آخر 10 مشاركات
جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          خادمة القصر (الكاتـب : اسماعيل موسى - )           »          رغبات حائرة (168) للكاتبة Heidi Rice .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          هيا نجدد إيماننا 2024 (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          نبضات حرف واحاسيس قلم ( .. سجال أدبي ) *مميزة* (الكاتـب : المســــافررر - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          587 - امرأة تائهة - راشيل فورد - ق.ع.د.ن ... حصريااااااا (الكاتـب : dalia - )           »          112 - دمية وراء القضبان - فيوليت وينسبير - ع.ق (الكاتـب : بنوته عراقيه - )           »          مشاعر على حد السيف (121) للكاتبة: Sara Craven *كاملة* (الكاتـب : salmanlina - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-05-11, 03:50 PM   #11

القلم الحر

نجم روايتي كاتب و شاعر متألق في القسم الأدبي

 
الصورة الرمزية القلم الحر

? العضوٌ??? » 127837
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,320
?  نُقآطِيْ » القلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond repute
افتراضي


17


على الجسرِ المعلق المتأرجحِ بين السماء والأرض كنتُ أعبر بسيارتي متمهلاً وأفكر :
ماذا أقول لها .. أأقولُ أن كلمة " أحبك " كانت مزحة .. زلة لسان .. وهل يزلّ اللسان إلا بالحقائق !
أأقول أني فعلاً أحببتكِ وأنا الذي لم ألتقيكِ إلا مرتين .. واحدةٌ مصادفة والأخرى كنّا نسترِقُ فيها النظراتِ وسط متجرٍ على قارعة طريقٍ مملوءٍ بالمارة !
ستضحكْ .. لا ستغضبْ !
ربما هيَ مثلي وجدت في هذه العلاقة قتلاً لفراغها وصداقة تتسلى بها !
أحكمتْ ضبط مشاعرها وأنا تماديتُ في أوهامي فوقعتُ في الإدمان حد الحب !

يا تُرى هل هيَ مثلي ، هل إستلطافها لي علامة حب أم صداقةٌ وثقى ..
سأقول لها أن الحب وقود الحياة .. سأقول لها الصراحة كما أخبرتُها بكل شيءٍ سابقاً .. لأواجه معها مصيري !
كنتُ أنظرُ للمقعد المجاور ، عليهِ قصصي التي ملأها الدكتور ثابت بالتصويبات النحويّة والإملائية وعلّق عليها تعليقاً مشجعاً ..
ماذا لو كانت سارة هنا .. يا ألله .. ستكون القيادة أمراً محبباً ليس مملاً أبداً ...
ماذا لو كانت بجانبي .. ويدي تُمسكُ بيدها .. هل كنتُ أتمكن من السيطرة على الطريق ! هه يا لأفكاري البلهاء أين تأخذني ..

في غرفتي قررتُ أن أهاتفها .. لم تتصل لم تُرسل ربما مازالت مصعوقةً من كلمتي التي دوّت في أسياب الكليّة !
ضغطتُ أرقام هاتفها على جهازي .. لم تُفلح المكالمة ! كانت شاشة هاتفي كلما اتصلتُ تومض بجملةٍ غير مفهومة : " بعض المكالمات محظورة " !
لأول مرةٍ أقرأ هذه العبارة .. بالتأكيد غضبتْ ، هل ألغتني ، هل ألغتْ رقمها .. لكن مهلا ً .. هذه الجملة تواجهني في كل اتصال !
هاتفتُ شركة الإتصالات .. لا بد أن الخلل من عندهم هم :

- لديّ مشكلة في الإتصال ، يعطيني تنبيهاً ببعض المكالمات المحظورة !
- نعم ،لأنك وصلتَ الحد الأئتماني !
- يعني ماذا لم أفهم ..
- ياعزيزي لديك الآن فاتورة بقيمة 2800 ريال !

دارتْ الغرفة وأشياؤها في عيني .. وقعتُ على السرير غير مصدق .. أعلى فاتورة جاءتني كانت 400 ريال وتبرمتُ حينها !
بدأ العرقُ يتفصد من جبيني .. ماذا أفعل ! من أين لي بمبلغٍ كهذا .. يا ألله أوحقاً لن أستطيع محادثة سارة بعد الآن ..
لكل شيء ضريبة .. هذا ما غاب عني وسكرتُ مع الهوى !
هذا يعني أن كل شهرين سأعاني هكذا .. كل شهرين سأفجع ! وأنا الذي كنتُ أحسب لهونا الليلي لا ينغصّه منغّص . ياللحلم المُفلت من يدي الآن ..

لايوجد في جيبي إلا مئتي ريال .. والمتبقي من مكافأتي 500 .. من أين لي بالمبلغ الضخم الباقي!
هل أمد يدي لإخوتي وأنا الذي لم أفعلها قط .. لا !
أي تبريرٍ أقدمه لوالدي حين أسألهُ مبلغاً كهذا .. سيظن الظنون ولا شك إن أخبرتُه بأن الأمر يخص فاتورةً هاتفيّة !
أقفلتُ هاتفي ورحتُ للشقة ليلاً بوجهٍ ليس كالذي كنت أجيء به ..

- هددها بالقطيعة ، أخبرها أنك لا تستطيع المواصلة بسبب عجزك الماليّ وصدقني هي من يتدبر الأمر !
تباً لأفكارك يا فهد .. أتريدني أن أتمسكن لأمرأة !

- أخبرها أنك في حاجةٍ للمال ، صدقني الفتيات عاطفيّات ، ستمنحك أضعاف ماتريد !
هذا الوغد يظنني مثلَه ! لو قدمت لي آلافاً ما قبِلتْ

- افهمني يا فهد ، أنا الآن لستُ أفكر في هذه الفاتورة الحاليّة .. أفكر في القادم ، كل شهرين ستتكرر هذه المأساة ..
من أين لي بهذه الأموال لأواصل معها !

راح يوبخني :

- ألم تقل لي يا فيصل أن الأمر مراهقة ، وأنك لم تعد مهتماً بالأمر .. مالذي يجعلك الآن في غاية التبرم والضيق

اللعنة على ذاكرتك التي لم يُتلفها ما تتعاطاه! نعم أخبرتهُ كذباً كل هذا ..

راح يُسقيني ورحتُ أشرب .. نسيتُ نفسي نسيتُ كل شيءٍ إلا سارة ..
كان هذياني سارة .. وفي حُمرة العينين حرف السين يتراقصُ رغم كل شيء
أسوأ لحظاتِ العمر ، أن تُفيقَ بعد غياب عقلك .. أن تصحو بعد غفوتك ورائحتك تعبق بالإثم !
حينها .. يتضاعفُ الهم ليصبح أطناناً ما لها من محيص !

عدتُ للبيت مهموماً.. أدفعُ الباب بمشيةٍ كالبندول !
الهاتف مازال مغلقاً .. بالتأكيد ربما اتصلتْ أو استغربتْ هذا الإنقطاع منذ الصباح .
أأقول لها أني فقيرٌ لمساعدتك وأطلبُ التصدق منها .. كما يلح فهد .. يا للفكرة الرديئة !
بل يا لهذه العلاقة الغريبة وتقلباتها ،
ليلة البارحة أقرأ لها قصصي ، صباحاً أتوتر من رأي الدكتور ، بعد الصباح زل لساني بحبها ..
ظهراً كنتُ أنوي محادثتها عن الحب ، والآن أفكر في تأمين هذا المبلغ .. أين سأصل في موج التقلبات هذا ..

ساعةٌ كاملةٌ من التفكير فوق سريري .. أنا وحسرتي وإبليس !
بعد ساعةٍ كاملة .. في الساعة الواحدة ليلا ً .. يرقدُ بيتنا في الظلام ، وقد تفتق ذهني عن أسوأ فكرة .. لكنها الحل الوحيد !
كنت أنحطّ جداً وأعلم ذلك .. كنتُ مدفوعاً برغبتي في مواصلة هذه العلاقة على الأقل شهرين أخرى ..
كنتُ كـ مدمنٍ يهوي للدرك الأسفل كي يحصل على المال ليتناول جرعته ..
ها أنا أدلفُ إحدى الغرف الأرضيّة ..يخبيء الظلام دمعة عيني ، لبثتُ خمس دقائق و خرجتْ..
خرجتُ ألعن نفسي و يعتملُ في صدري أسىً لن تفسره الكلمات ..
خرجتُ بأسوأ غنيمةٍ في التاريخ ..

يا لسوء أقداري وآه يا ساره .. أبينَ يومٍ وليلة ، هكذا بغتة ً .. صرتُ لصاً ؟!!
وأسرق من ؟!
أمي !

غداً .. ستحرصُ كعادتها أن أتناول إفطاري .. وستتأوهُ من ركبتها واقفةً على فرن الغاز تحضر الشاي لي ..
وسأنظر لها نظرةً أخرى لم أنظرها قط .. سوف يجللني الخزي غداً صباحاً .. لن أستطيع محادثتها واضعاً عيني بعينيها ..
ستوصيني على نفسي وسألعنُ نفسي .. وكلما دعت لي ، سأبكي في قلبي .. أعلم ذلك .. أعلم أن في الصبحِ هواني !

أصعدُ الدرج راجعاً لغرفتي وأفكر :
ماذا ينقذني منكِ يا أمي .. أأكذبُ على نفسي وأقول لن تحتاجي هذا العقد !
لا ، لن أكون سارقاً و كاذباً في ذاتِ الوقت وأجمع السيئتين !

أينقذني منكِ وعدٌ سريٌ أقطعه على نفسي بأن أُحضر لك أفضل منه حين أتخرج وأصبح ذو مرتبٍ جيّد ..!
أينقذني منكِ يا أماه ، أني أفعلها وأنا أمسح دمعة ً فرّت وأخرياتٍ أُجاهدهنّ أن لا يندلعن فيشهق بهنّ صوتي ..
لا تجسي رأسي غداً .. هذا الرأس نجسٌ كل مافيه .. وأنتِ أطهر !
أريحيني غداً من دعواتك بربك .. كل دعوةٍ منكِ ستجعلني أكرهُني أكثر !
حتى وأنتِ لم تلبسي هذا الذهب منذ أزمان ، حتى وهو مهجورٌ في صندوقك القديم ..
لكنه يحمل رائحتك .. يحمل ذكريات شبابكِ يوم زفّوكِ لأبي .. يحملُ صحتك وعافيتك التي باتتْ حُلماً جميلاً ليس أكثر ..
يحملُ أيام أنوثتكِ البهيّة ..قبل أن تلدي ولداً ينوي بيعَه ليُحادث فاتنة !
سامحيني يا أمّاه !

أضعُ العُقد في جيب ثوبي لأبيعهُ غداً للصاغة .. سيتغانمون فقيدَ أمي .. أكثرُ ما يعذبني أنها ستكون غافلةً غداً تتعطرُ بالآيات من مذياعها ..
أغمضتُ عيني وأنا أفكر في أمي وخزيي ، في سارة والحب الذي بدأ يتغلل في روحي ، في مستقبل العلاقة الجنونيّة هذه ..

- ماذا لو لم أستيقظ ؟ ماذا لو سُلّت روحي وأنا نائم .. ألن يكون أفضل ؟ بلى، سيكون أفضل !

يتبع ..


القلم الحر غير متواجد حالياً  
التوقيع
( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي )




أضغط على الصورة لدخول المدونة
رد مع اقتباس
قديم 17-05-11, 03:52 PM   #12

القلم الحر

نجم روايتي كاتب و شاعر متألق في القسم الأدبي

 
الصورة الرمزية القلم الحر

? العضوٌ??? » 127837
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,320
?  نُقآطِيْ » القلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond repute
افتراضي

18

أقِف أمام أحد الصاغة حاملاً نفيسَ أمي !

لم أنمْ جيداً .. و فكرتُ أنها لن تفتقده .. لو افتقدتهُ ستذهب الظنون للخادمة التي هربت قبل اسبوعين .. هكذا كنتُ في مأمن من انكشاف أمري .
شيءٌ وحيد كان يُحاصرني ، ضميري .. صوتٌ يهتفُ في أذني يخبرني أنّ ما أعملهُ لا يمكن تبريره !
ماذا لو عِشنا بلا ضمير ، أكان النومُ يستعصي على الأجفان ؟!

خرجتُ من البيتِ سريعاً ، أعلمُ أني لو رأيتُها لأحجمتْ .. صوتُ تهليلها كفيلٌ ببعثرة ماأضمرتْ ،
أغلقتُ الباب ورائي وأنا أعرفُ أني أفتحُ على نفسي باباً من الندمِ لن يُردم !

أخرجتُ العقد للصائغ ونظراتي تزوَرّ عنه ، شيءٌ في داخلي كان يحولُ بيني وبين مشاهدة العقد ، شعرتُ به مخذولاً ، وتخيلتُ وجهها في كل حوافّه .
أخذهُ مني البائع وشعرتُ أنه يأخذُ روحي .. وزَنه وقدّره بألفي ريال !
للذهبِ ألفين ، و ماذا عن ذكرياتِ أمي ورائحتها المعتّقة في ذراته ؟ إيهِ يا أيها الصائغُ لستَ تدري شيئا !
أومأتُ برأسي كناية الموافقة ولم أجب ، شعرتُ أن في النطق عقوقاً أشد ، أعطيتهُ بطاقتي وكتب فاتورة البيع تدويناً لخيبتي ..
.. وانصرفتُ بقليلٍ من المال وكثيرٍ من الخزي !

* * *

غرقتُ في المذاكرةِ كل العصر .. وقررتُ محادثة سارة في الليل لأحسم الأمر برمته ..
كلما فتحتُ صفحةً لاح وجهها الأسمرُ يبرقُ في سماء مخيلتي .. كلما أردتُ حفظ قصيدةٍ صفنتُ بها كثيراً !
كان طيفها يحاصرني ويصدني عن سبيل القراءة عِوجاْ ، أسرحُ بها وأمرر القلمَ على كراستي .. فإذا عدتُ لوعيي وجدتُ اسمها مكتوباً كل مرة !
اللعنة .. ماهذا الجنونُ الذي يعتريني .. أي عاطفةٍ دبّت فيّ من حيث أدري ولا أدري ..

في المغربِ كنتُ أرتشفُ القهوة المسائية المعتادة في بيتنا ..
صوتُ أبي وشقيقي الكبير بدر كلاهما يوصيني على المثابرة والجد .. أرتشفُ القهوة وأنظرُ لأمي فأشعرُ بمذاقٍ مرارتهُ متضاعفة !
عن أي مذاكرةٍ تسألون ؟! آه لو تعلمون .. كل ما وجهتُ وجهي للقراءة جاء طيف السمراء يختال ضاحكاً ، كأنما يرجو رسوبي !
يتحدثون عن الإجتهاد وقلبي يحدثني بسارة .. أغفو مع صوتِها المتراقص في سمعي فلا أُفيقُ إلا على سؤالٍ منهم يُعاد عليّ للمرة الثانية !
أخرجتُ هاتفتي وكتبتُ لها:
" الليلة ، أريدُ محادثتكِ لأمرٍ هام " !

* * *

بالكادِ انتصف الليل .. ها قد جاءت ساعةُ القلب والنجوى .. إما أن تكون الحياة مغامرةً أو لا تكون !
لم أسمع صوتها منذ صباح الأمس ، منذُ أن قال لي الدكتور ثابت ما قال .. بل منذُ أن قلتُ لها في الممرّ ما قلت ..
لم أكمل يومين على غيابِ صوتها ، يا للمدة البعيدة والشُقّة الهائلة، أكل هذا الشوق يومين ..
..ماذا جرى للأيام ياسارة .. أباتت أسابيعَ فجأة !

هاتفتُها وسلّمت في اقتضاب .. وبكل ثقةٍ وجراءةٍ تشتملها روحي ، بدأتُ حديث الصراحة !
بصرامةٍ أخشى أن تضمحلّ جاءها صوتي جسوراً:
- "أُريدُ أن تسمعيني دون مقاطعة .."

رد صوتها متوجساً : - "ماذا ؟!"

- "لا أظنّ الأمر مجرد لعبة ياسارة .. ماعادتْ هذه المكالمات صداقةً وتسلية .. لا أعلم أينَ أصِل "
كنتُ محموماً وأُلقي بحديثي أشبهَ ببكاء !

- " ............... ، "

- " بالأمسِ حينَ قطعوا الخدمة عن هاتفي شعرتُ بأن أوصالي قُطعت .. واليوم يمتنعُ التركيز عني فلم أدرس شيئاً .. ماذا تحسبين !
أتظنينَ أن الأمر مُزاح .. لا لم يعد مزاحاً.. ها أنا أُخبرك بالحقيقة ، لا أستطيع السيطرة على الأمر ، لا أستطيع ! "

لا أدري أكنتُ أفضفضُ عن ذاتي أم أن صوتي كان يؤنبها !


- " آه ياساره .. لو رأيتِ كتبي ومذكراتي ، كيف يفترشُ اسمكِ دفاتها وحرفُ السين يصدحُ في كل ورقة .. أتظنين الأمر مزحة !
بالأمس أردتُ مناداة أختي الكبرى هند ، و زلّ لساني بإسم سارة .. واعتلاني الوجوم !
بالأمس كنتُ على الطريق ، أنظرُ للمقعد المجاور لي وأتخيلكِ بجواري .. كدتُ أموت حين راحت المركبةُ يميناً والقلبُ يرفلُ عندكِ في الشمال !
ياسارة لا .. لم يعد الأمر عاديّاً ..ها أنا أخبركِ الحقيقة ، لم يعد الأمر لعبة ! "

- " ....................

وكانت تصغي ، وصمتُها يستحيلُ ضجيجاً في أذني !


- " الأمس واليوم كلها مرّت كما لو لم تمرّ .. صرتِ التاريخ والتقويم ياسارة ، أيامي بدونكِ لستُ أعرفها ..
هذه الدنيا بدونك ..باتت سجناً ليس أكثر ، صوتكِ الذي تُلقينهُ بلا مبالاة .. أكسجينٌ يتنفسهُ القلب !
أبي و أخي و أصدقائي و كل من لاقيتْ .. كلهم يخبروني عن حالة التوهان التي تفتكُ بي .. أتسمعين ؟ واليوم ..آه ياساره
اليوم سرقتُ أمي .. أتصدقين ؟ أمي التي حدثتكِ عنها طويلاً .. سرقتها ..
سرقتُ أمي لأسدد هاتفي وأهرعَ لكِ من عنائي.. تباً لكِ إن ظننتِ الأمر مزحة ! "

- .....................

- " يا سارة ها أنا أخبركِ ولتضحكي إن شئتِ أو فلتُصعقي ، لا أعرفُ تعبيراً للحب ، ولا أريد حتى أن أعرف !
أعرفُ أني بدونكِ الفراغ والإرهاق و الهم الطويل .. بدونكِ الرياض تعودُ صحراء قاحلة .. بصوتكِ كانت جنة الدنيا وقبلة الحياة ..
بدونكِ ما عدتُ أقوى الصبرْ .. أليس هذا هو الحب ؟ إن لم يكن فما عساهُ أن يكون ..
سمعتيها صباح الأمس.. أظننتِ الأمر مزاحاً ؟ هه لا .. لم أكنْ أمزح ..
لا ياسارة لا يُفلتُ اللسانُ إلا أسرار القلب .. لا يفضحُ اللسان إلا الحقائق المستورة ..
أحبك
نعم أحبكِ .. ولا يهمني الآن أي شيءٍ في هذه الدنيا .. إلا أنتِ "

سقطتُ على السرير وألقيتُ هاتفي بجواري .. تركتُها تسمعُ لهثَ أنفاسي بل وصوتَ شعري وأنا أمسحُ عليهِ بعصبيةٍ بادية .. عركتُ عيوني وجففتُ العرق عن جبيني ..

رفعتُ السماعة مرةً أخرى وهي تردد اسمي بحثاً عني ..

بصوتٍ متعب أجبتُها " نعم ! "

وانطلقتْ على الفور :

- " لستُ أضحكُ منك ..بالله ماذا تحسبني ؟! جداراً لا يشعر !؟
فيصل كلهم يتحدثونَ عن سرَحاني و عُزلتي وبقائي في هذه الغرفة ، كلهم يحدثني عن تغيّر سلوكي ، بتّ عصبيةً تارة، ودودةً تاره ..
كل شيءٍ صار في حياتي متوقفاً على سماعِ صوتك .. أتظنني أُهاتفك تماماً في الثانية عشرة حين أصعد لغرفتي ؟ لا يافيصل .. أحياناً أسكنها قبل اتصالي بساعة ..
أعد الدقائق وأخشى أن أُهاتِفك وتكون بحضرة أصدقائك ، أتمنى لو هاتفتُك أبكر لتكون معي أطول .. باتَ صوتك فُسحة يومي و كنت صديقاً والآن أكثر ! "


-" لا يافيصل ليس الأمر لعبة ، وأدرك ذلك قبلك .. هل أخبرتُك أني أحتضنُ " بين القصرين " قبل أن أقرأها .. وأحدثُ بك صديقتي هيفاء كل مانِمتَ فجراً !
لا يافيصل ليس الأمر لعبة .. أُشاهدُ حتى أشقائي وأسرحُ في وجوههم وأقول :لا فيصل أجمل ! وأشمّ عطرك في يدي وقد مضى على تصافحنا طويلاً .. "

كانتْ تنشج ويتهدجُ صوتها ..كانت تبكي !
تمنيتُ لو أني موجةً تخترقُ هذا الأثير لأحتضنها وأبكي على ذوائبِ شعرها الأظلم ..
بقدرِ الدهشةِ التي أرتمي فيها كان سروري وأعظم ..
تتحدثُ باكيةً كما لو كانت تعترفُ بما أثقلها زمناً بعيداً .. كل ما أردتُ سؤالها .. كل ما أردتُ مقاطعتها صرخت بهستيريةٍ :

- إسمعني ! " ياخي " اصمت .. أريد أن تسمعني
تصرخُ فيني وأعود أصغي :

- " عندما لم تحادثني البارحة وأغلقتَ هاتفك صرتُ أشتمك عند هيفاء .. كنتُ غضبى لأنك لم تتصل بي .. حرفُ الفاء أكتبهُ منفرداً في كل يوميّاتي ..
بالأمس يوم تركتني للإنتظار ، كنتُ أحملُ عبدالعزيز ابن شقيقتي رحاب .. عمره سنة وأشهر .. كنتُ أناغيهِ وأدربه على نطق ِ إسمك .. " قل فيصل "!
كيف أضحك ؟ أأضحك من روحي وأمرُك أمري .. لستُ أقل منك أبداً في هذه المتاهة ..
أدرُك أن الأمر لم يعد لعبة .. وأن الأمر أكبر مما تصورنا يا فيصل .. وتقول لي أحبك ؟
أحبك نعم .. بكل عقلي وقلبي أحبك "

علا صوتُ نحيبها .. أغلقتِ الهاتف.. تراخيتُ على سريري ..

أنا بالتأكيد أحلم ..
صفعتُ خدي :


لا..ليس حُلماً الأمر حقيقة !


يتبع


القلم الحر غير متواجد حالياً  
التوقيع
( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي )




أضغط على الصورة لدخول المدونة
رد مع اقتباس
قديم 17-05-11, 03:53 PM   #13

القلم الحر

نجم روايتي كاتب و شاعر متألق في القسم الأدبي

 
الصورة الرمزية القلم الحر

? العضوٌ??? » 127837
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,320
?  نُقآطِيْ » القلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond repute
افتراضي


19

في الصباح كنتُ أهدأ بكثير مما كنت عليه طوال اليومين الماضيات .. عادتْ تلفني السعادة من جديد ... أيقنتُ تماماً أن هذه علاقة التقلبات !
لا يمكن أن تتنبأ بما قد تكون عليه .. المفاجآت المتوالية تتسارع .. تشعر أنك تلهث تعباً وأنت في مكانك لمجرد التفكير فقط !
أخبرتُها أنها بالنسبة لي باتت كل شيء .. وأخبرتني لأول مرة أني أمثل لها أكثر مما تخيلتْ ..
سألتني عن عقد أمي فامتنعت عن مزيد التفاصيل .. عرضت عليّ مبلغاً لاستعادته فأبيت بإصرار .. قالت فلتكن سلفة ولكني رفضت !
كيفَ يفعلها فهد ؟ كيف يقبل أن تمتد إليه يدٌ تزرع في جيبهِ مبلغاً من المال ..
سألته عن ذلك فقال وهو يتمطّى :

- عادي ! ستُهلكك الحساسية المفرطة ..

- إذاً باستطاعتك أن تقف بعد الصلاة وتطلبَ الناس المعونة ؟!

غضِب ولمعتْ تلك النظرة التي أعرفها في عينيه ، تلك النظرة التي تشي بأنهُ استُفز جداً !

- بالتأكيد لا ! لستُ مسكيناً يطلب الصدقات !

- ولكنك تقبلُ أن تجود عليك إحداهنَ ، تتباهى بذلك يا فهد بربك ما الفرق !؟

غادرتهُ تلك النظرة التي لا أحبها في عينيه .. وعادتْ له نظرة المكر والسخرية :

- ألم تسمع بالنفط مقابل الغذاء ؟! المال من الناس لا أقبله .. من إحداهنّ - كما تقول - هو مبادلةٌ نفعية !
لو قدمتَ لي مالاً يا فيصل لن أقبله ، لكن تأكد ، لو كنتُ أحدثك طوال الوقت عبر الهاتف وأنت تستمتع بالحديث ،صدقني ستصِلك فاتورتي عبر بريدك هههههههه

- ههههههههههههه لستُ غبياً لأسدد !

- إذاً هيئ نفسك منذ لحظة الرفض بأنك محرومٌ من أحاديثي اللذيذة ههههه !

تباً لدنجوان وثقتهِ المفرطة !


سألني في الليل بعد أن اجتمعنا في الشقة ماذا فعلت ؟
أخبرتُه أني بعتُ عقداً لأمي وسأعوّضها قريباً .. هكذا بلا تردد..كنتُ قد تصالحتُ قليلاً مع نفسي ..
فكرت أن ما قمتُ به نعم كان خزياً كبيراً لكنه أيضاً ثمن وتضحية لأستمر مع سارة .. عزائي أني قمتُ به مدفوعاً والندم يكللني ..
ألم يقل سقراط بأن التضحية أمرٌ سهل إذا وجدنا من يستحق .. نعم أظن تضحيتي هذه لم تذهب هدراً ..
كنتُ مقتنعاً بأن ماقمتُ به كان شيئاً لا بد منه .. أسهلُ بكثير من إستجداء الآخرين مثلاً .. لهذا أخبرتُ فهد بالأمر ، نعم ببساطة : بعتُ عقداً لأمي !

ثارت ثائرته ، عادت تلك النظرة اللعينة في عينيه ، برَقتْ فجأة وصاح بي:

-ماذا ؟ أنت تنحطّ لأسوأ مما وصمتني به ..
لن أسرق أمي ولو كان هذا المال ثمن دوائي الذي يبقيني على قيد الحياة ..

رنت هذه الكلمة في رأسي كناقوس .. مشكلتي مع فهد أني لا أقدر على الإحتفاظ بالأسرار .. أخبره بكل شيء .. أخبرته أشياء أفظع من هذا الخبر ..
ليس من الذين قال عنهم لامارتين: يكره الرجل أولائك الذين يضطر للكذب أمامهم !
هو صديقي الذي يعرفُ عني كل ما خبأتُ عن غيره ..لهذا أن يعرفَ قصة السرقة هذه ليس جديداً كخبر أخصه به ..
لكن الجديد أن ثورتهُ النبيلة صحت فجأة !
دائماً ما كنتُ أنظر لفهد كجانبٍ سلبي .. وأنا الطرف الآخر المليء بالإيجاب .. رغم كل شيء كنا صديقين بما يكفي لنستمر دائماً ..
اليوم ولأول مرة .. أنا من كان يتلقى الزجر و النصح .. اليوم كنتُ سلبياً جداً وفهد هو من يوبخني ..
تبادل هذه الأدوار .. يخبرني كم هويتُ كثيراً .. ترديتُ للأسفل .. لن تصف الكلمات منظر فهد وهو يحتقرني بنظراتهِ وصوتهُ الصادح في أذني كصوت زجاجةٍ تتشظى ..
كأنما كان منتشياً بهذه الأخبار ليمارس دور الناصح الأمين لأول مرة :

- فهد أرجوك اصمُت ، أتظن أن الأمر سهل بالنسبة لي ؟ إن كنت متقززاً مني مرة فأنا متقززٌ عشرات المرات .. هذه أمي يافهد ..

- عارف يا فيصل ؟ مرة من المرات كنت في علاقة مع فتاة من عائلة ثرية .. كانت علاقتنا تزدهر وكنتُ أسداً ينظرُ لغزالٍ سمين !
هاتفتني على البيت وأجابتها أمي بالصدفة ، راوغَت أمي وأخبرتها أنها مخطئة .. في الليل كانت أحاديثنا متمازجة ومؤشر الإنسجام يتسامى ..
أخبرتني بأنها هاتفت المنزل وسمعت صوت أمي.. ركز معي يافيصل أرجوك ، قبل هذا الخبر كنا نتفق على أين اللقاء .. لكن آه يا فيصل ..
حين أخبرتني أن أمي كانت من البلاهة بحيث لم تشك في الأمر .. آووه ماذا أقول .. هل وصلت بك الأمنيات مرةً أن تكون أمام أحدٍ في ذات اللحظة فقط لتبصق عليه ؟! كنت أستطيع أن أنهي المكالمة في وجهها بإهانة لكن هذا لا يكفي يافيصل لا يكفي .. كان البصق سيبريء أوجاعي وينتصر لأمي .. والآن تأتي بصفاقة لتخبرني بفعلتك السوداء ؟ أنت ؟ أنت الذي كنتَ دوماً زاجري الأول ! تأكيد ياعزيزي لن أسرق أمي وأستغفلها لأجل كليوبترا بذاتها ، نعم .. كن أكيداً من ذلك ياسيد نجيب !

كانت كلماته أشبه بوابل رصاص ..
رفعتُ رأسي.. صوّبت نظري عليه حين انتهى ، وببرود :

- فهد .. الله يلعنك !

* * *


أن تُخبر من تحب بمشاعرك الفيّاضة، أن تبوح بعد الصمت، هذا يشبه ماذا ؟ تعوزني اللغة وسعة الإدارك لأصف ..
كأنك تسير مثقلاً بالأحمال ، تطأ الأرض بصعوبة وبالكاد ترفعُ قدمك الأخرى .. كأنك تمشي فوق خدود الرمال .. الهواء العاصفُ يهب في وجهك وتنثني للرجوع ..
في الرمل وهذا الجو العاصف مكبلاً بالحديد ..هذا كلهُ يشبه أن تحمل سر الحب !
سر الحب أثقلُ ما في هذا الكون ..أن تحملهُ صامتاً يعني أنك تحملُ مالا طاقة لك به .. فإذا ألقيتهُ تحللت من أثقالك .. وإن كنت جيد الحظ وقبِل الطرف الآخر مشاعرك بات ريشةً تتراقص في قلبك ..
لهذا.. شعرتُ بالراحة حين أخبرتها كل شيء .. صار الرملُ جادةً ممهودة .. والهواء العاصف قد سكَن .. وبات المشيُ أسهل ..

حين أخبرتها بأني أحبها ، وبادلتني المعلومة .. وبعد أن هدأت موجة البكاء التي دخلتْ فيها .. عدتُ أحدثها بعد ساعة ..
كان حديثنا لأول مرة يخلو من الضحكات والسخريّة التي اعتدنا عليها .. كأنما نزلتْ علينا السكينة فجأة !
كأننا نعرفُ أن الأمر اختلف .. نتحدثُ كـ مصدومين قليلا ً ،
لم نعاود الأمر ونخوض فيه .. تركناه بعد أن عرفنا كل شيء .. لهذا كانت المحادثة تشبه المرة الأولى يشوبها الطابع الرسمي !

عندما رأيتُها أول مرة عند ماجد .. كان الكلام صعباً جداً لأبدأ .. كان الكلام يستحيلُ حجارةً عملاقة عبثاً دحرجتها للأمام ..
وعندما هاتفتني لأول مرة عندما خرجتُ من الشقة .. كان الحديثُ يتحركُ بصعوبة .. كبحر ٍ متجمد !
وحين رفعنا الكلفة وسقف الحريّة واعتدنا بعضنا صار حديثنا يشبهُ شدو طائرين لا يقطع لذة الشدو عنهم أي منغّص ..
لكن .. مجرد تبادلنا الصراحة ، وخوضنا حديث الحب .. هذا أعاد الأمر مجدداً للمرة الأولى .. غلّف الحياء صوتها معي .. أنا الرجل الذي سمِعها تبكي بالأمس وهي تنطق عبارتها " أحبك "

شيءٌ واحد اختلف ، رسائلها الرانّة في جوّالي .. تخبرني بالأبيات والجمل العاطفيّة .. كأنها تقولُ لي ماعجزتْ قوله بلسانها .. ورحتُ أبادلها الرسائل في كل مكان وأي وقت ..في الكلية في السيارة وأنا مع إخوتي وأنا في الشقة ..
حوّلت جهازي إلى وضع الصمت الكليّ ،
كانت نغمة الرسائل تتكرر بشكلٍ يلفت أنظار من بجانبي .. أضعهُ في جيبي الأمامي بجوار قلبي فإذا ومَضَ بأنواره نَبَض قلبي ورحت أقرأ بانتشاء ..


حادثتُها حين خرجتُ من إحدى المكتبات الكبيرة في الرياض ..
وكنتُ أمرّ في طريقٍ أنيق من طرق الرياض الفاخرة .. وصوتُ المسجل يصدح بـ " اصحى تزعل " لعبدالمجيد ..
كانت كتبت لي مسجاً تقول فيه " اسمع اصحى تزعل ، إهداء خاص من ساره " .. وكنتُ أنظر لألبوم الربيع لفريد وأبتسم ..

- هل تعلمين ياسارة ماذا أشاهد الآن ؟!
- ماذا ؟
- صورة فريد ، واضعاً يده على العود واليدُ الأخرى يشيرُ بالسبابةِ للمصوّر .. لا أدري بتّ في الفترة الأخيرة أظنهُ يشيرُ لي أنا!
- ههههه مااذا يريد ؟
- أشعرُ أنه يقول أني أعرفُ سر هذه الأغاني الجديدة يا فيصل ..
- ماذا قلتَ له ؟
- قلتُ له بأني قضيتُ معه رفقةً جيدة طوال السبع سنين هذه .. وأنه قد جاء الآن وقت التغيير .. بربك يا فريد لا تكن حساس ..
-ههههه وهل صدقّك ؟!
- لا .. المشكلة أنه لم يصدق ، مازالت سبابتهُ موجهةً إلي ههههه
- "لا بـ جد وش قلت له "

شعرتُ أنها تريد مني أن أتحدث حديثاً يروقها .. تعملُ لأجل أن تسمعه .. أوليس هذا ماتريدين ياسمرائي الجميلة حسناً :

- عندما لم يصدقني ياسارة، ولم يقتنع بكلامي المنمق ، أخبرته بالحقيقة ، هل تريدُ الصراحة ياعزيزي ملك العود إذن هذه الصراحه فلتسمع :
هؤلاء الجدد الذين جاءوا لسيارتنا يافريد .. لديهم توصيةٌ خاصة من عزيز لا يُرد له طلب ! لا تلمني بربك ، أنت لو رأيت العيون التي رأيت .. وسمعت الصوت الذي سمعت .. وجاءتك بطلبٍ مماثل لما ترددتْ ..
لا تلمني عزيزي فريد ، أحياناً لا نملكُ خياراً مع بعض الأشخاص إلا التلبية الفورية !

ضحكِت ضحكةً ناعمة تراقصَ لها قلبي .. سألتني أين أنا الآن , فأخبرتها بإسم الطريق الذي أمتطيه .. شعرتُ أنها إلتقطَت اسم الطريق باهتمام وسألتني بجوار ماذا بالضبط ؟!
حين أجبتها أني الآن أمر بالبنكِ الفرنسيّ قالت حسناً ستأتيك إشارة انعطف معها يميناً .. ظننتُ الأمر مزحة وبالفعل انعطفتُ يمينا .. أخبرتني بإسم مطعم شهير كنت بالفعل أمر منه ..
دخلت كما أمرتني مع المنفذ الذي يتلوه .. كانت حارةً مليئةً بالقصور الفارهة والسيارات الفاخرة .. ليست بالتأكيد كبيتنا ولا سياراتنا هناك حيثُ نسكن الجهة الأخرى من الرياض ..
تعجبتُ من قدرتها على تمييز الشوارع بأسمائها الفرعية والرئيسية ومعرفة المتاجر التي تصطف عليها .. لا أظن شقيقاتي كلهنّ يعرفنَ اسماً واحداً من طرقات الرياض فضلاً عن إجادة الوصف ..

- هل ترى التقاطع الذي أمامك ؟ البيت الممتد على الشوارع الثلاثة ؟!
- نعم .. ها هو أمامي
- شاهد السيارات التي أمام البوابه ..
- بانوراما ، جيب رنج ، يوكن .. ماذا بشأنها؟
- ههههههههههه هذا بيتنا يا فيصل !

لم أكن أعرفُ بيتها من قبل .. لم أطلب منها حتى وصفَ البيت خشية أن تفهمني بالخطأ .. وكان فهد يلح أن أعرف ذلك وكنتُ لا أبالي بإلحاحه ..
هذا هو البيتُ الذي تسكنه فاتنتي ، وهذا بالفعل هودجها الفيراني الذي حملها إليّ في المرتين الماضيتين .. أحقاً خلف هذه الأسوار تقبعُ سندريلّاي الجمليه !
كان صوتها يأتي عبر الهاتف وأشعرُ أنها أقرب بكثير من أي وقتٍ مضى .. بتّ أحسبها تحدثني وجهاً لوجه لا يفصلُنا إلا سورٌ رخاميٌ رفيع ..

فيلا أثيرة تتمدد في عرض الشارع كقلعة .. قطعةٌ من البناء الهندسيّ الحديث ليس كبيتنا إطلاقاً .. لا المقارنة ظلم سأكفّ عنها!
وهذه السيارات المترامية على أطرفه ليست كسياراتنا أبداً ..أووه اللعنة ها أنا عدت أقارن!
الحارة الأرستقراطيّة تنعم في الهدوء ، هناك في أحيائنا لا يكف الصغار عن اللعب والسيارات عن ممارسة اللهو المتهوّر .. هنا لا تشعرُ بالحياة بل الرفاهية ..
البوابةُ مفتوحة .. شعرتُ أني من الجنون بحيثُ أصعد كـ عاشقٍ مُدنف ولن ينتبهَ إليّ أحد .. يا لجنوني ..

- هذا منزلكم يا ساره ؟ لا أصدق أن ما يفصل بيننا بضعة أمتار ..

إمعاناً في مغامرتها طلبتْ مني أن أسلك الطريق الضيق الآخر .. توقفتُ عنده ...وكانت تضحك كأنها تمارس لعبةً جنونية :

- امممم ، يعجبني اللون الأبيض ، حلو لون سيارتك ههههههههه

أخذتُ أبحثُ في الشرفات الكثيرة من أين تشاهدني .. انفصلتُ عن المكان لو مرّ أحدهم لقال أني سارقٌ يخطط لفعلته ..لم أعد أعبأ بأحد !

الرياض صارمةٌ على الجبناء المترددين .. المتهوّرين دائماً ما ينفذون بجلدهم ويحالفهم حسن الحظ .. هذا ماكان يردده فهد دائماً ..
كلما تهوّرت مع سارة .. كان الأمر ينقضي على خير حال .. كأننا في عاصمةٍ أوروبية ليس فيها المزيد من التعقيد ..
حين أمسكتُ يدها .. حين تحادثنا عن الأدب في المحل دقائق طوال ، حين أهديتها رواية الأبله أمام بوابة المحل .. كنت متهوراً في الثلاث ولم ينتبه لي أحد !
أليسَ غريباً أن تخافَ من شيء فيحدث لك ، وإذا تمردتَ عليه وصرت شجاعاً تجافى عنك ، ألم يقل تيرنس بأن الحظ يساند الشجعان فقط !
حتى في القتال ، احرص على الموت توهب لك الحياة ..

أخرجتْ لي قميصاً أحمر يتراقص في الهواء ولم تفعل أكثر ..قالت أرأيته ؟ هذه شرفتها ، إذن ها هنا ترقدُ سارة وتحادثني سارة .. ها هنا أجمل معتقلٍ في الوجود !

-سارة سأهجم على غرفتك في أي لحظة ، انتبهي ، في أسبانيا حين يلوحون للثيران باللون الأحمر تُهاجم وتفقد التركيز هههه

شرقتْ بالضحك وشرقتُ بالسعادة .. الآن لا شيء أجهلهُ عن سارة .. الآن صارت الرياض أجمل مدن الدنيا لأنها مدينة الحياة ..
سيكون هذا البيت قِبلة سيارتي كلما خرجتُ من الجامعة .. ومحرابي الذي سأعتكفُ فيه ..
هل جُننتِ ياسارة لتخبري مجنوناً عن بيتك ، لاقوة في الدنيا تزحزحه عنك بعد الآن !
كان صعود روميو لشرفة جولييت في مسرحية شكسبير على وشك التكرار في هذه القائلة .. لكن أعادني من أرض الأحلام خروج سيارة الرنج من منزلهم ..
سألتها فأخبرتني أن هذا شقيقها تركي...

تركي الذي حدثتني عنه طويلاً .. تركي الذي كنتُ أغار عليها حتى من مجالسته وأحسده .. تركي الذي تقولُ بأنهُ صديقٌ لها أكثر من أخ !
كنتُ أغلقُ الهاتف وأنطلقُ خلف تركي ، جنون ؟ لا بأس ..
أريد رؤيته فقط ..فضولي أرغمني على السير خلفه ، هل يشبهها .؟ بالتأكيد سيقاسمها الملامح ..
كان يمضي وكنتُ خلفه كمتلصص .. توقف عند الصيدلية وتوقفتُ أمام البوابة وانتظرتُ خروجه .. كانت مغامرةً شيّقة ..
خرجتُ من سيارتي ومضيتُ إلى الداخل .. وتصادفنا عند الباب ..
هو لا يعرفني .. لكني أعرف اسمه وصفاته وطبائعه وماذا يشجع وماذا يدرس وماذا يحب حتى أن يسمع ..
مررتُ به وألقى السلام ومضى ..
تراقصتُ لشعور الإجرام الذي مر بي في هذه اللحظة .. أليس نوعاً من الخبث و الأعمال المخابراتيّة أن تعرفَ عن بعضهم كل شيء وهو لا يعرف عنك أي شيء..

- عليكم السلام ، قلتها وأنا أبتسم في داخلي ..

كان نحيلاً .. لديهِ لمحةٌ بسيطة من أخته.. أشد سمرةً منها .. كانت تقول سارة عندما سألتها أيّنا أجمل ، أنا أم اخوها ..أخبرتني أني أتفوق عليه بالبياض ..
حين رأيته كنت نرجسياً ، أدركتُ أن سارة شفقت على أخيها في هذه المقارنة .. أنا أجمل منه في كل شيء لكن أخوّتها منعتها من القول ..

ضحكتُ من نفسي وأنا أردد :

جميل ، هذه أول مقارنةٍ يُكتب لي النصرُ فيها !

* * *



في الليل .. كانت تخبرني عن طريقة اتصالٍ جديدة .. أوفر وأفضل !
كانت تتحدثُ حديث العارفة بالأمور وأنا أنفذ ..
علاقتي مع الكمبيوتر وبرامجه تشبه علاقتي باللغة الصينية .. لا أفهم الكثير ،
طالما تبرمتُ من ماجد وأحاديثه بخصوصه ..
وكانت سارة تلح أن أنفذ ما تقول ..
بعد ساعة من التتلمذ وتطبيق التوجيهات . .
بعد ساعة من تلبية ما تطلبه مني وأنفذه حرفياً ..
جاء صوتها يغني في أذني .. قلتُ ياللثورة المعلوماتية .. لكن لم يتوقف الأمر هنا !
ظهرت صورتها أمامي ..
ترتدي فستاناً أنيقاً شعرها ينسابُ على كتفيها تضع قدماً على الأخرى وتقول لي بإبتسام :

- "ها فيصل تشوفني الحين ؟ "
..................................................
....................................
.................................................. ............
.........................

كنت منكباً في أول قراءاتي على أعمال فيكتور هوجو وكان يقول :
أول الحب عند الفتى الحياء ، وأولهُ عند الفتاة الجرأة .. وكنتُ أسخر من رأيه.................

................................
.................................................. ..................
.............................................

..

حسناً ..
أظنني الآن مدينٌ للسيد هوجو بالإعتذار !

يتبع ....


القلم الحر غير متواجد حالياً  
التوقيع
( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي )




أضغط على الصورة لدخول المدونة
رد مع اقتباس
قديم 17-05-11, 03:55 PM   #14

القلم الحر

نجم روايتي كاتب و شاعر متألق في القسم الأدبي

 
الصورة الرمزية القلم الحر

? العضوٌ??? » 127837
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,320
?  نُقآطِيْ » القلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond repute
افتراضي

20

" آه ما أرق الرياض في الليل " ، الآن فقط ، أظن قائلها قد صدق !
سكتَ الهاتف عن الكلام المباح .. وترك الصوت والصورة لثورة الاتصالات التي حوّلت العالم قريةً صغيرة .. وجعلت من الرياض غرفةً واحدة !
ماذا لو أدرك العشاق الأوائل هذا الزمن .. جميل بثينة وكثير عزة ، وكل عاشقٍ بات وجهُ أخاديدَ حزن ٍ لـ تجافِ الوصل بينه وبين من يعشق .
ماذا لو أفاق المجنون من قبره .. أكانَ يصدق أن باستطاعته أن يضرب موعداً مع ليلى وهي في العراق .. عبر هذا الحاسوب !
سيُصعق ولا ريب ، عشِق طويلاً وحايل حيّها مراراً ولم يطُل منها إلا نظرةً خلف خِمار ..
ليستيقظ الآن في زمنٍ بات يُريه في الليلة الواحدة مالم يره كل عمره !

أي ليلٍ كان يسري والناسُ من حولي نيام !
أي فتنةٍ كنتُ أرفلُ فيها وأترنحُ سكراً من غير شُرب .. سكِرتُ وما دارت بقربي زجاجة !
كانت تعرفُ أن في صمتي لهيباً .. وفي صدري اضطرام .. وكانتْ تتغنج طرباً بما تفعلْ ..
تستلقي على سريرها تاكئةً وجهها بين راحتيها ، تتراقصُ قدميها من الخلف وتقول : ها حدثني عن آخر الروايات والقصص !
يافاتنتي بربكِ كفي عن هذا العبث ، أنتِ تعلمين أن النسيان سيّد هذه اللحظة ..
أحدثكِ عن ماذا ؟! ليس ذا ليلُ الأدب !


صيّرتني شاعراً أرتجزُ البيت سريعاً .. كل ما أقولهُ يتحول لجرسٍ موسيقي ..
وكانتْ أشبهَ بعارضة أزياء .. تأتي وتمضي بكل جديد !
ربما حركتها تضحيتي يوم بعتُ العقد .. وراحت تعوضني بأكثر !
أو ربما حين حدثتها عن الفتيات في المكتبة ، شعرت بالغيرة وأضمرتها في سرها طويلاً ، والآن باتت تعاقبني وكأنها تقول : ها هل يستطِعن مجاراتي ؟
لا لا أحد يجاري سحرك .. ولا حتى القمر المطلّ علينا من سجوف الظلام !


******

كنت في الشقة أول المساء وليس فيها إلا أنا وفهد .. أخذتُ حريتي المطلقة في الحديث وانهمرتُ كالمطر ..أخبرتهُ بكل شي ..
أخبرته ببيتها وأخيها وحتى عن ليل الغواية الذي استجد .. ضحك وهو يهرشً دقنه الملأى وقال :

- ألم أُخبرك أن الكذب أفضل دعايةٍ نبثها عن أنفسنا ؟ أرأيت ، ها هو يخلقُ علاقةً مستديمة وتنازلاتٍ ثمينة !
- من قال لك أني كذبت عليها ؟ لم أكذب مطلقاً
- متأكد ؟ حسناً ، وماذا عن الفتيات الشقيّات في المكتبة ؟ هل حدثتها بذلك دون قصد ؟ أجزمُ أنك قلتها استنهاضًا لغيرتها ليس أكثر !
- ...................
- لا تقنعني أنك لم تبهّر الخبر ، نعم ربما ضحكت لك إحداهنّ بينما رحت تقص على سارة أنها تبعَتك وكانت تنتظر منك أن تطلب منها التعارف وهكذا .. أتستطيع أن تحلف أنك لم تفعل ؟
- ههههههههههه بصراحة ، قلتُ لها أكثر مما حدث في المكتبة
- أرأيت ؟ حين نكذب يا فيصل نخلقُ لأنفسنا بريقاً في أعينِ الآخرين .. كذبتك لا بأس بها ..وانظر ماذا فعلت !
المرة الأخرى حين تأتي بكذبةٍ جيّدة قد تصلُ لأكثر .. بابُ التنازلات هذا يُطلّ على درجٍ سفليٍ طويل .. حين يُفتح مرة ، صدقني لا أحد يدري إلى أين يصلُ النزول !
- يخرب بيتك ! كيف تعرفُ كل هذا يافهد؟!

بدا أن صديقي استطاب المدائح ، فعلتْ فيها فعلته .. أعرفُ وميض عينيهِ حين يتراقصُ زهواً :

- أعرفُ كثيراً لكنك أحمق ياصديقي، تأتي لتحدثني عن أرسطو وأفلاطون وبقيّة الأغبياء وتقول لي قالوا وقالوا .. بالله ماذا أفادوك ؟
انظر إلي، بكلمةٍ واحدة مني حركتُ علاقتك للأمام .. ربما نصيحةٌ أخرى مني وتجد نفسك فجأةً في بيتهم ههههه ،
- هههههه يا لك من حاذق ..
- نعم هذا مبدأي يافيصل : اكذب حتى تمسك بزمام الأمور !
- إذن يافهد تتفق مع الإيرلندي بيريك ؟!
- أوهوه ! عُدنا لأحاديث المثقفين ! ها وماذا يقول هذا الإيرلندي .. بربك إن كان كلاماً فلسفياً فلا تخبرني ،
حقاً يافيصل لا أدري لماذا تكلف نفسك عناء حفظ هذه المقولات بينما أنت الآن تُجالس الحكيم الأول ههههه !

- هههه لا ، اسمع ماذا يقول : الرجل الذي لا يكذبُ على المرأة هو لا يحترم مشاعرها إطلاقاً !

كان يشعل سيجارته ، بعد أن قلتُ له هذه العبارة نفث الهواء البنفجسيّ بعيداً للسقف واخرج اللفافة من فمهِ على الفور :

- أحقاً قال هذا الكلام ؟!
- نعم .. كأنهُ يبرر الكذب مثلك !
- فيصل ، من الآن أخبرك ، أحرق كل الكتب التي لديك وركز على بيريك هذا، يبدو أنه كاتبٌ جيد ، أعاد لي بعض الثقة في المثقفين .. هل لديه أقوال أخرى ؟!
- نعم ، يقول : تعرفُ المرأة أننا نكذب في بعض عواطفنا ، لكنها تشاركنا الكذب على نفسها وتصدق !
- شفت فيصل ؟ ماقلت لك انه رهيب بيرك هذا .. بالله مافيه ثالثه ؟
- ويقول : تغفر المرأة القسوة والظلم لكن لا تغفر عدم الإهتمام بمشاعرها ..

قبض على سيجارته بشفتيه وراح يهز رأسه و يصفق :

- هههههههههههههههه أهنيه بيريك هذا ، رائع ، لااااا .. الجيل الصاعد من المثقفين يرفع الراس !
- يا فهد أي جيل صاعد ، شبِع موتاً منذ قرنين !
- إذن ، الرعيل الأول من المثقفين هم الأذكياء ، الجيل الجديد خيّبوا ظني .. قل معي تباً للجدد هههههه

على أصوات ضحكاتنا كان يمضي الوقت سريعاً ..
قررتُ أن أخبره بالأهم ..أعرف أني سأغضبه بالحقيقة ، لكن لا بأس .. مستعدٌ للتوبيخ من استاذي :

- فهد ، هناك سر لم أبح به ،

وهو يزرع السيجارة في المنفضة :
- هاا .. غرد غرد .. مفاجآتك اليوم لن تنقضي ..

- فهد/ أنا أحبها .. نعم أحبها وأخبرتها بذلك ..

تلقى الخبر ببرود !
نفث الدخان في وجهي وقال وهو يبتسم :

- لا أنتَ لا تحبها يا صديقي !

- ماذا؟ اعرفُ نفسي أكثر منك .. عندمـ ..

- يارجل لو كنت تحبها ماتحدثت إليّ عن كل شيءٍ يخصها !

- بل أحبـ ..

- نحنُ نلعب يا صديقي ، تذكر ذلك نحنُ نلعب ، هل ترى سلمان كيف يُحجم عن أسرار بيته بعد أن تزوج ؟ هذا لأنه يحب ..
ألا تذكر أحاديثه عن كل محاولةٍ يعيشها قبل زواجه ؟ أنتَ لا تحبها لكنك تحب الوقت الذي تقضيه معها !

كان يتحدثُ بثقة ، شعرتُ اني شككتُ في أعماقي ، أخذتُ منه الريموت الذي يتنقل به بين القنوات وهو يتحدث وأخبرته :

- لكني أغضبْ حين أفقدُ صوتها .. حين تتأخر مثلاً ، أشعر أن قلبي ينقبض وأن ضحكاتي تتوارى مع الكل ، أحدثُ نفسي عنها كالمجنون..شهيتي نحو الطعام تعتمد على ظروفي معها !


- سلكتُ هذا الدرب قبلك ، أتظن أن هذه الحالة لم تعتريني مع أحدهن يافيصل ؟ صدقني بمجرد ان تأخذ ماتريد ستنسى كل شيء .. الأمر ليس حباً مجرد انجذاب

- نعم أنجذب إليها لأنها تختلف عني في كل شيء ، تتميّز عن كل النساء في مجتمعي ، هي جريئة مثقفة لا تخشى شيئاً .. تخرجُ كثيراً وتمرح .. كل شيءٍ فيها يختلف عني وتوقعت الأمر مجرد انجذاب وفضول .. لكن صدقني يافهد لم يكن كذلك ..
حتى سُمرتها الغريبة عني وعن بيئتي ، هذا اللون الغير معتاد في وجوه أقربائي ، توقعتُ أني منجذبٌ لهذا التناقض ، منجذبٌ لأتطفّل في عالمها الأسمر ، لكن الأمر لم يتوقف هنا .. أنا أحبها وأعني ما أقول ..

- حسناً ، هل تدري أنها تلعبُ بك ؟

- ماذا تقول

- هي لا تحبك صدقني .. هي تتسلى بك ..

- فهد إلزم حدك سـ...

- لا لن ألزم حدي ، سأخبرك بأشنع شيء .. هل تظن أن سيادتك أول من رأى مشاهدها الليلية ههههه ؟..
بربك أيها الجامعي المثقف ماهذا الغباء ؟
أتظن أنك أول من شاهدها مستلقيةً وتتحدث بغنج .. ياصديقي أجننت ؟ صدقني قبلك العشرات .. ربما أنا أحدهم من يدري يا فيصـ ..

كنتُ أمسك بتلابيبه وأضعه على الجدار .. أردتُ أن أضربه أردتُ أن أخبره أنه وقح .. كان كل مافيني يفور غضبًا .. شككني في مشاعري والآن يريد تشكيكي فيمن أحب :

- لا أسمح لك .. هل تفهم لا أسمح لك .. إخرس ولا تقل شيئا

أنزل يدي في غضب وقال لا تسمح .. منذ متى أطلبُ الإذن لأتحدث .. ها قد أخبرتك بالحقيقة ولن أجمّلها في عينك .. ثم انك حرٌ بعد هذا

- نعم أنا حر ، وسأخبرك بحقيقة أمرك ، أنت متفيهق لا أكثر .. تدعي الذكاء تدعي الفطنة أنت لا تفهم شيئا .. و الايرلندي اللعين بيرك هذا الذي تمتدحه قبل قليل .. يقول المرأة أصدق من الرجل لأنها تفكر بقلبها وهو يفكر بعقله ، أنت لا تعرف شيئاً هل تسمعني أنت لا تعرف شيئاً

كان يلتقط إزاراه الذي سقط في الأرض وكنتُ أصفق بالباب خارجاً .. جاءني صوتهُ وأنا أعبر الطريق من النافذة :

- إذن حتى بيرك مغفل ككل المثقفين !

* * *

أقودُ سيارتي مسرعاً عائداً للبيت .. كان الغضب يجللني .. ثورةٌ عارمة تشب في صدري وأطرافي أريد تفريغ حنقي في أي شيء ..
كل سيارةٍ تؤخرني وتتمهل في سيرها كان صوت البوق ينطلق من سيارتي مثلي غاضباً .. كأن الرياض كلها تدري بحنقي ..
نادراً ما أختلف مع فهد .. لا ليس نادراً .. بل أول مرة أرفع يدي تجاهه في عصبيةٍ بادية .. لم نفعلها مذ كنا صغاراً في القرية . .اللعنة ، ماذا يحل بي !
يبدو أن الحب ضربٌ من الحرب كما قال أوفيد .. لم أكن بهذه العصبية من قبل

هل كان محقاً يوم قال عني لا أحب سارة ؟ لا ليس هذا مهماً الآن ، أحقاً لها علاقاتٌ متعددة ؟ يا لغبائي لماذا لم أسأل نفسي يوماً عن هذه الجرأة !
آه ياسارة .. أحقاً هذا الذي يجري في صدري هو الحب .. أم هو اللعب والتصديق كما قال فهد .. فهد هذا الدعيّ الذي يزعم أنه يعرف كل شيء !

آه .. ليت أني عرفتك قبل الروايات والأعمال الرومانسية وقصص الشوق التي أسمعها .. هل أنا الآن أتقمص ؟ هل أحب حقاً أم أني أمثل أدواراً شدتني حين قراءة .لا أدري ..
أخرستُ صوتَ عبدالمجيد .. لم أنتبه له إلا الآن ، أخرجتُ الشريط من المسجل وكأني أعاقبُ سارة مؤقتاً ..

*****


آخر ما ينقصني أن أتعرض لتوبيخ والدي .. آخر ما ينقصني اشتباكٌ عائلي .. تباً لهذه الاجتماعات البروتوكوليّة الزائفة .. كان والدي وإخوتي يتأنقون كيوم عيد ..
يستعدون للذهاب لإجتماع قبيلتنا السنوي .. وأنا الكافر بكل هذا ولا أعبأ به .. كل ما حلّ يوم الإجتماع هذا كان عبئاً عليّ ثم على أمي حين ترانا مختلفين ..
والدي يريدنا كلنا صفاً واحداً خلفه .. كأنه مكاثرٌ بنا القبيلة ومفاخرٌ بنا الجموع !
ليس هناك أحقر من احترام يقوم على الزيف والبهرجة ..
أؤمن بحريتي وأدرك أن الوعي ابن الحرية الأول .. فرض القناعات و القيود استعباد لا أرتضيه ..سنين منذ أعلنت التمرد على هذه الطقوس !

حين ذكرني أبي بالأمر صباحاً لم أوافق ولم أرفض .. كنتُ مشغولاً بسعادتي ولم أفكر في الأمر مجدداً إلا حين دخلت الآن .. تباً !
لستُ أعترف بكل هذا .. ولا أسمحُ لأحدٍ أن يعيشَ أجواءه الزائفة على حسابي ، تباً لهذه التجمعات الغبية ، والمظاهر البراقة و التحذلق الذي يمارسونه عياناً بيانا
صعدت لغرفتي تشيعني دعوات والدي بالثبور واللعنات .. أخبرتهُ أني لن أذهب

- لا أريد الذهاب .. هذه الدعوات لا تستهويني ،
- تروح غصب عليك ،
- لا لن أتحرك ، أرجوك يا أبي ما فيني يكفيني ، ضغط الإختبارات يرهقني لا تزدني

علا صوتُ والدي وانصرفتُ دون مبالاة صاعداً لغرفتي..
تركتهم خلفي حين كان أخي الكبير يحاول تهدأة والدي وأمي تزرعُ في الفناء تهليلاتٍ ومناشداتٍ لأبي أن يدعني وشأني ..


كنت أفكر ، أحقاً كانت كل هذه الفترة على علاقةٍ مع أحدهم ؟
هه وأنا الذي كلما اتصلتُ بها كان الخط يطلبُ دون انقطاع ولا انشغال ولا انتظار فأطمئن لصدقها..
ربما كانت وقتها على تلك الكاميرا اللعينة من يدري !
رحتُ أطلبها .. جاء صوتها ضاحكاً بشوشاً كالعادة .. وكان صوتي من السخف إخفاء نبرته الحانقة ..كنت صامتاً ألقي بإجاباتٍ مقتضبة ..

- فيصل ماذا بك ؟!
- لا شيء لا شيء ،
- غريب اتصالك هذا الوقت ، الساعة الآن السابعة ، ليست عـادتـ ..
- حسناً مع السلامة

- فيصل ماذا بك .. أنا أتحدث من قال لك بإني متضايقة ؟
سعيدة بسماع صوتك لكني أخبرك أن الوقت أبكر مما عودتني فقط

اللعينة ، تقول إنها سعيدة ! وهل تستطيع أن تقول غير هذا ،

- أين أنتِ الآن
- في غرفتي .. أقرأ روايـ..
- جالسة ع النت ؟!
- لا ، اقول لك أقرأ رواية


هه أأنا غبي لهذه الدرجة لأصدق ! في غرفتك و تملكين أدوات الاتصال مع كل العالم و تتفرغين للرواية !


- أي رواية
- بين القصرين التي أعطيتني
- في أي فصل وصلتِ ؟
- انتصفتْ في الثامن والعشرين حتى الآن ، جميلة جـ
- ما رأيك في الفتاة اللعوب جارة فهمي ، فهمي طالب الحقوق ، هل تصدقين أنها تحبه ؟
- لا أدري ، أشعرُ أنها تتسلى به فقط ، رآها شقيقه كمال تحادث الجنود الإنجليز .. يبدو أنها ليست صادقة في حبه
- كل الفتيات هكذا !
- لا طبعاً !

قالتها بلهجةٍ نزقة !

- كلهم يدعون الحب ويمثلونه ، أتعلمين ؟ لو كنتُ مكان فهمي لرميتُ الورد وأغصان اللبلاب التي تزرعها أمه في السطح ، على وجهها حين تنشر الغسيل وتتغنج له
- أوه لماذا ؟
- لأنها حقيرة ، تافهة ، تدعي الحب وهو منها براء .. وفهمي هذا اللعين غبي ـ كيف يصدق بالحب في مجتمعٍ شرقي يكفرُ به ، كل مايحدث مجرد هوس وتطبيق لأعمال رومانسية مُشاهدة !
- لكنها كل ماشاهدتهُ يقرأ في سطح المنزل خرجتْ بسعادة تدعي الغسيل، هذا يا فيصل أول خيوط الحب في علاقتهم ، ربما هي في طور الحب أظنها معجبةٌ به جداً


إيه .. دافعي عنها ، لأنكِ مثلها .. ربما !

- الإعجاب شيء ، الحب شيءٌ آخر ، أنتِ لا تفهمين شيئًا !
صرختْ بحدة :
- فيصل اشفيك !

- لا شيء ، مجرد خلاف بسيط مع والدي .. متوتر بعض الشيء
- لا حول ولاقوة الا بالله .. ماذا حدث ؟!
- فقط يريدُ أن يجبرني على ما لا أريد .. هذه الإجتماعات الكبيرة والمناسبات الرسمية لا تستهويني وهو يصر أن يسوقني إليها !
- اجتماعات ماذا ؟
- قبيلتنا تجتمعُ سنوياً في قاعةٍ فسيحة ويحضرها الأمراء وشيوخ القبائل ورجال الدولة ، كل سنة يتكرر هذا الخلاف مع والدي لا جديد
- ههههههه عجيبين انتم !


لحظة ماذا قالت !؟


- كيف ؟!
- لا أدري يا فيصل ، أشعر بهذه الإجتماعات شيء سخيف ، " طهبلة " ليس أكثر !
- لماذا تقولين " أنتم "
- لأننا ولله الحمد أرفعُ من هذا الأمر .. بصراحة لا أكاد أصدق أن هذا المجتمع المنفتح وهذه الحضارة والحياة المدنية لم تغيّر في العقول شيئاً .. عندما أمر على قنوات الإبل والشعر في الفضائيات أشعر بالشفقة !
- حسناً .. ولماذا تشعرين بالشفقة
- فيصل ، بربك !
أُناس شبعوا موتاً و انتهى زمنهم والبعض مازال يترنم بأسمائهم ويفتخر بهم ! أليس سخيفاً أن تعيش على أنقاض الماضي وتفخر بما ليس لك فيه يد !
- ولكن هؤلاء نسيج متصل ، حيّهم وميّتهم .. انتِ تتعصبين لعبدالمجيد لراشد وهم لا يمتون لكِ بقرابة ، أتلومين أحداً إن تعصب لأحد أجداده وصار يفخر به
- نعم فيصل ، أتعصب لمطرب لنادي لكن لا أدعي فخراً بإنتمائي له ، مجرد قناعات وأذواق أنافح عنها وأصر عليها أنها أصوب من غيري ..
إنما لا أرى في الأمر فوقيةُ على أحد ! هؤلاء ، يظنون أنهم شعب الله المختار وأنهم الأرفع .. بينما لا يرفعُ النسب شيئاً .. العلم الأخلاق الثقافة المال .. غير هذا هراء
- سارة من هم هؤلاء ؟
- أنتم !
- نحن من
- أنتم القبائليون .. تتفاخرون بذواتكم كثيراً ولا أدري لماذا
- حسناً ألا تفتخرين بنسبك بأجداداك بـ ..
- فيصل من قال لك أصلاً أني أنتمي لقبيلة !
- ..............
- لا أعرف إلا اسم والدي وجدي ويكفيني ، أعتد بنفسي بعائلتي الصغيرة بأخلاقي ثقافتي .. لا أرى في الرجوع للماضي واجتراره إلا إفلاس .
- سارة ، إنتبهي ، انا أرفض هذه التجمعات نعم ، أنتقد ما يحدث فيها من بذخ نعم .. لكن لا تتطاولي ..
- فيصل أتطاول على ماذا ؟ بربك لا تصدمني وتقول أن الأمر قد ساءك .. إذا كنتَ أنت المثقف الأديب تؤمن بهذا السخف إذن ماذا يقول الجهلة إذن
- ســـــارة !
- ماذا هل صدمك الخبر الذي قلت لك ؟ نعم لا أنتمي لقبيلة والحمدلله .. أتحللُ من كل هذه القيود التي تكبلون بها أنفسكم ..
أعيش حياتي كما أريد لا أحد يتحكم بمصيري ويفرض علي قناعا...
- نعم ، تتحكمين .. في هذه صدقتي ، سائق يلف بك الرياض .. كاميرا كل ليل ، أحاديث الحب .. نعم !

-فيصل ماذا تريد أن تقول ، هذه الأحاديث العائمة لا تعجبني

- أنتِ تعلمين ...

- أعلم ماذا ؟ والله ظلمتني، كل ما في الأمرِ أن فرحي بك يدفعني للجنون قسراً .. والله ظلمتني !

- أوهووه !

- ياللأسى حقاً ! حسناً أنا أعلم ، دعني أخبرك إذن :
هؤلاء الذين غضبت لأجلهم لن ينفعوك بشيء صدقني ..
وهؤلاء الذين يتحمس لهم والدك هم أول من سيتخلى عنه لو احتاج ..أنت تدرك هذا .
أنت مثقف لكن تتعامى صدقني ، تدرك ان هذا التعصب من الأغنياء للدين والعادات والموروث يحميهم من الفقراء السذّج ليس إلا .. لا يقيمون وزناً لأحد ولا للمؤسسة ذاتها ..
يرفلون في النعيم في الإعلام في القنوات بالمشالح والعرضات وأنت وغيركم تصنعون مجدهم .. هل التفتوا لك ؟ انظر عندما احتجت ماذا فعلت ؟ سرقتَ امك

-اللعنة ـ تعيريني بأني سرقتُ أمي ؟؟؟

- لا فيصل ، ارجوك ليس هذا قصدي .. أقول أنهم فقط لا يسألـون عنـ..

- ياللوقاحة حقاً ..

- فيصل لاتفهمني خطأً أنت مشوش الذهـ

- أتعلمين لماذا سرقتها .. دعيني أخبرك لماذا سرقـ ..

أخذت تصرخ :
- فيصل أرجوك والله لم أقصد شيئاً .. لا أعيّرك افهـ ...

- الشرهة مو عليك يا ...




- يا أيش ؟


- .....................


- قُلها يا ولد الحسب والنسب !


- ...................



-ألو ، فيصل قلها ؟ يا ماذا ؟!

- ........


- لا تجب، طيب يا فيصل ..شكراً يجي منك أكثر

ارتعد صوتها ثم أغلقتْ الهاتف !
رميتُ به ِ في الأرض وأنا أصرخ :
بالطقااااااااااق

ألقيتُ رأسي على فراشي وأنا ألعن كل شي .. كل شيء !


يتبع ....


القلم الحر غير متواجد حالياً  
التوقيع
( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي )




أضغط على الصورة لدخول المدونة
رد مع اقتباس
قديم 17-05-11, 03:57 PM   #15

القلم الحر

نجم روايتي كاتب و شاعر متألق في القسم الأدبي

 
الصورة الرمزية القلم الحر

? العضوٌ??? » 127837
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,320
?  نُقآطِيْ » القلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond repute
افتراضي

21

ها هي شمس اليوم الثالث من القطيعة تدنو للمغيب ، عدتُ لعزلتي مجبراً غير مختار ،
أضعُ يدي خلف رأسي وأتمدد في سريري رانياً للسقف أشبهَ بمحنط !
لم أهاتف سارة منذ خصامنا يوم الجمعة ، لم تتصل ، ولم أعد للشقة منذ اشتباكي مع فهد ... وتغيبتُ عن الكلية هذا اليوم !
أنظر للتقويم مكتوباً عليه " الاثنين " : أي اثنين !؟ ما أنا إلا واحد !
صوتي بلعهُ الصمت ، نظراتي باتت ذابلةً جراء نومي المتقطع ،
كل ماتقلبتُ في نومي ذكرت سارة ورفعتُ الهاتف أبحث عن مكالماتٍ لم يرد عليها فلا أجد !

شككتُ حتى في أمر هاتفي ، ربما فُصِلت عنه الخدمة .. ربما لا يستقبلُ المكالمات لخللٍ فيه ..
أتصلُ من هاتف بيتنا على رقمي وحين يعلو رنينهُ ألعن حظي !
غضِبَتْ مني وباتت مصدومةً فيني ، بالتأكيد تبخر حلمي الذي توقعتهُ قد صار في قبضتي .
لماذا أهنتها ؟ لماذا أخذني الحماسُ لعاداتٍ أرفضها !؟ لماذا استيقظتْ عصبيّتي فجأة .. وأنا الذي كنتُ أدين كل أشكال التفاخر والتعصب !

الإهانة أسوأ ما نوجهه لشخص ، هي صفعةٌ على الخد ينفذها اللسان !
تستحيلُ الحروف وابلاً من الرصاص أشد أحياناً من رصاص الأسلحة ..
أتذكرُ براءتها معي ، شوقها لي، فرحتها بصوتي حين يجيء عبر الهاتف ، وأشفقُ عليها مما سببتهُ من ألم .. بالتأكيد تألمتْ !
مسكينة ، كانتْ تشجعني وتحتفي بي ، صوتها هتوفٌ بإطراء قصصي ، كانت تسألني حتى عن بحثي وماذا أنجزت فيه ، أطيبَ من أن أُسمعها ما تكره !
لماذا فعلتها ؟!

حين كنت أُهاتفها كانت تحلّفني كطفل : هل انتهيتَ من مذاكرتك ؟ كانت كأم ، وكنتُ أحلف لها مستغرباً ...
فـ تقول أخشى أن أكون عائقاً لتحصيلك ، وإلا فالشوق الذي في داخلي أكبر مما لديك !
لماذا كنت حاد النبرة معها !؟ لماذا شككتُ في أخلاقها .. لماذا ؟!

ربما الآن هي تبكي ، بالتأكيد صدمتُها ، نعم ، من السخف تلطيف الأمر .. ليس الأمر إلا صدمة .
أن تقولَ لأحدهم لفظاً إستعلائياً هذا يعني أنك لا تأبهُ له، هذا يعني أن كل أحلامهِ التي رسمها معك ..باتت خيبة !
وأعودُ أندبُ حظي : لماذا أضعتُ الحلم من يدي يوم طويتهُ كحبلٍ مشدود فوق كفي !

ما في هذه الغرفة المظلمة إلا أنا وصوتُ مفاتيح هاتفي حين أمر عليها .. كانت كأنين !
أقلب رسائلها في صندوق الوارد، المسكينة في غضون أسبوع فقط أرسلت لي قرابة السبعين رسالة..
رسائلها تشبهها ، متنوعةٌ تماماً ، حيناً أشعارا وحيناً مجنونة وحيناً سخريتها المحببة وأحياناً أديبة بشذراتٍ مما راقها في الأدب ، وعاطفية أحياناً كثيرة .
كانت كما هيَ تماماً ، تأتي كقبيلةٍ من النساء ، ألفُ أنثى في جسدٍ واحد ، تملأ عينك تماماً بحيث يستحيل أن تبحث عن أخرى !
هل ظلمتها ؟ هل قسوتُ عليها ؟! لا أدري ، أنا فقط متعب ، وحزين ، وهذه الغرفة بل هذا الكون كله لم يعد به من الأكسجين ما يكفي !


أتهادى بين رسائلها ، كل رسالةٍ منها كانت تذيّلها بإسمها ، يالنرجسيتها الجميلة ، تعشق اسمها حقاً !
كانت تختمُ رسائل الشوق بـ " سارة/سارونة" ، وأي بيتٍ يأتي ممهوراً بهذا الإسم فهو جميلٌ وإن كان ركاكة !
ليس كل ماكانت تكتبه لي منقول ، كثيراً مما تكتبه لي كان من تدوين حرفها .. وأروح أقرأ :

- " زوج رحاب عاد من باريس ، ستعودُ لمنزلها ، مقاطعاتها لنا كل ليل ودخولها المتكرر غرفتي سيزول منذ اليوم ..
لا أدري أين أصلُ معك يافيصل، كنتُ أحب مجيء أختي كثيراً، كانت تؤنسُ وحدتي ، لماذا أفرحُ بمغادرتها الآن ماذا جرى ؟! سارة "

هه ، رجعتْ رحاب أو لم ترجع .. الأمر انقضى !

وأمضي بين الرسائل بحثاً، و أقرأ :

- " اذا طلعت من القاعة كلمني ، لا أريد أن أنام قبل سماع صوتك ، صحيح ان صوتك ليس جميلاً لكن المشكى الى الله ما أنا إلا مجنونة هههههه ، سارونة "

وأتذكر حين كنت أضحكْ في القاعة وأنا أقرأها ، يا لسخريتها اللاذعة المحببة ، كنتُ كتبت لها من تحت الطاولة :

" يبدو أني مثل فريد الأطرش، أصواتنا ليست جميلة لكن شعبيتنا هائلة ! "

ردت على الفور برسالةٍ تكتبها من سريرها وتبعثها لي في قلب القاعة :

- " فريد يتميز في العزف لهذا ربما اشتهر ، لا لست مثله سيد نرجسي ، الرواج الذي يلقاه صوتك عندي شبيه برواج شعبولا، حتى الآن مازال غير مفهوم !"
هل كانت قادرةً على إضحاكي بسهولة لأنها بارعة ، أم لأني أستلطفُ كل شيءٍ يجيء منها ؟! لا .. هي حقاً لاتُجارى في المرح !

ويمشي إبهامي عبر بريدها متنقلا ً :

- " لا تحسب اني دالهٍ عنك ناسيك ، دقات قلبي كلها تقول وينك، سارة "

أذكر جيداً متى وصلني هذا البيت ، كانت كتبته لي يوم أغلقتُ الهاتف بعد أن بلغت فاتورته الحد الأئتماني ، يا ألله ، كنا في أوج انسجامنا حينها ..
..و صارحنا بعضنا بالحب ذاك الليل ! ، دقات قلبي كلها تقول وينك ، حسناً ، الآن ياترى هل تقول هذا البيت ، هه لا أظن !

وأبدأ الهواجس والتفكير ، عبثاً أحاول مقاومة السرحان فيها ، كان كل شيءٍ يرمي بي في أتونها لأفكر :
بالتأكيد هاتفتْ صديقتها هيفاء ، بالتأكيد قالت لها بأني صُدِمت في فيصل الذي حدثتك عنه طويلاً ياصديقة .
هه وصديقتُها ككل البنات الأخريات، لاتعرفُ التهدأة ، فقط تعرف أن تزيد النار حطباً .
تلوكني الألسن ربما ، أو ربما هيَ وحيدةٌ تبكي الآن ، لا ! بل ربما هي في نزهةٍ مع سائقها تلف الرياض على أنغام راشد !
أحقاً هذه ثلاثة أيام !؟ تراودني نفسي عن الإتصال بها فأستعصم : " يبدو أني صفحةٌ طويت " .

ترددتُ كثيراً على مكتبتي في ركن الغرفة ، حاولتُ التماهي مع كتبي ، حاولتُ أن أصدق المتنبي بأن خير جليس في الزمان كتابُ وليس سارة !
كل ما في مكتبتي صار عصياً على القراءة ، مابالي عاجزٌ عن إتمام سطر !
أذائقتي باتت صعبةُ الإرضاء أم أني بتّ أميّاً فجأة ؟!
آه يا عزلتي القديمة ، وأيامي الخوالي أين أنتِ؟!
اشتقتُ لعزلتي ، للسلام الذي يسكن روحي ،
شتقتُ للكتب المنثورة في غرفتي أنهلُ منها تاركاً خلفي كل شيء !
اشتقتُ للكتابة ، للتركيز في المذاكرة ، اشتقت حتى للخروج بسيارتي في الرياض لبضع الوقت مع موسيقى بيتهوفن وأنغام ام كلثوم .
تركت الكتب وفتحتُ مجلداً يضم اقتباساتٍ لأجمل ما قرأت، لربما جملةٌ تشد أزري أو حكمةٌ من يدري ،ربما دوّنتها لتكون ذخراً في هذه الضائقة ..
تصفحتُ مجلدي النفيس ووقعت عيني على هذه العبارة :
" أنت لا تستطيع منع طيور الحزن من الطيران على رأسك، لكن يمكنك أن تمنعهم من بناء الأعشاش في شعرك .. حكمة صينية "
يا للحكماء الساذجين حقاً ، يبدو أنهم يطلعون على الناس من فوق هم لا يعيشون معهم ، يتخذون جانباً محايداً ويبدأون التنظير والثرثرة !
صاحبها لو عاش الحزن والضيق حقاً ما كان قالها ، لكنهُ رأى حزيناً بالجوار فآثر تدوين جملةٍ رنانة على حسابه بدلاً من مواساته !
الحزن ياغبي أشبه بدلو ماء يُهراق عليك ، مهما فعلتَ لا بد أن يرى عليك الناس آثار البلل .


قبل أن أركب هذا الموج اللاطم ، كنتُ أخرج من الكلية وليس هناك مايشغلني ، أنام قسطاً مريحاً ثم أستيقظ لأقرأ .
أخرج وحدي وأسهر وحدي وأتسكع وحدي ، كطائرٍ يستمتعُ بالتحليق وحده ، ترك السرب يمضي بعيداً وانشق عنه .
كنتُ نادراً ما أُشرك في أوقاتي أحد ! يا لذاك الوقت البعيد ، مهلاً ، أحقاً هو بعيدٌ جداً أم أني أراهُ كذلك ؟!
كانت حياتي أشبهَ بحالة سلام ، الآن ليس هنا إلا الحرب والدمار والأشلاء !
أذكر عزلتي القديمة فـ يهتفُ في سمعي صوتُ أسمهان : " يا ليالِي البِشرِ يا تيك الليالي، أين أنتِ الآن مني؟! " !
وأرى ما أحدثهُ دخول سارة في حياتي ، فتهتفُ أسمهان بأغنيتها الأخرى : " تلك الليالي اللواتي سبّبن سقمي ، ياليلةُ بعدها عيناي لم تنمِ ! "

أفتحُ كتاباً فأرميه ، والآخر كذلك ، عبثاً أحاول القراءة ،لم يعد يستهويني الأمر الآن ، يشب في صدري حريقٌ يأكل تركيزي !
تباً للفيلسوف الألماني شابينهاور ، كنتُ أصدقه طويلا ً :
" لا تمر بالمرء محنة إلا وتخففها ساعاتُ القراءة " ، كنتُ أصدقه ، كنتُ أهرعُ لمكتبتي كل حزة ضيق وأجد الأمر كما قال تماماً .
حسناً سيد شايبنهاور : هل تعرفُ سارة ؟ هل جربت الإختلاف مع سارة ؟
أو هل رأيت عينا سارة ؟
لا .. إذن فلتصمت !



يومضُ هاتفي ويعلو رنينه ، أترك ركن المكتبة وأنطلقُ ناحية سريري ، قلبي يحدثني أنها سارة ، أدركتها الشفقة ربما !
أرفعُ الهاتف وأتراخى بارداً ، ثاوي العزم .. فهد !
ماذا يريد ؟ لم يتصل منذ تشاجرنا ؟ الآن ماذا يريد ؟!
يبدو أنه تنازل وآثر البدء بالمصافحة ، لا أريدُ التنازل منه ، سألتقيهِ متى شئت .. أريدُ سارة !
لم أجبْ ، تركتهُ يضيء حتى غرق في الظلام :
أنت يا فهد سبب كل شيء ، أليس جزاءً عادل !

وبتذكر فهد تشب فيني أسئلةٌ كان هوَ من زرعها :
هل سارة تحبني فعلا ً ؟ هل الحب مجرد كلمةٍ هكذا نلفظها ونعتنقها مصدقين ؟ أم نحن نتقمصُ الحب ؟!
هل جرأتها مبررة ؟ رباه كيف تفعل كل هذا ؟!
في المحل أول مرة كانت تحدثني بثقة ؟ هي من بدأ الحديث عن رواية أحلام ، و هي أول من بدأ الإتصال ، وهي أول من عرض اللقاء المدبر ،
بل هي من علمتني أن في هذا الحاسوب ألفُ طريقةٍ للمواعيد واللقاءات ، ثم راحتْ تحادثني صوتاً وصورة ، قبل أن أتهمها بشناعة !
حين سألتها ، أخبرتني أن صديقتها كانت في ماليزيا : "عرفتُ منها كيف نتحادث بهذه الطريقة " .
صوتُ بكائها يرن في أذني يوم قالت " ظلمتني يا للأسى ظلمتني " ، ترن كناقوس !
كانتْ تقول بأنها متفاجأةُ حتى من نفسها وأن فرحتها بي تدفعها لما لم تتوقع أن تفعله يوماً : " ألم يقل صديقك ديستويفسكي سننبهرُ من أنفسنا ذات يوم حين تنطلق " !

يا لطيبتها أم يا لجرأتها ؟!
يا لشوقها واحتراقها الساذج للحب أم يا لـ.. لا ! ، سارة أكبر ، أنقى ، ماهذه الأفكار المسممة ، شيءٌ في داخلي يقولُ بصدقها !
لماذا يافهد أيقظت فيني أسئلةً لا أملك إجابتها ؟ لا أملك أم أني أخشى إجاباتها ، أووووه اللعنة ماذا أقول أبتّ مجنوناً اكلم نفسي !

لماذا أبقى حبيس غرفتي ، هل أبحثُ عن الجنون!
حملتُ نفسي و خرجتْ ..

********

أغلقتُ باب الشقة داخلاً وأصواتُ الأصدقاء ترحب ، وحدهُ فهد كان ينظر للتلفاز مستلقياً في صمتْ ، حاولتُ التصنع والإحتفاء بترحيبهم وأظني نجحت .
ينتظرون مباراة الهلال ، وأنا أنتظر اتصالاً !
الهلال اليوم على المحك في مباراة النهائي ، وأنا على المحك مع حلمي !
يتحدثون عن النقص الحاد في صفوف الهلال وأتحدثُ عن النقص الكبير الذي اعترى حياتي !
وفهد صامتْ ، هذا اللعين الذي غربل حياتي صامت ، الآن صمتّ يافهـد ؟!
يحادثهم ولا يلتفتُ في الحديث تجاهي ، أمازال غاضباً ؟ لماذا إذن راح يطلبني قبل ساعة !


يهتفون لهدف الهلال الأول ، ولا شيء في داخلي يشعر بالفرح ، هه كنت قديماً أصرخ ، أدخل في نوبة هيستيريا مع كل هجمة ، الآن ما عاد يشغلني الأمر !
ويتلقى الهلال هدفاً من الخصم ، ولا شيء يشعر بالحزن في داخلي ، كل الحزن سارة !
عيون فهد تختلسُ النظرات إليّ، فإذا التقت نظراتنا أزاح بصرهُ بعيداً كما لو كان غير مهتم .
يالصديقي المسكين ، يا صديق العمر يا لك من مضحك ، في عينيك يبدو الإهتمام وتتصنع اللامبالاة هه !
هل هو نادم ، أم أن شحوبي أرعبه ؟
حسناً ، يبدو أنه قلقٌ عليّ ، الأمر واضح .. وأوضحُ من ذلك مرأى العتب في عينيّ يا صديقي ، لا بد أنك أدرَكْتهُ منذ قدِمتْ !


وأسأل نفسي ، هل سارة تشاهد الآن المباراة ؟!
كانت قد أخبرتني أنها باتت مهتمةً جداً للرياضة وأصبحتْ تعرف بشأنها الكثير : " فيصل أريد مواكبة اهتماماتك " هكذا كانت تقول !
كانت تبحث في النت عن أغنيات فريد أم كلثوم ، تشتري الكتب التي أحب وتقرأ المجلات الدورية التي أقرأ : " أريد أن أعيش تفاصيلك " ..
حسناً هل تشاهد هذه المباراة الهامة الآن ؟ ألم يخطر في بالها وهي تشاهد القمصان الزرقاء أن مشجعاً متعصباً للهلال اسمه فيصل يشاهدهم في ذات اللحظة !
أم ياتُراها نسيَت ؟
لا لم تنس، بالتأكيد ذكرتني الآن وبكتْ ، يا للصفعة التي وجهتُ لها .. يا للمسكينة !


صفّر الحكم ، انتهت المباراة العصيبة التي حضرتها ولم أحضرها!
سلمان يتقافز مع صالح ويلتفتان نحوي فأتجمّل وأشاركهم فرحةً غابت عني للمرة الأولى ..
محمد يهتفُ في كل العمارة بإسم الهلال كالمجنون ، وأصواتُ الشقق من فوقنا وتحتنا يدوّي فيها هتاف الفوز وحمى الفرح تجتاح المكان ،
فهد يتلقى التهاني سعيداً وعينهُ ترقُبُني ! احتضن صالح ومحمد وسلمان وخطى تجاهي خطوتين وأحجم حين رآني قاعداً ، شعرتُ بتردده ..
لماذا أخسر الصداقة بعد أن خسرتُ الحب !
لماذا أهنتُ سارة وأكرر ذات الأمر مع صديق العمر ، كنتُ أرى تردده تجاهي ومقولة فولتير ترن في أذني :
" لولا الصداقة الحقة مات الناس ، بها يضاعف المرء نفسه ويحيا في نفوس الآخرين " ، لماذا أعاقب صديقي أكثر من ذلك !
قمتُ حين كان قد اقتنع بتجاهلي له ، لم يصدق ..عاد و احتضنني وكأنه للتو سعِد حقاً .. صار يصرخُ في أذني بجنون " جبنا الكاس .. جبناااااااه " وكنت أبتسم له في صمت ،
وبين الصرخات الضاجة في المكان راح يهمس في أذني " حقك علي يابوسويرة " فانتفضت على وقع الإسم .. " راحتْ سارة " هكذا أجبتهُ في سري !


هدأ الصخب وتحلل المكان مما أثقل كاهله من ضيوف ، كلهم ذهبوا وبقيتُ وحيداً مع فهد ، أشبه بطفلين تشاجرا ثم عادا للصلح ، كنت أقص له كل شيء وأنا أدعي اللامبالاة !
ألم أسرق أمي ؟ ألم أرفع صوتي لأول مرة وأختلف مع والدي ؟ ألم أنحط لأشتم سارة وأهينها ؟
ألم أتخاصم مع شقيقي مساء الأمس حين طلب مني إحضار ابناءه من قريبتهم ، " لستُ سائقاً لديك " ، لم أكن بهذه الصفاقة من قبل .
كل شيء فيني يتغيّر للأسوأ ، إذن لن تكون وحيداً يافهد ، هيا أشركني السُقيا !
سترى اليوم ، لن تكون مجرد رشفات ولن يكون أول انحطاط أرتمي فيه ..

أخفيتُ عنه خبر انتهاء علاقتي بسارة ، لم أستطع أن أقول له : أهانت أهلي فأهنتُها ، شعرتُ أن في الأمر عاراً .. وخفتُ أن يزيدني وهو القادر !
أستمع له والكأس اللعين يزيد ليس ينقص ، ما أسوأ ما أحمله الآن ؟ أليس عقلي ؟ إذن فليغب قسراً ألا تباً للتفكير والأسئلة ..
أين الليالي القديمة ، أين العزلة الماضية ، كل شيءٍ بات بعيداً كبعد الإيمان عن جلستنا هذه ، نسكبُ وينتفي عنا مؤقتاً كرداءٍ ينسلّ مرتفعاً لفوق !
وأسألُ قلبي أين الراحة التي كنت أنعم بها ؟ ولا أجد جواباً بين صبٍ وشرب .

كنتُ أبحث عن أي علاقةٍ لأكون سعيداً كغيري ، الآن أحسدُ صالح وهو يندبُ حظه ضاحكاً " يبدو أن الحلال مكتوبٌ لي، كلما نظرت لأنثى صدت عني " ..
أوّاه يا ليتني كنت مكانه !
لا أدري من قال : أن تعيش حالة حب هذا يعني أنك تعيش الحياة ، خطأ ، لا بالتأكيد أخطأ /
في الحب لا نملك الخيار لأن نعود لطريقنا الذي كنا نسلكه قديماً ، هذه ليست حرية والحرية إن غابت ليس ثمة حياة !
الأمر يختلف عندما نعيش بدون حب ، حينها نملك حق الخيار أن نستمر هكذا أو البحث عنه ثم المضي معهُ بعيداً .. تباً لفلسفتي ..
ياللفلسفة التي أقوم بها والكأس يُدفع في جوفي جعبة واحدة !

هاتفي يومض في هذا المكان الآثم ، يلوح رقم بيتنا ، بالتأكيد هي أمي تسألني الرجوع قبل أن يعلم أبي بتأخري :
لا يا أمي أرجوكِ كفي عن الاتصال !
مجرد الرد عليكِ هنا إهانة ، هذا المكان لا يليق بصوتك ، أنتِ أنبل من هذه الرائحة التي لن تصلك حتى ، عودي لسجادتكِ واتركيني لا تتصلي أرجوك !
ويعاود الرنين فأشعر بانكسار قلبي ، يا أماه يكفي !
وأتذكر وجهها فأتلمض ملوحة الدمع بين شفاهي ، ماذا تريدين ؟ ابتعدي يا أمي عن مكان خزيي ، صوتي الثقيل سيقتلك يا أماه عودي للنوم واتركيني ..
طفأ الوميض ولم تعاود الرنين ، وشعرتُ أني أهوي بعيداً ، وأخذتُ أتخيل رعبها عليّ وعجزي عن الإجابة كأبكم ..
وذكرتُ سارة فسكبتُ أكثر !

نغلق الباب خلفنا ونمضي في الممر نتلمس الدرب كأننا أطفالٌ للتو يتعلمون المشي !
أطفال القرية وحثالة المدينة ، هزيع الليل الأخير يُغرق العاصمة في الهدوء ، ألوان النوافذ استحالت زرقاء بعد الفوز ..
و الشعارات والأعلام تكسو أرض الشارع والعمارة ، ونحنُ نضحك من لا شيء ، ربما أنفسنا !
انطلقتُ بسيارتي ناعساً متعباً كطائرٍ بللّهُ المطر، أين أمضي وكل المدى قد سُد في عيني ؟!
كالمجنون أهاتف عبدالمجيد وراشد "أين من أحضرَتْكم هنا ثم غابت ! "
أتمهلُ في السير وأكاد لا أبصر ، كل شيءٍ في هذه الرياض مبكي ، حتى الساهرون الفرحون بأعلامهم أكاد لا أراهم ،
أليس من المفترض أن تكون ليلة فرح .. لماذا يحدث كل هذا لي ؟!

رأيتُ الدروب الموحشة ، والإسفلت القاتم كأشد مما كان قبل ، ورأيت ماذا ؟ رأيتُ أكثر :
صندوقٌ يلوح أمامي ، يتراقص فيه لونٌ أحمر وأزرق ، يا لحظي .. يا للخيبة التي تأتي دفعة ً واحدة !
آخر ما ينقصني نقطة تفتيش ، بدأت أضحك انتظاراً لدوري ، وضعتُ رأسي على الكرسي وضحكتُ بصوتٍ عال، ضحكةٌ تشبه الدمع يا يا أقداري الموحشة ..
توقفتُ أمامهم ، طلبوني وأعطيتْ ، أتوارى عن عيونهم وعبثاً أفعل ..
هذه بطاقتي رُدت إليّ .. وهذه استمارة السيارة قد تأكدوا منها ، نظروا لي طويلا ً وتهامسوا ثم نزلتُ بأمرهم :

- ارفع سبابتك عشر ثواني ..

يا لهواني ، مابالها لم تثبت ولا حتى ثانيتن ، وركبتُ معهم وملوحة الدمع تزداد .. في أي دهماء ألقيتُ نفسي ؟
ها أنا أنحط والفضائح تشرع بابها نحوي أن تعال !
وهتفتُ في داخلي باسم سارة .. ضج صوتي في أعماقي ولم يجبني أحـد !


يتبع .......













22




بوجهٍ شاحب وعينين مجهدتين أفتحهما بصعوبة .. أفقتْ !

لم أكن في سريري ، وهذه الرائحة العارِقة ليست رائحة غرفتي ، وهؤلاء الواجمين لا أعرفهم .. كلهم يتكأ على الجدار يحاول النوم بصعوبة !
جدارٌ حقير ومقعد حديد وأرضٌ قذرة وقضبانٌ صفراء لا تسر الناظرين !
ها أنا في التوقيف مكللاً بالخذلان ، يا لعاقبة أمري ، ياللفاضحة ، ويا لسوء مآلي ،
أُفيقُ قديماً بين نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم و دوستويفسكي وأدباء العالم ، أتوسدُ كتبهم وأنام وقد وقع ماأقرأه على صدري كحمامةٍ فرشت جناحيها ..
..لأفيق الآن بين وجوهٍ لستُ أعرفها كلما فيها ينضحُ بالشر !

الساعةُ الآن تقتربُ من السادسة ، أوّاه هل نامتْ أمي ؟!
تسع مكالماتٍ كلها من بيتنا ليس بينها سارة ، لم يصلني صوتُ الرنين وأنا الغافي في بحر التعب !
هاتفتُ بيتنا وأدعو الله ألاّ يجيب أبي ، لم يكمل رنينه الثاني إلا وصوتُ أمي باكية ً وعبثاً أحاول التهدئة :

أخبرتها بأني في الإسعاف لأن صديقي مريض جداً ، أقسمتُ لها بأني بخير وأقسمتُ كذباً أن صديقي بات بخير ، جوالي نسيته في السيارة هكذا كذبت !
راحت تبتهل لله حمداً ورحتُ أطلب الرحمة منه .. سرقتها، لن يضيرها الآن كذبة !
رجلٌ بجواري على ثوبه آثار دم ، يبدو أن معركتهُ كانت شرسة !
والآخر مراهقٌ لا أدري ماقصته ، ربما استخفه الفوز فراح يرقصُ بالسيارة في مسرح الإسفلت ،
وأحد العمالة محتقنٌ وعينيه تشي بالبكاء الطويل .. ما قصته ؟
كلهم يتفرسني ويسأل نفس السؤال ..
.. رائحة المكان منتنة ، وهل كنتُ أنتظر بعد انحطاطي رائحة الورد !


في هذا المكان المهين ربما كفّرتُ عن ذنبي ياساره .. أجيبي بربك .
هاتفتُها لأول مرة ، ها هو صباح اليوم الرابع يرتفع ومن قلب المكان المحبط رحتُ أطلبها ولم تجب ،
بالتأكيد لم تنم ، هي الآن مع هيفاء مستغرقةٌ في أحاديث لا تتعلق بي ، أو ربما مستمتعة بوقتها في أفلام بوليود التي تحب غير عابئة ، صار فيصل شيئاً بطعم الماضي ليس أكثر !
أو ربما نائمةٌ ملء جفونها عن شواردها على السرير الذي ليس حديداً كالذي أتخذه !
طلبتُ الهاتف من الرجل المجاور لي فأعطانيه ، هاتفتُها برقمه الغريب فأجابت ، إذن يبدو أن رقمي مغضوبٌ عليه يا حلوتي ،
قالت بصوتها الناعم " ألو " وشعرتُ بشيء من أوكسجين وحشرجة بكاء ، كأني ضائعٌ في كوكبٍ مهجور سمِع النطق لأول مرة !
حين سمعَتْ صوتي أغلقتْ الهاتف في وجهي على الفور ، لا ، نسيتني حتماً ..

أليس هذا اسمي أم تراني نسيته ؟!
صوتُ أحدهم يناديني ، خرجتُ على وقع اسمي وأنا أدرك أن فضيحتي اقتربتْ ..
سيسألوني من أين أتيتْ ومكاني الذي كنت فيه ، وربما مع من مكثتْ وأين حصلتُ على ما جاء بي هنا !؟
سيأخذون عينةً من دمي ، بالتأكيد سيفعلون ذلك ، وسأتغابى وسأظن الأمر مجرد تبرع وتحديد فصيلة ،
سأقول فصيلتي " س +" ، وسيضحكون من هذه الفصيلة الجديدة !
وسيدوّنون لي ملفاً خاصاً بإسمي ، وسأوقع !
وسأحملُ ورقةً تخبرني أني بتّ مداناً بأكثر من 700 ريال ، وسأخبرهم أني مستعدٌ لدفع أكثر، لكن لا تحجزوا مركبتي ..
ياويلي إن افتقدها والدي.. حينها ماذا أقول له ؟!
ثم سأحملُ تعهداً يذكرني دائماً أنني بتّ أحد روّاد هذا المكان المأفون .. يا لخيبتي !


دخلتُ متردداً كمجرم ..

- أنت فيصل ؟
- نعم !

لم يكن في الغرفة إلا أنا وهو ..

كان ينظر لي بنظرة أسى .. عتب .. لا أدري :


- هل يرضيك الوضع الذي أنت فيه الآن ؟!

سؤاله غريب ولهجته أغرب..

- بالتأكيد لا ، أرجوك أنا ابنٌ لمريضة كبيرة ووالدي لا يحتمل هذه الأنباء

- لماذا ترمي بنفسك في هذا الدرب ؟! هل تبحث عن فضيحة
لا تتذكر أمك وأبوك حين تدخل هنا ، تذكرهم قبل أن تفعل ما يستوجبُ أدخالك !

أردتُ أن أبكي أن أرتمي على يديه أردتُ أن أصرخ فيهِ بأني لست سيئاً لكن ظروفي أسوأ !

- هل تعمل أو طالب أو ماذا ؟
- آخر فصل لغة عربية .. أول مرةٍ أأتي هنا أرجوك .. ساعدني

أخذ يحدثني طويلا ً .. لهجتهُ تطابق لهجتي وأكاد أقسم حتى الملامح متقاربة ..
كنتُ متعباً لا أستطيع الوقوف ، ولم أستطع طلب الجلوس .. وقفتُ كشجرةٍ أصلها في الأرض ورأسها في الأرض وجذعها في الهواء !
أفقتُ من خيبة أفكاري ، كان يمد لي أوراقي و يقول هيّا تفضل " انتبه لنفسك " ،
ماذا ؟ هل أدركتني رحمة ربي بدعاء أمي جوف الليل ..
لم أسأله لم أتحدث له ..حتى الشكر لم أشكره خشية أن يغيّر رأيه ..
خرجتُ على الفور حين عرفت كل شيء ، كنتُ أقرأ اسمه فوق بزته العسكرية ، كان ينتمي معي لنفس الفخذ والقبيلة !
وأخذتُ أفكر وأنا أطوي ممرات المخفر : ما موقفُ سارة لو عرفت هذا الأمر ، ألم تغضب منا وراحت تكيل لنا التهم !
والقابعون مثلي في ذاك القفص ، هل تطبق عليهم الإجراءات أم يُعفى عنهم ؟ لا ، في الرياض تعملُ الأسماء أكثر ..
طردتهم من هواجسي وهرولتُ للبوابة نافذاً بجلدي ، تباً لأمرهم لا يهم ..
..حظي اليوم كان جيداً هذا كل ما يهم !




كنتُ أتصلُ بسارة أكثر من عشرين مرة ولا ترد، وصلتُ بيتنا وقبلتُ أمي وبدأت حياكة أكاذيبي ، هه كانت تدعي لصديقي بالشفاء !
من حسن حظي أن والدي قد غادر لعمله ، لو رآني لكان الأمر قصةً أخرى .
تغيبتُ عن كليتي لهذا اليوم أيضاً ، وأنا الذي كان غيابي قليلاً كـ قلة الفرح في أيامي الثلاثة هذه !
تباً لقسوتكِ ياسارة لم لا تجيبين !؟
رميتُ رأسي على وسادتي متعباً ، قبل أغماض عيني صاح على الفور هاتفي معلناً استقباله لرسالة جديدة ، تصفحتها سريعا :

- " ظلمتني يا فيصل، أنا بريئة من كل ماوصمتني ، كنتُ أندفعُ معك رغم يقيني أني على خطأ ، لكن لجهلي كنت سعيدةً بك ووثقت فيك.
أرجوك لا تتصل . خلاص . أتمنى لك التوفيق في حياتك يارب . سارة "

هاتفتها حال انتهاء القراءة ، " الهاتف المطلوب مغلق "..
لم تعد تستقبل حتى رنيني !

* * *



استيقظتُ حزيناً ، تماماً كما نمتُ حزيناً ، وإن رأيتَ الحزن الشديد في عينِ أحدهم ففتش عن المرأة ..
عاد بيتنا كئيباً غادرته البهجة ، عاد المطبخ لفرشةٍ خضراء مملة و الفناء لصامتٍ كئيب و الجدران لقشور دهانٍ متسخة !
كان كل شيءٍ جميلاً يوم كانتْ سارة تملأ أرجائي .. آه ياسارة أحقاً انتهينا ؟!

أليس غريباً أن يتوقف الجَمال من حولك أو القُبح ، على علاقتك مع أحدهم ؟
ترى الكون رائعاً مبهجاً تارة ، ولا يتغير فيه شيء لكنك تراهُ موحشاً تارةً أخرى .!
أليس غريباً أن لا تتحكم في قلبك وعقلك الذي تمتلكه في جسدك ، ويتحكم به البعيد عنك ، جسدٌ آخر !
أليس غريباً أن يسيّر أحدٌ حياتك كيفما يريد ، يجعلها موحشة .. جميلة .. بائسة .. هكذا دون أن يكون لك في الأمر قدرة !
الثوّار الذين زلزلوا الأرض على الحكام والأنظمة التي تصادر الحريات ، هل ثاروا يوماً على امرأةٍ تتحكم في قلوبهم وتصادر حريتها ؟!
لا .. لم أسمع رجلاً ثار على امرأة طلباً لحريّته ، ربما لأن الأمر أصعب من مواجهة الساسة بكثير..


أخبرتُ فهد بما حدث ليلة البارحة .. لا أدري كنتُ أفضفض أم أتوب أم أحذره ..
وعرجنا على أحاديث الحب فجاءت ترفلُ سارة بعينيها الجميلتين وشعرتُ بقلبي ينقبض !

- هل تتذكر يافهد حديثنا على الجسر المعلق قبل شهرين ؟ يومَ قلت لي أن نيتشه أخطأ ، ليست الحياة غلطة بدون موسيقى ، غلطة بدون أنثى !

- نعم أتذكر ، وبالمناسبة فيصل أجدد اعتذاري، وأريد أن أخبرك بأمر وأخشى أن تغضب

- لا يا صديقي ، ليس في الأمر غضبٌ بعد اليوم .. قل ماتريد !

- يخص اندفاعك تجاهي يوم الجمعة، فقط أعطني الأمان

- أووووه يا فهد لا تكن صبياً هكذا .. تحدث بما تريد

وراح يلقي عليّ بالصاعقة :

- عندما كنتَ تريني رسائل سارة ،كنتُ في نهاية كل رسالة أحفظُ رقمها جيداً .. خزنته في ذاكرتي !
هههههه ومنذ خصامنا و أنا أُزعجها باتصالاتي، بالله لا تغضب أنت تعرف أني أفديك بروحي يا صديقي ولا يدر في خلدك أني أطمع بعلاقةٍ معها من خلفك،
فقط شعرتُ أن الأمر أشبه برهان وأردت إثبات زعمي ،
كما ترى ، ليس الأمر طعنة ، أردتُ أن أحميك من اندفاعك الغبي نحوها ، وأردتُ أن أثبت لك أنهنّ متسليات لا أكثر .
حسناً ، هل تصدق ؟ 4 أيام لم أظفر منها إلا بالشتم ؟ لم تكن حتى بوارد الرضوخ ، كانت تغلق الهاتف في وجهي كلما اتصلت ،
حين ألحّيتُ عليها برسالة أن نبدأ علاقةً هاتفيّةً لا أكثر.. أخبرتني أنها لا تستطيع ، أرسلت لي بعد إلحاح هذا المسج ، أليس هذا رقمها ؟ هاك اقرأ


" أنا أحب أحدهم ، هل هذا كافٍ لتبتعد عن إزعاجي ؟ أرفضك تماماً فأرجوك لا تكرر الاتصال "


هتفت مصعوقا :

- أنت ؟ انت فعلتها يا فهد ؟!

- لاتغضب، الأمر وما فيه أني كنتُ أريد حمايتك .. الآن أقولها لك ، هيَ صعبة المراس يا صديقي .. الآن بإمكانك أن تقول فيها ماتشاء لن أعاتبك ..

- بعد ماذا يافهد .. بعد ماذا ؟! كل شيء انتهى كل شيء

- ماذا ؟ كيف انتهى

هل أغضب من فعلته الشنيعة ؟ أم أفرح ؟ أم فات وقت الفرح ؟
هل أخبره بإهانتي لها .. وغضبها مني وانسداد الطريق ؟!
هل أسعد بكلامه أم أضربه حتى أهدأ ! آه لستُ أدري
وتباً لهاتفها الأحمق ، منذ الصباح مازال مغلقاً ..

" سارة أرجوك هاتفيني فور فتح الجهاز .. الأمر ضروري ، أرجوك "

ومازال مغلقاً ..
أرجأت حساب فهد لما بعد .. خرجتُ من عنده وقد قررتُ التهور !



لا شيء يبعث في الإنسان الشجاعة أكثر من خوفٍ آخر.. لا أدري من قالها أظنه نابليون ، لكنه صدق ..
مخافة أن تفلت سارة من يدي هذا ما يجعلني الشجاع الأول الآن !


كنتُ أنطلقُ ناحية بيتهم قبل أن تحل الخامسة ، ستخرجُ للمشي كعادتها ، وسترى جنوناً لم تره .. لا بأس لا تجيبيني !
أسير بسرعةٍ قصوى منطلقاً تجاه أحياء الرياض المترفة ، نعم يادوستويفسكي سننبهر من أنفسنا حين تنطلق .. أول من ينبهر أنت لو رأيتني الآن !
ألعن نفسي تارة وتارة ألعن فهد وأخرى ألعن سارة وهاتفها الذي مايزال مغلقاً ..


أقفُ أمام بيتهم الراقص في الظلال ، تحفه الأشجار المهذبة بعناية ، والطيور تتراقصُ فوق أغصانه الكثيفة ، تشعر بحريتها وأنا المقيّد !
وقفت نصف ساعة وأنا أقول إن لم تخرج اليوم ستخرج غداً !
هاهو السائقُ يخرجُ بالسيارة ، هذا هو الهودج الذي أعرفه جيداً ، رحتُ أنطلقُ خلفه ..
جنوني جعلني أتبع شقيقها ، أفلا يجعلني أنطلقُ خلفها هي !! حسناً وإن كان في الأمر هلاكي ..
وأقتربُ من السيارة لأتأكد ، هاهي سارة ، يبدو أن حظي جيد هذا المساء .. حسناً بدأت لعبة الموت الآن !


يتوقف السائق عند المكتبة فجأة ، وها هي تنزلُ بمشيتها التي بت أعرفها جيداً .. وبدأت أقلب الفكرة في رأسي :
أن ترى جنوني في هذا المكان خيرٌ من أن يشاهده أهل الرياض في الممشى جميعاً ، نعم هذا مكاني ، يبدو أن حظي في أوج سعده .. حسناً !
نزلتُ سريعاً خلفها ، فتحَتِ الباب ودخلتْ .. شرعتُ الباب خلفها ودخَلْت !
تركتها تبحث عما تريد ، أبقيتُ عيني عليها وفي نيتي أنها لن تخرج حتى ترى شيئاً لم تره من قبل طيلة حياتها ..
تركتها حتى انزوت ناحية الرف البعيد ، هناك في النقطة العمياء ، باتت بعيدةً عن ضجة المكان وهتف في داخلي رجلٌ مجنون أظنه ابليس:
ها قد حانت اللحظة ، انطلق يافيصل !


أمسكتُ يدها ولم أمهل شهقتها أن تتم :

- ليش ماتردين !

- . يامجنون

- نعم مجنون ، أمس كنت في التوقيف .. تسمعين ؟ لن أمانع في العودة إليه ـ لماذا لا تجيبيني لماذا

- فيصل الناس. لا تفضحني

كانت ثورتي تتصاعد وبدأ النظر يتقلص، لم أرَ إلا سارة وهذا الرف الذي تعلوه الكتب ، انفصلتُ عن الجميع ، لم أعبأ حتى بالمرأة التي اقتربت تواً ..
انزويت بها جانباً وكأني زوجها أو شقيقها وأهمس في أذنها همساً أريد أن يتحول لصراخ :

- ثلاثة أيام لأجل كلمةٍ لم أقلها ؟ ثلاثة أيام ، أتعلمين ماذا حدث لي
هل تعلمين أني أكلم نفسي ؟ صرت مجنوناً ، هل تعلمين أني لم أفرح حتى بفوز الهلال ، حرام عليك

- فيصل خلاص نتكلم بعدين تكفى

كان صوتها أشبه ببكاء ..

ومازلتُ أندفع كالطائرة التي تشق السحاب :

- اختباري بعد اربعة ايام ، حتى المذاكرة لا أستطيع ، أقسم لك لا أستطيع ، سامحيني أرجوك ،
ليس لي قبيلةٌ في هذه الدنيا ..أنتِ قبيلتي أنتِ .. سامحيني قوليها وأذهب .. لا أريد شيئاً أكثر

توجهتْ للبوابة مرعوبةً وهي تقول:

- أقسم بالله راح أكلمك الليلة فيصل بس .. أمانة يكفي


خرجتُ وخرجتْ ، ركبتْ مع سائقها ويبدو أنها أشارت عليه بالعودة ، سلك الحارة المجاورة ولم ينطلق في الطريق العام ، المسكينة أرعبتُها !
كنتُ أنظر للسيارات أمام الإشارة ، وللرائحين والغادين ، للمحلات التي يقف باعتها أمام بواباتها كأنهم ينظرون للشمس المائلة للغروب ،
لم يأبه لي أحد وليتهم فعلوا ، شعرتُ أني ممتليءٌ بالجرأة ، أريد أن يلومني أحدهم لأنطلق فيه منفّساً عن حنَقَي !


ركبتُ سيارتي وأغلقتُ بابها كعائدٍ من معركة ، أرخيتُ رأسي للوراء وبدأتُ استيعاب ما جرى ..
صدري يعلو ويهبط كموج .. أنفاسي لاهثة ، حمرة الدم تكسو بياض وجهي كسحابةٍ تغطي أديمَ سماء ،

لا لستُ أنا من اقتحم المكتبة وأحكم قبضته على يدها
لست أنا من حاصرها في هذه المدينة الآمنة حتى انتزع منها هذا القَسَم والوعد الليليّ !
لستُ انا من لم يعبأ بعدد المتواجدين داخلها أكانوا بالعشرات أم كانت خالية ..
لست أنا

أنا أبسطُ من هذا كله ، أنا أحقر وأقل من فعل ربع ذلك ، بل و الربع كثير !
أنا لست جريئاً ولم أكن كذلك أبداً ـ
ليس أنا من كان ينفض يدها ويهتفُ بها في زاوية الكتب ..
هذا إنسانٌ آخر يسكنني لا أعرفه ، لم ألتقيه طوال السنين .. انبعث فجأة !

رفعتُ يدي ووضعتها عند أنفي، شممتُ عطر سارة ، كان يصبغ راحتي ، وبدأت أصدق !


نعم فعلتُها .. نعم .. الأمر بات حقيقة ..
هكذا إذن .. إما أن تكون الحياة مغامرة ً جريئة أو لا تكون !
لا ياسيد فرانسيس بيكون ، تباً لك ولفلسفتك التي أضاعتني ، ليست " الجرأة وليدة الجهل " ياجاهل ، خذها مني أنا :
الجرأة وليدة الحب .. لكنك لم تعش في الرياض لتعرف !

رنين هاتفي يعلو و " سارة يتصل بك " :

- ألو

جاءت ثائرةً بصوتها المبحوح :

- يا مجنون يا مهبول يا متخلف أنت مجـ..

- أحبك!



يتبع ...


القلم الحر غير متواجد حالياً  
التوقيع
( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي )




أضغط على الصورة لدخول المدونة
رد مع اقتباس
قديم 17-05-11, 03:59 PM   #16

القلم الحر

نجم روايتي كاتب و شاعر متألق في القسم الأدبي

 
الصورة الرمزية القلم الحر

? العضوٌ??? » 127837
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,320
?  نُقآطِيْ » القلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond repute
افتراضي


23


لحظة التصافي بين حبيبين ، تكفّر عن كل أوقات الشقاء التي عاشاها بعيداً عن بعضهم .

كل ألم ، كل معاناة ، كل دمعة تذرف في البعد ، تستحق أن تكون ثمناً للحظة عتاب بعد قطيعة !
ما هي أجمل لحظات الحب ؟!
هي عتاب حبيبين في سكون الليل ، هذه أجمل اللحظات التي من الممكن أن يعيشانها .
الخصام ، الغضب ، الابتعاد ، كلها للحب مثل الملح للطعام ، تجعلهُ ألذ وأشهى !
ويبقى الحب ما بقيَ العتابُ ..
.. أن يتعاتبا ، يعني أن أمر هذه العلاقة يعنيهم و جداً ، كلاهما يريد دفعها للأمام لتستمر !
شيئان إن لم يزيدا أخذا في التقلص ، الحب و القمر .. لا يعرفان الثبات ،
حين سألوا اليناور روزفلت عن غياب زوجها المتكرر في أسفاره السياسية ، قالت "لا بأس الغياب يعلم الغرام الإزدياد !"
وهذا ما حدث فعلا ً لي مع ساره ..
كل مافي قلبي تجاهها تنامى لأضعاف ماكان عليه ، وصلتُ فجأةً للتصالح مع نفسي تجاهها :
أحبها ، لا أرتاب فيها ، هي أطهر من أي شك .. هكذا ، حقائقُ ثلاث لن أحيد عنها أبداً ..

راحت تعاتبني على جراءتي معها في المكتبة ، وكنت أستقبل العتاب كإطراء ، كأن في تأنيبها لي مسحة إعجاب ..لا أعرف!
نعم أخفتها في المكتبة ، نعم كانت خارجةً للمشي وفجأة وجدت وحشاً يأمرها أن تعود إليه ، لكن بدا أن هذا راقها .. أشعرها أنها نفيسةٌ جداً أو هكذا أتوهم !
لا أدري ،
نعم تجرأت كثيراً ..كنت أشبه بوحش ينفض يدها في المكتبة ، لكن شيءٌ ما بداخلي وفي صوتها يشي أنني أبهرتها .. نعم هو الإبهار !

كانت تعاتبني وتضحك ، كأنها غير مصدقة :

- والله يافيصل ، لو قصت عليّ إحداهن هذه القصة لكذبتها ، جنون !
شيء لا أراه إلا في الأفلام و قصص الحب يحدثُ لي أنا ..وأين. في الرياض!! أجننت ؟

ومزهواً أجيب :

- عندما أقفلتِ هاتفك بعد أن قلتِ " خلاص انتهينا " ، شعرتُ أني خسرتُ كل ما أملك، قلت لنفسي :ماذا أخسر إن جربتُ طريقتي الأخيرة ؟ لا شيء !
حين توجهت لمنزلكم وجلستُ أنتظر خروجك ، كنت مهيئاً نفسي لأمرين : إما أن أعود بالصلح أو أعود بالفضيحة !

- يوووه يافيصل ، والله إلى الآن يدي تؤلمني من قبضتك ، لم أشعر بالألم إلا بعد أن وصلت البيت !

- يقول الأطباء ، أن العقل حين يكون مصعوقاً أو مشوشاً مع حدث مهم ، لا يشعر بالألم مؤقتاً، لا يرسل المخ إشارة الألم على الفور، لإنشغاله بما هو أهم !
ألا تشاهدينهم في المباريات ، يسجل المهاجم الهدف ..ينطلق فرحاً ..ثم يتوقف فجأة ويعاني من ألم الإصابة جراء احتكاكه بالخصم قبل التسجيل !

- نعم قرأت شيئاً من ذلك ، إنما هذا المثال خطأ ، أنت تتحدث عن مهاجم وأنا كنتُ مجرد لاعبة دفاع، المهاجم شخصٌ مجنون اسمه فيصل !

ضحكت وقلت لها :
- يا للمهاجم الموهوب ! بغض النظر عن حالة التسلل التي وقع فيها وشرعية الهدف ، أليس هدفاً رائعاً هههههههههه ، وبالمناسبة ، يقول الإسبانيون في أمثالهم " يد الأم لا تؤلم " ههه

ضحكنا كالسُكارى، إلتهمنا الدقائق والساعات كغائبين عن بعضنا أربع سنين ليس أياماً أربعة !
أخبرتُها حقيقة الأمر كله ، اعتذرتُ لها واعتذرت لي ، حدثتُها عن عراكي مع فهد لأجلها وعاتبتني .. " لا أريد أن تخسر أصدقائك بسببي " ..
وتحدثت لي عن إلحاح رجلٍ يريد مكالمتها وكانت تصده وتنتظر اتصالي ، وابتسمتُ ، فعلا ً كان اللعين فهد يختبرها !
يالك من وغد يا فهد .. حتى في أسوأ الأمور التي تقوم بها لا يمكن أن تخلو من فائدة ..
ما أسعدني بصدق سمرائي وإخلاصها .. أثبتّ لي ذلك رغم سوء طريقتك يادنجوان!

أخذني من أفكاري سؤالها :


- ما حكاية التوقيف التي قلت لي ؟! لماذا أوقفوك ؟!

ورحتُ كمحترفٍ في الكذب أحيكُ لها قصةً من رأسي

- كنتُ سارحاً بكِ ولم أنتبه للإشارة ، قطعتها فأوقفوني !

لو أخبرتها بالحقيقة لربما نفَرت مني ، كذبةٌ بيضاء ليست كالأكاذيب التي يطلبها مني فهد ..

- فيصل كنت تقول لي " أنتِ قبيلتي " ، هذه الكلمة ترن في رأسي حتى اللحظة !

وذكرتُ موقف الرجل المنتمي لقبيلتي في التوقيف وأطبقتُ فمي ولم أتحدث ، أي نظرةٍ ستنظرين بها للأمر يا فاتنتي ..
هنا تقوم الأسماء بدور المفاتيح للأقفال ، لن تدركي ما أقول .. "تجاوز الأمر يا فيصل ولا تخبرها !"


- توقعتُ بعد خصامنا يافيصل أن أكون قويةً جداً ، أنت لا تعرفني حين أغضب ، أحملُ قلباً لايسامح بسرعة ومع هذا ...

هتفتُ بها :

- ماذا ؟!

- مع هذا كنتُ أنظر للهاتف أنتظر اتصالك ، كلما عاود الرنين فرحت وعندما أجد الرقم لأحد صديقاتي أو أهلي أغضب وأتكوم على نفسي .. أنت لم تتصل ثلاثة أيام !

- ولماذا تغضبين ، أنتِ تقولين أنكِ لن تسامحي ..

- لا يافيصل ، لن أرد عليك .. لكن سأشعر أنك تريدني ، أنك نادم أو تفتقدني ،
صدقني لم أكن لأجيبك إنما كنتُ سأكون أهدأ ، مجرد معاودتك الإتصال هذا يعني أني أمثل لك الكثير.. لكنك للأسف لم تتصل وتوقعتُ انك مع فهد ونسيتَ الأمر ونسيتَ سارة

- ياللعجب أتصدقين ؟ هذه نفس أفكاري عنكِ تماماً ، كنت أقول بالتأكيد تهاتف هيفاء وتخرج مع سائقها و نسيتني بالمرة ،
لم أتصل لأني نادم و شعرتُ أني أستحق شيئاً من الجزاء .. تركتُ نفسي في الشقاء ثلاثة أيام تطهيراً لنفسي .. أتذكرين أول اتصالٍ جاءك في اليوم الرابع ؟

- نعم السادسة صباحاً ،

- كنتُ في زنزانة التوقيف ، شعرتُ وقتها أني في مكانٍ كفّر كل ذنبي معك .. لذلك رحت أهاتفك .. لكنكِ قاسية ، أغلقتِ الهاتف في وجهي !

- هههههه لكني كنتُ سعيدة ، أقسم بالله أقفلته في وجهك وأنا سعيدة ، فوراً كلمتُ هيفاء وأخبرتها باتصالك وأشارت أن أؤدبك ! لذلك أغلقت الهاتف كلياً ..

- تباً لقلبها القاسي ، أتمنى ان تدور عليها الدوائر وأشاهدها في التوقيف يوماً ..

- هههههههه "خلنا نسوق ويصير خير "


راحت تلح علي أن أنشغل بالمذاكرة .. أخبرتني أنها تريدُ النجاح مني كهدية ،
وذكرتُ الصيف ورحلتهم فانقبضَ قلبي ولم أقل شيئاً .. لم أرد أن يفسد فرحتي الآن أي منغص .. ها قد جاء الصلحُ فلأركز في دروسي الآن ولكل حادث حديث .
لن أفتح على نفسي أبواباً لم أصدق إغلاقها .. هكذا قررت

* * *


في أحد المقاهي المتناثرة على الدائري شرق الرياض أجلس وفهد في دكةٍ صغيرة ونتبادل الأحاديث ..
كنت لا أحب ارتياد هذه الأماكن العامة لكمية الصخب الشديد في أرجائها ، لكن ما فائدة "كنت" ؟!
أعرف أن أشياء كثيرة تبدلت في داخلي هذه الأشهر الثلاثة .. ليس أول تغيير يطرأ ولن يكون الأخير ..
قناعاتي تزحزحت وتعرضت تضاريسها للقهر حتى تغيرت معالمها !

يتكدسُ أرتال الشباب في هذه المقاهي حتى انتصاف الليل ، هي البحر وهي الكورنيش وهي الطبيعة في هذه العاصمة !
يهربون إليها كلما حاصرتهم لافتة تمنع العزاب من التواجد ،
يهربون إليها ويعمرونها بدخان السجائر ورائحة الجراك وأصواتهم المرتفعة ..
مساحةٌ كبيرة من الأرض تتقسم لمربعات صغيرة ، كل مربع يضم مالا يزيد عن السبعة أشخاص مفترشين جلسةً شعبية يتحلقون تلفازاً خاصاً بهم ..
أصواتُ الشباب المرتفعة والأغاني الصادحة من القنوات ..
ومعلقي المباريات وهتاف المتعصبين ،
صياح الزبائن للعاملين ، ونداء العاملين لبعضهم بتجهيز الطلبات كل هذا لا يمنع الأحاديث أن تتوالى في كل دكة..
في العاصمة تعلمنا أن نتحدث رغم الضجيج !

أشرب الشاي من إبريقٍ أحمر قديم و صوتُ الشيشة بين يدي فهد أشبه بغرغرة غريق ،
..حين قال لي وهو ينفث رائحة التفاح :

- إلى أين تريد أن تصل مع سارة ؟

فاجأني .. وشعرتُ بكوب الشاي في يدي قد تموّج :

- إلى أين ؟ سؤالك غريب.. لا أدري ؟!

- تقول انك تحبها ، حسناً لن أضايقك بأفكاري ونعود للعراك ، وهي تحبك ، لكن ألم تسألا أنفسكم ماذا تريدان من بعضكم ؟

- في احد المحادثات قلت لها شيئاً من هذا القبيل ، قالت لي " خلها تمشي بظروفها " !

- آها ، جميل .. يعني هي لا تؤمل منك زواجاً .. إذن ياصديقي فلتضرب ضربتك !

ها هو فهد ..عاد للحديث الذي يتقنه :

- وما هي الضربة ؟

راح يضحك وصوت الشيشة أشبه بخلفيةٍ موسيقية لعباراته المخيفة :

- الضربة يا صديقي فيصل أن نحصل على مانريد ، أنت الآن صقر ، التحليق لا يفيدك .. أنت فقط تحلق عالياً .. والفريسة تجري أمامك وتستمر فقط في التحليق !

- حسناً أتريد أن تقول لي أن أبدأ الافتراس ؟!أن أهجم ..
لا ، هذا ليس حباً يا فهد هذا سلوك عدواني ليس أكثر !

شرق بالضحك وأخذ يقهقه عالياً :

- سلوك ههههههههه سلوك عداوني ، " يخرب بيتك وين تجيب هالكلام منه " ، يا صديقي اترك النظرة الحالمة عنك ..
هذه المثاليات دعها للمسلسلات والروايات ، "صحصح" يا صديقي، هييي نحنُ هنا مرحباً بك في عالم الواقع !
انظر لعينيك حين تتحدث عنها ، هذه النظرة الرجالية أشبه بشفرةٍ أنت وأنا وكل من في هذا المكان يدركها حين نتحدث عن الجنس الآخر ..
ليتك ترى نفسك وأنت تصفها لي في أول علاقتك معها ، حتى نبرة صوتك تفضحك ، أتظنها لا تدري عنك يامغفل ؟
الآن، رغم تصالحك معها وسعادتك كما تقول ، أنظر لهيئتك وملامحك

- ماذا بي ؟ أنا على خير ما يرام ..

- لا يا صقري العزيز، أنت متعب من التحليق، لا بد أنك جائع هههه ،

قالها ضاحكاً وراح يشرب الهواء ..


هل أكذب على نفسي وأقول له أني لستُ كما يقول ، أليس الحب يعني الإقتراب والإندماج الروحي والجسدي والعقلي !
أليس أن يضمك مع حبيبك سقفٌ مشترك وجدرانٌ أربعة ؟!
تباً لفهد. . كلما وصلتُ للقناعة جاء بجيش سخريته يشتتني !


- نعم يافهد، ومن العبث أن أنكر ! هل ارتحت الآن ؟ لكني ...
لكني أحترمها تماماً كما أحبها ، لا أنكر لك أن أفكاري أحياناً تذهب بعيداً ، لكن لسارة قدسيتها الخاصة في قلبي ، نوعٌ من الإهانة لا أرتضيه لها !
يكفيني منها هذا الوصل البسيط .. ألم تسمع عن العذريين ؟ ياصديقي أنا عاشقٌ عذري ، لستُ أبالي بما تقول والحب أسمى من خدشه بهذه النظرة الغرائزية !

أخذ نفساً عميقاً وسألني عن العذريين ، لم يكن يعرفهم حتى !

-العذري ذلك الذي يفصل بين الحب وجسد حبيبته ، يترك القلب يتدبر أمره ويترك للسانه التعبير عن ما يخفيه ليس أكثر ..
يكفيه منه الشعور بالحب وأبسط تعبير يجيء من محبوبته يكفيه تماماً .. هل تعلم ماذا كان يفعل جميل بثينة حين يزداد به الوجد ؟
كان يذهب إليها ليلاً ، يتحادثان ليلاً والناس نيام، فقط يضعُ يدها على صدره ويبرد جاشه ، يكفيه هذا المساس اليدوي البسيط كل سنة ثم يـ..

- هههههههههههههه أشكرك على هذه الطرفة ! يختلي بها ويضع يدها على صدره هههههههههه ما أظرفك يا صديقي

- لا ليست طرفة يافهد ، والأمر مثبت ليس من نسج خيالي ، هل تقرأ كتاب العقد الفريد وأخبار العشّاق العفيفين ؟ أنت لم تقرأ ولو قـ..

- لا أريد أن أقرأ وسأكون معك صريحاً ، إن كانت الكتب تمتليء بهذه الخرافات فتباً لها وللقراءة .. أجننت ؟
رجلٌ في الليل مع حبيبته والناس نيام ثم يكتفي بوضع يدها على صدره ..
حسناً ، إما أن حبيبته دميمة أو أنه مريض .. هل تعرف ماذا كنت سأفعل لو كنت مكانه

- لا شكراً لا أريد

- ههههههه صدقني ستستفيد ..

- فهد ما هو الحب في رأيك ؟

- إسمعني ياصغيري ...الحب هـ

- لا تقل يا صغيري ! تباً لك، أكبر مني بأربعين يوماً ويظنني ولده !

- هههه لا بل صغيري ، طالما تصدق ذلك الذي وضع يدها على صدره وارتاح فأنت مازلت صغيري الذي يستحق التعلم والمتابعة ( تكاد تقتلني سخريته )
الحب إما قبل الزواج أو بعده ياصغيري، ما قبل الزواج سأخبرها ، إن كنتِ تحبيني فتنازلي ، الحب هو التنازلات، أو إلى الجحيم هذا الحب ،
أما حب مابعد الزواج فهو الإستقرار والعائلة والأبناء والرباط المقدس.. هذه نظرتي للأمر ياصغيري

- هذا يعني أنك تكفر بالحب ما قبل الزواج

- نعم ، وهذا لا يعني أني أشكك في مشاعرك انت وسارة ، أرجوك لا تغضب كذلك المساء ، لكن..
لكن من تخون ثقة أهلها وتخاتلهم وتقضي معي ساعاتٍ طوال هي ليست مشروع حب وزواج ..
هنا نعود لمفهوم الصقر والفريسة ، الأمر ليس إلا اقتناص .. طبعاً أنت عذري كما قلت لي لكني لستُ كذلك ..
وبالمناسبة جميل اسمكم ايها العذريين ..
حسناً بالله ما اسم فصيلتي ؟ الصقور الجدد هههههه

- لا ليس الصقور الجدد ، " الهمج " !

- ههههههههه أووه اسم رائع ، على كل حال وقعهُ في الأذن أفضل من وقع " عاشق عذري " ، تشعر بالحرمان والشفقة حين تسمع هذا الإسم ( راح يضحك )


دفعنا الحساب ومضينا نخترق جموع البشر ونشق سحب الدخان الحار وضجيج الأصوات المتداخلة ،
وبقيَ في هاجسي سؤالٌ يلح : من كان محقاً أكثر أنا أم صديقي !

****


في الليل ..هاتفتُ سارة وقد قررتُ أن يكون صلحنا رسمياً أكثر،
فاجأتها مرة ً من قبل ، وسوف أكرر الأمر الآن ،
حسناً يافهد سترى لذة العذريين في التعبير عن مشاعرهم :


- سارة ، هل لديك ارتباط غداً ؟!
- لا ، ماذا ؟
- أريد أن نتناول العشاء في أحد المطاعم سوياً !

هكذا قررتْ !
أريدُ أن أتخفف من ضغوط الإختبارات بسارة ، اليوم مكافأتي نزلت ، ولديّ حبيبةٌ أُحسد عليها ، ماذا ينقصني لأنفذ ؟!


حين أخبرتُ فهد بعزمي على الخروج بها، هب في وجهي يحذرني ..
أخذ يتحدث لي عن الرياض التي أسكنها وكأنه يعرفها أكثر مني :
" يافيصل لا تتهور ، كل الأماكن ( ملغمة )" ..
وكنت لا أبالي !

في التهوّر السلامة !
حين قابلتها عند ماجد مرتين كنت متهوراً .. كذلك حين حاصرتها في المكتبة،
قبلها وقوفي أمام منزلهم مرتين !
في الرياض أن تخاف هذا يعني أن تقع في الفخ !
أن تكون شجاعاً هذا يعني أن تكسر كل القيود وتتفوق عليها ، الحظ يساند الشجعان كما يقول تيرنس .



لا يهمني أي شيء سوى أن أكون بجوار سارة..
والأهم الآن أنها تلقت دعوتي بإرتياح .. تلقتها كما لو كانت تنتظر مني مثل هذه الدعوة طويلا ً !
أدركتُ على الفور أنها تلقتها كما لو كانت تسمع كلاماً كثيراً من صديقاتها يثير غيرتها ولم يُقدم فيصل عليه !
من فرط سعادتها بهذه الدعوة لم تسألني عن مذاكرتي للإختبار الثالث بعد يومين ،
كانت قبل ذلك حريصةً على أن تعرف ماذا قدمت في امتحاناتي السابقة وتهاتفني كل صباح لتسأل ، وتفرحُ حين أخبرها بأن الأمر سار جيداً ،
كنت أتصل بها في المساءات وكانت تبادر لسؤالي عن المذاكرة وتحرصني على الإستزادة ، " أنتظرك بشوق بعد الإمتحانات ستجدني في انتظارك الآن اهتم بدرسك "
لكن حين أخبرتها اليوم بدعوتي لها على العشاء ،هه المسكينة .. عبثاً كانت تحاول إخفاء السرور ..
نست حتى أن تقول " وماذا عن الإمتحان " !


لا يهم إن كانت الرياض قاسية على العشاق .. و لا يهم إن امتلأت بالواشين يافهد !
ولا يهمني حتى من يريد منحها خصوصيةً عن باقي المدن وجعلها أفلاطونية !
لا يهم حتى إن كان اللقاء أشبه بالمشي على الحبل الرفيع .. إما الإجتياز أو السقوط !
كل هذا لا يهم ، المهم أن سارة تلقت الخبر بنشوة ، بسعادة ..
هذا يعني أني أمثل لها أماناً ورجلاً يُعتمد عليه ، إذن لن تُخذلي يا سمراي لن تخذلي ..
أن تكوني سعيدة ، هذا يعني أن لا شيء آخر مهم !


وفهد هذا المزعج ، لا يكف عن الإتصال منذ أخبرته بدعوتها للعشاء ، جاء إلى البيت وبدأ تحذيري :
" إذهب لبيتها لا تخرج بها في الأماكن العامة "
فأسخر من جملته الغبية ، ماذا أريد من بيتهم !؟ ماهذا الوحل الذي يريدني أن أرتمي فيه ..
ليس كل الرجال صقور يطاردون فرائسهم ، أنسيت أني عذريٌ يكفيه القرب من سارة ؟!
سترى أن الحب العذريّ ينتصرُ في النهاية ، وأن هناك رجالاً ليسوا ينظرون لك وأفكارك إلا بمنظر الشفقة يا صديقي !


ثرت عليه ، ولأول مرة راح اللاعب يضرب بتعليمات مدربه عرض الحائط .. أخبرته من الآن وصاعداً أني لن أقبل تدخلاته !
وصعدتُ غرفتي وبدأتُ أستعد للغد..
المشكلة أني لا أفهم في هذه المطاعم شيئاً .. لم أتعود إلا مطاعمنا البسيطة في أحيائنا العاديّة ، أريد أن أحظى ببريق التألق معها !
سيكون شكلي مخجلاً إن وقفتُ بها أمام مكانٍ أقل من قيمتها ووضعها الإجتماعي !
وذكرتُ سلمان و فرقعتُ أصابعي " وجدتها " ..
سلمان ، صديقي الذي يقضي شهره السابع منذ تزوج ، كان الحل ..


حين أخبرتهُ أني أريد أن أذهب بشقيقاتي للعشاء ، بدا وأنه مصدق .. لم يسأل كثيراً ..
أرشدني إلى أرقى الأماكن وأعطاني تفصيلاً عن أسعارها وأسماء قوائمها ..
قبل أن ينهي المكالمة قال لي جملةً وترتني :
" فيصل ، انتبه لنفسك ! " ..
حسناً ، لم أهتم بعبارته ، شكرته وأقفلتُ الهاتف مستمتعاً بشعوري الذي أتراقص فيه ..
لم أبالي بفهد ولا حتى كلمة سلمان ، ماهذا!كل الناس صارت حريصة ً فجأة ؟
ألم يدركوا بعد أن الرياض بلدٌ تحترم الجرأة ؟!

- سأذهب غداً لسارة هل تريد المرافقة؟ هل اشتقتها أيها اللعين ؟!

كنتُ اوجه حديثي لـ " الدبدوب " الذي أهدتنيه سارة ، كان ملقاً على سريري وكأنه سجين، ليس سعيداً منذ جاء لغرفتي ..
لماذا شعرتُ بعينيه تشعان بريقاً حين قلت عبارتي ؟!
اللعنة.. حتى الجماد يدب فيه إحساس القرب منكِ ياسارة !






يتبع ..












24



صوتُ راشد ينبعثُ في سيارتي خافتاً ، يغني يا ويلي وأنا أغني " متى تجين " ، كنتُ أقفُ أمام إحدى بوابات " صحارى بلازا " كما اتفقتُ مع سارة !
الرياض مدينةٌ تحترم الشجعان هذا صحيح لكن ..
لكن الشجاع لا يتمنى الحرب ، فإذا جاءت أعد لها ما يستطيع ، لهذا كنتُ أحترم الموقف الرهيب الذي أنا فيه وجبيني يتفصد عرقاً !

حين خرجتُ هذا المساء من الشقة ، لحِق بي فهد وقد يأس من إقناعي، ثم قال لي بلهجةٍ حزينة قانطة :

" إذن كن واثقاً وكأنك مع اختك أو زوجتك ، أن تتردد هذا يعني فضيحتك وفضيحتها الفورية ! "

أووه ماهذا المدرب المزعج ، تُنهي خدماته وتعفيه ويصر أن يضع لك المنهجية والتكتيك !
إنما كنتُ أعلم أنه مدربٌ بارع رغم سلاطة لسانه واختلافي معه في مفاهيم كثيرة ..
..لهذا تمثلتُ نصيحته كأقصى ما أستطيع !


أدركُ أني أقوم بأمرٍ لم أقم به في حياتي ، طوال عمري لم يكن في سيارتي من النساء إلا قريباتي لا غير ،
أن أحمل اليوم من لا تمت لي بصلة قربى هذا تهورٌ أعرف فداحته ،
لكني أحمل من تمت لي بـ صلة قلب ،
فهل تحترمين هذه الصلة أيتها الرياض ؟!


أقفُ أمام بوابة المجمع والناس من حولي داخلين وخارجين ، يا إلهي ، هل يعرفون موعدنا ياسارة !؟
إذن مابالهم يرقبونني كمختلس ؟! أفواه العاصميين تصمت لكن عيونهم تتحدث كثيراً ..!
كنتُ قد هاتفتها برقم البوابة التي أمكث أمامها وقالت انتظرني قليلاً ،
شعرتُ أن هذا الإنتظار كلفني رقابة الناس كلهم ،
أعين الآسيويين الممطوطة ترتسم على هيئتي الأنيقة ، كنت كرجلٍ في صبح عيد !

ها هي جاءت .. جاءت سارة بين الجموع أعرف مشيتها حين تمشي ،
فوق كتفها حقيبتها الصغيرة ، وتمسك بطرف عباءتها الأنيقة كأنما تصفع بها الهواء ،
ليتك ترى اللاعب الذي همش تعليماتك أيها المدرب فهد ،
كان يصر علي أن أطلب منها ارتداء عباءة رأس ! لم أقل لها ذلك ،لن يكون لديها هذا النوع من العباءات !
وكان كمدربٍ متمرس ، يلح أن تأخذ معها أحد أطفال شقيقاتها كما لو كنا زوجين ،
وسخرتُ منه ولم أطلب ،
أظنني شجاعٌ بما يكفي لأن أترفع عن هذه الوسائل الغير مشروعة في الحرب .
حربي مع الرياض !



ركِبَتْ ، أغلقَت الباب ، ومن بين جموع المتطفلين الناظرين إلينا .. انطلقنا !

تعطرت سيارتي برائحتها يوم ركِبت ، واستحالت سيارةً فارهة وهي التي ليست كذلك ، وانطلقنا !

صمَتَ المسجل بأمر يدي ، وقلتُ لها مساء الخير سارة ، قالت بصوتٍ لاهث، مساء النور فيصل ،
كان صوتها أوضح بكثير حين تتحدث عبرالهاتف .. وانطلقنا !

ألستُ عذرياً ؟ أوَلسنا كقبيلةٍ عاشقةٍ لها تقاليدها العريقة ، لا نمني أنفسنا بأكثر من مصافحة حبيب وإطباق يدٍ فوق يد ؟
إذن هاهي يد سارة تنغمس في يد العذريّ فيصل .. وانطلقنا !


يدها متعرقة ، أهو الخوف يا حبيبتي ؟
لا تخافي والرجلُ الذي بجوارك فيصل ، هذا الرجل تعشقهُ الرياض ولن تؤذيه صدقيني .. وانطلقنا !

كان وجودها بجانبي أشبه بحلم ، وسعلتُ لأتأكد ، وشعرت بصوتي إذن لست أحلم ،
وتأملت سمرتها في بياض يدي فانتفض قلبي ..وشعرت انّا نتفق أكثر مما نختلف ، وانطلقنا !

كل مسافةٍ نقطعها ،كل دقيقةٍ تمر ، كانت تتحلل من خوفها رويداً رويداً ،
ولأول مرة منذ جاءت، ضمت يدها يدي بقوة .. وانطلقنا !

كان الطريق وروداً .. والناس من حولي طيور ، وأعمدة الإنارة باتت أشبه بأشجار تزين الطريق ،
كل الرياض صارت جنة .. وانطلقنا !

اصطفت الأسواق البراقة، والأبراج العالية ، والمباني الشاهقة ، كلها باتت كجمهورٍ ينادينا.. تشاهدنا تحيّينا،
كل مافي الأرض دوّى باسمنا .. وانطلقنا !

أين ذاك الخوف ياقلبي ، أراكَ الآن أشجع من محارب ،
أصبحتُ نابليون يمشي في سماء العاصمة ، خلف كل عظيم أنثى / بجوار كل شجاع أنثى ، وانطلقنا !

سألتها كسراً للصمت ، هل اشتريتِ شيئاً من السوق ، قالت لا ،
فقط كلمة " لا " كانت حديثاً طويلاً ..أردت سماعها لأصدق ، فعرفتُ أنها بجانبي حقاً وليس حلماً .. وانطلقنا !

لا تخافي مني ، ها ماذا تريدين أن تسمعي من أغنيات؟قالت أي شيء ، وأصريت أن تختار ،
إختارت "اصحى تزعل " لعبدالمجيد ،و على الفور كنت ألبي ، وانطلق صوته صادحاً يوم انطلقنا!

قلت لها قولي أي شيء ، قالت ماذا أقول ، سارة أأنتِ سعيدة ؟
وأومأت برأسها ورقص الكون في عيني .. وانطلقنا!

نسيتُ الناس والشوارع والأرصفة ، نسيت الزحام وصرتُ أعتليهم فوق سحاب لستُ أواكبهم سيراً على الأرض ..
وعبدالمجيد يغني لنا وحدنا ليس يغني لآخرين .. وانطلقنا..

قالت كأنما عابت على نفسها الصمت : ألديك امتحان غداً ، وجاء صوتها أعذب من أي مرة ،
نظرتُ لها مبتسماً فأطرقتْ .. كنت أريد أن أقول : تباً لامتحاني وخشيت إحراجها فتغرق بالصمت أكثر .. وانطلقنا !


لاح مطعم " الشرفة " متراقصاً يدرك أن القادم نحوهُ سارة ، وقلتُ له أنتَ شرفة الحياة الأجمل منذ الآن وصاعداً ، وستسكنُ ذاكرتي طويلاً ..
ليس مجيئي إليك إلا علامةٌ أضعها في الرياض إذ ربما أحتاج يوماً أن أصدق .. أصدق أننا كنا هنا !
سأذكرها طويلاً كلما مررتُ بك ، لا أعرف المستقبل لكني أعرفُ أني سأذكرها بك كل ما قرأت اسمك أو رأيتك ،
أحتاج أن أضع علاماتٍ في دهاليز العاصمة لأتأكد بعد أزمان ، أنني وحبيبتي كنا هنا في الرياض ولم نكن نحلم .. وتوقفنا !

نزلنا ، زال التوتر والعرق ، ذهب الخوف ..نسيتُ نفسي واقتحمتُ الأماكن كفاتح !
أليست هذه مواجهة ؟ أليست حرباً مع ظروف الرياض القاسية ؟! الخوف مبرر قبل المواجهة فقط ، حين المواجهة لا أعترف به !
زال التوتر والوجل .. ونسيتُ الجموع الداخلة والحشود الخارجة ..
ونسيتُ أني في بلدي، و ظننتني في عاصمة أوروبيةٍ تختال في جوها اللطيف ..
اندفعتُ تجاه المكان أمسك يدها كأننا زوجين في زفتهم ،
قام لنا نادل البوابة مبتسماً ، كنا أصغر القادمين ، ورأى زينتها ورأى زينتي فعرف أنا لسنا ككل الداخلين ..
شعرتُ ان بسمتهُ تصفيقاً لشجاعتي ، وابتسمتُ كأني أقول " لنبقِ الأمر سراً ياصديقي" !



مشينا بين جنبات المكان الذي يحتفي بنا ، تركتُ يدها لم أمسك بها ، ليس خوفاً من أحد ، أردتُ أن أفتخر بنفسي حين تتبعني ..أردت أن أتأكد أنها ملكي وستتبعني ،
أردتُ أن أمشي وتمشي خلفي كأنها تقول للرياض هذا رجلي ! نوعٌ من الزهو كان يداخلني وأنا أراها تلحق بي .. أتُراي جننت ؟!
كنت أنعطف وتنعطف معي ، أتوقف فتتوقف، ويرقص قلبي زهواً .. تتبعني كما لو كنتُ الرجل الوحيد في هذه العاصمة .. أمسكتُ يدها واتخذنا ركناً قصياً ..
دخلنا وسحبتُ لها مقعداً ..
وألتفتّ عليها لأجدها خلعت عن وجهها ما حجبه ، وشعرتُ بأني على وشك الوقوع فأستعنتُ بالكرسي وادعيتُ الثبات !


كانت ترتدي فستاناً ليلكياً أنيقاً ، بسيطاً خالياً من تفاصيل التكلف ، يطوّق خصره مالا أعرف من لآليء ،
يتقاطع عند نحرها بخيطين رفيعين تتوسطهما قلادة ، قصيراً يعذب الناظرين !
قرطان من الماس وعقدٌ ليس أجمل مما تحته ، و سوارٌ يطوّق ساعدها ومنظرها سوارٌ يطوّق قلبي ..
وشعرها القصير يلتفّ خلف أذنيها ليكسوها مسحة براءة .. ورائحتها تعبق في المكان تُحيلهُ حقل ورد ..
كانت طفلةً بين يديّ ، شعرتُ أني أكبرها بأعوام ليس عام .. ياللطفلة الجميلة ، أحقاً جرحتها قبل أيام ؟ ويحي وويلي!

أتأملها وأحدث نفسي:

لم تكوني بحاجةٍ لكل هذا التجمّل ..
وهذا الفستان الذي يختبرُ صبر العذريين كان يُغني عنه أي أسمالٍ بالية ..
جميلةٌ في كل أحوالك فلماذا هذا العذاب !
كان موعداً رومانسياً نتصالحُ فيه حقاً .. لماذا جعلتيهِ موعداً لهلاكي ؟!
وعينيك هذه ألم تألفني بعد ؟ ألم تدرك أني حبيبك ؟
ألم تخبري عينيك بعد أنكِ تحبين هذا المسكين، مابالها الآن لا تكف عن رمي نبالها واقتناصي ألف مرة !


يا لبجاحة هذا القمر في السماء أيظهر في هذه البقاع وأنتِ هنا !
يا لبجاحة النساء اللواتي يحضرن مناسباتٍ ترودينها ، يمارسن التجمّل والتغنج حتى تأتين يا فاتنتي لتقومين بالدور الذي تجيدين :
الإلغاء ! وهل تجيدين إلا الإلغاء .. و ببراءة !
يا لبجاحة فهد ، أيظنّ أن هذه الرقة فريسة ؟ أيظن أن العذريين انقرضوا ؟
يالبجاحة قلبي يوم قال : أتحبها ؟ إيهِ أحبها .. أردتُ أن أهتف في هذا المطعم الأنيق ولكني أفقتْ من صُعُدات فكري!

بربك تكلمي ، ليس ذا وقت الخجل ، الرياض شحيحةٌ بالفرص .. لا تسكتي !
كانت تنظرُ للقائمة الرئيسية وغمازتها بادية ، ارفعي رأسكِ وانظري لي ، حسناً ،
مددتُ يدي ورفعت رأسها من دقنها ناحيتي : " سارة أنا هنا " واصطبغ وجهها بالحمرة وابتسمتْ !

ماذا تطلبين ؟
لديهم كل شيء ، ولديكِ هنا قلبٌ على طبق، وعينين زائغتين، و شوقٌ ناضج .. ولديكِ أكثر !
ماذا تشربين ؟
أي الكؤوس سيكون عريس الليلة ، ذلك الذي تضعين مبسمك المتجمّر فوق حوافه ؟!
يافاتنة الرياض .. يا مهوى فؤاد الرجل الثاوي أمامك .. يا قبلة القلب .. تحدثي واتركي هذا السكوت ..
اتركيه حين نعود لبيوتنا نفكر في روعة اللحظة وهل كان حلما أم خيال، الآن لا، لاتسكتي !

رحتُ أحدثها كسراً لصمت المكان :

- ساره هل أنتِ متوترة الآن ؟! سارة لن أضرك ؟ أنتِ في مأمنٍ معي .. لن يصلكِ مني أكثر من هذه النظرات العاشقة فقط !

أوووه اللعنة أهذا كلامٌ أستدرّ به حديثها ؟ ها قد أطرقت واصطبغت بالإحمرار أكثر !

- سارة لو قلت لكِ أن هناك قلباً يتمزق ، سيموتُ إن لم تقولي الآن شيئاً، أتتركينه يهلك ؟!
بربك الوقت يمر ، أن تكوني بجواري صامتةً هذا يكفي لأختال في الأرض فرحاً ، لكن أريد الخير كله ، كوني بجواري وتكلمي ، هيّا


راحت تهمسُ بصوتٍ أكاد لا أسمعه ، ماذا ؟ ماذا قلتِ ؟ آها .. ماذا فعلت في إختباري ؟

- أخبرتكِ في الصباح ، كنت موفقاً جداً ، الدكتور ثابت طلب مني أن أعرض عليه مزيداً من القصص قبل أن يسافر لبلده في الإجازة ..

- ماذا قلت له ؟

.. جميل هكذا أفضل ، بدأ صوتكِ في الظهور


- في اختبار الإربعاء سأذهب له ببعض النماذج ، لكني ***** ماذا أختار له ؟!

- حديث الغرباء !

- حقاً؟ لا أظنها جيّدة ، هل تعلمين ؟ حفظك لعناوين قصصي هذا يجعلني الشاب الأسعد في الأرض ، لكن حديث الغرباء أشعر بأنها مفتعلة أكثر من اللازم !

- لا بالعكس ، نهايتها قويّة ، هزتني ، لكن ربما لا تروقُ لأستاذك ..

- واللهِ لن أردك ياسارة ، سأعرضها عليه غداً وليقل مايشاء ، فليسحب إشادته إن أراد ، لن أرد طلبك !

أووه ، عاد الإحراج يكسوها مجدداً ، تباً لهذرتي ، سأقتصد في كلامي وأنتقي عباراتي جيداً ، يبدو أن الخجل لن يتركها هذا المساء لي ..


أصريتُ أن تطلب هي ماتريد ، لا أعرف هذه الأسماء إطلاقاً .. وهذه القوائم لم أرها من قبل ولم أر ما فيها !
" إختاري لنا ياسارة ماشئتِ " هكذا قلتُ وأنا أتلذذ بكلمة " لنا " أكثر مما أتلذذ برائحة أطباق الغرفة المجاورة ..

- امم حسناً سأختار، شوربة بالذرة ، فيتوتشيني ، 2 ليمون بالنعناع ، طبق سيشوان، سلطة ..

وهل أرفض ؟!
لم أسمع في حياتي بهذه الأطباق لكني أسمع سارة ! ورحنا نتحدث ، صارت تتصاعد في أدائها حتى أصبحت شبيهة لسارة التي تحادثني في الهاتف والنت ..
رفعنا الكلفة وسقف الخجل وبدأنا نستمتع حقاً بجلستنا هذه ، كان الكل يتحدث بصوتٍ عال ووحدنا كنا نتهامس ..
رأيت في عينيها عشقاً وامتناناً لي ، كانت تتأملني كما لو رأتني أول مرة ، هل أعجبتها حقا ً؟ أظنني الرجل الأسعد في كوكبنا هذا المساء ..


كان أكلها موسيقى ، أناقتها تبهر ، مسكتها في الملعقة والشوكة وحتى شربها للعصير كان يزيدها في عيني فتنة ..
لا لا تقل فتنة ! ماهذا أيها العذري أنسيتَ نفسك!!
كنت أتأمل ملعقتها صامتاً .. ترتسم على ملامحي بسمة ، كانت تنقر الطبق بهدوء .. ليست كالمجاورين لنا في الغرف !
شعرتُ أن الملعقة تغيّر خط سيرها لم ترتفع لأعلى ، امتدت إلي ّ ، كانت تناولني بيدها سلطةً خضراء وتوقفتُ أفكر لبرهة :
هذه ملعقتها ، وحوافها كانت على شفتيها ،
وتناولتُها ..
فشعرتُ بأن طعمها ألذ من السلطة التي لدي .. مع ان الصنف ذاتُه ، لا بالتأكيد جُننت!


يا لسعدي هذا المساء .. نعم الرياض يا فهد مدينةٌ تحترم شجعانها ولا تؤذيهم ..
نعم يا فهد للعذريين لذةٌ لن تدركها يا محب الفرائس !
وتذكرتُ أحلام مستغانمي وأردت إخبارها أن الحب هو أن يتقابل اثنان لينظرا لبعضيهما ،
لا يهم أن تكون الطاولة مستطيلة أو مستديرة أو متوازية أضلاع حتى ، طالما قلوبهم مشرعةٌ لبعض !


أنهينا طعاماً لم نعرف لذته ، ضاع في لذة لحظتنا نحن ، وهل يميّز البحر انسكاب الدلو فيه !؟
ثم قمنا لنغسل أيدينا عن كل شيء إلا روائح كفوفنا يوم تلامستْ ، ستبقى طويلاً!
وقفنا كإثنين وما نحن إلا واحد !
وارتسمتْ عيني على كأسها ، و عدتُ إليه كسارق ، عدتُ لأخبر العذريين أني مختلفٌ عنهم بعض الشيء ..
كل جيلٍ يتطوّر قليلاً ، أعذروني قبيلة العذريين :
أدرتُ كأسها بحثاً عن حمرةٍ فوق حافته ، ووجدتها !
وغمست نفسي وقلبي قبل شفتي ، فوقه ...
و شعرتُ أني على هامش هذه المدينة ولست أعبأ بها ولا بالمكان الذي أنا فيه ..
أين أنا ؟ لا أدري .. من انا ؟ لست أدري



كان قلبي يدبّ بالحب حين عادتْ .. أقبلتْ فاتنتي مجدداً ..
وجلسنا قليلاً نتبادل الأحاديث وأيدينا تصم بعضها ..
ثم نظرنا للساعة و عرفنا أن جلوسنا بحساب الوقت كان كثير !
وأزِفت لحظة التوديع فقمنا ..
كانت في الزاوية ترتدي عباءتها ..وكانت أنوثتها تعبق كرائحتها ..
شيءٌ في داخلي كان يقول لا تضيّع لحظة عمرك ! شيءٌ في داخلي كان يقول " للعذريين شطحاتهم ! "
وإبليس يهتف أن لا تلعن نفسك نادماً حين تصل غرفتك .. تقدم صدقني ستندم كمحروم !

وقفتْ هي ووقفتُ أنا .. فتحتُ الباب لتخرج .. كان المكان يضيق عند الباب عن غيره ..
وقفنا تاركين المكان لأناس ٍ سيأتون بعدنا، ولا نعرف منهم، لكن نعرف أنهم ليسوا مثل قلوبنا أبداً !
قامتْ ولامس كتفها صدري عند الباب ، كنت طويلاً جداً بالنسبة لها ، وكانت تنظر لي كجبل ، وشعرتُ بالزهو للإعجاب في عينيها ..
مسّ كتفها صدري ، مسني كشواظ نار ، واضطرم قلبي وتأجج ، أغلقتُ الباب وأدرتها صوبي ..
ثبّتها على الباب .. واقتربتُ منها !
وفعلتُ مالم يفعله العذريين من قبلي ، نعم ..
. قبلتها ..
قبلتُها و حل الصمتْ !
تلعثمتُ وارتبكتْ .. فتحت الباب بسرعة وانطلقت !
اللعنة ماذا فعلت !!
وخرجنا



في السيارة صمتٌ مطبق ، والسيارات من حولنا كأنها تتلصص ، والناس في مواقف السوق كأنها تدري عن فعلتي الغبيّة !
سكتتْ ولم تنطق طوال سير الرجوع ،
كنا قد رحنا لشرفة الحياة وأيدينا تُمسك بعضها كما لو كانتا عاشقان يرقصان على أنغام موزارت ..
والآن جئنا و يدها تتكوم فوق حقيبتها صامتة ،
قلت لها " آسف ، غصبٍ عني " ..
ولم تجب !


نزلتْ بسرعة .. اتجهت لسائقها وأنا أرقبها من بعيد ، واعتلت هودجها الفيراني..
وشعرتُ أني أريدُ لحاقها ، وخِفتُ الناس وانصرفْت ،
تحسستُ المقعد المجاور فلم أجدها ، " راحت " هكذا قلتُ لنفسي كمجنون !



في البيت حين وصلت.. هاتفتها :


- للأسف ياسارة أضعتُ كل شيء وحطمت لحظتنا السعيدة اعذريني ..

- ..................

لم تجب،

- والله لم أكن مخططاً للأمر ، أحترمك جداً كما أحبك ، اعذريني !


- فيصل


- نعم ؟!

- مجنون ؟ تعتذر عن أيش ؟ فيصل كل ما فيني يرقص .. أريد أن أصرخ باسمك .. أعرف ان الأمر خطأ لكنه أجمل خطأ في الدنيا
نعم أحرجتني ، أخجلتني ، لكن مازلتُ أعيش اللحظة .. آه فيصل ، يا ليتني ملكتُ جرأتك !

- كنت ماذا ؟

- كنتُ أريد أن أعبر لك عن امتناني عن فرحتي، فيصل نعم صدمتني .. لكن حين فكرت قبل قليل ..

- ماذا ؟

- فيصل لم يفعلها إلا لأنه عاشق ، لأني أُعجبه حقاً ... أشعر أن هذه الرياض لا تسع فرحتي

- سارة لأول مرة أحب الرياض بهذا القدر

- لا .. لا أرجوك ، لا تقل شيئاً عن الرياض .. أعشقها يافيصل ، عدني أن تحبها دائماً .. مهما حدث ،عدني

- أعدك ، وسأكتبها في قصائدي .. أحبها .. تماماً كأنتِ

- أريد أن أصرخ الآن وأقول أحب الرجل الأكثر جنوناً في هذه الأرض .. سأصرخ :


صرخت بإسمي لم تخش أي سامع .. يا للمجنونة !

ثم أغلقت هاتفها خجلا ً من اندفاعها ..
وبدأتُ أكلم الدبدوب كأي رجل فقد عقله !
ارتميت على فراشي كأفضل إنجازٍ حققته في حياتي ، أفضل حتى من تخرجي القادم ..
وكتبت رسالة ً لفهد قبل أن أنام مع أحلامي اللذيذة :

" ألم أقل لك إن الرياض تحترم الشجعان فلا تؤذيهم ؟
أعرف أن حديث المثقفين لا يروقك لكن تيرنس يقول : الحظ يساند الشجعان ..
حسناً فلتصبح على خير أيها المدرب الفاشل هههه "

واحتضنت الدبدوب وأغمضت عيني ، وشعرتُ أن الرياض تنظر لي باسمة ..
..تماماً كـ أم ٍ تحنّ وليدها !

يتبع ...


القلم الحر غير متواجد حالياً  
التوقيع
( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي )




أضغط على الصورة لدخول المدونة
رد مع اقتباس
قديم 17-05-11, 04:03 PM   #17

القلم الحر

نجم روايتي كاتب و شاعر متألق في القسم الأدبي

 
الصورة الرمزية القلم الحر

? العضوٌ??? » 127837
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,320
?  نُقآطِيْ » القلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond repute
افتراضي

25

ها هي وثيقة التخرج في يميني ، نجحت بتفوّق ، ووقفتُ طويلاً في سيارتي انظر لكليّتي نظرة الوداع الأخيرة .
أيامي الجميلة تتوالى ..
حب سارة لي أضعاف ما أحمله لها في قلبي، وأيامنا صارت أناشيد فرح ..
قصصنا ومغامراتنا في مسرح العاصمة لا تنقضي .
الحياة تزدهر من حولي .. والأخبار السعيدة تستمر .. كل من حولي يعرفون أني صرت إنساناً آخر .

لم أعد صموتاً معتزل الناس .. صرت الرجل الأكثر بشاشة والأغزر حديثاً و الأطفحَ سروراً
دخلتِ حياتي ياسمرايَ وخلقتيني رجلاً جديداً ..
تُشير علي بماذا ألبس وأي الألوان أفضل وتقترح علي ماذا أسمع وأين أمضي وألبي ..
ترافقني تدخلاتها المحببة حتى وأنا أتجه لمجيد في صالون الحلاقة وتقول ليتك تفعل كذا وأفعل ماتقول ..
أصبحت كاميرا هاتفها عيناً لي في بيتها ، ضوءاً على حياتها ..
كل ماارتدت فستاناً جديداً ، كل ماغيّرت في شكل غرفتها ، كل ماتزيّنت لمناسبة..
حتى أطفال شقيقاتها صرتُ أعرفهم بأسمائهم وأشكالهم ، امتلأ هاتفي بتفاصيلها ..


قديماً حين أجلس بين أشقائي وأصدقائي أرمي هاتفي على الأرض لا أبالي بمن يتعبث في محتوياته،
بتّ الآن أحملهُ كقطعةٍ أثريّة خالصة أخشى عليه مجرد اللمس !


حتى مجالستي شقيقاتي صارت مدعاةً للمقارنة:
لا سارة لا تتحدث هكذا ، هي لا تهتم بشؤون المطبخ و تفاصيل الأسر الأخرى ..
سارة أرقى من النساء جميعاً .
النساء تتحدث بصوتٍ عال ووحدها سارة تغرد ،
يتكلمون عن البيوت وينبشون أسرارها وهي لا تقترفُ هذا الفضول ..
تعرفُ الكتب و الأسواق و الأناقة ..
تعرف حتى دهاليز الرياض وتفاصيل طرقاتها ليست متقوقعةً كغيرها في البيت تنتظرُ إذناً من أحد !
لديها حريةٌ لا تمتلكها النساء في مجتمعي ..
هذا لا يعني أني أتمنى أن تُمارس شقيقاتي ذات الدور ،
إنما كانت هذه الفروقات تأسرني ، تُشعرني أني وقعتُ على كنزٍ نفيس ليس مشاعاً .. نادر ..
حتى سُمرتها الخفيفة التي تكسو وجهها ملوحةً بادية ، كانت تمثل فرقاً عزيزاً جداً .. أحبه لأني لا أراه كثيراً في محيطي ..
حتى عدم انتمائها لقبيلة ، في البداية كان مثار صدمتي ،
ثم تماهيتُ مع الأمر حتى صار خصلةً تتفوق بها عن غيرها ، وأفلسف الأمر مع قلبي :
أن تحب فتاةً من الأقليّة ، هذا يعني أنك تمارس حباً مختلفاً عن البقيّة ، نوعٌ من التميز أحظاه معها ، ولن يفهمني أحد !
هي لا تأبه لهذه السخافات ! وأقول سخافات وأضحك من نفسي :
صارت هذه الأسماء الطويلة في عيني سخافات ،
وانا الذي كنت أيام الدراسة أخط على طاولتي ودفاتري اسمي الطويل منتهياً بالإسم الرنان !
حتى عندما ارتقيت بنفسي وقرأت ووعيت ، صرت أرفض هذه التجمعات البهرجيّة الزائفة .. نعم ، لكن في داخلي انتماءٌ مازال ينبض ..
الآن ، سحقتهُ سارة .. لم تقل لي شيئاً منذ خصامنا القديم ، لم تحرضني .. لكني رويداً رويداً ألغيتُ نفسي من مجمتعي وصرتُ تبيعاً لها !


هي قبيلتي ..وكانت تسعدُ كلما كررت الأمر على مسمعها !
لكني لم أقل لها أن والدي ذهب لأعيان قومي في مكاتبهم ، تحريكاً لإسمي في التعيين ،
هه ربما ستغضب أو ستضحك ، في الحالتين سأندم !
أخبرتها اني أردتُ الإلتحاق بالتدريس ليس لحبي له ، آخر من يتحمل ضوضاء الصبية أنا ،
لكن لأوقات الراحة الطويلة التي يحظى بها المعلم عن سواه ..
طموحي أن أكون كاتباً كبيراً ياسارة.. الكتابة والقراءة والإطلاع تحتاجُ وقتاً لن أجده إلا إذا كنت معلماً ..
هكذا حددتُ أهدافي وبقيت أنتظر الأخبار من أبي !


قالت لي بالأمس ونحن نتحدث ، أتمنى لو كنت معلمة يافيصل للصفوف الأولية .. أحب الأطفال جداً ..
فأخبرتها أني لا أتحمل بيتنا حين يتكاثف أطفالنا كل خميس ما بالكِ بأطفال الغرباء !
قالت لي يا قاسي .. من لا يحتمل ضوضاء الأطفال صلب ، هذه خصلةٌ لا أحبها فيك يافيصل ..
لا ياسارة لست قاسياً .. لكني اعتدتُ العزلة طويلاً والعزلة ابنة الصمت .. من يعتادها سيألف الهدوء
يا فيصل الأطفال أثمن هدية تقدم لنا من عند الله، هل ترى تعب الأم حين تحمل وتلد ، كل هذه المشقة مبررة لأجل طفل ..
أن أتعب وأعاني هذا ليس شيئاً أمام نداء " ماما " ..
ثم سكتت مطولاً و صعقتني يوم راحت تقول :
- تدري فيصل .. دائماً أحدث نفسي وأتمنى طفلا ً ..أتمناه منك !

كانت نبرتها حالمة ، وشعرت بأنها تمتليء شجناً ورحتُ أدّعي السخرية تغييراً لنبرة الجد في حديثها :
هل تريدينه أسمر البشرة أم مثل أبيه ..
وقالت على الفور مستغرقةً في أحلامها :
يشبهك تماماً هذا كل ماأريد !

* * *

ومضت أيامنا في الصيف الذي ما عاد صيفاً .. كان ربيعاً بفضل الحب ..
قديماً كانت هذه الأجواء ترهقني .. الصيف رجلٌ مزعج يأتي ليجعل أيامنا أسوأ !
الآن ليس يُرهقني، ولم يعد يعنيني في هذا المناخ حرارته ، بل تنفيرهُ لأهل العاصمة الذين يحملون حقائبهم مودعين !
كنتُ أخشى فراقها ولم أتحدث به ، وانتظرتُ أن تقول لي يوماً ها نحن على أعتاب السفر ..
لكنها جاءت تتراقصُ فرحاً ذات مساء :

فيصل لن نسافر هذا العام، لن نسافر .. كانت تهتف كما لو كنتُ لها المصيف والجو العليل
وهتفتُ بها : كنت أنتظر خبر تعييني ، الآن جئتيني بالخبر الأفضل ،
قلتها ولم أكن مغالياً .. أنا أعني ما أقول.. كانت أهم من مستقبلي !
حتى أنا ياسارة لن أمضي مع أهلي للقرية ، وسأبقى بجوارك ..
فيصل حدثني عن القرى
أووه ألا تسأمين هذا الحديث ياسارة ، يبدو أنكِ لن تكفي حتى تشاهديها
وعادت لها نبرتها الحالمة :
- فيصل ، هل سيأتي يوم ونكون فيها سوياً ولو ساعة ، تحكي لي طفولتك وأنا أشاهد !
ولذت بالصمت وقلتُ في سري : مستحيل !

هذه النبرة الدخيلة باتت توتّرني!!


قديماً كنا نتحدث ونضحك كطفلين ، كانت أحاديثنا نسمة هواءٍ لطيفة تدغدغ وجوهنا حتى بداية الصباح ..
الآن هذه النسمات صارت تتحول أحياناً ذرات غبارٍ مزعجة، قالحة ، تلفحُ الوجه بخشونة !
صار يعتري ساره بعض النضج فجأة ، تسألني أسئلةً لا أملك لها إجابة ..
بل أملك .. ولكني لا أريد أن أجيب !

البارحة جاء صوتها كئيباً .. وسألتها ماذا بك سارة ..
أخبرتني أنها تعاني بعض الضغوط من والديها لأول مرة .
صديق والدي، عاد ابنه للتو من كندا بالشهادة ، وتقدم لي بشكل شبه رسمي .. ورفضت !
لأول مرة تحدثني بهذا الحديث .. كانت مكتئبة من الضغط الذي رزحت تحته ،
وسألتها بخوف ماذا حصل ، قالت رفضت ولم أرضخ وانتهى الأمر ..
تنفست الصعداء وقلتُ لها : سارة ، أحبك ..
سارة لم أكن سعيداً كالسعادة التي أنا فيها الآن ، ولم أضحك يوماً هكذا إلا معك !
عادت لها نبرتها الشجية وقالت : لكني لم أبكِ هكذا إلا معك !
وانهيتُ المكالمة متعذراً بنداء أبي لي !



لا أدري ماذا حدث .. لماذا لا يدوم الحب مرفرفاً دون نغائص.. لماذا لا تسري الحياة كما أشتهي ؟!
ماذا أريد منها ؟
هي سر سعادتي .. وأعرف أن خسارتي لها يعني أن حياتي وموتي سواء ..
وغيابها عن مسرحي هذا يعني أن الأرض التي أسير عليها باتت تغلفني كـ قبر ليس إلا ..
ماذا أريد منكِ ياسارة .. أريد أن تبقي لي .. كيف ؟ لا أدري ..
أحقاً ما قال نيتشه ،في أي زمان ومكان يبقى الرجل وسيلة المرأة نحو الغاية : الطفل !
أي أن الحب لأجل الحب منتفي!
أحقاً ماقال: لا تطلب الأنثى من الحياة شيئاً سوى رجل ـ فإذا جاء طلبت منه كل شيء ..
آه ياسارة .. كفي عن أحلامكِ الوردية أرجوك .. واتركي التفكير الذي تعلمين استحالته ..
دعينا في هذه الحياة نقضي أيام صفونا دون كدر ..


سألتني سؤالاً غريباً :
أتحبني ؟! .. سمعتها مني ألف مرة ، لماذا تستجوبني هذا اليوم !؟
أخبرتها أني أحبها أكثر من أي شيء آخر .. ثم حلفتني ! وحلفت ..
فيصل هل تعدني أن تحبني مهما حدث .؟!
وانقبض قلبي وقلت لن يتغير في قلبي شيء ! سارة ماذا بك ..
تجاهلت سؤالي وراحت تتحدث عن ابتعاث هيفاء لأمريكا .. وكنتُ سعيداً بأن الموضوع تحوّر !



- أحبها وتحبني يا فهد ، هذا مالا أشك فيه ، لكن أحاديثها باتت تخيفني !
- كيف !؟
- الأسبوع الماضي كانت تقول ،لو ضمنا بيت يافيصل لجعلتك تمشي على كفوف الراحة وجعلتك الأسعد بين الرجال .. وأنت تعرف مابين سطور هذه الجملة !
وقبل يومين ، كنا نتحدث عن الأطفال ،
فجأةً تغير مجرى الحديث وصارت تتمنى طفلاً يشبهني ! وأحدثها عن قريتنا وتقول لي عدني أن تأخذني لها يوماً ..
كانت أحاديثنا يافهد ممتعة لذيذة ، لا أدري ماسر هذه الأحاديث الجدية فجأة

- أرأيت يافيصل كلهنّ هكذا ، يبدأن بالحب ونشوة العاطفة ثم يرتفع سقف الأمنيات !
تريد نصيحتي ؟ اهرب . انفذ بجلدك ياصديقي الأمر سوف يستفحل

- أهرب ؟! أنت مجنون؟ لا حياة بدونها ، أريد أن أقول لها أن تكف عن هذه الأحلام وأخشى جرحها !

- هل تذكر حديثنا عن الصقر والتحليق والإفتراس ؟ يوم قلت لي أن حبكم عذري !؟
ياصديقي أنت الآن مجرد صقر مثلي ومثل أي أحد .. لا تريد الزواج بها وتريدها ان تبقى تسلّيك !

- لن أفرط بها هل تسمع ؟ لن أفرط

تباً لدنجوان ، كعادته ، يتحدث وكأنه العارف بواطن الأمور .. لا يكف عن التباهي كطاووس !
أحبها ولن أهرب منها ، وسأبقى معها مدى الحياة .
"مدى الحياة " ..وشعرتُ بوقع الجملة غريباً .. أليست جملةً حمقاء ياقلبي؟!



* * *

راحت إجازة الصيف تجري .. الأخبار السعيدة تتوالى تباعاً :
قصصي باتت تنشر في الجرائد بشكلٍ شبه اسبوعي ، سارة تستقر معي في الرياض لم تسافر ،
أتلقى الإشادات من المحرر و القراء ..
ولم يتوقف الأمر هنا ...كانت أيامي الفرائحية تتناسل ..
في الصباح زُفت لي البشرى ، صرتُ معلماً ..
تم تعييني في الخرج قريباً من الرياض التي أسكنها .. هذا يعني أني لن أرحل يامدينتي ..
كانت سارة مبتهجةً بنجاحاتي ، رغم مسحة الحزن التي تكسوها وعبثاً تخفيه حنجرتها ..
قالت عيّنوك فوراً لأنك متفوق ، وقلتُ في نفسي أنتِ لا تعلمين شيئاً .. في الرياض تعمل الأسماء أكثر !
أخبرتني أن كل قصةٍ أنشرها تحتفظ بها في ملفٍ خاص.. كتبت عليه " دوستويفسكي " ..

- يوماً ما إذا اشتهرت لا تتنكر لي يافيصل هههه
- وهل أستطيع ، سأذيع اسمكِ عرفاناً على الملأ ، صحيح أنكِ ستدخلين في مشاكل مع عائلتك لكن هذا حقٌ لن أكتمه الناس !

تباً للدعابة الغبية، لماذا جئت بسيرة عائلتها .. هاهي بدأت تكتئب !

سارة تخفي عني شيئاً يدور في محيطها ولست أعلم ماهو ..
والعجز التام .. هو أني أريد أن أسأل وأخشى ..
أخشى أن تتعكر فرحتي ، أخشى أن لا أملك دفعاً للقادم من أخبار .. أخشى أن أعرف أني عاجز !
تركتُ الأمر .. وتركتها مع اكتئابها قليلا ً، ورحتُ أقص لها قصتي التي سأنشرها غداً ..
كانت على الخط ، وكنت أسرد ما كتبت .. وعلا صوتي متحمساً مع سطوري ..
وبدأت أعرف أنها لم تكن تصغي
كانت تنتحب ، وتوقفتُ عن القراءة.. ثم بكَتْ وخشيتُ السؤال .. واعتلاني الوجوم !
أخذت تصرخ " أحبك " .. ولم أقل لها أي شيء ..
طويتُ قصتي وأودعتها الدرج ولم أسأل ، لم أقل لها حتى أني أحبك ..
وعرفتُ أن في الأمر سراً لا طاقة لي بدفعه ..


- فيصل أريد أن أخرج معك لأي مكان !
- ماذا ؟!
- فيصل أرجوك ، أريد أن نخرج ، أريد أن أكون معك...

شعرتُ أنها تريد أن تقول " للمرة الأخيرة " ، أو هكذا توهمت لا أعرف !

هل أيامنا بدأت تتصرم ؟! أأسألها ؟! تركتُ الأمر يمضي دون أسئلتي ..
وبقلبٍ منقبض سألتها :
أين تريدين أن نذهـ

بصوتٍ باكي قاطعتني :

- فيصل أي مكان !


القلم الحر غير متواجد حالياً  
التوقيع
( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي )




أضغط على الصورة لدخول المدونة
رد مع اقتباس
قديم 17-05-11, 04:06 PM   #18

القلم الحر

نجم روايتي كاتب و شاعر متألق في القسم الأدبي

 
الصورة الرمزية القلم الحر

? العضوٌ??? » 127837
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,320
?  نُقآطِيْ » القلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond repute
افتراضي

26

السؤال فخ ، إن سألتها فقد أوقعتُ نفسي في الشَرك !
تركتُ حزنها الذي تحاولُ جاهدةً أن تخفيه ، تركتهُ كأني لم ألحظه .. مارستُ معه الهروب ..
كنتُ على مدى أسبوع أحدثها عن الروايات و قصصي و تفاصيل يومي ، أحاول إضفاء المرح ..
وكانت تحاولُ حثيثةً مواكبتي .. لم تفضفض ، لم تشتكِ لي ، لم تحاول حتى أن تستدرجني لهمومها ..
أتحدث ، أضحك ، فإذا افتقدتُ صوتها وسألتها " سارة معي " ، تجيبني بـ " أحبك " !
كانت هذه الحروف الأربعة أفضل ماأعرف في الأبجدية ، وكان تكرار هذه الكلمة يمر على السمع مرور المرة الأولى ..
لكن في هذا الاسبوع .. كانت تخيفني ، نبرتها الأشبه برنة وترٍ حزين ، كان تخيفني أكثر!


غوته يقول : لتسمع إجابةً جميلة اسأل سؤالاً جميلاً ، حسناً ، كنت أعرف أن أسئلةً مثل :
" مابك ؟ تكلمي ؟ فسري لي الأمر " تحملُ ضبابيةً معقدة !
آه ، كنت أتوق لنطق هذه الأسئلة ، لأكون لها سنداً كما كانت لي في كل أمر ،
لإشعارها أني الرجل الذي يُعتمد عليه ، الذي يهتم لأمرها ..
لكن هذه الأسئلة لا تُرمى هكذا وحسب .. هذه بحساب غوته أسئلةٌ ليست جيدة ، تستحق إجابات غير جيدة !
بقيتُ على ضفاف همومها ، تركتها تتأوه عني بعيداً ، أهملتُ انكسارها بأنانيةٍ كنتُ أرتكبها قسراً ..
عرفتُ بحدسي أن السؤال بابٌ يطل على أحد أبواب جهنم ، فتحهُ يعني اندلاع لسانٍ لاهب .. وتركتُ الباب خلف ظهري !
لم يكن هذا القرار خياراً ، كما لم يكن إجباراً .. الأسوأ أنهُ كان مزيجاً من الإثنين ..
ولستُ غبياً لأهاتفها فيجيء صوتها مبحوحاً تعلوه نغمةٌ أشبه بنغمة من يعاني زكاماً .. ثم لا أفهم !
لا، لستُ غبياً ، كان واضحاً بكاؤها لكني كنتُ أتغابى !


صعقها لي بالطلب الأخير " أريد أن أكون معك في أي مكان " ، لم يكن طلباً عادياً ..
" أريد أن أكون معك " طلبٌ مبرر بين حبيبٍ وحبيب ..
"......في أي مكان" ، إضافةٌ لاتنقصني الفطنة لأميز ماذا تعني، ولا تعوزني الفطنة لأفهم ..
أعرف جيداً ما نوعها ، وأعرفُ أنها تنازلٌ عن قناعات كثيرة ..
كانت رغم كل ثقتها ، تخشى أن نلتقي في مكانٍ يخلو إلا منا ، وكنت ألتمس لها العذر تماماً .
كنتُ بعد عشاء "الشرفة " واجهتها مرتين في السوق، ومرةً حين خرجت من مشغلٍ أنيق ،
ومرة في المستشفى حين علمت أنها تزور صديقتها ...

لم تكن لقاءاتنا هذه رسمية ولم تختلي قلوبنا ببعضها ، كانت أشبه بسرقة دقائق من حساب الوقت ، أشبه بمغامرة لذيذة ،
الأغرب ، أن هذه اللقاءات كانت لذتها لا تقل عن بقائنا الطويل في ذلك العشاء السعيد ..
ولا أظن عاشقاً اسكندنافياً يبحر مع عشيقته الصهباء فوق زورقٍ في بحيرة ستورافان بأكثر من قلبينا حبوراً بهكذا لقاءات عابرة ..
في الرياض ، وقت العشاق قليل وأماكن لقاءاتهم مجنونة كجنونهم ،
لكن بحساب المتعة والفرح تأتي أثمن من أي لقاءٍ في أي وطن آخر !

كنت أقول لسارة :
العشاق في الرياض أطفالٌ يريدون أن يلعبوا والكل ينهرهم ، تجدينهم يختلسون دقائق بسيطة حين يغفل الكل ويمارسون لعبتهم المجنونة ..
الحب المغامرة الجنون التشويق التمرد .. كل هذا لن يفهمه أطفالٌ في أوطان أخرى يملكون الحرية لأن يلعبوا متى ما أرادوا ..
هم أطفالٌ يشاركوننا ذات اللهفة والحب ياسارة ، لكنهم لا يشاركوننا جنون المغامرة ..
.. ودقيقة حب في عاصمتنا ، تعدل ساعات في أوطان أخرى !
ووحدها كانت تفهم ما أعنيه حقاً ..



أتذكر جيداً لقاء المستشفى ، أخبرتني أنها ذاهبة لزيارة " منى " صديقتها التي وضعت مولودها ، مستشفى الجامعي !
كانت تتحدثُ لي كأي يومٍ آخر ، تخبرني ماذا ستفعل وأين تذهب ثم أخبرتني ماذا ستهدي لصديقتها ،
وكنتُ ألتقط الخبر كصيدٍ ثمين أو مغامرةٍ مجنونة ...

وقفتُ يومها عند مواقف المدينة الطبية ، سألتها سؤالي المعتاد أين أنتِ ؟ قالت "لست في البيت / ندخل الجامعة" ،
وابتسمت بشيطنة طفل ، وترصدتُ لهودجها .
رأيته يدخل ويتوقف قريباً مني، ثم رأيتها قد نزلت وحدها .. كانت تمشي عبر الممر الضيق الطويل المؤدي لبوابة الدخول ..
كانت تحمل ورداً وشوكولا .. أتيتُ خلفها " تسمحين أساعدك اختي "
وقفت مذهولة ، لكني أخبرتها أن تستمر في المشي معي ولن ينتبه أحد " تحركي يا خبله لا توقفين هه " ومضينا كزوجين !
أوصلتها حتى باب المصعد ، وانتظرتُ أن يخلو بنا دقيقة لكن في كل مرة كان يمتليء .. كان وقت ذروة الزيارة ..
يومها استسلمت وركبنا مع جموع الداخلين ، وكانت تتحلق يدي غير آبهةٍ بأحد ،
ثم تركتها تمضي لقسم الولادة وخرجت ..
أرسلتُ لها وهي عند صديقتها " خسارة ، كان المصعد ممتليء! " و ردت على الفور " عطاك الله على قد نيتك ههه " !
وابتسمت وأنا انصرف .. في الرياض يكفي الأطفال دقائق من اللعب !


..ليلتها ، حدثتني عن جنوني وشغفها بي،
أخبرتني أنها من فرط سعادتها اقترحت على صديقتها تسمية المولود فيصل !
وضحكنا كطفلين معاً ..


هذا كان في أول الصيف ـ يوم كانت البسمة شعارها وشعاري ، وأحاديثنا أطايب لا تُمل ، يوم كنا نتبوأ من جنة الحب حيث نشاء ..
شيءٌ ما اختلف الآن ولست أجهل .. وأعرف أني أجبن من أن أسأل !
أشعر بهواءٍ حار بات يلفح وجوهنا، ليس الصيف !
و تلك النسمة الباردة بدأت تقل رويداً .. وتسربلني الخوف ،

ها هي فاجأتني تطلب مني بإلحاح أن تكون معي في أي مكان ..
ورحت أقلب الأمر في رأسي :
ألم يكن صيفنا فعالية قلب ، ألم نجعل من عاصمتنا سياحةً للحب ؟!
أليس كل ختام للعرض عبارةٌ عن حفل ضخم ..
حسناً ..

لم أتردد :

- في أي مكان ؟
- نعم .
- ..سارة أستطيع تدبر أمر شقة ! موافقة ؟

صمتت طويلاً ، وفكرتُ أنها على وشك الإنفجار فيني غضباً :
وأجابت بذات نبرة الحزن :

- موافقة يافيصل .

* * *


هكذا انتزعت منها هذا الوعد .. لم يكن الأمر صعباً كما توقعت ، بدا لي أنها محطمة للحد الذي لم تعد تبالي أو تفكر !
لم يضمنا من قبل سقفٌ مشترك ، لم ننعزل عن العالم من قبل ..
غرفة المطعم يومها كانت مليئةً بالضجيج الذي يلفنا ،
أن نختلي في غرفة هذا أمرٌ أعرف ماذا يعني وحسبي أنها وافقتْ !


ماذا أريد منها ؟ هل أؤذيها ؟ بالتأكيد لا ..
هل أطبق نظام الفرائس الذي حدثني به فهد ؟ لم يدر في خلدي ..
فقط أردتُ أن نكون لوحدنا طويلاً .. وحينها سأسألها عن كل شيء ،
وإن بكت ستجدني بجوارها لترتمي فوق صدري وتبكي حتى تهيد ..
حتى الجواب ، إن كان مراً .. فسأجدها بجواري لأبكي بين يديها كطفلٍ أتعبهُ الألم .
نعم سأسألها عن حزنها وذبولها .. لن أنتظر حتى تغيب عني فجأة ، أدركتُ إن الإنتظار ليس قراراً !


إن كانت ستذهب من يدي ، فـ لتذكرْني بموعدٍ لن تنساه !
بصمةٌ أطبعها في الذاكرة ، كي لا ترتكب معي الخيانة الأقسى بعد أعوام : النسيان ..
إن كانت ستفلت من يدي ، فـ سقف أمنياتي ينخفض للحد الأدنى :
أن تذكرني دوماً ، أن أحفر نفسي في ذاكرتها طويلاً ..
ولهذا رحتُ أطلب منها بكل جراءة أن تلفنا غرفة ٌ واحدة ..


أحقاً أريد منها فقط أن تتذكرني بهذا الموعد الجريء ؟
وأن أجلبها لمكانٍ معزولٍ إلا منا لأتحدث لها ؟!
أحقاً هذا ما أريده منها ؟ هل أنا الآن أستغل ضعفها وسذاجتها .. واندفاعها في الحب ؟
كنتُ أهرب من سؤالها عن حزنها ، والآن بتّ أهرب من أسئلتي لي ، أنا !

قديماً كنت أستمع المحاضرات والخطب الدينية ، كانوا يحذرون الفتيات من الذئاب البشرية ،
ونظرتُ لوجهي في المرآة ، وسألت نفسي :
هل أنا ذئبٌ بشري الآن ؟!
وأجبت نفسي على الفور ، لا .. أريد فقط الإختلاء بها للحديث ،
ألم يكن جميل يختلي ببثينة كل ليل في مواسم متباعدة ولم يطلها منه سوء ..
ألستُ امتداداً لقبيلةٍ مجنونة في العشق لها تقاليدها العريقة في درء السوء عن المحبوب !
نحنُ العذريين لا نبالي إلا بالحب ، وبمن نحب ،
لا فرق أكنّا بين جموع البشر أم ليس يرصدنا إلا ضوء القمر ..
ثم أسأل نفسي أخرى : أأنا مقتنعٌ بما أقول أم أن شيطاني يمهد لي الطريق!


" إيه ، سأذهب معك "
هكذا وافقتني ، قالتها بإصرار ،كأنها تنطق هذه العبارة من قبيل التحدي و لا أدري تتحدى من ..!
لم أخبر فهد .. وكتمت هي الأمر عن صديقتها هيفاء ..
كأننا تواطئنا أن نحجب هذا الأمر إلا عن قلبينا فقط ..
لن تستوعب هيفاء ثقتها بي .. ولن يستوعب فهد أني أريد الخلوّ بها للتناجي ليس إلا ،
وآخر ما ينقصنا .. أفواه الثرثرة !

* * *




في ليلةٍ غريبة من ليالِ الصيف ..
كانت الرطوبة عالية أو هكذا ظننت .. رائحة المطر أشتمها في الأرجاء دونما هطوله !
حين توقفت سيارتي أمام عمارةٍ في وسط الرياض ، و خرجتُ منها وخرجَت سارة ..
كان المكانُ هادئاً كبيت عقيم !
وكان الظلام يغطينا ويغطي الرياض كبحر .. كأنما نمشي في قعره لسنا نسير على رصيف !


وصعدنا الدرج نتهادى كعريسين . . ووصلنا الشقة رقم 13 .. وفتحتُ الباب ودخلنا !


أخذتها من أحد الأسواق كعادتنا ..
كنتُ سرقت دفتر العائلة الخاص بأخي من درج سيارته ، محمد أشد إخوتي بي شبهاً ..
كان كل شيءٍ يسيرُ كما أريد .. الرياض تساند شجعانها ..
الرياض تحترم شجعانها يا قلبي .. تساعدهم حين يكسرون جمودها الذي فرضه الآخرين عليها !
بواسطة هذا الورقة كنت أستأجر هذه الشقة كمسافر متعب وقف للراحة مع زوجته ..
جنون ؟ لا بأس !



أصعد وتصعد معي ، صوت كعبها يقرع الأرض ليخبرني أني لستُ أحلم وأن جنوني حقيقة ..
لا صوت في الجوار إلا صوت خطواتنا ، كأنما نسير في مكانٍ أحيط بعذاب والناس صرعى ..
آمنت أن الأرض أرضي .. وأن هذه العاصمة كأم ، لهذا لم أعد أرتكب الخوف ..
شيٌ واحد كان يقلقني :
حين أغلق خلفي وخلفها الباب .. أحقاً أريد منها الحديث ؟!
ماذا أريد منها ؟

ثم أعود لوعيي وقلبي .. وأعرف أني لن أخدشها .. وتعرف أني لن أفعل ..
وأنها وردةٌ بين يديّ لن أجعلها تذبل ..
أريد أن أحدثها، نعم هكذا ، و على انفراد عن العالم كله .. نعم على انفراد !

أريد أن أقول لها كل شيء ، وسأشرح لها كل شيء دون أن أجرحها ..
أريد أن أحتويها حين تبكي ..
ثم أعود أسأل :
وماذا بعد الحديث .. هل أريد أكثر ؟!



لم نخبر أحداً من أصدقائنا.. كأننا ندرك كمية العتاب الذي سنتلقاه!
تعرف اكثر مما أعرف اننا نتهوّر ، لكن ما في قلوبنا عصيٌ على الشرح للآخرين ..
ودخلنا وأغلقتُ الباب سريعاً .. أكنتُ أخشى دخول إبليس الذي كان يحدثني وأنا أصعد بها الدرج !
ومشينا نحو غرفتنا!

.. وجلسنا على مقعدين متقابلين .. وكنت أسمع نبض قلبها وتسمع نبض قلبي !
ودفعاً للحديث سألتها : خائفة ؟ هزت رأسها بـ لا ...لكن لم تقلها .


كان وجهها شاحباً تماماً ، ونحيلةٌ للحد الذي خِلتها سمراء أخرى ..
تباً ليدي التي تفضح توتري ، عبثاً استطعت كبح جماح رعشتها، قالت لي ذات مرة : أحب منظر العروق في يدك !
ماهذه الرعشة يايدي ، هل جرى الشيطان في عروقك الآن مجرى الدم وبدأ تحريضك !
كلما أطرقتُ برأسي ظننتنيي في حلم ، و كلما رفعته ، رأيت سارة ثم ازدردت ريقي غير مصدق!

ترتدي بنطلون جينز أسود .. تيشيرت أبيض ، وشعرها منسدلٌ للوراء عليها مسحة حزنٍ جعلتها أشهى !
كانت بسيطة ً جداً لكنها أنيقة للحد الذي ترمي بأبجديتك في التيه وعبثاً تحاول بدأ الحديث معها ..
جلست وقدمت لي مغلفاً أنيقاً .. فتحته وكان يضم درعاً فيه مباركةٌ لي
"مبروك أ.فيصل "
شكرتها .. وبدت بسمتها الشاحبة ، وذكرت ديكنز يوم قال السعادة أهم أدة تجميل ، وأردت أن أقول له حتى الحزن يجعل سارة أجمل !
وجلست أتأملها طويلا ً ..



- سارة أتعلمين لماذا جئت بكِ هنا ؟!
- لماذا
- أريد أن تحدثيني بكل شيء .. كل شيء
- فيصل
- لم أطلب منك ذلك في الهاتف ، أردتُ أن أكون بجوارك حين تتحدثين
أتظنين أني غبي لا أعرف نبرة الحزن في صوتك !؟
- آه يا فيصل .. دعنا عن هذا الحديث الآن ..

جاءت وجلست بجواري .. وضعت رأسها على كتفي ..وهمست لي :

- هل صحيح يافيصل ، أننا الآن نعيش بين هذه الجدران سويةً .. وهذا السقف يغطينا معاً
أخبرني أني لا أحلم .. أرجوك

- لا لستِ تحلمين ، أنظري انا هنا ..
مررتُ يدي على خصلاتها .. ورفَعَتْ عينيها إلي ..

..




- نعم ؟!
- افتح الباب

وفتحته ، ثم لا أدري ماذا حدث ..

آخر ما أستطيع تذكره ،
أن موعدنا امتلأ برائحة المسك ودهن العود ..ورجالٌ غاضبون يسألوني في حزم !
وعرفتُ أني أقل من حماية أنثى أحبها ..
وعرفت أن الرياض تمهل شجعانها ولا تهملهم !
وسمعت سارة تصرخ باسمي .. وبكيتْ ..
وذكرتُ حزنها ومصيري و مصيرها .. وبكيت أكثر ..
كنت أضع قميصي فوق رأسي والناس ينظرون .. وأصم أذني عن صراخ حبيبتي .. كان يخترق سمعي !
ورحت أبكي ..
وانطلقت كل سيارةٍ بقلب .. نحن القلبان الذين جئنا في سيارةٍ واحدة معاً !
ولمحتها في هودجٍ احمر ، ليس الفيرانيّ الذي أحب ..
وانهارت أحلامي و بكيت ..
أردت أن أصرخ في الجميع أحبها لم أؤذيها .. كل مابيننا حب، ولكن لن يصغوا وسيظنوني كأي ذئبٍ مفترس .
صرختها بإسمي شقت أذني .. وكنت أقل من أن تطلب نجدتي ..
وبكيت أكثر ..
وأخذت ارقب الأرصفة والشوارع وهي تمر بسرعة ، وشتمت الرياض وشتمت نفسي .. وذكرت سارة وحزن سارة وبكيت أكثر ..
لم يرحمني أحد ..ولن يرحمها أحد ،
لو عرفتُ أني سأكون في هذه السيارة الغريبة كعاجز عن دفع الأذى والفضيحة عن محبوبته ،
لو حسبت حساب أمري هذا ..
كنت أحضرت سم الزرنيخ معي .. وابتلعته الآن ، أي هوانٍ كنتُ فيه وأنتِ تصرخين بإسمي وأعجز عن إجابة !
ورأيتُ الرياض على حقيقتها وأنا مكومٌ في الخلف بين اثنين لا أعرفهم .. وعرفت أنها تخاتل العشاق ولا ترحمهم ..
وشعرتُ بها هازئةً بحزني ..
وعرفت ان الرياض مدينة لا ترحم عشاقها .. بل تسفكهم على قوارع طرقاتها ..
وأنها لا تشجع المتمردين على كسر خصوصيةٍ كنت أظنها لا تُريدها .. بل كانت تؤمن بخصوصيتها وتعاقب المتطاولين عليها !
ورأيتُ الأرصفة والبنايات والسيارات المتكدسة في الشوارع كلها تلوك إسمي، كانت تمر سريعاً أمام عيني ..
وأغمضتُ عيني..وقلت ليت الحياة كابوسٌ نُفيق منه فجأة .. وفتحتُ عيني .. وعرفتُ أني انتهيت ..
لماذا لم أنتبه لرائحة المطر الموحشة هذا المساء .. كان نذير خيبة ..
ولماذا لم أقرأ رقم الغرفة جيداً " 13 " كان رقم الشؤم عالمياً
لماذا حين كنت قريباً من سارة حد القُبلة ، دب البعد فجأة ! يالسخرية الرياض
ورحت أبكي .. وأعادت ذاكرتي اللعينة صوت صرختها بإسمي .. صرختها الخائفة .. وعجزي عن إنقاذها من حريقٍ سيندلع في سُمعتها ..
وبكيت أكثر ، لم يواسيني أحد ..
من وشى بي ، متى تبعوني .. لست أدري..
كانوا يرددون من حولي كلمةً أدمتني، يكتبونها في أوراق تخصني وتخصها ،
وأعرف أنها لن تنتهي عند لحظة حزني هذه :

خلوة .. خلوة غير شرعية !


القلم الحر غير متواجد حالياً  
التوقيع
( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي )




أضغط على الصورة لدخول المدونة
رد مع اقتباس
قديم 17-05-11, 04:07 PM   #19

القلم الحر

نجم روايتي كاتب و شاعر متألق في القسم الأدبي

 
الصورة الرمزية القلم الحر

? العضوٌ??? » 127837
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,320
?  نُقآطِيْ » القلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond repute
افتراضي

" الــجـزء الـثــانـي " / 1


27


شهران مرّا كأنهما الدهر .. سارا على مهل .. في كل يومٍ كنت أموت سبعين مرة !
شهران انسلخا من عمري كأي ورقةٍ مُزِقَتْ من كراسةٍ لا تحوي في سطورها شيئاً ..
هل كنت حياً .. نعم ، هل كنت ميتاً .. نعم .. حُطام إنسان وأشلاء قلب ..
وعرفتُ أن الموت ليس النوم في كنف المقابر ..
بل أسوأ أنواع الموت ، ذاك الذي تعيشه في غرفتك وبين أهلك وأنت معدودٌ من الأحياء زوراً !

شهران مرّا كقافلةٍ مثقلة بأحمالها ، تنوء جِمالُها الهزلى بالتعب ، سيرها رتيبٌ أشبهَ بوقوف !


شهران وأنتِ ياسارة حلمٌ لا يفنى في مناماتي ، وطيفٌ يستبد بذاكرتي ، ووجهٌ يبرز في كل وجهٍ أراه .. وصوتٌ أسمعه في كل نبرة !
شهرانِ ما أنا إلا شيخٌ ثمانينيٌ يرفل في العشرين ، ممزقٌ أحاول الثبات أمام أهلي وطلابي وتفضحني عيونٌ تُثرثر بحزني لكل ناظر !
شهران ، كل وقوفي إنحناء و كل بسماتي بكاء ..
حتى مشيتي لم تعد هي مشيتي ، صيّرني الهم محدوب الظهر .. أشعر بحدبةٍ تنام في ظهري وهم لا يشعرون ..
شهران كان الدمع نديم الليل .. وصديق عزلةٍ عدتُ لها جبراً .. عدتُ لها رجلاً أعمى يسير بلا عصى !


قبلكِ يا سارة .. كانت عزلتي باختياري ، تركت المدينة وصخبها خلف ظهري .. مستمتعاً بوقتي ..
بعدكِ ياحلوتي .. ما عادت عزلتي خياراً ، صارت مرضاً نازلاً وإقامةً جبريّة ، بتّ أخشى الناس .. أقرأ في عيونهم حديثاً تكتمه أفواههم !
آه ياسارة .. شهرانِ لا أدري أأنتِ هنا في عاصمة الأشباح ، أم تلقفتكِ ديارٌ جديدة ..
بل أعظم من ذلك .. أأنتِ من الأحياء فأرتجيك ، أم مع الموتى فأبدأ الندب والرثاء حتى أنسى !


شهرانِ مرّا بعدكِ .. بعد غيابك .. كأنما فقد الكون فيها جماله .. كل شيء استحال شبحاً لما كان عليه يوم كُنا معاً !
زرقة السماء و روعة الغيوم وخضرة الأشجار .. كل شيءٍ بَهَتَ في بصري..
أدركت أن الحياة بعد من نحب ، كالعودة لشاشة الأبيض والأسود بعد إعتيادنا البث بالألوان !
وأدركتُ أن شيشرون كان يعنيني حين قال ، أشقى أهل الأرض ، من يحمل ذاكرةً قويّة وذكرياتٍ مرة .


آه سمرايَ البريئة ..
صرختُكِ في أذني قبل شهرين ، في تلك العمارة الكئيبة ، في تلك الليلة الدهماء ..
صرختكِ تلك ، توقظني كل ليلٍ لأبكي ، تأتي كأنها ****بُ ساعةٍ تدقّ لتقول قُم وابدأ تراتيل الدموع ..
أسمعها الآن ، أسمعها وأنا نائم ، وأسمعها بين ضوضاء طلابي وأسمعها وأنا أصغي لأمي !
" فيييييييييصل " صرختكِ لم تكن أربع حروف ، وضعتِ بعد الصاد ألِفاً ممدودةً كسكينٍ تمزقني..يا لحرف المد الممتد كنصلٍ غادر ..
نطقتيهِ في إسمي دخيلاً خامساً ، هو الآن ما يعبث بملامحي كريشةٍ هوجاء تلطخ لوحة .. كل ما طنّ في أذني تمعّر وجهي وصَمْمتُ أذني أشبه بنوبة صرع !


كان إسمي غريباً يوم اقتادوك من ذاك السلّم المدروج .. يوم صرختِ بإسمي ،
آه لو لم تصرخي .. لكنتُ الآن في حرزٍ من بعض هذا الأذى !
أكان نداءً أم عتاباً .. أكان طلب نجدة .. أكان ندباً وبداية مشاريع الرثاء !
أم هل صدقتِ أني رجلٌ يحميكِ كل مرة !
يا لهواني يومَ رأيتكِ تركبين هودجاً ليس هودجك الأثير ..
كنتِ تتلفتين في الجموع الغاضبةِ بحثاً عن وجهٍ مألوف ، كنتِ بين الغرباء تُقتادين أشبهَ بمجرمة ،
وصوت بكائكِ يركبُ الفضاء محمولاً لسمعي .. يزفه الهواء كشامت !
كنت أراكِ وأخشى أن تقع عينك على وجهي الباكي .. بحثتِ طويلاً ولم يرحم دموعك رجلٌ يصرخُ فيك " اركبي يالله " ..
ولا متطفلون أطلقوا لهواتفهم متعة التصوير ..
كانت فلاشاتهم حريقاً يندلعُ في قلبي .. وأردتُ أن أنطلق فيهم ضرباً لكن كنتُ في قبضةٍ أقسى من الفولاذ ياسارة .. فهل تعذُرين !



آه يا تلك النظرة التي بقيت معي ستين يوماً .. وستبقى معي حتى أموت ، لن يحميني منها رجلٌ قويٌ اسمه النسيان !
يوم دارت عيونكِ في الحشد المخيف ، كأنما تبحثين عني ..
وقبل صعودك تلاقت عينيك بعيني .. وذكرتُ ماجد يوم التقت عينانا أول مرة .. وأردتُ أن أقول لعينيك انصرفي ولكن طال مكوثها في وجهي !
نظرتِ لي وشعرتُ بسؤالكِ يصفعني : أحقاً انتهينا ! أحقاً كنا قبل قليل نستعد لقبلة ! كيف صرنا هكذا يا فيصل كيف صرنا ..
لم ينقذني من عينيكِ إلا لكزةٌ من رجلٍ كان خلفي ، وأردتُ شكره .. كان ملاذاً من عينيك الحزينة .. آه ياعينيك .. كانت جميلةً رغم رعبك !



شهرانِ منذ أُخذنا غيلةً .. منذ هجموا علينا كـ نسخٍ عديدة لعزرائيل ، لكنّ عزرائيل أرحم .. كان سيُنهي كل هذا الجدل ويتركنا للسبات الطويل ، لكنهم لم يفعلوا !
فرقونا حتى في السيارات ياسارة ، وضعوني في سوداء بلون الليل .. ووضعوكِ في حمراء بطعم الدم .. وانطلقوا بنا ..
نحنُ الذين لم نؤذي أحداً منهم .. كل ذنبنا أنّا آمنا بالحب في بلدٍ تكفر به!
نحن الذين جئنا في سيارتي البيضاء .. غادرنا على أخرياتٍ ليست لنا ولم نأتِ بأي منها ..
جئنا لموعدنا كطائرين رفرفا لعشٍ يجمعهم ساعةً من ليل ، وغادرنا لوكرٍ أشبه بكهفٍ في جبلٍ لاتعرفهُ خريطة !
جئنا وكانت يدي تضم يدكِ ياسارة .. و رحنا وأيدينا تضمها أيادٍ خشنةٌ لسنا نعرف أصحابها..
راحوا بنا .. قطعوا الطريق على ليلتنا الموعودة .. اقتادونا دون أن نعرف تهمتنا .. كتبوا خلوةٌ غير شرعية ولم يكتبوا الحب ياسارة ..
اتهمونا بالفجور لم يتهمونا بتهمتنا الحقيقية .. أكنّا فاجرين ولم نعرف ؟!


مضوا بكِ أمام عيني ، اقتادوكِ جبراً ولم يأبه لصرختكِ منهم أحد .. لم يأبهوا لانكساري !
روسوا يقول : الإنسان أرخص سلعةٍ في السوق ، في الرياض ماذا عساه يقول !!
ألم يعرفوا أن لي معكِ أياماً جميلة ..وأحلاماً كبرى..ولي هيبةٌ في قلبك واحترامٌ لم تمحضيه لبعض محارمك حتى !
يظنون أني مجرد ذئب ليس يحملُ شرفاً ولا قلباً ينبضُ عاطفةً ، أهانوني أمامكِ وأنتِ تنظرين لي أشبهَ بعاجز!
نسوا أن الحبيب قريب .. ولهُ بعض كرامة !
لم آبه لنظراتِ الناس، أقسم بالله كنتُ خجلاً من عينيك أنتِ..

مضوا بنا ..كنا قلباً وحيداً وجسداً وحيداً .. شطرونا لنصفين وانطلقوا بنا ..
وارتفعت نداءاتهم اللاسلكية كقابضين على مروّجين لهيروين .. وأردتُ أن أقول روّجنا حباً ليس أكثر وخشيتُ منهم !
وتوقفت سياراتنا أمام أول إشارة ، كانت حمراء كبقعة دم ..كـ دمي ودمك المسفوك غيلة ..
ورأيتُ بين جموع السيارات هودجك الجديد ..وسمعتُ صوت بكائكِ رغم الزجاج ورغم ضوضاء المدينة ..
وبكيتُ في تلك الدقيقة مالم يبكيهِ يعقوب على يوسف أعداد السنين ..
ولم أجد حضناً يحتويني إلا باب السيارة الذي يلاصقني .. رميتُ خدي على نافذته وبكيت وكان يسندني ..
أليس غريباً ياسارة أن يرأف بك حديدٌ ويقسو عليك البشر !



آه ياسارة ..
وامتطوا بنا طرقاتٌ لم نكن نعرفها .. ما عرفنا أننا في يومٍ سنسلكها مع آخرين يقودوننا كأسرى حب .. أسرى حرب !
آه .. لو عرفنا .. آه .. لو كنت عرفت نهايتي وهواني الآن .. لكنتُ قمتُ من طاولة ماجد أول يومٍ جئتِ حاملةً جهازك !
لكنتُ غادرتُ المكان لو كنتُ أعرف أن نهايتي معكِ خذلانك ..
و كنتُ مزقت رواية الأبله ولم أهديها إليك ولم أكتب لك فيها رقماً أودى بكِ في هذه الهودج الأحمر البعيد عن مرآي ..
لو كنت أعرف أن نهايتنا تهمة حب ، وقيودٌ على قلبينا قبل معصمينا ..
لكنتُ نهرتك يوم قلتِ لي " رائعةٌ رواية أحلام هذه " ..وقلت لك " انصرفي " ولم أفرح بحوارك ذاك ..
يا لذاك الحديث البعيد .. أبعد من طيف ابتسامة !



يومها ياسارة .. بكيتُ بينهم مرتين ، عليكِ وعلى نفسي .. وقلتُ دعوها واقتلوني .. وصرخ بي من لستُ أعرفه " اخرس " وخشيتهم ..
أي جبانٍ أنا وأي اختيارٍ لحمايتكِ اخترتي !
سألتهم " ماذا ستفعلون بها " لم أقل ماذا ستفعلون بي .. وفتشتُ في أسمائهم عن قبيلتي ولم أجد إلا الغرباء ..
وأردتُ أن أقول اسألوا إمام مسجدنا و عميد كليتنا و أبناء حارتنا ..
لستُ سيئاً .. ما أنا إلا رجلٌ أعطاهُ الله قلباً فأحب .. وبصراً فعشق .. وأردتُ أن أقول لهم عذبوني واتركوها .. لكني جبان ..
..جبانٌ يا من صرختِ باسمي تطلبين الغوث !



يومها هاتفتُ أخي ، أخبرته بكل شيء .. أعطيتهُ اسمك الرباعيّ .. قلتُ أدركها قبل أن تغرق .. لكنهُ أخي ..
لن يعرف عاطفةً تدب في سويداء قلبي ..لن يعرف إلا عاطفة الأخوّة ، تحرك فوراً لأجلي فقط !
سامحيني ..
ولبثتُ في الغار أياماً ثلاثة .. كنتُ أدعي الله فيها .. " ربّ أدركها .. ربّ إنها حزينةٌ قبلي فلا تزدها بعدي " ونسيتُ أن أدعي لنفسي ..
آه لوتدرين ..أتُراكِ تصدقين ؟ نسيتُ أن أدعي لنفسي ..
واستجوبوني كمن حمل حزاماً ناسفاً ألقوا عليه القبض قبل ممارسة إرهابه ..
أنا الذي كل ذنبي أن حملتُ قلباً محباً .. وعاطفةً بريئة ..
" جلبتُها للحديث " وقهقهوا حولي .. وصرختُ ليتأكدوا أن صوتي ليس عواءً .. لستُ ذئباً غادراً .. ولم يكلفوا أنفسهم أكثر من تجاهل !



آه ياسارة .. أقطعُ الطريق من الرياض إلى الخرج كل صباح .. وتقطعينهُ معي وأنا الذي لم أسمع صوتكِ شهرين كاملين !
وأعودُ ظهراً فتعودين معي .. أحدثكِ كمجنون ، أسوق لكِ الأعذار لكن لستِ تجيبين ..
ألمسُ اسفنجة المقعد المجاور أتحسسكِ أنتِ التي كنتِ هنا قبل شهرين .. أين أنتِ الآن مني !؟
صرتُ مجنوناً يحدث نفسه .. وذكرتُ مجنون ليلى وعرفتُ أن الحب دربٌ للسعادة وعشرون درباً للمهالك والجنون ..
شهرانِ كلما قام طالبٌ تلوحُ على سحنته سمرةٌ خفيفةٌ تشبهكِ سرحتُ عن جوابهِ وذكرتك !
شهرانِ كأن القدر يستمتع بعذابي ، وضع لي في الفصل طالبين ينتهيانِ بذات اسم عائلتك .. صدفةٌ مغلفةٌ بالعذاب ..
أتصدقين .. كنتُ أنطق أسمائهم الثلاثية وأحجم عن نطق عائلتك، كنتُ أخجل منكِ رغم أنكِ لا تسمعي !



في اليوم الثالث زفّ لي البشرى أخي ، جاء ينقذني من غار الأمر بالمعروف !
أدركني قبل أن تحوّل قصتي لهيئة الإدعاء العام وأقضي حكماً نافذاً من قاضٍ لن يؤمن أني شابٌ عاشق لست ذئباً كاسراً ..
وسألته "ماذا بشأن سارة " .. وغضِب مني ودفعني أمامه ..
وخرجتُ من ذاك المكان كخارجٍ من كهف .. كهفٍ أظلم .. وشعرتُ بالشمس تطحن بصري .. وأردتُ أن أسألها عنكِ ولم أعرف لغة الشمس ..
كنت أريد أن أقول لها " هل خرجت سارة ، هل رأيتيها أطلّت من هنا " ! كنتُ في شغلٍ عن نفسي ولم آبه إليّ ..
يومها ، أخبرني أخي أن شيخاً من شيوخ قومي .. حدّثَ شيخاً من شيوخهم .. فأخرجوني غافرين لزلتي ، قابلين شفاعتهُ الحسنة مقيلين لعثرتي ..
ياسارة ، كانوا يحتاجون اتصالاً ساخناً ليصدقوا أني لستُ ذئباً!
وذكرتكِ ياسارة .. وذكرتُ كلمةُ كتمتُها ولم أبدِها لك .. لحاجةٍ في نفس عاشقكِ .. يوم قلت " تعملُ الأسماء أكثر .. في الرياض " !


ومضى بي أخي يخبرني معزياً أن لكل منّا مغامراته ،
وقلتُ له في نفسي " المغامرة هناك ، في تسلق الجبال ومصارعة الأسود والمشي فوق الجمر ، أنا هنا كنتُ محباً لستُ مغامراً "
وأخبرني أن أمري في حرزٍ من الذياع .. ولن يعرف بأمري غيره .. وسألته عنكِ فأخبرني أن كل إنسانٍ لهُ ذووه يذودون عنه ..
وسرَت في قلبي مرارةٌ ليس يدركها أخي ، هل سيرحمك إخوتك وأهلك ، هل سيقولون لكِ كما قال أخي لا تثريب عليك !
هل آذوكِ .. هل أُحيلت أوراقكِ نحو المحاكم يا حلوتي ؟ يا ألله .. أذلكَ الحُسن يدلفُ للمحاكم !
كانوا يقولون لي " تتدرج الإختلاءات ، واختلاؤكم من أشد الإختلاءات تعقيداً " ولم أفهم مايقولون ..
هل ياترى سيصدقون أن جميل يختلي ببثينة ليضع يدها فوق صدره وينام قرير عين ، ماكان عربيداً ولم تكن فاجرة !

وذكرتكِ يوم قلتِ " عدني ان تحب الرياض ، مهما حدث لا تكرهها " وكرهتُ وعدي لك !
أي عاصمةٍ هذه التي سفكت دمي ودمكِ في الأشهر الحرم ، لم تأبه لطفولتنا ولا شقاوتنا البريئة .. أحقاً كنتُ أظنها أماً لي !
كانتْ تواري وجهها عني .. تعرفُ أني غاضبٌ منها .. شعرتُ بها تزور عني .. تتجافى عن عيوني ذات اليمين وذات الشمال ..
آه لو أعرف أبجدية الأمكنة لقلت لها " تباً لكِ يا أماً تقتل أطفالها " !
ولجأتُ لكأسي .. وصرتُ أنهل منه بحثاً عن النسيان يا سارة ..

آه ياسارة .. حتى كأسي الذي أدمنتهُ كلاجيءٍ إليه من عقلي .. كانت صورتكِ تتراقص على سطح مائه !
حتى رائحتكِ تغلبُ رائحته الفاغمة .. وأهذي بكِ في سكرتي كما أهذي في صحوتي .. لجأتُ للشُرب علّ الشُرب يهرس ذاكرتي !
أعبّ كأساً بعد كأسٍ لأنسى .. وتنقضي قنينةٌ بعد أخرى وليس للنسيان نيّة حضور !
وتحمرّ عيني على وقع شُربي .. ويلتهبُ جفنيها على سجائر فهد .. فيسقط الدمع منها مالحاً .. أتلمظهُ فأعرفُ أن عيني دامعة !
لستُ أدري أكانت مهتاجةً من تلبد الدخان فيها ، أو أنني كنتُ أبكي !


ويعزيني فهد ..ولستُ أصغي .. يا للعزاء الرديء " طالما أنك بخير وأمورك انقضت على خير تجاوز الأمر " أتجاوز ماذا ..
هل سمعتِ ياسارة عن رجلٍ أزال قلبه عن جوفه ، وضعهُ على الأرض وطمر فوقه ! أي تجاوزٍ إلا الموت !
أين عشاء الشرفة و موعد المستشفى و فرحتي بكِ في غرفتنا يوم تقابلنا .. كل تلك الساعات من السعادة لا تقارن بألم لحظةٍ من لحظات غيابك !


شهرانِ حتى صلاتي لم أعد أؤديها .. فقدتُ الإتصال الروحي .. فقدت إيماني ..
وجدّفتُ كثيراً وأظنني ألحدتُ سِلباً ، لم أجد إلا صدماتٍ تصرخ فيني بالشكوك في كل شيء !
فقدتكِ و فُضحتِ و وتعذبتُ كثيراً .. رحتُ أسأل نفسي عن جدوى كل شيءٍ كنت أؤديه قبل هواني ..
وكفرتُ بكل شيء .. وآمنتُ بأني أتمرغ في الوحل بعد الوحل حتى صدغ رأسي !
ماهو الإيمان .. لستُ أدري .. لماذا خُلقت .. لستُ أدري .. ماذا بعد موتي .. لستُ أدري .. لمن أشتكي .. لستُ أدري ..
كلما ارتفع صوتُ آذانٍ سألتُ نفسي أسئلةً لا أملك إجابتها .. واقتنعتُ أخيراً أن كل شيءٍ كنتُ أمارسهُ مثار شك ..
وقرأتُ كتباً لم أكن أقرأها .. ووصلتُ لاقتناعٍ تام لو قلتهُ لكِ الآن لغضبتِ ..


آه ياسارة .. تزلزلت الأرض من تحتي ..ثارت براكين قلبي عليكِ حمماً ترتقي لأعلى ، لعقلي ، فيلتهبَ على سخونتها حتى يكاد يهذي !
فقدتُ كل شيء يوم ملكتُ كل شيء .. فقدتكِ يوم عينيكِ التقت بعينيّ وكنا نقتربُ من قبلةٍ دافئة .. حين دبّ البُعد فجأة !
كان طموحي أن أكون معلماً وقاصاً ناجحاً و قريباً من عاصمتي .. وتحقق كل شيءٍ وذهبتِ وذهب معكِ كل شيء ..


وقفتُ أمام بيتكِ أياماً طويلة .. وكانت غرفتك ظلماء كأنما طُليت بحبر .. وسائقكِ يخرجُ كثيراً بدونكِ أنتِ .. وأردتُ سؤاله وخشيتُ أن يشي بكِ ..
لربما لا تنقصكِ فضيحةٌ أخرى فأحجمتُ وابتلعتُ سؤالي كخبزةٍ يابسةٍ يبتلعها طفلٌ جائعٌ فقير..
وحلمتُ بكِ كثيراً .. كان حلماً يتكررُ كل مرة :
تجرينَ خائفةً وشعرك من ورائكِ يرقصُ للهواء .. وأمسكُ بكِ .. وأشعر بأنفاسكِ أسرعَ من طرف عين .. وأسخنَ من خماسين صيف :
سارة توقفي أين تمضين .. وكنتِ ترفعين يدي لأعلى وتنفضينها لأسفل ..وتصرخين دعني فيصل سيمسكوني .. وأسألكِ منهم فلا تجيبين ..
وأصرخُ فيك : لماذا كنتِ حزينةٌ يوم التقينا .. فقط قولي لماذا كان انكسارك قبل أن يدهمونا ..
فتنظرين لي بعينٍ باكية وتواصلين الركض ..وينقطع الحلم !
..لأقوم على كثير دمعي و أنين صوتي و أبكي حتى يحين صباح الخرج فأمضي والنوم كأسٌ لم أشرب إلا ثلثه!


هاتفتها كثيراً .. كانَ الهاتف يصرخ فيني " الهاتف المطلوب مغلق حاول الإتصال مرةً أخرى " .. كنتُ أستمع لهذا التسجيل حتى ينتهي فأقفل !
وقبل اسبوعين ... صرخ بي " تأكد من الرقم الصحيح وشكراً ".. وشعرتُ بشكراً أشبه بكلمةٍ تأتي بعد صفعة .. أي شكرٍ يتقبلهُ المرء حين خيبة !

بعد ليلةٍ ليلاء .. اختلط فيها دمعي بشُربي ، وغاب فيها عقلي كغياب سارة .. وهذيتُ بها جهراً كما أهذي بها سراً في صحوي ..
كنتُ أعود من الخرج كعادتي في القائلة..سارحاً بسارة .. غياب سارة .. غموض سارة .. مصير سارة ..
في منتصف الطريق ،
عند إحدى المحطات البتروليّة،
عند البقّالة المزحومة ،
أمام البائع الذي يتناول مني قيمة قارورة الماء لأجفف ريقي وأعود لأفكر بسارة ..
صاح جوالي بمكالمة رقمٍ لا أعرفه..


بصوتٍ متعب أجبت :

- ألو

- فيصل ؟

كان صوتاً نسائياً ..

- نعم مين معي ..

- انا هيفاء .. هيفاء صديقة سارة ..


يتبع ...


القلم الحر غير متواجد حالياً  
التوقيع
( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي )




أضغط على الصورة لدخول المدونة
رد مع اقتباس
قديم 17-05-11, 04:09 PM   #20

القلم الحر

نجم روايتي كاتب و شاعر متألق في القسم الأدبي

 
الصورة الرمزية القلم الحر

? العضوٌ??? » 127837
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,320
?  نُقآطِيْ » القلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond reputeالقلم الحر has a reputation beyond repute
افتراضي

28

ها أنا في الشقة وحدي ، أرتمي بلامبالاة على الأرض وأرنو للسقف في فتور ..
.. وأعيد في رأسي حديث هيفاء !

أشعل سيجارةً بعد أخرى .. باعثاً مع أنفاسي البنفسجيّة أفكاري ، فـ يتصاعد الدخان لأعلى راسماً وجه ساره ..
كنت في طريقي لمنزلنا ، لكن حديث هيفاء غيّر وجهتي ، أردتُ الإختلاء بنفسي هنا في هذه الشقة المهجورة إلا كل مساء ..
ثلاث ساعات لم أتحرك .. لم أغير حتى وضعيتي ، هكذا ، تمددتُ على الأرض وبدأتُ أستوعب ما قيل ..
أراجع كل كلمة وكل حرفٍ سمعت .


كنتُ أحتاج خبراً يأتي كنهارٍ ينقذني من ظلمتي .. يخبرني أن سارة تعيش معي هذه الحياة ولم تمت ..
خبراً يبتّ في أمر وساوسي التي تعصف بي كل ليل !
كان غيابها الطويل قد بدأ يصيّرها في تفكيري ميتة .. أيقنني بموتها و هذا أشد ما كان يحزنني .. كنتُ أرثي من لستُ على علمٍ بحقيقة موته !
طوال الشهرين المنصرمين ، وحين أفكر فيها ، كان قلبي يهجسُ بموتها ، ينقبض ، شيءٌ ما يخبرني أنها ماعادت حيّة ..
وأسوأ مافي الفقد ليس الفقد ذاته ، بل إجباره لك أن تنحدر في التفكير ونبش كل احتمالات الغياب .. كل شيءٍ مرجّح ! هكذا يخبرنا الغياب المفاجيء ،
لهذا .. كنتُ ضائعاً شهرين ، ميّتاً أمضي في زحمة الأحياء .. ولست منهم !

أما الآن .. في هذه اللحظة الآنيّة التي أتمدد فيها على أرضية الشقة .. الأمر اختلف !
بعد أن هاتفتني هيفاء .. شعرتُ أن الروح تسري فيني من جديد ، وبدأتُ أستعيد وعيي وأدرك ماحولي ، كرجلٍ أفاق من غيبوبة !
طالما سارة تتنفس هذا الأكسجين الذي أتنفسه ، وتشرق عليها الشمس التي تشرق علي ، ويغطيها الليل الذي يغطيني فأنا على الأقل .. حيّ !


جاء صوت صديقتها في طريق الخرج مثقلاً بالعتب ، وجاءها صوتي مثقلاً بالتعب !
كانت غاضبةً مني .. لستُ غبياً لتفوتَ علي اللهجة العدائية .. لكني لم أبالي بذلك ..
لم أهتم لنبرتها الحانقة ، آخر شيءٍ أفكر فيه هذا التعنيف الذي بدأتْ تسوقه ، كأنما كانت تتصل بي مكرهةً ليس إلا ..
شعرتُ في نبرتها بغضاً لي .. واحتقاراً لم آبه له ، حين أخبرتُها بأنني أنا فيصل من أنتِ ؟ ضحكت بإزدراء !


- هه انت فيصل .. اللي . . اللي ضيعت سارة !

وهتفتُ بسرعة :

- سارة بخير ؟!

- ماشاء الله يهمك يعني تكون بخير .. ما كأنك ..

- سارة حية ؟! تكفين لا تقولين ماتت ! سارة حية !
- حيّة أو ميّتة وش الفرق بالنسـ

- يا شينه انثبري .. قولي عايشة ولا لا !
...أغلقت الهاتف في وجهي !

كنتُ خرجت عن السيطرة على أعصابي، وأنفاسي تتلاحق كراكض ، أعرفُ أن خلف هذه المكالمة أخبارٌ أترقبها..
أوقفت سيارتي جانباً لأني لم أعد أستطيع القيادة ..
كل السيارات كل الطرقات كانت ترتسم في عيني كحرف " س " ، .. ركنتُ جانباً وبحثتُ عن رقمها في سجل مكالماتي المستلمة ..
بعد إعادة الاتصال ثلاث مراتٍ متوالية كإزعاج طفل ... أجابتني أخيراً .


- نعم خير !
- آسف ، انا منتهي ، أقسم بالله وضعي غير طبيعي شهرين .. تكفين قدّري
- رجاءً مرة ثانية انتقي ألفاظ أرقى مـ..
- طيب ! بس قولي سارة بخير، قولي ثم أنصحيني للصبح ..

كنتُ على وشك البكاء ..
وبدأ الأمر يتضح ..

" سارة بخير " .. جاءت هذه العبارة كنشيدٍ عذب .. ضربت مقود سيارتي منتشياً رغم جهلي بكافة التفاصيل اللاحقة ..
مازلتُ غريقاً لكنها على الأقل جرعة نفس !
أن تكون موجودةً معي في هذا الكون هذا ينفي عني صفة اليُتم الذي عشته شهرين !

" سارة بالرياض يافيصل " .. وهذه الجملة ماكانت إلا غناءً ، لم تكن مجرد خبر ، أردتُ أن أنزل من سيارتي وأصرخ في المارة ساااااارة بخير !
هذا يجعلني أدخل الرياض الآن كما لم أدخلها منذ شهرين ،
كنت أدخلها كمدينةٍ للأموات .. الأشباح .. كلما فيها يدب رعباً ، الآن عرفتُ أن فيها بعض حياة ..



أمنياتي مع سارة في هذه الأشهر كانت تتأرجحُ صعوداً ونزولا .. في البدء ، كنتُ أتمناها مجرد صديقة .. ليس أكثر ،
تأخذ أخباري وآخذ أخبارها ، نتشارك تفاصيل أيامنا كصداقةٍ مختلفة الجنس وغير معتادةٍ في بلدي ..
لكن صعد مؤشر الأمنيات فجأة ،
فأصبحت أتمناها حبيبةً أراها وتراني كعاشقين أوربيين نسكنُ عاصمة الصمت ..
سقفُ أمنياتي لم يتوقف هنا ، تصاعد عالياً يوم ضمتنا غرفةٌ واحدة قبل شهرين ،
حين كنتُ أخفي حقيقتي حتى عن نفسي وأقول " جلبتها هنا للحديث ليس إلا "!
والآن ..
الآن انظري ياسارة كيف هَوَت أمنياتي للدرك الخفيض ، مجرد أن تكوني بخير رغم البعد والفراق ،
أن تكوني على قيد الحياة .. هذه باتت غاية أحلامي .. أين كنا ، كيف صرنا !
"ماني على خبرك حبيبي تراني .. حتى عن صغار الأماني تنازلت .."

وبدأ الظلام الكثيف ينقشع رويداً .. جاء النور بعد شهرين .. متأخراً خيرٌ من أن لا يأتي ..

هاتفوا والدها في ليلة القبض على الحب !
كانت أكثر حظاً مني ، خرجتْ في ذات الليلة، لم تبت مثلي ثلاثة أيامٍ حسوما !
لكنها أسوأ مني حظاً فيما تبقى من أمور ..
لأول مرةٍ كان والدها يضربها منذ زفها القدر إليه قبل 23 عاماً !
كانت تتحدث لهيفاء وهيفاء تنقل لي ، حتى أشقائها عاملوها كقطعةٍ نجِسة ، تجافوا عنها مبغضين ..
حُرمت من حريتها من سائقها من أجهزتها حتى من غرفتها المستقلة ،
باتت تنام وتصحو في غرفةٍ تقابل غرفة والديها ، غرفةٌ تخلو من مفتاح .. يتعاهدونها بالزيارة كل ليل كـ سجينة !


أشعل سيجارتي الـ لا أعرف رقم كم .. أشعلها في سماء الشقة وأفكر ، كيف تفكيري أخذني بعيداً ..
كنتُ قد أصبحتُ جازماً في اعتقادي أن أهلها لا يبالون بشيء .. ليسوا مثلنا بتاتاً ..
عندما أراها تخرج وتدخل للبيت بحريةٍ لا تجدها النساء في مجتمعي ، بدأتُ أرى أهلها مجرد عائلةٍ غربيةٍ لا تهتم لأمر فتياتها !
حتى عندما قبضوا علينا .. كان في أعماقي رغم خوفي ، صوتٌ خفيٌ يهتف باستحياء أن أهلها لن يقفوا كثيراً عند هذا الأمر ،
"الأثرياء والغير منتميين، هؤلاء يتخطون الأمر سريعاً ليسوا مثلنا! " هكذا كنتُ أعزي نفسي .. يا للتفكير الرديء ..
كأنما باتت الغيرة وسورة الغضب والخوف على الأعراض أمرٌ يحدده آخر الإسم في البطاقة .. يخص أناساً دون سواهم ! هه
ابتسمتُ لأول مرة وأنا أنفث دخاني .. يا لظنوني الحمقاء ياسارة !


في الرياض ، كل فئةٍ من البشر ، كل الأسر التي تشكل نسيجاً وحيداً ، لا بد أن تحمل صفةً تلازمها وخصوصيّاتٍ لا ندري من أخبرنا بها .. لكننا نؤمن فيها جيداً !
الفلانيون : ابتعد عنهم ، لصوصٌ مهما أحبوك ، إن واتتهم الفرصة لسِرقتك لن يتوانوا عن فعلها !
الفلانيون : بخلاء ، لا يكرمون الضيوف ويخلون من الشهامة!
الفلانيون : لا يبالون بمحارمهم ، يفتقدون للغيرة ، لا يهتمون لأمر نسائهم !
الفلانيون : لا تصادق أحداً منهم لا تسافر معه لا تتحدث إليه بأسرارك " قليلين خاتمة " !
وهكذا .. نروح في دفاتر تعميماتنا نهب التعريفات بين قدح ومدح .
تجمعنا الرياض وتفرقنا الأسماء ، نتوارث هذه التعميمات كابراً عن كابر ..
وإن ادعينا الثقافة والوعي تفضحنا لحظة الغضب لينطلق السباب بكل هذا وأكثر !
لا نؤمن بالفرد ونتاج ادائه الخاص ، لكنا نؤمن بجماعته وعبارة التعميم الخاصة بها ونحاكمه بناءاً عليها ..
فيكتور هوجو يقول " كل عبارات التعميم خاطئة بما فيها عبارتي هذه " ..
لكن هوجو لو جاء إلينا لما توانينا عن محضه وجماعته تعميماً يليق به ونعتنقه كحقيقة ..


وما أنا إلا ابن بيئتي ومدينتي .. لهذا كان وقع الخبر عليّ فاتكاً ..
أحقاً والد سارة غضب للأمر كما نغضب ( نحن ) !! أحقاً ضربها كما كنا سنفعل لو صار الأمر في بيوتنا !
أليس ثرياً .. لا يهتم إلا لأعماله و****اته وأملاكه ، أليس يخلو اسمه من ( لقبٍ رنّان ) ! كيف صار مثلنا ( غيوراً ) ..
ألم يعطِ بناته كافة الحرية للدخول والخروج ، إذن ماالذي أغضبه ..
كنتُ أبتسم أخرى وأنا أردد هذا السؤال الذاتيّ، فسرتُ أمر حريّتهم الجزئية بعيداً بعيداً .. كما نفسر كل شيء بطريقةٍ خاطئة !

في الرياض .. أن تتحدث الفتاة بصوتٍ واثق في المستشفى في السوق ..
هذا يجعلها في نظرنا نحن البسطاء مجرد أنثى اعتادت محادثة الرجال !
أن نرى فتاةً ساهمةُ تتأمل البحر في المدن الساحلية ،
هذا يترك لنا إيحاءً غير لطيفاً ، إنها تريد منا المبادرة لعرض أنفسنا عليها ..
أن تمشي إحداهنّ بحسن نية ، فقط تمارس رياضة الجري ،
هذا يجعلها بالنسبة لنا صيداً ثميناً لأنها لا تستحي، يا لتفسيراتنا يا بلدي ..
أمثالنا البسطاء يجب أن ينفوا من الدنيا ، نحن أعداء الوعي ومصدر التلوث للحضارة .. قلتها لنفسي وللمرة الثالثة ابتسمت نافثاً دخاني ..
نفثتُه كما لو كنتُ أسدل الستار على كل هذه التعميمات الحمقاء .. وهذه الظنون السوداء .. وشعرت أني مدينٌ للإعتذار لسارة ..
كان سماعي لخبر ضربها من والدها قاصماً لي ولكل تعميمٍ آمنتُ به يوماً .. ولكل تفسيرٍ أحمق فسرته يوماً!


حتى شقيقها تركي ، الشاب الذي رأيته في الصيدلية قبل ثلاثة أشهر ، شقيقها الذي قالت إنه صديقٌ لها قبل أن يكون أخ ..
حتى هو أعلن مقاطعتها وتبرأ منها للأبد ..
أخبرتني هيفاء أنه بكى حين سمع الخبر .. ضربها وهو يبكي ، كان يضربها وينوح .. ثم تجافى عنها ولم يحدثها حتى اليوم !
أي مصيبةٍ أدخلتُ فيها تلك العائلة المسكينة ..
نعم ، لم يضربوا سارة في مركز الهيئة ، لكنهم تركوا الضرب لأهلها كما تركوا لسُمعتها الذبول كطرف شمعة ..
وذكرتُ وجه سارة و جسمها اللدن الغض وهو يتلقى الضرب .. وكرهتُ نفسي .. وعادت صرختها باسمي ترن في سمعي ..
وتخيلتها تصرخ في منزلها بين والدٍ مهتاج وشقيقٍ غاضب.. وشعرتُ بملوحةٍ تنسل في ريقي وعرفتُ أني رحتُ أبكي !



- كيف حصلتِ على رقم هاتفي ؟
- من سارة ، كنت عندها بالأمس ، بالكاد اختلينا دقيقتين حتى أعطتني رقمك وحملتني إليك رسالة ..
- ما هي ؟!
- أربع جمل : " عش حياتك فيصل ، الله يوفقك ، لا أستطيع العودة إليك أبداً ، سأبقى أحبك "


أربع جملٍ أعدتها في ذاكرتي منذ سمعتها .. منذ وصلت الشقة ورميت نفسي على الأرض وهي كالصدى تهطلُ في عقلي كل مرة ..
بلغ بي جنوني أن كتبتها في نص رسالةٍ في هاتفي وبدأت أقرأها ..أفتش حروفها جيداً .. أتأملها علني أكتشف فيها خبيئة .. أقرأها بصوتٍ عال وتارةً بيني وبين نفسي ..
أعدتُ قراءتها حتى أيقنتُ أن السطور و مابين السطور لا يوجد ثمة شيء.. إلا النهاية
و أن الأمر بات مستحيلاً .. وأننا حقاً افترقنا !


حين سألتُها عن حزن صديقتها يوم التقتني ..لماذا ؟! لماذا كانت نحيلةً شاحبة الملامح
قالت بأنها دفنت عنك خبراً لم ترد أن ينغصك ..
كانت تعيشُ جحيماً في أسرتها لمدة اسبوعين حتى وافقت !
-" وافقت على ماذا " ..
قالت لي وكأنها تطعنني بخنجرٍ مسموم : وافقت على الزواج بمنصور ، ابن صديق والدها !

آه ياسارة ، حين التقينا في تلك العمارة اللعينة قبل شهرين ، كان منظر عينيك يشي بأنكِ ترزحين تحت آلامٍ جسام ،
وكابرتِ حين قلتِ لي " دعنا من هذا الحديث، أحقاً نحن لوحدنا يافيصل " !
تباً لمنصور .. وتباً لوالده .. والأثرياء جميعاً .. وتباً لقبيلتي .. لو كنتُ خالياً منها لما سبقني إليكِ أحد !
وعاد الملح يتغزر في ريقي .. وأردتُ أن أهرب عن عقلي بإتجاه الشُرب لكن شعرتُ أني ثقيلٌ عن الحركة ..
كأنما تقيدني أغلالٌ إلى الأرض التي أرقد فوقها ..


- عرفتُ منها يافيصل أنها رضخت لوالدها وأعلنت موافقتها قبل لقائك بليلتين !

هه ، كان واضحاً لي بأن في صوتها نبرة تحدي حين قالت " أريد أن أراك ، خذني لأي مكان، أي مكان " !

- .. أخبرتني أنها كانت تشعر بخيانتها لك ، لهذا أرادت لقاءك .. رضت بالخروج معك لهذا المكان المعزول !

هه ، وأنا الذي كنت أقول لنفسي " سأجلبها للحديث " ، يا لغبائي ، بينما خرجَتْ معي منهارةً كأنما أرادت تعويضي ، أي ثمنٍ كنتِ ستدفعينه يا سمرايَ المتهورة !
ماأرخص الأثمان في زمن الحب .. لا ياسارة ، لم أكن لأعوي وأنحدر من آدميتي لأكون ذئباً كاسراً ، حتى وإن بتّ طاوياً، حتى وإن قدمتِ لي نفسك على طبق!


- هيفاء ، ماذا حدث في هذه الشهرين ، هل تم الأمر الآن رسمياً !

- تقصد منصور ؟! لا لم يعودوا .. كان الأمر مشروع خطبة ، لكنهم لم يعودوا ليتمموا الأمر " قلعتهم هم الخسرانين " !

كانت مستاءةً لصديقتها ، جملتها الأخيرة تخفي كثيراً ..
جعلتني أردد في نفسي حديثاً قلته ذات يومٍ لصديقي فهد : الرياض مدينةٌ كبرى ، لكنها عند الفضائح .. تصغرُ لتصبح حجرة !

ها هي أصوات المآذن تنادي لصلاة المغرب ، أصواتٌ ما عدت ألبيها ..
مسحتُ دموعي و قطعت حبل بكائي ، وخرجت من الشقة قبل وصول الأصدقاء .. آخر ما ينقصني هذا اليوم وجود رِفقة !
ثلاث ساعاتٍ من الاجتماع بقلبي ..ثلاث ساعاتٍ من السباحة في أفكاري حد الغرق ، ختمتُها برسالةٍ لهيفاء :

" قولي لها ، لن أعيش إلا بك ، وسأنتظرك العمر كله " !


* * *




منذ أن صرت معلماً ووالدي يتغير تجاهي تماماً ، أصبح ينظر لي بعين الإحترام والإجلال ، وحدي من حقق طموحاته بأن أكون معلماً !
مسكينٌ والدي .. وقف أمام المدارس بواباً وحارساً ومراسلاً حتى بات يعشق التعليم والمعلمين ، وحدي من حقق له هذا الحلم ..
صار اسمي " الأستاذ فيصل " ، و لي قدسيتي بين أشقائي ، وحين يسألني عن ذبولي وشحوبي أتعذر له بمسافة الطريق التي أقطعها كل يوم ..
وبدا أن عذري يُفلح ..


حتى سهراتي في الشقة ، لم تعد تزعج والدي كما كنت طالباً . . أصبحتُ أسهر وأخرج في حريةٍ تامة ..
صرتُ في عين والدي رجلاً يستحق التقدير .. كلماتُ الزجر والتعنيف اختفت من لسانه ، محضني احتراماً لم يمنحهُ لي من قبل ..
حين يراني يبتسم ، كأنما لا يشاهدني ، بل يشاهد حلمه متجسداً أمامه ، فينظر لي مزهواً ..
و لو عرف مأساتي .. لو أطلَ جيداً في عيني ، لو تعمق في خفائي، لعرف أني حطام رجل !


خمسة أيام من التفكير الطويل ..
خمسة أيامٍ من العزلـة ..
خمسة أيامٍ من الموت حياً ..
خمسة أيام بعد هيفاء !


نزلتُ من غرفتي حاث الخطى تجاه أبي وأمي ، كانوا يشربون قهوتهم المسائية وحدهم في الفناء ،
وكان البيت هادئاً إلا من أصوات الأطفال الذين يلعبون الكرة في الشارع أمام باب منزلنا ..
كان مجرد تفكيري في الأمر مجدداً يجعلني أحجم عن القول .. لهذا هرعتُ سريعاً للنطق :


- أريد أن أتزوج !

كانت هذه الجملة كافيةً ليرقص كل شيءٍ في الفناء بِشراً في عينيهما ..


- شقيقة صديقي ، تـركي !


ولا أدري أشعرتُ بابتسامةٍ في داخلي أو مرارة ، أظن أنني شعرتُ بالأمرين تباعاً !

تهليلاتُ أمي وسعادتها الغامرة يقطعها سؤال والدي السعيد ..

- من يقال لهم !

- آل فلان !

- وش يرجعون وانا ابوك ..

- من الرياض !

- وش يرجعون !

- أجواد من الرياض !

- قبيلتهم ؟!

.. يا للسؤال الذي فكرتُ في إجابته أياماً خمسة ، ضاع جوابي الذي حفظتهُ جيداً قبل نزولي ..
لم أتردد ، وبوجه رجلٍ صارم أطلقتُ قنبلةً دوّت في الفناء:

- لا ينتمون لقبيلة .. لكني أريد القرب منهم ...





لن أنسى ما حييت ..
.. نظرة والدي لي، لن أنساها ماحييت !


كل شيءٍ في الفناء بات قاتماً ..
ما حييت .. لن أنسى نظرتهُ تلك !

وضع عينه في عينيّ صامتاً نصف دقيقة ..
ثلاثون ثانيةٍ شعرتُ أن المكان من حولي بات جامداً بكل مافيه .. حتى سيقان الأطفال اللاعبين أمام بيتنا والذين انقطعت أصواتهم بغتة!
لم يقل لي شيئاً .. فقط ، وضع فنجاله على الأرض، أسدل شماغه على كتفه وخرج ..
خرجَ مطرقاً كما لو شاهد حلمهُ يتهاوى أمامه !
وصعدتُ لغرفتي واجماً ..
وأنا أدرك أن باب المتاعب يُفتح لي على مصراعيه منذ اللحظة ..!



يتبع ..


القلم الحر غير متواجد حالياً  
التوقيع
( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي )




أضغط على الصورة لدخول المدونة
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:48 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.