شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.rewity.com/forum/f202/)
-   -   91 - تناديه سيدي - فيوليت وينسبير - ع.ق ( كتابة / كاملة )** (https://www.rewity.com/forum/t166743.html)

أمل بيضون 06-07-11 02:34 PM

إبتسم على الفور وقال :
" يا لك من مخلوقة صغيرة قنوعة , أي نوع من العمل تريدين ؟ مرة أخرى خادمة تقوم بكل الأعمال عند إمرأة لا قلب لها".
" هذا كل ما تدرّبت عليه يا سيدي , أتعرف واحدة؟".
" نعم , عدة سيدات يسرّهن أن تعملي لديهن".
" أذن؟".
" لن أوضي بك عند أية واحدة منهن".
" أوه!".
" لا تذرفي دموعك !".
قالت بعزة نفس:
" أنا....... أنا لا أبكي أبدا أمام الآخرين".
" صفة ممتازة".
" قد تكون كذلك في حضرة شخص مثلك".
" مثلي أنا؟".
" أنت أسباني أرستقراطي لست في حاجة للأعتماد على الآخرين للعيش".
" أننا جميعا يا آنسة تعتمد على الآخرين بشكل أو بآخر , عليك أن تكوني طموحة لما هو أكثر من خادمة أو مرافقة , قولي , ماذا تودين تحقيقه في حياتك؟".
كان لأظهاره الأهتمام بها والأستعداد للأستماع إليها أثر عكسي عليها , أذ أضطرها هذا للسكوت حياء , أنها في أية حال لم تفكر أبدا تفكيرا جادا بشأن عمل آخر , فذلك يتطلب دراسة خاصة وهي قد أخرجت من المدرسة وألحقت بالعمل في البيت الريفي يوم كانت في ربيعها الخامس عشر , بالطبع , وكأي فتاة أخرى , كانت تظن أن العمل كمضيفة جوية شيء ممتع يتيح لها السفر إلى بلاد أخرى , وأحيانا كانت تحلم من أعماق قلبها أن العمل معاونة لشخص لامع في تجارة التحف والروائع الفنية.
كانت أيفين مولعة بالأشياء القديمة الرائعة , وإستجابتها لهذا المكان مرده إلى الروائع التي يزخر بها.
سألها دون جوان بصوت ودود:
" هل أمنيتك متعذّرة إلى حد لا تتجاسرين على ذكرها؟".
طأطأت رأسها خشية أن تلتقي عيناها بعينيه , ثم فوجئت به يتقدم اليها متّكئا على عصاه , ويرفع ذقنها بيده لتنظر إليه , وإرتعشت رعشة خفيفة لم تقو على السيطرة عليها , وقالت:
" أذا عرفت فقد تبتسم".
" أنا شخص لا يحب أخفاء الأمور عنه , تعالي وأذكري أمنيتك وسنرى أذا كان في مقدوري تحقيقها".
" لا تستطيع أن......".
فقاطعها قائلا:
" على الأقل دعيني أسمع هذا الذي لا أستطيع فعله".
رفع رأسها فلم تستطع الأفلات من نظراته وهو يتفحص وجهها القروي وبشرتها الشابة وفمها الذي الذي يفيض بالحساسية وعينيها العسليتين , أن وجهها ليس ساحرا بالمعنى التقليدي , ولكن أذا هي أعطيت الثياب المناسبة , والفرصة التي تضيء الملامح عندئذ تكون لها جاذبية حلوة.
ولكن أيفين غير مدركة لذلك , وهي تعتقد أنها فتاة عادية بالصورة التي أظهرتها فيها أيدا ساندل.
كرّر الطلب لأنتزاع أمنيتها وفي عينيه جاذبية قوية:
" هيا أخبريني".
" قد يكون رائعا أن أعمل معاونة لبائع تحف فنية ناجح ". ثم ضحكت قائلة:" أليست أمنية مستحيلة لفتاة مثلي لا تعرف غير العناية بالكلاب الأليفة تبحث عنها وتحملها وتمشي معها نيابة عن ربة البيت".
" شيء غريب , عادة تطمح الفتيات الصغيرات للعمل في مجالات الجمال , عارضات أزياء أو موديلات".
" عارضة أزياء ؟". وضحكت ضحكة زادت من حلاوة عينيها :" لا أعتقد أنني أصلح لهذا النوع من العمل أطلاقا".
أدار دون جوان وجهها من اليسار إلى اليمين كما لو كان يدرس قطعة فنية وقال:
" تكوين عظام الوجه حسن , أذن أنت تودين العمل في التحف النادرة الثمينة , أولا عليك معرفة الأمور التي تجعلها نادرة".
" هذا هو العائق". أتسمت عيناها بمسحة جذابة وأضافت:" لم أحصل على قسط وافر من التعليم أذ تركت المدرسة يوم كنت في الخامسة عشرة".
بدت نشوة الحياة في عينيه:
" أيتها الصغيرة لقد كنت أقطع البراري في أميركا الجنوبية في صباي , كنت راعيا أي مجرد جوشو كما يسمون رعاة الأغنام هنا".
وأسرعت تقول:
" ولكنك المركيز دي ليون!".
" كنت مجرد راع لما كنت في الخامسة عشرة".
وإبتعدت أصابعه عن وجهها , تاركة دفئا أحست به , وتحولت نظرته عنها إلى صورة أمه فقال:
" لقد مات أبي في الحرب الأهلية , وهربت أمي من عائلته وأخذتني معها إلى الأرجنتين في زورق لاجئين , وهناك أشتغلت راقصة فلامنغو , وصرت أنا راعيا للبقر الى أن دفعني طموحي للعمل في إستخراج الفضة من الأراضي النائية , وحالفني الحظ وعثرت على منجم فضة , فأشتريت لأمي بيتا في ليما ( عاصمة البيرة) ولم تعد في حاجة للعمل".
ثم تابع حديثه قائلا:
" ماتت أمي من شدة حزنها على أبي , لم أعد لجزيرة دي ليون إلا بعد أن مات جدي , أنني لم أغفر لأهلي أبدا تجاهلهم لأمي , كانت أسرة أبي تريدني وحدي , لقد أضطرتني الأحداث للعودة الى الجزيرة , ولكنني خلّفت ورائي محبة لمدينة ليما بتاريخها الوحشي وجمالها الغريب".

أمل بيضون 06-07-11 02:35 PM

ولمعت عيناه وألتقت بعيني أيفين , فقال:
" أن راعي البقر يعيش على سرج الجواد , لم أكن دائما كما تجدينني الآن".
" هل تعرضت لحادث...... يا سيدي؟".
" أجل , حادث".
كان يبدو أنه لا يريد أن يتحدث عن هذا الجانب من حياته في ليما , وفي لحظة أتسمت ملامحه بذكريات أليمة , ولهذا قال:
" أذن أنت تتمنين العمل وسط تحف قديمة جميلة؟".
أجابت بنصف إبتسامة:
" أليس جميلا أن نحلم؟".
" لا حاجة أن يظل حلما , أنت لست فتاة سطحية , أرى من ناحيتي أنك تقدرين هذه الغرفة بتحفها التي جئت بها من ليما وبأثاثها الجيد الحفر , بالطبع أنت في حاجة لتعلم أشياء كثيرة , ومعرفة لغة أجنبية شيء ضروي , لي صديق يقيم في الجزيرة ويعرف الكثير عن كبار الرسامين والنحاتين , وكان يتولى التدريس في مستهل حياته , أنه السيد فوتسكا , أتعرفينه؟".
تذكّرت قول مدبرة المنزل بأن للسيد فونسكا إبنة بارعة الجمال يحتمل أن تصبح زوجة دون خوان , فأجابت:
" نعم يا سيدي".


" حسنا عما قريب سآخذك إليه ونبحث أمكانية أن تكوني تلميذته بضع ساعات يوميا , أن عينيك تتسعان من الدهشة , أليست أمنيتك هي تحصيل العلم من رجل قدير؟".
" أنا........ أنا أفكر في المصاريف يا سيدي".
" كفي عن هذا التفكير فورا , قد يأتي اليوم الذي يمكنك فيه تسديد ذلك , وفي الوقت ذاته , سأستمتع بأن أكون وصيا على فتاة أنكليزية".
" وصيّا؟".
" ألم نتفق في أن أكون مسؤولا عنك أثناء أقامتك في الجزيرة؟ وأذا وافق السيد فونسكا على قبولك طالبة , فسيتطلب ذلك فترة قبل أن تتمكني من مغادرة الجزيرة إلى عالم الفن والتحف , وستحتاجين إلى بيت ولهذا ستقيمين هنا , عندي قريبة في أسبانيا هي السيدة أوغستا يمكنها الحضور للجزيرة لتظل في رفقتك حرصا على اللياقة الأجتماعية , أيرضيك هذا؟".
علتها حمرة الحياء وأرتبكت لقدرته على قراءة ما يجول بخاطرها , وقالت :
" أنا...... لا أعرف كيف أشكرك يا دون جوان".
" ستكون أكبر مكافأة لي أن أدخل يوما إلى محل للتحف وأجدك المسؤولة عنه".
كان يتفحّصها حتى أثناء حديثه.
" غدا أطلبي من مدبرة المنزل أخذ مقاساتك , كي نرسلها إلى بيت أزياء أخنازيو في مدريد , مع تفاصيل عن ألوانك , سنطلب لك نصف دزينة من كل شيء بما في ذلك الثياب النهارية والمسائية من أجل نمط الحياة التي ستعيشينها وأنت تحت وصايتي ". ثم مدّ يده ليمنعها عن شكرن :" لا تقولي كلمة شكر أخرى , أنا أفعل ذلك لصالحي , أن الورود الحمراء على هذا الثوب لا تتناسب مع لون شعرك يا آنسة".
كان يمكن أن تشعر بحنان نحوه في هذه اللحظة , لأنها كانت في غاية الأمتنان له من أجل هذه الفرصة التي أتاحها لها , ولكنه أسرع متكئا على عصاه كي يفتح الباب , وقال:
" عليك أن تأوي الى فراشك الآن ".
وودعته في القاعة:
" تصبح على خير يا سيدي".
" وأنت بخير يا آنسة بلغريم".
وأنحنى للأنصراف وأسرعت هي في القاعة وسمعت أنغلاق باب الغرفة الذهبية من ورائه.
هكذا أذن قد تغيرت الحياة بالنسبة لها , فوصيّها الأسمر منحها أمنيتها وستبدأ في التدرب للعمل.
لم يكن في القاعة أحد , فوقفت أمام مرآة على الحائط وأنحنت بإحترام لصورتها في المرآة , وأبتسمت وقالت ( ستصبحين سيدة مجتمع يا أيفين , هل خطر لك أن شيئا كهذا يمكن أن يحدث؟).
وأثناء صعودها السلم الدائري في البرج , فكرت في أيدا ساندل التي لم تهتم بالأستفسار عنها ومعرفة ما أذا كان قد جرى أنقاذها من الغرق , لعله من الخير أن أيدا لم تسأل عنها وإلا كان من الممكن أن تطالب بعودتها للعمل خادمة لكل شيء , وما كان دون جوان يقول أنها من الآن فصاعدا ستكون تحت وصايته.

أمل بيضون 06-07-11 02:36 PM

[ 3- أنا مشدود اليك


من المستحيل النوم في القلعة إلى وقت متأخر فالشمس تغزو الغرفة مبكرا , وتملأ غرفتها في البرج دفئا ونورا , لهذا كانت تسرع في أخذ حمامها وأرتداء ثيابها والخروج إلى الشاطىء , مؤجلة الأفطار تفاديا للأنفراد مع دون جوان , أما هو فكان يذهب للعمل في برجه البحري بعد تناول القهوة والفاكهة , أو يأمر بمجيء السائق لنقله من أجل حضور اجتماع عمل في البلدة.
كان ينهمك كثيرا في كل شؤون الجزيرة , فهو رئيس مجلس أدارة في عدة شركات تتولى تأمين التعليم والرعاية الصحية لسكان الجزيرة , ولكن لم يكن لدى أيفين أية فكرة عن أشغاله في البرج البحري , وهو المكان الذي فتنها ولكنها لم تجرؤ على أكتشافه رغم أنه سمح لها بأستعمال المكتبة.
كان في وسعها أن تسأل آلما مدبرة المنزل , ولكنها منذ الصباح الذي أخذت فيه مقاسها لأرسالها الى بيت الأزياء في مدريد وهي تلتزم الصمت والجمود معها , كأنها تظن أن أيفين تستغل أنوثتها لأنتزاع أموال دون جوان.
قطفت أيفين زهرة برية , قبل أن تشق طريقها الى الشاطىء , كان يمكن أن تظل مسرورة بالثياب القليلة البسيطة التي وجدتها في الخزانة غير أن دون جوان كان رجلا دقيقا بالنسبة الى الثياب , وقد قرر أن يرعاها ما دامت تحت وصايته , أنه لا يقبل أن تعكر عينه الناقدة فتاة غير أنيقة.
وضعت الزهرة في ضفيرتها , ووقفت تتأمل رغوة البحر البيضاء وهي تلتقي مع الرمال الذهبية , من يصدّق أن كل هذه المياه الزرقاء الجميلة المتلألئة كادت أن تجرها في ليلة معتمة الى الأعماق وتخنقها , ومع أن الخوف قد أبتعد عنها , ومع أنها تلهو على الشاطىء بجمع الأصداف وممارسة لعبة البط والمراكب بواسطة قطع من الأخشاب , فأنها لم تجرؤ على الخوض في الماء لأكثر من قدميها , ولم تكن لها أية رغبة في تعلم السباحة منذ ليلة غرق الباخرة.
سمعت نباح الكلب كارلوس الذي جاء الى الشاطىء لمشاركتها في لهوها , كانت تلقي بقطع صغيرة من الخشب الناعم ليركض وراءها , وسرعان ما أقتربا من الطريق المؤدي الى كوخ أمريتو في الغابة , قررت أن تزور ماري لويز وطفلها , وقبلت البقاء على الأفطار ثم مجالسة الطفل بينما تذهب ماري لويز على ظهر حمار كي تتسوق من قرية الصيد الصغيرة التي تبعد نحو ميل بمحاذاة الشاطىء.
كانت أيفين معتادة على تسلية الأطفال الصغار أذ أشتغلت نحو سنة في حضانة الأطفال لدى آل ساندل , كان كل شيء على ما يرام الى أن ألتقط الطفل حصاة بقبضته وحشرها بقبضته وحشرها في فمه , ولم تضيّع أيفين أي وقت في أنتزاعها من فمه وهذا ما جعله يصرخ , وشاركه الكلب كارلوس بنباحه , وأخذت أيفين تتمشى على الرمال حاملة الطفل لتهدئته , وأذا بشخص يظهر على الشاطىء ويتأمل ما يحدث.
وفجأة ترامى الى سمع أيفين صوت موسيقى غيتار , ونظرت حولها فوجدت شابا يتقدم نحوها , وعندما أقتربت منه بدأ يغني أغنية أسبانية بصوت مخملي كعينيه , يرتدي بنطلون الميتادور وقميصا حريريا ويلف رقبته بمنديل أحمر , كان شابا أسود الشعر أستند الى شجرة وراح يغني سرنادة ( أغنية عاشق تحت نافذة المحبوبة ) للفتاة والطفل , كان صوته ساحرا حتى أن الطفل توقف عن الصراخ وأخذ يمص أصبعه راضيا.
وظل الشاب يغني ويعزف حتى نام الطفل ثم تقدّم بهدوء ليلقي نظرة اليه بين ذراعي أيفين , قالت بالأسبانية في حياء:
" ألف شكر لك يا سيد".
وأجابها بالأسبانية , ولكنها لم تفهم كلمة مما قاله , وأوضحت بالأنكليزية :
" آسفة , أنا لا أتحدث الأسبانية".
ولمع بريق عينيه وقال:
" طفلك له رئة قوية يا سيدتي , وسيكون مغنيا مثلي".
وأبتسمت للخطأ الطبيعي الذي وقع فيه وقالت:
" ليس هذا طفلي يا سيدي أنني أرعاه الآن فقط حتى تعود أمه بعد التسوّق من القرية".
وزاد التألق في عينيه وقال:
" فهمت , عندما رأيتك قلت لنفسي : ريك من سوء حظك أنك وصلت متأخرا جدا ! في كل حال كان خطأ سارا , فأنت أذن لست أما يا آنسة , ولست لرجل آخر؟".
" كلا".
قالتها بسرعة وأرادت أن تتجنب نظرة عينيه المثيرتين , ووضعت الطفل على قماشته السميكة , وبعدما نظرت ثانية الى عازف الغيتار الشاب أنحنى أمامها وقدّم نفسه معلنا أسمه ( مانريك كورتيز أيستبان ) , ويقيم في الجزيرة لمدة ستة أسابيع يغني خلالها في نادي هيدالغو بميناء بورتو دي ليون.
" هل تسمحين لي لي بالجلوس الى جانبك؟".
وتطلع الى الرمل وفي لحظة جلس بحرية ثم تطلع اليها بأبتسامة وقال في النهاية:
" ألا تقول الآنسة أسمها؟ ربما نتحدث ساعة ثم نفترق , فأذا عرفت أسمك سأتمكن من العثور عليك ثانية".
" أتريد هذا حقا؟".
لم يسبق أن تحدث اليها شاب بمثل هذه الحرية.
" بعض الناس يرون أن ساعة تكفي لمعرفة كل شيء , في حين أن الأمر مع آخرين قد يستغرق العمر كله".
وأستقرت نظرته على شعرها الذي جمعته في ضفيرة واحدة أنسابت على كتفها النحيل , وتابع:
" لا بد أن لك أسما فريدا , فهناك شيء غير عادي بالنسبة اليك , أنت تختلفين عن شابات الرحلات المرحات اللواتي ألتقيت وتحدثت اليهن في أسبانيا".
" أنت تتحدث الأنكليزية بطلاقة يا سيد".
" هل أنت أنكليزية يا آنسة؟".
" طبعا".
" في الواقع , هناك شيء مختلف في صوتك".
وأبتسم وقال :
" أنا مشدود اليك ".
كانت عبارة ثناء جعلتها تتساءل ماذا كان يمكن أن يفعل هذا الشاب لو ألتقاها بثوبها وشعرها المرفوع فوق رأسها والنظارة على عينيها مثلما كانت في الأيام السابقة.

أمل بيضون 06-07-11 02:39 PM

مال الى الأمام قليلا ليمعن النظر في الأبتسامة التي تعلو شفتيها , ولم تشعر بأي خوف , ولا بأي حافز للتراجع كما فعلت مع دون جوان , وأضاف:
" وضحكتك أيضا غامضة , هل جئت من مكان ساحر من بين تلك الغابات الصنوبرية؟".
فأجابته بدلال :
" ربما من القلعة , ومعي كلبي لحراستي".
ونظر الى الكلب كارلوس الذي أقترب رأسه من كتف أيفين الجالسة , وقال :
" أنه يدعو للمشاجرة , ألا تخافين منه؟".
ربتت بيدها على الكلب وقال :
" كلا أطلاقا , أنه حمل وديع".
" يبدو كالذئب".
" أفترض أنني أقول الشيء نفسه عنك؟".
ضحك للملاحظة البارعة بدون أن يتخلى عن التقرب منها وقال:
" أن الأسبان هم سلالة جنس من ذوي الدم الدافىء يا آنسة , ويحبون التحدث عن الجمال , ما من أسباني يتسم بالبرود كما تعلمين , فالله وهبه نعمة النظر والحواس , وسواء كان صغيرا أم كبيرا فأنه يحسن أستخدام بصره وحواسه ".
قالت:
" أليس هذا صعبا , مع وجود القضبان الحديدية على النوافذ الأسبانية؟".
ثم أبتسمت ابتسامة رزينة خادعة.
جاب في خبث:
" لا حاجز بيننا".
“ هناك كارلوس , وكذلك كوني لا أكاد أعرفك يا سيد....".
" هذه ملاحظة واعدة من الآنسة الغامضة , هل آمل أن تسمحي لي بأن نكون أصدقاء؟".
" جميل دائما أن يكون للمرء صدقاء".
" فتاة بمثل هذه الجاذبية لا بد أن لها عدة أصدقاء".
داعبت أيفين بأصابعها رأس الكلب وقالت:
" على العكس , هناك فقط أمريتو وزوجته .. ولست متأكدة من ناحية المركيز دي ليون".
رفع عازف الغيتار الشاب حاجبيه وسأل:
" أتعرفين المركيز؟".
" ومن الذي يمكنه أن يقول أنه يعرفه؟". قالت ذلك وهي تمد بصرها الى البحر المحيط بالجزيرة وأضافت:
" أنا أعيش معه .....يا ألهي , هذا يبدو مستهجنا ! أقصد , أنا تحت وصايته يا سيدي".
" تحت وصايته؟ تعنين أنك الفتاة التي أنقذوها من السفينة الغارقة ؟ أن الجميع في ميناء بورتو دي ليون يتحدثون عنك , ولكن المركيز رجل لا يجرؤ على سؤاله أحد , أذن فهو يقول أنك تحت وصايته".
" نعم!".
وقفت فجأة فذعر الكلب , وكاد طفل ماري لويز يستيقظ , وسألته:
" بماذا يتحدث الجميع يا سيد كورتيز , هل يقولون أنني أنتزع ماله ؟".
" أنت؟".
وقبل أن يتابع كلامه نهض بقامته التي تعلو عنها بكتفيه ورأسه , وكان قميصه الحريري يلتصق بجسمه الشاب بينما هبّت نسمة لطيفة , وأضاف:
" كيف يمكن لأحد أن يراك وتساوره هذه الظنون؟كما أن المركيز ليس بالأبله , وهو معروف بالكرم , ولكن لم تحرّك أمرأة فؤاده".
علّقت على قوله:
" أنه أسباني حتى العظم , أليس الأسبان من ذوي الدم الدافىء كما قلت قبل قليل؟".
" كنت أتحدث عن الأشخاص العاديين".
" أعتقد ذلك".
وتلاقت عيونهما تحت نور الشمس , فتابعت :
" أن أمريتو الذي يعمل عنده وجدني في البحر وجاء بي الى الجزيرة , وقال المركيز أن عليّ البقاء في القلعة الى أن يتم الأستفسار عن مخدمتي ومعرفة ما أذا كانت بين الذين تم أنقاذهم , وقد نجت وسلمت ولكنها تركتني شريدة.... وليس لي من أحد إلا دون جوان , أنه يعطف عليّ بطريقته الخاصة".
" ألم تفكري بأن له أسما مشهورا يا آنسة؟".
" ألم تقل بأن له أسما مشهورا يا آنسة؟".
" كان دون جوان الآخر يحطم القلوب وظل قلبه سليما".
" أتظن أن قلبي في خطر؟".
" أن المركيز شخصية مرموقة".
" وأنا لم أكن قبل أسبوعين غير خادمة يا سيد كورتيز".
" ألا تتكرمين وتنادينني بأسم ريك".
" أتصر على أن نكون أصدقاء؟".
" أكثر من قبل , وأذا لم تقولي لي أسمك , فسأدعوك سوليداد".
" أسم حزين!".
" معناه فتاة الوحدة , وهي حالة أرى أن أغيّرها".
" أنت واثق من نفسك؟".
" ألا تريدين الخروج من صدفتك؟".
" يبدو أنها عملية مؤلمة....".
" أعدك بأنها لن تكون مؤلمة أطلاقا....... ". وأخذ بيده الزهرة التي وضعتها في شعرها وقال:
" الحياة كهذه الزهرة , مزيج من الحلاوة والمرارة , الى اللقاء يا سوليداد".
ذهب مثلما جاء بهدوء وسط الأشجار , ولكن بعد لحظات سمعت أيفين صوت محرك سيارة سريعة , وتخيلت السيارة تشق طريقها في الريح , والشال الأحمر الذي يلف عنق الشاب يتطاير في الهواء حتى غابت السيارة عن الأبصار.
وضعت أيفين الطفل في قماشته وأتجهت به الى الكوخ , كانت ماري بويز قد عادت حاملة معها شماما كبيرا ذهبيا , تناولت معها فنجان قهوة , ولما حان موعد عودتها الى القلعة أصرت ماري لويز على أعطائها شمامة , كانت كبيرة ناضجة حتى أن أيفين لم تمانع في أخذها , لهذا وصلت القلعة وهي حاملة الشمامة على ذراعها والأبتسامة على شفتيها.
دخلت من حاجز حديد مشغول في الباحة , وأنتابها الذعر على الفور أذ وجدت دون جوان مشغولا وفي رفقة حسناء جميلة ذات ثوب من الشيفون الأرجواني وعلى رأسها قبعة عريضة تكشف عن وجه أبيض وعينين واسعتين سوداوين.
وقفت أيفين عند الحاجز حاملة الشمامة وتمنت لو أنها من الضخامة بحيث تخفي ساقيها المتسختين برمال الشاطىء ووجهها الملوح بالشمس , بعيدا عن الجالسين تحت الشجرة المزهرة بلون ثوب الحسناء.
وببطء رفع دون جوان رأسه ,وفي لحظة لا نهائية بدت عيناه كأنما تركز على أيفين بكل شبابها وعدم أناقتها , كان يرتدي بدلة بيضاء زاد من نصوعها شعره الغزير الذي يلمع كجناح غراب.

أمل بيضون 06-07-11 02:40 PM

في تأديب جم متعال , وقف مستعينا بعصاه الأبنوسية وحيّا أيفين وقال :
" الرجاء المجيء والتعرف على دونا راكيل فونسكا , كنت أحدثها عن تتلمذك على يد أبيها".
تقدّمت أأيفين بكل طاعة , وهي لا تزال تحمل الشمامة , وشعرت بعينين فاتنتين تفحصانها هي وثوبها القطني , فقالت راكيل بصوت دافىء مغناج وبلهجة حلوة:
" كم يسرني التعرف عليك يا آنسة بلغريم ".
ثم ضحكت مبهورة وحولت نظرها الى المركيز.
" جوان , أنك لم تقل لي أن الفتاة التي تشملها بوصايتك هكذا أبنة للطبيعة! ما أروعها بالشمامة وكل شيء الآن أفهم لماذا ترغب في وضعها تحت جناحك الرحيم".
هزّ دون جوان رأسه كما لو كان موافقا على كل كلمة خرجت من بين شفتيها الحريريتين الورديتين , كلمات تحط من أيفين بسخرية مبطنة , الشمامة وكل شيء ! كانت أيفين تريد أن تلقي بالشمامة بين الشجرة ولكنها عندما تذكرت ماري لويز وسرورها في أهدائها أياها , خجلت من نفسها بما قالته تلك الفتاة التي في غنى عنها وعن شمامتها , قالت أيفين:
" أتطلع الى مقابلة السيد فونسكا , عرفت من السيد المركيز أن أباك رجل علم وثقافة قدير".
كانت محاولة متعمدة من أيفين للعودة , وقد شعرت الى جانبها بصلابة دون جوان وصفائه , وهو يقول لها:
" دونا راكيل باقية للغداء معنا في القلعة , لديك نصف ساعة يا أيفين كي تستعدي لمشاركتنا".
" أترغب في مشاركتي لكما؟".
قالت أيفين ذلك وكانت تأمل أن تعفى من عذاب الجلوس الى المائدة مع الفتاة الأسبانية ذات الثوب الأنيق والماكياج الكامل , والشعر الذي لم يحركه هواء البحر المالح في الشاطىء.
أجاب دون جوان:
" هذه رغبتي".
ولمحت أيفين أبتسامة تنفرج على شفتي دونا راكيل.
وعلّقت راكيل:
" رغبتك أمر مطاع ما دمت الوصي , أليس كذلك يا جوان ؟ ونطقت أسمه بعذوبة كأنما تعانقه.
" سأذهب وأستعد , أرجو أن تأذنا لي".
وكادت أيفين أن تركض بعيدا عن وصيّها وضيفته , وكانت أظافرها تخدش الشمامة التي ألقت بها على الفراش عندما وصلت الى غرفتها .
وتطلعت الى صورتها في مرآة خزانة الثياب فأذا بها تبدو كمتشردة صغيرة تعيش على الأحسان , فهل من الغرابة أن تتخذها راكيل فونسكا هدفا للتسلية وبعض العبارات المبطنة؟
فتحت الخزانة وأخرجت التنورة الخضراء والبلوزة ذات الكشكشة , وبينما كانت تغتسل وترتدي ثيابها تساءلت متى تصل ثيابها الجديدة من مدريد , كانت في البداية تتمنع في الموافقة على طلبها , أما الآن فهي مسرورة لأنه تم طلبها , وبما أن دون جوان وصي عليها فستضطر الى مقابلة أصدقائه وهو لا يرغب أن يحرج بسببها , ولا هي تريد أن تهينها فتيات لم يعرفن أبدا ما معنى أن تكون الفتاة يتيمة ثم خادمة تعمل من الفجر الى أن تأوي الى فراشها.
كان غداء بهيجا بالنسبة الى راكيل التي كانت خبيرة بكل الأساليب التي تفتن الأسباني , فيها دلال وغنج وتظاهر بالرزانة , وخيل لأيفين أن وصيها المترفع مسحور براكيل , كان يصغي اليها والأبتسامة على شفتيه , كما ضحك عندما وصفت الحفل الذي حضرته على ظهر يخت يملكه ميتادور مشهور.
" كانت أزرار قميصه ماسية , يا جوان , وقال أنه في المرة القادمة التي يزور فيها أشبيلية علي أن أراه وهو يصارع الثيران في الحلبة وقال سيقدم أليّ أذن الثور".
" يا للفظاعة!".
نطقت أيفين بالعبارة قبل أن تتمكن من حبسها , ثم تابعت:
" أقصد بالنسبة الى الثور , لا الأزرار الماسية".
نظرت اليها راكيل ببرود , وتركت شوكتها فوق طبقها المملوء بالحلوى , وقالت:
" من السخرية أن تظن البريطانية أننا قساة بسبب مصارعة الثيران , أليس صحيحا أن مواطنيك يذهبون للصيد بستراتهم الحمراء , وأعتقد أنهم يطاردون الثعلب أو الأيل؟".
" أنا أكره الصيد كذلك".
قالت أيفين ذلك وقد شحب وجهها , لأنها تذكرت صوت الأبواق في صباح ضبابي , وتذكرت موت أبيها في أصطبلات بيت ساندل الريفي , وتابعت:
" الذين يعتقدون أن الرياضة هي مهاجمة الطرائد وتمزيقها لا يشعرون بأي شيء سوى الأثارة من وراء قسوتهم , وأتمنى أن تحظر بلادي الصيد".
وتحدث دون جوان بهدوء مع شيء من الصرامة في صوته:
" أن مصارعة الثيران شيء مزر , لقد كنت أكره دائما حجب عيون أحصنة البيكادور ( الفارس الذي يهيّج الثور ويغرز الرماح في عنقه)".
" أنت تقول ذلك يا جوان لأن الحصان ..........".
وحسم جوان الموضوع قائلا:
" لن نناقش المسألة يا راكيل".
ولاحظت أيفين أنه أبتسم ولكن عينيه كانتا ساكنتين كالبحيرات التي قد تخفي أعماقها أشياء كثيرة غامضة , ثم غيّر الموضوع قائلا:
" ستكون هناك حفلة موسيقية في نادي هيدالغو , وأظن أن أيفين قد تستمتع بها".
ونظرت راكيل عبر المائدة الى أيفين وهي بثوبها الريفي وشعرها المضفر ورقبتها النحيلة العارية من الحلي , وأبرزت الفتاة الأسبانية حليها وقالت برزانة:
" أمتأكد يا جوان أن موسيقانا ستعجب الآنسة بلغريم؟ أنها تختلف عن موسيقى الغيتار الشعبية التي تسمعها في بلادها"
ونظر الى أيفين وسألها:
" هل أنت من عشاق الموسيقى الشعبية؟".
" في الواقع يا سيدي لم يكن لدي الوقت لأعرف , بين حين وآخر كانت هناك حفلات رقص في البيت وكان يتم أستئجار فرقة موسيقية للمناسبة , غير أن أصدقاء مخدومي لم يكونوا من أفراد المجتمعات الدولية".
وأبتسم , وفي لحظة محيرة بدا كما لو أنها نفدت الى عينيه السوداوين ووجدت فيهما وعدا بالعطف والملاطفة.
" أعتقد أننا نستطيع الأطمئنان يا راكيل أن أيفين لم تفقد بعد قيمها البريئة , وموسيقى عازف الغيتار مانريك كورتيز لن تشيع سدى".
وبدا وكأن قلب أيفين تخطى أحدى دقاته , أنها ستكون برفقة دون جوان عندما ترى ثانية الشاب الذي سمّاها فتاة الواحدة ( سوليداد ) , هذه الحفلة المتوعة ستكون مثيرة!

أمل بيضون 06-07-11 07:50 PM


4- ليلتك سعيدة يا صغيرة

كان بيت الزهور أشبه بكهف ظليل كله شذى , وخيوط الشمس الذهبية تبرز الزهور المتعددة الألوان وبعض ثمار الزينة الصغيرة فوق شجر اللوتس , أنه الملجأ الذي تلوذ به أيفين لتطالع كتابا أو لتستمتع بالكسل , وهي تنتظر على أحر من الجمر اللحظة التي يأخذها فيها المركيز الى السيد فونسكا , أنها تتطلع الى التلمذة وتتوق لتعلم الفن وتاريخه وكل الأشياء التي ستوفر لها حياة العمل لأن العمل هو خبز الحياة كما يقولون.
كانت تحدّث نفسها قائلة أنها أشبه بتمثال الأنثى غالاتيا الذي نحته بغماليون , أو مثل أليزا دولتيل بطلة رواية ( سيدتي الجميلة) التي صقل لهجتها السوقية وهذبها أستاذ مثابر عنيد.
غير أن فكرة الشخصية الأخيرة جعلتها تبتسم , وذلك لأن دون جوان ليس بالأستاذ العنيد , أنه أسباني نبيل شملها بوصايته لأن في ذلك تسلية له.
أعتادت التنزه بمحاذاة الصخور عند ميناء الصيد الصغير , وكانت أذا أنحسر الماء تجد على الشاطىء قناديل البحر وغيرها من الأصداف والأسماك القشرية , تلك القرية الصغيرة تسمى سان كاليز وفيها تراقب أيفين الصيادين وهم يسحبون شباكهم , أو تتجول في الشوارع الضيقة المسقوفة بالقناطر , ثم تخرج منها الى حيث نور الشمس.
هناك دخان الأخشاب المشتعلة الذي ينتشر في الهواء , وطاحونة هواء لري المزروعات تزيد في سحر الجزيرة , وأطلال دير قديم كان معزولا عن العالم , وكان رهبانه فيما مضى من الزمان يدافعون عن سكان الجزيرة بأطلاق النار من مدفع قديم على مراكب القراصنة الشراعية.
كل هذا فتن أيفين , فهي لم تكن أبدا فتاة مدينة , لهذا فهي تمرح في الرمال وتركض بمحاذاتها , وشعرها يتطاير من ورائها , كانت تحملق كالحالمة الى القلعة الرابضة على الضخور , بجدرانها المقوسة وبأبراج زواياها المتوهجة , وبرجها البحري بنوافذه الضيقة وهي تلمع تحت أشعة الشمس الذهبية.
كان دون جوان هناك في القلعة , سيد قلعتها التي لاذت اليها , رجل مهذب ومترفع يجب أن يعطي الأنطباع بأنه غير عاطفي , وتساءلت أيفين عما أذا كان قد تعرّض للأذى عندما كان في ليما ...... وتذكرت أنها يوم تحدثت عن الجياد غيّر الموضوع , لقد تعرّض لأصابته عندما كان يمتطي صهوة جواده ..... أهذا هو سبب خلو أصطبلات القلعة من الجياد؟
عندما عادت أيفين عصر ذلك اليوم الى القلعة , وجدت أن علب الثياب الجديدة قد وصلت في غيابها , وقد صفت في غرفتها فوق السرير وعلى الكراسي , وسرعان ما فضّت أغلفتها وفتحتها بشوق لترى محتوياتها .
ضاعت يداها في ثياب رقيقة بيضاء وتفاحية , وأخرى داخلية في علبة فضية , وأحتكت أصابعها بثياب من الجيرسيه والشيفون المتعدد الثنيات وثياب مسائية من المخمل اللامع , وأخرى للشاطىء أو نهارية بسيطة منها ما بلون الشمس ومنها ما هو أخضر أو برونزي يتناسب مع لون شعرها , وكانت هناك أحذية لكل المناسبات ....وشيء في علبة طويلة تجرأت ولمسته.
مرت أصابعها المترددة على الفراء العسلي اللون....... لا بد أن هناك خطأ , أن دون جوان لم يتحدث عن قطعة من الفراء , ومع ذلك جاءتها هذه القطعة , وهي ذات زر كبير من الفراء أيضا يجمعها على الكتفين ولها شرائط حريرية تحت الفراء لأدخال الذراعين فيهما.
وضعتها على كتفيها وكأنها في حلم ونظرت الى المرآة وحملقت في صورتها , أيفين ترتدي فراء! أيفين الخادمة في ثياب الأميرات!
عبق وجها كله بحمرة الخجل , أنها لم تفهم دون جوان عندما قال أنها ستكون تحت وصايته , لقد قال عازف الغيتار مانريك كورتيز أن الناس كانوا يتحدثون عنها , أتراها ببراءتها جعلت المركيز يفترض أنها في مقابل الثياب الجميلة ستنصاع لطلبات تتجاوز وصايته عليها؟
مزقت غلاف العلبة , وألقت به على الفراش وخرجت مسرعة من الغرفة , ولم تتوقف عن الجري الى أن وصلت غرفة مكتبه في أعلى البرج البحري , وطرقت الباب قبل أن تفقد أعصابها , كانت ستبلغه أن الثياب شيء غال جدا بالنسبة اليها , وأنها أنما كانت تريد أشياء بسيطة للغاية , عليها أن توضح له الأمور...... أنها فتاة رزينة , وليست واحدة يمكن شراؤها بفراء.......
دعاها صوت عميق بالأسبانية للدخول , فأخذت نفسا عميقا قبل أن تدير قبضة الباب وتدخل , أنها غرفة دائرية , وللوهلة الأولى تذكرت الشخص النحيل الجالس وراء مكتب خشبي فخم , كان يرتدي قميصا حريريا مفتوح الرقبة , وشعره يبدو غير ممشط لكثرة ما عبث فيه بأصابعه , وسحابة دخان سيكاره تحيط به.
" أخيرا عرفت الطريق الى برج المراقبة".
ونهض على قدميه وأومأ اليها بالجلوس على مقعد قريب مكسو بالمخمل الأسود , وقد أطلق على غرفة مكتبه برج المراقبة لأنها كانت تستعمل قريبا لمراقبة سفن القراصنة الشراعية , وكان أحد أفراد أسرة ليون قرصانا بحريا معروفا.
كشفت أبتسامته عن أسنانه البيضاء في لمحة وقال:
" أن تاريخ أسرتي كثيرا ما فتنني وأنا الآن أقوم بكتابته".

أمل بيضون 06-07-11 08:27 PM

أشار الى مجموعة المخطوطات والمفكرات والمذكرات المفتوحة على مكتبه , وأضاف:
" أنها عملية شائقة , فقد كان في العائلة عسكريون ومكتشفون وقراصنة وشعراء".
نظرت أيفين الى وجهه الأسمر الوسيم , يبدو رجلا شديد الجاذبية في قميصه الحريري الأبيض وشعره المنفوش, وخفق قلبها ....... أنه رجل يحمل في عروقه دم سلفه القرصان ! ودفعها الخجل الى تحويل عينيها عنه والنظر الى غرفة مكتبه , كانت خالية من الزينة بأستثناء الخزائن الجدرانية الحافلة بالتذكرات وبعض البنادق والتماثيل الخزفية الصغيرة لرجل كان وافر النشاط فيما مضى , وهناك أقنعة وأشياء من أماكن غريبة , وكتلة من الفضة , لعلها أول قطعة أستخرجها.
أعاد النظر اليها من خلال دخان سيكاره , فقالت:
" جاءت الثياب من مدريد".
" آمل أن تعجبك".
" دون جوان".
" نعم يا أيفين".
كان ترديده لأسمها , ونبرة صوته المخملية , والطريقة التي نظر بها اليها مما جعلها تشعر بالذعر فقالت:
" لقد أرسلوا قطعة فراء للكتفين يا سيدي , هل أمرت بذلك؟".
" طبعا فعلت".
كان في أعماق عينيه شيء غامض , وتابع:
" شال الفراء يناسب من هي في مثل عمرك.. ألم يعجبك يا آنسة؟".
" أنه جميل , ولكنني لا أستطيع قبوله !".
" لم لا؟".
" أنه غال جدا".
" أذا أصبح الفراء على كتفيك فلن أسأل عن ثمنه".
" ولكنني أنا سأسأل يا سيدي!".
" أنت يا آنسة؟".
" وسحب نفسا من سيكاره ثم قال:
" وهل تتوقعين دفع قيمة الثياب كذلك؟".
أجابت: " الفراء عادة يدفع ثمنه مرتين".
ودق قلبها بجنون , لأن وجهه كان ساكنا , ولكن النار كانت تتأجج في عينيه , وأمسكت بحافة المقعد وكانت على وشك الخروج.
فقال ممازحا:
" أذن لقد خطرت لك نيتي الخبيثة , وأنت فتاة لا تشترى بالفراء , يا لخيبة أمل سيد القلعة , ماذا تراه سيفعل الآن لأغراء الفتاة البريئة..... هل سيتغلب على وساوسها في الحلقة الثانية من الرواية ؟".
تطلعت اليه أيفين وحمرة الخجل تسري في وجهها , نفض رماد سيكاره في منفضة برونزية وقال :
" أي روايات غريبة كانت السيدة ساندل تأمرك بقراءتها لك , يا صغيرتي , لقد أعطيتك الثياب الجديدة لأنك في حاجة اليها ,ولأن الفتيات الصغيرات ينبغي أن يتوفر لهن أشياء جميلة , أظن أن أحدا لم يعطك هدية منذ وقت طويل , ولهذا فأنت في شك من الهدايا , لا حاجة لذلك , الفراء ضروري الى ذهبنا الى المسرح أو للعشاء مع أصدقائي , وبما أنك تحت وصايتي فأنا أريد أن تكوني أنيقة".
أبتلعت أنتقاده لظنونها وقالت:
" آسفة لغباوتي يا سيدي".
" أنا لا ألومك , فقد أشتغلت لدى أمرأة غبية زرعت في رأسك أن الحب بين الكبار سلعة , شيء يباع ويشترى , وأنا شخصيا أعرف أن هناك أناسا تشرّبوا هذه الفكرة , أن أسرة أبي لم تستطع أبدا فهم أبي الذي آثر الحب على الأقتران بفتاة باردة غنية , ولم يغفروا له ذلك الى يوم مماته".
أستقرت عيناه طويلا على قطعة الفضة التي أستخرجها من البراري الموحشة في شبابه.
" كانوا يسمونني أبن الساحرة , وكانوا يقولون أن أمي قد نفخت في أبنهم روح الفجر.... ولاموها عندما وافته المنية , كان أهلها من المحازبين , وقد حاربت أمي وأبي في تلال أسبانيا مع المحازبين الى أن قتل أبي".
تعلّقت عينا أبن روزاليتا بعيني أيفين وأسرتهما , ثم نهض المركيز واقفا وبمعاونة عصاه مشى يعرج الى نافذة من نوافذ برجه البحري.
قال وهو يفتح النافذة وهواء المساء يندفع منها:
" تعالي وتأملي غروب الشمس في البحر".
تقدمت أيفين وهي خجلى , لكي تنظر الى الغروب , لهيب عظيم يحترق ويشق طريقه في المياه البعيدة ويضيء بألوانه الأمواج الحريرية .
وتنفست قائلة:
" في منتهى الروعة والقسوة ". ثم تابعت : " أن قلعتك مصانة وهي لا بد قديمة جدا".
" نحو مئة سنة يا آنسة".
ولمعت عيناه عندما وجد أنه شيء مسل أن تظن مرتهقة جميلة الساقين أنه واقع في غرامها , وأضاف:
" كانت القلعة الأصلية بناء غير منتظم , ولكنني أرى أن المبنى الحالي متناسق وأكثر جاذبية , ما رأيك؟".
" أنا أحبها".
قفزت العبارة دافئة من بين شفتيها , وزادت:
" ما كان يدور بخلدي أبدا أن أعيش في قلعة , ما أشبه ذلك بحكاية خرافية".
" وأنا الغول؟".
" كلا......".
" لا داعي للمجاملة , لماذا لا تجدني فتاة صغيرة شخصا منحوسا بساقه العرجاء وأجتراره للماضي".
أبتعد عنها بدون أن ينتظر جوابا وعرج عائدا الى مكتبه , وقال :
" غدا مساء سنتناول العشاء في النادي مع السيد فونسكا وأبنته , وأحب أن ترتدي شيئا من الثياب الجديدة".
" حسنا يا سيدي".
سمعت أمر الأنصراف في صوته ومشت نحو باب برجه , ثم توقفت وعادت تنظر اليه:
" شكرا للثياب الجميلة يا دون جوان , أنا ممتنة حقا".
" أنها ضرورية لحياتك الجديدة ". قال ذلك بوضوح وهو يدرس ورقة مخطوطة , وأضاف:
" سأشتغل معظم هذا المساء , في رعاية الله".




Minar 07-07-11 04:37 PM

very nice
thanks

أمل بيضون 07-07-11 11:01 PM

رافقتها العبارة الأخيرة بالأسبانية الى أن وصلت غرفتها , حيث مضت تملأ خزانة الملابس بثيابها الجديدة وممتلكاتها الرائعة , وتأملت ثوبا مخمليا نصفه السفلي على شكل جرس ثم ألتفتت بأهتمام الى ثوب من الشيفون ذي تكسيرات من كتفيه الى ذيله , لم يسبق لها في حياتها أن عانت من مشكلة أختيار ثوب للذهاب الى العشاء مع رجل في ناد ليلي فخم , كان أشبه بحلم , ولكن عندما قرصت جسمها أحست بألم فعلي.
الثياب حقيقية...... والقلعة حقيقية...... وفي الصباح لن تستيقظ على صوت جرس أيدا ساندل , ذلك كله كان صفحة ماضية ....... وهذا كله صفحة جديدة من حياتها الآتية.
وبعد أن تناولت العشاء وحدها , جلست عند نافذة غرفة نومها وأخذت تراقب النجوم اللامعة المطلة على البحر , وتنشقت رائحة نعنع الماء وتساءلت ماذا سيقول عنها مانريك كورتيز مساء الغد وهي في ثيابها الرائعة.
خفق قلبها بهدوء من الأثارة , أن مانريك رآها جذابة , وعندما لمست شعرها , تذكرت كيف كان الشبان على سطح الباخرة يتجاهلونها فلا يعيرونها نظرة ثانية , لقد كان يؤذيها أن تكون زهرة حائط , وذلك جعلها تشعر بالوحدة وأنه غير مرغوب فيها , وهي تراقب الفتيات الأخريات يرقصن مع الشباب , وأحيانا كانت تبكي في سكون الليل , وتاقت لشخص يقول لها أشياء لطيفة.
وجاء مانريك وحدثها بما تاقت اليه , ولعلله عندما سيراها سيطلب مراقصتها.
أقبل المساء التالي وأختارت ثوبا مخمليا أحبت لون قماشه الذهبي اللامع , وخاصة السترة القصيرة المطرزة , وموّجت شعرها الذي غسلته في الصباح , وشدته في أعلاه , ووضعت على وجهها القليل من البودرة , وأحمر الشفاه وظلا خفيفا للعين , وكان محل الأزياء قد أرسل لها مع الثياب الجديدة مجموعة من مواد التجميل , وراعتها فتنة نضوجها , وظهر بريق عينيها الذي كانت تحجبه النظارات فيما مضى , وبضحكة سعيدة أنحنت لخيالها في المرآة , سرّها أنها ستبدو جميلة... أمام مانريك ...... والآن عليها أن تهبط الدرج وتقدم نفسها للوصي عليها.
كانت أصايعها تمسك محفظة يدها المخملية بشيء من الأضطراب وهي في طريقها الى القاعة , وقبل أن تصل الى أسفل الدرج الحلزوني لمحت قامة وصيها السمراء عند فتحة القاعة المؤدية للخارج , وكان يعلوها مصباح يلقي عليه بضوئه ذي المظلة كما لو كان على تمثال ..... ولم يتحرك ولم يتكلم إلا بعد أن ألتقت عينا أيفين به.
وتوقفت أيفين عند الدرج وقربت محفظة يدها الى قلبها .
" أوه , مساء الخي يا سيدي".
مد يده اليها , فأقبلت صوبه بلا تردد , وقال:
" أصبحت ناضجة جدا".
وعندما أمسك بيدها ظنت أنه سيرفعها ويقبلها , ولكنه لم يفعل , بل جذبها ناحية الضوء وتفحص وجهها , ثم قال:
" أحمر الشفاه زائد , تعالي!".
وأخذها بيده الى الصالون.
وتأمل مرآة على الحائط , وقال آمرا:
" أمسحي الأحمر ".
وأطاعته , ولكنها كانت ترتعد في دخيلة نفسها , هل كانت تظن أن هذا الرجل سيعجب بالثوب الذي أشتراه؟ يا له من أمل كاذب ! أن كل ما يطلبه هو أن تشرفه أمام أصدقائه.
" أهكذا أفضل يا سيدي؟".
وأستدارت لتواجهه , فأثار فيها كل أرتباك الشباب عندما نظر اليها نظرة شاملة , ل تحظ منه بقدر من أبتسامة وقد أنحنى على عصاه وأخذ يتفحصها وكأنها لوحة على حائط لا فتاة حية ينبض قلبها بسرعة.
أستقرت عيناه على عنقها الصغير العاري , وقال:
" تزيين الصغيرات باللاليء أشبه بتهذيب الزنبق , ولكنك أعتقد أنك ربما تحبين هذه".
وأخرج من جيبه عبة حلي وأعطاها أياها , فتحت غطاءها بأصابع مرتعشة وألتقطت أنفاسها بعدما رأت قلادة ذهبية مجدولة تزدان هنا وهناك بوريقات ناعمة من أحجار كريمة خضراء وقالت:
" أنها نادرة وقد أموت من الخوف أذا فقدتها".
كانت على وشك أن تغلق العلبة عندما مد يده وأخرج القلادة ثم قال:
" تعالي هنا".
ولم تجرؤ على عدم طاعته , وأحست بأنفاسه بعدما أصبحت القلادة حول رقبتها وأصابعه تربط مشبكها.
" أستديري يا أيفين".
أستدارت ثم ضحكت ضحكة عصبية مفاجئة وقالت:
" آه لو رأتني الآن السيدة ساندل!".
" ماذا يمكن أن تقول؟".
" لا بد أن المفاجأة قد تعقد لسانها".
" حقا يا أيفين".
" من قبل , لم يكن عندي أي ثوب جميل ..... وكنت دائما أبدو شنيعة في لون البيج , وكانت ترغمني على وضع نظارة".
أخذ وجهها بيده وكأنه زهرة وقال:
" أن بصرك لا يبدو ضعيفا , ماذا حدث للنظارة؟".
" ضاعت في البحر".
" عليك أن تتركي الذكريات الحزينة تضيع أيضا يا آنسة , أعدك بأنك لن تلبسي اللون البيج أثناء وجودك في القلعة".
" أنا ممتنة لعطفك يا سيدي".
" لا أريد شكرا , وأنا لست عطوفا بوجه خاص".
وكانت أسيرة لعينيه لحظة , ثم ترك وجهها وقال:
" هيا , أمامنا ستة أميال للوصول الى بورتو دي ليون , ولا أريد أن نتأخر على راكيل وأبيها".

خفايا الشوق 07-07-11 11:15 PM

روايه ررررررررررووووعه
بانتظار التكمله


الساعة الآن 11:56 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.