آخر 10 مشاركات
فى مهب الريح " متميزة " ... " مكتملة " (الكاتـب : الزينب - )           »          رافاييل (50) للكاتبة: ساندرا مارتون (الجزء الأول من سلسلة الأخوة أورسيني) .. كاملة.. (الكاتـب : Gege86 - )           »          حب في عتمة الأكــــــاذيب " مميزة و مكتملة " (الكاتـب : Jάωђάrά49 - )           »          32 - خذ الحب واذهب ! - ليليان بيك - ع.ق (الكاتـب : فرح - )           »          البجعة الورقية (129) للكاتبة: Leylah Attar *كاملة & تم إضافة الرابط* (الكاتـب : Andalus - )           »          أحزان نجمة ( تريش جنسن ) 446 ـ عدد جديد (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          30 - لا تقولي لا - فلورا كيد - ع.ق (الكاتـب : pink moon - )           »          490 - رقصة تحت ضوء القمر - روبين دونالد (عدد جديد) (الكاتـب : Breathless - )           »          471 - فرصة العمر الأخيرة - جاكي براون - أحلام الجديدة ( كتابة / كاملة )* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          روزان (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

Like Tree5Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-05-11, 08:36 PM   #21

monefade
 
الصورة الرمزية monefade

? العضوٌ??? » 116972
?  التسِجيلٌ » Apr 2010
? مشَارَ?اتْي » 2,032
?  نُقآطِيْ » monefade has a reputation beyond reputemonefade has a reputation beyond reputemonefade has a reputation beyond reputemonefade has a reputation beyond reputemonefade has a reputation beyond reputemonefade has a reputation beyond reputemonefade has a reputation beyond reputemonefade has a reputation beyond reputemonefade has a reputation beyond reputemonefade has a reputation beyond reputemonefade has a reputation beyond repute
افتراضي


رواية حلوة قوي قوي لا هي رائعة ورقيقة رومانسية احححححححححححححححححححححححح حححححلى تقييم

monefade غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-05-11, 09:17 PM   #22

taman

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية taman

? العضوٌ??? » 62057
?  التسِجيلٌ » Nov 2008
? مشَارَ?اتْي » 6,430
?  نُقآطِيْ » taman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة monefade مشاهدة المشاركة
رواية حلوة قوي قوي لا هي رائعة ورقيقة رومانسية احححححححححححححححححححححححح حححححلى تقييم
انتى الحلوة والرائعة والرقيقة غالتى
سعيدة جدا جدا بان الرواية نالت على اعجابك ..شكرا لجمال المرور


taman غير متواجد حالياً  
التوقيع











رد مع اقتباس
قديم 30-05-11, 10:17 PM   #23

نيلاي
نجم روايتي
 
الصورة الرمزية نيلاي

? العضوٌ??? » 118065
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 693
?  نُقآطِيْ » نيلاي has a reputation beyond reputeنيلاي has a reputation beyond reputeنيلاي has a reputation beyond reputeنيلاي has a reputation beyond reputeنيلاي has a reputation beyond reputeنيلاي has a reputation beyond reputeنيلاي has a reputation beyond reputeنيلاي has a reputation beyond reputeنيلاي has a reputation beyond reputeنيلاي has a reputation beyond reputeنيلاي has a reputation beyond repute
افتراضي

أحلى تقييمات لعيونك ياتامان
بجد ميرسي إلك الرواية أكثر من رائعة ومشوقة
فتارة نكون مع غدير وألمها وتارة ننتقل الى ندى ومواقفها الضاحكة
رائع هو اختيارك لتلك الرواية
متابعة معاك


نيلاي غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاتطلبي حريةًأيتهاالرعية
لاتطلبي حرية.......بل مارسي الحرية.........
إن رضي الراعي.......فألف مرحبآ
وإن أبى.....فحاولي إقناعه باللطف والروية
قولي له أن يشرب البحر وأن يبلع نصف الكرة الأرضية
ماكانت الحرية اختراعه ......أو ارث من خلَّفه
لكي يضمها إلى أملاكه الشخصية
إن شاء أن يمنعها عنك........زواها جانبآ
أو شاء أن يمنحها......قدمها هدية
قولي له:إني ولدت حرة
قولي له:إني أنا الحرية
إن لم يصدقك فهاتي شاهدآ
وينبغي في هذه القضية أن تجعلي الشاهد بندقية
رد مع اقتباس
قديم 31-05-11, 01:58 PM   #24

taman

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية taman

? العضوٌ??? » 62057
?  التسِجيلٌ » Nov 2008
? مشَارَ?اتْي » 6,430
?  نُقآطِيْ » taman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نيلاي مشاهدة المشاركة
أحلى تقييمات لعيونك ياتامان
بجد ميرسي إلك الرواية أكثر من رائعة ومشوقة
فتارة نكون مع غدير وألمها وتارة ننتقل الى ندى ومواقفها الضاحكة
رائع هو اختيارك لتلك الرواية
متابعة معاك

شكرا نيلاى على ردودك الروووووعة وتقيماتك العسل يا عسل
حالا اضع جزئين من الرواية ويمكن اكثر


taman غير متواجد حالياً  
التوقيع











رد مع اقتباس
قديم 31-05-11, 01:59 PM   #25

taman

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية taman

? العضوٌ??? » 62057
?  التسِجيلٌ » Nov 2008
? مشَارَ?اتْي » 6,430
?  نُقآطِيْ » taman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond repute
افتراضي


هل أنتِ يا حبيبتي حبيبتي؟
أم أنتِ يا حبيبتي مصيبتي؟!

أريدُ أن أقول فيكِ غزلاً
وأن يضوعَ فيك طيبُ طيبتي

لكن هواك غربةٌ فكيف لي
أن أصنع الأفراح من تغريبتي؟!!


=============


(12)



أوقفت قلمها عن الكتابة فجأة وهي ترهف السمع للصوت القادم من بعيد...


لحظة!! هذا ليس بصدى صوته...


ربما كان ذلك صدى أنفاسها هي، أو صدى خواطرها التي باتت تأرقها منذُ يومين!!!


منذُ آخر مساءٍ جمعهما معاً...


أين هو ؟! و أين ذهب؟!


وعاد القلق ليعتريها من جديد، فأزاحت دفترها عن جانبها وفتحت باب حجرتها لتخرج...


أخذت تدور حول الشقة ربما للمرة العاشرة لهذا اليوم ولكن دون أن ترى له أثراً في هذا المكان....


أمن المعقول أن يتركها هنا لوحدها؟!!


كلا، كلا هذا ليس من شيمه البتة...


وتطلعت إلى غرفته بوجوم، هذا هو المكان الوحيد الذي لم تطرقه بعد...



أتراهُ يحبس نفسه فيها كما تفعل هي؟!


توقفت أمام باب غرفته بتوجس، لكنها استجمعت شجاعتها أخيراً وطرقتها بخفوت....



لا إجابة، لا صوت، لا صدى!!


زادت من دقها وهي تنادي عليه:

- عمر!!


ليس هنا أيضاً...


وانقبض صدرها وهي تقف في مكانها بحيرة، أرادت أن تعود إلى حيثُ كانت من جديد لكن شيئاً استوقفها...


أمسكت إكرة الباب وأدارتها فانفتح شيئاً فشيئاً...



أطلت من تلك الفرجة الضيقة وهي تجول ببصرها حول الغرفة التي لم تطأها قدماها من قبل.....


وفتحت الباب على مصراعيه...


كانت واسعة، فسيحة، جدرانها مطلية بلونٍ مشمشي فاتح...


ولجت إلى الداخل، وبلا شعور أخذت تتفقد محتوياتها وتجمع تلك الملابس المبعثرة على الأرض...


كان فيها شيئاً منه، شيئاً لم تستطع تلك النافذة المفتوحة أن تتخلص منها رغم هبات النسيم التي تعبث بحرية في تلك الستارة.....



ربما كانت رائحة عطره المميزة، أو غموضه أو حتى قسوته!!


عادت لتحني جذعها وتلتقط فرشاة شعره الملقاة على الأرض....



وضعتها على طاولة الزينة لكنها توقفت طويلاً أمامها وقد جذبتها تلك الصورة الصغيرة المحاطة بإطارٍ نحاسي مُذهب....


أمسكتها بيديها الصغيرتين وهي تمرر أناملها النحيلة عليها....


تأملت صاحب الصورة، وجهه، عيناه، وكل خلجةٍ من خلجاته...


ولاح طيفُ ابتسامةٍ باهتة على شفتيها وهي تلمس عيناه!!


لم تعرف حتى الآن مِن مَن اكتسب هذا اللون؟!


أتراها ستعرف يوماً أم لن تجرؤ على سؤاله حتى؟!


وطمست الصورة بيدها وهي تضمها إلى حجرها بقوة وألم...



هبات النسيم لازالت تدور بحرية، تجوبُ الستار والزوايا والزمن!!!



لكنها تقفُ عاجزةً عن اختراق الجنان، عاجزةً أن تمنحه شيئاً من الراحة والطمأنينة والسكون....



- ماذا تفعلين في غرفتي؟!



ورفعت رأسها فجأة بذعر منتشلةً خواطرها، لتجد صاحب الصورة واقفاً ويده مرتكزةً على الباب...


تراجعت إلى الوراء وهي تخفي ما بيدها خلفها بخوف...



كان ينظر لها بتعب وقد بدا الإرهاق على وجهه الأسمر ما خلا ذلك البريق القاسي الذي بات يلوح في عينيه في الآونة الأخيرة...



- أأعجبتكِ غرفتي؟!


- ..................


- ربما تودين الإنتقال إليها؟!! سألها بسخرية مؤلمة.



أطرقت للأرض وهي تهزُّ رأسها نفياً ببطء...



خيم السكون المتوتر عليهما من جديد، لكن صوته الهادر أجفلها:


- إياكِ أن تأتي إلى هنا يا "غدير"، إن أردتِ أن تسلمي مني..


ثم أردف وهو يصيح:


- اخرجي من هنا فوراً...



وانكمشت في مكانها وهي تعضُّ على نواجذها بقوة....



لازالت مطرقة، لازالت هاوية، لازالت ضائعة هنا و الصورة لازالت بين يديها!!!!


وابتعد عن الباب وهو يتقدم منها بغضب من وقفتها هكذا بلا حراك....


أمسكها من ذراعها المنثني وهو يصرخ في وجهها:


- لقد عُيل صبري منكِ، أنا لستُ قديساً، لستُ قديساً أتفهمين؟!



لكنها لم تكن لتسمع، كان همها أن تتراجع إلى الوراء....


انتبه إلى يديها المعقودتين، فسألها بحدة:


- ماذا تخفين خلفك؟


نظرت إليه بإضطراب وهي ترد بتقطع:


- لا...لا شئ..


- كم مرة قلتُ لكِ أنا لا أحبُّ الكذب!! أريني ما بيدك..


- "عمر" أرجوك......


وذهبت توسلاتها أدراج الرياح، هناك خلف الستار!!!



أمسكها من ذراعها وهي تجاهد بيأس:

- إنها..إنها..


وسحبها من يدها دون أن يستمع لما تقوله، وسكن فجأة وهو يطالع صورته دهشاً...


مرر بصره بينها وبين الصورة بتساؤل:

- لماذا؟!


لم تحر جواباً، كل ما أرادته هو أن تفر من هنا، من أمامه...


لكنه وقف أمامها بالمرصاد وعاد ليسألها بإصرار:

- لماذا؟!


أطرقت للأرض وهي تحاول أن تلملم نفسها، أن تجمع أشلاءها...


وكلما حاولت أن تمسكها، أن تقبض عنق الزجاجة أفلتت وسالت قطرات الماء....


- أنا..أنا...


- أنتِ ماذا؟!


- لاشئ..لا شئ. رددت بصوتٍ لا يُسمع.


تطلع إليها بنفاذ صبر وهو يمرر أصابعه في شعره بتوتر....


ثم نظر إلى الصورة وما هي إلا دقيقة حتى ألقاها على الأرض بعنف...


الصورة تهوي والزجاج يتحطم، يتبعثر ناعماً، بقطعٍ صغيرة لا تبين...


وضعت أناملها المرتجفة على فمها لتكبح صرخة استنكار كادت أن تنطلق رغماً عنها...


وأشار بيده إلى الباب فخرجت كالبرق ولوعةٌ دفينة تسبقها...


ألقت بنفسها على سريرها وهي تجهش بالبكاء، ضربت وسادتها بقبضتها وهي تهمس:


- ليس ذنبي..ليس ذنبي أنا!!



===========



- اذهبي هو ينتظرك، أليس هذا ما تريدينه!!


- ناصر، ألا زلت غاضباً؟! إذا كنت لا تريد فلن أذهب.


نظر إليها بفتور ثم تنهد:


- أنا لستُ غاضباً..


اقتربت منه وهي تضع يدها على كتفيه:


- إذن تعال معي.


أبعد يدها عنه بضيق:


- أنا أخبرتهُ بما لدي، ليس لدي المزيد لأقوله..


نظرت إليه بعبوس ثم سرعان ما خرجت من غرفتها...


تطلع إلى الباب المفتوح وتنهد...



ثم عاد ليتصفح كتاب "رؤية قرآنية للمتغيرات الدولية" للدكتور محمد جابر الأنصاري...


أخذ يقلبه برهة ثم سرعان ما قلبه على الصفحة التي توقف فيها مسبقاً..


لا يدري ما يمزقه أكثر!!!


هموم العالم القابع في دوامة، في بقعةٍ سوداء ضئيلة، في ماءٍ آسن يرفل بالجبن والعار والتبعية!!


أم همومه مع هذه الزوجة العنيدة!!!


كلاهما صداع، صداع مقيت...



دقت باب غرفة الجلوس لتجدهُ جالساً بإنتظارها وفي يده لفافة تبغ سرعان ما سحقها على الطاولة الزجاجية الصغيرة!!!


حركت يدها في الهواء لتبعد رائحة الدخان الكريهة بإشمئزاز عن محيطها...


وبعد أن ألقت السلام جلست على الكرسي الذي يقابله...


وابتسم لها معتذراً:


- آسف إن أزعجتكِ الرائحة، إنها عادة سيئة اكتسبتها في الغربة!!


- لا بأس. ردت مجاملةً.


- طيب لنبدأ الجلسة، أخبريني أولاً ماذا قال لكما الطبيب.


- ألم يخبرك "ناصر"؟


- بلى، ولكن أحب أن أسمعه من جديد منكِ، فأنتِ تعرفين أن النساء يذكرن تفاصيل قد يغفلها الرجل وقد تفيدنا في موضوعك..


وعاد ليبتسم لها، فحكت جبينها بتفكير:


- لقد أجروا لنا فحصاً أكلينيكياً، وقال الطبيب أن كلانا سليمان من هذه الناحية، لكن القلق النفسي هو من يحولُ ذلك وسماه بالاضطراب السيكو...


وتوقفت عند هذه الكلمة بتلكأ محاولةً نطقها بشكلٍ صحيح:


- آه، السيكوسوماتيك”psycosomatic” أي الاضطراب النفس جسمي..


- لم أفهمها صراحةً..


- هذا اضطراب ينشأ من وجود عامل نفسي كالضغوط أو التوتر أو القلق مما يؤثر على وظائف الجسد الفسيولوجية فيصاب الشخص مثلاً بآلام عضوية، أمراض القلب، صداع، إمساك، عقم وهكذا...



وشهقت بصوتٍ مرتفع وهي:

- عقم!!


- أجل، بل أسوأ من ذلك، إذ قد يصل الصراع النفسي الذي يعيشه الفرد إلى اصابته بالسرطان والعياذ بالله و هذا ما أثبتته آخر الدراسات الأجنبية.


وأخذ يشرحُ لها وهي تستمعُ له بإنصات واهتمامٍ شديد...


- على العموم أنتِ لازلتِ صغيرة وأمامك المتسع لتنجبي بدل الطفل عشرة...


قال ذلك وهو يتأمل وجهها البرئ بإعجاب لم يخفى على عينيها...


تململت في جلستها بضيق وهي تهمهم بردٍ غير مفهوم.


وانتبه لنفسه وعاد ليتكلم بلغة الطب من جديد:

- اعطني فحوصاتكم السابقة لأطلع عليها.


- تريدها الآن؟!


- ليس الآن تحديداً، ولكن في أقرب فرصة، فأدواتي المخبرية ستصلُ بعد يومين أو ثلاثة من الخارج.



نهضت وهي تشكره منصرفةً فعاد ليسحب لهُ سجارةً أخرى....



نفث دخانها ببطء وصورة قوامها الممشوق ماثلة بوضوح أمام عينيه الصغيرتين!!!



=======


- خذي..


- ماذا؟!


- أعطها المدير.


تطلعت "أشجان" للملفات وكأنها تنظر لأفعى و سرعان ما رفعت يدها نافيةً وهي تقول:


- آسفة، أنا لن أذهب إليه، هذه ملفاتكِ أنتِ ولا أريده أن يصرخ علي.


- لن يفعل شيئاً لكِ.


ثم اقتربت منها وهي تهمس لها بتوسل:


- أرجوكِ، ألا يقولون: الصديق وقت الضيق.


- سأساعدك في أي شئ ولكن إلا في هذا.


كتفت "ندى" ذراعيها وهي ترفع حاجبيها عالياً:


- لم تفعلي لي شيئاً قط، دائماً أنا، أنسيتِ ذلك اليوم حين تعطلت سيارتك وأوصلتك إلى منزلك!!


شهقت "أشجان" وهي تردد دون تصديق:


- أتمنين علي بتلك التوصيلة؟!


مطت "ندى" شفتيها:

- كلا، ليس هكذا، تعرفين هذا ليس من خصالي، أحببتُ أن أذكرك ليس إلا..


ثم أردفت بصوتٍ واطئ:


- ماذا سيضرك، ارميها على مكتبه وانقذيني..


- أنا لا أحب المشاكل، ولا أستطيع الرد عليه مثلك.


- وأنا لا أطيق رؤية وجهه.


- قولي لـ"جميلة" ربما تساعدك..


- يا لخفة دمك!!


واستدارت متجهة للمكتب وهي تتأفف، طرقت الباب فجاء صوته البارد:


- تفضل..


- إذا كنت مشغولاً سأعود!!


- ادخلي.


زمت شفتيها وهي تتمتم بشئٍ ما، وولجت إلى الداخل...


وضعت ما بيدها على الطاولة مباشرة وهي تخاطبه بسرعة:


- الملف الأحمر والأزرق لشركة "الصائغ" للمقاولات، وهذه رسالة وصلت لك من بنك "البحرين والكويت" ربما كانت ديون أو ضرائب لم تدفعها أفتحها إذا كنت تريد أن تعرف...


ثم استدركت وهي تلوي شفتيها:

- إذا شئت طبعاً..


واستدارت لتعود إلى مكانها لكنه استوقفها:


- هيه أنتِ انتظري.


- نعم.

ودوّن شيئاً ما في ورقة صغيرة وهو يخاطبها:


- غداً أريدك أن تذهبي إلى هذه الشركة لتخلصي معاملاتنا معهم، وخذي معكِ "جميلة" فقد سبق أن تعاملت معهم.


- أنا لن أذهب معها..


- لماذا؟!


- نحنُ لا نكلم بعضنا..



ردّ بحزم:

- الأمور الشخصية ليس لها علاقة بالعمل في هذا المكان، أتفهمين!!


- سأطلب من "أشجان" أن تذهب بدلاً عني.


- أنا قلتُ أنتِ وانتهى الأمر فلا تجادليني. صاح في وجهها.


- لماذا تكرهني، ماذا فعلتُ لك؟!


- أكرهك!! ومن أنتِ كي أكرهك أو أحبك!!


رفعت أصبعها في الهواء بتهديد:


- إذا كنت تحبني فهذه مشكلتك لوحدك، لو سمحت أنا صغيرة ولا أريد أن تتفتح عيناي على مثل هذه الأمور!!!


فتح هو عينيه بدهشة...


و من قال الآن أنهُ يحبها!!!



ثم أردفت بإنزعاج:



- ثم هذا مكان عمل كما تقول، و من المشين أن تتحدث إلي هكذا، ماذا لو دخل أحدهم وسمعك تقول هذا الكلام!! تريد أن تتشوه سمعتي؟!!



ثم زفرت وهي تشيح وجهها وتحرك أصابعها في الهواء...


- أعلم أنني جميلة وملفتة للنظر لكن هذا لا يجوز، لا يجوز إطلاقاً!!!!



الدهشة تكبر وتمتد لتشد تعابير وجهه بأكملها...


وحين أفاق من صدمة كلماتها، ضرب بقبضته على مكتبه بقوة، فقفزت في مكانها وهي تلم أصابعها بخوف:


- تعالي إلى هنا، اقتربي...


- ماذا..ماذا تريد، كنتُ أمزح معك، لا يجوز..يجوز...أشر برأسك يجوز أو لايجوز؟!


- أأنتِ بلهاء أم ماذا؟!


وأكمل بغضب:


- ماذا تعتقدين نفسكِ أيتها السخيفة الفارغة من أي شئ!!


"أنا سخيفة، أنا فارغة، سامحك الله!!"


ولكن لا ترد على السفيه جوابا أليس كذلك؟!


اسمعني إذن أيها السفيه....



أسبلت عينيها بتذلل كعادتها في تلفيق قصصها الدرامية، ولم تفته هذه الحركة أبداً...


عبّرت بإستكانة:


- صدقني أستاذ، عندما كنتُ صغيرة كان بودي أن أصبح ممثلة، لكن كلهم وقفوا في وجهي، حتى المعلمات في المدرسة كن يطردنني من المسرح ويقلن عني فاشلة...


وغطت وجهها بكفيها وهي تخرج صوتاً أقرب للبكاء، وتطالعه بعينها من تلك الفرجة الضيقة التي تخللت أصابعها...


وأكملت وهي تنهنه:


- وتكونت لدي عقدة، ليس مثل عقدة "أوديب" و "الكترا"، لا بل أخطر...


ورفعت يديها عن وجهها وهي تسأله فجأة بحماس:


- أتعرف عقدة "أوديب" و "الكترا"؟!!


فغر فاهه وهو يحملق فيها بريبة من تغير حالها...


- أنا أعرفها جيداً، هذا فتى اسمه "أوديب" كان يكره والده لأنه ينافسه في حب أمه، تصور ترك نساء العالم وأنا!!! وأحب أمه ذلك المجنون!!!


وأخذت تضحك بأريحية وهي تضرب ظهر الكرسي بيدها وبعد أن هدأت، أردفت:


- أما "الكترا" فهذه فتاة كانت واللهُ أعلم، تعرفني لا أحبُّ أن أغتاب، لكن هم من قالوا عنها ذلك، المهم كانت هي الأخرى تحب أمها، كلا، بل كانت تحب والدها وتكره أمها، أرأيت مجانين كهؤلاء؟!!


وعادت لتضحك بهستيرية وقد نست نفسها...


نظر إليها بذهول وعلّق وكأنهُ يخاطب نفسه:


- ما المجنون إلا أنتِ أيتها المجنونة...



لكن كلماته تلك لم توقفها بل زاد ذلك من ضحكها وهي تلوي على نفسها وتسعل دون توقف....


تسللت ابتسامة صغيرة عنوةً إلى شفتيه من منظرها لكنهُ سرعان ما أخفاها وقال بجمود:


- بإمكانك أن تنصرفي الآن يا آنسة.


وخرجت من مكتبه بعد عناء متعب من أجل أن تقفل فمها، وما أن فتحت الباب حتى استلمتها "أشجان" وهي تسحبها:


- أخبريني، ماذا جرى؟! لم كل هذا الضحك مع المدير!!


- أتعرفين "أوديب" و "الكترا"؟! سألتها بأنفاس مقطوعة.


- لا...



وكلما همت بأن تنطق كلمة عادت لتقهقه من جديد بصوتٍ مجلجل ودموعها تطفر من عينيها..



- ندى، تكلمي من هم هؤلاء؟!



ولكن لا حياة لمن تنادي....



==========



غطت وجهها بصفحة الجريدة العريضة وهي تحاول أن تتحاشى ذاك الظل الذي بات يحاصرها أمامها وفي أحلامها!!!



عيناها مفتوحتان تتابعان تلك الحروف الصغيرة المطبوعة في جملٍ وعبارات لم تفقه منها أي شئ، وكيف لا، وهو واقفٌ هكذا منذُ 10 دقائق!!



الصفحة لم تقلب بعد وأطرافها بدأت تتجعد بلا رحمة بين أصابعها...


وكلما كادت يدها تهوي على حجرها استماتت بقوة لتظلّ مرفوعة، فلا تدري أي صفحةٍ طُبعت على وجهه هذا المساء!!


ولكن لا بد لها أن تقرأ شاءت ذلك أم أبت ، ها هي يداه تمتدان لتخطفا الجريدة وتكورانها بأكملها...


ضمت يديها إلى حجرها ونكست رأسها كأنها تنتظر العقاب.


- ماذا أعددتِ للعشاء؟! سألها ببرود.


- لاشئ.


- لاشئ؟! صاح بغضب.


انكمشت في مكانها وهي تردُّ بإستعطاف:


- لم أجد شيئاً في الثلاجة لأطبخه.


- ولم لم تخبريني من قبل؟!


- أنا لا أراك..


- بإمكانكِ أن تتصلي على هاتفي.


ردت بإنفعال:

- لا أعرف رقمك.


- أليس لديكِ لساناً لتسألي!!


- أنت تريدُ معاقبتي على أي شئ أليس كذلك، اضربني إن كان يريحك هذا..


وغطت وجهها بكفيها وهي تبكي من العذاب، من الألم، من هذا الشجار اليومي الذي لا ينتهي....


مدّ يده بسرعة واضعاً إياها على رأسها لمدةٍ طويلة فارتفع صوتُ بكاءها و بدأ جسدها يهتز...


ثم حرك أصابعه ليمسح على شعرها برفق:


- انهضي سنتناول العشاء في الخارج..



وهدأت فجأة فقد خالته سيخلع شعرها كما حدث في المرة السابقة..


رفعت وجهها إليه وهي تمسح عينيها دون تصديق...


طالعها بنظرةٍ عميقة قبل أن يستدر:


- هيا لا نريد أن نتأخر...


وتركها تتابع طيفه يتهادى لينزح إلى الأسفل...


إنها لا تفهمه، لا تفهمه أحياناً...


انساقت هي الأخرى إلى غرفتها دون تفكير لتغير ملابسها....




وانتابتها السعادة دون أن تدري مصدر ذلك، ألأنها ستخرج من هنا لأول مرة أم لأنها ستخرج معه أم ماذا؟!



وجدته ينتظرها في سيارته، فولجت إلى الداخل وانطلقا معاً...


لم يتحدث كلاهما ولم تسأله أين سيذهبان، واكتفت فقط بالنظر إلى النافذة...



الكونُ يبدو فسيحاً في المساء وقد ألقى بظلاله على الجميع مانحاً إياهم شيئاً من الألفة ودفء النجوم...


أخذت تعبثُ بعباءتها بعد أن أتعبها النظر إلى الفضاء، ثم راحت تختلس النظر طويلاً إلى الجالس بجانبها بصمت....



الليلُ يضفي الكثير ويخفي الكثير أيضاً!!


ولكن من الصعب أن تحدق عن كثب أليس كذلك؟!



وأرادت أن تحول وجهها للنافذة من جديد لكنهُ التفت لها في تلك اللحظة وكأنهُ أحسًّ بنظراته المحدقة به...


وتشابكت نظراتهما برهة فتضرج وجهها احمراراً لأنهُ أمسكها متلبسة بتهمة النظر إليه!!



أزاحت بصرها إلى يديها المنقبضتين، فأتاها صوتهُ لاذعاً كالسوط!!


- ماذا؟! تقارنين الأصل الصورة!!


وعنّفت نفسها على فعلتها المشينة كما أسمتها وهي تدعو أن يتوقف عن السخرية بها...



وأخيراً أوقف مكابح سيارته.....


انتظرها ريثما تخرج بينما هي تتطلع إلى اللافتة المعنونة بمطعم "الأبراج"...


وتقدمها خاطفاً وهي تحاول اللحاق بخطواته السريعة بين الممرات حتى كادت أن تتعثر عدة مرات.


التفت إليها وهو عاقدٌ حاجبيه:


- ماذا بك؟!


- انتظرني أنا لا أعرف هذه الأماكن، لم أدخلها قط..


وارتجفت أهدافها وهي تقاوم دمعةً مُرة علقت بأطرافها.....


لا تدري لم أحست بالخوف وهو يبتعدُ عنها بخطواته، وحين اختفى طيفه فجأة بين الأزقة كادت تصرخُ ذعراً...


نكست رأسها بألم فانسابت دمعتها شفافة ملساء، انحدرت حتى ذقنها...


انقبض وجهه فجأة وضاقت عيناه وهو يرد بخفوت:


- آسف ...


ومدَّ يدهُ إليها فتناولتها وهي تتشبثُ بها بقوة أدهشته...



وجلسا حيثُ أشار النادل متقابلين...



سألها محاولاً الترفيه عن دموعها التي لا تفتأ أن تنزل على وجنتيها:


- ماذا تريدين أن أطلب لكِ؟!


- لا أريدُ شيئاً..


- امممم، تريدين "سزلنج دجاج"، هذا طبق لذيذ...


- ...........


- أم تريدين "شاومين" مشكل؟! هيا قرري..



وهزت كتفيها بأن لا تدري وقد بدأ مزاجها يتغير من رؤيته يخاطبها هكذا بلا تكلف...


ومرت دقائق قليلة سرعان ما أُحضر فيها الطعام وعاد الصمت ليخيم حول المكان ما عدا قرقعة الصحون...


لم تأكل الكثير واكتفت ببعض لقيمات...


- ألم يعجبكِ الأكل؟


- بلى، لكنني شبعت والحمدُ لله.


وضمت يديها إلى جانبها وهي تتأمله، تراقب طريقة أكله، حركاته، شعره!!!


خاطبها دون أن يرفع عينيه عن الطبق:


- لا تنظري إليّ هكذا، نحنُ في مطعم!!



- أنا لم أكن انظر..انظر إليك.. ردت بإنفعال.


- أجل!!


- أ..أ سأذهب إلى الحمام لأغسل يدي.


- أتعرفين أين يقع؟!


- ســ..سأسأل.


- انتظري سآتي معك، لقد انتهيت.



وسبقته في الخروج وقلبها يدقُّ دون هدى، بإضطراب....


ماذا أفعل أنا يا ربي!! يبدو أنني فقدتُ عقلي!!!


ودخلت إلى الحمام لتغسل يديها ووجهها علها تفيق من انجذابها المغناطيسي له.....


وأخذت نفساً عميقاً وهي تخرج لكنها لم تجده...


وابتعدت عن دورة المياه لتقف في نهاية الممر متجنبةً ازدحام الوافدين إلى هناك..



وانسلّ المنديلُ من يدها فحنت جذعها لتلتقطه، لكنها لم تكمل إذ سرعان ما التقطتهُ يدٌ أخرى أسرع منها وناولتها إياه...


- تفضلي...


تطلعت إلى الرجل الواقف قبالتها وعلى وجهه ابتسامة هادئة...


- شكراً.


وأخذته منه فهمهم:


- لا شكر على واجب.


وبقيت في مكانها واقفة تنظر للساعة بتوتر والرجل يتأملها بإهتمام:


- أتنتظرين أحداً، أتريدين مساعدة، أنا في خدمتك!!


هزت رأسها بسرعة وهي ترد بخوف:


- كلا، أنا لستُ وحدي، معي ..ز..وجي.


- أهاا..



ومد هذه الكلمة بتفكير، فأخذت تتلفت حولها وما أن صدت للأمام حتى رأتهُ قادماً باتجاهها...


ابتسمت له بارتياح لكنها سرعان ما وأدت ابتسامتها...


كانت عيناهُ تشتعلان وقد بدا وجهه مظلم، منطفأ، ومسحة من الإجرام تلوحُ في حناياه وهو ينقل بصرهُ بينهما...


تراجعت إلى الخلف بفزع وهي تهزُّ رأسها نافيةً كي لا يفسر ما يراهُ خطأ...


ها هو يقترب بثبات، بقوة...


أخذ صدرها يعلو ويهبط بقوة وشفتاها ترتجفان، وأفلتت من فمها صرخة ذعر:



- كلااااااااااااااااااااااا ااا



لكن الصرخة اختنقت قبل أن يتردد صداها!!!!


.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.



مازال القلب يشتعل..


أصابهُ ظمأ الراحة و الاستقرار..


غارقٌ في لجلل حروفٍ هوت كالنار على الأسماع...


الحجارة تدقُ بعضها البعض والشرارة لا تلبث أن تتولد عنوةً رغم أنف الرياح...


الهديرُ لازال مستمراً وعاصفةٌ هوجاء قادمة على قيد أنملة
...



taman غير متواجد حالياً  
التوقيع











رد مع اقتباس
قديم 31-05-11, 02:00 PM   #26

taman

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية taman

? العضوٌ??? » 62057
?  التسِجيلٌ » Nov 2008
? مشَارَ?اتْي » 6,430
?  نُقآطِيْ » taman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond repute
افتراضي

البعدُ عنكِ زادني تبريحا
والقربُ منكِ زادني تجريحا


ولاخيار غير موتي ظلّ لي
وها أنا أجهز الضريحا


لا حبَّ يستطيعُ أن يمنعني
من أن أكون صادقاً صريحا


==========


(13)


ومد هذه الكلمة بتفكير، فأخذت تتلفت حولها وما أن صدت للأمام حتى رأتهُ قادماً باتجاهها...


ابتسمت له بارتياح لكنها سرعان ما وأدت ابتسامتها...


كانت عيناهُ تشتعلان وقد بدا وجهه مظلم، منطفأ، ومسحة من الإجرام تلوحُ في حناياه وهو ينقل بصرهُ بينهما...


تراجعت إلى الخلف بفزع وهي تهزُّ رأسها نافيةً كي لا يفسر ما يراهُ خطأ...


ها هو يقترب بثبات، بقوة...


أخذ صدرها يعلو ويهبط وشفتاها ترتجفان، وأفلتت من فمها صرخة ذعر:



- كلااااااااااااااااااااااا ااا



لكن الصرخة اختنقت قبل أن يتردد صداها!!!!




أحاط خصرها بذراعه وهو يشدها إليه بقوة، نظر إلى الواقف أمامه وهو يسأله بجمود:


- نعم!!

- لا...لا شئ يا أخي.


وابتعد الرجل وهو يغمغم معتذراً...


أما هي فبقيت جامدة في وقفتها تطالع الفراغ بعينين لا تريان وذراعه لا تزال تطوقها...


صرّ على أسنانه، وبصوتٍ كظيم همس:


- سيري أمامي فوراً وبهدوء.


وأفلتها بإزدراء دون أن تنبس ببنت شفه، دون أن تتحرك، بصرها ينظر للبعيد، إلى الأمام، إلى لا شئ!!!


وانتبهت لأصابع يدها التي أخذت ترتجف دون توقف....


روحها معلقة بين جنبيها، فوق فوهة زجاجة مهشمة، وقدماها ثقيلتان لا تتزحزان ولا تستجيبان لنداءه المتكرر لها....


أخذت تطالعه وتطالع يديها لكأنه تستفهمه وتستفهمهما معاً عمّا حدث!!!


تُرى ماذا حدث؟!


عاد ليدمدم وهو يسحبها من ذراعها بفظاظة....


هوى قلبها، ماج تحت الأقدام الثقيلة وانزوى هناك في زاوية مظلمة، غير مرئية...


لازالت عاجزة عن الحراك لوحدها، عن النطق، فقط زخات الدماء التي تنبض في عروقها بقوة، بسرعة شلت باقي الحواس...


ووجدت نفسها داخل السيارة دون أن تشعر، ها هي تسمع هدير محركها ينطلق....


الهدير يعلو، يطغى على الأسماع، والأشياء تتماهى أمام عينيها، تبدو صغيرة، صغيرة جداً، كتلك النقط المتوهجة التي نراها على قمم الموج قُبيل الغروب...



وأدار مقود السيارة حول "الدوار" فجأة فارتطم كتفها بالباب، أمسكته بيدها الأخرى وهي تغمض عينيها بتعب...


الدموع تنساب حارة، دفينة على الوجنتين، ها هي تصل لأسفل الذقن وتتجمع بتؤدة...


"ليت الطريق إلى المنزل بعيداً، بعيداً". رددت في نفسها.


الصمتُ قاتل، مخيف، ملئٌ بالرعود والمطر!!!


الكلام أفضل، أفضل بكثير، تحدث وقل شيئاً، أي شئ...


والتفتت إليه في نصفِ التفاتة ويدها تقبض على صدغها...


بدت عضلات وجهه مشدودة وفمه مزموم، وعيناه، إنها لا ترى عيناه!! بهما تستشفان حالته، بماذا يفكر الآن؟!!


عضت على نواجذها لتمنع صرخة ارتياع انطلقت من الداخل، إنها تخافه، تخافه أحياناً!!!



تشابكت أناملها معاً في عقدة، كتلك العقدة التي تعتمل بصدرها تلك اللحظة، أخذت تنظر بزيغ إلى النافذة والعقدة تكبر وتكبر لتصبح بحجم كرة الثلج....


لم تستطع الصبر أكثر، الصمت أصعب من أن يُحتمل، وقد بانت معالم شقتهما عن كثب..


نادتهُ بإرتجاف، بصوتٍ لا يكادُ يُسمع:


- عمر!!


- صه، أصمتي.



انخلع قلبها، إنه يأبى أن يعود ليستقر، لا يلبث أن يتردى، يهوي إلى الأعماق، حيثُ لا تدري!!



بكت بصوتٍ متقطع، بصوتٍ مسموع علّها تنفس عما بداخلها أو ربما لتستعطفهُ منذُ الآن!!!


ولكن لا حياة لمن تنادي، أليس كذلك؟!


توقف الهدير وتوقفت السيارة وتوقف خافقها هو الآخر!!!


أمسكت بمقبض الباب لكأنها تسميت في منعه من أن يُفتح، لكن يدها أوهن من أن تمنع أو تحتج...


نظرت بعجز إلى الباب المفتوح وإلى ذاك الواقف أمامها بعينيه الداكنتين!!


وسارت دون أن تنتبه لخطواتها، بدا الطريق وعراً أو ربما خالياً من الوجود أو ربما كانت هي بلا قدمين!!


وما أن ولج إلى الداخل حتى تجمدت هي عند الباب لكنهُ قبض على يدها رغم صياحها.


صرخ وهو يدنو من وجهها وهي تحاول الابتعاد:


- من هذا، تكلمي؟!


- لا أحد، لا أعرفه، لا أعرفه. ردت بجنون.


وأجهشت بالبكاء لكنهُ لم يرحمها ولم يرحم دموعها، هزها بعنف لتنظر إليه من جديد:


- بكاءك لن يجدي نفعاً معي لذا أتركي ألاعيبك بعيداً عني وخاطبيني جيداً وإلا حطمتك..


- يدي.. يدي تؤلمني. صاحت بألم.


- لم تري شيئاً بعد يا غدير!!


توسلته بصوتٍ ضعيف من بين شهقاتها:


- لا أعرفه أقسمُ لك، لقد سقط منديلي وناولني إياه.


نظر إليها بإستهزاء وعلى فمه ابتسامة قاسية:


- يا للشهامة، ولم أنتِ دون بقية النساء؟!


- لم يكن هناك أحدٌ غيري. ردت بإندفاع.


- وبالطبع لم تشاءا أن تضيعا هذه الفرصة الثمينة أيتها ال.....


- كلا، أرجوك لا تقلها، أنا لستُ هكذا، لستُ هكذا.


وأخذت تنتحبُ بين يديه بحرقة وهي تردد بصوتٍ مبحوح.


أتاها صوته بارداً، بعيداً، بلون الرماد...


- تريدين أن أصدقك بعد الذي رأيتهُ بأمّ عيني!!


- قلتُ لك لم أفعل شيئاً، هو من أتى و...


وصرخ في وجهها فخانتها قدماها:


- ماذا؟! كنتِ تريدنني أن أتأخر أكثر، أن أنتظركما حتى تنهيان أحاديثكم الحقيرة!!


- قلتُ لك لا أعرفه، صدقني.


وارتمت تحت قدميه وهي تمرغ وجهها ودموعها في يده بلا توقف...


ومرّ زمنٌ طويل سادهُ أنينها المتقطع، كساهُ بثوبه، بلونهـ ، بترابه، بزمهريره!!!



حدجها من علو وهو يخاطبها ببرود:


- تريدين أن أصدقكِ؟


- أجل، أجل. رددت بإستعطاف.


- إذن وافقي..


- أوافق على ماذا؟! سألتهُ بلهفة.


- لا أخالك ساذجة لهذه الدرجة!!


ورمقها بنظرة ما فأخذت تطالعه بإستفهام وقد نسيت ألمها...


بقيت تنظر إليه هكذا لبرهة حسبتها دهراً دون أن تتغير تعابير وجهه...


و لكن سرعان ما أن تغيرت تعابير وجهها هي بإمتقاع...


ابتعدت عنه لا إرادياً بفزع وهي تتمسك بظهر الأريكة:


- كلا، أنا، أنا...


وطأطأت رأسها للأرض ودموعها تتساقط بغزارة دون أن تحر جواباً.


- لقد صدق ظني إذن!!


رفعت بصرها إليه بإرتياع وأناملها على شفتيها المرتعشتين تمنعاها من الصراخ.


"ماذا!!"


- تحافظين على نفسك من أجله أليس كذلك؟!!


- .........................


واسودّ وجهه فجأة وهو يقول:


- أقسم وأنا لا أقسم إلا لماما أن ما تتمنينه لن يحصل، هي مجرد أيام يا "غدير" أيام فقطٌ بيننا..



شعرت بالدوار ينتابها، كانت على الهاوية، على شفا حفرة من الجحيم...


استندت بجذعها على الأريكة لعل الرعدة تتوقف وتتوقف أنفاسها التي انتفضت...


وبعد جهد استنفرت حواسها وهي تضغط على مخارح ألفاظها بصعوبة:


- ط..طلقني، هذا أفضل لي و...لك أرجوك!!


وعادت لتبكي بتقطع...


عقد حاجبيه فبانت عيناه أكثر حدة، أشدّ قسوة:


- أتخالينني سأطلقك أو شيئاً من هذا القبيل يوماً ما؟!

- ...............................


ضرب كفاً بكف وهو يعلق بجفاء:


- أنتِ واهمة يا عزيزتي، فهذا من آخر المستحيلات.


- ....................


- يبدو أنكِ لا تعين ما أقولهُ أبداً، حبكِ له أفقدكِ صوابك وحكمتك، تعالي واقتربي هنا لأسمعك!!


ترنحت في وقفتها وهي تهز رأسها بضعف...


- أنتِ لا تسهلين الأمر على نفسك!!! لا تضطرني إلى فعل شئٍ لا أريده. صرخ بتهديد.


- ع...ع-مر، عمر. نادته بألم.


- لا تنطقي اسمي على لسانك مرةً أخرى، أنتِ تثيرين اشمئزازي.


- ع..مـــر. وأخذت تشهق وهي تغطي وجهها بكفيها وقد جثت على الأرض.


وأراد أن يخطو للأمام ليقول شيئاً لكنهُ عاد ونكص وخرج من البيت بأكمله!!!



وغاب القمر ......



=========



دخلت "ندى" إلى المكتب وهي تسب وتشتم وتمسح جبينها المتصفد عرقاً، وما أن رأتها "أشجان" حتى هرعت إليها وهي تصيح:


- لماذا فعلتِ ذلك يا "ندى"؟!


- أف، ماذا فعلت!! ردت بنفاذ صبر وهي تلقي بنفسها على الكرسي وتغمض عينيها بقوة.


- المدير قلب المكتب على رأسي بحثاً عنكِ وقد اتصلتُ بكِ عدة مرات لكن دون جدوى.


- أوه نسيت أن أشحن البطارية. وضربت على جبينها بخفة وهي تردف بسرعة:


- ألديكِ شاحن الآن؟!


- أنتِ في مصيبة وتسألين عن الشاحن؟! سألتها بإستنكار.


- مصيبة!! أعوذُ بالله، ما هذا الفأل السئ، أنا لا أحب التشاؤم في....


ولم تكمل عبارتها إذ سرعان ما حولت بصرها إلى تلك الأصابع التي تدق على سطح الطاولة من الخلف بغطرسة.


رمشت عينيها ببراءة وهي تقول:


- السلام عليكم أستاذ..


- .............


- أنا ألقيت السلام فلي 69 حسنة، وإذا رددت أنت تحصل على حسنة واحدة فقط، ألا تريد حسنات!!!


قاطعها وهو يزمجر في وجهها بغضب:


- كيف تركتها لوحدها في الطريق؟!

ازدردت ريقها وقد جفلت من نبرة صوته:

- من تقصد؟!


- أقصد "جميلة" فلا تتغابي..



"أنا غبية!!! ماذا عن اختبار "وكسلر" الذي طبقته على نفسي ونتج أني ذكية، من منهما الصادق؟! بالطبع الاختبار، إنهُ يريد أن يشكك في ذكائي ليس إلا هذا الغبي!!"



واستجمعت شجاعتها وهي ترد عليه بإندفاع وقد لوت فمها:


- لقد كذبت علي، قلتُ لها منذُ البداية ادفعي ديناراً واحداً ثمن البنزين ووافقت، وحين أتممنا العمل أخرجت لي 500 فلس، تصور!! قالت لي إن هذا ما تملكه فقط تلك الكاذبة البخيلة...


- أتتركينها في الشارع وفي عز الظهيرة من أجل 500 فلس؟!!


شهقت بصوتٍ عالٍ وهي تقول:


- وهل تعتبرها قليلة!! من أين لي ثمن البنزين كل يوم؟! أنت لا تعطيني راتباً رغم كل ما أبذله من جهد ومشقة في العمل حتى أنكسر ظهري، ووالدي فقير، نحنُ فقراء، لا نملك مالاً كثيراً كالذي في محفظتك!! تريدني أن أسرق؟!!


تطلع إليها بصدمة ثم ما لبث أن أخرج محفظته من جيب بنطاله وهي تراقبه:


- خذي هذه الـ 500 فلس المتبقية.


صاحت بإستنكار:


- 500 فلس!! أريد ديناراً كاملاً، تخالني أخذتُ منها شيئاً، لقد ألقيتُ حفنة النقود التي أعطتني إياها من النافذة!!


وبان على وجهه عدم التصديق فردت بمراوغة:

- أ..أ سأعطيها إياها بعد أن تعود، فمهما كان النقود نعمة من عند الله.


وتناولت منه الورقة الحمراء لتدسها في حقيبتها وهي تدافع عن نفسها بإيمان:


- لا تخالني مادية، أنا أكره النقود، إنها تحرق يدي!!


وابتسمت ابتسامةً عريضة...


نظر إليها من رأسها لأخمص قدميها وكأنهُ يقيم بعوضة فشعرت بالمهانة وابتلعت ابتسامتها.


- أين هي الآن؟!


ردت عليه والحقد يشعُ من عينيها:


- إنها بجانب محطة البنزين في منطقة "........" تشم رائحة البترول!!!


لم تبالي بنظرة الاستهجان التي اتسمت على وجهه وأردفت وعيناها تضيقان:


- ماذا أفعل لها؟! هي قالت لي أنها تحبُّ رائحته، أنت لا تعرفها مثلي، إنها من ذلك النوع المدمن على هذه الروائح، أحياناً أراها تجلب صمغاً وتشمّه وهي جالسة تحت الطاولة، أنا أخافُ منها، خذها مني نصيحة: أطردها وارتح منها.



- حقاً!!! لقد قالت لي كلاماً آخر، قالت أنكِ هددتها إن لم تدفع ستلقينها إما في "الصخير" حيثُ لا أحد هناك أو ستلقين بها في المحطة المليئة بالعمال الهنود.


- أنا خفتُ على الجمال الموجودة في "الصخير" أن تموت عندما تركبها تلك السمينة ثم هي كاذبة فلا تسمع لها بل صدقني أنا. ردت بإنفعال.


- أنتِ لا جدوى منكِ إطلاقاً في أي شئ، هيا قومي معي لنجلبها.


- من؟! أنا!!


- أجل أنتِ.


ضربت على صدرها وهي تصيح:


- تريدني أن أذهب معك في السيارة لوحدنا؟!! لو علم والدي سيذبحني لا محالة، و "عمر" و "وليد" سيسلخان جلدي وسأصبح مشوهة...


وأخذت تتخيل شكلها بعد الذبح والسلخ فصرخت بلا شعور:


- كلا، كلا مستحيل، ليس أنا، ليس أنا.


وانتبهت لنفسها وهي تصرخ، وأخذت تتلفت حول المكان فرأت "أشجان" وهي تغطي وجهها بالملف المهتز بين يديها..



تطلعت بإرتباك إلى المدير الذي كان يحدجها بنظرة شك وارتياب، فابتسمت له ببلاهة وهي تعلل بصوتٍ منخفض:


- كنتُ أقصد من هذا الكلام أنني من عائلة محافظة ليس إلا..


- بإمكانك أن تلحقيني بسيارتك.


- سيارتي نفذ منها البنزين، كم مرة قلتُ لك ذلك.


وأطبقت فمها وهي ترى وجهه يظلم فجأة فأطرقت للأرض بإستكانة...


- سأنتظرك بالأسفل. ردّ بحسم.


مطت شفتيها لفترة طويلة ثم زمته وهي تتابع طيفه الذي اختفى بسرعة..


تنهدت وهي تخاطب "أشجان":


- يا له من رجلٍ مريع!! الناس الآن باتت لا تبالي بالأخلاق!!


- وهل ستذهبين معه فعلاً؟!


- سأذهب، أتحسبينني أخافُ منه!! ردت بلا مبالاة.


ثم أخرجت مرآتها الصغيرة من حقيبتها وبعد أن استوثقت من منظرها زفرت وهمت بالإنصراف لكنها توقفت بعد بضع خطوات:

- أشجان..


- نعم!!


- لديكِ رقم هاتفي؟!


- أجل.


- وتعرفين الطريق إلى منزلنا؟!


- أجل أعرف.


- أنا أرتدي الآن سلسلة فضية بإسمي في حال قُطعت جثتي.


- لا حول ولا قوة إلا بالله.



ثم بدأ صوتها يتهدج:


- "أشجان" سلمي على أبي وأخوتي وقولي لهم أنني من حرقتُ القفص وهرّبتُ طيور الكناري!!!



وبكت الفتاتان وهما تتعانقان وقد اندمجتا في تلك اللحظة المأساوية.


وتركتها "ندى" بعد أن حملتها الأمانات الثقال!!! وحين نزلت وجدتهُ ينتظرها، فركبت في المقعد الخلفي.



أدار محرك سيارته مع أنغام "بحرين أف أم" فانتابها الذعر فصاحت:


- هيه أنت، أنا لا أسمع الأغاني الآن، لقد قاطعتها، من يسمعها لا يسمع ريح الجنة، لا أسمعها، لا أسمعهاااااااااااااااااا.


واستدار إلى الخلف وهو ينظر لها بإستنكار من هذا الزعيق المفاجئ..


وتمتم بشئٍ ما لم تسمعه وهو يوقف المسجل، فعادت لتستند على مقعدها وهي تتنهد بإرتياح، لكن السكون سرعان ما خيم حول المكان فاستفز حواسها، أخذت تتلفت في مكانها وهي تفتش عن جريدة، قصاصة ورق، أي شئ لكنها لم تجد أياً منهم، كانت السيارة نظيفة تماماً!!!



حنت بجذعها إلى الأمام وهي تصيح بالقرب من أذنيه:


- حر، حر، حرررررررر، أنا لا أستحمل الحر، شغل المكيف، الكريمات التي وضعتها على وجهي قد سالت.


وأوقف مكابح سيارته فجأة حتى كادا يصطدمان بالسيارة التي تسير أمامهم..


تراجعت إلى الوراء بسرعة وهي تسمع صوت سبابه وكلماتٍ لم تسمعها قط في حياتها من قبل...


أغلقت إحدى عينيها وهي تتلقى صراخه كالرشاش:


- أنتِ ماذا أيتها الحمقاء الغبية؟! لقد كدتُ أرتكبُ حادثاً بسببك، ألا تعرفين أن تتحدثي بهدوء!!


مدت فمها بإستياء وهي تتأفف بصوتٍ منخفض:

- ماذا كلامي لا يعجبكِ؟!

ردت بتذمر:


- بل يعجبني، كل شئ يعجبني، العمل يعجبني، سيارتك تعجبني، "جميلة" تعجبني، الطريق يعجبني، كل شئ!!!


وهزّ رأسه بإستنكار وهو ينظر إليها من مرآة سيارته...



فتحت حقيبتها وأخرجت لها "علكة" مضغتها بتأنٍ لعلها تهدأ، لكن العلكة تلكأت بين أسنانها وهي تتذكر حوادث اختطاف فتيات قرأتها في الجريدة من قِبل أرباب العمل وبقي مصيرهن مجهولاً حتى اليوم...



اختلست النظر إليه من المرآة لتستوثق من منظره، أيبدو من هؤلاء؟!



وتخيلته بلحية كثة وشارب طويل ذكرها بمجرمي الأفلام الهندية التي تُدمن على مشاهدتها ليالي الخميس فارتاعت..



أخذت بلا شعور تدق زجاج النافذة بقوة بأصابعها وهي تصيح:


- افتح النافذة، لا يجوز، سيدخل لنا الشيطان.


وبهت الرجل في مكانه، واستدار لها دون أن يوقف محرك سيارته وقد بدا وجهه محتقناً...


رد بصوتٍ مصرور وقد طفح الكيل منه:


- أنا الآن من سيفتح النافذة ولكن لألقيكِ منها أيتها الشيطانة المجنونة!!


- أنت "شِيطان سنداباد" الذي أراد قتل "شاروخان".... لا... مستحيل...


وأخذت تصيح بإنفعال فأوقف سيارته في زاويةٍ ما وهو في حيرةٍ كبيرةٍ من أمره..


"عمن تتحدث هذه المجنونة!!"


وارتفع صوت بكاءها وهي تضع كفيها على خديها...


- تريدين أن أوقف لكِ سيارة "أجرة" كي تطمئني ؟!


- كلا.


- تريدين أن تخرجي من السيارة؟


- كلا.


- تريدين أن أتصل بذويكِ؟!


- كلا.


- ماذا تريدين إذاً؟!


- سُق بسرعة كي نصل.


قالت ذلك وهي تمسح دموعها بطرف خمارها، فعاد ليقود والصدمة تعلو وجهه من تصرفاتها الغريبة، إنها ليست طبيعية البتة!!!


- هيه، أنت!! نادته بحدة.


وشعر بالخوف لأول مرة منذ أن ركبت معه.


- إذا وصلنا إلى هناك فلا أريدها أن تجلس بجانبي، دعها تجلس بجانبك أنت!!



وزمت فمها بتكبر وهي تعقد ذراعيها وتنظر للنافذة وكأن شيئاً لم يكن...


"غير معقول..غير معقول!!!!!" ردد في نفسه.



==========



تقلبت "شيماء" على فراشها وهي تضغط بوسادتها الأثيرية على رأسها علها تبعد طيف أسئلته المحرجة الذي ما فتأ يسألها عنها ظهر هذا اليوم....



ورغم ممانعتها إلا أنهُ ألح وأصر بحجة أن العلاج يقتضي ذلك!! كم كرهته تلك اللحظة وشعرت بالمقت ناحيته...


وحين سلمته ظرف الأشعة وفحوصات الأطباء السابقة تعمد أن يمسك يدها، أجل لم تكن بالصدفة، كان يقصدُ ذلك وعيناهُ الخبيثتان تشهدان بذلك....



كيف يجرؤ على ذلك، كيف؟!!!


لن أذهب إليه أبداً مرةً أخرى، أبداً، أنا لا يهمني الأطفال، لا يهمني إلا ناصر....



ولكن!!!!!



و دفنت رأسها في وسادتها بعد أن أرخت قبضتيها و بكت بصمت...


.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.


اشتعالات لم تهدأ بعد


و حنين بين حب و غدر


و جنون لم يعد له طاقهـ ..


متى تتساقط أقنعة الحقيقه؟


متى ترتوي روح ظامئه ؟


متى تشتعل تلك الشمعهـ ؟



============


taman غير متواجد حالياً  
التوقيع











رد مع اقتباس
قديم 31-05-11, 02:01 PM   #27

taman

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية taman

? العضوٌ??? » 62057
?  التسِجيلٌ » Nov 2008
? مشَارَ?اتْي » 6,430
?  نُقآطِيْ » taman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond repute
افتراضي

إلهــــــــي...


تركتُ الخلق طراً في هـــــــواكــــ


وأيتمتُ العيال لكي أراكـــــــــــــــ


فلو قطعتني بالحبِّ إربــــــــــــــــا


لما مال الفؤادُ إلى ســــــــــواكـ



{في القلب عرشك

يا سيدي، يا "حسين"}


=========


(14)


لاح هلالُ محرم كقاربٍ وحيد تائهٍ في لجة لا متناهية من الظلمات....


بدت السماء شاحبة، مائجة كمحيطٍ في عينيها السوداوين...


ابتعدت عن النافذة وهي تتنهد، وجلست على حافة السرير تنظر للباب بإستغراق...


أتجرؤ؟!!


و وقفت على قدميها بتصميم...

توجهت إلى غرفته و رفعت أناملها لتخدش بابه...

وقبل أن تطرقه انفتح على مصراعيه ولاح لها صاحب العينين الخضراوين..

تبخرت شجاعتها وهي تتراجع للوراء، أخفضت يدها وضمتها خلف ظهرها وهي تطرق للأرض.


قالت بسرعة وبصوتٍ هامس:


- أريد أن أزور خالي إن لم يكن لديك مانع.


وعادت لتتنهد وكأنها أزاحت حملاً ثقيلاً عن صدرها...


وانتظرت رده لكن لا جواب...


وأخيراً رفعت رأسها إليه بتوجس....


كان يجول ببصره حول ملابسها المكونة من قميص وبنطالٍ أسودا اللون ما خلا من ورود بيضاء صغيرة ناعمة زينت حاشيته...


خشيت أن يطلب منها أن تغير ملابسها كما حدث في ذلك اليوم، لكنها لن تقبل هذه المرة، هذا من معتقدات مذهبها بل من صميمها ولا يحق له أن يفرض رأيهُ عليها...


و رفعت نظرها إليه بتحدي لكن عيناه بدتا حينها خاويتان من أي تعبير، سأل بجمود:


- الآن؟!


- أ...لا، بل في الغد، كلهم يجتمعون يوم الجمعة.


وأوصد غرفته ولم يعلق وكأن في صمته الإجابة، فشعرت بالإحباط دون أن تدري السبب..


وسار عنها وهي تتابع خياله، فنادته بإنكسار :


- عمر!!


التفت إليها وهو يرفع حاجبيه بتساؤل:


- نعم؟!


ولم تدر ما تقول وحين أحست بطول صمتها أردفت:


- أريدُ أن أذهب هناك طيلة الأيام العشرة من محرم.


- لا مانع لدي حتى لو بقيتِ لديهم للأبد !!!


وصفق الباب خلفه...



===========


أينما رأته تحاشته وأخذت تمكث ساعاتٍ طوال في غرفتها على غير العادة، حتى أن "ناصر" لا حظ ذلك...


- ما بك؟!


- لاشئ..


- هل أنتِ مريضة؟! أتريدين أن أذهب بك إلى الطبيب؟


- قلتُ لك ليس بي شئ.


ونهضت من سريرها لكأنها تريد أن تثبت ذلك...


ابتسمت ابتسامةً باهتة و هي تقترب منه، وجلست على الكرسي بمحاذاته....


سألته بلطف:


- ماذا تقرأ؟!


- كتاب..


- ألا تسأم من قراءة هذه الكتب، أنا أفضل قراءة المجلات..


وأطبق ما بيده وهي يقول بتفكير:


- كيف أقولها لكِ يا عزيزتي، ولكن من المعروف- واعذريني- أن النساء رؤوسهن فارغة!!


- أنا رأسي فارغ!!


و مدت يدها لتضربه على صدره لكن قلبها لم يطاوعها فمست كتفه وكأنها تمسُّ ريشة، ردت بعتاب:


- هذا وأنا زوجتك وأمامك تهينني!!


- أبداً هذه ليست إهانة وإنما حقيقة..


وضحك بخفوت، أما هي فنظرت إليه بغضب في بادئ الأمر ثم ما لبث أن تلاشى وهي تراه يبتسمُ لها معتذراً:


- كنتُ أمزح معك..


- لا تتعب نفسك فلن أسامحك. ردت بدلع.


- هيا "شيووم" أنا آسف.


- تريدني أن أسامحك؟!


- هذا جل ما أتمناه.


- إذن أحضر لي هدية.


- فقط؟!


وأشار بأصبعه إلى عينيه وهو يقول لها بحنان:


- لو طلبتِ عيني فلن أتأخر..


نظرت إليه بحبٍّ جارف تجاوز حدود المكان والزمان...


كيف أغفلته، كيف سهت عنه، كيف لم تقدِّر ذلك القلب الذي طالما أغرقها بحنانه، بدفئه...


كيف تناست هذا كله في ذروة رغبتها بطفل!!!


وأخذ يتحدث و يعلق ضاحكاً وهي لا تسمع فقط تراقبه، تتأمله، هذا هو زوجها، أمسها ويومها ومستقبلها..


هو كل شئ بالنسبةِ لها، كل شيء...


وانتبه لشرودها فعلّق:


- بمن أنتِ سارحة الآن، أعترفي؟!


- لن أخبرك.


- إذن سأكمل قراءة كتابي.


- كلا، انتظر، كنتُ أفكر بك..


- ألم أقل أن رأسكن فارغ!!!


وابتسم، ولم تغضب هذه المرة بل أخذت تنظر إليه من جديد بحنو وهو يقلب الصفحات التي بين يديه...


أي خطيئةٍ كانت سترتكبُ بحقه؟!!!



============



بدا النهار صحواً، خالياً من الضباب ومن النجوم!!


الوقت يمر بطيئاً كسلحفاة كسول، حتى تلك الأشعة الذهبية المنتشرة في الأفق لا تلبث أن تتغلل لجسدك، تمنحك سمرة وشيئاً من الاكتئاب!!!


والحديث بينهما بات مقتضباً لكأنهما أصمان لا يتعاملان إلا بلغة الإشارات!!


الحياة هكذا لا تُطاق وقديماً قالوا: "جنة من غير ناس، ما تنداس"...

إنها تفضل الجحيم الذي يذيقها إياه على صمته، فعلى الأقل تحس بالحياة تدبُّ فيها، تشعر بأنها كيان موجود، وليس حطاماً رُكن على الرف...


أم تراه ذلك السادي قد صيرها مع الأيام "ماسوشية"!!!

و وصلا، وما أن توقفت السيارة حتى ترجلت منها دون أن تنتظره، ودفعت الباب الذي كان نصفه مفتوحاً...

ولجت إلى الداخل وابتسامة كبيرة على شفتيها وما أن رأتها "ندى" حتى هتفت بإسمها وهرعت لتعانقها...


وشعرت بالسعادة تغمرها وهي تراهم مجتمعين كلهم عدا، عدا "شيماء"!!!

وسألت عنها:

- أين هي؟!


- إنها تستيقظ متأخرة هذه الأيام..


والتفتت إلى خالها وهو يمد يدهُ إليها:


- اقتربي يا ابنتي، أريدُ أن أراكِ عن كثب، فلا أدري إلى متى يريد ابني "العاق" أن يخفيكِ عنّا!!


وجلست بجانبه وهي تطرق رأسها خجلاً...


- أخيراً أحضرتها هنا.. ردّ الأب بعتب.


- زوجتي ولا أستطيع الاستغناء عنها...


ورفعت رأسها بسرعة لتراه يبتسم وهو يصافح أخوته...


إنه يجيد أن يمثل جيداً...


دور السعيد!!


هي ليست مثله، لا تُجيد التمثيل لا هنا ولا هناك!!!


وتقدم من والده فسقطت عيناهُ عليها وسرعان ما تلاشت الابتسامة عن شفتيه...


انسحبت بهدوء، إلى الوراء، إلى لا مكان!!!


ووقف خالها ليعانقه وهو يربت على ظهره وهو يمازحه:


- لقد أصبحت نحيلاً...


والتفت إلى "غدير" وهو يسألها بلوم:


- ألا تطعمينه يا "غدير"؟!


وبدت وكأنها أخذت على حين غرة من سؤاله، بانت علامات الذنب على وجهها حمراء مهينة والعيون ترصدها لتتلقف إجابتها..


ماذا تقول لهم، أنهُ يأمرها بأن تعدَّ له طعاماً كل يوم وحين يجهز يرفض تناوله وهكذا دواليك!!


عضت على شفتيها دون أن تنبس ببنت شفه وهي ترمش عيناها بسرعة كأنها تريد أن تجعل منها ستاراً يحجبها عن الآخرين....


وأحست بيدين دافئتين على كتفتيها فسرت في جسدها رعدة كالتيار...


التفتت إليه خلفها و بلا شعور وضعت كفها على إحدى يديه، تستمد منها الأمان!!


وضع يده الأخرى على يدها وهو يضغط عليها بخفة:


- أنا و زوجتي أحرار، كفاكم فضولاً!!


وعادت الضحكات والهمهمات لتسري في المكان....


وابتعدت اليد هي الأخرى!!!



=========



- لم قلتِ له أنني من أريدُ ذلك؟!


- لم يكن ليأبه بي لو طلبته بإسمي، ثم ألم تقولي أنكِ لا تملكين قطعاً سوداء كافية في خزانتك!!


- أنتِ مستحيلة!!


- كفي عن الثرثرة، إنه ينتظرنا.


وتناولت "ندى" حقيبتها وهي تدفع "غدير" أمامها...


لم يكن "المجمع" بعيداً فسرعان ما وفدوا هناك...


سارت الفتاتان معاً يتبعهما "عمر" بصبر...


كانت "ندى" تقفز من محل لآخر وهي تجر "غدير" من يدها و تلقي عليها محاضرة عن الموضة وخطوط الأزياء!!!


- "ندى" لقد تعبت، فلنسترح هنا..


لكن الأخيرة لم تكن تسمعها، كانت تصوب عينيها بدهشة في زاوية ما...


- ماذا بك؟!

- تصوري من هنا!!!

- من؟!

- المدير!!! قالتها بصوتٍ عال.


- أخفضي صوتك، "عمر" وراءنا، ثم أين هو لا أراه.


- ذاك الذي يحتسي القهوة في "لاميزون دي كافيه".


- يوجد عشرات الأشخاص هناك، كيف لي أن أعرفه!!

- تعالي سأريكِ إياه عن كثب...


- ماذا عن "عمر"؟


استدارت "ندى" إلى ذاك الأخير وهي تشير إليه بأن يأتي:


- أخي العزيز سنذهب إلى ذاك المحل، صدقني هذا آخر مكان سندخله.


- كم مرة قلتِ ذلك!!


- عمر!!


- لقد تأخر الوقت، هي 5 دقائق إن لم تنتهي أخذتُ زوجتي وتركتك هنا..


- هي من تريد أن تذهب إلى هناك وليس أنا.



لكزتها "غدير" في ذراعها وهي تخاطبه بخجل:


- إنها تكذب، لم أقل ذلك.


ونظر إليها وعلى شفتيه وميض إبتسامة صغيرة لكن "ندى" قطعت عليهما المشهد وسحبتها معها وهي تخاطبه من بعيد:


- انتظرنا هنا، لن نتأخر.


و اختبئتا خلف عمودٍ كبير، قالت بصوتٍ منخفض:


- ذاك هو، الذي يعبث بـ"اللاب توب"، حتى في المجمع لا ينفك عن العمل!!


- آه، هذا هو المدير إذن، لا بأس به!!


- لأنكِ لا ذوق لكِ، هذا أفظع وأسمج رجل عرفته بعد "براد بيت"!!


- من هذا براد بيت؟!


- جارنا الذي يسكن في البيت المجاور!!


- هيا لقد تأخرنا، "عمر" سيغضب.


- لا عليكِ منه، ما دمتِ معي فلن يقول شيئاً...


واستدارت "غدير" إلى حيثُ تركاه، كان مندمجاً في حديثه مع أحد الأشخاص...


أحقاً ما تقول؟!!


وتأملته في وقفته تلك وقد نست ما حولها

بالفعل هو لا يرد لها أي طلب، ليتهُ يبقى لطيفاً هكذا للأبد!!


- انظري...


وضحكت "ندى" بخفوت:

- يبدو أنها أفلتت من شرطة الآداب..

ونظرت "غدير" إلى حيثُ التفًّ الناس حول شقراء طويلة، ملابسها كانت حدِّث ولا حرج!!


- كأني قرأتُ مرة قانوناً ينص بالحد الأقصى لطول "التنورة"... علقت "ندى".


- إنها فاتنة جداً..


- أنا أحلى منها!!!!

ثم أردفت:

- اسمعي دعينا نذهب لأحد حراس الأمن ونبلِّغ عنها..


- هذا أحدهم، قد انضمّ مع المتفرجين!! ربما كانت نجمةً سينمائية؟!


- ليست كذلك، أنا أعرفهم كلهم.


وصدت للجانب الآخر وما لبثت أن شهقت بصوتٍ عالٍ:


- انظري كيف يطالعها قليلُ الأدب، عديم التربية..


- من؟!


- ومن غيره!! المدير...


- وما شأنكِ أنتِ؟!


- ما شأني؟! أهذا سؤال تسأليني إياه، هذا مديري، مديري أنا ألا تفهمين؟!


وتابعت بحرارة:


- ثم، أنسيتِ نحنُ نعمل معه ومعظمنا فتيات، إذا تفتحت عيناهُ الآن على هذه المرأة فربما ستتفتح عيناهُ علي وهذا هو الاحتمال الأكبر!! ثم على بقية الفتيات!!!!


- !!!!!!!


- سأفضحه، سأخبر كل من معنا في العمل عن سلوكه المشين!!


- أين ستذهبين أيتها المجنونة؟!


- ألا ترينه، يكادُ يقفُ لها كلما مرت بجانبه، اتركيني سؤأدبه، سأريه من هي "ندى"..


وأفلتت من قبضة "غدير" وهي تمشي كالسيل الهادر...

و وصلت إلى طاولته وهي تدقُّ الأرض بقدمها اليمنى، قالت بصوتٍ مصرور:


- ألا تخجل من نفسك؟! رجل في مركزك وسنك ينظر لهذه الأشكال...


وأجفل من وجودها المفاجئ أمامه هكذا...



ضربت يداً بيد وهي تردد:


- رجال آخر زمن، آخر زمن، تتظاهرون أمامنا بالشرف والأدب وحين نغفل عنكم ولو لثانية أظهرتم وجهكم الحقيقي..


- ......................



- وأنا أتعب نفسي يومياً أمام المرآة ولم تقل لي شيئاً مرةً واحدة حتى لم تكن تنظر إلي!!!


- .....................


- أتعرف كم أتكبد في بداية كل شهر وأنا أتبضع في السوق كي أشتري شالاً بلون حذائي..


ورفعت قدمها قليلاً لتريه حذائها الزهري:


- ألا تراه جميلاً؟!! ألا يعجبك ذوقي؟!


أخذ يطالعها مصعوقاً دون أن توقف لسانها...


- ثم ماذا بها كي تنظر إليها دوني أقصد دون الفتيات المحترمات، أتعتقد أن عينيها فعلاً زرقاوان، كذابة، كذابة، ثم كذابة، تلك عدسات ملونة، كلها صناعية محقونة بـ"البوتكس" و "الكيلاكوجين"، أما أنا فمحلية مائة بالمائة...




ثم استدركت وكأنها تذكرت شيئاً ما:



- ماعدا رموشي، فلقد سقطت من العقص واستخدام الماسكرا والسبب أنت!!!



وصاحت بصوتٍ عال:


- أجل أنت، لا تنظر إليًّ هكذا، قالوا رموش العين تذبح وسقطت رموشي كلها وأنت كالجمل في مكانك...



- !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!



- أرجوك لا تبرر ولا تكلمني، ما بيننا قد انتهى والسبب عيناك الفارغتان، أرجوك يكفي لا تحاول معي..



ولوت شفتيها بقرف وهي تعطيه ظهرها وبقيت هكذا برهة ثم عادت لتستدر وعيناها نصف مغمضتان:

- وداعاً..



وسارت عنه كما جاءت وآلالاف الشياطين تتراقص أمام عينيها حتى أنها تجاوزت "غدير" دون أن تشعر....


ولم تنتبه لها "غدير" هي الأخرى، كانت عيناها شاردتان في "عمر" الذي يبدو أنه تناسى وجودها ووجود أخته وأخذ يحدق في تلك المرأة الشقراء كبقية الرجال...


وغاص قلبها، شعرت بأنها تهوي وتعود لتطفو مرةً أخرى على رمالٍ لا قرار لها...


وأشتعل شئ في صدرها، شئ غريب، غريب ومهين في آنٍ واحد!!



وتمنت لو أنها لم تأتي إلى هنا، بل الأسوأ أنها تمنت لو أن زوجها لا يملك عينان!!!!


وقبضت على حقيبتها بقوة وهي تقاوم الاضطراب الذي يعتمل بداخلها، حزينة وغاضبة، ثائرة وخامدة، كنبعٍ فوار في بركةٍ آسنة كانت هي تلك اللحظة....



وسمعت صوتاً يناديها فالتفتت لندى:


- أنتِ هنا وأنا أبحثُ عنكِ في كل مكان...


- .....................


- لم تسأليني ماذا فعلتُ به!! لقد أدبته!!


"يا لحظك، ماذا عن ذاك؟!!"


- تصوري لم ينبس ببنت شفه، يبدو أنهُ خجل من نفسه...


- ....................


- أتعتقدين أنهُ سيقول لي شيئاً في الغد عما فعلتهُ اليوم، لا أتصور سيفضح نفسه حينها..


ثم أردفت بقلق:

- لقد صرختُ عليه، ولكن إذا واجهني سأنفي كل شئ، سأنفي حتى أنني رأيته بالمرة!!


- ما رأيك يا "غدير"؟!


- لم لا تتكلمين؟! أين عمر؟!!


"إنهُ هناك لم يخفض عينيه عن تلك المرأة ولو لبرهة، نسيني منذُ أن رآها"..



- لقد رأيته، هيا تأخرنا فلنذهب بسرعة قبل أن يحدث شئ لا تُحمد عقباه..



"ماذا بعد ذلك؟!"...



وسارت معها بإنكسار و بشئ من خفي حنين ووصلوا إليه دون أن ينتبه، مسّت "ندى" كتفه وهي تقول بعجل:


- هيا، لقد انتهينا من الشراء..


- لا أرى في أيديكما شيئاً..


- سنأتي يوماً آخر، لم تعجبنا بضاعتهم!!!


والتفت إلى "غدير"، كانت تطالع الأرض دون أن تسمع ما يقولا..


خاطبها بقلق:


- ما بك؟!


- ..........


- غدير!!


ورفعت رأسها وهي تنظر لعينيه الخضراوين بألم:


- لا شيء..


- هيا بنا إذن..


وركب الثلاثة السيارة صامتين، كلٌّ سارح في خطى أفكاره....


وما أن نزلت "ندى" حتى عاد ليخاطبها من جديد:


- ما بك؟!


- قلتُ لك ليس بي شيء. صاحت بعصبية.


رفع حاجبيه بدهشة ثم هزّ رأسه وهو يتابع القيادة..


و مدّ يده ليضغط على زر المسجل وكانت نشرة الأخبار...


وانقطت النشرة فجأة فطالعته بحدة وهي تقول:


- رأسي يؤلمني، لا أريدُ أن أسمع شيئاً!!!


وما أن وصلا حتى خرجت بسرعة دون أن تغلق الباب، لحقها وكانت بإنتظاره!!!

ألقت بحقيبتها على الأرض، فسألها بإستنكار:


- ماذا جرى لكِ هذا المساء!!


- ماذا جرى لي أم ماذا جرى لك أيها المحترم!!!


- أنا لا أفهم شيئاً مما تقولين..


انفجرت في وجهه وهي تنظر له بإزدراء:


- تخالني لم أرك كيف تنظر إليها؟!


- عمن تتكلمين؟!


- عن تلك المرأة التي لم تبعد ناظريك عنها منذُ أن دخلت..


- أنا لم أرى أحداً ولم التفت لأحد.


- لا تكذب..


- انتبهي للسانك..


- بالطبع ستنكر، فهذا طبعكم دوماً، الغش والخداع يجري بدمائكم..


- لا يهمني إن صدقتني أم لا... ردّ بنفاذ صبر.


- لم لم تذهب إليها أو ربما أخذت رقمها دون أن أدري!! وغطت وجهها وهي تبكي بصمت.


وأمسكها من ذراعها وهو يصرخ بشراسة:


- قلتُ لكِ لم أفعل شيئاً.


- أنت كاذب..


- اخرسي..


وانكمشت في مكانها وهي تغمض عينيها بقوة...


أردف وهو يصيح:

- وحتى لو كنتُ أنظر إليها فعلاً فهذا من حقي!!


فتحت عيناها وهي تردد كلامه بإستنكار:


- من حقك؟!


- أجل من حقي..


- أنسيت أنك متزوج؟!


- حقاً، لم يخبرني أحد بذلك من قبل!! قالها بسخرية.



وهدأت ثائرتها قليلاً وهي تفرُّ بنظراتها للأرض...


وأردف وهو يتأمل تعابير وجهها بإنتباه شديد:


- وليكن بمعلومك أنني أفكر جاداً بالزواج بأخرى.


ورفعت وجهها الذي أحتقن فجأة وهي تردد دون تصديق:


- ماذا؟!


- ما سمعته يا عزيزتي..


- كلا، لن تتزوج، لن تتزوج. صاحت بجنون.


- آسف، لم تتركي لي خياراً آخر، لا تقلقي لن أطلقك، سأبقيكِ على ذمتي معززة ومكرمة هنا أو عند والدي إذا شئتِ!!



أسمعت عن الدجاجة التي ترقص ألماً؟!


وكأنّ مسّاً أصابها من كلماته التي رنّت في أذنيها كالسندان، أخذت تضربه على صدره بما تبقى لها من قوة، كانت تشهق بتقطع وهو واقف بلا حراك ينظر لها بإهتمام...


أمسكت ياقة قميصه بكلتا يديها وبكاءها يرتفع:


- لن تتزوج أسمعت!!


- أمنعيني إن استطعتِ. ردّ بهدوء.


مسحت أنفها وهي تقول بتهديد:


- سأخبر خالي، سأخبره بما تودُّ فعله.


وبرقت عيناه بغضب:


- أتخالينني طفلاً كي تهددينني بوالدي؟! لا تضطرني أن أفعلها والآن!!


- لن تقدر، لن تجرؤ... صرخت.


ورفع أصبعه في الهواء بتصميم:


- والله العــ....


وضعت يدها بسرعة على فمه بإرتياع قبل أن يكمل...


نظرت إلى عينيه بتوسل ودموعها تذرف بملوحة وبمرارة تمرغ بها قلبها...


لكن عيناه قالتا شيئاً آخر، لا زالتا صلبتان، لم تستجيبا لتوسلها الصامت...


وتهاوت يدها إلى جانبها بضعف وكادت أن تهوي هي الأخرى لكنهُ أمسكها فدفنت وجهها في صدره وهي تنشج بصوتٍ خافت كنشيج الميازيب في مواسم المطر!!



حينها فقط أطبق عينيه بألم...



"سامحيني يا عزيزتي، كان لا بد أن أقول هذا، ليس من أجلي فقط بل لأجلك، لا زلتِ صغيرة ولا تفهمين!!"..




==========




- "جميلة".."ندى" كفاكما. صاحت "أشجان" بيأس.



لم تبالي "ندى" بصياحها وأردفت وهي تغرز أصبعها في جيد "جميلة".



- اشكري ربكِ لولاي لكنتِ جثةً مجهولة الهوية!!


- لولاكِ أم لولا خوفك من المدير لأنهُ حينها كان سيطردك شرّ طردة.



شهقت بصوتٍ عالٍ وهي تضع كلتا يديها على خصرها:


- سيطردني؟! كم أنتِ واثقةٌ بنفسك، يا عزيزتي المدير لا يقدر أن يستغني عني ولو للحظة واحدة، وكل طلباتي لديه أوامر، أتسمعين!!



ضحكت "جميلة" بجفاء وهي ترد بسخرية:


- لا يستغني عنك؟!! لا أدري من تلك التي يمسح بها الأرض يومياً وكأنها ذبابة، لا شي!!


- أخرسي يا مدمنة "الحشيش".


- أنا مدمنة "حشيش"، أشهدي عليها يا "أشجان" أمام المدير عندما يأتي، وأمام الشرطة لأني سأشتكيكِ بتهمة القذف والتشهير العلني.


كتفت "ندى" ذراعيها وهي تعلق بإستهزاء:


- أخفتني، بُصيلات شعري ستسقط رعباً من تهديدك.


وأردفت بصوتٍ مصرور:



- أنتِ ومديرك والشرطة تحت حذائي هذا ولو أنكم لا تساوون فردةً واحدةً منه!! وبإشارة واحدة من أصبعي سفرتكم إلى بلادكم لأنكم لا تبدون "بحرانيين" مائة بالمائة، لا بد أنكم من المجنسين!!!



وشعرت بلكزة خلفها فأخذت تحكُ ذراعها وهي تتابع:


- لا تنظري إليّ هكذا أيتها البلهاء الغيورة، أجل غيورة لأنني أجملُ منكِ وأصغر سناً والكل يحبني حتى مديرك المغرور وإن أظهر خلاف ذلك!! لو رأيته البارحة كيف كان يلاحقني في المجمع لكنني...


وعادت اللكزة أقوى من السابق فاستدارت للخلف وهي تتأفف:


- ماذا لقد حطمتِ ذ.....


ولجمت لسانها وفمها مفتوح تطالع الخيال الذي ظهر أمامها فجأة بذهول، وحين استوعبت شخصه صرخت صرخةً قوية زلزلت المكان...


وقطعت صرختها وهي تغطي وجهها بكفيها و تدورُ في مكانها كالعمياء...


وداست على قدم "أشجان" دون أن تدري ولم تعتذر رغم صراخ تلك الأخيرة، كانت الصدمة قد شلت حواسها وهي تستعيد في مخيلتها ما قالته عنه..



- قفي مكانك.. صاح فيها بغضب.


وجمدت في مكانها كتمثال وكفاها لازالا يحجبان وجهها.


- ويدكِ أيضاً أبعديها!!


وامتثلت لأمره وعيناها نصف مغمضتان، فبان لها ذقنه ورقبته فقط...


- إذن نحنُ لا نساوي فردة حذائكِ الثمينة ونحنُ من المجنسين أيضاً بإعتقادك؟! أليس هذا ما قلته يا آنسة!!


بللت شفتيها وهي تقول بهمس:


- أبي صدمته شاحنة البارحة و و..زوجة أخي ستلد، أجل ستلد اليوم!!!


- .................


- برأيك ماذا ستنجب ولداً أم بنتاً، حقيقةً أنا أفضل البنات، ماذا عنك؟!



وحاولت أن تبتسم لكن وجهه المكفهر حطم معنوياتها فازدردت ريقها وهي تقول بتقطع:


- أنا..أنا مريضة، الطبيب شخص حالتي وقال أنني أعاني من شئ غريب لم يكتشفوه بعد، أتصدق!!! سترك يا رب...



وقضمت أظافرها وهي تردد هذه العبارة في سرها بحرارة..



ورفعت رأسها وكأنها تذكرت شيئاً مهماً:


- هل سمعت هذا الخبر: حزب الله قرر قصف "تل أبيب"..


- ....................


- خبر قديم، أعرف...


- آه، حلا شيحا تطلقت من زوجها، لكن ربما لا تعرفها.


وتوقفت عن القضم وهي تقول بتباكِ:


- أريدُ أن أذهب للحمام.



وأرادت أن تخطو إلى البعيد قليلاً لكن جذعه كان لها بالمرصاد..



وأشار إلى مكتبه فكادت تخر مغشياً عليها وهي تندبُ حظها العاثر:


- غداً، غداً إن شاء الله سآتي مع والدي لنحل الموضوع.


وبكت في خاطرها بصمت، وسمعت صوته يسخر بقسوة :


- والدك في المستشفى الآن، أنسيتي؟!



أدارت وجهها المضطرب في وجه "أشجان" الذي بدا صغيراً جداً، بدا ضبابياً!!!


ثم التفتت لجميلة كان وجهها جامداً هذه المرة، لم ترى ابتسامتها الشامتة على شفتيها!!


حتى هي تشفق علي، سترك يا رب!!



وسارت إلى الأمام وقد مرًّ في ذهنها صورة معزة صغيرة ذبحها والدها بجانب بيتهم عندما انتقلوا إليه لأول مرة، وبعدها قاطعت اللحوم، رفضت أن تأكله لبضع سنوات لكن الوجبات السريعة حلت لها تلك العقدة...



"مسكينة أيتها المعزة"!!! رددت..


taman غير متواجد حالياً  
التوقيع











رد مع اقتباس
قديم 31-05-11, 02:11 PM   #28

taman

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية taman

? العضوٌ??? » 62057
?  التسِجيلٌ » Nov 2008
? مشَارَ?اتْي » 6,430
?  نُقآطِيْ » taman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond repute
افتراضي

لا أشتكي عليكَ للخلاّق
تمنعني يا سيدي أخلاقي

لكنني أدعوهُ أن يجعلني
أقوى على احتمال ما أُلاقي

حتى يظلّ لي أذاك راسماً
لي صورة الجبّارِ والعملاقِ!!!


=============


(15)



دخلت إلى مكتبه قبله و صوت الباب يُصفق خلفها بعنف..


صرّت عينيها و أذنيها بقوة...


و أخذت تدعو في سرها و تنذر عشرات النذور كي تسير الأمور على خير!!


جلس على مقعده الوثير وأصابعه تدقُّ على سطح الطاولة...


كانت الدقات تزحف إلى رأسها ببطء وقوة كدقات المطرقة على المسمار...


واستمرّ الدق هكذا وبدا سيد المكان تلك اللحظة...


فتحت إحدى عينيها المزمومتين بتوجس لتستشفّ معالم وجهه، لكنها لم ترى شيئاً!!!


لم ترى غضبه، غطرسته، أوداجه التي تنتفخ كلما رآها!!!


فقط كان يطالعها بإزدراء!!


فتحت كلتا عينيها وهي ترمشهما بسرعة وقد بهتت من نظرته تلك...


و رأته يسحب ورقة من على المنضدة و يكتب فيها بسرعة...


و هوى قلبها....


أرادت أن تتقدم لعلها تسترق شيئاً مما يخطه بيده، لكن رجلاها تجمدتا من الخوف...


تحركت شفتيها بإضطراب و أخيراً سألتهُ بصوتٍ غائب:


- ماذا..ماذا تكتب؟!


- ..................


- تكتبُ شيئاً عني، صح؟!!


- ..............


- صدقني، أنا لم أقصد أن أقول شيئاً مما سلف، أصلاً أنا لم أقل شيئاً!!!


- ...............


- هي من تحرضني، هي من تدفعني لقولِ ذلك، إنها تستخدم جهازاً ما بالتنويم المغناطيسي، لا أعرف اسمه، يجعل شفتاي تتحركان بما لا أعلم، إنها "ساحرة"!!!



ورفع رأسه حينها لها فأسبلت عينيها وهي تتظاهر بالإستكانة و الضعف...


لكنها سرعان ما سمعت جرة القلم تعود من جديد...



"لا فائدة من هذا الظالم، لا فائدة منه!!!"



عادت لتقول بإستعطاف:



- أرجوك، لا تضيع مستقبلي، أريد أن أتخرج هذا العام...


- ...........................


- أعدك أنني سأحسن سلوكي، سأتوقف عن الكذب، عن التمثيل، سأصادق "جميلة" أيضاً إذا شئت!!


- ..........................


- لا تكتب عني شيئاً، أنا لا ذنب لي، أنا خلقني الله هكذا، لكنني سأتغير، سأتغير بصدق...


- ........................



- إذا علم والدي سيمرض، سيتقطع شمل عائلتنا، هم بحاجة لي، كلهم يعتمدون علي، أيرضيك أن نشحذ؟!!



و انطلق صوت بكاءها ليرتفع وهو لا يتوقف عن الكتابة!!!



أخذت تطالعه بحرقة وعيناها تكادان تقفزان من محجريهما من بروده...


- أليس لديك إحساس؟!


- ....................


- لقد أذليتُ نفسي لك أكثر من اللازم!!


- ...................


- حتى البكاء بكيت، ماذا تريدُ أكثر من هذا؟!


- ....................


- قلتُ لك توقف، توقف عن الكتابة!! صاحت بتهديد.


- اصمتــــــــــــــــــــي ....



وصرخ بغضب وهو يلقى القلم الذي بيده في الهواء...


تابعته بفزع وهو يتدحرج على الأرض ويصل لأصابع قدمها....


نقلت بصرها بين القلم وصاحبه وهي تقول بخوف:



- أستاذ أنا....


- قلتُ لكِ أغلقي فمك، عندما أتكلم لا أريد أن يقاطعني أحد، صوتك هذا لا أريد أن أسمعه، مفهوم؟!!



هزت رأسها بذل...


- أنا للآن لا أعرف أنتِ ماذا بالضبط!! أنا لم أصادف في حياتي العملية و التي ناهزت الاثنا عشر عاماً موظفة مثلك!!



- بالطبع مثلي أنا لا يوجد، أتصدق!! الكثيرات يقلدنني ولكن أين الثرى من الثريا!! وأشارت لنفسها بحماس وقد نسيت نفسها.



تحركت عضلة صغيرة أسفل فمه وبدا كما لو كان يصارع شيئاً يودُّ قوله..



- أعوذُ بالله بالشيطان الرجيم..


- أنا شيطان؟!! سألته بإستنكار.


- اخرجي، اخرجي فوراً من هنا. صرخ بنفاذ صبر.


- لم تصرخ علي دائماً، ماذا فعلتُ لك؟!!


- ألا تفهمين ما يقال لكِ من الوهلة الأولى؟! أأنتِ صماء؟!


- حسناً سأخرج، لكن ماذا عن هذه الورقة ؟! كتفت ذراعيها.


- تريدين أن تعرفي ما بها؟!! سأل بتشفٍ.



عادت لتهز رأسها بسرعة..



مدّ الورقة إليها فأخذت تقرأها بنهم وعيناها لا تتوقفان عن الرمش، وبعد برهة امتقع وجهها وهي تطالعه...



صاحت بصوتٍ عال:

- ماذا؟!


- هذا أقل شئ تستحقينه!!


ردت بحقد:


- أستحقه؟! كل هذا لأني قلتُ عنك كلمتين!!



- تعترفين بذلك أيضاً يا قليلة الأدب..




- أنا قليلة الأدب يا حيوان!!!!



ووضعت يدها على فمها وهي تشهق بصوتٍ مكتوم....


تمنت أن تموت، أن تنشق الأرض وتبتلعها، أن يصاب المدير بالصمم لحظتها!!


ربما لم يسمع، لم يسمع!! أخذت تكرر في نفسها..


و تراجعت إلى الوراء وهي ترى وجهه يُظلم، يكفهر...


أخذت تتأتأ بإرتجاف:


- لا..لا تفهمني بشكلٍ خاطئ، هذه نظرية علمونا إياها في المدرسة.


- ......................


- أنت حيوان وأنا "ندى" و الناس حيوانات، ألم يقل "داروين" الإنسان حيوان ناطق!!!!


- ......................


- إذا كنت لا تصدقني سأحضر لك كتاب "الفلسفة" غداً.


- إذن اسمعي يا "حيوانة" منذُ الغد، لا بل منذُ اليوم سيطبق القرار، عملك هنا ينتهي الساعة التاسعة مساءاً ، وما أن تبدأ الفترة الثانية حتى تأتي إلى مكتبي كل يوم لأعلمك وأدربك فلدي أكوام من الملفات لا بد أن أنهيها، وأنتِ من فصيلة الحيوانات وتحتاجين للتدريب كي تفهمي!!!


- ....................


- تريدين أن أكرر عليكِ الكلام أم يكفيكِ هذا؟!


- ....................



- أريد أن أسمع جواباً، يكفي أم لا؟! صرخ بغضب..



و ألقت الورقة بسرعة من يدها وفرت من أمامه وهي تبكي بمرارة...


و تلقفتها "أشجان" في الخارج وهي تربت على ظهرها بحنو...


- هدئي من نفسك، هو دائماً هكذا. قالت بصوتٍ منخفض.


نزعت نفسها منها وهي تصرخ:


- هو حقير، ذاك هو..


- "ندى"!!


وأشارت إلى "جميلة" بحركة خفيفة لكنها لم تبال واستمرت في صياحها:


- تخيلي ماذا يريد أن يفعل بي؟!!


- ماذا؟! سألت "جميلة" ببراءة.



فما كان منها إلا أن أزاحت "أشجان" عن طريقها وهي تقترب والشرار يتطاير من عينيها...



وضعت "ندى" أصبعها على فمها وهي تردد بتهديد:



- أصمتي، أنتِ السبب، أنتِ السبب في كل شئ..


تراجعت "جميلة" إلى الوراء بخوف وهي تنظر "لأشجان" بإستنجاد.



- "ندى" كوني عاقلة.



استدارت إليها وهي تعود للبكاء:


- عاقلة!! سيحبسني لديه كل يوم حتى المساء، كل يوم، كيف سأتحمله!!


- تحلي بالصبر، لم يبقى الشئ الكثير على فترة تدريبك. أخذت تواسيها.


صاحت بوعيد:


- لكنني سأجعله يندم، يندم على اللحظة التي وضع فيها هذا القرار، والأيام بيننا...



واتجهت لمكتبها والفتاتان تراقبانها بوجل وما أن استقرت عليه حتى طالعتهما بجمود وهي تعضُّ على شفتيها بقوة...


وتلكأ لسانها كثيراً قبل أن ينطق:


- أأنا من فصيلة الحيوانات؟!!


وعادت لتنفجر في البكاء من جديد...


==========



تطلعت إلى نفسها في المرآة بقلق وهي تعيد تصفيف شعرها ربما للمرة العاشرة لهذا اليوم!!!



إنها تكره أعمال الزينة، تمقتها، تشعر بأنها تقيدها، تجعلها مصطنعة، كدميةٍ مشدودة!!!



و مرت صورة "الشقراء" أمام عينيها فعاد الغضب الأعمى ليمزقها من جديد، ليفقدها صوابها ويأجج النار التي لا تلبث أن تتقد في صدرها كل حين...



وألقت فرشاة شعرها بيأس...


إنها لا تستطيع أن تكون مثلها، ليس في هذه الفترة على الأقل!!!


ولمَ تحاول ذلك أصلاً؟!!


لم يا "غدير"، ماذا جرى لكِ، بتّ تكشفين أوراقكِ له وهو يستمتع بذلك...


يفتعل معكِ المشكلات ليذكركِ بها وبتلك التي ينوي الزواج بها، ثم يترككِ تحترقين وهو يبتسم!!!



ماذا جرى لكِ أيتها الغبية، إلى أي مدى ستجركِ حماقتك، أوراقك لا بد أن تدفنيها كما تدفنين دفترك وتهيلين عليها التراب وتصمتي، تصمتي للأبد!!!


غرزت أصابعها كأنها تودُّ أن تُفيق نفسها من هذا الكابوس المريع، الكابوس الذي يقضُّ مضجعها ويحيل لياليها سواداً حالكاً لا نجوم فيه...


جلست على حافة السرير مطرقةً رأسها....


الأفكارُ تعصفُ بها كدوامة، كدائرة مفرغة لا قرار لها، ها هي تسمع صوت باب حجرته...


سيخرج، سيخرج منذُ الصباح، دائماً يخرج ولن يعود إلا متأخراً...


وتريدونها بعد ذلك أن تصمت!!!



ألقت نفسها على السرير وجسدها يهتز بصمت...


ماذا جرى لكِ يا غدير، ماذا جرى؟!!!



==========



سكبت لها عصير البرتقال وهي تنظر للخارج من نافذة المطبخ مستمتعةً بإرتشافه على جرعات...


حين يتحد الصباح مع الهدوء ينفرزُ في ذاتك شيئاً ما، شيئاً لا تعرف كنهه، لا تستطيع وصفه...


شئ جميل وشفاف، شئ يشبه الصفاء، يشبه النقاء، يلامس سريرتك، يهزُّ أوتارها فينبعث منها هدوء، راحة، سكينة عجيبة....


ما أجمل الصباح، وما أروع زقزقة العصافير حين تدغدع مسمعك!!!


وبقيت هكذا مأسورةً بجمال المنظر، بروعة الشمس والشجر والعصافير!!



وبقي هو واقفاً عند الباب يتأملها بغموض...


وكأنها أحست بإحساس الأنثى بتلك النظرات، فاستدارت للخلف....


- صباح الخير.


وصمتت فترة قبل أن تتمتم بصوتٍ منخفض و حاجباها معقودان:

- صباح النور.


ووضعت كأسها الذي لم تتمتع بإحتساءه بأكمله بجانب الحنفية، ومرت بجانبه لكنه لم يتزحزح عن الباب.


- لو سمحت!! قالت بإستنكار.


تنحى قليلاً وهو يعلق:


- يبدو أنكِ نسيتِ موضوعنا!!


- أي موضوع؟! سألته بشزر.


- موضوع الفحص!! لقد وصلت أدواتي المختبرية منذُ أسابيع...


- أنا و زوجي "ناصر" لا نفكر حالياً بالأطفال. ردت بحزم.


تطلع إليها بتثاقل وهي تبادله نظرة كراهية لم تفته..


- كما تشاءان، وإذا غيرتما رأيكما فأنا موجود..


مرّت من فرجة الباب دون أن تجيب عليه...


صعدت السلم وأحساسها بالقرف منه يتصاعد...



يا لهُ من رجل يُثير الغثيان!!!



===========




قفزت مذعورة من صوت صراخه....


أغلقت باب غرفتها خلفها وهي تتلفت بحيرة ماذا تفعل وأين تختبئ، فلا تدري أي شيطانٍ ركبهُ اليوم؟!!!



لم تجد إلا الفراش ملاذاً، اختبأت فيه وهي تغطي نفسها، حتى إذا جاء ظنها نائمة وانتهى اليوم على خير!!!!



كم هو جميل أن نحلم، وكم هي صعبة أن تتحقق الأحلام....



دفع باب غرفتها وهو يصرخ:



- غدييييييييييييييييير...



تقدم منها وهو يهزها:



- أنتِ، ألا تسمعين قومي، كيف تنامين في الظهيرة؟



أبعدت الغطاء عن وجهها وهي تسأله بتقطع:


- أ..أ..ماذا، ماذا حدث؟


- أين قميصي الأخضر؟



رفعت كتفيها بخوف بأن لا تدري.


حدجها بغضب وهو يزمجر:


- اذهبي وابحثي عنه فوراً.


- حـ..حسناً.


- هيا قومي، ماذا تنتظرين؟


وفزّت من جلستها ودمدمته تصل لأذنيها:



- لا أدري لم تزوجت؟! ويقولون الزواج راحة!!!



اتجهت للغسالة، فتشت بسرعة وهو خلفها لا يزال يدمدم.


- ليس هنا..


- اذن أين ذهب، كيف اختفى هكذا فجأة؟!


- ألبس لك شيئاً آخر.


- لا أريد إلا هو.


- لا تصرخ علي، لستُ أنا من ضيعه.


- صه، أصرخ كما أشاء في بيتي، أم لديكِ اعتراض يااا آنسة؟!



وشرد ذهنها قليلاً...


لم يريده هو بالذات!!!!



- يبدو أننا لن ننتهي من أحلام اليقظة اليوم، هيا...



دفعها أمامه حتى غرفته، و بقي هو واقفاً عند الباب وهي تبحث في خزانة ملابسه:



- ملابسي مكوية، إذا تجعدت أو لم تعيديها لمكانها ستضطرين إلى كيها من جديد.



نظرت إليه والغيظ يكاد يفتتها، ودت لو تقطعه هو وملابسه!!!



أي أسلوبٍ بات يتبعه معها هذه الأيام!!


كيف انتقلت الدفة إلى يده؟!!



كله بسببها، تلك الشقراء الفارغة..


- لم أجده، ليس هنا..


- ابحثي جيداً...


وجالت ببصرها حول الغرفة وتوقفت عند طاولة الزينة...


رفعت إليه القميص والدهشة تعلوها:


- كان هنا أمامك ولم تره؟!!



- لو كنتُ رأيته لما ناديتك، أعطنيه.


لقد سلبت عقلك، أصبحت لا ترى الآن!!!


لا تراني ولا ترى ما يدور حولك...


تطلعت إليه بألم وهي تسأله بمرارة:


- أين ستذهب ؟!


- وما شأنكِ أنتِ!!


- أريد أن أذهب معك، أنا لا أخرج أبداً من هنا..


- كل ليلة أوصلك إلى بيت خالك..


- و أين تذهب حينها؟!


- ومنذُ متى تسألين!!


- منذُ اليوم سأسأل..


- أذهب للمكان الذي يحلو لي، ولعلمك أنا لا أحب التدخل في خصوصياتي..



- هذه ليست خصوصياتك وحدك، أنت تريدني أن أبقى جاهلة عمياء لا أعرف شيئاً عما يدور من ورائي!!!


- وما الذي تعتقدينه يدور وراءكِ يا آنسة؟! سألها بسخرية.


- لا تنادني هكذا. صاحت بغضب.


- اسمعي أنا متعبٌ الآن من العمل، ولا طاقة لي للشجار.


- إذن ابقى في البيت.


- لقد وعدتُ أصحابي بالقدوم.


- أصحابك؟!



أخذت تكررها و هي تضحك بجفاف:


- لا تقل لي!! كل هذا الصياح والبحث المتحمس عن القميص، كل هذا من أجل عيون أصحابك!!


- أفهميها كما تشائين، وسواء صدقتِ أم لا فأنا رجل أهتم بمظهري الخارجي في كل الأحوال!!


- أنت كاذب منافق، غشاش. صاحت بإنفعال.


- غدير!! صرخ بتهديد.


- لا تنطق اسمي على لسانك، أنا أكرهك، أكرهك.


- اخرجي الآن قبل أن يحدث شئ لا تُحمد عقباه!! رد بصوتٍ غاضب.


كان صدرها يعلو ويهبط بإختناق، والثورة تدبّ في أعماقها كإعصار يريد أن يجرف كل من يقف أمامه بجنون...



- أخرجي، أريد أن أغير ملابسي..


الأفكار تطحنها والوسواس الخناس لا يلبث أن يتراقص أمام عينيها، لا يلبث أن يهمس أذنيها بكلمات، باتت هاجسها الأخير...



تطلعت فجأة إلى الكأس الموضوع على المنضدة ودون شعور تناولته:


- ارتده الآن، سيبدو لائقاً!!!


وانسكب الماء على القميص وعلى جزءٍ من ثيابه...



تطلع مصدوماً إلى نفسه ولها لثانية، وبلا شعور مدّ يدهُ هو الآخر!!!




ورنّ في الغرفة صوت صفعة قوية استقرت على الخد مباشرة دون سابق إنذار..



رفعت أناملها المرتجفة إلى خدها لتتحسسه، لتتحسس السياط الذي كوى جلدها...



رفع يده إلى شعره بتوتر كما لو كان في حالة اعتذار...



ترقرقت الدموع من عينيها وهي تنظر إليه وتهزّ رأسها دون تصديق...



صفعها من أجل قميص؟!!



كلا، ليس من أجل قميص، بل لأجلها، لأجلها هي أياً كانت...




و هرعت إلى غرفتها وهي توصدها خلفها بالمزلاج...



وانزلقت أسفل الباب، على الأرض وأجهشت بالبكاء...



=============




دقت الباب عدة مرات ورغم أنها سمعت كلمة "أدخل" إلا أنها كررت الطرق وبصوتٍ أعلى!!!



وانفتح الباب على مصراعيه فحدجت الواقف أمامها بحقد ودخلت مباشرة وفي يدها ملف أبيض اللون..


و سمعت الباب يُغلق بعد لحظة فعاد الألم بقوة إلى معدتها...



- اجلسي. ردّ ببرود.


لكنها بقيت واقفة كالتمثال دون أن تنبس ببنت شفه!!



عاد إلى مقعده وهو يعبث بأدراجه دون أن يحول عينيه عنها..


- ستبقين واقفة هكذا إلى متى؟! ردّ بنفاذ صبر.



لا جواب!!!!


وانتفخت أوداجه وهو ينظر إليها بغضب وهي تكتفي بالرمش فقط!!!


وضع يديه بتصميم على سطح المكتب واستطالت قامته في وضع الوقوف...



اهتزَّ الملف الذي بيدها ونظرت إليه من طرف عينيها وما هي إلا ثانية حتى هرعت إلى الكرسي لتجلس عليه!!



عاد إلى مقعده وهو يتنهد...



وقال بعد قليل:



- سنبدأ في جرد حسابات "المخازن الكبرى" أولاً، أنتِ ستقومين بـــ.....



و توقف عن الكلام وهو يراقبها...



كانت تضع قدماً على أخرى وتتصفح الملف الذي بيدها بتمعن، وفي كل حين ترفعه حتى يلاصق وجهها وهي تحرك رأسها!!!


- هل أنتِ مختلة عقلياً؟! سألها بإرتياب.


- .........................


- ماذا في يدك؟!


- ..................


- لم لا تتكلمين؟! أأصيب لسانك بالشلل!!!


- ................


وضرب بقبضته على الطاولة:


- أعطنيه، لعنةُ الله على الشيطان!!



وتطلعت إليه ببلاهة وهي تشير إلى الملف بإصبعها..

- أجل، أريدهُ هو، جيد أنكِ تفهمين!!



ولمعت عيناها ببريقٍ ما سرعان ما أطفأته...


رفعت الملف عن حجرها وهي تمسكهُ لأعلى....


حركت يدها ناحيته لكنها سرعان ما أنحرفت بسرعة وأفلتته على الأرض!!!


فتحت فمها بدهشة وهي تهزُّ كتفيها كأن لا دخل لها، وهو جامدٌ في مكانه، مصعوق!!!



أمالت بجذعها وألتقطته ومدت يدها لتمسح جبينها وهي تلهث من التعب!!!



ثم زفرت وعادت لتشير إلى الملف بإصبعها....


ولم يُجب....


فعادت لترفعه إلى أعلى، إلى أقصى ما تستطيع وهي تنظر للملف بتفحص، ولوت فمها كأن شيئاً لم يعجبها فيه فأسقطته!!!


التفتت إليه وفمها مفتوح، عيناه تكادان تخرجان من محجريهما من منظرها...


عادت لتنثني من جديد وتلتقطه و تمدهُ ناحيته!!!


أطرق رأسه قليلاً وكأنهُ في حالة تفكير عميق...


ثم وقف فجأة فقفت هي الأخرى وهي تمدُّ الملف بأطراف أناملها، لكنهُ لم يأخذه بل دار نصف دورة حتى أصبح بمواجهتها...


وقبل أن تستوعب سحب الملف من يدها ولفه بأصابعه وهوى به على كتفها ...



صاحت وهي تتراجع إلى الوراء وتمسك كتفها:


- أ تضربني أيضاً؟!!


- لأن الحيوانات هكذا، لا تفهم ولا تتكلم إلا بالضرب!!


- والله سأخبرُ والدي عنك والشرطة..


- تخبرينهم بماذا؟!


- أنك مددت يدك علي.. صرخت وهي تدقُ الأرض بقدمها.


- وأين شهودك؟!


شهقت دون تصديق...


- أنت لا تطاق، لا أريد أن أعمل معك..



- اذهبي للوزارة الآن لتغيري مكان تدريبك إن كنتِ تقدرين.



أخذت تندب حظها العاثر وهي تصيح بحرقة:


- أنا لا دخل لي، أريد أن أعود للبيت، كلهم عادوا إلى بيوتهم عداي أنا، كلهم يتناولون الغذاء وأنا جائعة، كلهم نائمون الآن وأنا أعمل وأعمل وأعمل وفي النهاية أُضرب ويُقال عني أني من "الحيوانات"!!!


- إذا أنهيتِ جرد كل هذه الملفات سأُعيدك إلى مكانك.


- أحتاج لسنة كاملة كي أنهي أوراق الزبالة تلك. ردت بإشمئزاز.



تطلع إليها بشزر وهو يصرُّ على أسنانه:



- اسمها أوراق العمل وليس أوراق الزبالة، كفي عن التحدث بسوقية..


- أصبحتُ سوقية أيضاً؟!! وأخذت تصيح.


لم يبالِ بصياحها وأردف:


- ثم كلما عملتِ بجد وإخلاص ونشاط حقيقي ستُنهينها في أسابيع..



"أنا لا أقدر أن أتحملك يوماً واحداً ما بالك بأسابيع!!"



- هيا عودي لمقعدك لنبدأ وكفي عن تصرفاتك الخرقاء!!



"اصبر علي فقط، لن أكون "ندى" إن لم أجعلك تعضُّ أناملك ندماً لأنك وضعتني معك في مكانٍ واحد!!!"




==============



أحنت جذعها لترتدي نعليها ولم تشعر إلا بيد تمس ظهرها...


رفعت رأسها فوراً بوجل...


- آسفة إن أخفتك، كيف حالك يا ابنتي..


وابتسمت "غدير" ابتسامةً كبيرة وهي تصافخ المرأة بحرارة:


- أنا بخير، كيف حالكِ أنتِ؟!



- الحمد لله على كل حال..


ثم هتفت بسرعة:


- ماذا عن والدتك، هل أبلت من مرضها؟!!


- أمي؟!! تساءلت بدهشة.


- أجل والدتك، كانت مريضة وعلى فراشها المسكينة حين زرتها آخر مرة.


"أمي مريضة!!"


وشعرت بالإثم يعقد لسانها...



الغصة ترتفع، تتضاعف جرعتها، و الذنب يبدو جلياً ونظرات المرأة تشهد على ذلك...



" مريضة وأنا لا اعلم!!"



أرجوكِ اصمتي، ومنذُ متى كنتِ تسألين، ألم تتوقي إلى الفكاكِ منها ومن صورتها المهشمة الضعيفة!!!



ألم تريدي الخلاص، النسيان، أليست هي أول بصمة سوداء في حياتك، أليست هي السبب يا "غدير"؟!!


لم السؤال إذن؟!!


هي أيضاً لم تبالي، حضرت عرسك وخرجت وكأن ليس هذا بزفاف ابنتها...



ربما منعها، ربما جاءت خلسة وعادت قبل أن يكتشف غيابها ذاك السكير!!



لا... لا تبحثي لها الأعذار..



لا أب لكِ، إذن لا أم لكِ!!



هكذا هي المعادلة منذُ الأزل!!


وتجاوزت المرأة والكلمات تطنُّ في أذنيها كدبيبُ نحلة...



المصائب لا تأتي فرادى أبداً، تأبى إلا أن تأتي كلها وعلى حين غرة...


مريضة!!!



وماذا في ذلك، كلنا نمرض وهي كبرت في السن!!



ماذا بعد ذلك؟!!



ستموت!!!



كلنا سنموت اليوم أو غداً، لا فرق!!!



لم الحزن إذاً، لم الرثاء؟!!



دع الخلق للخالق وسر في طريقك وحدك واصمت...



اليوم وغداً ووراء الشمس ستسير وحدك، اعتد منذُ اليوم ولا تنظر للوراء...



مريضة!!!



ماذا تريدونني أن أفعل؟!



أزورها مثلاً!! أهذا ما تريدونه؟!!



كلا لن أفعل، لن أفعل أسمعتموني، لن أفعل...



لا أريد العودة إلى هناك، لا أريد أن أذكر أي شئ، أي شئ...



ربما كان رابضاً هناك وأنا تقتلني رؤيته..



أنا لا ماضي لدي، كله ضاع، تمزق، ألقيته خلف ذاكرتي..


خلف الشمس!!!


ماذا تريدونني أن أفعل ها؟!!



قلتُ لكم لا، لن أزورها، لن أفعل...



أمي أنا مريضة!!!!


هراء!!!

من قال ذلك؟!!



و وصلت لشقتها بذهنٍ غائب...



الأنورار مطفأة والسكون يتراقص بخفة حول المكان...


مدت أناملها لتتلمس مفاتيح الكهرباء...



لتضيء المكان وشيئاً من روحها الهائمة، المنغمسة في الظلام...



لم يعد حتى الآن وربما لن يعود!!!



هذا أفضل، أنا لا أريد أحداً، فليذهبوا كلهم للجحيم!!!



وأنا من وراءهم!!!



وألقت بنفسها على سريرها وهي تدفن وجهها في وسادتها التي طالما تشربت دموعها، امتصت آلامها، همست لها بأسرارها وحدها..


ما أوفاها هذه الوسادة!!!



و تركت لنفسها العنان وهي تجرُّ الدثار عليها...



لم الحياة هكذا دوماً؟!!



كحركة المد والجزر...



ترفعك حيناً وتهبطُ بك حيناً آخر...



لم هذا الكلام يا "غدير"، منذُ متى وكنتِ تقدمين آراءك عن الدنيا!!



أعترفي، جاهري بما في جعبتك...



هي السبب، هي، لم تمرض، ولم تأتي تلك المرأة لتخبرني بذلك؟!


استغفر الله، أتعترضين على أمر الله...



يا عزيزتي: لا يُغني حذرٌ من قدر...



أنا لا أشعر بالأسى حيالها، لا تهمني، ألا تفهمون، لذا لا تصدعوا رأسي بهمساتكم تلك...


صه، صه، صه أنا لستُ أكذب، أنا قلبي مات، مات منذُ زمن، مات وكان من الأحق أن يأدوه منذُ ولادتي، كان لا بد أن يدفنوه أو يدفنوني!!!



بلا قلب أنا أفضل، بلا قلب أنا أعيش!!!!



أمي ماتت، ماتت منذُ زمن وكفى...


ماتت وانتهى أمرها بالنسبة لي!!!



ثم يأتي هو...


إذا تواجدت هي، فتش عن "هو"!!



ذلك الكاذب، القاسي، صفعني لأني كشفته، فهمته..



تريد أن تتزوج، فلتتزوج إلى الجحيم أنت ومن تريدها!!



فقط كفّ عن ترديد ذلك على مسامعي...



لا تخالوني أغار، لا تخالوني أحبه...


ما لكم تنظرون إليّ بريب؟!



قلتُ لكم لا أحبه ألا تفهمون، مثلي أنا لا يعرف الحب، ومثله لا يستحق أن يُحب ذلك الغشاش!!!



ولكن انتظر....


قبل أن تتزوج بأخرى، طلقني فأنا لم ولن أريدك...



أتسمع، طلقني، تخالني سأبكي عليك إن أخذتها وطلقتني؟!!



ذاك ما أصبو إليه، ذاك جلُّ ما أتمناه....



لن أذرف عليك دمعةً واحدة، ولن أغضب، بل سأدعو لك ولها بالتوفيق...



قلتُ لكم كفو عن التطلع إلي...




أنا لا أبكي لا عليها ولا عليه!!!



أنا لا أحمل في قلبي شيئاً...



لا أحمل إلا شقائي!!



وأجهشت بالبكاء وهي تعصر الوسادة بيديها...



ولم تنتبه أنهُ كان مستنداً منذُ زمن على الباب، يشاهد الجسد المهتز من تحت الدثار، يسمع تلك الشهقات المنفلتة رغم الوسادة المحيطة بها، يشاهد هذا كله و هو يقف ساكناً!!!



وانطلق الصوت بعد برهة بهدوء، بخفوت كخفوت ذلك الضوء الشارد من القمر عبر زجاج النافذة...


- غدير!!!


وتوقف الرأس عن شجنه فجأة وكأن الصوت وحده كان كفيلاً بتجميده!!!




.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.



يوماً ما، أجل يوماً ما !!!


taman غير متواجد حالياً  
التوقيع











رد مع اقتباس
قديم 31-05-11, 02:23 PM   #29

taman

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية taman

? العضوٌ??? » 62057
?  التسِجيلٌ » Nov 2008
? مشَارَ?اتْي » 6,430
?  نُقآطِيْ » taman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond repute
افتراضي

أغوصُ في عينيكِ كي أراكِ
فابقي بلا صوتٍ ولا حراكِ

عيناكِ يا قارئتي تحدّتا
حرفي فهبّ الحرفُ للعراكِ

لا تقرأي إلا الجلي واحذري
من الخفي فهو كالشراكِ


==========



(16)



كل شيء ساكن، كل شيء يصيغ السمع لصوت أقدامه على الأرضية!!


سقطت ظلاله عليها، شعرت بثقلها، بوطئتها كما لو كانت تتغلل عظامها، تسري في جسدها كالتيار!!!


لكنها لم تُزح رأسها، لم ترفعه، لازالت الوسادة الأثيرية تحتضنه، تحيطه كسياج!!!


وجلس على حافة السرير فاهتزَّ قلبها في عرشه...


- غدير!!!


لا صدى، لا صوت، لا إجابة!!



وضع يده برفق على كتفها وهو يردف بهدوء:


- أعلم أنكِ مستيقظة، فلا تتظاهري بالنوم!!


كفت عن التنفس، أم لعل الهواء انعدم، تلاشى، تسرّب كذلك الضوء الشارد الذي تسلل للغرفة دون استئذان!!




- أريد أن أعتذر عما بدر مني ظهر هذا اليوم...



وعادت لها ذكرى الصفعة، ذكرى الإهانة، ذكراها هي!!



من أين جاء؟!


دفعت يده بعيداً عنها دون أن تنظر إليه وهي ترد بصوتٍ مبحوح:


- ابتعد عني..


تنهد وبعد برهة صمت قال:


- أنا آسف، لم أكن أقصد، أحياناً لا أتمالك أعصابي..


- لا أريد أعتذارك، لا أريدُ شيئاً منك، من فضلك أنا متعبة..



وتهدج صوتها، اختنق في حنجرتها لكنها جاهدت كي يبقى موؤداً، في طي الكتمان...



- أرجوك لا تبكي، أقسم أني نادم على ذلك..


رفعت رأسها بسرعة، بأنفة لتواجهه:


- أنا لا أبكي.


- لا تكفين عن الكذب أبداً!! وهذه الدموع التي تغرق وجهك!!


- أنا عائدة للتو من "المأتم".. أجابت بعصبية.


- ومن أوصلك إلى هناك؟!


- وما شأنك أنت؟!


- غدير!!


- أنا لا أحب أن يتدخل أحد في خصوصياتي كما لا تحب أنت، أسمعت؟!


- ما هذا الكلام الأحمق!!


- هذا كلامك أنت!! و منذُ اليوم سأفعل ما يحلو لي، أنا لم يعد يهمني شئ، أي شيء!! أخذت تصيح.




جرها من ذراعها عنوة للأمام حتى بات وجهها قريباً من وجهه...



تلاقت عيناهما معاً، شعرت بأنها حطام، هشيم، يذوي بسرعة، يتردى في العاصفة ويتهاوى بضعف..



نسيت كل غضبها، كل العذاب الذي سببهُ لها فقط وهي تغوص في عينيه...



أيضحك علي؟!



لاحت ابتسامة ضئيلة على شفتيه وهو يهمس:



- يبدو أن الغيرة أفقدتكِ صوابك!!



صرخت وهي تحاول أن تسحب يدها وتبتعد وقد أصابتها كلماته بالهلع.


- اترك يدي.



أردف دون أن يعبأ بصياحها و بأنفاسها المتقطعة:



- تهربين، دائماً تهربين، لم تخافين من نفسك؟!


هزت رأسها نافية وهي تردد بإختناق:


- أنا لا أفهم ما تقول!!



أمسكها من كتفيها وهو يهزها :



- انظري إلي، صارحيني، أفهميني كيف تحبين آخراً وتغارين علي؟!!



- أنا..أنا...أغار؟! كلا، كلا..



ونزعت نفسها وهي تضمُّ يديها نحو صدغها بخوف....


- كاذبة لا تُجيد الكذب!!


- أنا لا أكذب، ولا أريدك أن تكلمني، أخرج من هنا..



أخذ يتأملها بنظرة عميقة وهي تشيح وجهها بإضطراب دون أن يستقر على جهةٍ محددة...


- كف عن التحديق بي هكذا.. صاحت بصوتٍ مبحوح.



- ستخبريني بكل شيء يا "غدير" يوماً ما، أجل أنا واثق من ذلك..



- ليس لدي شيء لأخبرك إياه ألا تفهم؟!



- سنرى!!!



ثم أردف بثقة عجيبة:


- سنستأنف حياتنا كأي زوجين، وأنا مستعد أن أنسى الماضي، أنسى كل شئ ونبدأ من جديد...




"الماضي ننساه!!! كيف لي أن أنسى؟!"



وتطلعت إليه والخوف يغزو قلبها، لم هو واثقٌ من نفسه تماماً هكذا؟!



لكن لا، لا يستطيع لا هو ولا غيره أن يجبرها على شيء، حتى الكلام!!!



- والآن من أعادك إلى هنا؟!



أجابته دون شعور:


- ناصر.


- لمَ لم تقولي لوالدي؟!!


- .....................


- غدير!!


- هاا. ردت بشرود.


- لمَ لم تقولي لوالدي؟


- خالي ينامُ مبكراً..


- لم لم تتصلي بي، أتخالينني سأرفض؟!


- أنا لا أجدك لا في البيت ولا على الهاتف. ردت بألم.


- ستجديني إذا شئتِ أن تجديني!! وابتسم بحنان...



رفعت رأسها إليه والعذاب ينضح من وجهها...



تلك النظرة العميقة في عينيه والصوت الحالم...



لم هذه الثقة، أجبني؟!



ألا تعرف أن "عمر" و "الغدير" لا يجتمعان أبداً؟!!



هكذا هم منذ الأزل، هكذا كتب التاريخ!!!




وأين نحنُ والتاريخ، أين نحن وما خطهُ الزمن!!





وقطع صوته خيالاتها، بعثرها، وضعها بعيداً هناك، في أقصى المكان...




- غداً سأوصلك، وكل ليلة تقريباً قبل أن أسافر..




أتراها سمعته يقول "سيسافر" أم أن ذهنها قد ارتحل، سافر هو الآخر مع خيالاته، اختبأ في تلك العينين العميقتين!!



- تسافر!!



وتطلعت إليه بكل جوارحها، تطلعت إلى عينيه، شفتيه، إلى خلجات وجهه لعلهُ يكذب ما تسمعه، يفنده، أو يأخذ روحها معه!!!



- أجل سأسافر...



- ستسافر!! عادت لتكرر دون تصديق.


- لقد اتفقتُ مع الرجل ولم يبقى إلا أن أذهب هناك!!



- لمَ و أين؟! و غاب صوتها عن الوجود...



- إلى سوريا بعد 5 أيامٍ، أما لمَ فأنتِ تعرفين!!!



سوريا!!!



ورأته، إن كانت ترى اللحظة!!



رأتهُ يميل عليها ويمسك وجهها بين يديه وهي جامدة، ذاهلة عما حولها...



طبع قبلةً طويلة على جبينها ثم همس:



- تُصبحين على خير يا عزيزتي!!!




ونهض وهو يغلق الباب خلفه بخفوت!!



أبقي في العقل شيء، أم أن الجنون أصل كل الأشياء!!!



وضعت خدها على الوسادة ببطء وهي تغمض عينيها...



إنها تريد أن تنام، لا تريد أن تفهم شيئاً و لا أن تذكر شيئاً!!



ستنسى كل شيء وتنام، فغداً لا بد أن تستيقظ مبكراً وترحل!!!



أجل ترحل....



و مدت أصابعها المرتجفة لتتلمس جبهتها الدافئة، أبقتها هكذا طويلاً ربما لتتزود من حرارتها في أيام شتوية قادمة!!!



وانحدرت دمعة.....


تراقصت بخفة على خديها، ولمعت كذلك الضوء الشارد من النافذة!!!!



=============



كانت يدها اليمنى موضوعة أسفل ذقنها وهي تراقب المدير بعينين تنعسان كل حين....



" ألا يسأم هذا الرجل أبداً؟! أهو آدمي فعلاً أم آلة!!! لا يتوقف عن العمل لحظة، بالطبع يريد أن يكنز أكبر قدر من المال، لا بد أن حسابه يحوي عشرات الآلاف من الدنانير!!


عشرات الآلاف؟!! بل ربما وصل إلى مليون دينار، ومع ذلك لا يقدرني ولا يعطني شيئاً، ألا يعلم أنني مفلسة، ماذا سيضره لو أعطاني 100، 200، أهذا كثير؟!!"


ولكن...


"ما جاع فقير إلا بما متع به غني"، وأنى لهذا الظالم أن يشعر بي...



وتنهدت بصوت مرتفع لعلهُ يسمعها!!!



يا ربي ملل فظيع، إنه لا يتكلم جملتين كاملتين معي...



كم اشتقت للثرثرة مع "أشجان" ، حتى "العقربة"، أرجوكم لا تصفوها هكذا!!!


كم أفتقدها، افتقد الشجار معها، قالب الثلج الموضوع أمامي حرمني من كل شيء...



حتى العطور والمكياج الخفيف حُرمت منها بسببه، تعرفون أنا بدون شيء ألفت النظر ماذا لو وضعت شيئاً؟!!!



آه، مشكلة، كل شيء مشكلة، ولكن هذا المدير أكبر مشكلة في حياتي!!!




أنا معتادة على النوم ظهراً في هذه الساعة، دماغي تبرمج على هذا، لا أستطيع أن أقاوم النعاس، لكن أخاف أن يصرخ علي كما حدث بالأمس، جعل قلبي يقفز في مكانه ولم أعد إلى طبيعتي إلا بعد أن أفرغت زجاجة مياه معدنية كاملة في جوفي!!!!



كدتُ أموت بسببه، كل شيء يحدث بسببه، كان سيقضي على شبابي، قضى الله على الشيطان وعليه!!!!



و عاد النعاس ليُداعب عينيها بخفة ورأسها يتثاقل وهي تقاوم....



وأحست بشيء يدغدغ أصابع قدمها فأخذت تحركها بضيق...


ويبدو أن هذا "الشيء" كان مصراً على إزعاجها و حرمانها هو الآخر من النوم ولو للحظات!!!


حنت جذعها وهي ترمش أهدابها المتثاقلة بخمول...


تطلعت إليه وهو يتحرك بحركاتٍ عشوائية وكأنهُ يبحث عن أمرٍ ما...


رفعت رأسها بسرعة إلى المدير المنهمك في عمله بصدمة ثم صدت للأرض بنفس السرعة...


و ندت من فمها صرخة قوية وهي تبتعد عن الكرسي وتنفض ملابسها كالمجنونة...



أجفل المدير في مكانه، ترك ما بيده وتقدم منها:



- ماذا؟!


- صرصار، صرصار ركب على ثيابي. صرخت بفزع.


- أريني..



- تريدني أن أريك ثيابي؟!! صاحت بإستنكار.



- أنا قلتُ هذا؟! سأل بدهشة.



أردفت من علو وهي تحك قدمها بفعل القشعريرة:



- من تظن نفسك؟! أبي، أخي، زوجي لا سمح الله!!!



ونظر لها بنظرة لو كانت تنطق لسطرت:



هذا من آخر المستحيلات!!



ثم هزّ رأسه وتوجه إلى مقعده وعاد لينهمك في عمله تاركاً إياها تغلي...



نظرت إليه دون تصديق وهي توشك على تقطيع نفسها...



"مستحيل، هذا ليس من البشر إطلاقاً، إنهُ لا يحس، بارد كالثلج!!"



- أين تذهب؟! ابحث عنه واقتله...



- لا شك أنهُ مات الآن بعد هذا القفز كله!!!



فغرت فاهها والقشعريرة تقطع أوصالها كلها....



- مات في ثيابي!!!!


- يجوز..



"الصرصار مات في ثيابي أنا؟!!"



تقدمت منه بغضب وهي تضرب الطاولة بيدها:



- أنا لن أبقى في هذا المكان المليء بالحشرات!!


- .............................


- اليوم صرصار، غداً أفعى والله أعلم ماذا أيضاً!!


- ..........................


- أريد أن أعود لمكتبي.



- قولي هذا منذُ البداية.. ردّ بهدوء دون أن يرفع ناظريه عن الأوراق.



- والآن؟!


- أجلسي مكانك واعملي. ردّ بحزم.


- ماذا؟!


- كما سمعتِ يا آنسة. وعلت نبرة صوته.


- أنت ظالم، ظالم.. أخذت تصيح بحرارة.


- أبكي هناك، لا أريدُ إزعاجاً!!!



وتوقفت عن الصياح وهي تعضُّ أناملها دون شعور....



- عودي لمقعدك، لا أحب أن أرى أحداً واقفٌ على رأسي..




وانفجرت في الصياح وهي تجلس على كرسيها رغماً عنها...



ولكن....



لا حياة لمن تنادي!!!



=========




استندت على الباب بتعب وإحدى يديها ممتدة لضغط الجرس منذ فترة ليست بقصيرة...




الرياح تعصف وتنثر الغبار حولها و القشة تتمايل بعودها النحيل، ما لها والحضور هنا، مالها وعكس التيار!!!



أخفضت يدها، باتت ترتعش كثيراً ولا تجدي أي نفع والجو عاصف لا تحتمله...



وانتابتها قشعريرة فالتصقت أكثر بالباب....



مال هذا الباب لا يُفتح!!! لطالما كان يفتح ويُغلق في وجوه الناس في اللحظة ذاتها!!!




ما بالهُ الآن أوقفَ حركته تماماً؟!!



أتعود من حيث أتت؟! ومن أين أتت أصلاً؟!



حيث يُجهز ضريحها بصمت، حيثُ يرفع نعشها بهدوء ويُطاف به بين الزوايا، لا تخافوا سأُضع قريباً في لحدي!! إنها مجرد أيام...بضعة أيام ليس إلا، ألم يقل هو ذلك!!!




الرياح تهدر بلا رحمة والباب لا يُفتح وهي تستكين على خشبه بخنوع....



وسمعت حشرجة القفل فكادت تسقط.....



أمسكت الجدار أرادت أن تلتحم به أو تختفي!!!




و تعلقت عيناها على الشبح الواقف أمامها....



كان قصيراً و ممتلئاً...


لازال قصيراً ولكن أين ذهب الجسد؟!!



أخذ يتأملها كما تتأمله لكنهُ كان أسرع منها...



سرعان ما تجاوز الدرجات الرفيعة وغاب بهدوء مع الرياح، في نفس الاتجاه!!!!



ولجت إلى الداخل وعيناها تسقطان سهواً على المكان، حيثُ عاشت سنين حياتها...



خلعت نعليها ومشت حافية على الرمال كعادتها في باحتهم الكبيرة...



وأحست بالراحة لأول مرة منذ أن وطئت هنا، راحة قديمة، بعيدة كالنجوم...



وانساقت إلى شجرة اللوز الضخمة المزروعة بتحدي، ضاربة بمحاولات "حميد" في قلعها عرض الحائط....



لا أخضر ولا يابس!!



ماذا يريد إذن؟!!



غريب أن تُثار الذكرى، كل الذكرى من مجرد النظر...



أما نحتاجه هو ومضة، ومضة صغيرة فقط لينفتح الصندوق، صندوق الذاكرة؟!!



أم أن الأشياء مخزونة هكذا في كل الحواس؟!!



و تركت الجذع، لطالما تركته، وأخذت تبحث عنها...



عن "هي"!!



ولم تدخر جهداً في البحث عنها....



كانت هناك، لطالما كانت هناك تطبخ وفي كل الأحوال!!!



- السلام عليكم...



وبدا لها أن والدتها لم تسمع صوتها الخافت فعادت لتلقي بالتحية من جديد لعلها تلتفت...



و سقطت الملعقة الكبيرة، تهاوت كما تهاوت تلك المرأة الخمسينية على الأرض!!!!



القلب الجزع يدمي، يتقطع هو الآخر وتلك المرأة تناديها، تفتح ذراعيها الرخوين لها.....



منذُ صغرها وهي لا تُجيد لغةالإشارات، لم تفهم معنى أن تُحِب و تُحَب، إنها لا تعرف كيف أن تُعبر عن مشاعرها لأحد، هكذا هو قلبها مغلفٌ بجمود!!





وانساقت لها رغماً عنها، رغماً عن جهلها بالإشارت، رغماً عن قلبها الجامد!!!!



ارتمت في حضنها وهي تتشبث بها بقوة والأخيرة تمسح على رأسها وتحيطها بذراعه الآخر....


رفعت وجهاً أضناهُ السهر، قرحهُ البكاء:


- سامحيني، لم أكن أعلم أنكِ مريضة..


- أنا بخير منذُ أن رأيتك..


وسكتت كلتاهما، لم تعتد قط على الكلام معها بأريحية، أم أن البعد ألقى قيوده على الأم وابنتها!!!


أشارت إلى القدر الذي يغلي:


- ماذا تصنعين؟! رائحته لذيذة. وابتسمت ابتسامةً باهتة.


- "بحاري دجاج"، وجبتك المفضلة، لا بد أن تذوقيه أبقي حتى الغذاء.. قالتها بلهفة.


تلاشت الابتسامة على الشفتين، لم يتح لها أن تستقر أكثر، لا بد أن ترحل...


- لا أستطيع..


ثم أردفت لتبعد مخاوفها:


- كيف حالك وحال "مجيد"، لقد رأيتهُ للتو...


عاد الوجوم ليعتلي وجهها، ليستقر في أخاديده، ليسطر للناس قصة كانت يوماً ما أحد أبطالها...




- أخاكِ الصغير صار سكيراً، صيرهُ والده سكيراً مثله..



"وماذا كنتِ ترتقبين من بذور تلك الثمرة؟!"


- كل يوم فضيحة، كل يوم تأتي الشرطة لتسأل عنه والجيران بدأو يشتكون...


ووضعت طرف خمارها على فمها وبكت بصمت...


البكاء بصمت، سمة مشتركة بيننا!!


و قدر الأم لا يختلف عن ابنتها أحياناً، أليس كذلك!!!



أمسكت كفيها معاً وهي ترد بتهدج:


- اطلبي الطلاق منه ودعينا نعيشُ سوياً.



رفعت الأم رأسها وفي وجهها طيف استسلام، يلوحُ دوماً على وجوههن، بل هو جزء منهن:


- ليس بعد هذا العمر يا ابنتي..


- ستتركيني مرةً أخرى. صاحت بلوعة.


- أنتِ معك زوجك، ماذا تريدين بي؟!



ونكأت الجرح، لا زال ينزف صديداً، لازال يتقيح...




- زوجي!! أنا لا زوج لي، ليس لي أحد!!



ودفنت نفسها في حجرها وهي تجهش بالبكاء..


وعاد دفاع الأمهات للصدارة، سألتها بوجل:


- ما هذا الكلام يا ابنتي؟! غدير، تكلمي..


- سيتزوج يا أمي، سيتزوج... رددت بخفوت.



- كيف؟! لم يمر على زواجكما أسابيع!!!



وصمتت تغالب عبراتها وهي تنظر لها بألم، بعذابٍ أزلي...


- غدير ماذا حدث بينكما؟!


- أنا لا أستطيع يا أمي، لا أقدر..



- لا تستطيعين ماذا؟! أجيبي..



استرسلت وكأتها تخاطب نفسها كالخيال:


- سأموتُ حينها، سأتدمر!! ليس من أجلي بل من أجله...



- عم تتحدثين؟!



عادت لتغوص في تلك العينين الحانيتين، ابتسمت بمرارة:



- أنتِ لا تفهمين، لم تفهميني يوماً...




ونزعت نفسها منها انتزاعاً وهي تنظر لساعتها، وقفت بتعب، حدجتها بنظرة حزينة قبل أن تستدر:



- انتبهي لنفسك..




وغادرت قبل أن تسمع صرختها المدوية...




أتُراها فهمت؟!!!



=============





- وما ذنبي أنا؟!


- ذنبك أنه زوجك!!


- وهو أخوكِ أيضاً..



أردفت بحنق:


- ماذا لو ذهبت إلى "السينما"، لم يرفض هذا المعقد..


- "ناصر" ليس معقداً..


- ومتخلف أيضاً!!


- سأخبره بما قلته عنه.


- اخبريه، انا لا أخاف منه ولا من أحد، العيش هنا أصبح لا يطاق، لا أكاد أهرب من السجان الذي في المكتب، حتى أُصدم بآخر هنا!!! لم تنغصون علي حياتي؟!!!



- ما الأمر؟! من الذي ينغص عليكِ حياتك؟!!


والتفتت الفتاتان إلى الصوت القادم، ابتسمت "ندى" ابتسامةً كبيرة وهي تخاطب "شيماء" بتزلف:



- أنا ليس لي أخ إلا "عمر" وهو أكبر منه وكلماته هي التي أنفذها بالحرف الواحد!!



وهرعت إلى أخيها وهي تمسكه بدلع:


- كيف حالك يا أخي؟!


- ماذا تريدين؟!


- "عمور"!! نادته بعتب.


- نعم؟!


- أريد أن أذهب للسينما.


- لا.

شهقت:


- لماذا؟!



- ليس لدينا نساء يذهبن للسينما!!




وابتعدت عنه وهي تصيح بغضب:


- ولم تذهب أنت؟!


- أنا رجل!!


- كل ما تفعلونه أنتم حلال في حلال، ونحنُ أي شيء نريده حرام في حرام..


- اذهبي وشاهدي الأفلام في التلفاز، لم يمنعك أحد.


- أريد أن أشاهدها في السينما، لقد وعدتُ صديقتي "أشجان"..


- اعتذري منها.


- هذه المرة الثالثة التي اعتذر لها، ماذا أقول لها؟! قالت بإستعطاف.


- قولي لها الحقيقة، أخوتي غير موافقين.


- تريد أن تهتز صورتي في أوساط المجتمع الراقي، سيضحكون علي!!


- هذا الموضوع انتهى بالنسبة لي فلا تتعبي نفسك.



- متخلف آخر!! كلكم متخلفون، معقدون!! تمتمت بحقد.


- ماذا قلتِ؟! سألها.


- أقول متى أتزوج وأرتاح من هذا السجن ومنكم!!


- ألا تخجلين من أحد!!


صاحت بإستنكار:


- حتى الخجل تريدونني أن أخجل رغماً عني!! كل شيء بالاستبداد، بالديكتاتورية!! أين منظمة "حقوق الإنسان" لتأخذكم؟!!


- لا حول ولا قوة إلا بالله...



و سار عنها .....



ندت من فم "شيماء" ضحكة، فنظرت إليها "ندى" بغيظ:


- صدقيني، حينها سأذهب إلى السينما كل يوم، صباحاً وظهراً ومساءاً.


- وأفرضي أن زوج المستقبل لم يقبل هو الآخر؟!


- أتمزحين!! هذا أول شرطي كي أوافق عليه...


وركبت الدرج وهي تفكر ماذا تقول لأشجان!!!


.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.



هي....


اعترافات حب

يتردد بدموع و جنون رفض....

حب يستكين بين خلجات ذاك القلب

الذي أحبت صاحبه فأتعبها حبه برفضها

فأذاب قلبها بما يكفي ..


هو...

بدأ يستمتع بدموع و اعتراف


حب لا تريد الاقرار به ..


لكن

يوماً ما

و بلحظة ما

ستنهار كل الحواجز

و كل رفض

لتشعل شمعة حب

بين فؤادين ذاقا

من الحب أمره

و من الصبر أقصاه ..



قريباً ..



taman غير متواجد حالياً  
التوقيع











رد مع اقتباس
قديم 31-05-11, 02:33 PM   #30

taman

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية taman

? العضوٌ??? » 62057
?  التسِجيلٌ » Nov 2008
? مشَارَ?اتْي » 6,430
?  نُقآطِيْ » taman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond repute
افتراضي

أترى النجوم بعرسك ما تراقصت جباهها....
وإنما غطت وجهها ناحبةً للمصابا.....

أترى الشمس ما تشعشعت أنوارها...
وإنما رسمت دموعاً واضطرابا.....

ما بال الشموع في عرسك لم تضئ..
ما بال دمك صار حنةً للترابا..


=============



(17)




خرج من بيت والده وهو يُدخل هاتفه الذي لم يتوقف عن الرنين في جيب بنطاله...



ساق سيارته على عجل وهو يضرب يده اليسرى على رجله بقلق...



ما بالها لا تكف عن الرنين ولا تُجيب حين يتصل!!!



ووصل بسرعة حيثُ أفواج من النسوة يزدلفن من ذلك الصرح الكبير ذي القبة الخضراء...



عجيبة تلك القبة بنصلها الفولاذي الصاعد للسماء في خشوع، وقد تدلى منها هلال صغير بدا كثغر طفلٍ يبتسم على استحياء..



و عاد يتطلع في الوجوه التي تعترضه علّه يلمحها في ذلك الزحام...



وميزها رغم سمرة الليل، بعودها النحيل، بخمارها الذي تجعل طرفه يتدلى على جانب وجهها وتزيحه كل حين دون شعور....



ضغط على بوق السيارة عدة مرات ليُعلمها بقدومه، فالتفتت إليه برهةً خاطفة ثم عادت لتخاطب تلك الفتاة الواقفة بجانبها...



و لمَ هذه الضجة التي افتعلتها، وهذا الرنين ما دامت الآنسة لم تُكمل أحاديثها بعد؟!



و ابتسم بتهكم، كم هي مكشوفة تلك الصغيرة، تُحاول أن تستفزه، تعانده، ولكن...



على هامان يا فرعون!!



عاد صوت البوق ليرتفع فصافحت "غدير" الفتاة ثم توجهت للسيارة حاملةً في يدها بعض الأشياء...



ودخلت دون أن تنظر إليه أو تنبس حتى ببنت شفة...



تطلع إليها وهو يرفع حاجبيه بتساؤل مصطنع، ثم هزّ رأسه وأدار محرك السيارة من جديد...



وانتشرت رائحة الورد لتضوع المكان بطيبها، لتمنحها شيئاً من العذوبة، شيئاً من الجمال...



وأدارت إحداها بين يديها بشرود وهي تنظر لأوراقها التي لم تتفتح بعد..




وامتدت يد لتختطفها من بين يديها، حينها فقط دارت إليه..


- شكراً!!


- هذه ليست لك. ردت بحدة.


- حقاً!! لا تنطلي علي حركاتكن!!



وقرّب الزهرة من أنفه وهو يشمها بعمق، فشعرت بالغيظ، تصرفاته في الآونة الأخيرة تكادُ تُصيبها بالجنون!!



- انتبه، للورد أشواك!! علقت بسخرية.


- ما دامت من يدك، فأنا لا أُبالي بشيء.. قالها بحرارة و عيناه تشعان دفئاً غريباً..



صدت للنافذة و قد عاد الإضطراب ليعتمل صدرها من جديد...


لمَ هذا الكلام؟!


لم تفتأ تقول لي ذلك؟!


ألست مسافراً إليها؟!


ألن تتركني وتذهب إليها؟!


أم قطعتين في الجيبِ أفضل؟!


كاذب، غشاش آخر!!!



و كادت تصرخ في وجهه بذلك لولا أن توقفت السيارة، وشكرت ربها أنها توقفت و أمسكت أعصابها التي باتت تنفلت لأدنى كلمة وبدون سببٍ ....



وتركت باب السيارة مفتوحاً فناداها:



- على رُسلك!! انتظري..



ولم تتوقف وأكملت طريقها مباشرة إلى غرفتها وهي تصفق الباب خلفها وتوصده بالمزلاج..


وسمعت دق الباب بعد وصولها بدقائق..



- من؟!


- من تعتقدين في رأيك؟!


- ماذا تريد؟!


- خذي لقد نسيتِ أشياءك؟!


- أيُّ أشياء؟!


وانتبهت أنها عادت بيدين خاويتي الوفاض، ولامت نفسها على إهمالها وسرحانها، أيُّ زلةٍ سيحملها إياها الآن؟!



وفتحت الباب قليلاً وقد عم الاحمرار وجهها وعنقها:


- تفضلي..



وسحبتها من يده دون أن تترك له مجالاً ليضيف المزيد...




سمعته يغمغم بالخارج فعادت لتفتح الباب:



- انتظر..


- ماذا؟!


- خذ.



وتطلع إلى الشمعة البيضاء الممدودة إليه بتساؤل:



- ما هذا؟!


- شمعة..


- أعرف، ولكن لمَ، ماذا أفعلُ بها؟!


- أطلب أمنية و احتفظ بها، وإذا تحققت أعطني "المكتوب"..



تطلع إليها بشك وهو يقول:



- أليست سحراً أو شيئاً من هذا القبيل؟!



وحدجته بنظرة نارية فأخذ يبرر مازحاً:



- أقصد ربما لكي تمنعيني من السفر!!



- سفرك أو عدمه لا يهمني بشيء!!



وصفقت الباب في وجهه بغضب...



ماذا يظنُ نفسه؟!



لم يذكرني برحيله كل حين...


ألا يعلم بأنهُ يقتلني حينها ألف مرة..



لماذا يا "عمر" لماذا؟!!



===========




طافت "شيماء" حول الفناء الخارجي وهي تسمع جلبةً خفيفة....



وجدت عاملان آسيويان يحملان علباً كبيرة و "وليد" ينهرهما ليحملوها بالشكل الصحيح...



"ألم يقل أن الأجهزة وصلت منذُ أسابيع!!!"...تساءلت في نفسها.



وانزوت قليلاً كي لا تكون في مرمى البصر وأخذت تتابع عملية النقل بإهتمام....




- هيا أحملوا معكم العلب الفارغة والأكياس للخارج!! أمرهم بعجرفة.



وانصرف العاملان وخرج هو على أثرهم دالفاً من الباب الاحتياطي...


وبعد أن استوثقت من انصراف الجميع، سارت بفضول نحو المخزن الكبير الذي أحتله بهدف تحويله إلى مختبر لتجاربه!!!



وأطلت من بين قضبان النافذة لكنّ الشبك المعدني الناعم كان يعوق الرؤية بوضوح، فتنهدت بإستسلام..



وأرادت أن تعود من حيث أتت لكن عيناها سقطتا فوراً على إكرة الباب...



وأدارته دون أن تتوقع شيئاً، ولكن يا لدهشتها فقد كان الباب غير مقفلاً!!



وهزت كتفيها وهي تفتحه شيئاً فشيئاً....



كان المكان مليئاً فعلاً بالأجهزة المفتوحة فعلاً و أخرى لازالت في علبها تنتظر المشرط...



وتوقف بصرها حول جهاز X-Rays يقابله سرير صغير قد تناثرت أدوات لم تعرفها حوله...



وولجت للداخل تفحص كل ما تصادفه بتمعن، خاصة تلك الملفات المركونة على أحد الرفوف بعناية..



وأخذت تتصفحها بتعجب وهي تحاول أن تقرأ ما فيها بصعوبة، إذ كان الخط متشابكاً على عادة الأطباء...



- ما هذا!! سميرة، سميحة؟!!



وجلست على حافة السرير بعد أن أبعدت الأدوات بحذر وعيناها تحاولان أن تفك الطلاسم المكتوبة كما سمتها!!!



أيأتي له مرضى؟! ولكن أين ومتى؟!



ربما كانت ملفات قديمة منذُ أيام دراسته بالخارج!!



و مطت شفتيها بلا مبالاة وهي تعيدها لمكانها...



وألقت نظرةً أخيرة للمكان لتتأكد من أن كل شيء في محله ثم أغلقت الباب خلفها بخفوت...


وسارت في الممر دون أن تنتبه لتلك العينان اللتان لاحظتها منذُ أن وصلت بإنتصار!!!!




===========



- هيه أنت!!


- .................


- يا عديم الضمير، يا عدو الإنسانية!!


- ماذا تريدين؟! صرخ بغضب.


- أريد أن آكل، أنا جائعة، كم مرة قلتُ لك ذلك؟!!



- وماذا أفعلُ لكِ؟!


- أريدُ "بيتزا"، اشتر لي "بيتزا"... وضربت منضدتها بكلتا يديها وهي تصيح.


- وهل تريدينني أن أخرج من العمل كي أشتري لسيادتك بيتزا؟!


- أنا قلتُ لك اخرج؟! ألم تسمع بإختراع اسمه "هاتف"؟!



وزفرت وهي تقول بصوت منخفض لا يُسمع:



"غباء، لا أدري بدوني كيف كانت ستسير الشركة!!"...



ورفع سماعة الهاتف بإستسلام فصاحت بعجل:



- انتظر، لم تسألني ماذا أريد؟!



وأردفت دون أن تتيح له الفرصة ليسأل:



- أريدُ بيتزا، ليس من المعجنات الموجودة هنا، بل إما من "سيزر" أو "بيتزا هت"..


- .................


- بالخضار ، وبدون "المرتديلا"!!!


- ...............


ورفعت أصبعها في الهواء بتحذير:



- حجم كبير لو سمحت ، ولكن انتبه سآكلها لوحدي، إذا كنت تريد اشتر لك أخرى، أنا لا أحب أن يشاركني أحد في طعامي!!!



- حجم كبير؟! لن تستطيعي قطعاً أكلها..


- بل أستطيع.. ردت بثقة.



وسألها بريبة:



- أرأيتها من قبل، أتعرفين كيف يكون حجمها؟!



وشعرت بالإهانة من تساؤلاته، فعاد لتضرب الطاولة بغضب:


- تخالني جئتُ من البادية!! ليكن في علمك أنا كل أسبوع أذهب للمطعم والسينما، خصوصاً السينما، أذهب لها كل ليلة ، كل ليللللللللللللللللللللة!!!



وأخذت تصيح بصوتٍ عالٍ، والمدير ينظر لها بإستغراب..



ووقفت فجأة من مكانها وكأنها تذكرت شيئاً و هي لاتزال ترمقه بنظرة عدائية:



- أيعجبك هذا؟! لقد فورت دمي الآن، خلاياي العصبية احترقت بسببك ، اشتر لي عصير برتقال..



- !!!!!!!!!!!!!!



- و احضر لي ....



- ماذا تريدين أيضاً؟! سلطة خضار؟! خبز بالثوم؟! سألها بحنق.



- اممممم، لم أكن لأقول هذا، أنا لا أحب أن أثقل على أحد!! ولكن إذا كنت تشتهيها فلا بأس!!



وعادت لتسترخي في مقعدها وعلى شفتيها ابتسامة عريضة تترقب وصول البيتزا...



===========



توقفت أمام باب غرفته وهي تطالع بألم تلك الحقيبة الكبيرة الموضوعة على السرير...



كان يتحرك بحماس وهو ينقل ثيابه داخلها، وتوقف فجأة وكأنهُ انتبه للتو من وجودها الذي ناهز النصف ساعة ربما!!



- لم أنتِ واقفة هكذا، تعالي وساعديني!!!



و لم ينتظر إجابتها، سرعان ما سحبها للداخل...



و بقيت جامدة بلا حراك وهي تمسك دمعتها خشية أن تغدر بها غيلةً أمامه...



كانت تتقطع من الداخل، وصرخة مرة في حلقها لا تلبث أن تحتج، وهي تكافح لكبح جماحها كي لا تنطلق...



أما تشعر بنزيفي يا هذا؟!!



وعاد الألم ليعتصرها بقوة دون أن تجد له منفذاً لتنّفس عنه...




أخذت تطالعه بيأس، بعذاب، لكنهُ لا يرفع رأسه، لم يعد يرى أحداً إلا نفسه...




لقد نسي كل شيء، كل شيء و أولهم أنتِ يا "غدير"!!!



وأفاقت على صوته...



- لم تسأليني متى سأعود؟! سألها بلوم.



- فالتبقى طوال عمرك هناك، لا يهمني.. ردت بصوتٍ متهدج.



- سأسافر لأسبوعان فقط، أتخالينها تكفي؟!!!



بل يكفي ما تفعله بي، يكفي...




- ألا تعلمين أين وضعت ربطات العنق خاصتي؟!


- في جهنم...



وانفجر ضاحكاً وهو يبحث في أدراج خزانته:



- خسارة، كانت غالية الثمن، سأشتري لي في الصباح أخرى جديدة..



ثم أردف وهو يتأملها بإهتمام:


- جهزي لنفسك حقيبةً صغيرة كي تبقي في بيت والدي لحين عودتي.


- لن أجهز أي شيء ولن أذهب لمكان. صاحت بغضب.


- ستبقين في الشقة لوحدك؟!


- لا شأن لك بي حتى لو مُت، أتفهم؟!



وغطت وجهها بكفيها وهي تبكي بمرارة...



ولم تشعر إلا بيدين تطبقان على كفيها بحنان، ضمهما إلى يديه وهو يضغط عليهما برقة:



- إياكِ أن تقولي هذا مرةً أخرى، ألا تعلمين بدونك أضيع..


- ها أنت ستسافر بدوني و... صمتت من الألم.


- بودي أن آخذك، لكنكِ لا تنفعين!! أتقبلين أن تكوني شاهدة على العقد؟!!



وسحبت يدها منه ولم تشعر إلا بها تمتد في صفعة على خده..



تطلع لها مصدوماً وهي يمسكها من معصمها بقوة ، لكنها لم تخف ولم تجفل، كانت تستمد من جرحها النازف شجاعة، تجعلها تواجه اليوم وغداً وبعد سنين!!




- أيتها المتوحشة!!


- لا يهمني رأيك بي، أريدك أن تطلقني قبل أن تسافر، لا أريد البقاء معك بعد اليوم، أتسمع؟!


- لم أكن أعلم أن فراقي سيؤثر عليكِ بهذه الدرجة!!!



وفي حركة لم تتوقعها منه تلك اللحظة، رفع يدها التي صفعته إلى شفتيه وقبلها!!!



و فجرت تلك الحركة البراكين الكامنة بداخلها، زلزلتها من الأعماق، زادتها ألماً، ضاعفت لوعتها....



سحبت يدها منه وهي تصيح في وجهه:



- أنا أكرهك، أكرهك، ارحل، لا أريد أن أراك ..




وهرعت لغرفتها تبكي نفسها، خيبتها، وذاك الذاهب في الغد ...



==========



- كليها كلها والآن!!


- سأحمل البقية إلى المنزل. قالت بإستعطاف.


- كلا، بل الآن. ردّ بحزم.


- معدتي ستنفجر، لا أستطيع..


- أنتِ من قلتِ تريدينها بهذا الحجم، تحملي نتيجة طمعك.


- إذا كان على ثمنها أيها البخيل فسأدفع لك.. صاحت.


- لا أريد ثمنها، وستأكلينها رغماً عنك.


- لن أفعل.


- بل ستفعلين.


- لن أفعل وأرني كيف سترغمني.


- تتحدينني؟!


- وأتحدى من هو أكبرُ منك!!


- إذاً لن تخرجي من هنا، وستباتين الليلة في المكتب!!



و تطلعت إليه بخوف لأول مرة، أجاد هو فيما يقوله!!



- أنت لا تعني هذا، أليس كذلك؟! سألته بإضطراب.


- أنا لا أمزح أبداً.


- أبي..أبي سيتصل إذا تأخرت، وأخوتي سيأتون وسيحطمون رأسك..



وسحب حقيبتها الموضوعة على الطاولة..


- ماذا تفعل بحقيبتي، ألا تخجل من نفسك؟!



وأخرج هاتفها المحمول دون أن يعبأ بإستنكارها:



- الهاتف وقفلته، أريني كيف سيتصل بك أهلك؟!



و ازدردت ريقها الجاف وهي ترمش عينيها بسرعة...



أخذت تردد بتقطع:


- إن...إن شاء الله، سآ...سآكلها، فقط لا تُغضب نفسك!!



وأمسكت القطعة الخامسة وهي تشعر بالغثيان، وقبل أن تفتح فمها، خاطبته بتوسل:


- تفضل، كل معي، لذيذة، لا تُقاوم!!!



وأمسكت معدتها بتعب وهي تنظر لوجهه الجامد...



وكادت الدموع تطفر من عينيها وهي تمضغ قطعاً صغيرة وتتوقف كل حين...



- ماذا تنتظرين؟!


- لا أستطيع، سأتقيأ..


- لا مانع تقيأي ثم أكملي البقية!!!



وأسقطت القطعة وهي تضع يدها على فمها وتنثني إلى أسفل..



- هيا، كفي عن التمثيل!! صاح بقسوة.


ردت بصوتٍ محتقن:


- سأموت، إن لبدنك عليك حق!!



- ما شاء الله وتعرفين الأحاديث النبوية؟!


- أتخالني كافرة؟! صاحت فيه بإستنكار وقد نسيت ألم معدتها.



ودقّ الطاولة بأنامله بتهديد:


- ستأخريني وتأخرين نفسك...



ورفعت رأسها بعد أن قرصت خديها بقوة، أسبلت عينيها وهي تقول بوهن:



- لا أستطيع، معدتي لا تحتمل، رشاقتي هي سبب تعاستي، ما ذنبي أنا؟!!



ورفعت صوتها بتباكٍ وهي تفرك عينيها دون أن تنظر إليه...



- ابكي حتى الغد، ستأكلين يعني ستأكلين..



- ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء يا عديم الرحمة!! صاحت من بين دموعها الشحيحة.



- إلى متى سأنتظر؟! صرخ بنفاذ صبر.



أمسكت القطعة بإحدى يديها بإستسلام واليد الأخرى تمسح وجهها...



وبقيت تنظر لها بتقزز والغثيان يكاد يُصيبها بدوار، وقربتها من فمها، وما كادت تفعل حتى انثنت من جديد وهي تصيح من الألم..



- بطني يؤلمني، سأموت...



ثم رفعت رأسها بصعوبة وهي تخاطب ملامحه التي باتت أكثر جموداً:



- لن آكلها، لن آكلها أسمعت، تريد أن تحبسني، لا يهمني، لن آكل شيء.



ووضعت رأسها على الطاولة و بكت...



وسمعته يبتعد ويعود أدراجه، ثم قال بصوتٍ رخيم:


- أتمنى أن تكوني قد استفدتِ من درس اليوم وهو: لا للطمع!!!


- .....................


- موعدنا في الغد بإذن الله مع درس جديد أيتها التلميذة النجيبة!!


- ...................



- يمكنك أن تعودي إلى البيت الآن!!!



واستقامت في جلستها تلك وهي تنظر له بشزر:




- ليتني أقرأ خبر وفاتك في الجريدة أيها المجرم!!


- .....................


- سأخبر الجميع عنك، سأخبرهم كلهم عن أعمالك السوداء مثلك!!! رددت بصوتٍ مبحوح.


- ......................


- لن أعود إلى هنا، لن أعمل معك وإن كان على الشهادة فخذها، لا أريدها، أفضل أن أنسحب من الجامعة بأكملها ولا أبقى معك دقيقة يا شبيه هتلر، أيها الظالم النازي!!



وسحبت حقيبتها ونعليها وخرجت بدموعها ودعواتها عليه!!!




===============




هبّت من نومها مذعورة....



تلفتت حولها وصدرها يعلو و يهبط في اضطراب...



فلم تلقى إلا الظلام الدامس يكتنفها، يحيطها من كل جانب...



غرزت أصابعها في شعرها الأسود علها توقف الأفكار المستعرة بجنون في ذهنها...



كان كابوساً، ما رأتهُ كان كابوساً...



عمر لن يسافر، لن يسافر، ولن يُحضر معه تلك الشقراء!!!



أمسكت جبينها الملتهب بين راحتيها، كان مبللاً!!



من أين جاء كل هذا الماء؟!!!



أبعدت الغطاء عنها بوهن و توجهت إلى الحمام لتغسل وجهها...



المرآة...


ما أقساها!!!



عيناها تبدوان حمراوتان كأنهما لم تذوقا النوم منذُ شهور...



و الوجه شاحب، فقد بريقه، سرقتهُ الأيام!!



تخلل الماء البارد بين أصابعها وهي ترشح وجهها ببطء لعلها تُزيح شيئاً من عياءه، من همومه، من كوابيسه الذي تلاحقه في كل مكان...



لم يتبقَ من الأيام إلا غداً، غداً فقط!!!



واحد، اثنان، ثلاثة، أربع، خمسة...


ما أسهل العد!!



وما أقسى الحياة!!!



وسمعت صوتاً خافتاً يهمس في أذنيها بكلمات:



دعي الأيام تمر هكذا ولا تُبالي، ماذا ستجنين أكثر؟!!



ماذا بإمكانك أن تفعليه أو تقدميه؟!!



لا شيء..



إذن اصمتي، اصمتي وكفي عن البكاء والأنين...



لطالما كنتِ وحيدة، لطالما تركوكِ وحيدة، لمَ العويل إذن؟!



لأنهُ "عمر"...



"عمر"!!!




أصص ما هذا الكلام؟! ما هذه النبرة الضعيفة، لم أعهدك هكذا من قبل يا "غدير"!!!



"عمر" أهذا من رفضته في البداية، من حاربتي لئلا يتم بينكما الزواج؟!!




ما بينكما انتهى، كان لا بدُ أن ينتهي منذُ زمن، لأن ليس بينكما أي شيء أصلاً!!



لكنني، لكنني.....



ماذا؟! عدنا للنبرة الضعيفة...




في كلتا الحالتين أنتِ خاسرة، في كلتا الحالتين ستخسرينه!!!



تدثري جيداً يا "غدير" وانسي!!



انسي "عمر، انسيه....



الأفكار تكاد تعصف بها، تزلزلها ، تهدم كل الحواجز الذي بنتها منذُ سنين طويلة....



لم يتبقى شيء على الغد...



ها قد اختلطت خيوط الفجر بنجوم الظلام...



ها قد تشابكتا، اتحدتا معاً في رقصة سرمدية...






أتراهُ سيسافر؟!


أتراها ستتكلم؟!


أم أن الفجر سيبقى هكذا في حالة احتضار؟!



انتظروا الغد بمفاجآته!!!


.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.




يستمتع بنحيب قلبي
بين مقلتيه ..


ألا يرى الروح ترفف بعشقه
ولكن القدر بقضائه كان أقوى بحكمه ..


لما يستحل الموت البطيء لي
و أمام عينيه ؟


أين حبه الذي
قدمه لي ذات مساء ؟


ألأني رفضته
يريني خناجر انتقامه
و الابتسامة تعلو محياه ..


أوااااااااه أي قلبٍ
تحمل
و حب تقصد ؟


احتملت ثورة الحب
بين جنبات قلبي المكسور
و أنت تتهادين أمامي
حلالا
و أنت حرام علي براضكـ
وبعد هذا تعتبين !!



ليتك تتركين العناد جانبا
و تحتملين هموم قلب معنى
هام به عشقا لا حبا ..
و تعتبين !!


كفي
براءة يقطر منها شهد
الخيانه
و أنا الأسير
برضاي ..


ذاك الاسير الذي كبلته قيود جنوني بك
ذات لحظهـ
و مازلت مجنونـ ـكـ ..
و تعتبين !!


لكل شي حد و طاقهـ
و أنت استنزفت كل حدودي و طاقاتي
معكـ
فلم العتب ؟!


بأخرى حللها الشرع لي
كحلالك الذي صيرته حراما
بحبك الخائن ؟؟!



ستعلم ذات مساء
من هو الخائن ؟
و لما الصمت المكفن بثوب الموت ؟؟


taman غير متواجد حالياً  
التوقيع











رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:35 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.