان بين عشيةٍ وضحاها!!



ماذا حدث يا ترى؟!


وقطع السكون بصوتٍ قاسٍ مليء بالترهيب:


- ماذا قلتِ لشيماء؟!



ازدردت ريقها وهي تحاول أن تُخرج صوتها الذي احتبس في حنجرتها، ردت بإرتجاف:


- لم أقل لها شيئاً.


أمسكها من يدها بعنف وهو يصيح في وجهها:


- لاتكذبي..


- والله العظيم لم أقل شيئاً. ردت بتباكِ.


- تخالينها حمقاء مثلك!!


- لم أقل شيئاً..لم أقل شيئاً. وأخذت تجهش بالبكاء دون أن تعي ما يقصد...



كانت خائفة من نفسها أو ربما منه!!


أفلتها وهو يحدجها بإزدراء :


- لا تملكين إلا البكاء، أهذا ما تجيدينه؟!


وضعت باطن كفها على فمها كي تأد دمعتها وهي تسير إلى الخلف.



- أين تذهبين؟!


- أنا..أنا.....و اختفى صوتها المبحوح.



هز رأسه نافياً وهو يعقد حاجبيه:


- أنا من أقول متى تنامين ومتى تنهضين!! اجلسي.


وتطلعت إليه برجاء من بين غلالة دموعها الصامتة لكنهُ صمّ أذنيه عن نداءها اليائس...



جلست على الأريكة وهي مطرقة، وبقي هو واقفاً ووجهه محول للجانب الآخر...



ومرّ زمنٌ طويل وهما على هذه الحالة، وأخيراً نطق وبدا صوته لها بعيداً، غريباً، قادماً من كوكبٍ آخر!!!


- لا بد أن نتكلم في موضوعك، تعرفين، ذاك الذي تحبينه!!


رفعت رأسها بسرعة وكأن أفعى لدغتها لكنها سرعان ما أشاحت وجهها ونكست للأرض.



أردف وقد تغيرت نبرة صوته:


- لم تخبريني من هو، وأعتقد من حقي أن أعرف، ألا ترين ذلك؟!



وجهه ينضح بالعذاب، بالألم،بليلٍ سرمدي...


تساقطت دموعها بلا توقف وهي تكابد لوعة اجتاحتها تلك اللحظة..



- أنا لا أريد أن أرى دموعاً، أنا أريد أن أسمع فتكلمي...



الطعنات تتوالى والألم أكبر من أن يحتمل، لكنها من بدأت أليس كذلك وعليها أن تكمل...



الحروف كلما حاولت تجميعها، تنفلت، تتشتت، تنسل من ذاك الخيط الدقيق الذي يربطها معاً...



تحاملت على نفسها وهي تقول بجهد، بتقطع:


- هو..هو..


وصمتت وعيناها تسألانه قبل أن تلقي الرصاصة:


"لم تعذب نفسك وتعذبني"..


لكن عيناه كانت متوقفتان على شفتيها تنتظران منها الإفصاح، فليجرف السيل كل شئ، لا يهم، بعد ذلك لا يهم!!



- هو ابن..جارنا.



عاد الصمت ليخيم من جديد، وإن كان صمتاً مشحوناً برعود، ببروق، بأشواك...


- ولم لم يتقدم لكِ ليخطبك؟!


آه، لازال مصراً، لازالت السكين لا تتوقف عن القطع...



- لازال طالباً في الجامعة و..وظروفه لا تسمح له بالزواج حالياً.. ردت بشرود، دون حياة.


- آها، هكذا إذن؟!



وتغير صوته فجأة وبدت عيناه قاسيتين، سوداوتان!!!


- وماذا فعل بعد أن علم بأنكِ تزوجتِ الآن، وأن العصفورة قد طارت...


أفاقت من شرودها و أجفلت من مرآه، من صوته، وصمتت ترمقه بإرتياع..


صرخ بغضب:

- أجيبي..


غطت وجهها بيديها لكنه تقدم منها وأبعد تلك اليدين النحيلتين...



ثم أخذ يهزها كي تجيب، صاحت في النهاية بيأس:


- لا أدري..لا أدري.



قال بإجرام:


- عدتِ للكذب مرةً أخرى، لو تعلمين كم أكره الكذب والكذابين!! لا بد أنه كان بينكِ وبينه اتصال أليس كذلك؟! أو ربما كنتما تتقابلان ونحنُ لا نعلم؟!!!


- كلا، كلا، كلا...



وأخذت تجهش بالبكاء بمرارة وهي تصيح بلا دون توقف..


لكنه لم يرأف بحالها أو بحاله!!!


السكين لابد أن تقطع مرةً واحدة وبنفاذ أليس كذلك؟!


الموت البطئ ليس جيداً على الإطلاق، ليس مريحاً أبداً...



- إذن كيف تعارفتما وتكونت قصة حبكم الجميلة؟!أخبريني ربما غفلتُ عن بعض طرقكم الجديدة!!




وضعت يديها على أذنيها وهي تصرُّ على شفتيها بألم...



- لا تختبري صبري يا "غدير" وإلا قسماً قتلتك لا محالة.



دفنت رأسها في الأريكة وهي تصيح بصوتٍ مبحوح:


- طلقني وارتح مني..



وكأنها ذرت الملح على الجرح النازف، ذاك الذي لازال طرياً، غضاً، لازال يسيلُ عبيطاً بقوة زخات المطر وبتموجات السم!!


امتدت يده لتطبق على عنقها بعنف ويديرها إليه، قرب وجهها المرتعش من وجهه حتى انسابت دموعها المالحة على يده....



ردّ بصوتٍ غائب عن الوجود، خالٍ من أي شئ إلا الفناء!!


- تريدين أن أطلقك كي تتزوجينه بعد ذلك..


- ................


- لكن هذا أبعد لكِ من طيل السحاب والموت أقربُ لكِ مما تريدين، طلاق ولن أطلقك وسأفعل ما أريده وسأتزوج عليكِ بدل الواحدة ثلاث.



- كلاااااااااااا.



وأخذت تصيح بجنون وهي تضربه بقبضتها المنفلتة:


- طلقني، طلقني، أنا لا أحبك لا أريدك.



تطلع إليها بإزدراء وهو يقول بسخرية قاسية:


- يا عزيزتي الحب بات شيئاً لا أؤمن به، غير موجود على الإطلاق في قاموسي.


أوقفت حركتها وهي تمسح وجهها بذراعها أو ربما لتخفي عينيها كي ترد بشكيمة!!


رفعت صوتها بتصميم وهي تقاوم تلك الأنفاس التي لا تلبث أن تجثو على صدرها، أن تضيق عليها الخناق...



- الحب موجود، حقيقي لأنني..لأنني أحبه هو، أسمعت؟!



وما أن رأت يده ترتفع لتهوي حتى دفنت رأسها بسرعة في صدره لتحتمي به منه!!!!!



تشبثت به بقوة بأصابعها المرتجفة وهي تتوسل إليه بكلمات غير واضحة...


سكن هو الآخر وإن بقيت يده معلقة في الهواء...


عيناه تجوبان هذا الرأس المندس، المرتعد خوفاً من يده الثقيلة....


الشجن ينطلق من تلك التي تكاد تغفو من شدة التعب، من كثرة التعب...





أرخى ذراعه، وأمسكها من كتفيها ليزيحها عن صدرها لكن سرعان ما استيقظت حواسها و انقضت عليه من جديد لتحتمي به منه من جديد!!!



- أنتِ ماذا تريدين؟! أن تذبحيني.. صاح بألم، بعذاب، بصوتٍ خافت وهو يهمس في أذنيها.



وأخيراً أبعدها عنه بضعف...

.
.
.
.
.
.
.
.



العذابات تتوالى...


و مصاعب تستعمر القلب كفوهة بركان ..


صراعات قلب و عقل..


فمن المنتصر ؟!


والشمعة!!!


الشمعة لا بد لها أن تخرج، علها تضيء قلباً غاص في الظلام!!

==============

تمنياتي لكم بقراءة ممتعة


taman غير متواجد حالياً  
التوقيع











رد مع اقتباس
قديم 30-05-11, 05:47 PM   #18

taman

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية taman

? العضوٌ??? » 62057
?  التسِجيلٌ » Nov 2008
? مشَارَ?اتْي » 6,430
?  نُقآطِيْ » taman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond repute
افتراضي

إن تبحثي بين سطور الورقِ
عما أردتُ قوله تحترقي

لا تقرأي إلا الجلي واتركي
عنكِ الخفي واسلمي من أرقِ

إن الحروف كالبحار من يخض
غمارها مهددٌ بالغرقِ


===============



تابع>>> (11)



سارحة في جلستها تلك، ويدها أسفل ذقنها، عيناها الشاردتان ترفّان وتمسان الهواء البارد المنبعث من جهاز التكييف...


كان يسرّح شعره استعداداً للخروج وهو يخاطبها من خلال المرآة، ناداها بعد ذلك عدة مرات علها تنتبه إليه...


رفعت رأسها ناحيته وهي ترفع حاجبيها بتساؤل:


- شيماء!!


- ماذا؟!


- ألن تذهبي معنا؟


- بلى، سآتي.


- هيا إذن ارتدي عباءتك، سيدمدم أبي إن تأخرنا.


نهضت وهي تسحب خمارها من الشماعة ببطء، اقتربت من زوجها وهي تدعك شيئاً علق بذيل الخمار.




- ناصر، لم لا تستشر أخاك في أمرنا؟! لقد درس الطب في السويد وبالتأكيد طرق العلاج هناك متطورة أكثر من هنا.


تطلع إليها بتعجب ثم سرعان ما قال عابساً:


- "وليد" لم يصبح طبيباً بعد حتى أستشيره.


- لم يتبق عليه إلا سنة واحدة ويتخرج.


عاد ليبعثر شعره من جديد في اتجاه آخر دون أن يعلق.


- ناصر!!

- ........

- ماذا قلت؟!

- أقول ماذا؟!


وتطلعت إليه بنفاذ صبر وقد تركت ما بيدها:

- أنت لا تأخذ الأمر بجدية أبداً.


حدجها بنظرة نافذة، لكنها لم تلن وبقيت على وقفتها الجامدة تلك..


رد بصوتٍ غاضب:


- ماذا تريدين بالضبط؟! أن أخاطب ذلك الغر وأستشره في...


قاطعته بسرعة:

- هو ليس غراً وإن كان على مظهره، فأنت تعرف أن معظم من يسافر للخارج يتغير..


- أنا لا أثق فيه أصلاً، حتى الدراسة أشك بأنه قد درس طب..


- وماذا كان يفعل إذن؟!


- لا أدري، لكنني لم أحب أن أقلق والدي بشكوكي هذه.


- أنت تتوهم، لقد آراني أنا وندى شهاداته للعام الماضي وكانت بتقدير "امتياز".


صمت برهة ثم تنهد مستغفراً:


- حتى وإن كان كذلك فسنستشر طبيباً حقيقياً وليس متدرباً.


- وماذا فعل الأطباء الحقيقيون؟! ليس لديهم إلا كلمة: اصبروا..اصبروا.. رددت بسخرية مريرة.


- وهذا بالفعل ما ينبغي علينا فعله، فليس بنا عيباً والحمد لله.


- وماذا ستخسر إذا سألته؟! أم أنت تغار منه لأنه أصغر منك ولديه شهادة جامعية!!



تعابير الوجه تجمد، و تتلاشى تلك الخطوط الدقيقة المحفورة في حناياه...


الألم يرتسم في المقلتين، ينعكس في العدستين الزجاجتين الصغيرتين...



خرج من الغرفة بهدوء، أما هي فتهاوت على الكرسي بتثاقل....



غطت وجهها لكأنها خجلت من فداحة ما قالته...


باتت تلقي الكثير من الكلام في الآونة الأخيرة..


دون حساب، دون حذر...


ليست من الدرر، ليست كذلك أبداً...



كلنا نشرب من هذه الكأس ولكن حذارِ، حذارِ من الانغماس حتى الثمالة!!!!




أتاها صوت "ندى" من أسفل ينادي عليها، يستعجلها للذهاب ويفيقها من خواطرها التعسة.....


ارتدت حجابها وهي تشعر بالضيق، ووصلت إلى حيثُ كانوا مجتمعين...


انقسمت العائلة إلى سيارتين، الأب ووليد وندى في سيارة و ناصر وشيماء وهدوءهما العاصف في سيارة أخرى...


=============



خرجت من غرفتها بتعثر وهي تتطلع لنفسها كل حين...


لقد اتصل خالها وقال أنهم سيأتون هذا المساء...


ارتدت بنطالاً من الجينز الأخضر الباهت، وقميصاً زيتوني اللون تنتهي أطرافه بقصات غريبة ذات طابع غجري...


مشت إلى الصالة دون هدى وهي منكسةٌ رأسها بقلق...



كان واقفاً أمام النافذة يطالع المارة والسيارات، وما أن سمع وقع أقدامها الخافتة حتى التفت إليها...


رفعت رأسها هي الأخرى ببطء فالتقت بعيناه....


وتضرج وجهها احمراراً مما رأته!!



كان يرتدي بدلةً بمثل لون قميصها وقد بدت عيناه منسجمة تماماً مع ما يرتديه..


كلاهما خضراوان!!!



حاولت أن تشيح وجهها وتطالع أي شئ، أي شئ، لكن تلك النظرة المرتسمة في عينيه عادت لتأسرها وتجبرها على النظر إليه من جديد!!



وتحرك هو من مكانه أما هي فبقيت متجمدة، واقفة بلا حراك، قدماها لا تتزحزحان عن البلاط!!



أصبح في مواجهتها مباشرة، عيناه تطوفان بحرية في قسمات وجهها المرتبكة في خجل غريب..


الزمن يتوقف هو الآخر، يتوه، أو ربما يحاول أن يختلس لحظات، لحظات فقط ويحتفظ بها في علبته!!!



ضاعت هي الأخرى...


عاجزة، حائرة من عينيه المتشابكتين في غموض، إعجاب، شوقٌ دفين....


أسبلت عينيها بضعف ومشاعر غريبة تمزقها، تُحيلها لأشلاء، ويظل بقاياها فتاتاً تذروه الريح والهمسات!!!


لا تريد أن تغرق في هذا المحيط البلوري، هي منارة هكذا هي، والمنارة إما أن تغرق أو تبقى صامدة حتى النهاية!!


أتاها صوته أجشاً هامساً:


- سيفدون الآن!!


- .............


- سيفدون الآن؟! كرر عبارته من جديد.



رفعت وجهها باضطراب وهي تحاول أن تتحاشى عينيه:


- وإذن؟! سألت بهمس.


- وليد و ناصر سيحضران أيضاً، أتريدين أن تخرجي أمامهم هكذا؟!



ها هي تطفو، تضيع بلا منارة بلا قشة!!



والصخب يعلو هنا، هنا بين الضلوع حيثُ يتوسد القلب بلا حول، بلا قوة!!!



استدارت لتعود إلى غرفتها وترتدي وشاحاً....


الطريق إلى هناك بدا طويلاً، متعباً، مؤلماً رغم قصر المسافة..


جلست على كرسيها بوهن وهي تحاول أن تتجنب تلك الغصة بصدرها، بحلقها..


الصراع النفسي منهك، مميت حتى النخاع...


سمعت أصوات التهاني والترحيب تتزاحم جملةً مع بعضها البعض و تقترب...


ارتدت وشاحها وهي تمسح عينيها بعجل...



وما أن فتحت الباب حتى أطلت "ندى" بوجهها الضاحك، عانقتها على الفور دون أن تترك لها المجال لتتنفس.



- لقد اشتقتُ لكِ كثيراً، الغرفة مظلمة بدونك..



عادت الابتسامة الضائعة لترتسم على شفتيها :


- وأنا أيضاً... كثيراً..


- اتركيها يا "ندى" أريد أن أسلم عليها أنا الأخرى. صاحت "شيماء".


- انتظري، أريد أن أسألها عن سبب جمالها المفاجئ مرةً واحدة، أعترفي أي نوعٍ من الكريمات تستخدمين، شانيل أم ديور؟!


ضحكت "غدير" وقد تورد خداها:


- لم أستخدم شيئاً صدقيني.


- إنها عروس، والعروس تكون مشرقة دوماً هكذا، ولكن ما أدراكِ أنتِ؟!


تطلعت لها "ندى" بحنق أما "غدير" فاكتفت بالإبتسام ببهتان، ردت عليها بعصبية:


- غداً عندما أتزوج إن شاء الله لا أريدك أن تزوريني في الصباح، أسمعتي؟!


- ومن هذا تعيس الحظ الذي سيجني على حياته بيديه ويأخذك؟!


- ربما المدير. ردت "غدير" بسرعة.



زمت "ندى" شفتيها بغضب وهما تضحكان عليها بصوتٍ مرتفع، مدت يدها وقرصت "شيماء" في ذراعها فصرخت الأخيرة متوجعة أما "غدير" ففرت من أمامها إلى الداخل وهي تصيح بتهديد وتضحك في آنٍ واحد:



- قفي مكانك، سأنادي خالي، كنتُ أمزح، نددددددددى..


وأخذت تجريان في الغرفة وهما تقذفان بعضهما بالوسائد.


وبينما كانت تحاول الوصول للباب اصطدمت بشئ!!


كان هو...


- أجل، أمسكها يا "عمر" سأقتصُ منها.



وبحركة دفاعية أحاطها بذراعيه وهو يرد على "ندى" بتهديد:


- كلا، هذه زوجتي إن اقتربتِ منها كسرتُ يدك.


- هكذا إذن؟!



وعبست في وجهيهما وهي تندب حظها العاثر:

- كلهم لديهم من يدافع عنهم إلا أنا..



نظرت إليه مشدوهة وقد مستها كلماته في الصميم، انتبه لها وهي تتأمله فعاد البريق البارد ليطوح نظراه وصوته من جديد:



- أبي يريد أن يسلم عليكِ.


هزت رأسها بالإيجاب دون أن تنطق، أبعد ذراعه عنها فأحست بالبرد والضياع!!!



أخذت تختلس النظرات إليه من جديد وهو بجانبها بقامته الطويلة...



إنها لا تفهمه، لا تفهمه أحياناً!!!



وقطع عليها خالها تفكيرها وهو يصافحها ثم يقبل جبينها ويجلسها بجانبه...



بارك لها "ناصر" و "وليد" وأعطياها هدية فأخذتهما شاكرة.


كانت تستمع إليهم وتبتسم بخفوت، كثيراً ما تتلاقى بعينيه فتضطرب وتعود لتعبث بما في يديها.


وحانت لحظة الإنصراف فقال "عمر":


- أبقى يا أبي وتعشى معنا.


تطلع إليه بعتاب وهو يسأله:


- جعلتها تطبخ منذُ اليوم الأول؟!


ابتسم في وجه والده:


- العشاء لا، سنطلب لنا جميعاً من أحد المطاعم.


- بالهناء والعافية يا ابني، لكننا تأخرنا والبيت خالٍ دون رقيب.



تسمع حديثه وهو يتحدث وكأن شيئاً لم يكن، كزوجٍ سعيد هو!!!



غاب الرجال بالأسفل ولم يتبق إلا هي و"ندى" و"شيماء".



اعتراها الخوف فجأة من ذهابهم، أخذت تتطلع لصاحبتيها بتوتر وهما يمازحنها وتتشاجران دون أن تفقه ما تقولانه..




وحين تحركتا للإنصراف، وقفت هي الأخرى:


- أين ستذهبان، لازال الوقت مبكراً.


- الساعة التاسعة وأنا أنام مبكراً تعرفيني. ردت "شيماء".


تطلعت "غدير" إلى "ندى" بتوسل خفي:


- أبقي معي هذا المساء.


- لا بأس، ليس لدي مانع، سأستأذن من والدي أولاً.


لكن "شيماء" سحبتها معها والأخيرة تصيح:


- مع السلامة سنذهب الآن، لا عليكِ من هذه المجنونة.



و بدأ قلبها يدق بطريقة غريبة، بقوة، بجنون، تطلعت إلى حيث انصرفوا، إلى حيثُ خرجوا كلهم، كلهم دون استثناء!!!



أرادت أن تعود لغرفتها، لكن جسدها خانها مرةً أخرى، لم حين نأمره أحياناً يرفض الانصياع، تُرى ماذا يحدث للجهاز العصبي حينها، أيصاب بالركود أم ماذا؟!!



نظرت إلى القدمين اللتين انتصبتا أمامها، رمشت عينيها عدة مرات ثم صدت للأمام...



عيناه تتقدان شرراً و وجهه مظلم كسمرة الليل حين هجوعه...



فتحت شفتيها لتقول شيئاً لكنها أمسكت، بدت مبلدة الحس تلك اللحظة...



كيف يتغير الإنسان بين عشيةٍ وضحاها!!



ماذا حدث يا ترى؟!


وقطع السكون بصوتٍ قاسٍ مليء بالترهيب:


- ماذا قلتِ لشيماء؟!



ازدردت ريقها وهي تحاول أن تُخرج صوتها الذي احتبس في حنجرتها، ردت بإرتجاف:


- لم أقل لها شيئاً.


أمسكها من يدها بعنف وهو يصيح في وجهها:


- لاتكذبي..


- والله العظيم لم أقل شيئاً. ردت بتباكِ.


- تخالينها حمقاء مثلك!!


- لم أقل شيئاً..لم أقل شيئاً. وأخذت تجهش بالبكاء دون أن تعي ما يقصد...



كانت خائفة من نفسها أو ربما منه!!


أفلتها وهو يحدجها بإزدراء :


- لا تملكين إلا البكاء، أهذا ما تجيدينه؟!


وضعت باطن كفها على فمها كي تأد دمعتها وهي تسير إلى الخلف.



- أين تذهبين؟!


- أنا..أنا.....و اختفى صوتها المبحوح.



هز رأسه نافياً وهو يعقد حاجبيه:


- أنا من أقول متى تنامين ومتى تنهضين!! اجلسي.


وتطلعت إليه برجاء من بين غلالة دموعها الصامتة لكنهُ صمّ أذنيه عن نداءها اليائس...



جلست على الأريكة وهي مطرقة، وبقي هو واقفاً ووجهه محول للجانب الآخر...



ومرّ زمنٌ طويل وهما على هذه الحالة، وأخيراً نطق وبدا صوته لها بعيداً، غريباً، قادماً من كوكبٍ آخر!!!


- لا بد أن نتكلم في موضوعك، تعرفين، ذاك الذي تحبينه!!


رفعت رأسها بسرعة وكأن أفعى لدغتها لكنها سرعان ما أشاحت وجهها ونكست للأرض.



أردف وقد تغيرت نبرة صوته:


- لم تخبريني من هو، وأعتقد من حقي أن أعرف، ألا ترين ذلك؟!



وجهه ينضح بالعذاب، بالألم،بليلٍ سرمدي...


تساقطت دموعها بلا توقف وهي تكابد لوعة اجتاحتها تلك اللحظة..



- أنا لا أريد أن أرى دموعاً، أنا أريد أن أسمع فتكلمي...



الطعنات تتوالى والألم أكبر من أن يحتمل، لكنها من بدأت أليس كذلك وعليها أن تكمل...



الحروف كلما حاولت تجميعها، تنفلت، تتشتت، تنسل من ذاك الخيط الدقيق الذي يربطها معاً...



تحاملت على نفسها وهي تقول بجهد، بتقطع:


- هو..هو..


وصمتت وعيناها تسألانه قبل أن تلقي الرصاصة:


"لم تعذب نفسك وتعذبني"..


لكن عيناه كانت متوقفتان على شفتيها تنتظران منها الإفصاح، فليجرف السيل كل شئ، لا يهم، بعد ذلك لا يهم!!



- هو ابن..جارنا.



عاد الصمت ليخيم من جديد، وإن كان صمتاً مشحوناً برعود، ببروق، بأشواك...


- ولم لم يتقدم لكِ ليخطبك؟!


آه، لازال مصراً، لازالت السكين لا تتوقف عن القطع...



- لازال طالباً في الجامعة و..وظروفه لا تسمح له بالزواج حالياً.. ردت بشرود، دون حياة.


- آها، هكذا إذن؟!



وتغير صوته فجأة وبدت عيناه قاسيتين، سوداوتان!!!


- وماذا فعل بعد أن علم بأنكِ تزوجتِ الآن، وأن العصفورة قد طارت...


أفاقت من شرودها و أجفلت من مرآه، من صوته، وصمتت ترمقه بإرتياع..


صرخ بغضب:

- أجيبي..


غطت وجهها بيديها لكنه تقدم منها وأبعد تلك اليدين النحيلتين...



ثم أخذ يهزها كي تجيب، صاحت في النهاية بيأس:


- لا أدري..لا أدري.



قال بإجرام:


- عدتِ للكذب مرةً أخرى، لو تعلمين كم أكره الكذب والكذابين!! لا بد أنه كان بينكِ وبينه اتصال أليس كذلك؟! أو ربما كنتما تتقابلان ونحنُ لا نعلم؟!!!


- كلا، كلا، كلا...



وأخذت تجهش بالبكاء بمرارة وهي تصيح بلا دون توقف..


لكنه لم يرأف بحالها أو بحاله!!!


السكين لابد أن تقطع مرةً واحدة وبنفاذ أليس كذلك؟!


الموت البطئ ليس جيداً على الإطلاق، ليس مريحاً أبداً...



- إذن كيف تعارفتما وتكونت قصة حبكم الجميلة؟!أخبريني ربما غفلتُ عن بعض طرقكم الجديدة!!




وضعت يديها على أذنيها وهي تصرُّ على شفتيها بألم...



- لا تختبري صبري يا "غدير" وإلا قسماً قتلتك لا محالة.



دفنت رأسها في الأريكة وهي تصيح بصوتٍ مبحوح:


- طلقني وارتح مني..



وكأنها ذرت الملح على الجرح النازف، ذاك الذي لازال طرياً، غضاً، لازال يسيلُ عبيطاً بقوة زخات المطر وبتموجات السم!!


امتدت يده لتطبق على عنقها بعنف ويديرها إليه، قرب وجهها المرتعش من وجهه حتى انسابت دموعها المالحة على يده....



ردّ بصوتٍ غائب عن الوجود، خالٍ من أي شئ إلا الفناء!!


- تريدين أن أطلقك كي تتزوجينه بعد ذلك..


- ................


- لكن هذا أبعد لكِ من طيل السحاب والموت أقربُ لكِ مما تريدين، طلاق ولن أطلقك وسأفعل ما أريده وسأتزوج عليكِ بدل الواحدة ثلاث.



- كلاااااااااااا.



وأخذت تصيح بجنون وهي تضربه بقبضتها المنفلتة:


- طلقني، طلقني، أنا لا أحبك لا أريدك.



تطلع إليها بإزدراء وهو يقول بسخرية قاسية:


- يا عزيزتي الحب بات شيئاً لا أؤمن به، غير موجود على الإطلاق في قاموسي.


أوقفت حركتها وهي تمسح وجهها بذراعها أو ربما لتخفي عينيها كي ترد بشكيمة!!


رفعت صوتها بتصميم وهي تقاوم تلك الأنفاس التي لا تلبث أن تجثو على صدرها، أن تضيق عليها الخناق...



- الحب موجود، حقيقي لأنني..لأنني أحبه هو، أسمعت؟!



وما أن رأت يده ترتفع لتهوي حتى دفنت رأسها بسرعة في صدره لتحتمي به منه!!!!!



تشبثت به بقوة بأصابعها المرتجفة وهي تتوسل إليه بكلمات غير واضحة...


سكن هو الآخر وإن بقيت يده معلقة في الهواء...


عيناه تجوبان هذا الرأس المندس، المرتعد خوفاً من يده الثقيلة....


الشجن ينطلق من تلك التي تكاد تغفو من شدة التعب، من كثرة التعب...





أرخى ذراعه، وأمسكها من كتفيها ليزيحها عن صدرها لكن سرعان ما استيقظت حواسها و انقضت عليه من جديد لتحتمي به منه من جديد!!!



- أنتِ ماذا تريدين؟! أن تذبحيني.. صاح بألم، بعذاب، بصوتٍ خافت وهو يهمس في أذنيها.



وأخيراً أبعدها عنه بضعف...

.
.
.
.
.
.
.
.



العذابات تتوالى...


و مصاعب تستعمر القلب كفوهة بركان ..


صراعات قلب و عقل..


فمن المنتصر ؟!


والشمعة!!!


الشمعة لا بد لها أن تخرج، علها تضيء قلباً غاص في الظلام!!

==============

تمنياتي لكم بقراءة ممتعة


taman غير متواجد حالياً  
التوقيع











رد مع اقتباس
قديم 30-05-11, 06:02 PM   #19

ميرا جابر

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية ميرا جابر

? العضوٌ??? » 94296
?  التسِجيلٌ » Jun 2009
? مشَارَ?اتْي » 11,496
?  نُقآطِيْ » ميرا جابر has a reputation beyond reputeميرا جابر has a reputation beyond reputeميرا جابر has a reputation beyond reputeميرا جابر has a reputation beyond reputeميرا جابر has a reputation beyond reputeميرا جابر has a reputation beyond reputeميرا جابر has a reputation beyond reputeميرا جابر has a reputation beyond reputeميرا جابر has a reputation beyond reputeميرا جابر has a reputation beyond reputeميرا جابر has a reputation beyond repute
افتراضي

تامان

انتى ذواقة للادب الرائع

بجد ميرسييي على احضارك تلك الرواية مصطلحاتها وتعبيرتها غنيه بالمعانى والاحاسيس

وانا راح اتابعها بشغف

الف شكر حبيبتى

واحلى تقييييم


ميرا جابر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-05-11, 06:08 PM   #20

taman

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية taman

? العضوٌ??? » 62057
?  التسِجيلٌ » Nov 2008
? مشَارَ?اتْي » 6,430
?  نُقآطِيْ » taman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عاشقة سوداء القلب مشاهدة المشاركة
تامان

انتى ذواقة للادب الرائع

بجد ميرسييي على احضارك تلك الرواية مصطلحاتها وتعبيرتها غنيه بالمعانى والاحاسيس

وانا راح اتابعها بشغف

الف شكر حبيبتى

واحلى تقييييم



ميرا بجد مش مصدقة نفسى معقولة تواجدك فى القسم
سعادتى لا توصف ...منورة يا حبيبة قلبى .
..والف الف شكر على تواجدك اولا والتقيم ثانيا

ربنا لايحرمنى منك يا غالية ..



taman غير متواجد حالياً  
التوقيع











رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:50 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.