آخر 10 مشاركات
رهينة حمّيته (الكاتـب : فاطمة بنت الوليد - )           »          هوس القلوب... * مميزة ومكتمله * (الكاتـب : هند صابر - )           »          403 - حبيبي المجهول - ماغي كوكس (الكاتـب : أميرة الورد - )           »          و آن أوان قطافك * مميزة **مكتملة* (الكاتـب : ahlem ahlem - )           »          416 - عصفورة النار - هيلين بروكـس (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          417 - لمن يسهر القمر - ماغي كوكس (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          ..خطوات نحو العشق * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : smile rania - )           »          طريقة صنع البخور الملكي (الكاتـب : حبيبة حسن - )           »          للحب, الشرف والخيانة (101) للكاتبة: Jennie Lucas *كاملة* (الكاتـب : سما مصر - )           »          434 - غرقت في عينيه - كيم لورنس (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > منتدى روايات (عبير- احلام ) , روايات رومنسيه متنوعة > منتدى روايات أحلام العام > روايات أحلام المكتوبة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-04-10, 03:18 PM   #1

lola @
 
الصورة الرمزية lola @

? العضوٌ??? » 108977
?  التسِجيلٌ » Feb 2010
? مشَارَ?اتْي » 3,648
?  نُقآطِيْ » lola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond repute
Chirolp Krackr 90 - عندما نام القدر - روبرتا ليه - أحلام القديمة ( كتابة / كاملة *)


( عندما نام القدر )




الملخص

أخيراً عرفت رأيه بها صدفة: امرأة يقبل بها جارية عنده اما نداً له ***تحيل ذلك! ولكن ماذا توقعت منه وهو يظنها سكرتيرة عانس صارمة و قبيحة؟ وهل تصورت انها قد تجذب اهتمامه بعدما أوضح لها استخافافه بالنساء وخصوصاً منهن الذكيات؟ على كل حال، فقد وقعت ليليان في حب رب عملها جوك هينيزوتذكرت ان السفر يداوي أصعب جراح القلب فسافرت إلى الجانب الآخر من العالم بحثاً عن النسيان. وفي الفيلبين عادت فالتقته، وهناك اكتشف فيها جوك هاينيز امراة جديدة.



محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي



محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي



ندى تدى likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 07-12-17 الساعة 11:15 AM
lola @ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-04-10, 03:21 PM   #2

lola @
 
الصورة الرمزية lola @

? العضوٌ??? » 108977
?  التسِجيلٌ » Feb 2010
? مشَارَ?اتْي » 3,648
?  نُقآطِيْ » lola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond repute
افتراضي


قبيحة لكن ذكية !



جلست ليليان كامبل مرتجفة في المقعد الكبير .. طبعا ما حصل كان غلطتها .. فمن يحرص على الإصغاء كثيراً لايسمع نفسه .. كان عليها حالما نطق آرثر غايتور اسمها أن تدعه يعرف أنها هنا . لكن , بينما هي مترددة , رد جوك هانيز رداً أبقاها مسمرة في مكانها , وجعل من المستحيل عليها أن تفعل شيئاً سوى الاختباء في الكرسي , والتمني بأن تكون بعيدة آلاف الأميال.
وفيما هي تتذكرماحدث , احمر وجهها من الألم والخجل , لأنه تحدث عنها كما فعل ..كما لأنها تألمت كلامه , وكأنما لا تعرف نوعه من الرجال . العمل عنده سكرتيرة مدة تسعة أشهر لم يترك لها مجالاً للشك لعيوبه وقوته, مع ذلك فقد كان قرارها بالعمل عنده،ومؤامراتها الماكرة للحصول على الوظيفة, تعتمد كلياً على معرفة شخصيته.
لكن فرصة ليليان لم يكن لها علاقة بتخطيطها , بل القدر وحده أسكنها في شقة مؤلفة من غرفتين تقع قبالة شقة الآنسة باربرا بكمان, سكرتيرة جوك هانيز قمر الليل الخاصة. وهذا كان يرسلها إلى مسكنها بعد وقت طويل من عودة أهل الحي إلى بيوتهم , ويرسلها إلى العمل في وقت يكون الجميع فيه يتناولون حلوى نهاية الأسبوع ..
ولكن بالنسبة لليليان التعويضات المالية تغلب أي صعوبة أخرى
انفعلت الآنسة بكمان , عندما سمعت ليليان تقول هذا للمرة الأولى .. كانتا قد أصبحتا صديقتين عندما تشاركتا فترة غسيل صباح السبت .. ولكن حينما علمت أن منبع اهتمام ليليان بالمال تصميمها على كسب المال اللازم لتأمين دراسة أخيها الجامعية , قررت أن تساعدها .
قالت ليليان شارحة :
- لقد عاش طفولة كئيبة , ولم بكنالسبب فقط فقدان أبوينا , بل اضطرارنا للعيش مع جدينا اللذين لا مانا على وفاة ابنتهما .
- وكيف لهما هذا؟
تنهدت ليليان :
- كانا يعرفان أن أمي مصابة بعقدة ***** الخوف من السفرفي السيارة..وكأنها كانت تحس بأن السيارة ستودي بحياتها يوماً. لقد وافقت على السفرإلى الريف لأن تود طلب منها ذلك كهدية عيد ميلاد , ولولا هذا لما أقنعها شيء بالسفر.
- وكان هذا هو اليوم الذي...
- قتلت فيه مع أبي.. لاأنظر إلى شاحنة إلا أتذكر. كان جداي يشعران الشعور ذاته نحو تود, وبإمكانك تصور مشاعره لاضطراره إلى العيش معهما. حالما أنهيت دراستي ووجدت عملاً استأجرت شقة.
- وأمضيت كل السنوات منذ وفاتهما تحاولين ألا يشعر بالذنب ؟
- وهل تلومينني ؟
- لا... ولوكنت مكانك لأفسدته دلالاً.
كان تفهم الآنسة بكمان لوضع ليليان هو ما دفعها للتوصية بها عندما سنحت لها فرصة العمل كسكرتيرة في قسم التوضيب من (( مصانع هانيز للألبسة )) . أدركت ليليان ان حصولها على هذا المركز بناء على توصية من الآنسة بكمان هو امتياز بحد ذاته, فتمسكت بالفرصة.
ثم وبدون سابق إنذار.. برز حظها .. فقد ورثت الآ نسة بكمان ميراثا علمت به عن طريق رسالة من أحد المحامين , يقول لها فيها إنها ورثت عشرات الآلاف من الدولات , ومزرعة بالقرب من مدينة جاكسون في ولاية ألاباما. وكانت المزرعة , والمنزل الكبير فيها هما ما دفعاها للتخلي عن كل شيء وما إن مضى شهران

حتى أخلت شقتها , واستقالت من وظيفتها , وتقاعدت لتتبوأ سيادة مزرعة ريفية.. ولكنها لم تفعل ذلك قبلاً أن تعرض على ليليان العمل كسكرتيرة عند جوك هانيز محلها.
قالت لها ليليان:
- يفضل المسنات والناضجات.
- لأنه يظنهن أقل عبثاً... ستناسبينه تماماً... اذا اقتنع بك. إنما من المؤسف أنك جميلة , فجمالك سيبعده عنك بالتأكيد .. لو تصرفنا بحذر ومكرلجعلتك مقبولة .. هذا إذا رغبت في الوظيفة.
- قولي لي ماذا أقول , وماذا أرتدي.
وهكذا , ذهبت لمقابلته متنكرة .. شدت شعرها الأسود المتموج حول وجهها المستدير إلى الوراء وعقصته .. لم تضع ماكياجاً أوخطوطاً سوداء على حاجبيها المقوسين أو أهدابها الكثيفة , بل وضعت نظارة سميكة أخفت بنجاح بريق عينيهاالزرقاوين , ولم تنس أن تغطي بشرتها البيضاء العاجية بكريم أساس أسمر. أما ملابسها , فكانت بذلة رمادية واسعة , لا شكل لها , أخفت جسمها الأنيق النحيل .
قبلها جوك هانيز بدون سؤال. ألقى نظرة سريعة عليها, ثم أمضى معظم وقته يسألها أسئلة خاصة ليتأكد من استعدادها لإلزام نفسها بالعمل عنده.
لم تشاهده من قبل إلامن مسافة بعيدة , لم تبين لها مدى جمال طلعته .. لكنه في الواقع وسيم جداً.. فشعره أسود قاتم وبشرته برونزية, وعيناه رماديتان قابعتان
تحت حاجبين أسودين , وقامته ممشوقة.
لم يتملكها الخوف إلاّ بعد أن فكرت قمر الليل كيف ستستطيع بعد مغادرة العمل أن تغير ملابسها ومظهرها التي ستبدو فيها امرأة تمثل كل التحدي , فليس جوك هانيز برجل يحب الخداع . وما إن تصبح سكرتيرته حتى تصبح ملتزمة , بأكثرمن طريقة. ولكن حالما تذكرت التقديمات التي سيؤمنها لها العمل , وجدت أن من السخافة التراجع..هل سيغير الزي العتيق وعدم التبرج شخصيتها ؟ فما زالت ليليان نفسها ومادامت تذكر ذلك , فستكون بخير مايرام.
بعد مضي ثلاثة أشهر , كادت لا تصدق أنها تمكنت من العمل في وظيفة اخرى .
كانت ساعات العمل طويلة ومرهقة , لكن العمل نفسه ممتع حتى أن الوقت كان يمرّ بسرعة .. وما إن اعتادت على مشاريع الشركة الكثيرة حتى بدأت تهتم شخصياً بتلك المشاريع.
كانت تفهم طبيعة عملها وتقدر جوك هانيز الذي يضغط عليها بالأعمال الكثيرة , مع انها لم تلاحظ هذا الحمل إلاّ بعد مضيّ عدة أشهر.
بعد رجوعه من اجتماع عاصف متعب .. رمى لها كومة أوراق على طاولتها , وأمرها بطبعها ثم دخل إلى مكتبه .. بعد لحظات لحقت به, فوجدته منهاراً على مقعده والعرق يتفصّد من جبينه..
تمتم متوقعاً سؤالها:
- صداع .. أتركها في المنزل , لم أصب بصداع منذ زمن طويل .. ولكن سأعود بعد لحطات.
أقفلت الستائر لتحجب نور الشمس , ثمخرجت من الغرفة بسرعة , وأقفلت الباب وراءها , ثم اضاءت النور الأحمر الذي ينبىْ المدراء بأن جوك هانيز مشغول .. سارعت للخروج من المبنى إلى جهة الشارع الأخرى قاصدة أقرب صيدلية, ثم عادت بعد عشر دقائق لتعطيه حبتين مع كوب ماء , ثم خرجت من جديد حتى يستريح.
بعد نصف ساعة, استدعاها الجرس إلى مكتبه وهناك وجدته جالسا وراء الطاولة.
- شكرا لك آنسة كامبل .. أنت كفؤة في المسائل الشخصيةككفاءتك في العمل.
وكان ذكاء منك ألاّتطلبي المساعدة من السيدة سيمونز مدبرة المنزل في الشركة.
- لو فعلت لعرف جميع من في المبنى أنك مصاب بصداع.
- وكيف عرفت أننيأريد ان يبقى خبر صداعي سراً ؟
- لأن السيدة سيمونز لم تبلغني به حتى الآن .
ضحك بصوت دافىء ملؤه النشاط :
- هل اتصلت بخادمي ..؟ فهو وحده من يعرف الحبوب التى أنتاولها.
- لم تصل به... سألت الصيدلي عن آخر وأكثر الأدوية فعالية.
- وهل فعاليته أم سعره الغالي هو مادفعك إلى شرائه ؟
- كلامها ... يستحسن أن تحتفظ ببعض الحبوب منه هنا.
- سأفعل... إنما منذ أربعة أشهر لم أصب بمثل هذا الصداع. ومضت أربعة أشهر منذ انعقد آخر اجتماع متعب لمجلس الإدارة؟!
سرعان ما تبخر دفئه وعاد إليه تحفظه , وكأنه لا حظ أنها تتساءل عن مدى قوته .. فهل يعتبرالصداع دليلاً على الضعف ؟! نظر إليها نظرة ملؤها الكره . مع ذلك .. لماذا هو مصمّم على الظهور بمظهرالرجل الخارق ، وكأنه ليس من البشر في انطلاقته الشيطانية.
أحنت قمر الليل رأسها فوق دفترالملاحظات, وبدأ على الفور بإملاء رسائله, مكرّراً الأرقام بسرعة فائقة . لا تستغرب إذن عودته من اجتماع شاكياًُ من ألم في رأسه .
أخذ جوك هانيز , شيئاً فشيئاً , يتركها تعتني بشؤونه الخاصة .
وهكذا أخذت تضع ترتيبات حفلات العشاء الخاصة التي يقيمها إضافة إلى توفير ما لا نهاية له من باقات الورود والكتب , والعطور , لعدد لا يحصى من الفتيات , ولم يدهشها وجود هذا العدد من النساء اللاتي يرغبن في وضع أنفسهن تحت تصرفه بلّ ما أدهشها ان يجد الوقت الكافي لهن ، لهذا لا تستغرب نحوله وتوتر أعصابه في الصباح دائماًُ .
خرج من المكتب ثم سألها وقد لاحظ تعابير وجهها :
- ما الخطب ؟
- لا أعاتي من أي خطب أما أنت فستصاب بخطب ما إن لم تقلل من اندفاعك0 لقد قضيت ليلة امس بكاملها تدرس عملية دمج وضع ماسترز, وها أنت الليلة تستعد للذهاب إلى عرض مسرحي.
- إذا لم أذهب, فسأعمل. لا تقلقي عليّ آنسةكامبل..إن خروجي برفقة شقراء بلهاء أو سمراء لطريقة مثالية للاسترخاء.
- ظننتك ستموت سأماً من صحبتهن .
خرجت الكلمات لا إرادياً, ولمّا رأت دهشته, غضبت من نفسها لقلة لباقتها.. فاعتذرت :
- أنا آسفة .. ما كان عليّ أن أتفوّه بتلك الكلمات.
- انسي الأمر... فأنت تعرفينني منذ فترة تؤهلك لقول الحقيقة. وأنت لا تعرفنني حق المعرفة لتكوني دقيقة في ملاحظاتك.. إذ لاتضجرني البلهاوات بل الذكية وحدها مَن تضجرني.
- لست جاداً؟
- بل جاد. فالنساء الذكيات يعرفن قدر أنفسهن وهن تائقات دائماً لإثبات قدرتهنّ على المساواة مع الرجل .. وهنّ يبحثن دائماً عن ثغرة في دفاعاته .
- لن يجدن معك ما لا وجود له.
- إنما ذلك لايمنعهن عن المحاولة.
لم يلاحظ السخرية في كلامها , عندما قالت :
- مع ذلك تشترط الذكاء في سكرتيرتك؟
- طبعا ... فأنا أختارها بسبب قدراتها لا بغية التسلية.
ران صمت قصير,وعندما تابع حديثه أتى كلامه بطيئاً وواضحاً.
أنا أقسم النساء إلى ثلاثة أصناف :
الجميلة البلهاء التي لا تطلب شيئاً لأنها بلهاء.. والجميلة الذكية التي تتوقع من الرجل الجري وراء .. والقبيحة الذكية التي تلتقي بالرجل على قدم المساواة ولا تتوقع شيئاً , لذلك عندما أطلب سكرتيرة كفؤة أخيرَ نفسي مابين الجميلة البلهاء والقبيحة الذكية .

- وتفوز القبيحة في النهاية.
- طبعا!
نظر إليها ***** ساخراً ثم خرج, تاركاً إياها بصحبة أفكارها التي جاءت مريرة على غير توقع. رغبت لعدة لحظات لوتقول له ما رأيها فيه .. ولكنها عادت إلى رشدها
والتقطت الهاتف لتطلب له الزهور لآخر صديقاته .
وهكذا تركت المكتب ذلك المساء ووقفت لحظات على الدرج تنشق هواء حزيران الدافىء , بينما أشعة الشمس الآفلة تلفح وجهها بحرارتها .. لاحظت شاباً ينزل الدرج خلفها. صاح بدهشة :
- ليليان .. ! أهذه أنت؟
التفتت قمر الليل بسرعة إلى الرجل المتجسم خلفها وردت بوهن محاولة إخفاء انزعاجها :
- بيتر , ماهذه المفاجأة !
- مفاجاة فعلاً .. خاصة وأنك في المرة الأخيرة التي اتصلت بك قلت إنك ستتركين هذا العمل , وإنك ستتصلين بي حالما تستقرّين في عمل آخر.
- كنت مشغولة جداً .
نظر إليها متفحصاً إياها من رأسها إلى أخمص قدميها.
- هذا ما أراه .. منذ متى تهوين الفن المسرحي ؟
ردت بسرعة وقد تورّد وجهها:
- سأشرح لك .
- يسرني أن أصغي إنما على موعد عشاء. لا أتحمل الشروحات بمعدة فارغة.
- لا يمكنني الخروج معك هكذا.
- وهذا ما يريحني ! ظننتك ستعتبرين الدينا كلها مسرحاً.
- وأنا ممثلة فيها بكل تأكيد . سأخبرك عن دوري أثناء العشاء.
لم يستطع بيتر تورب إخفاء دهشته عندما سمع دوافعها إلى ذاك التنكّر , وقال :
- لا ألومك .. فما من أحد في الشركة يفهم طباعه .. وحينما تفكرين في النساء
الرائعات اللاتي يخرج بصحبتهنّ ربما يعتقد أن الجميلات لسن كفؤات .
- كنت بحاجة للوظيفة , لذلك مثلث الدور الذي يؤمنها لي .
- ونجحت بكل تأكيد . فلولا وقوفك تحت أشعة الشمس بعد الظهر لما عرفتك.. ولكن شعرك الأحمر فضحك .
- إنه ليس أحمر .. بني محمّر.
رمقها بنظرات مرحة وقحة , ثم قال:
- لن أدعك بعد اليوم تهربيهن مني .. خاصة وقد عرفت أنك مازلت في المبنى نفسه, سوف..
قاطعته :
- لن تأتي لتراني لأن السيد هانيز سيستشيط غضباً إن عرف الحقيقة .
- وكيف سيعرف ؟ لن أخبره .
- ربما .. لكنه سيتغرب عندما يجدك تحوم حولي .
بدت الحيرة على بيتر .. ثم ضحك :
- بسبب تنكرك ؟ كدت أنسى هذا .
- حسناً .. لا تنسَه .. فوظيفتي تعتمد عليك الآن.
- أتنوين الاستمرار هكذا إلى الأبد ؟
- ربما سأخفف من التنكر قليلاً . إنما بحذر لأنه سيغضب بكل تأكيد إن عرف أنني اسغفلته .
- فلنرقص الآن و لنتكلم عن نفسينا فما اصطحبتك إلى هذا المكان لنتكلم عن رئيسنا.
كانت قمر الليل تحاول نسيان جوك هانيز , لكن وجودها مع بيتر يدفعه إلى ذاكرتها بقوة مضاعفة , إذ لم تستطع إلا مقارنة جرأته الرائعة وذكاءَه بمرح بيتر وتعقّله .
تلك الليلة , في فراشها راحت تفكر : ظهورها بمظهر البشعة يجعلها منطوية على الذات . وإن لم تكن حذرة سينتهي بها الأمر لتكون صارمة كمظهرها .
بسبب هذه الفكرة استبدلت البلوزة الوقورة الطويلة الكمين التي ترتديها للمكتب بأخرى أقلّ وقارا ذات أكمام قصيرة وياقة جميلة.
ولكن الياقة بدت متنافرة مع شعرها المعقوص إلى الخلف , فخلعت البلوزة , وارتدت ملابسها المعتادة عليها للمحافظة على دورها .. ما تفعله قد يجعل من المستحيل عليها العودة إلى سابق عهدها .
لقاؤها القصير مع بيتر , أيقظ فيها استجابات كانت هاجعة منذ أشهر طويلة .. ووجدت من المزعج أن تسير في الشارع وهي تعرف أنها لا تجذب نظر أحد. مع ذلك , فالشيك الشهري الذي تتقاضاه تعويض كاف وخاصة وهي قادرة على التخلّص من زيّها المزري حالما تترك المكتب .. ولكنها كانت تتوق في المكتب أكثر من أي مكان آخر أن تكون عل ى حقيقتها.. وتساءلت ما سيكون ردّ فعل جوك لو نفضت شعرها وحرّرته, وتخلّت عن حذائها البشع، ورفعت تنورتها قليلاً.
وجدت نفسها على غير عادتها شاردة الذهن , وكأنها مشغولة بأفكار خارج عملها .. فتحت وهي تفكر مفكرته فرأت أنها تسجل اسم كوني ماولنغ .. عبست متذكرة متى ذكر اسم الفتاة . كان هذا منذ ثلاثة أسابيع , حينما تلقى رسالة من صديق قديم تعود صداقتهما إلى أيام الجامعة , وهو الآن عضو في حكومة الفيليبين .. وقد طلب منه مقابلة ابنه عمه التي تزور أمريكا للمرة الأولى .
قال لها يومذاك وهو يرمي رسالة الجنرال رامولوس على الطاولة :
- فليحمنى الله من هذه الدعوات الرسمية .. مع ذلك, من الأفضل أن أخرج معها مرة.
ما بدأ دعوةُ واجب , تحول إلى متعة , ففي الأسابيع التالية لاحق الفتاة الفيليبينية بلا هوادة . كان يقابلها في ساعات متأخرة عندما لا يستطيع الهرب من اجتماع عمل عاجل.
سألته ليليان بعد ظهر يوم حينما أدخلت إليه الرسائل ليوقعها.
- هل زرت الفيليبين يوماً ؟
هزّ رأسه :
- لطالما وعدت نفسي بزيارة الفيليبين , ولكن حياتي كلّها عمل.
- هذا أمر غير صحي .
- أوافقك الرأي. قد أسافر إلى ذاك البلد بعد انتهاء موسم الأمطار.
- وهل ستبقى الآنسة ماولنغ هنا حتى ذلك الوقت ؟
نظر إليها ساخراً :
- وهل أستشف رائحة الفضول آنسة كامبل؟
- بل هو مجرد اهتمام سيد هانيز.
- أظنها باقية هناشهراً آخر.

أكمل توقيعه على آخر رسالة وطوى الملفّ ليعيده إليها, فسألته:
- أتريد طبع مذكراتك لاجتماع الساعة العاشرة غداً ؟
- اطبعيها قمر الليل.. سأترك المكتب باكراً, ولو لمرة واحدة.
في الصباح التالي تأخر ***** في الوصول, وهذا مازاد من ذهولها :
- سآخذ فرصة بعد الظهر آنسة كامبل ..ومن الأفضل أن تلغي كل مواعيدي حدقت قمر الليل إليه بذهول جعله يضحك , وهذا مازاد من ذهولها :
- سآخذ فرصة بعد الظهر لأرافق الآنسة ماولنغ إلى الجامعة .. أنا لم أرز جامعتي منذ تخرجت .
- لا بدّ أن ريتشموند جميلة في مثل هذاالوقت من السنة .
- هيا الآن آنسة كامبل .. أنت أذكى من هذا !
- عفواً ؟
- عدم موافقتك واضحة . ظننتك ستبتهجين لتغيبي عن العمل.
- أنا سعيدة من أجلك إنمالم أتوقع.
- تكون جميع الأمور في أغلب الأحيان غير متوقعة .. أي محل أزهار توصيني به ؟
- " لا فلورا " هل أطلب لك شيئاً؟
- لا .. سأقوم بذلك بنفسي .
كان المكتب بدون حضور جوك هانيز فارغاً معدومة منه الحياة.. بسبب تراكم العمل شعرت ليليان بالوقت يمرّ متثاقلاً. لا شكّ أنه والآنسة ماولنغ قد وصلا إلى جامعة (( ريتشمود )) إلاّ إذا توقفا في مكان ما للغداء .. أقبلت الساعة الرابعة , ومعها أفكار عن نهر جايمس وقارب يتهادى فوق مياهه الساكنة .. أما في الساعة الخامسة , فتراءت لها نزهة في مروج الكلية وأروقتها يعقبها عودة في السيارة بقيادة بطيئة كسولة على الطريق المشجرة والحقول الخضراء.. تذكرت قمر الليل أخاها تود الذي يدرس هناك.. فاغرورقت عيناها بالدموع إذ لم تره منذ أسابيع .. ربما هذا سبب تكدّرها .. ولكنها علمت أنها كاذبة .. يكون الكذب أحياناً أسهل من الحقيقة، خاصة وهي حقيقة تخشى مواجهتها .
جعل صوت متناه من مكتب جوك قلبها يخفق , فسارعت لرؤية مَن في الداخل .
كانا شخصين متلاصقين قرب النافذة , انفصلا عن بعضهما بعضاً بسرعة , فاحمرّ وجه ليليان , وتمتمت وهي تنسحب :
- ظننت أن عاملة التنظيف وصلت , وأردت التأكيد من عدم وجود أوراق مبعثرة .. لم أعرف ..
ردّ جوك:
-استخدمت مدخل المكتب الخاص , لم أكن أعرف أنك لا تزالين هنا .. كوني هذه سكرتيرتي التي لا بديل عنها الآنسة كامبل , والتي بدونها لا أستطيع العمل.
سألته الفتاة : ماذا تعمل ؟ .
ضحك:
- أي شيء تقريباً ! فا لآنسة كومبيوتر متجوّل.
نظرت كوني ماولنغ إلى ليليان :

- لا شكّ أ نك راضية بهذا التقدير .
ابتسمت ليليان .. لا تتوقع أن يراها اكثر من جهاز كومبيوتر , على عكس هذا الجمال الفاتن , التي تبدو صاحبته وكأنها خرجت من قصة خيالية .. ترجعت ليليان إلى الباب :
- أعذراني على الإزعاج .
ناداها جوك :
- لماذا مازالين هنا حتى هذا الوقت المتأخر ؟
- كنت أطبع تقارير اجتماع الغد .
- هكذا إذن .
وتقدم ***** إلى خزانة المنحوتة خلف مكتبه:
- فلاقدم لك على الأقل عصيراً آنسة كامبل .. إنه مجرد تعويض بسيط لعملك حتى هذه الساعة .
قبلت قمر الليل على مضض كوب عصير الكرز , وأخذت تحتسيه وهي تعلم أنها مزرية المظهر بالمقارنة مع مظهر الفتاة التي سرعان ما سألتها :
- هل زرت بلادي من آنسة كامبل ؟
- أنا عادة لا أذهب عادة إلا إلى ريتشموند , حيث تركت أمي لي ولأخي كوخاً.
قال جوك :
- لم أعلم أن لك أخاً .. تصورتك وحيدة .
- وحيدة مع قطة وعصفور كناري ؟ قد تكون المظاهر خداعة سيد هانيز.
وضعت كوبها على المنضدة , وتمتمت :
- عمتما مساء .
ما إن أصبحت في مكتبها حتى تمنّت لو تركل نفسها لا نزعاجها من ملاحظته .. همست لنفسها : إن لم أكن حذرة انتهى بي الأمر كما انتهى بالآنسة بكمان !
وفيما كانت في الطريق إلى الباب لتغادر , عادت إلى طاولتها لتطلب رقم هاتف بيتر .. بعد الرنة الأولى أجاب .
- هذه أنا .. ليليان .. هل أنت حرّ الليلة ؟
أجاب بيتر بصوت ملؤه البهجة :
- أنا حر متى شئت . إنها المرة الأولى التي تتصلّين بي . هل أدركت فجأة كما أنا شاب عظيم ؟
ردت بصوت مرح ساخر :
- بل أدركت كم أنا عظيمة .. تعال واصحبني في الثامنة .


lola @ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-04-10, 03:26 PM   #3

lola @
 
الصورة الرمزية lola @

? العضوٌ??? » 108977
?  التسِجيلٌ » Feb 2010
? مشَارَ?اتْي » 3,648
?  نُقآطِيْ » lola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond repute
افتراضي


2- دموع بلا سبب



أقتضاها العودة إلى الدور الذي اختارته لنفسها تصميم كبير منها في الصباح التالي .
مع ذلك , فقد مكّنتها إرادتها الصلبة من انتعال حذائها المفلطح وجواربها السميكة .. تركت قمر الليل الشقة وهي مرتدية تنوره جيدة التفصيل وبلوزة مماثلة .. ولكنها لم تضطر للقلق من أن ينظر إليها جوك هانيز مستغرباً التغيير , فقد كان مشغولاً في مكتبه.
عند الظهر, رنّ جرس الهاتف, فتوقفت عن الطباعة ومدّت يدها إلى الهاتف تقول معتذرة:
- أنا آسفة طلبت من الموزع أن يحوّل كل المخابرات إلى مساعدتي.. ولا أدري لماذا ..
- ربما هي مكالمة خاصة . قلت لهم إنني أتوقعها .
عضت شفتها وأعطته السماعة ووقفت .. لكنه أشار إليها أن تبقى, وهكذا اضطرت إلى الاستماع لحديثه. كان يتحدّث إلى كوني والتوق في صوته يظهره أصغر من سنواته الحادية والثلاثين . وحده من يحبّ عمله ويتمتع به قد يتحمل الضغط اليومي بلا جهد .
الأشهر السبعة التي عملت فيها معه بدت لها سبعة أعوام, ومع ذلك ليس في شعره الأسود البرّاق شعرة رمادية واحدة. تباً له ! لا يحقّ له أن يكون نشيطاً ديناميكياً هكذا.
أدركت أنه يتكلم إليها :
- لم أعهدك تحلمين أحلام اليقظة آنسة كامبل .. سأغيب في عطلة نهاية أسبوع طويلة .. وأريد إنهاء القدر الممكن من الأعمال , أتمانعين في البقاء حتى وقت متأخر الليلة ؟
- هذا ما أفعله في أكثر الليالي .
ارتفع حاجباه استغراباً .
- لم أعرف أني رب عمل قاس إلى هذه الدرجة .
- العمل الإضافي جزء من وظيفتي .
- ليس إلى درجة العمل اليومي حتى وقت متأخر.
- أنا لا أتدمرين أبداً! أنت سكرتيرة ممتازة آنسة كامبل. ما كنت لأظن أنني سأجد أكفأ من الآنسة بكمان.
- وإلى أين أنت ذاهب ؟
- أما زلت تحلمين أحلام النهار ؟ أرجو ألا تكوني قد وقعت في الحب آنسة كامبل ..سيصعب علي أن أخسرك بعد وقت قصير على خسارتي للآنسة بكمان.
- لا حاجة للخوف .. سأبقى هنا ما دمت بحاجة إليّ.
ابسم , وكالعادة استجابت لبسمته .. وقال :
- كنت أتحدّث عن رحلتي إلى أوروبا , أريد أن تؤكدي لي الحجز في فندق كونتيننتال في روما , ودبّري أمر إرسال دزينة من الورود الحمراء إلى جناح الآنسة ماولنغ.

قامت ليليان بكره شديد بما طلبه منها .. ولكن لماذا تكدّرها تصرفاته ؟ إنه يتصرف معظم الرجال في مثل مركزه , ومن السخف توقع العكس .
ما إن أتمّت ترتيبات نهاية الأسبوع حتى عادت ليليان إلى مكتبها .. ليست المرة الأولى التي تعجب فيها بعقله , أو بالطريقة التي يعالج فيها المشاكل بغضّ النظر عن تعقيداتها وتشابكها .
وعلى هذا بالطبع كان يعتمد في نجاحه , فهو لم يصل إلى مركزه الحالي بفتنته فقط.
في الثامنة والنصف من ذلك المساء , أوقف ***** العمل على غير توقع وعرض أن يوصلها إلى بيتها في سيارته على الرغم من احتجاجاتها ... كان بانتظاره خارج المبنى سيارة كاديلاك سوداء فاخرة. شعرت أنها أميرة تذهب إلى حفلة راقصة , فجلست قمر الليل في المقعد الفاخر في الخلف معه , وقالت متجة :
- لكنني أسكن في الجهة الأخرى من المدينة , لو أنزلتني عند اقرب محطة باصات...
- سنتناول عشاء سريعاً أولاً.
سألتقي الآنسة ماولنغ في المطعم في العاشرة , وبعد الطعام سيقلّك السائق مارتن إلى منزلك .
نظرت إليه حائرة .. تفكر في ما قد يقوله لو علم أنها لا تكبر كوني ماوانغ إلا بسنة واحدة , ولكنه يعرف ذلك بالتأكيد , فهذا مسجل في ملفّها الخاص . تنهدت فنظر إليها قائلاً :
- ستشعرين بتحسن حينما تتناولين بعض الطعام , كدنا نصل .
باهتمام لم تستطع ليليان إلا أن تلاحظه .. قادهما الساقي إلى طاولة منزوية في غرفة مقسمة بقضبان متشابكة , وهناك بالرغم من احتجابها التقريبي عن الأنظار شعرت بأنها عصفور صغير بين الطواويس .. فقالت :
- لا أرتدي الملابس اللائقة لمكان فخم كهذا .
- لم أظنك تهتمين بالمظاهر .
تمتمت :
- نعم أنا لست أنيقة , ولكنني أفهم في موضة الثيات .
- لم أقصد هذا . إنها طريقتي الخرقاء في القول إنك أذكى من أن تتأثري بأمر غير مهم كالثياب .
- بل هي مهمة , ولكن عندما تكو قبيحاً مثلي تعتاد على جعل نفسك غير متأنّق قدر المستطاع .
- ولكنك لست قبيحة إلى هذه الدرجة .
الطريقة التي تجنب فيها فجأة النظر إليها ليركز بصره على لائحة الطعام اعادت إليها روح المرح .. ماأغباها لأنها لا ترى الجانب المضحك من الموقف ! زال إشفاقها على نفسها بعدما أدركت كم سيبدو حديثه مع بيتر مثيراً . لا غرابة أن يحثّها بيتر على التخلّي عن تنكّرها والذهاب إلى المكتب على صورتها الحقيقية . وكم سيسعدها أن تشاهد وجه جوك هانيز حين تفعل هذا إنما لن يكون ذلك الآن , فأمام تود سنة أخرى في جامعة ريشموند . بعدها , وبعدها فقط , ستصبح حرّة في القيام بما تريد .غضَّت طرفها بسرعة لتركز على الاختيار بين سلطة الهليون والصلصة الفرنسية , وبين السلمون المدخّن . قال لها مقترحاً :
- ما رأيك بالبيض المقلي مع الجبن ؟
- يبدو لذيذاً .
- وكوب من عصير الليمون مع مياه غازية أم تفضلين المرطبات ؟
بعد الطلب , أسند جوك ظهره إلى كرسيه وأشعل سيكارة ..


كان نادراً مايدخن , وبسبب حساسيتها أمام مزاجه أحسّت بتوتره .
اهو نافد الصبر لأنه مضطر إلى قضاء الوقت معها, أم لأنه يفكر في نهاية الأسبوع المرتقبة ؟
قطع وصول الطعام قطع عليها أفكارها .. ولا حظت أنه لا يأكل بل يتلاعب بطعامه .. أحس بنظرتها , فهزّ كتفيه :
- سأتعشى فيما بعد .. لا أريد إفساد شهيتي .
- ما كان عليك اصطحابي إلى هنا .. تشعرني بالذنب .
- لشعرت بذنب مضاعف لو أرسلتك إلى بيتك جائعة . والآن ماذا ترغبين أيضاً ؟ فاكهة ؟
ردت قمر الليل بسرعة ثم استدركت :
- شيء فيه كريما .. أعني .. فاكهة مع سكر .
- لا تتراجعي آنسة كامبل .. قلت .. شيئاً مع الكريما .. وهذا ما سأطلبه !
وماهي إلا لحطات حتى وقفت أمامها عربة فيها ما لذ وطاب , وأحسّت بالحيرة بين انتقاء البندق مع الكريما المخفوقة , وبين كريما الشوكولا مع الزبيب .
قال لها ممازحاً :
- كوني شيطانة وخذي الصنفين .
انصاعت له بعينين متراقصتين , وكان أن استمتعت قمر الليل بأكلهما في الدقائق العشرة التالية وحينما كانت تضع الملعقة من يدها فقط .. فكرت كم كانت قربية من فضح نفسها .. فقد كان ينظر إليها بدهشة وتسلية :
من المثير للاهتمام مراقبة الناس وهم يأكلون .. لم ألاحظ كم أنت صغيرة إلا بعدما شاهدتك تستمتعين بالحلوى , وعندما نكون في المكتب أميل للنسيان0
ردّت بحذر :
- أنا أبدو أكبر من سني.
-هذا صحيح .. لكنني أعتقد أن لك بمحض اختيارك , فإن رغبت في أن تكوني كأي مو ظفة الشركة ..
قاطعته :
- لن أكون ساعتئذ سكرتيرتك !
- صحيح .. فأنا لا أطيق النساء المتبرّجات المطليات بالمساحيق.
- تعنى من يعملن معك؟
- يجب أن تكون المخلوقات المتبرجات للزينة فقط..فهن يلهين المرء عن العمل.
وقع الفاتورة ووقف..خارج المطعم قال:
- سيقلّك مارتن.
- أستطيع الوصل وحدي.
- أثق بقدرتك آنسة كامبل , إنما لماذا التعب حين لا تدعو الحاجة إليه ؟
أحرقت الدموع بدون توقع أو سبب عينيها , فتمتمت : "عمت مساء " ثم اندسّت في السيارة .
وفيما هي بمفردها في السيارة السائرة في الشوراع المظلمة، اخذت تفكر أن الساعة الأخيرة مرت بسرعة.
كان حديثهما مركزاً على العمل، ومع ذلك جعله مسلياً إلى درجة الشعور بالاغتباط في الاصغاء إليه.من المثير للاهتمام مراقبة الناس وهم يأكلون .. لم ألاحظ كم أنت صغير إلا بعدها شاهدتك تستمتعين بالحلوى , وعندما نكون في المكتب أميل للنيان0



ردّ بحذر : " أنا أبدو أكبر من سني".
-هذا صحيح .. لكنني أعتقد أن لك بمحض اختيارك , فإن رغبت في أن تكوني كأي مو في الشركة .. قاطعته :
- لن أكون ساعتئذ سكرتيرتك !
- صحيح .. فأنا لا أطيق النساء المتبرّجات المطليات بالمساحيق.
دفع الفاتورة ووقف .. خارج المطعم قال :
- سيقلّك مارتن.
- أستطيع الوصل وحدي.
- أثق بقدرتك آنسة كامبل , إنما لماذا التعب حين لا تدعو الحاجة إليه ؟
أحرقت الدموع بدون توقع أو سبب عينيها , فتمتمت : "عمت مساء " ثم اندسّت في السيارة .
وفيما هي بمفردها في السيارة السائرة في الشوارع المظلمة , أخذت تفكر أن الساعة الأخيرة مرت بسرعة. كان حديثهما مركزاً على العمل , ومع ذلك جعله مسلّيا الى درجة الشعور بالأغتياظ في الإصغاء اليه .

في نهاية الأسبوع، فكرت كثيراً ..لكنها كانت تدفع ذكراه عنها في كل مرة ,قانعة بقضاء يوم السبت برفقة بيتر .. والأحد برفقة أخيها.
كانت الشقة تبدو مزدحمة عندما يزورها تيودور , فالجدران تهتزّ بسبب الموسيقى الصاخبة التي يهواها , والغرفتان تمتلئان بالجصّ الذي يعمل فيه .. قالت معترضة وهي تفتح النافذة :
- سأضطر إلى إرسال ثيابي كلّها إلى التنظيف .. حقاً تود .. كيف تطيق رائحة الجصّ ؟
ضحك ***** ومدد جسده النحيل , فبدا لها أصغر سنّاً وأكثر ضعفاً حتى تاقت الى إلى عناقه.. لكنها غيّرت الموضوع :
- ماذا تخطّط للصيف ؟
- قال صديقي الذي أسكن معه إن والده سيشغلني في كارجه ليلاً .. عندما سيكون لي كل النهار .
- لفعل ماذا ؟
- لأشتغل عملاً آخر .
- لست مضطراً إلى القيام بعملين .. فأنت بحاجة للدراسة في العطلة .
- لا تقلقي , سأنال علامات جيدة وأتخرّج.
ليتها تعرف أحداً تستطيع التحدّث إليه عن تود. فجأة فكرت في جوك هانيز وفي وجهه المتجهم بالذكاء المتناقض تماماً مع وجه أخيها المرح الضاحك .. لا شكّ في أن الواحد منهما سيكره الآخر منذ النظرة الأُولى , خاصة وأن أفكار تود عن الرأسمالية أفكار راديكالية .
لم يجف النوم مقلتيها يوماً كما جفاها هذه الليلة. فقد ظلّت قمر الليل أفكارها تطوف حول جوك هانيز وكوني ماولنغ , وكانت كل فكرة أكثر حميمية من الأخرى .. حتى بعثتها أفكارها فجأة من مرقدها لتضيء النور أملاً في محو عيون أفكارها وتخيّلاتها .. ولكن النور ضاعف الأمر سوءاً وتصوّرت كوني مستلقية مكانها على الوسادة بشعرها الأسود اللمّاع ..
صرخت صرخة يائسة ثم هرعت إلى المطبخ .. ترجو أن يلطف ثورة أعصابها كوب من الحليب الساخن .. لكن مع غليان الماء في الإبريق , ازداد غليان عواطفها حتى أصبحت لا تُطاق, ولم تعد تستطيع تجاهلها .. أخيراً كان عليها مواجهة الواقع .
إنها تحب جوك هانيز .
وخزها مرة أخرى التفكير في الفتاة الشرقية .. إذا كان جوك يحب الفتاة حقاً , فلا فائدة من محاولة القتال لأجله .. كم ستكون المخاطرة كبيرة في الذهاب إلى المكتب وهي تبدو على حقيقتها .. مهما كان عنده روح مرحة , فهو قد حكم سلفاً على النساء اللواتي يقبل أن يعملن عنده ولن يقبل أبداً تحولها الفجائي . وهذا يعني أنها مضطرة لتنفيذ ما تريد بمكر ودهاء , لئلا يلاحظ مايجري حتى يتم نهائياً , فعندئذ سيخفُّ غضبه , وستزول المخاطرة .
لكن .. ماذا لو واجه ليليان الحقيقية .. ولم تعجبه ؟
عاد جوك إلى المكتب يوم الثلاثاء .. لم يشر إلى رحلته مطلقاً.
مع أن ليليان وجدت صعوبة في رؤيته بدون التفكير بكوني ماولنغ .. وهذا ما وتّر أعصابها حتى انعكست على مساعدتها المسكينة , التي قالت بتعاسة :
- لا بدّ ان مزاج السيد هانيز يؤثر فيك .

ردت لن بحدة :
- ولماذا تقولين هذا ؟
- لأنه متوتر الأعصاب أيضاً . كاد يطيح برأسي عندما أدخلت إليه التقرير الذي أعطيتني إياه .
- لديه أشياء كثيرة في ذهنه .
جاء الرد الوقح :
- على الأرجح هناك شيء واحد .. وكلنا نعرف ماهو !
مع مرور اليوم , تذكرت ليليان هذه الملاحظة فقد أصبح أكثر توتراً وما زاد من دهشتها غياب الفتاة الفليبينية عن مواعيده .. ولكنها لم تكتشف السبب إلا بعد أسبوع من عودته .
دخلت قمر الليل إلى غرفته لتضع بعض الأوراق التي تحتاج إلى توقيع فوجدت نفسها وجهاً لوجه مع كوني .
قالت الفتاة :
- أوصاتني موظّفة الاستقبال إلى هنا .. أريد رؤية السيد هانيز.
- لا أعرف بالضبط متى يعود , فليس موعده التالي قبل الساعة الثالثة .
- سأنتظر , لن تطير طائرتي قبل السابعة .. فأنا عائدة لبلادي .
حاولت ليليان إخفاء سعادتها للخبر .
- وهل أنت مسرورة بعودتك ؟
- أنا حزينة لأنني سأترك جوك .
أجبر الفضول ليليان على القول :
- تساءلت ما إذا كنت سافرتِ .
رد ّت بمرح :
- طبعا .. فأنت السكرتيرة التي تعرف كل شيء عن رئيسها !
- إن إحدى مهماتي أن أعرف التزامات السيد هانيز .
- حتى الخاصة ؟
كان في صوتها الناعم حدّة قاسية .. إنها هرة شرسة داخل هريرة سيامية .
تابعت كوني :
- أنت كمعظم السكرتيرات الكفؤات .. أظـنك تـدلّـلين مخـدومك . إنما يبدو أن جميع النساء يدللنه , ولهذا قرّرت ألا أحذو حذوهنّ .
استدارت لتحدق خارج النافذة .. كانت تبدو حتى تحت أشعة الشمس كاملة بلا عيب . تبدو ألوانها في أرض معظم النساء فيها من البيضاوات غريبة ومنمنمة , ولكن شكلها الكامل يجعلها مميزة .. فلا غرابة أن يرغب فيها جوك هانيز.
- جوك غاضب مني لأنني مسافرة. إنما هكذا أفضل , فعليه للمرة الأولى في حياته أن يقوم هو بالمطاردة.
أحرج إفشاء السر هذا ليليان مع أنها أرادت معرفته بيأس .. ما من شكّ في أن جوك ما يزال راغباً في هذه الفتاة الجميلة , وإلا لما كان غاضباً لرحيلها.
عاد قبل خمس دقائق على الثالثة إلى مكتبه. سمعت ليليان صيحة العجب الحادة عندما شاهد زائرته , ثم أقفل الباب , ولم تعد ليليان تسمع شيئاً سوى دقّات قلبها المتسارعة .
كانت الساعة تقارب الثالثة والنصف حينما رافق كوني ولكن لم يكن على وجهه أي تعبير وهو يسير معها بل احمرار على خديه , أما تجمد عينيه الرماديتين فكانتا دليلاً لا يدحض على غضبه.
عندما عاد إلى المكتب لم يكن مزاجه قد تغيّر , مع أن كلماته أدهشت ليليان .
- هل لك أن ترسلي ثلاث دزينات من الورود الحمراء إلى المطار ؟
- للآنسة ماولنغ ؟
- أجل, وأرسلي ثلاث أخرى إلى مطار كيزون , ولتكن بيضاء .
سقط القلم من يدها ذهولاً .. فضحك بدون مرح :
- الحمراء دليل الحب آنسة كامبل .. والبيضاء للدلالة على أنه يخبو.
- بهذه السرعة ؟
- يجب على الرجل ألاّ يترك امرأة تسيطر عليه , فما إن يفعل ذلك مرة واحدة حتى لا تعود حياته له.

بعدما دخل ***** إلى غرفته فكرت ليليان في كلماته ملياً ..إنها تشير إل واجهة آخرى من شخصيّته المعقدة .
مسكينة كوني .. لقد أساءت تقدير قوتها .. أو ربما من الصحيح أكثر أن يقال إنها أساءت الحكم على قوة جوك.. لكن كيف له أن يحب امرأة إذا كان يرفض أن يسمح لنفسه بأن يحتاجها ؟
إنه سؤال مقلق .. سؤال ليس لديها ردّ عليه .



lola @ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-04-10, 03:32 PM   #4

lola @
 
الصورة الرمزية lola @

? العضوٌ??? » 108977
?  التسِجيلٌ » Feb 2010
? مشَارَ?اتْي » 3,648
?  نُقآطِيْ » lola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond repute
افتراضي


3- كمبيوتر اسمه ليليان

شغلت مرة أخرى نساء أخريات حياة جوك هانيز, لكن ليليان أحست بالراحة من الاعتقاد السائد بأن في الكثرة السلامة .
كان يعمل أقسى مما مضى .. يتمتع بالخوض والاقتحام في عالم التجارة , الذي تجده ليليان مذهلاً . قبل أن تعمل في الشركة , كان اهتمامها منصبّاً على الأدب والفن , ولكنها الآن بدأت تطالع الأقسام السياسية والعلمية في الصحف , وكان أكثر ما يحيرها الطريقة التي تؤثر فيها السياسة على الأعمال , والعكس بالعكس.
سألها بعد الظهر في أثناء استراحة سريعة :
- هل أنت مشغولة في نهاية الأسبوع ؟ يجب أن أحضر تقريراً لاجتماع مجلس الإدارة .. وإذا انكببت عليه معك ..
- لا شيء يشغلني .
- عظيم .. ستقيمين معي في " ريفرسايد ". إنه منزلي , فذلك أنسب لنا.
لم تكن ليليان قد ذهبت إلى منزله من قبل. مع أنها سمعت عنه الكثير من بيتر الذي كان , مع مجموعة من المديرين , يذهبون لتناول الغذاء فيه أحياناً أيام الآحاد.
قطع صوته عليها أفكارها.

- حسناً ؟ أعتقد أن لا اعتراض عندك على الإقامة في منزلي .
- أبداً .. هل يجب أن أحضر شيئاً خاصّاً .. ثياباً مثلاً ؟
- تبدين رائعة كما أنت بالنسبة لي , فارتدي ما ترتدينه عادة.
كان منزل ريفرسايد كما وصفه بيتر تماماً . يقع وسط مساحة كبيرة من الأراضي الريفية , وحوله قطعة أرض حُوّلت إلى مرجة تصل البيت بنهر جايمس. أما الأثاث , فعكس أثاث مكتبه إذ كلّه من الأثريات وهناك سجاد فارسي ومدفأة ذات طراز قديم.

بعد إفراغ قمر الليل ثيابها من الحقائب في خزانةٍ في غرفة نوم رائعة أعطيت لها, نزلت إلى المكتبة حيث كان جوك هانيز جالساً بانتظارها , وقال:
- لقد طلبت القهوة. ظننتك بحاجة إلى القليل بعد الرحلة.
شكرته وأخذت الفنجان , لكن ما كادت تجلس حتى بدأ بالإملاء .. يا له من رجل ! إنه يقوم بإيماءة كلّها تقدير, ثم يجعل من المستحيل عليها أن تستمتع بها.
كان في أوج اندفاعه عندما دخل الساقي ليعلن عن موعد الغداء. ومع أن الغداء كان لذيذاً, فإنه تناوله بنفاد صبر حتى يعود إلى عمله, وكان أن لم تجد ليليان الوقت لتتناول طعامها كلّه. وهما عائدان إلى المكتبة, التفت نحو الشرفة وقال :
- أخشى ألا تكون لديك فرصة للاستمتاع بالريف آنسة كامبل .. ولكنني حذّرتك بأن لديّ أعمالاً كثيرة.
- ولهذا أنا هنا.
- ومع ذلك لا سبب يحول دون أن نعمل في الحديقة .. اذهبي واحضري دفتر ملاحـظاتك.
عندما عادت وجدته جالساً في مقعد من الخيزران المجدول .. كان يوماً من أيام حزيران الرائعة والهواء مشبع بأريج الورود .. على بعد أمتارمنهما كانت أغصان شجرة الليلاك الأرجوانية الزهر الملتوية كأنها سيدة رشيقة تبعث بين الفينة والأخرى عطرها الممز.
- فِيمَ تفكرين بهذه الجدية ؟
وقطع سؤاله عليه أفكارها , فردّت بصراحة وهي متأثرة بما يحيط بها :
- كنت أتساءل لماذا تعمل بجهد هكذا , وأنت لا تحتاج إلى العمل .
- لأنني أستمتع بعملي , فإن وجدته مملاًّ أتقاعد فوراً .
- لا أتصورك تتقاعد .. فالتقاعد سيشعرك بالمزيد من الملل .
- هذا يدلّ على أنك لا تعرفينني جيداً. لدي هوايات عديدة.
- مثل ماذا ؟
- السباق , الطيران , التزلج ..
- كلها نشاطات .. ألا تفعل ما يجعلك تجلس بهدوء في البيت ؟
فكّر قليلاً :
- أحب الموسيقى.
- وأنا كذلك .. خاصة الصاخبة منها .
- حقاً؟ اعتقدت أن الموسيقى الصاخبة قوية عليك .. آه! أنا آسف .. إنه كلام فظّ يبدر مني .
هزّت كتفيها تخفي ابتسامة :
- أعرف أنني لا أبدو ممن يقدر الموسيقى الحديثة .. إنما عليك ألا تحكم بناء على المظاهر.
- أستحق هذا التأنيب .
وكمأنما قرّر أن ليس من الملائم المضي في الحديث الاجتماعي , لذا عاد إلى العمل ولم يتوقف إلاّ في الرابعة لاحتساء الشاي ولتناول بعض السندويشات والكايك المصنوع بالحليب الذي تنتجه مزرعته .
استمتعت ليليان بكل قضمة من الحلوى الكايك , ولم تلاحظ أن جوك كان يراقبها :
- أنت كالطفلة عندما تأكلين .. أنت تغرقين فعلاً في أكل الحلوى والكريما.
ردّت محتجّة :
- لكن السندويشات لم تكن من الحلوى . وهي مغذي جداً .. عليك تناول القليل منها على الأقل .
- لا تحاول معاملتي معاملة الأُم .
- إذن لا تلعب معي دور الأب .
فضحك لها :
- في هذه اللحظات , أحس بحنان أبوي نحوك .. تبدين صغيرة في السن وأنت تجلسين على العشب هنا .
- هذا لأنني أرتدي ملابس مُختلفة .
- بل أكثر من هذا , فأنا لم ألاحظ من قبل ما ترتدين على أي حال. حولك .. هالة مختلفة.
لم تستطع إنكار ابتهاجها , وخرجت سعادتها مع ضحكة مفاجئة :
- من السهل على المرء الاسترخاء في حديقة جميلة.
- أنا مسرور لأنك مستمتعة. على الأقل لن تمتعضي لتخلّيك عن عطلة الأسبوع.
أعادت الحديث بتصميم إلى المستوى العملي :
- هذا ما أتقاضى أجراً عليه.
وبعد هذا الحوار القصير عادا إلى العمل , ولم يتوقفا حتى عندما بدأت الشمس تغوص نحو الأفق .. كانت قمرا لليل أشعتها اللطيفة تزيد الظلال التي يرميها المنزل فوق المرجة عمقاً. ولم ينتبه أي منهما لمرور الوقت حتى تناهى إليهما صوت أجش , فرفعا بصرهما ليجدا رجلاً ممتلىء الجسم يخطو نحوهما , فصاح جوك :
- دوغلاس ! وصلت مبكراً.
- ولكن في الوقت المناسب لتناول المرطبات قبل العشاء.
ليتني أعرف كيف أقنع سكرتيرتي بالعمل معي في عطلات الأسبوع !
توقف للحظات تاركاً المجال لجوك بأن يقدمه رسمياً. فقام الأخير بالتعارف ذاكراً أن دوغلاس كيرانغ صديق قديم تعود صداقتهما إلى أيام الدراسة.
أدركت أن الرجلين ينظران إليها , فاستجمعت شجاعتها, وسمعت جوك يقترح عليها الاستراحة ساعة ثم تلاقيهما في المكتبة .. وافقت بكل احترام وواجب , فخلدت إلى غرفتها حيث استلقت في المغطس تستمتع بالماء الفاتر وتفكر بسعادة في الأمسية القادمة .. ليليان القبيحة على وشك التلاشي والتبدّد .. وسيستيقظ طائر الفينيق من بين رماده أكثر بهاء وأتمّ جمالاً ..
الليلة إما النجاح وإما الموت ونسف كل المستقبل ! إذن فهو لا يلاحظ الثياب التي تلبسها ؟ حسناً .. بعد ساعة من الآن سيبتلع كلماته !
أولاً .. هناك شعرها .. تنهدت تنهيدة حارة ثم رمت الدبابيس التي تمسك به في سلة المهملات وأطلقت الشلال الأحمر القاتم حراً .
وأخذت تمشطه حتى توهج لونه القاتم إزاء بشرتها الكريمية .. وبعد ذلك ركّزت بعناية " الماسكار " الزرقاء حول عينيها لتزيدهما زرقة. ثم جاء دور الثوب الذي التصقت ثناياه الناعمة بالقسم العلوي قدّها الرشيق , وانسلّت أجزاؤه الأخرى إلى الأسفل لتجعل خصرها أشدّ نحولاً. ثم أتى دور الحذاء العالي الكعبين والجورب الشفاف الذي أتمّ الصورة. شعرت وكأنها تحولت إلى أوزة بيضاء , فطارت حالمة تهبط الدرجات .
لقد بكّرت في الوصول .. ولكنها ستشعر بسعادة مضاعفة فيما لو كانت في المكتبة عندما يدخل جوك. على الأقل لن تضطر إلى تحمّل نظرته وهي تقطع الممر المغطّّى بالسجاد . استقرت قمر الليل بهدوء في مقعد ذي ذراعين .. واسترخت في عمق المقعد المريح .. وقد طغى عليها الإحساس بالتعب , فأغمضت عينيها , وتركت أفكارها تطوف , سعيدة بفترة الراحة قبل الفصل الأخير .
سمعت وقع أقدام قادمة من بعيد , فعادت إلى وعيها وفتحت عينيها متنهدة . كان جوك يقول باستنكار :
- سيتزوج سكرتيرته ؟ لا شك أن لا وسن جنّ.
كانت قمر الليل على وشك الوقوف لإظهار نفسها , لكنها بقيت جالسة وتابع جوك :
- الزواج إما من أجل الحب أو من أجل المال .. إنما لا يتمّ أبداً من أجل التقارب ! أعتقد أن هذا هو السبب الوحيد الذي يدفع الرجل للزواج بسكرتيرته .
ضحك دوغلاس :
- لم أكن أعرف أنك متعجرف هكذا.
- لست متعجرفاً , بل منطقي. قد تبدو الفتاة المثالية وهي في مكتبك تحميك من أشخاص لا تريد أن تراهم .. لكن ما إن تصبح في بيتك حتى تعطى الأوامر بدل تنفيذها , هذه قصة أخرى !
- لكن قد تكون باعثة على السعادة .
- أشك في هذا. على كل حال , أنا لا أرحب بالمرأة العاملة , ولا أستطيع الزواج بها .
- إن قلة من النساء لايعملن هذه الأيام .
- لا أعترض على أن تشغل الفتاة وقتها بعمل .. شرط ألا تنظر إلى عملها وكأنه أساس جوهري لحياتها .
- ما دمت لا تحب النساء العاملات , فلماذا تحيط نفسك بهن إذن ؟
- كنت أتكلم عن زوجة .. لا عن موظفة.
- لا أرى فرقاً. إن سكرتيرتك الشابة قد تناسبني في كلا الحالتين .
- من .. الآنسة كامبل ؟
- لا تبدي هذه الدهشة. إنها جميلة .. وأراهن أن فيها شعلة ما .. حمراوات الشعر هكذا هنّ دائماً.
- لم أكن أعرف أن شعرها أحمر , والآنسة كامبل فتاة حساسة عاقلة , وهي بالتأكيد ليس لها نظرة رومانسية نحوي .
- أود لو أعطيها بعض الاهتمام .. ما اسمها الأول ؟
تردّد جوك , وأحسّت ليليان بتردّده :
- اسمها يبدأ بحرف اللام .. أظنه ليلي أو لاسي .. تعال ندخل غرفة الجلوس لإلقاء نظرة على التمثال الخزفي الذي اشتريته , أظنني قمت بصفقة .
ما إن تلاشى وقع خطواتهما حتى نهضت ليليان من المقعد.
ليلي .. أو لاسي .. حقاً !
أرسلها الغضب راكضة إلى غرفتها .. أخيراً عرفت كيف ينظر إليها جوك هانيز .. امرأة قد تكون جارية عنده , أما أن تكون نداً له فهذا هو المستحيل .
خلعت حذاءها ركلاً وجلست إلى طاولة الزينة .. فحتى الأعمى قادر على رؤية أن شعرها احمر. تدفّقت الدموع من عينيها , فهرعت إلى الحمام لتغسل الماكياج عن وجهها , ثم فتّشت قمر الليل في سلة المهملات لتستعيد دبا بيس الشعر, ولتعيد تثبيت العقصة السابقة , ثم خلعت ثوبها الحريري
,وارتدت ثوباً من الكتان مرتفع الياقة أسود اللون , ربما كان عقلها الباطني عندما وضعتهة في الحقيبة يفكر في منع الكارثة.
كان لونه مناسباً للحزن على موت أُمّها.
حينما عادت إلى المكتبة وجدت الرجلين هناك .. تردّدت قليلاً قبل الدخول ثم تعجّبت قمر الليل من قوة إرادتها التي تتحمّل أن تنظر ثانية إلى وجه جوك هانيز .. كم سيكون دهشاً لو سمحت لعاطفتها بالتغلب عليها , وطبعت صفعة على وجهه الناعم الحليق.
قبلت بهدوء كأس العصير, وتقدمت تنظر إلى الأوراق التي وضعتها بنفسها فوق مكتبه .. فقال لها محتجّاً :
- إنسي العمل هذه الأمسية.
- كنت أتأكيد من أن كل شيء جاهز للغد.
قال دوغلاس ممازحاً :
- السكرتيرة الكاملة. ألا تنسين عملك أبداً ؟
- أنا مخلصة لعملي.
- لكنك صغيرة قليلاً على ذلك .. أليس كذلك ؟
- لا أظن. فالعمل أفضل ما يرضيني في الحياة.
أجفله ردّها , فالتفت إلى مضيفه , أما ليليان فنظرت إلى الظلمة بدأت تنتشر.
تلاعبت أثناء العشاء بطعامها , تحرّكه من جانب إلى آخر. حاول الرجلان عدة مرات جرّها إلى حديثهما , ولكنها تجنبت هذا , وما إن انتهت من احتساء القهوة , حتى ادّعت التعب لنذهب إلى غرفتها .
في الفراش , لم تستطع الحؤول دون انهمار الدموع.
كانت تبكي أحلامها الحمقاء والمستقبل القاتم . ما عرفته اليوم عن جوك كان وجهاً من وجوه شخصيته , ولكنه وجه حطّم قلبها. لا تزال تحبه , وتعرف أنها لن تتوقف عن حبه .. ويجب أن تجد عذراً للرحيل لأنها حينئذٍ فقط قد تأمل باستعادة حياتها العادية.
أمضت ليليان بهدوء عجيب اليوم التالي .. مع أنها كانت مخدّرة الحسّ من التعب عندما صعدت إلى القطارة لتعود إلى المدينة في الساعة السادسة من ذلك اليوم.
صباح الاثنين , حيّت جوك في مكتبه وجلست أمامه وهو يعمل , لكنها وجدت صعوبة في التصديق أن الحديث الذي سمعته منه قد جرى فعلاً ..
سألها فجأة :
- ألا تشعرين بأنك بخير ؟ كنت صامتة طوال اليوم.
أنقذها الهاتف من الردّ برنينه , وكانت مكالمة من لندن , فتركته يتحدّث وخرجت .
أرسله القدر العطوف في رحلة إلى لندن في الأيام التالية .. ولأنها كرهت قضاء أمسياتها بمفردها خرجت مع بيتر الذي علق على حالتها , وهما يتناولان العشاء :

- تبدين متكدّرة .. ولا شكّ أن السبب اضطرارك إلى التنكّر نهاراً.
- أشعر فعلاً بالتكدّر.
- انهي هذه المهزلة , وعودي إلى طبيعتك !
- هذا ما سأفعله. أريد تغييراً كاملاً .. وأفضّله في الخارج.
- قرار مفاجىء .. لكن إن كنت جادة فقد أستطيع المساعدة .. إن إحدى زبونات الشركة وهي صاحبة محل أزياء مسافرة , بحاجة إلى سكرتيرة لمدة سنة , إنها السيدة بارف الأرملة. كان زوجها صاحب محل أزياء , وهي الآن تتابع عمله , ولكن بطريقة أخرى تعتمد على السفر.
- أهي أليزبيت بارف ؟
- تماماً.
- إذن هذه هي الوظيفة المناسبة .. سأذهب لرؤيتها.
كانت ليليان في الأمسية التالية تجلس قبالة السيدة بارف في غرفة جلوس أنيقة في منزلها. مضت قمر الليل ساعة من الحديث العذب قبل أن تدرك ليليان أنهما لم تبحثا سبب مجيئها إلى هنا ..
قالت المرأة وكأنها تقرأ أفكار ليليان :
- يعرف المرء عن الإنسان الكثير بالتحدّث إليه , لا أحتاج إلى طرح أي سؤال لأعرف أنك الشخص الذي أبحث عنه , كما أن بيتر قال إنك ممتازة .
ضحكت ليليان :
- إنه متسرّع بأحكامه.
- ما دمت تملكين من الذكاء ما خوّلك العمل عند هانيز , فهذا يعني أنك أكثر من مناسبة لي . لكن العمل لي لن يكون مثيراً كعملك هذا.
- أود أن أسافر .. فالسفر سبب رغبتي في تركه . قال بيتر إنك مسافرة.
- إلى كيزون في الواقع.
- الفيليبين ؟
- أجل .. إنها بلاد رائعة.
عضّت ليليان شفتها .. لكن لا سبب يدفعها للخوف من الذهاب إلى هناك , وانزعجت لأن ذكرى كوني ماولنغ جعلتها متردّدة.
أردفت المرأة :
- قال بيتر إنك مصورة جيدة .. وقد نضطر إلى التقاط بعض الصور للأزياء والعارضات.
- لكنني لم أحلم من قبل بأمر كهذا , فأنا مجر هاوية.
- كنت هاوي حتى صممت أول زي ! ألديك صور أشاهدها ؟
فتحت ليليان حقيبتها وأخرجت بعض الصور:
- كنت في طريقي إلى معهد التصوير, ولهذا حملتها معي.
نظرت السيدة بارف إلى الصور .. كانت تظهر ثلاثة مناظر لميناء ريتشموند من ثلاث زوايا مختلفة :
- إنها ممتازة .. لو استطعت التكيف مع كوزون كما فعلت هنا. عليك بكل بساطة مرافقتي. لن أدعك تتخلين عني !
- ولكنني مضطرة إلى إعطاء شهر إنذار لترك العمل .. وقد يطلب السيد هانيز مدة أطول.
- لا يمكنك إعطاءه المزيد ! سأتحدث إليه .. فلا تقلقي. لن يقطع رأسي .. أعرفه منذ طفولته.
عندما غادرت ليليان منزل المرأة كانت قد قبلت الوظيفة بحزم .. ولم يكن يكدر سعادتها بقبولها إلا اضطرارها أن تقول لجوك إنها ستتركه .. لكنها مضطرة إلى كبح توترها حتى يعود من لندن نهاية الأسبوع.
لكن واقع مواجهتها له كانت أقسى مما قادها خيالها إليه, فقد تفوّه بكلام ممطوط قبل أن تنهي كلامها.
- إن كنت تريدين المزيد من المال, فما من مشكلة.
- ليس لهذا علاقة بالمال .. أريد أسافر فقط.
- وماذا عن شقيقك؟ طالما أعطيت انطباعاَ بأنك متعلقة به.
ومن غيره قد يضرب على الوتر الحسّاس الذي يزيد من تكدّرها؟
ردّت عليه :
- أنا متعلقة به فعلاً كثيراً. ولهذا من الأفضل أن أبتعد عنه لسنة .. وحين يترك الجامعة أكون قد عدت.
انفجر غاضباً :
- لا تستطيعين الذهاب ! ما كنت لأقبل بك لو عرفت أنك ستتركينني بهذه السرعة.
- أعمل عندك منذ تسعة أشهر.
- هذا لاشيء! ولوكانت تسع سنوات لفهمت حاجتك إلى التغيير.
جعلها الغضب من افتراضه بأن عالمها يجب أن يرتكز عليه تتخطى حاجز التحفظ :
- لي حياتي الخاصة سيد هانيز .. لا أجدني مستمتعة بحياتي وأنا أعمل عندك.
- إن كان الأمر يتعلق بالعمل الإضافي..
- لا علاقة للأمر به, أريد وظيفة أعامل فيها كبشر, لا ككومبيوتر! واسمي ليس ليلي أو لاسي .. بل ليليان .. شعري أحمر.. هذان أمران بديهيان يجب أن يعرفهما ربّ العمل بعد تسعة أيام لا بعد تسعة أشهر!
كان الصمت حاداً, وأحسّت ليليان ببشرتها تقشعر خجلاً .. ولكن الوقت فات , وأخذت قمر الليل العينان الرماديتان تنظران إليها بخبث وحقد :
- لم أعرف أن استراق السمع من خصائصك !
- كانت صدفة. دخلت إلى المكتبة قبلكما وغفوت على المقعد, وعندما استيقظت كنت والسيد كيرانيغ تتحدثان.
- وهكذا .. أصغيت؟
- كان هذا أقلّ إحراجاً من إبلاغك بأنني موجودة.
- لكنك تبلغينني بذلك الآن.
- لم أشأ ذلك .. ولكنك استفززتني ففقدت أعصابي.
- لم أكن أعرف أن لك طبعاً .. فطالما أعطيتني انطباعاً .. كنت سأقول هادئة وكفؤه .. ولكنني لو قلتهما لا عتبرت كلامي إهانة!
وابتسم :
- هيا الآن آنسة كامبل .. أنا واثق من قدرتك على نسيان كل هذا. لماذا لا تأخذين بضعة أيام إجازة و...
لن أغيّر رأيي سيد هانيز .. أودّ ترك العمل في نهاية شهر آب.
كان هدوء صوتها مقنعاً أكثر من كلماتها, فتلاشى الدفء من وجهه وسارعت تقول :
- أنا واثقة من أنك ستجد الآنسة بروك بديلاً كفؤاً.

هزّ كتفيه :
- إن كان هذا ما تظنين .. سأتركك تقومين بالترتيبات اللازمة.
فيما هي خارجة ناداها :
- آنسة كامبل .. لم ألحظ لون شعرك بسبب الطريقة التي تربطينه بها .. لكنه ليس أحمر .. إنه بني محمر.
صدمتها قمر الليل كلماته وكأنه وجّه لها ضربة .. فقد ذكرتها كلماته بوالدها الذي لم يستخدم أحد سواه هذا الوصف لشعرها .. وسماعها جوك الرجل الذي تحبه والذي ينظر إليها كاّلة أمر لم تستطع احتماله .. فغشيت الدموع عينيها وهربت راكضة.
اتّصلت صباح اليوم التالي بأخيها في الجامعة , وقالت شارحة :
- عرضت عليّ وظيفة في الفيليبين مدة , ولست واثقة إن كان يجب أن أقبل بها.
- مجنونة إن رفضتها.
- لكنها بلاد بعيدة.
- إن حدث شيء فأنا قادر على الوصول إليك في أربع وعشرين ساعة.
شهقت ضاحكة .. من السخرية أن يسيء تود الحكم على أسباب تردّدها. وما إن اتنهى قلقها على تود حتى عادت مشكلة جوك تستحوذ على أفكارها..
في الصباح التالي علمت من الآنسة بروك أنه عاد إلى السفر فجأة إلى لندن. وأنه سيعود بعد أسبوع, يوم الاثنين التالي على أبعد تقدير. لكن الأسبوع امتدّ أسبوعين ثم ثلاثة. ووصل موعد رحيل ليليان قبل أن يعود .. علمت أن من الأفضل لها ألاّ تراه , ولكن هذه الفكرة جلبت الدموع إلى عينيها.
كالعادة كان بيتر هو اليد التي تبهجا دوماً , فعندما وصلت إلى الرصيف رأته وراءها يقود سيارته الصغيرة :
- فكرت قمر الليل في تناول العشاء معاً, فالله وحده يعرف متى أراك ثانية.
- لن أغيب أكثر من سنة!
- وهذا وقت كاف للزواج برجل فيليبيني.
لم تستطع سوى الضحك على الفكرة. استمرّ في مزاجه حتى لم يترك لها مجالاً للتفكير في شيء آخر. عندما أوصلها إلى باب شقتها في وقت متأخرمن تلك الليلة بدأت التفكير مجدّدا في مستقبلها, إنما بخوف أقلّ, قانعة بأنها تفعل أفضل ما بوسعها في الظرف الراهن.
الهروب جبن .. ولكن في مثل حالتها .. إنه الحل الوحيد المنطقي!


lola @ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-04-10, 03:36 PM   #5

lola @
 
الصورة الرمزية lola @

? العضوٌ??? » 108977
?  التسِجيلٌ » Feb 2010
? مشَارَ?اتْي » 3,648
?  نُقآطِيْ » lola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond repute
افتراضي



4- رجل واحد فقط




نقلت أربع عشرة ساعة من الطيران فوق المحيط الهادىء ليليان من بداية الخريف في جورجيا على ساحل الأطلسي , إلى مطار كوزون أكبر مدينة على جزيرة لوزون أهم جزر أرخبيل الفليبيبن0
كانت آثار التقدم البنياني موجودة في كل مكان. بدا الضجيج والنشاط الصاخب وكأنه يزيد من حرارة الإسفلت. حيّرها ما تراه للوهلة الأولى , فقد اصطفت صفوف طويلة من الناس أمام مركز الجوازات بانتظار المرور حيث يجري التدقيق بهوية كل مسافر على حدى , وكأنه إرهابي خاطف أو عميل سري. والحشود تتدافع وتتجادل للحصول على حقائبها, والمرتزقة يلحقون بها وكأنهم كلاب جائعة عارضين التاكسيات والفنادق والخدمات الأخرى.
وقفت ليليان التزاماً بتعليمات السيدة بارف قرب المدخل الرئيسي حيث حيّاها رجل في ثيات السائق الرسمية, شرح لها بابتسامة أنه ***** أرسل لمرافقة " سيدة أميركية حمراء الشعر " .
عرّف عن نفسه ذاكراً أن اسمه تشانغ لي. ثم راح يتحدّث بلا انقطاع وهو يقود السيارة اليابانية الفخمة باتجاه المدينة. لم تعط هذه الطريق كمعظم الطرقات القادمة من المطارات , سوى فكرة مختصرة عما يقع بعدها. فقد كان معظم من مرّت بهم يرتدون الثياب الأوروبية.. فالفتيات في الجينز. ولولا عيونهنّ المتّجهة إلى الأعلى,وشعورهن السوداء الطويلة لما عرفت أنهنّ شرقيات.. فجأة التقت عن بعد براهب بوذي, روبه الزعفراني اللون يلمع كالفوسفور, فأحسّت فعلاً بأنها على أرض غريبة.
أعلمها تشانغ :
- يصبح معظم الشبّان رهباناً مدة ثلاثة أشهر قبل الزواج وبعضهم مدة سنة. إنها الطريقة الوحيدة لتعلم تعاليم بوذا.
- وهل كنت راهباً؟
- أجل .. لمدة سنة.
بعدما بدا لها قيادة لانهاية لها بين الزحام والشوارع المكتظّة , وصلت السيارة إلى شارع سكني , هو مزيج من ناطحات سحاب ومبانى مؤلفة من طابقين أو أكثر تحتها محلات تشبه الأسواق ،فوق المحلات مكاتب. الشارع, كما يبدو,هو أحد الشوارع الرئيسية,عرضه يكفي لمرور ستّة صفوف من السيارات في آنٍ واحد. وكانت المباني في هذه المنطقة حديثة, مزيّنة بألواح الإعلانات المكتوبة , بلغة غريبة.
أدخل تشانغ لي السيارة ما بين دفّتي بوابة خشبية, ثم عبر ممراً مرصوفاً بالحصى, تحده مرجات عريضة تقطعها أشجار النخيل المروحية الأغصان. في آخر الممر,وقف منزل أكبر بكثير مما توقعته ليليان, صحيح أنه غير مبني على ركائز مرتفعة عن الأرض, إلا أنه على الطراز المحلي القديم, له سقف مستدير مدبّب, وشرفات واسعة.
كانت السيدة بارف بانتظارها عند درجات المدخل, فرحّبت بها بحرارة حتى أحسّت ليليان وكأنها ابنتها التي عادت إلى المنزل,لا كأنها موظفة تصل لتستلم عملها. قادتها إلى داخل المنزل الذي بدا خشبه الداخلي قاتماً وبارد الجوّ بوجود المكيف,ثم أوصلتها سلمات عدة من خشب السنديان إلى غرف النوم.. كان هناك أربعة أجنحة. أدخلها إلى الجناح الأخير في الممر.
أخذت السيدة تشرح لها وهي تفتح الباب:
- لكل غرفة حمامها. لقدجدّد المنزل رجل أميركي كان يملكه, وهكذا استطاعت وكالة التأجير أن تضمن التمديدات الصحية فيه!
- لم أتوقع مثل الفخامة.. ولا أصدق أنني سأعمل هنا.
- ستغيرين رأيك حينما نبدأ العمل.. فأنا قاسية عندما أباشر بالعمل.
- هل المدينة حاّرة هكذا دائماً؟
- كانت أسوأ من هذا منذ شهر. نحن في منتصف موسم الأمطار الموسمية الآن.. لكن ما إن يحل تشرين الثاني حتى يبرد الجوّ قليلا.
ضحكت ليليان:
- لابأس في هذا, فالحرارة لا تزعجني.
- لكنك قد تجدين الرطوبة مزعجة, فهي أسوأ من أي شيء آخر.
- هذا ما أراه.
مدّت قمر الليل يدها إلى فمها تتثاءب:
- آسفة.. ولكنني أعاني من دوار الطيران.
- لا يدهشتي ذلك, سأرسل لك القهوة,ثم بعد ذلك استريحي.
- بل أفضل المقاومة فإن نمت الآن, فسأتأخر في التعوّد على التوقيت والروتين المحلي.
مرّ اليوم بشكل ضبابي,مع أنها تتذكر أنها استكشفت المنزل, والتقت الخدم الذين يبلغ عددهم ستة..وتفحصت آلة الطباعة الالكرونية الجديدة في غرفة الجلوس المفروشة بأثاث رفيع الذوق.
قالت لها السيدة:
- هناك حياة اجتماعية ناشطة هنا..أنا أعرف معظم أفراد الجالية الأميركية,وبعضاً من الجالية الأوروبية لذلك لا حاجة بك إلى القلق من الوحدة.
ردّت ليليان:
- إنماجئت إلى هنا بغية العمل.
- ولكن ليس طوال الوقت..أنت الأجمل من أن تقضي يومك كلّه بالعمل.
- لااظن ان هناك نقصاص في الجميلات هنا..فمن رأيتهن حتى الآن كلهن جميلات.
- صحيح أن الفيليبينات جميلات,لكنهن لن يؤثرن فيك,فسيجلب لون بشرتك الاهتمام دائماً.
فكّرت ليليان عن غير توقع كيف أن هذا اللون لم يجذب اهتمام جوك هانيز, لكنها بسرعة أجبرت أفكارها على الاتجاه في اتجاه آخر. إنها الآن في جزء آخر إنها الآن في جزء آخر من العالم وستتبع طريقة مختلفة في الحياة.. ولن تترك لنفسها المجال لتفكرفي الماضي.
بعد عشرة أيام من وصولها, خرجت ليليان إلى الشرفة, فرات رزمة كبيرة أمام صحنها, وعليها اسمها..فتحتها حائرة, فوجدت كاميرا من أحدث طراز مع عدة عدسات إضافية. كانت تتأملها متسائلة عما إذا كان في الأمر خطأ ما عندما انضمّت إليها السيدة بارف.
- هل أعجبتك هديتك ليليان؟
- إنها رائعة..لكن ثمنها.. لا لزوم لك..
- لم أدفع ثمنها..إنها من جوك.. اتصل بي من لندن وطلب مني أن أشتري لك هدية اعتقد أنها تعجبك.
تبخّرت سعادة ليليان..إنها عادته في القيام بلفتة كريمة,ثم يطلب من غيره تقديمها عنه. وكم كانت الهدية ستكون ذات قيمة مضاعفة فيما لو وجد الوقت الكافي لشرائها بنفسه,والأنكى أنه لم يرسل مع الهدية رسالة !
كأنما السيدة بارف عرفت بما تفكر فيه ليليان..فأخرجت من جيبها مغلفاً:
- كما طلب مني أن أعطيك هذه.أرسلها إليّ لأنه يريدك أن تستلميها في الوقت نفسه مع الهدية.
أخذت قمر الليل الرسالة بيد ثابتة,وأخرجت ورقة واحدة..كاد قلبها يقفز لرؤية الكتابة المألوفة لها:
" بما أنك تعتقدين أن لي عينين لاأرى بهما..فأنا على الأرجح بحاجة إلى هذه العدسات أكثر منك! ولكنني واثق من أنك قادرة على استخدامها أكثر مني,وأتمنى أن تستخدميها أكثر في عملك الجديد أوبما قد يثبت أنه مهنة جديدة.
جوك هانيز "
الرسالة صورة مثالية عنه فيها ذكاء ومرح واعتذار. وهذا ما بدا واضحاً .. فجهدت لئلا تبكي ..
قالت السيدة بارف لها:
- أعتقد أنك ستخرجين لا ستخدامها؟
- أبداً.
- يا لك من كاذبة ! في كل الأحوال, أنا أتوق إلى رؤية ما قد تصنعين بها. ولا تنسي أن لدينا عروضاً بحاجة للتصوير.
- ما ظننتك تعنين ماقلت بهذا الصدد.
- لا أقول ما لا أعنيه,على الأقل في ما يتعلق بالعمل. لكنني عادة اجتماعية مزيفة! لا ياعزيزتي..أخرجي ما شاء لك ذلك واستمتعي. تذكري أنني أذنت لك بالخروج.
اصرّت السيدة على أن يرافقها تشانغ بالسيارة:
- أنت لا تعرفين اللغة المحلية. لاأريد أن تتجولي في الأزقّة بمفردك.
انشغلت طوال الصباح بالتقاط صور لمناظر مختلفة. كان القسم القسم من المدينة على الرغم من الفقر والازدحام نظيفاً ومرتبا.
دفعها مطر مباغت في الصباح للهرب طلباً لملجأ في أحد المنازل الذي كانت تصوّره. كان ذا طابقين, الأول غرفة كبيرة وشرفة واسعة حيث تطبخ العائلة وتعيش فيها نهارها. والثاني يحتوي على جناج النوم: غرفتان عاريتا إلا من بساط وفراش رفيع للنوم.
تدير المنزل الجدة التي قصّت شعرها قصيراً .. عندما توقف المطر انطلقت وتشانغ في طريقهما , فسألته لماذا تقصّ النساء المسنّات شعورهنّ هكذا , فأجاب :
- إنها إشارة إلى أنهنّ يعرفين بأنهن لم يعدن جذّابات .. لكن جدتي لم تقصّ شعرها هكذا حتى بلغت الثمانين !

ضحكت ليليان , ولم تعلّق .
قالت : أعتقد أنني سأبقى في الخارج طوال بعد الظهر , فهل لديك أي اقتراحات ؟
- زيارة معبد الغجر .. إنه مقصد السياح .
كان الطقس حاراً جداً عندما شاهدته ليليان للمرة الأولى . يرتفع مئتين وخمسين قدماً على منبسط من الأرض يطلّ على المدينة القديمة .. لقمّته المدببة العظيمة أربع قباب,وكل جهة من جهاتها المربعة الأربعة مغطاة بالموزاييك الملوّن .. وكأنما ألوف الصحون الخزفية حطّمت قصداً لتستخدم قطعها في تزيين السقوف .. صحيح أنه كان بدائياً فجّاً,ولكنه بشكل إجمالي رائع يبهج النظر .
ما إن انتهت من تصوير المعبد من الداخل حتى اتجهت لتصوير الحياة التي تدور حوله : الأكشاك المنتشرة حول قاعدته التي يتصايح مالكوها للفت اهتمام السيّاح إلى ما يعرضون من صناعات نحاسية وقبعات وبطاقات بريدية وحلى من الفضة المخرمة , والخرز الملوّن .. لكنها رفضت بحزم أن يغريها أحد بالشراء, فأمامها سنة أخرى وتستطع الانتظار .
بعدما استخدمت قمر الليل فيلمين كاملين,عادت إلى المنزل وقد تضاعف إحساسها بالذنب لبقائها طويلاً في الخارج. ما إن شاهدت السيدة تنتظر على الشرفة حتى قالت بسرعة :
- لم أدرك كم يمرّ الوقت بسرعة .
ابتسمت السيدة :
- جلست أنتظرك .. فالطقس حار في الخارج . تناولي بعض العصير البارد الذي سينعشك قليلاً.
تناولته قمر الليل منها شاكرة , ومنعت نفسها من ابتلاعه دفعة واحدة من فرط عطشها .
تابعت المرأة :
- أعط الأفلام إلى تشانغ لي .. سيظهّرها لك بسرعة .
- لكنها ملوّنة .. ألن تأخذ وقتاً طويلاً ؟
- ليس إن عرفت إلى أين تأخذينها وتشانغ يعرف .. هذا أحد الأسباب التي دفتني إلى توظيفه .
ضحكت ليليان , فهذا وجه من وجوه هذه البلاد : المعرفة بأن الأشياء تتمّ سريعاً إن دفع المرء الثمن المناسب , للشخص المناسب .
أردفت السيدة بارف :
- البلاد هنا فقير , ولا يمكن زيادة دخلها إلا بزيادة الصناعة .. وهذا يقتضي المال الكثير والوقت الطويل .
- ألا يمكن أن يحصلوا على استثمارات خارجية ؟
- يجب أن تسألي جوك في هذا .. سيرأس بعثة تجارية رسمية تصل إلى هنا بعد أسابيع .. أخبرني ذلك السفير الأميركي ليلة أمس .
أحسّت ليليان بالانزعاج للمشاعر التي ثارت في داخلها , فهل يهم أين يكون جوك ؟ في أميركا أو أوروبا أو الشرق الأقصى ما دام لا يعيش في عالمها .. وإن أرادت راحة البال فعليها أن تتذكر ذلك جيداً.
- لم أكن أعرف أنه يهتم بالسياسة أو التجارة .
- إنه لا يهتمّ بها , لكن طلب منه هذا بسبب صداقته مع الجنرال رامولس , الذي يرأس الوفد الفيليبيني .
- يبدو لي الموقف دقيقاً .

- صحيح , لذلك ترين أن جوك في مركز حساس ! إنه ذكي فيما يتعلق بالأمور المالية , وسيجد طريقة لإقناع صديقه أن سوق أمريكا هو أفضل سوق أمامهم.
- أنا واثقة من نجاحه , فهو يعيش ليحقق النجاح فقط .
- لا يمكن لومه .. أصيب بصدمة كبيرة في طفولته .
- بسبب موت أمه ؟ سمعت أنها التقطت عدوى قاتلة ..
- لقد مات بالنسبة لزوجها وطفلها قبل التقاطها بوقت طويل .. سأخبرك بالقصة , فلا ضرورة للسرية ما دمت لا تعملين عنده الآن .. كانت جويس إنكليزية جميلة , ذكية . كانت عالمة أحياء تعمل في أميركا عندما التقاها دايفيد والد جوك . بعد سنة من زواجهما ولد جوك , أمل دافيد أن تكون له المضيفة الاجتماعية الكبيرة , ولكنها كانت تكره هذه الحياة , وعندما أصبح جوك في السنة الأولى من عمره , عادت إلى العمل . لم يتعرض زوجها ما دام عملها في أميركا . ولكنه غضب حينما بدأت تسافر إلى الخارج وأحسّ أن لا زوجة له وأن جوك لا أمّ له . كانت في رحلة أبحاث في أفريقيا حين التقطت " فيروساً " قتلها , وأحس دايفيد بمرارة كبرى لموتها .
- لا يمكنه لومها لأنها ماتت .
- لكنه أحسّ أن هذا ما كان ليحدث لو أنها فضّلته وابنها على عملها . بعد موتها أحاط نفسه بنساء جميلات عديمات التفكير لكنه لم ينسَ جويس , وهذا ما جعله يحسّ بمرارة مضاعفة . قد تتصوّرين كم أثر كل هذا في جوك . لقد تربّى على أن مكان المرأة هو بيتها , وأن معيشتها وقف على سيدها الرجل !
- أعرف هذا .. لكن ألم يتزوج في ما بعد ؟
- إنه يخاف الزواج , ولا يُلام على ذلك , فقد شاهد تعاسة أبويه.
لم تقتنع ليليان بكل هذا التبرير لتصرفاته .. ألم يدرك يوماً أنه لن يكون سعيداً مع إنسانة عديمة الذكاء ؟ وماذا سيكون عليه مستقبله ؟
حيّرها السؤال وهي مستلقية تلك الليلة في فراشها .
هل سيتزوج في النهاية من فتاة لمجرّد حاجته إلى مضيفة لمنزله الجميل , وأم لأطفاله , تقبل ببساطة أنها لن تكون رفيقة له في أفكاره ؟أم أنه وبسبب تصميمه على عدم التورط،سيظل أعزب قانعاً بعلاقات عابرة؟
رمت بقلق الغطاء عنها , وتقدمت نحو النافذة .. كانت الحديقة مدثرة بالظلمة , ولكنها من وراء سور الجدار البعيد لمحت أنوار السيارات العابرة . كالعادة كانت النوافذ مغلقة لمنع الحرارة من الدخول إلى المنزل المبرد بالمكيف , فأراحت جبينها على الزجاج , وكأنما برودته قد تريح بعضاً من حرارة أفكارها .
لقد مرّ شهران منذ وصولها إلى هنا .. وثلاثة أشهر منذ رأت جوك لآخر مرة .. مع ذلك لم تستطع نسيانه أكثر من آخر مرة كانت فيها معه .. والآن .. ولكي تصبح مهمة النسيان أصعب ها هو قادم إلى الفيليبين.
بعد أسبوع انفجر الطقس في أمطار موسمية حادة , وارتفعت البرودة أمام تراجع الحرارة والرطوبة .. وعلى حين غرّة هجم الشتاء إلى أجواء الفليبين , وهذا أجمل وقت في السنة , حيث الأيام فيه دافئة بلا حر , وباردة بلا برد . أما السماء فيه فزرقاء والشمس لمّاعة وكأنها ميدالية ذهبية .


قالت السيدة بارف لليليان , وهما جالستان في الحديقة تنظران إلى بعض الصور التي التقطتها ليليان :
- لا يمكنك الاستمرار في العمل كسكرتيرة .. يجب أن تستخدمي موهبتك في التصوير .
ضحكت ليليان :
- لو استمررت في إطرائي , لظننت أنك تريدين الخلاص مني !
ردّت السيدة زاجرة :
- تعرفين جيداً أن هذا غير صحيح .. ولكن حينما أنشر الصور التي التقطها للأزياء التي أصمّمها هنا , فستهطل عليك العروض , بل قد يُطلب إليك تنفيذ عقود خاصة للتصوير .. فكاميرتك تتحدث عنك وعن نفسها .
ما أروع أن تعمل لحسابها الخاص , لتصور ما تريد وكيفما تريد وبالطريقة التي تريد ..
ضحكت السيدة :
- أرى أنك معجبة باقتراحي , فلماذا لا تبدأين العمل لحسابك منذ الآن ؟ فلست بحاجة للعمل لي طوال الوقت .. فاخرجي بمفردك مع كاميرتك ! لقد حان الوقت للاختلاط مع أشخاص في مثل عمرك .. فلست بحاجة إلى عمل بمقدار حاجتك إلى رجل !
لا .. ليس إلى رجل , أي رجل , بل إلى واحد فقط .. جوك !
وبما أنها لن تحصل عليه فلن تقبل بأحد .


lola @ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-04-10, 03:40 PM   #6

lola @
 
الصورة الرمزية lola @

? العضوٌ??? » 108977
?  التسِجيلٌ » Feb 2010
? مشَارَ?اتْي » 3,648
?  نُقآطِيْ » lola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond repute
افتراضي


5- للقدر رأي آخر

بدأت السيدة بارف العازمة على تنفيذ بتنظيم حياة ليليان الاجتماعية .. فكان أن امتلأ المنزل بالناس ليلة بعد ليلة .
بدت لها البلاد نقطة وصل بين الشرق والغرب , والعكس صحيح .
هكذا كانت مدينة كوزون محط رحال الجميع في تنقّلاتهم على هذه الطريق .. عجَّ المنزل بالسياسيين ورجال الأعمال , والكتاب, والأساتذة الكبار, والدبلوماسيين .
كانت قمر الليل حذرة في التعامل مع نساء الفيليبين والسبب كوني ماولنغ المثال الوحيد عنهنّ .
لكن من تعرّفت إليهن كن دافئات لطيفات حتى وجدت من السهولة مصادقتهن .. لقد حكم الرجال هذه البلاد منذ مئات السنوات , ولكن بعدما ترأست السلطة امرأة اندفعت الفيليبنيات إلى العمل والبروز , فكان أن تعملمن كيف يستخدمن حريتهن الجديدة , وكيف يدرن المصانع والمحلات ويعملن في مهن تتطلب البراعة العالية بدون خسارة أنوثتهن .
لم تكن ليليان تفتقر إلى اهتمام الرجال بها في ريتشموند , ومع ذلك انتشت بالتأثير الذي أحدثته هنا في كوزون .
قال لها أحد الدبلوماسيين الأميركيين :
- إنه لون بشرتك عزيزتي .. الفتيات هنا ساحرات , لكن المرء يسأم من الشعر الأسود طوال الوقت !
- هذا صحيح !
جعل صوت عذب منخفض ليليان تلتفت لترى رجلاً طوله أقل من الطول المتوسط بقليل , شعره الأسود يعلن جنسيته ..
صاح الدبلوماسي :
- لوك ! لم أرك منذ زمن بعيد .
- كنت مسافراً .
ونظر عمداً إلى ليليان ليشير إلى الرجل بالمباشرة بالتعارف .
- ليليان , أريد أن تقابلي المايجور تشوك .. وهو معروف باسم لوك عند أصدقائه . أنا واثق من أنه يريد أن تكوني صديقة !
ابتسلمت ليليان للمايجور :
- أكنت مسافراً في مناورات روتينية ؟
ضحك وهزّ رأسه :
- لم أعد في الجيش آنسة كامبل .. أنا الآن عضو في الحكومة .
قال الأميركي :
- يحتفظ أهل البلاد هنا بلقبهم العسكري .إنهم يحبون الأقارب .
سرعان ما انسحب الدبلوماسي تاركاً ليليان مع المايجور الذي قال بسرعة :
- هكذا أفضل .. فكرت طوال الأمسية بطريقة ما أصل فيها إليك .
- وماذا تفعل في الحكومة ؟
- أعمل في وزارة التجارة , إنما لنتكلم عنك أولاً .. فهذا أكثر إثارة للاهتمام .. لمكان صاخب .. أتمانعين لو تمشينا في الحديقة ؟
- نعم إن ضمنت لي ألا يعضني شيء .. فبعوضكم أشدّ البعوض نهماً في العالم !
- وهي تعضّنا كذلك ..
تمشيا ببطء فوق المرج , فراحت تنظاهر بالاهتمام بما يقول ولكنها وجدت نفسها بعد قليل مستغرقة مأخوذة بحديثه .. تلقى تعليمه في بلاده , وسافر إلى لندن ليحصل على درجة من جامعة أوكسفورد , ثم عاد إلى بلاده حيث أصبح عسكرياً بناء على إصرار والده .
- أردت أن أصبح عالماً اقتصادياً وأغضبتني العودة . لم يكن لدي فكرة أنني سأبقى طوال عمري وأنا أقود الدوريات ضدّ الثوار !
- ومع ذلك أطعت والدك ؟
- هذا واجبي .
- في الغرب لا نجد ضرورة في إطاعة كبار السن منّا .
- هذه خسارة لكم . فالحكمة تأتي من الخبرة , والخبرة لا تأتي إلاّ مع تقدم السن .
- ليس دائماً بالضرورة .
- على وجه العموم ..
- لكن التعميم قد يكون خطراً !
ضحك : " أنت تتلاعبين بالكلمات ليليان .. هل لي أن أدعوك ليليان ؟ "
هزّت رأسها موافقة , فتابع :
- هل أنت قريبة للسيدة بارف ؟

- سكرتيرتها .. ولكنها تعاملني كابنتها .
- إنها امرأة رائعة .. أميركية أصيلة.
- وماذا يفترض بهذا أن يعني ؟
- إنها تصمّم على الحصول على ما تريد من الحياة .. الأوروبيات أكثر تساهلاً في نضالهن .. الآن أنا أعمّم .. ستحتجين ثانية !
فابتسمت :
- أفعل هذا بالنسبة لنساء بلادك مايجور .
- ناديني لوك .. أظن أن نساء بلادي مخمليات الملمس حديديات الإرادة . ولهذا لم أتزوج حتى الآن .
تنهد .. ثم أضاف :
- إن عدم زواجي مصدر الجدال الدائم بيني وبين أبي .. معظم من في مثل عمري متزوجون ولهم عائلة .
- لا أظن أنه من الصعب عليك أن تجد فتاة " كلها مخمل " !
- قد يكون هذا مضجراً ! أترين؟ أريد الأفضل في العالم .. المخمل بلمسة فولاذ ! وأظن أنني وجدتها الآن .
جعلها صوته المنخفض الأجشّ تدرك أنها بمفردها معه في الظلام , فحاولت إبقاء الحديث عادياً مملاًً .
- ما نوع السياسة الاقتصادية التي تهتم بها مايجور ؟
- لوك .. أتعامل مع الاستثمارات الأجنبية .. في الصناعة و الزراعة..ولكن الزراعة هي أقل نتيجة، وإذا رغبنا في التقدم هنا يجب أن نستخدم القوى العاملة في اعمال انتاجية.
- أيمكنكم فعل هذا ؟
- ليس بمفردنا .. علينا الحصول على دعم مالي .
- من الشرق أم الغرب ؟
- ولماذا نتطلع إلى الشرق ؟
- بسبب الصين التي ستكون سوقاً مهمة لإنتاجكم .
- ترغب حكومتي في علاقات مع أميركا , وهذا ما نفعله منذ الحرب العالمية الأخيرة .. ولولا اتفاق رأيي مع رأي الجنرال لما عملت معه .
- أتعرف ***** الجنرال ؟
- بالطبع فأنا أعمل معه .. أتعرفينه ؟
- لا .. بل يعرفه رجل عملت عنده , وهو صناعي أميركي .
- أتشيرين إلى جوك هانيز ؟
- أجل .
- لا شك أنك تتوقين إلى مقابلته مرة أخري .. سيصل إلى هنا قريباً .
- هذا لا يعني أنني سأراه . كنت سكرتيرته ولم أكن صديقته .
- لكنك امرأة جميلة جداً , أنا واثق أنك سترينه مجدداً !
ضحكت قمر الليل: " أمن السهل عليك التكهّن عادة ؟ "
- وما صعوبة التكهّن بتصرفات رجل تجاه امرأة جميلة ؟ يجب أن تعرفي هذا من نفسك .
- كل ما أعرفه الآن أنني أؤكل الآن وأنا حية .. فلندخل , فالمنزل آمن حالاً .
- أهي الحشرات وحدها التي تهربين منها ؟
- طبعاً ..
عرفت من ضحكته وهو يحثّ الخطى ليلحق بها أنه لم يصدّقها .

لم يخفِ لوك تشوك إعجابه بليليان .. إذ انطلق بشكل دؤوب يلاحقها,
ولكنها كرهت الخروج برفقته , كانت تعلم أنه من سلالة فخورة
مشبوبة العاطفة , ولم تستطع إلا أن تتصور لعلاقتهما نهاية قاسية .
لكنها بعد يومين , خرجت قمر الليل معه وهي تشعر بتوتر وكأنها تواعدت مع رجل من كوكب آخر .. مرت عدة ساعات قبل أن تعترف بأن مخاوفها سخيفة , فقد توقعت أن تقاتل لأجل عفتها , فوجدته يعاملها كصديقة وندّ له .
سألها وهما في الطريق إلى المنزل :
- هل أنت مشغولة وقت العشاء غداً ؟
- بهذه السرعة ؟
- أحاول تعويض الوقت المهدور !
- ربما يصعب عليّ ذلك غداً .. فما أنا هنا في عطلة .
- ولكنك لاتعملين في المساء, أليس كذلك ؟
- أحياناً أعمل .. ذلك وقف على مواعيد السيدة بارف . ولكنني مساء الغدة حرّة .. فهي ستتناول العشاء في السفارة .
- إذن سآتي لاصطحابك في الثامنة .
رفع يدها إلى شفتيه وهي باردة أخرى تذكرها بأن ثقافته غريبة..ولكنه كان في وجوه كثيرة نموذج حي لتقاليد المزيد عرقه، وقد عرفت عن هذه التقاليد المزيد مع نمو صداقتهما.
على الرغم من أنه رجل يعيش عصره , فهو يؤمن بالديانة البوذية التي تستسلم للقدر كالإيمان بحياة أخرى قادمة، وهذا ماجعله غير قادر على الاعراض عن الكثير من أوجه الحياة في بلاده , الأوجه التي تجدها صعبة التقبّل ...
قال لها في إحدى الأمسيات :
- إيماتي جزء من ميزتي .. ولا أستطيع أن أتغيّر .
- لماذا إذن لا تتوقف عن العمل , وتترك الأمور تحدث ؟ إن كمن تؤمن بالقدر بقوة..
- ليس بالقدر ..أنا أؤمن بأن كلاً منا مسؤول عن تحسين أوضاعه ،وأننا نتحسن من خلال الصلاة والتأمل ونستطيع الوصول إلى حياة أرقى.
تنهّدت :
- لا أفهم شيئاً !
- إن كنت مهتمة بالموضوع أعطيك بعض الكتب . اسمعي !
أريد لشعبي حياة أفضل اليوم لا غداً في الحياة القادمة .. إنما يجب ألا أضجرك بحديث السياسة .. فلنتكلم في أشياء أخرى .
- لكنني أحب حديث السياسة .
ردّ بحزم :
- لا .. بعد أيام سيصل السيد هانيز , وعندها لن يكون لدي عمل سوى حديث السياسة !
يستحيل ألا تفهم ما يعنيه منتديات ***** ، وهكذا ، وعلى الرغم من عدم رغبتها في الحديث عن مهمة جوك حاولت عدم الخوض فيه ثم تسللت ببراعة من هذا الموضوع للحديث عن عائلته ، أخذت تطرح أسئلة عن أمه وإخوته وأخواته , فانجرف للحديث بسهولة :
- لي شقيقتان متزوّجتان , تعيشان مع زوجيهما ولي شقيقان متزوّجان أيضاً , وهما مع زوجتيهما يعيشون مع والدي .
ابتسمت ليليان :
- ومن يدير المطبخ ؟
- لدينا طباخة وعدد كبير من الخدم . لكل زوجة واجبات محددة , والكل يعيش بسعادة معاً .. أؤكد لك .
- أكاد لا أصدق ما تقول .. ففي الغرب ..
قاطعها لوك :
- في الغرب مشاكل كثيرة , ولعلّ فقدان المشاعر العائلية إحدى هذه المشكلات البارزة .
- لكن شعبنا يرغب في أن يكون لكل منّ منزله.
- أفهم هذا .. لكن الأحبة يستطيعون الاختلاء متى شاؤوا .. والعيش مع الأبوين متعة يجب عدم إنكارها . إن أخذت حكمة وخبرة العمر , وطبقتها بحمية الشباب وطاقته , قد تنتج أشياء عظيمة .
وهكذا ابتعد لوك عن السياسة وعن ذكر جوك هانيز .. في أثناء العودة إلى المنزل , فكرت قمر الليل في أن الحكمة تدفعها إلى عدم مقابلته مرة أخرى . فعلى الرغم من محافظته على جو الصداقة بينهما ، فقد سرّب بضع كلمات الليلة , تدلّ على المجرى الذي تسلكه أفكاره .
أحست بالرضى لأنه ينظر إليها كزوجة مناسبة لرجل جادّ في خدمة بلاده .. ولكنها غير مناسبة له , عاطفياً أو نفسياً.
راحت بسبب معرفتها أن جوك سيصل قريباً , تخرج ليلة بعد أخرى ،ومع أنها كانت تقسم وقتها بين شبان عدة تعرفت إليهم من السفارتين الأميريكية و الإنكليزية ، إلا أن لوك كان يحوم حولها دائماً.
عندما وصل الوفد تزايدت النشاطات الاجتماعية التي لم تدع إليها ليليان من حسن حظها . صحيح أن السيدة بارف تعتبرها أكثر من ابنة لها أن البروتوكول الدبلوماسي صارم في هذه النواحي .
قابلت السيدة بارف جوك في اليوم الثالث على وجوده , وعادت من سهرتها في الوقت الذي كان فيه لوك يودع ليليان بعد عودتهما من السهر . دخلت المرأتان إلى غرفة الجلوس لتبادل أطراف الحديث قبل الذهاب للنوم . فقالت السيدة رأساً علبة الحلوى .. فقالت ليليان :
- أكان العشاء فقيراً ؟
- بل كان عشاءاً إنكليزياً مثالياً ! وهذا أمر نادر ..
- أنت تحبين الطعام .
- لماذا عدت باكراً ؟
- لدى لوك اجتمع مع الجنرال رامولس .
هزت المرأة رأسها :
- صحيح .. فالمباحثات تبدأ في الغد .
- ظننتها بدأت .
- كانت لقاءات مبدئية فقط ..
- لديك معلومات جيدة عما يجري .
- تحدثنا بالأمر طوال العشاء , جلست قرب جوك , وهو يرسل إليك تحياته ويسأل عن صحتك .
- هل قلت له إنني بخير ؟
- طبعاً .. كما قلت له إنك تستمتعين بوقتك . ولديّ انطباع بأنه يود رؤيتك , مع أن لا وقت لديه في الأسابيع القادمة , إذ ستوكون المفاوضات صعبة . ولديه مشكلة مع سكرتيرته.
صمتت المرأة فجاة , فأحسّت ليليان بالحرج في هذا الصمت .. فسألتها :
- وما قصدك ؟ تبدين كمن يشعر بالذنب .
- صحيح ؟ حسناً .. اصطحب معه سكرتيرة ولكنها مرضت .
- تلبّك معدة بسبب تغيير الطقس على الأرجح . ستتحسن صحتها خلال يومين .
- لسوء الحظ أن لا .. يقول طبيب السفارة إنها قد تمضي شهراً مريضة , وفي الواقع أن مرضها حدث في أسوأ وقت ممكن .
- لا أرى أن كلامك مجرد حديث .. لا شك أن هناك الكثير من السكرتيرات .
- لكن ليس منهنّ من هي سكرتيرة ممتازة .
- إذن فليرسلوا له سكرتيرة من أميركا .
- هذا يعني تأخير المفاوضات أياماً , فعلى الفتاة أن تسجيل كل شيء في الاجتماعات , خاصة تلك التي سيعقدها جوك مع الجنرال رامولس ... وهي مفاوضات أكثر سرّية من أن تطيع علناً .
- إنها مجرد مفاوضات تجارية .
- بل أكثر من هذا بكثير .. فالحكومة لا توافق على شروط التجارة مع أميركا .. وهناك من يتمنّى عدم نجاح المفاوضات .. وقد يتحوّل اهتمام المعنيين هنا إلى بلدان أخرى ..فإذا لم يكن هذا أمر مهم..أنا واثقة من أن السيد هانيز سيجد سكرتيرة مناسبة . أهناك شيء آخر ؟
- تعرفين ***** جيداً أن هناك شيئاً آخر! فلا تدعي الجهل أمامي ليليان ! تعرفين تماماً ما فعلت !
نظرت إليها ليليان بحدة :
- هلا أخبرتني ماذا قلت له ؟
- قلت له إنك ستعملين معه ما دام موجوداً هنا !
تحول الخوف الذي كان يتأرجح في نفس ليليان منذ بدء الحديث إلى ذعر .. فانهارت قمر الليل على المقعد ثانية , بعدما كانت قد وقفت لتذهب إلى غرفتها .
- لا أستطيع العمل معه ثانية .. لا أستطيع !
أسرعت السيدة إليها :
- لم أفعل هذا عامدة متعمدة , بل حدث الأمر لا إرادياً .. بعد ذلك أحسست بأنني مخطئة .. غضبت من نفسي غضباً جعلني أترك الحفلة باكراً .. ومنذ تلك اللحظة وأنا أفكر في طريقة لعدم الوفاء بوعدي , ولكنني لم أجد طريقة تبعد الشكّ عن جوك .
وهذا ما أكد مخاوف ليليان , فسألت هامسة :
- أتعرفين الحقيقة ؟
- أجل عزيزتي ؟
- يجب ألا يعرفها جوك .. لا أتحمل أن يعرفها .
- إذن عليك أن تعملي معه . لا مجال آخر للخروج من الورطة .. أنا آسفة ليليان .. ليتني قطعت لساني .
تنهدت ليليان وهي تقف :
- ليست مدة شهر بعمرة كامل .. ستمر بسرعة .
في غرفتها , أخذت تتساءل عمّا إذا كانت ستعود إلى تنكرها الأصلي معه , ولكنها صرفت النظر عن الفكرة فوراً. أحبّت هذا أم لا يجب أن تبقى على حالها . خففت سخرية الموقف قليلاً من بؤسها .. تصوّرت مبتسمة ردّ فعل جوك هانيز, وهو يتوقع رؤية الآنسة كامبل الوقورة فإذا به يواجه المخلوقة الجميلة الساحرة التي هي عليها الآن ..
كانت للقدر رأي آخر..فالمقابلة الأولى كانت مختلفة كل الاختلاف عمّا توقعت .
ارتدت في الصباح التالي ثوب السباحة ، ووضعت قبعة القش ثم هرعت إلى الحديقة إلى لتسبح باكراً في المسبح.. سبحت وغطست حتى أحسّت بالتعب .. فجلست تشمّس جسدها عند حافّة البركة .. وقدماها في الماء .. وسرعان ما غطّى ظل أسود ساقيها , فذعرت , نظرت إلى فوق فإذا بها تجد عيني جوك هانيز الضيقتين الدهشتين .
فشهقت :
- أنت ! لم أكن أتوقعك !
أخذ ينظر إليها من رأسها المغطّى بالقبعة إلى أصابع قدميها الغائصة في الماء. قال بلهجته الممطوطة المتشدّقة :
- هذا ما يبدو .. يبدو أنني جئت في وقت غير ملائم .
جلس ***** على كرسي قريب فأخذت تتأمّله عبر زجاج نظارتها السوداء .. جعلته سمرة بشرته يبدو شرقياً أكثر من لوك , مع أنه أطول من أن يكون غير أميركي .. ابتلعت آخر قطعة أناناس في كوبها ثم مسحت فمها,وقالت:
- عرفت أن سكرتيرتك مريضة !
- لهذا أنا هنا. أردت التحدث إليك بشأن عرض السيدة بارف .. أردت التأكد من أنك لا تمانعين في العمل معي.
- ولماذا أمانع ؟
- لأنك تركتني .
- ولن أعود .. سأعمل معك لشهر واحد فقط.
نظر***** إليها بحدة , وقال باقتضاب :
- أعتقد أننا اتفقنا .. لقد تمّ قبولك من الجهات الأمنية. لقد ساعد عملك السابق معي في هذا الإجراء.
وصمت .. فأخذت تفتش عما تقوله .
- إن شراء الكاميرا لي للطف كبير . كنت كريماً جداً .
- هذا ما قلته في رسالة الشكر التي أرسلتها . أحسست أن هذا أقلّ ما قد أرسله إليك . كانت هدية تقدير لك بمقدار ماهي اعتذار على فظاظتي معك , لأنني لم أنظر إليك كامرأة.
- أدارت وجهها بعيداً :
- كانت جرأة وقحة مني أن أتوقع هذا. كنت سكرتيرتك لذا ليس هناك ما يدعوك إلى أن تنظر إليّ نظرة أخرى.
لا مجال للشك في بريق عينيه :
- السكرتيرات نساء كذلك ! وطالما تساءلت عما أزعجك أكثر, نسياني لا سمك الأول , أم عدم معرفتي للون شعرك !
تجاهلت قمر الليل سؤاله , وأشارت إلى الشرفة :
- لا بدّ أنك تشعر بالحرّ هنا , فإن رغبت في شراب بارد ..
- فكرة رائعة.
مشت إلى جانبه وهي تحسّ وكأنها قطة خارجة من الماء.
قال لها فجأة:
- طالما فكرت في شعرك .. متسائلاً عما يدفعك إلى تسريحه بهذه الطريقة البعيدة عن الموضة.
- ربما كنت أتبع تعاليم رجال الدين !
- أتنظرين إلى مكتبي كمكان مقدس ؟
- يراه بعض الناس مقدساً!
- ولكنك لست منهم آنسة كامبل .. فرفضك للإرهاب والتخويف كان أفضل خصائصك .. الآنسة بروك بديلة كفؤة .. ولكنها تتصرف كقطة وجلة.
لم تستطع ليليان إلا أن تضحك. عندما سمع رنين ضحكتها توقف وأمسك بذراعها:
- أذكر أنك تضحكين كذلك , فكرت فيك كثيراً منذ تركتني. نعم فكرت فيك أكثر مما فكرت فيك وأنت تعملين معي !
- هذا لأن رحيلي أزعجك.
- أنا لا أضيع وقتي بالتفكير في من يزعجني , بل بكل بساطة أبعده عن تفكيري !
لم تعلّق على كلامه , بل قالت وهي ترتقي درج الشرفة :
- سأرسل إليك المرطبات سيد هانيز .. أعذرني لأنني ذاهبة لأبدل ملابسي .. أتريد أن أبدأ العمل اليوم ؟
- أرجوك .. فاجتماعي الأول في الحادية عشرة. هذا يعني أن أمامي ساعتين فقط لأناقش معك الأمور.
عندما عادت قمر الليل إلى الشرفة المليئة بالزهور, بدت وكأنها زهرة نحيلة , ممشوقة القوام , لدنة , تترنح تنورتها الواسعة فوق خصر نحيل , ويبرق شعرها أحمر متموّجاً فوق رأسها.
كان كوب المرطبات في يده .. حدق جوك إليها وهي تجلس أمامه قبل أن تستوي إلى الخلف, لأنها لاحظت أن قامته المديدة تعطيه المجال للنظر إلى فتحتة ياقة فستانها..
قالت له:
- أنا جاهزة للبدء بالعمل سيد هانيز.
بدأ بهدوء مثير للأعصاب يردّد لها التفاصيل التي ستحتاج إليها بالنسبة للوفد وأعضائه.
- ستكون المحادثات باللغة الإنكليزية .. لكن سيظل معك مترجم.
- أرجو أن تكون سرعتي في الكتابة ملائمة.
- لا داعي للقلق .. عندما يكون هناك اجتماع كامل تعين الحكومة سكرتيرات أخريات.
- ظننت أن المحادثات سرية.
- اللقاءات الخاصة فقط. لكن بوجود كِلاََ الوفدين في المناقشات سنكون أكثر انفتاحاً .. أحتاجك أساساً في اجتماعاتي مع الجنرال رامولس. يجب ألا أدعوه باسمه الأول .. فأنا أنسى دائماً البروتوكول.
ردّت بعذوبة :
- أعتبرك سياسياً ممتازاً.
- أهذا إطراء أم إهانة ؟ سأعود الآن إلى السفارة .. وسأرسل سيارة لتقلك بعد ساعة.
رافقته حتى الباب , وما إن وصلا إليه حتى وصلت السيدة بارف إلى الردهة , وسألت وهي تنظر إلى ليليان بقلق :
- هل كل شيء على مايرام ؟
ردّ عليها:
- كل شيء .. لا أدري كيف أشكرك.
تابعت ليليان برهبة كلام السيدة بارف واحتجاجاتها عندما عملت بأن جوك يقيم في الفندق:
- ظننتك ستقيم في السفارة ؟
- لا .. رفضت العرض فهذا سيعني البروتوكول مدة أربع وعشرين ساعة.
- لكن الفندق كثير الصخب .. الشارع الرئيسي من الأمام والميناء من الخلف ! يجب أن تقيم هنا .. لدينا أكثر من غرفة .
- لن أتطفل عليكما.
- سيكون من دواعي سعادتي .. لاجوك .. أنا مصرّة.

راقبت ليليان مقاومة وتردّد جوك تتحول إلى قبول سعيد. قالت السيدة مبتهجة :
- سأخصص لك الجناح الغربي .. ففيه غرفة نوم وغرفة جلوس وغرفة صغيرة لخادمك.
- يبدو هذا رائعاً .. أنت حقاً ملاكي الحارس!
اتجهت السيدة مبتسمة إلى غرفة الطعام من أجل الفطور.عندما انضمّت إليها ليليان , قالت لها غاضبة :
- تأكدت الآن أنني سأعمل معه !
- كان هذا أقلّ ما أفعله للرجل المسكين .. ستكون المفاوضات متعبة , وسيحتاج إلى الراحة والهدوء .. سيفيده في مطلق الأحوال أن يراك طوال الوقت .. فقد يلاحظ مدى جمالك وبهائك.
لم تجرؤ ليليان على الرد .. وشغلت نفسها بسكب القهوة .. هل السيدة بارف على حق ؟ إنه سؤال أحست بالخوف من التفتيش عن رد له .. فمن الأفضل ألأ تقال بعض الأمور.
وصلت في الحادية عشرة سيارة سوداء رسمية أقلتها إلى وزارة التجارة. كالعادة , صدمتها المفارقات التي تجدها عادة في شوارع المدينة .. لكن قمر الليل ما إن دخلت عبر البوابات المحروسة للمبنى الحكومي , حتى أحسّت بأنها في عاصمة من عواصم العالم .. الروتين هو الروتين في كل مكان , هذا ما قرّرته وهي تضرب الأرض بكعب حذائها تنتظر مراجعة اسمها, ثم إعطائها البطاقة التي طلب إليها وضعها على صدرها طوال الوقت.
أخيراً , رافقها أحدهم إلى غرفة ضخمة مبردة .. كانت الكراسي حول الطاولة البيضاوية محاطة برجال متجهمي الوجوه بدوا أكثر صرامة عندما انفتح الباب في زاوية الغرفة ليدخل جوك هانيز والجنرال رامولس.
فوجئت ليليان بالرجل , فلأنه صديق لجوك لم تتوقع أن يكون أكبر من سناً بما لا يقل عن عشرات سنوات .. أعطته الشعر الرمادي الكثّ مظهر الأسد.
علق أحد الرجال المشاركين في أثناء استراحة للقهوة :
- له دماغ حاد كالموس , يبدو أن هذه المحادثات ستستمر أشهر!
- لكنني أعتقد أننا تقدمنا كثيراً اليوم.
نظر إليها الرجل بشفقة :
- ألأنهم لم يجادلوا كثيراً ؟ أنت حديثة العهد بمثل هذه المفاوضات ! .. الجنرال ينتظر إثارة كل المواضيع قبل البدء بمناقشة الموضوع تلو الآخر.
تأكدت قمر الليل لها صحة هذه الملاحظات فيما بعد عندما أشار إليها جوك بالبقاء , بعدما غادر الجميع في الساعة السادسة. وما إن غادر آخر المشتركين القاعة حتى عاد الجنرال .. فجلست ليليان بهدوء تراقب الرجلين.
استرخى الرجلان , كانت تعابير جوك الجادة قد اكتسحتها ابتسامة صادقة أما ابتسامة الجنرال فتحوّلت إلى جد.
بدأت تدرك وهي تصغي إلى حوارهما أن الأمور, وإن بدت ناعمة في الظاهر, تحتوي على خلافات متضاربة , قد تسبّب الإخفاق في كل شيء.
قال لها جوك وهما عائدان :
- الجنرال في مركز حرج .. لو كان الأمر بيده فقط لما كان هناك مشكلة .. ولكنه مضطر للظهور بمظهر المساوم.

- لماذا ؟
- لأن في حزبه من لا يريد التحالف مع أميركا.
تنهدت قمر الليل :
- وأنا من ظننت أن الأمور سهلة .
- في الظاهر فقط .. أما من الداخل فهي صعبة جداً. لأهل البلاد كرامة .. وهذه معادلة صعبة.
- ولماذا قبلت المهمة ؟
- على جميع الناس بمن فيهم الصناعين إظهار الولاء لبلادهم !
- مع ذلك , فلولا معرفتك بالجنرال , لما ...
- لما طلب إليّ المشاركة ؟ أشكر لك تقديرك لقيمتي , آنسة كامبل ! لكنك على حق لولا معرفتي به لما كنت هنا. لكنني مع ذلك أريد النجاح.
- لتحقيق نصر شخصي آخر؟
- كل شيء بالنسبة لي شخصي , فإن لم يكن شخصياً فلا يستحق مني الاهتمام.
أخطأت قمر الليل عندما ظنت أن طباعة الملاحطات ستتم في أربع ساعات , فقد حلّت الساعة الثالثة والنصف ونصف المذكرات غير مطبوع , فقرّرت تناول بعض السندويشات والقهوة بدلاً من العشاء .. سمعت قمر الليل عبر باب غرفة جلوسها المقفل أن السيدة بارف المتعلقة بالاستقبالات قد دعت بعض الضيوف للعشاء , وكم تمنت لو تنضمّ إليهم .
مرت الساعة العاشرة قبل أن تسحب آخر ورقة من الآلة , وعندما انتهت تمدّدت برضى. ترددت في الخروج للبحث عنه , ولكنها لما تذكرت أن يقرأ المذكرات قبل اجتماعه التالي خرجت إلى الشرفة. وسرعان ما لمحتها السيدة بارف من الحديقة حيث كان الجميع يتناولون المرطبات والقهوة , فأشارت إليه نحو المسبح.
تقدمت ليليان على العشب والهواء الاستوائي يداعب وجهها , كادت تصدق أنها في طريقها إلى ملاقاة حبيبها لا إلى ملاقاة الرجل الذي يعتبرها آلة .. فقط حينما وصلت إلى أنفها رائحة سيكار الهافانا الفاخر, وتناهت معه تلك الرائحة الغربية التي أعادتها في الزمن إلى المكتب في ريتشموند , تذكرت كوني ماولنغ.
اقتربت ليليان بجهد :
- أنا آسفة لمقاطعتك سيد هانيز .. لكنني انهيت طباعة المذكرات.
- جيد .. تذكرين الآنسة ماولنغ ؟
- طبعاً.
وجاءها صوت كوني الأجش :
- لم أكن لأظن أننا سنلتقي في بلادي آنسة كامبل .. أما زلت تعملين عند جوك ؟
- عملي عنده مؤقت فقط , فأنا أعمل هنا عند السيدة بارف .
تدخل جوك ليتناول الأوراق منها , ويقول :
- عذراً للحظات كوني , أريد الحديث مع الآنسة كامبل.
- طبعاً .. حبيبي !
قال لها وهما يبتعدان :
- لم أعلم أنك ستتأخرين إلى هذا الحد في طباعة المذكرات , ولم أظن أنك لن تشاركي بالعشاء بسببها.
- تناولت السندويشات والقهوة .
- مازلت تعملين جاهدة .. لا أريد التطفل عليك .
- لو قلت لك إنني أعتبر الأمر مهمة وطنية , فهل يريح هذا ضميرك ؟
ضرب الأوراق بيده الأخرى :
- لا .. اشتغلي ماشئت من ساعات إضافية , إنما ليس إلى هذه الدرجة .
- لكنك بحاجة للمذكرات , لا ضرورة للاعتذار .. فأنت لم تعتذر قط .
- ثمة أمور كثيرة لم أفعلها من قبل.
هزّت قمر الليل كتفيها واستدارت , ولكنه أوقفها بمناداتها باسمها :
- شيء آخر .. مظهرك الآن .. التغيير في مظهرك .. أيّهما الخدعة ؟
- عليك أن تقرر بنفسك , فأنت ذكي جداً , وأنا واثقة من أن بمقدورك أن تعرف الحقيقة.
- ذكائي يتوقف عندما يصل المر إلى النساء .. لكنني سأعيد التفكير في هذه المعضلة.



lola @ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-04-10, 03:44 PM   #7

lola @
 
الصورة الرمزية lola @

? العضوٌ??? » 108977
?  التسِجيلٌ » Feb 2010
? مشَارَ?اتْي » 3,648
?  نُقآطِيْ » lola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond repute
افتراضي


6- ليليان الحزينة

إذا كان على ليليان أن تمسك بعنان مشاعرها نحو جوك هانيز , فظهور كوني

ماولنغ كان اللجام المطلوب. مع ذلك كان قلبها الغبي يتغلب عليها كلما

شاهدته. أما العمل معه يوماً بعد يوم فأعاد إيقاظ إعجابها به وبحدّة ذكائه.
قال لها في إحدى الأمسيات :
- أنا أدفعك إلى العمل الكثير.. فليكن يوم غد عطلة لك.
ردّت ساخرة : " هذا ما أنويه .. فالغد يوم سبت! ".
- ياإلهي صحيح!
كانت دهشته مضحكة , فضحكت ..
قال : " أحب ضحكتك. طالما لاحظتها حتى وأنت .. ".
- ليليان القبيحة؟
- أجل .. مع إنك الآن .. ليليان الجميلة.
إنها المرة الأولى التي ينطق بها باسمها , وسماعه منه دفع الدموع إلى عينيها ,

فتسلقت الدرج بسرعة وهي تحس بأنه مازال واقفاً هناك يراقبها حتى اختفت عن

نظره.
كان هناك كالعادة حفلة عشاء , ومن المدعوين الليلة لوك وكوني. لاحظت ليليان

أن مقعد الفتاة قرب مقعد جوك .. فقاومت إغراءاً كان يدفعها إلى تبديل

البطاقات بحيث تضعها قرب صحفي فرنسي بدين , كان يحاول الحصول على حق

نشر صور تصميمات السيدة بارف.
في غرفة الجلوس , وجدت جوك يصب لنفسه العصير , فالتفت إليها ببطء

كالعادته , وكالعادة بدأ قلبها بالخفقان. تمنّت ألا تكون خفقاته ظاهرة عبر قماش

الحريري الرقيق.
سألها :
-شراب الكرز أم عصير الأناناس ؟ لا .. ثوبك هذا يتطلب شيئاً خاصاً .
صبّ لها وله شراب الكرز , ثم أضاف إليه المياه الغازية قبل أن يقدم إليها الكأس

بالمزيج الفوار ... ورفع ***** يده ليشرب نخباً..وقفا جنباً إلى جنب يحتسيان الشراب

..
قال لها فجأة :
- تنكرك يناسبك.
- تنكري ؟
- أجل .. فقد وجدت أن ما كنت تظهرين عليه هو حقيقتك .. أيدهشك قولي

هذا ؟
- قليلاً.
- هذه غلطتك .. فقد أثرت فيّ أكثر عندما كنت الآنسة كامبل المتزمتة.
وبما أنها لم تكن تعرف ما يعني ظلت صامتة , فقال معلقاً :
- أزعجتك ثانية .. لكنني لم أقصد.
- لم تزعجني البتة. أطريتني وأنا شاكرة لك إطراءك.
أنقذها وصول المزيد من المزيد من الضيوف من الحرج , فتحركت بسرعة مبتعدة

عنه. كان وصول لوك إلهاء مرحباً به لأفكارها , فحيّـته بحرارة أكثر من المعتاد ,

ثم قالت بابتسامة :
- لم أرك منذ زمن بعيد.
- هذه غلطتك , فكلما اتصلت بك وجدتك مشغولة.
- اللوم على المفاوضات , فأنت تعرف عنها ما أعرفه أنا.
- أشك في هذا فأنت لأنك سكرتيرة السيد هانيز تعرفين أكثر من أي كان.
- أنا لا أفعل سوى الجلوس في الزاوية حتى أكون حاضرة إذا ما احتاجني.
- يجب أن تتعلمي قراءة الشفاه !
ضحكت قمر الليل:
- ليس هناك ما يستحق الجهد.
- ولا حتى معرفة الاتفاقات السرية ؟
- لماذا تظن أن هناك أسراراً ؟
بدا على وجه لوك فجأة الجد.
- لأن الجنرال يلعب لعبة خطرة , إن العديد من أفراد شعبنا لا يريدون التحالف

لأنهم يكرهون الغرب.
- ما كنت لأظن أنكم تكرهون الغرباء !
تنهد لوك :
- منذ زمن طويل والغربيون يسيطرون على قسم كبير من آسيا.
كنا نشاهد ما يجري حولنا , وصمّمنا أن نغير هذا الواقع. نحن نرحب بالغرب

كند لنا .. إنما ليس على أي أساس آخر .. ولهذا يبدو الجنرال مفاوضاً قاسياً ..

لن يترك اميركا تسيطر علينا.
وضعت ليليان في ذهـنها أن تذكر كلمة " سيطرة " لجوك حتى يكون حذراً في

مفاوضاته.
خلال العشاء همست ليليان في أذن لوك وهي تجلس إلى جانبه , مشيرة إلى كوني

ماولنغ :
- لم أكن أعرف أن غير المتزوجات يخرجن بدون مرافقة.
- تضع الآنسة ماولنغ قوانينها الخاصة. هذا ما تفعله الطبقة الأرستقراطية عموماً.
- وهل هي من الأرستقراطيين ؟
- كانت عائلتها من العائلات الشهيرة هنا.
- كانت ؟
- قتل شقيقان من أشقائها وهما يحاربان الثوار .. والثالث قتل في حادث اصطدام

خلال سباق عالمي .. حطمت المأساة قلب الكولونيل ماولينغ ولم يستعد بعد ذلك

عافيته , فكان أن مات بعد ذلك بأشهر .. الآنسة كوني آخر سلالة عائلتها. ولهذا

يجب أن يكون اختيارها دقيقاً حين تريد الزواج , إذ لديها الكثير مما تقدمه.
- تعني مالياً ؟
- وهذا كذلك. لكني كنت أفكر في ميراث عائلتها.
- وإلى أي حد تعرفها ؟
- أعرفها معرفة تجعلني مقتنعاً بأننا لن نسعد معاً , فأنا لا أتمنى الزواج بها حتى من

أجل مستقبلي العملي.
- إنها جميلة جداً.
ردّ بهدوء :
- لدينا نساء جميلات بكثرة .. تباحثنا في الموضوع في أول لقاء لنا .. ولكنها

ليست من طرازي .. أما أنت فأجل , أنت ناعمة مفعمة بالأنوثة.
سرّها غزله وأحرجها , فأدارت وجهها لتلحظ أحد الخدم يقف متوتراً في الباب

يومىء إليها, فاعتذرت وذهبت إليه .. فهمس :
- يريد رجل مقابلتك في غرفة الجلوس , يقول إنها مفاجأة كبيرة.
أسرعت ليليان يلفّها الغموض لتفتح باب غرفة الجلوس.
وسرعان ما ارتمى في وجهها قميص قطني مشبع برائحة العرق وبغبار السفر ,

فشهقت قمر الليل:
- تود !
ارتدت لتنظر إلى وجه أخيها ببهجة.
- كيف وصلت إلى هنا ؟ ولماذا لم تعملني ؟
- أردت مفاجأتك .. أصيب أحد زملائي بالمرض , وطلب أهله عودته لقضاء

العيد , فاختارني لمرافقته.
- ماهذا الحظ !
قال ***** متواضعاً وهو يحضنها ثانية :
- إنه سحري .. الذي أوصلني إلى تايوان حيث أهل شولن ثم تدبّرت أمري من

هناك إلى هنا.
- هذا ما أراه.
- هل يمكنني استخدام حمام ؟
- تعال إلى غرفتي واستخدم حمامي.
- أهناك مكان أنام فيه .. سجادة غرفتك كافية.
- لا تكن سخيفاً .. سنجد لك سريراً.
تركت شقيقها في الردهة بعد انتهاء حمامه , ودخلت تخبر السيدة بارف بوجوده .. فصاحت المرأة :
- ماهذه الهدية الرائعة ! أين هو الآن ؟
- في الردهة.
- أحضريه إلى هنا.
- سأحمل إليه بعض الطعام أولاً ثم هناك ثيابه , فهي غير مناسبة.
- ماهذا الهراء !
دفعت المرأة كرسيها إلى الوراء ولحقت بليليان إلى الردهة وهناك وقفت تحدث تود

بفضول لم تحاول إخفاءه .. بدا بوجهه المتورد المشرق بعد الحمام كالطفل .. كان

قد استخرج من حقيبته جينز نظيف وقميص رغم تجعيده نظيفاً ناصع البياض.
ابتسمت السيدة بارف :
- إذن أنت شقيق ليليان , كنت سأعرفك في أي مكان .
ابتسم تود لها ابتسامة حارة .
- أرجو أن تعذري اقتحامي منزلك بهذه الطريقة .
- يسعدني ذلك , حالما تـتـناول الطعام عليك أن تقابل ضيوفي .
نظر إلى أخته :
- أرشديني إلى المطبخ , وهناك أدبّر أمري بمفردي , لا أريد إبعادك عن الحفلة .
ضحكت قمر الليل:
- أنت لا تشغلني أبداً , ولا حاجة بك للقلق بالنسبة للطعام . فلا تنقصنا اليد

العاملة هنا !
أمسكت بذراعه لتقوده إلى غرفة الجلوس الخاصة حيث تعمل , وفي الغرفة وجد

صينية طعام قرب الآلة الكاتبة .
أخبرته باختصار ما حصل معها . وعندما سألها لماذا تركت جوك هانيز أصلا

ذكرت له عذراً سريعاً .
- سأتركك تنهي طعامك , لديّ عمل أقوم به .
ضحك *****:
- مضيفة للأثرياء ؟
- بل مقدمة للقهوة .
وضحكت له ردّا .. ثم تركته وخرجت . كانت تقدم فعلا القهوة عندما تقدم

جوك منها قائلا :
- إذن شقيقك هنا ؟
- ومن قال لك ؟
- السيدة بارف . لاحظت انشغالك خلال العشاء , فسألتها عن السبب .
أدهشتها ملاحظته فبسبب انشغاله بالآنسة ماولنغ , اعتقدت أنه لن يلاحظ أحداً

سواها.
- أعتقد أنه طفلك المدلل .
قدمت إليه فنجان قهوة مبتسمة , فتلامست أصابعهما في لحظة خاطفة ، أحست

خلالها بأنها لامست تياراً كهربائياً , ولكن هذا التيار كان في اتجاه واحد , فقد

سارع للاستناد إلى الجدار ليحرك السكر في قهوته . قال :
- أنت صديقة للمايجور تشوك .
- كان دليلي في البلاد قبل أن تصل أنت .
- دليل فقط ؟
نظرت إليه بحدة : " وماذا يفترض بكلامك أن يعني ؟ ".
- مجرد تحذير .. تحظى الأمريكيات بإعجاب شديد هنا , ولن تجدي صعوبة في إيجاد زوج .
- وماذا في هذا ؟
- إياك .. لاتتزوجي فيليبنياً .
- إنك تتسرع في الاستنتاج .
- لا تخلطي بين المنطق والاستنتاج . ثمة اختلافات كثيرة في النظريات .. والذي

يحدث أن الزيجات المختلطة كثيراً ما تفشل . ففارق الدين مشكلة كافية , ولكن

عندما يضاف إليها صعوبة اختلاف العرق ..
- بكل تأكيد هذا وقف على الأشخاص أنفسهم !
- أنت شخص أعرف إلى درجة تخوّلني تقديم النصح له .
- ربما أنت بحاجة أيضاً إلى النصح . فالزيجات المختلطة تبقى مختلطة سواء أكانت

من وجهة نظر الرجل أم من وجهة نظر المرأة !
أخبرها تشنج عضلات عنقه أنها أصابت الهدف . ولكنه لم يعلق , بل وضع فنجان

قهوته على الطاولة وتوجّه ليعود إلى الجلوس قرب كوني .
صعب عليها أن تحافظ على هدوئها أمام بودة أعصابه , منحها دخول تود فرصة

للانسحاب إلى جانب الغرفة والجلوس بدون أن يراها أحد .
بدا لها غربياً أن يمثل صبياً شابّاً مهمازاً بين هذا الحشد الممتلىء البطون , الفاخر

الملبس .. وكأنما حدة شخصيته تذيب كالأسيد ما حولها لتكشف الشخصيات

الحقيقية .. استيقظت ذكريات طال هجوعها , طموح الشباب الذي طال

هجوعها، طموح الشباب الذي طال نسيانه تحرك واشتعل أمام حماس ابن العشرين

ربيعاً الذي كان يؤمن بأن الإيمان بطيبة الناس قد يحل جميع المشاكل في العالم .
قال الصحفي الفرنسي :
- لو استعدت حياتي من بدايتها , لكنت مزارعاً كوالدي الذي مات سعيداً

وقانعاً عن عمر تجاوز الثمانية والثمانين .
نظر إلى كرشه :
- أما أنا فسأموت غنياً في الثمانية والخمسين !
قال أميركي :
- لم يفت الوقت بعد لتغيير مهنتك . كنت طبيباً قبل ممارسة السياسة .. لكن بعد

سماعي كلام تود الشاب أتخلى عن السياسة لأصبح ثورياً !
ردّ تود :
- أنا لا أبشّر بالثورة .. ولكن في بعض الأحيان تكون الطريقة الوحيدة

للحصول على ما يريد المرء هو القتال .
تدخل جوك في الجدال :
- هناك أمور لا يمكن القتال من أجلها. على بعض الأحداث أن تحدث في أوانها.
ردّ تود :
- ليس إذا كان الأمر سيستغرق العمر كله ! .
- حتى ولو استغرق عمرين !
احمرّ وجه تود غضباً , ولكن قبل أن يرد غيّرت كوني مجرى الحديث .
- يحبّ الشباب القتال .. فعندهم عدوانية متأصّلة ولديهم جميعاً حب الثورة ضد

التسلط ليبرهنوا عن الشجاعة . لكن هذه الرغبات تتلاشى مع تقدم العمر.
قال جوك :
- لكنها لم تتلاش عندي , فأنا أكره السلطة التي تصفها كوني أيها الشاب .
سرت همهمة بين الجميع , لكنه تجاهلها وأردف :
- إنني كصديقي الفرنسي , أرغب أيضاً في تغيير نمط حياتي لو استطعت البدء بها

من جديد. ولكنني لن أصبح مزارعاً , سأختار الجاسوسية .
صاحت السيدة بارف غير مصدّقة :
- أنت لن تتحمل ذلك لأنك لا تطيق إطاعة الأوامر.
- لم أكن أفكر في التجسّس لمصلحة بلادي , بل لمصلحة الصناعة .
- أتعني كمن يبيع أسرار صناعة مصنع لمصنع آخر ؟ يمكنك صنع ثروة كبيرة

هكذا !
قال الفرنسي :
- وعندما تكسب ثروتك تصبح سميناً وتتقاعد !
- لن أفعل هذا من أجل المال .. بل حباً بالإثارة والخطر والغموض . لقد دخلت

إلى عالم الدبلوماسية هنا , وهنا اسمي وسمعتي في خطر !
تحوّلت منتديات ***** دفة الحديث إلى العموميات , فتقدمت ليليان من أخيها :
- لقد فتحت معركة قوية هنا !
- حقاً ؟! السيد هانيز شخصية رائعة !
- لا يصدق كل ما يقوله .
- لم يكن يمزح ليليان . عرفت هذا من طريقة كلامه .. كان بإمكانه أن يكون

قرصاناً ممتازاً.
- وكان سيموت معلقاً على مشنقة.
- ليس هانيز , إنه بارد .. قد أدعمه ضدّ أي كان 0
تثاءب تود فسارعت تقول :
- إلى الفراش الآن.
تركت تود يستقر في غرفة صغيرة قبالة جناح جوك , ثم عادت إلى الضيوف ..

كان عدد منهم قد ذهب , وكان لوك يتحدث إلى جوك وكوني , فصعب عليها

عدم الانضمام إليهم .
سألت كوني :
- كيف تشعرين بوجود أخ هيبي ؟
ردّت ليليان :
- إنها كلمة قديمة الطراز هذه الأيام.
قاطعها جوك :
- لكل جيل هيبيّـته الخاصة .. وعندما كنت في مثل عمر تود رغبت كذلك في

إصلاح العالم.
سألت كوني :
- والآن ؟
- الآن .. لديّ ما يكفيني من مشاكل لإصلاح نفسي !
حوّلت الفكاهة التوتر الخفي , وبعد دقائق قاد لوك ليليان إلى أريكة :
- كلما رأيتك , وجدتك تزدادين جمالاً.
- ويزداد إطراؤك وغزلك.
- إنه ليس غزلاً .. وتعرفين أنني أحبك ليليان .
- أرجوك .. لا تزد ..كلمة على ماقلت .
- يجب أن أزيد .. لم أخطط للاعتراف بحبي بهذه الطريقة ولكن لا يمكن كبح

المشاعر دائماً .. أريد أن تقابلي والديً .

تمنت قمر الليل لو تبتعد عنه الآن ملايين الأميال . كانت تعرف أن عليها مواجهة الواقع في

هذا الموقف الصعب الذي لا تلوم سوى نفسها عليه .
قالت بهدوء ولطف :
- أنا لا أحبك .. نعم أنا متعلقة بك كثيراً .. إنما تعلقي بك ليس كافياً للزواج

بك .
- لكنك عرفت مشاعري التي أوضحتها لك . وكان أن وافقت على الخروج

معي .. أمّلتني كثيراً.
وقف بعصبية وشدها معه.
- لايمكننا الكلام هنا .
وأخرجها إلى الشرفة .. فقالت :
- لم أعلم أنك تريد الزواج بي . أعلم أنك تجدني جذابة .. لكنني ..
ردّ بحدة :
- لاتكذبي .. لقد أوضحت نواياي منذ البداية .. ولكن لن تتجادل بشأن ما

مضى .. فمستقبلنا هو المهم عندي .. أريد الزواج بك ليليان .. أريد أن

تشاركيني بيتي وحياتي . أعدك بأن تكون حياة طيبة ..
- لا شك عندي في ذلك إنما لن يؤثر ما تقول على قراري . لا أستطيع الزواج

بك لوك .. لأنني لست مغرمة بك .
- وهل هناك سواي ؟
قالت كاذبة :
- لا .
- إذن سأجعلك تغيّرين رأيك لي .. لقد أرسلك القدر إليّ .
- لكنني لا أؤمن بذلك ..بمعتقدكم .

- أنا أؤمن به .. وقدري هو قدرك.
جذبها غلى ذراعيه، وعانقها بشدة لم تتوقعها، لكن كان من المستحيل ان تحس بين

يديه بأية مشاعر ..مع انها شعرت بأنفاسه اللاهثة وبارتعاشهة جسمه ظلت سلبية

بين ذراعيه ..وهذا ماأشعره بالإحباط ..فارتد عنها ينظر إليها بهدوء:
- انت خائفة مني ليليان ، ولهذا لم تستجيبى ما دام لا وجود لأحد غيري في قلبك

فسأجعلك تحبينني .
أفزعتها ثقته بنفسه , فشكت بقوة إرادتها .. لكن ما قاله سخيف , لا يمكنه

إجبارها على شيء . ثم هي تحب شخصاً آخر .. أعطاها للمرة الأولى حبها لجوك

الراحة بدل الألم .
عادا إلى غرفة الجلوس فوجدا أنها فارغة إلا من السيدة بارف التي كانت تقف

قرب الطاولة تنظر إلى بعض الصور التي التقطتها ليليان , فتوقف معها يبدي

إعجابه بها .. ولكنه سرعان ما أدرك أنه آخر الموجودين , فاعتذر على مضض .

تنهدت السيدة :
- الآن أستطيع الذهاب إلى النوم .. فضّلت أن أبقى هنا ما دام موجوداً , فقد

شاهدت بريق الحب في عينيه !
- لم أستجب له .
- ربما هناك ماهو قادم .
- لا .. هذا خارج أي جدال .
- بسبب حبك لجوك ؟
- وهل الأمر واضح إلى هذه الدرجة ؟
- لي قفط .. والسبب أنني أحبك .. أشكّ في أن أحداً لاحظ الأمر .

- ليتك على حق . فلا أريد أن يعرف جوك .
- أواثقة أنه لا يعرف ؟
- قطعاً .. فهو معجب بي لأنه يقدًر الذكاء فيمن يعمل عنده . ولكنه في الأساس

يحتقر النساء العاملات .
- أنت تعرفين السبب .
- أحسّ أحياناً أنه يكره جميع النساء ..يحتاج إليهن ، ولكنه يكره نفسه بسبب

حاجته تلك.
نظرت المرأة إلى ليليان بإشفاق :
- إن هذا الأمر مؤسف .. إنكما زوج مثالي . ولهذا حاولت لعب دور مدبّرة

الزواج .. آه ليتني أبقيت فمي مقفلاً .. !
قالت ليليان :
- لاتشغلي بالك بالمسألة .. بعد أسبوعين أو يزيد ينتهي كل هذا .
رنّت هذه الكلمات في رأسها بعد وقت طويل من نطقها , وكأنها تتردّد في وادي

السنوات الطويلة المستوحشة التي تمتدّ أمامها .
قريباً ينتهي كل هذا !


lola @ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-04-10, 03:49 PM   #8

lola @
 
الصورة الرمزية lola @

? العضوٌ??? » 108977
?  التسِجيلٌ » Feb 2010
? مشَارَ?اتْي » 3,648
?  نُقآطِيْ » lola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond repute
افتراضي



7- كأنه أمير أحلامها


دفع انشغال ليليان بالطباعة تود إلى مرافقة السيدة بارف في تجوالها في المدينة .. وجدها خير دليل . أما هي , فكانت تتسلى بملاحظاته الخالية من الاحترام , وبنظرته الثاقبة .
لم تسمح قمر الليل روح تود المعنوية المرتفعة لليليان بالبقاء كئيبة . ومع أنها تتذكر أحياناً أن جوك قد خرج في نزهة مع كوني ماولنغ , إلا أنها لم تفكر فيه بغضب إلا بعد ما عاد إلى المنزل مساء الأحد .
بدا أكثر ارتياحاً , فأحست بالغيرة تجتاحها .. ولكنها لم تفضح مشاعرها بالمظهر أو بالكلمة . وعندما طلب إليها ***** أن تعمل معه لمدة ساعة , ولفقت على الفور.
أحسّت بوجود دفتر المذكرات في يدها بأنها أقرب إليه من أي وقتٍ آخر .. وهي تعلم أن أقرب ما يمكن أن يكونا عليه . بدا لها لدقائق عدة ضائعاً في أفكاره , وعندما تكلم أخيراً , سألها كيف تنظر إلى تقدم المفاوضات , فأجابت :
- أشعر أن الجنرال يتعرض إلى أكثر من الضغط الذي يعترف به .
- وهذا ما أشعر به أيضاً حينما نكون بمفردنا . يلاحظ كل شيء قبل أن أراه أنا .. لكن خلال اللقاءات العامة يتظاهر أنه لا يفهمني .

- إنه يجادلك عامداً متعمداً , ليوهم أعضاءً من وفده بأنه يقاومك .
خلل أصابعه في شعره :
- ليتني أعرف ما إذا كانت المعارضة تأتيه من اليسار أم من اليمين .
- وما الفرق ؟
- من مبدأ أعرف عدوّك .. أكره القتال في الظلام .
فجأة , انطلق قارئاً عليها ملاحظات مسجلة . إلا أنه كان يسرع في الكلام حتى وجدت قمر الليل صعوبة في مجاراته . قالت محتجة :
- لن أستطيع طبع هذا كله .
- لن أحتاجها قبل الظهر لأنني سأتغدّى مع الجنرال . أتمنى أن أحلّ النقاط الرئيسية معه في الغد , لكن ثمّة أمور كثيرة يتوجب عليّ مراجعة واشنطن فيها , والتحدث إلى وزير خارجيتنا .
- أيعني هذا اضطرارك إلى السفر إلى البلاد والعودة ؟
- أجل .. سأغيب أسبوعاً , أو أسبوعين على الأكثر .. أملت أن ترافقيني .
- أنا سعيدة هنا مع السيدة بارف .
- أريد مؤقتاً . ما دامت المفاوضات جارية فأنا بحاجة إليك في واشنطن بمقدار حاجتي إليك هنا .
أطرقت إلى الأرض , غاضبة من نفسها على سوء فهمها :
- يجب أن أسأل السيدة بارف .
- سألتها ووافقت .
ارتفع رأسها بحدة :
- أنت تأخذ الأمور , وكأنها مسلم بها .
- الثقة بالنفس عامل ضروري في النجاج !
- لكنني أسمي تصرفك غروراً !
برقت عيناه فهبّت واقفة بسرعة .. وقالت :
- سأبدأ الطباعة الآن .
عندما نزلت ليليان في الصباح التالي كان جوك قد ترك المنزل.
لم تره أو تكلّمه حتى التقيا في الوزارة قبل دقائق من اجتماع بعد الظهر .
همست قمر الليل له :
- كيف كان الغذاء ؟
- لم يكن غداء عمل .. يريد مني الجنرال أن أساعد أحد أصدقائه .
- آسفة .. لم أقصد التطفل .. لم أكن أعرف أن الأمر شخصي .
- ولا أنا .. أحد مساعديه متورط بعلاقة مع " زوجة أحد الوزراء " ويريد مني الجنرال أن أساعده .
- تساعد من .. ؟ الزوجة ام العشيقة أم الحبيب ؟
- لا تغضبي هكذا! يريد مني إبعاد مساعده لبضعة أشهر لأن أقل فضيحة في الوقت الراهن قد تضرّه .
- ولماذا ؟ ليس مسؤولاً عن أخلاق موظفيه !
- الصحف مستعدة للقول بأنه كان يشجع العلاقة .. لقد أسقطت حادثة ممائلة الحكومة منذ سنتين .
تذكرت ليليان فضيحة مماثلة هزّت إيطاليا , وكادت تصل إلى زعزعة الحكومة , فقدرت موقف الجنرال الذي وضع وصوله حداً لحديثهما . انشغلت ليليان بعد ذلك طوال اليوم وما فكرت في الأمر .

كان الوقت متأخراً بعد الظهر حينما تقدمت المفاوضات , ولأن الأعضاء غير مستعدين للتوقف أقنعوا أنفسهم باستراحة قصيرة لتناول القهوة , لكنهم سرعان ما أنهوا يومهم .
كانت الساعة التاسعة عندما عاد جوك وليليان إلى المنزل .
رافقت السيدة بارف تود للتفرّج على عرض محلي راقص . كانت المائدة غنية بمآكل باردة , ولكن جوك هانيز نظر إليها باشمئزاز :
- لا أستطيع رؤية الطعام .
وتحرك فجأة نحو الدرج . كانت يده على عمود السياج عندما ترنّح فجأة . فأسرعت ليليان من غير تردّد تساعده وتصحبه إلى غرفة الجلوس حيث دفعته ليتمدّد فوق الأريكة ثم وضعت وسادة تحت رأسه .. شحبت بشرته كثيراً , فأدركت قمر الليل أن الصداع النصفي قد عاوده .
- أين هي الحبوب ؟
- في غرفتي !
هرعت إلى غرفته لتحضرها . وعادت بسرعة لتعطيه حبّتين مع كوب ماء , ثم أسرعت تغلق النوافذ وتطفىء النور .
- إن احتجتني تجدني في الغرفة المجاورة .
لم يردّ عليها , وخرجت إلى غرفة الطعام , كانت متعبة جداّ فلم تستطع أكل الكثير . بعد وجبة سريعة , عادت متسللة لتتفقده , فإذا به يغط في النوم , وإذا بأنفاسه ثقيلة . عادت إلى غرفة الطعام لتحضر بعض الطعام على صينية مع إبريق قهوة .
عندما عادت قمر الليل إليه كان لا يزال مغمّض العينين .. فوضعت الصينية على الطاولة , وجلست ولكنها سرعان ما شاهدته يراقبها :
- هل نمت طويلاً ؟
- ساعة .. حملت إليك بعض القهوة والسندويشات .
فتنهد ***** وتمطى :
- رائع .. أحسّ بالجوع .. لا شك أن فيك ما يعيد الصداع إليّ !
تناول منها أحد السندويشات .
- ربما لأنك تعمل جاهداً عندما أكون معك..فعلى أي حال، مامن أحد يستطيع مجاراتك في سرعة العمل !
ابتسم :
- في الواقع أنت ملهمتي . أشعر معك بأنني شاب حار الدماء يحاول إثبات نفسه !
تورد وجهها لكنها حافظت على هدوئها :
- وماذا لديك لتثبته لي ؟
- مدى نجاحي .. أليس هذا ما يعجب النساء في الرجل ؟ النجاح والقوة .. فما إن يكتشفن نقطة ضعف فيه حتى يستخدمنها لتدميره !
- نظرتك إلى المرأة نظرة عدائية .
وضع السندويش نصف المأكول من يده , وكأنه يجده بلا طعم .
تمتم : " ربما .. أتظنين أن من الخطأ أن يكون المرء مكتفياً معتمداً على نفسه ؟ إنها أفضل طريقة للعيش .. فعندئذ لا يقدر أحد على أذيتك " .
- لا يمكنك العيش بمفردك .. هذا إذا كنت ترغب في حياة طبيعية .
- حياتي طبيعية !
- بلا حبّ ؟
- لدي الحب الذي أحتاجه !
- الرغبة ؟
- لا أظن أن لديك حباً فما تتحدث عنه هو " كل شيء" إلا الحب .
- إنها السبب الوحيد الذي يدفع الرجل إلى الزواج.
- وهل تصدق هذا حقاص؟
- أجل..فالرغبة أقوى قوة دافعة على وجه الأرض.
- لكنها ليست الوحيدة.
- بلى فيما يتعلق بعلاقة الرجل بالمرأة.
- إذا كان والدك من رباك على هذا الاعتقاد, فلا عجب أن يكون زواجه فاشلا !
صدر عنه صوت مخنوق , فتوقفت مذعورة عن الكلام, وشعرت بالأسف لأنها فقدت قمر الليل السيطرة على لسانها..
قال بصوت هادىء مدهش :
- أنت لا تحجمين أبدا عن الهجوم .. أليس كذلك ؟ لكن أعتقد أن عليّ الإيضاح أن مشاعري هي خاصة بي , وأن لا علاقة لها بتصرفات أبي.
ردّت بعناد :
- لكنه من ربّاك. لا شك في أنه أثر كثيراً في طريقة تفكيرك.
أصبح غير هادئ الآن :
- أنت عنيدة .. أتشيرين إلى أنه كان مخطئاً ؟
- أشير إلى أن عليك تكوين حكمك الخاص .
- بشأن ماذا ؟
- بشأن أمك.
- ليس لديّ رغبة في مناقشة تصرّفات أبي نحو أمي.
- إنما هذا ما غيَّر حياتك كلها. إن تصرفاتك تجاه النساء متأثرة بكل ما علمك إياه أبوك!
- تعرفين الكثير عن حياتي الخاصة.
- عملت في شركتك , وعملت معك , والناس يتداولون الشائعات.
- هذا ما يبدو .. ولكنها شائعات مغرضة , فقد أحبّ والدي أمي , وعندما تركته تحطم قلبه .. لقد بذل ما بوسعه لا ستعادتها.
- ولكنه تركها تعيش كما تريد.
- وماذا عن واجبات الزواج ؟
- الزواج جزء من الحياة لا الحياة كلها. لم تتوقع أمّك من أبيك أن يتخلى عن عمله ليخصّص نفسه لها طوال الوقت طوال الوقت !
- لاتكوني سخيفة !
- ما أقول ليس أسخف مما كان يريده أبوك. كانت أمك عالمة أحياء ناجحة عندما تزوجته .. فلماذا يتوقع منها أن تتخلى عن مهنتها ؟
- من واجب الزوجة أن ..
- أن تحب زوجها وعائلتها. إنما هذا لا يعني أن تتخلى عن حياتها الخاصة ! وما دام والدك يريد هذا النوع من النساء , فلماذا لم يختر سواها؟
ردّ بغضب :
- ربما ما كان على أمي أن تتزوّج أساسا , بل ما كان عليها الإنجاب ! أم تظنين أن من الطبيعي أن تهجر المرأة زوجها وطفلها من أجل بعض الأبحاث في مكان ما من العالم ؟
- وهل هجرتك؟
- ماذا تعنين بهذا ؟
- عرفت أن أمك كانت تصحبك أينما رحلت.
- كانت تصحبني معها حتى بلغت السادسة.
- ست سنوات زمن طويل. فلماذا تتكلم عنها وكأنها هجرتك في المهد؟
- هكذا كان إحساسي.
- لأن والدك أراد منك أن تشعر بهذا ! كان يريد منك أن تشعر بالذنب لأنك تحب أمك , وكان أن وصل بك الأمر أن شعرت بأنك لم تعش معها يوما. ولهذا تتحدث وكأن السنوات الستة الأولى من عمرك غير موجودة.
- أنت تتخيلين استنتاجات لا وجود لها.
- وهل هي فعلا خيالات ؟ .. أنا أبني كلامي على أمور قلتها وقمت بها وعلى تصرّفاتك مع النساء .. فأنت تؤمن أن المرأة تخطىء عندما ترغب في الزواج والعمل في آن واحد. ولهذا أمضيت ومازلت تمضي أوقاتك مع نساء جميلات غبيات وتهرب بعيدا عن أي ذكية ! فإن لم تدرك أن مثل هذا التصرف ينسجم مع التخلف , فوالدك إذن لم يلقنك ما تؤمن به فقط , بل غسل دماغك كذلك !
ومضت عيناه غضبا :
- ما دام هذا رأيك , فلماذا تهدرين وقتك ؟
- لأنني أعتقد أن هناك أملا! أعرف أنني أزجّ أنفي في ما لا يعنيني , ولكني لا أستطيع منع نفسي .. ألا تعتقد أن نسيانك للسنوات التي عشتها مع أمك دليل على شعورك بالذنب , لأنك تحبّها ؟
- الذنب ؟ لا بدّ أنك تمزحين !
- لا أمزح .. شعرت بأن حبك لأمك هو عدم ولاء لأبيك , وإلا لماذا تستمر في الإصرار على أن المرأة المثالية بالنسبة لك هي من ليس لديها حياة منفصلة عن بيتها وعن عائلتها ؟ لو فكرت مليا لعرفت أنني أقول الحقيقة , ولكنك مصمّم على اتباع ما علمك إياه أبوك حتى تبرهن أنك ابن بار.
- لكنه مات ..
- إنما لم تمت ذكراه.
ردّ بهدوء :
- هذا صحيح .. لأنني مازلت أذكر تعاسته .. ولا تستغربي إن لمت أمي على تعاسته.
- ولماذا تلومها ولا تلومه ؟ لماذا لا تتقبل واقع أنهما زوج غير متجانس.
- يصعب نسيان الماضي .
- على الأقل حاول ألا تجعل الذكرى قاسية.
ردّ ساخرا :
- أعتقد أنك تريدين مني أن أصدق أن أمي كانت رائعة؟
- ألم تكن رائعة ؟ سمعت أنها كانت ذكية في مضمار عملها. من الواضح أنها أحبّـتك , وإلا لما أرادتك معها. لا تلمها لأن والدك أخذك منها.
- كان يريدني كذلك.
- هنا المشكلة , كان كل منهما يريدك .. لكن لماذا تلوم أمك ؟
- لأنها هي من تركت المنزل.
- كانت ذات عقل مفكر تريد استخدامه .. لو حاول فهمها .. لالتقيا ..
- كيف ؟ بأن يترك عمله ويلحق بها ؟
سحبت قمر الليل نفساً عميقا:
- ربما كانا سيتمكنان من التوصل إلى حل وسطي , إن كل ما أريد منك أن تعرفه أن أمك لم تكن مخطئة بالكامل.
- وهل سيجلني هذا أحب امرأة ذات عقل راجح؟ لماذا لا تتقبلين واقع أنني أفضل الغبيات اللواتي لا يطالبن بشيء؟
- إذا كان هذا ما تريد , إذن لقد هدرت وقتي في محادثتك وأنا آسفة.
- لست آسفة أبداً لأن شعلة المعـركة ما تزال في عينيك !
حدقت إليه مدهـوشة .. لقد توقعت غضبه , وفوجئت بمرحه.
فتحركت نحو الباب , لكنه سبقها إليه سادّاً عليها الطريقة وسألها برقة :
- لٍمَ لا تقبلين بي على ما أنا عليه ؟
ردّت بحذر :
- ليس من واجباتي أن أتقبلك .. فأنا من الفتيات اللواتي لا تحبهن .. أحب عملي , وأتمنى أن أؤسـس عملاً خاصاً بي في عالم التصوير!
قبل أن تدرك ماينوى كان قد شدها إليه:
- أنا مستعد لغضّ النظر عن هذا .. ما أعندك. لا شك أن السبب هو لون النار في شعرك الأحمر!
حاولت أن تبتعد عنه ، لكن حركتها جعلته يشدها إليه أكثر ، نظرت عيناه في عينيها .. عندما ردت إليه نظرته وجدت أن لون عينيه يزداد كثافة .. أم تراها كانت انعكاس صورتها فيهما؟ قال بصوت أجشّ:
- لا شك أن هناك وسيلة لإسكاتك.
انحنى إليها يعاتقها، إنه الاتصال الأول بينهما..ومع أنها طالما حلمت بهذه اللحظة، إلا أن حقيقتها كانت صدمة لكبريائها.
قاومته بغضب، دفعت ظهرها إلى الوراء لتدفعه عنها، لكن ذراعيه ازدادتا إصرارا، التحم قدها المياس بقده الرشيق فيما كان وجهها طوال الوقت مدفون في صدره، يسعى إلى التفتيش عن رد لهذه العاطفة المشبوبة التي تاقت للاستجابة لها.
ولأنه وجدها تقاومه، أصبح أكثر تصميماً على جعلها تستكين. فزاد ضغطه عليها إنما بلطف ورقة و بطريقة أخذت تنزع سلاحها تدريجياً..لكن حتى و مشاعرها المفعمة بالحب تصرخ مطالبة، استولى عقلها على زمام الأمور بقوة أدهشتها هي فدفعته بعيداً وهي تصيح :
- اتركني وشأني .. لا يحق لك ان تستغلني!
لاحظت أن في عينيه ما لا يمكن سبر غوره ..
قال : " هذا آخر ما أودّ فعله. أنت إحدى النساء القليلات التي أستطيع الوثوق بهـا " .
- رغم ما قلته لك ؟
- ربما بسببه .. أنت على الأقل تنظرين إليّ كإنسان له حقوقه , وعليه واجباته , لا كإنسان ثري فقط !
- وأنت تحصل على ما تستحق.
ضحك :
- أما زال لسانك سليطاً بحقي ؟
- آسفة .. لم أقصد هذا.
- أظهري لي إلى أي حد أنت آسفة إذن.
واحتوتها ذراعاه ثانية، في هذه المرة لم تقاومه، بل امتدت ذراعاها إلى عنقه، تشده هي اكثر إليها وكانه أمير أحلامها.
لم يكن في لمسته نزعة للسيطرة، بل عاطفة لجوج مستعرة.
فقد الوقت معناه وهويته وأصبحا فقط رجلاص وامراة..كان عقلها يشدها إلى الخلف فمت هذا هو الحب الذي كانت تحلم به.. ومن الأفضل ان توقف ما يجري بينهما، قبل ان تكره نفسها إلى الأبد.
صاحت قمر الليل :
- لا أستطيع.. إنه تصرف غير سيلم!
- بل هو سيلم جداً! وانت شابة جميلة جداً.
زادت لهجته أكثر من كلامه حدة غضبها، فقالت:
_ إنه تقارب..كذلك الرجل الذي تزوج من سكرتيرته!
تراج جوك:
- الشيء الوحيد الذي يفسد فتنة النساء هو عادتهن في تذكر كل شيء! لو كان للتقارب علاقة في عناقي هذا، لفعلت ذلك منذ أسابيع أو منذ أشهر حتى، وجدت فرصاً كثيرة سانحة.
- كنت أبدو مختلفة يوممذاك.
- ما تبدين عليه غير مهم .. إن طريقة كلامك وتفكيرك هما المهمّان , وهذا ما كان دائماً نفسه .. حتى الآن وأنا أفكر فيك , أتذكر كيف كنت تبدين .. قلت لك هذا من قبل.
لم تعرف ما تقول , فاتجهت الاتجاه السليم :
- كان يومنا طويلا , أنا متعبة وأريد الإخلاد إلى الفراش.
كانت يدها على الباب عندما طبقت يده على يدها :
- أنا آسف حقاً ليليان. أرجو ألا يؤثر ما جرى على عملك معي ؟
كبحت قمر الليل ارتجافها .. يا لا هتمامه بعدم خسران سكرتيرة قديرة!
- ولماذا يؤثر .. حتى أكثر الناس سيطرة على أنفسهم ينسون هذه السيطرة أحياناً !
ردّ بقسو :
- أنا لم أنس بل كنت أتذكر.
- تتذكر ماذا؟
- رقتك .. تفهمك ..
تمنت لو تصدق ما يقوله , لكنها تعلم أن هذا أمر خطير .. ردّت بخفة :
- كنت أفعل ما بوسعى لأرضيك.
برقت عيناه:
- أيعني هذا أن أعتبر رقتك وتفهمك جزءاًً من الخدمة العادية؟
- أنا أخدمك مؤقتاً فقط. أتذكر؟
كانت ضحكته صادقة فسارعت إلى الابتعاد قبل أن يرد .. لكن مشاعرها بعناقه كان ملتصقا في كيانها كقطعة ذهب ن***ة مخبّأة بعناية لئلا تختفي بسرعة...إن هذا العناق الذكرى الوحيدة منه..لكن عليها ألا تسمح لماحدث بأن يتكرر.
كان نومها تلك الليلة متقطعاً .. في السابعة صباحاً , نهضت وارتدت ثوب سباحة, ثم اتجهت إلى المسبح. سبحت نصف ساعة , ثم تعبت , فاستلقت على ظهرها لتعوم ولتستمتع بدفء الشمس على وجهها.
- استيقظت باكراً ليليان.
أجفلها الصوت الممطوط فشهقت , وغاصت إلى الأسفل لتعود إلى السطح بعد ذلك وهي تسعل.
- سيد هانيز! لم أشاهدك تتقدم.
امتدت يداه القويتان لتجذباها من المسبح:
- لم أشأ إخافتك ! إنما لا أدري لما يصدمك وجودي .. هل بمقدورك التوقف عن مناداتي السيد هانيز ؟ لقد تجاوزنا مرحلة الألقاب.
- إن هذا التجاوز هو أرقني ليلة امس، وأود الاعتذار ثانية على ماتماديت به.
- إنسي الأمر.
مدد ***** قدميه حيث جلس قبالتها، وأردف:
- واناكذلك لم أنم كثيراً , فلم أتوقف عن التفكير في ما قلته لي .. كلامك كان مقنعاً ليليان .. كنت ستنجحين لو كنت عالمة نفس.
- بل سأكون سيئة لأنني سأتورط بالمشاكل التي أمامي.
- مع ذلك تتورطين من أجلي.
- نحن نتكلم عن أمرين مختلفين , فالتورط في عمل شخص غير التورط في حياته الخاصة !
- لكن حياتي هي عملي.
- هذا ما يؤسف عليه!
وقفت قمر الليل لتعقد روب الحمام, فقال :
- لا أحتاجك هذا الصباح .. فاخرجي مع أخيك إذا شئت.أشعر بالذنب لأنني أحول دون خروجك مع أخيك.
- أنا سعيدة بمجرد وجوده هنا, فإن كنت ستمنحني إجازة لهذا السبب ..
ردّ باختصار:
- ليس لهذا السبب. لو كنت بحاجة إليك لا ستخدمتك.
- حاضر سيد هانيز.
- لا تناديني بالسيد هانيز!
- إنها العادة.
- إذن أجبري نفسك على التخلص منها! لم يكن هذا صعباً علي.
ردّت بعذوبه :
- لا أملك قوّة إرادتك.
سمعت ضحكته الساخرة , وهي تركض على المرجة متوجّهة نحو المنزل.




lola @ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-04-10, 03:53 PM   #9

lola @
 
الصورة الرمزية lola @

? العضوٌ??? » 108977
?  التسِجيلٌ » Feb 2010
? مشَارَ?اتْي » 3,648
?  نُقآطِيْ » lola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond repute
افتراضي


8-امرأة كاللؤلؤ


أمضت ليليان معظم فترة قبل الظهر بالتجوّل في المدينة, للزيارة والاستمتاع بالتقاط الصور .. لدى عودتها إلى المنزل شاهدت كوني ماولنغ تنزل من سيارتها. بعد التحية أبلغتها الفتاة أنها مدعوة للغداء مع جوك:
-من المفترض أن أتناول الغداء مع جوك , فأرجو ألا يتأخر.
أشارت ليليان إلى شخص يتقدم نحوهما :
-أنا أراه.
قبل أن يصل كانت قد قفزت قمر الليل صاعدة الدرج متوجهة إلى المنزل. غشيت الدموع عينيها, فلم تشاهد تود إلا بعد اصطدامها به .. فضحك لها وأمسك بها , ثم أجبرها على الردّ على ابتسامته ،حينها نظرت إلى الأكياس التي يحملها.
-لا تقل إن أخي الذكي وقع في ما يقع فيه السواح من تفاهات.
-الأشياء رخيصة هنا, لذا من الجنون ألا أشتريها.
-وماهي هذه الأشياء؟
-ترؤوس تماثيل , غليونات محلية و رؤوس لبوذا. أستطيع بيعها في أميركا بما يزيد عن ثمنها بعشر مرات.
-لكنك ستدفع ما يزيد عن ثمنها أضعافا لتنقلها !
-فكرت أن تأخذي معك قسما منها , فلن تمكثي هناك إلا أسبوعا. لا أظنك بحاجة إلى حمل حقائب كثيرة.
أخذت ليليان قسما من المشتريات , وهي تتوجه إلى الطابق الثاني. كانت تحس بجوك وكوني يراقبانها, وارتفع حاجبا جوك عندما رأى ما تحمل :
- ليست لك؟
ردّ تود:
- إنها لي , ولكن ليليان ستأخذها.
ضحكت كوني , ونظرت إلى جوك بتملك :
-للشقيقات فوائد هنّ .
ارتقت ليليان بسرعة الدرج خافقة القلب خفقانا كاد يتعالى على كل الأصوات .. ولأنها لا ترغب في رؤية جوك وكوني معا , تناولت الغداء المكوّن من بعض الفاكهة في غرفتها , ولم تنزل حتى بعث جوك خادمة تستدعيها.
قال لها متوترا حينما وصلت إلى الردهة :
-قلت لك إنني سأحتاجك بعد الظهر.
-لم أكن أعلم أنك بنتظاري.
-لقد غادرت كوني المنزل بعد الغداء مباشرة .
وخرج نحو السيارة مشيرا إليها بنفاد صبر حتى تصمد. شعرت بسبب إحساسها بوجوده بأن كل عرق في جسدها ينبض. مع ذلك لم تعط الدليل على عذابها .. ولكنها لم تجد كلما تقولها لتكسر الصمت , بل استمرت ذكرى حواهما ليلة أمس تسيطر على تفكيرها , وهذا ما جعلها ترتجف .. فقال جوك برقة :
-لا تنزعجي كثيرا ليليان ..

أحسّت قمر الليل بصدمة تسري في جسدها , هل تبدو أفكارها واضحة هكذا ؟
-ليس تود بطفل. سيكون بخير عندما يعود بمفرده إلى البلاد , بل رحلة العودة آمن من رحلته إلى هنا.
أحسّت بالراحة لأنه لم يفهم أسباب حزنها .. لكنه لم يصدقها عندما قالت له إنها ليست قلقة على أخيها.
-بل أنت قلقة .. هذا ما أراه في عينيك عندما تنظرين إليه .. مشكلتك أنك تحسين بأنه بحاجة إلى حمايتك.
-إنه شعور أشعر به تجاه جميع من أحبّهم ومن أشفق عليهم.
-ما تراه النساء حماية , هو في الواقع كبت !
-من الأفضل أن نترك هذا الموضوع،فأنت تعلم إلى أين أوصلنا ليلة أمس.
فهمت قمر الليل متأخرة ما قالته ، ومه أنها أبقت عينيها بعدتين عنه إلا أنها أحسّت بنظرته الحادّة .. وعندما تكلم كان الموضوع مختلفا كل الاختلاف.
-أعرف أنك تريدين البقاء مع السيدة بارف حتى تنهي عملها هنا .. ولكن مارأيك بالعودة إلى العمل عندي لاحقاً؟
-ليست العودة بمحمودة العواقب.
-لا تكوني سخيفة ! فكري في الأمر ليليان .. أنا أحبّذ العمل معك أكثر من أي كان .. أنت تفهمينني .. معك لا أجدني بحاجة إلى شرح الأمور , فكري.
كانت الرغبة في القبول قوية.
-لا .. جوك .. لن ينجح هذا. لن أعود إليك.
ما تبقى من الأسبوع , كانت مشغولة جدا بحيث لم تستطع التفكير في نفسها , وما إن اقترب العيد حتى أمسك جوك بزمام المفاوضات بيد ثابتة .
قررت السيدة بارف إقامة عشاء تقليدي بمناسبة العيد , ثم قرّرت تزيين المنزل , فكان أن تولى المهمة ليليان وتود , فأمضيا عدة أيام وهما يعلقان بسعادة حبال الزينة.
علق جوك على التحضيرات :
-قد أبطل الاحتفال بالعيد لو استطعت .. إنه أسوأ فرصة في العالم لاجتماع العائلة .. وهو في الغالب يقود إلى الشجار. يقول علماء النفس إن عياداتهم تمتلىء بالمرضى لأشهر بعد هذه المناسبة.
-يؤسفي شعورك هذا, لكنني أعتقد أن الزينة سخيفة بدون أطفال يستمتعون بها.
-أنت طفلة ... وأنت تقومين بالزينة لنفسك.
تذكرت ملاحظته عندما كانت تشتري له هدية .. بعد تردّد, اشترت له مثقلة ورق للقرود الحكماء الثلاثة ذات العيون والآذان والأفواه المقفلة .. بعدما لفتها تساءلت عما إذا كان سيقرأ منها أكثر مما تعني.
لأن السيدة بارف تعلم أن إعلان سهرة مفتوحة سيجلب الكثير من الزوّار قرّرت أن تجعل المناسبة عائلية فقط , مع أنها دعت كوني ولوك. وكانت السيدة قد دعت لوك على الرغم من احتجاجات ليليان التي رأت أن من غير اللائق دعوته بعد رفضها الزواج به, ولكن بسبب وجود جوك في المنزل قرّرت استغلال وجود لوك كدعم عاطفي لها, وكتغطية لمشاعرها في الوقت نفسه.
كانت ساعات الصباح الأولى عند ليليان ساعات مغلقة بالحزن لأنها تذكرت الأعياد السعيدة التي أمضتها مع أخيها ووالديها .. ولكن ما إن تجمع الجميع في منتصف النهار حتى ولّى حزنها وحل محله المرح.
صاحت قمر الليل بسرور عندما تسلمت هدية السيدة بارف وهي عبارة عن عقد ذهبي وقرطين, بينما تسبّب خف تود الصوفي بضجة ضاحكة, أما زجاجة العطر الكبيرة هدية لوك, فجعلتها تدرك أنه رغم حبّه لها , فهولا يفهمها أبدا.
فاجأتها هدية جوك .. وفيما هي تنظر إلى القلادة ذات الحجر اللازوردي , القابعة في علبة مخملية سوداء , تمنت لو أنها فتحتها بعيدا عن العيون المحدقة إليها .. أحست وهي تمسك السلسلة الذهبية الرائعة بين أصابعها بجوك يتقدم ليركع إلى جانبها.
-أعجبتك ليليان ؟
-إنها رائعة .. متى وجدت الوقت لتشتريها ؟
-اشتريتها في أميركا.
جلست قمر الليل مذهولة تحدق إليه:
-لكنني . كيف عرفت أنك ستقابلني هنا؟
-كنت هنا .. وكنت أنوي رؤيتك.
-هل تعامل دائما سكرتيراتك السابقات بهذا السخاء ؟
-فقط عندما يبقين في ذاكرتي ! أودّ رؤيتك تضعينه.
وضعته حول عنقها ولكن أناملها تعثرت بإقفاله فمد يده يساعدها، فكان أن استراحت يداه للحظات على مؤخرة عنقها.. استدارت ببطء تواجهه,فاستقرّت عيناه على الحجر الأزرق العميق اللون المستريح بدلال على جيدها.
همس لها :
-خلق جيدك للألماس. سيقدمها إليك لوك لوقلت له الكلمة المناسبة.
-لست بحاجة ماسة للألماس !
-أرجو أن يظل هذا هو شعورك دوماً .. لا تتزوجي أبدا من أجل التقارب.
هناك في عينيه شعلة تحترق للحظات ثم تموت. قال لها :
-يجب أن أرى هديتي.
ما إن رأى القرود الثلاثة , حتى التوى فمه, ورماها بنظرة ممتزجة ما بين المرح والتوتر :
-لا تستطيعين مقاومة النصح حتى وأنت تشترين لي هدية ! أتصفني هذه القرود في الوقت الحالي أم تراك تريدينني على هذا الحال ؟
-إنها مجرد مثقلة للورق . لم أشأ أن تكون تعليقاً على شخصيتك !
-لا أصدقك. لكنك على الأقل لم تشتر نسخة عن تمثال " رودين " عن القبلات الثلاث .. ألا ترين أنها أنسب من هذه الهدية.
لم تستطع التفكير في ردّ لاذع , فوقفت وتقدمت إلى وسط الغرفة .. وفي سائر النهار تمكنت من تجنب مكالمته مع أنها كانت تشعر بالغيرة لأنه سيغادر المنزل ليقضي ما تبقى من يومه واليوم التالي في منزل كوني ماولنغ.
بذلت ما بوسعها لنسيانه, ولكنه لم تستطع نسيان التلميحات المتعدّدة التي كشفها والتي تدل على أنه رجل وحيد .. إن مثل هذا الرجل بحاجة لزواج ذهني فكري إضافة إلى زواج جسدي , لكن إن لم يتمكن من الهرب من ماضيه , فلن يتقبل أبدا هذا الواقع ..
تمنت ليليان من كل قلبها لو تتمكن من دفعه إلى إدراك هذا الأمر. تعرف أنها لن تشاركه مستقبله, ومع ذلك يؤلمها أن تفكر في ما يفعل بنفسه.
صممت في الصباح التالي , ألا تكون في المنزل لدى عودة جوك , فكان أن خرجت مع تود إلى الأستوديوم الكبير لمشاهدة حفلة ملاكمة. كانت رياضة وطنية, والطريقة التي يقدم فيها اللاعبون على الحلبة طريقة ساحرة , فهم يرتدون أروابا حريرية , وكل لاعب منهم يصل إلى زاويته المحددة له حيث يركع ويصلي , ثم تزال الأرواب وتربط الرؤوس برباط ومقدس, ويبدأ باستعراض أمام مشجعيه , ويقدم فروض الطاعة لروح مدرّبه وأستاذه .. بعضهم يتحرك كراقصي الباليه , وبعضهم كالبهلوانات , ولكن ما إن تنتهي هذه المقدمات وتبدأ المنافسة حتى يسود العنف على كل شيء.
تغلب الغثيان على إعجاب ليليان بسبب ما تراه من عنف أمامها , وأحست بالفرح عندما دق الجرس مرسلاً كل مقاتل إلى مكانه للراحة. لم تصدّق أن لهذا الشعب الرقيق الضئيل الجسم مثل هذه الرياضة الوطنية العنيفة..
في نهاية الأمسية كانت مرهقة : أولا بسبب ما شاهدت , وثانيا بسبب خوفها مما يسبّبه هذا العنف من إصابات خطيرة.
بعد يومين من هذا سافر تود عائدا إلى ريتشموند, وكانت ليليان غارقة بالعمل درجة لم تشعر معها بالتكدّر بسبب سفره .. وكان المؤتمر قد حقق درجة عالية من النجاح, ومع أن هناك بعض نقاط الخلاف إلا أن جوك كان مقتنعا بسهولة التغلب عليها.
أبلغ الجنرال لوك أنه سيقيم حفلة للوفد بعد يومين. وبعد اتنهاء الاجتماع تقدم الجنرال ليحدث السكرتاريا , مشجعاً وشاكراً جهودهما , مع أنه وجه معظم كلامه إلى ليليان.
-عرفت أنك كنت تعملين عند جوك هانيز في أميركا .. وأنك تركته بسبب رغبتك في السفر.
فابتسمت قمر الليل:
-لكنني مازلت أعمل عنده !
-هذا لأنه سافر هو أيضا ! أتمنى رؤيتك في حفلتي ؟
-لم أكن أعرف أن السكرتيرات مدعوّات.
-طبعا مدعوّات , ما من أحد مهما كان صغيرا إلآ وله أهميته في الدولاب الكبير !
بعد ليلتين حين وقفت قمر الليل في قاعة الرقص المشعّة في فندق كيزون انترناشيونال لتراقب الراقصين في الحلبة .. كان لوك كونه مساعداً شخصياً للوزير مضطراً للتجوّل بين المدعوّين , ولمجاملة الأطراف , فأحسّت بأنها تسير في حديقة عامة .. تابعت المسير بكسل من ممر إلى آخر , تلوّح بالكاميرا .. لم تستخدم حتى الآن سوى نصف فليم. قررت أن تضع الكاميرا في غرفة الملابس مع معطفها حالما تعود إلى الداخل. استدارت لتعود ولكن صدمها منظر السقف الضخم الذي بدا رأسه مدبباً , وكأنه طاعن في السماء المعتمة. وهي هناك واقفة شاهدت من بعيد رجلاً وامرأة , فارتدت إلى الوراء بحدة لأنها لا تريد أن تقاطع مشهداً غرامياً.
أحست قمر الليل أن ما بين هذين الشخصين أمر سرّي .. فكرت بأنهما يقومان بعملية تخريبية. أخذت نبضات قلبها تتسارع , وحرّك النسيم الخفيف أغصان الأشجار, ولامس النور الفضي رأس المرأة .. إنها كوني ماولنغ.
سرعان قمر الليل ما استرخت أعصابها , والتفتت ثانية إلى الفندق فاكتشف أن منظره من هذه الزاوية مختلف .. فرفعت الكاميرا لتسجل الواقع. وفيما هي تلتقط الصورة شاهدت الرجل الذي يرافق كوني يعطيها لفافة لها غطاء مذهب انعكس نور القمر عليه. جعلتها حركتهما المفاجئة تنتفض فارتدت إلى الوراء فقفلت راجعة إلى الداخل.
صدمها الهواء المبرد في الداخل .. وبعد اسوداد الليل ولون القمر الفضي بدت لها ألوان الفساتين المبهجة وألوان البدلات الكاكية الرسمية مختلفة ..
سألها صوت عميق :
-أتسمحين ؟
التفتت قمر الليل فشاهدت جوك أمامها. لحقته بصمت إلى باحة الرقص , حيث خفت الأنوار فوق الرؤوس , وتلاشت إيقاعات السامبا العنيفة , وحلت محلها نغمات السلو الناعمة , تردّد ضرباتها موسيقى ضربات قلبها.
-أنت المرأة الوحيدة التي ترتدي الأسود .. يجب أن ترتديه دوماً.
-لماذا ؟ لأنه يبقيني في الصفوف الخلفية ؟
-لا .. بل لأنه يبرز ألوانك , فأنت تبدين بهذه البشرة, وبهذا الشعر فاتنة.
-شكر لك سيدي.
-أعني ما أقول .. لقد جعل الأسود بشرتك تشعّ كاللؤلؤ.
اشتدّ إحراجها , فحاولت إخفاء مشاعرها.
-لؤلؤ صناعي .. تربية مزارع ؟
-لا هذا ولا ذاك , بل أنت من الصنف الطبيعي .. مع أنك الآن تتصرفين بتصنّع ! ما بالك ليليان .. هل مراقصتي تجعلك متوترة ؟
وجدت أن الحقيقة هي أفضل أنواع الكذب , فقالت :
-بل تخوفني .. بعد رقصك مع كل هؤلاء الجميلات , لن أبدو جميلة في عينيك.
ضحك : " مازلت تبدين لي صغيرة .. ربما لأنك رشيقة الجسم ".
أخطأت خطوة في الرقص , فهزها *****:
-هل أنت متعبة من مراقصتي ؟
-متعبة فقط.
-أجهدتك بالعمل. عندما نعود من سفرتنا إلى أميركا, عليك أن تأخذي عطلة. يمكنك قضاء وقت في قصر كوني الريفي .. السباحة هناك رائعة.
-كوم منك أن تعرض عليّ ضيافة شخص آخر!
-لن تمانع كوني .. وهي لن تكون هناك على أي حال .. ستسافر بعد حوالى الشهر .. يبدو أنك متعبة.
وجذبها إلى خميلة تظللها ورود جميلة لا رائحة لها , وتمتم لها :
-هذه الورود كالنساء الجميلات .. منظرهنّ رائع إنما ينقصهنّ العطر الأصيل !
-ظننتك بحاجة إلى الجمال فقط.
-ما الذي يجعلك قادرة على الحكم على ما أحتاج إليه ؟
-أظنني كنت أكثر سكرتيراتك عنادا, ولا بدّ أنك سررت لأنك تخلصت مني.

-تعرفين أن هذا غير صحيح ... فقد طلبت منك العودة , ولن أكرّر عرضي. فهل من الممكن أن تغيّري رأيك ؟
-لا .. فلن ننجح.
-لكننا نجحنا هنا.
-لأن الأجواء مختلفة , كما أنني قد أكره أن تعود ربّ عملي مرة أخرى.
تنهد:
-فهمت .. قد تكونين على حق.
أحسّت قمر الليل بخيبة الأمل لأنه تخلى عن ملاحقة الأمر:
-أظن أن عليّ العودة إلى المنزل , فأنا مرهقة.
-تبدين مرهقة .. استخدمي سيارتي مع السائق. لا أريد أن تعودي بسيارة أجرة في مثل هذا الوقت.
اصطحبها نحو سيارة السفارة التي عيّنت له وطلب من السائق أن يوصلها ثم انتظرها حتى جلست في المقعد الخلفي وتمتم " تصبحين على خير" وعاد إلى الفندق .. حجبته الدموع عن نظرها وأحسّت بالسرور لابتعاد لئلا يراها .. إنها فعلا متعبة , نفخت أنفها في منديلها ببؤس .. إنها متعبة من مقاومة حبها له ومن التظاهر بأنها قادرة على نسيانه .. وكأنما المسافات قادرة على محو ذكراه !
استولى عليها اليأس كاملا , فدفنت رأسها بين يديها وأجهشت بالبكاء ..



lola @ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-04-10, 04:01 PM   #10

lola @
 
الصورة الرمزية lola @

? العضوٌ??? » 108977
?  التسِجيلٌ » Feb 2010
? مشَارَ?اتْي » 3,648
?  نُقآطِيْ » lola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond reputelola @ has a reputation beyond repute
افتراضي


9- من أجل حبك



عشية السفر, دخلت إلى غرفة جوك لتشرف على توضيب حقائبه..وجدت " مَندي " الخادم الذي عينته السفارة لخدمة جوك خلال وجوده في البلاد, يوضب له الحقائب وعلى وجهه تقطبية عابسة. أشار إلى الأشياء الجميلة الكثيرة التي يمكن أن يشتريها المرء من هنا كهدايا وكأنه يشير إلى كابوس.
- تمكنت من وضع كل شيء في مكانه إلا هذا, إنه أكبر من أن تستوعبه حقيبة من حقائب السيد.
أشار مندي إلى سبب مشكلته, لفافة مربعة ملفوقة بورق ذهبي مطروحة على السرير.. قدرت صعوبة مشكلة الخادم.. إنها أكبر من أن يحملها جوك بنفسه.رفعت قمر الليل اللفافة تهزها فقال الخادم :
- لاشك أنها هدية لشخص ما لأنها كانت على السرير بين هدايا أخرى عندما أتيت لأوضب له الحقائب.
قالت بمرح :
- حسناً, لا يمكنك تقسيمها.. ومن الأفضل أن أضعها في حقيبتي..لدي مكان شاغر.
في الصباح كان في المنزل ضوضاء السفر وعجلته. في المطار, فعل سحر الجواز الدبلوماسي , ووجود نائب القنصل معهما دوراً في تخليصهما من الإجراءات القانونية , لكن هذا لم يمنع تفتيش حقائبهما.

قال جوك بتوتر وعجرفة لمأمورالجمرك :
- قلت لك أن لا شيء معي يستحق الإعلان عنه.
- عذراً سيدي .. هذا إجراء رسمي.
سأل نائب القنصل :
- عم لتفتشون ؟ على السيد هانيز أن يلحق بطائرته.. فما من ضرورة لتفتيش الحقائب في طريق الخروج من البلاد ؟
- للأسف.. الأمر ضروري..لقد جعل طلابكم الأمر ضرورياً.
- وما شأن طلابنا بالسيد هانيز؟
لكن المسؤول هزّ كتفه ثم تحول لتفتيش حقائب ليليان .. أخرجت كل اغراض تود من لفائفها وفحصت .. أصبح الموقف حرجاً عندما وصل الدور إلى الملابس الداخلية الحريرية التي عرضت كي يجري فحصها.
تمتم جوك ساخراً:
- ربما يفتشون عن رموز كتابة على الملابس الداخلية.
أمسك الضابط باللفافة الكبيرة ففتحها ثم كشف عن إطار فيه صورة الجنرال مبتسماً ..كان الرجل من المعجبين بالجنرال ، وتأثر بما اعتبره عاطفة طبية من الجنرال تجاه هذه الفتاة الأميركية .

عندما شاهد جوك الصورة رفع حاجبيه دهشة .. فعرفت أن " مندي" لم يخبره بأمرالصورة, فتقدمت نحو لتشرح, لكن الكلمة التي صدرت من بين أسنانه أوقفتها. فاستدرات لتشاهد الرجل يعاين حافة الإطار المحفورة بأصابعه.. فقالت قمر الليل بصوت مرتفع :
- إنه إطار عادي..فلماذا تفتحها؟
- عفواً.
لكنه تابع تفحصه.. فتقدم جوك نحوه , وما إن أطل ليحدق إلى الصورة حتى انكسر طرف الإطار. فصاحت ليليان .
- ها قد كسرته ! ألا يمكنك ...
وماتت الكلمات على شفتيها حينما وضع الرجل القطعة المكسورة, وأخرج من أخرى لفافة ملفوفة بورق مشمع .. طولها عدة سنتمترات و سماكتها سنتمتران ..فتح الورق المشمع بحذر ثم شم البودرة البيضاء فشهقت:
- ماهذا بحق الله ؟
نظر إليها الرجل ببرود .
- أرجو أن تتبعيني.
- لماذا.. لم أفعل شيئاً , لا أعرف ماهذا.
نظرت إلى جوك .. لماذا ينظر إليها هكذا؟
صاحت قمر الليل ثانية:
- ماالأمر...ماهي هذه البودرة؟
- إنها مخدرات.. من الأفضل أن ترافقي الضابط, سألحق بك بعد لحطات.
لحقت الرجل وهي لا تصدق أن هذا يصيبها .اصطحبهاالرجل إلى غرفة صغيرة على نافذتها قضبان حديدية. مخدرات في إطار صورة.. يقرأ المرء عن هذه الأمور في كتاب أو صحيفة , ولكنه لا يراه على أرض الواقع.
لكنه أصابني .. أصابني أنا .. !
ماهذه الجرأة التي أظهرها جوك في إخفاء المخدرات في إطار صورة الجنرال؟ الصورة موقعة منه ليبدو الإطار جزءاً من الهدية!
إنما لماذا يفعل شيئاً مجنوناً كهذا؟ ليس من أجل المال طبعاً.. فلماذا إذن؟ أتراه تصرفاً يريد منه الإثارة؟
تذكرت ما قاله ليلة وصول تود : لاشيء أكثر إثارة من تحدّي السلطات .. عندما تملك المال الذي تحتاجه,لا يبقى أمامك ما تخافه سوى سمعتك.
وهذا ماحصل اليوم إلا أن الكارثة وقعت على رأسها, فهي التي تحمل الإطار!
انفتح الباب ليدخل جوك برفقة ضابطين .. فسألته قمر الليل هامسة:
- ماذا يجري؟
تقدم منها :
- سيحجزونك .. لماذا بالله عليك حملت الإطار؟
- لم أكن أعرف مافيه! ولو علمت لأتلفته! لم أكن أعرف!
- ستواجهين صعوبة في إثبات هذا.
-أنت تعرف الحقيقة, ويجب أن تخرجني من هنا.
- سأفعل ما بوسعي , إنما أنا بحاجة إلى وقت طويل وإلى نفوذ كبير.ألا تدركين ما يعني هذا؟ قد يدمر كل ما فعلنا. أنت سكرتيرتي .. جزء من الوفد .. والصورة موقعة من الجنرال. إن شيئاً كهذا سيغضبه.
حدقت إليه قمر الليل مذهولة وهي غير قادرة على التصديق , بكل تأكيد لن يتركها تحمل وزر جرم ارتكبه.
صاحت بسخط :
- أعرف خير معرفة ما قد يفعل هذا بالجنرال! لكن لا يمكنك أن تضع وزر الجرم عليّ! لولا ...
أمسك بكتفيها بقوة أخرستها:
- ليليان .. ! الغرفة مراقبة .. كوني حذرة فيما تقولين.
يقصد ألا تورطه, انسلت من بين يديه:
- أنت من يجب أن يكون حذراً!
- أنا أحاول .. إنها سمعتي , إنه النجاح الذي عملنا عليه خلال شهر.. سأمارس كافة الضغوط لأخرجك .. لكن قد يستغرق هذا وقتاً.. سأمارس كافة الضغوط لأخر الجنرال, لكنه مضطر إلى الحذر كذلك.جك..لكن قد يستغرق هذا وقتاً..سيساعدنا الجنرال، لكنه مضطر إلى الحذر كذلك.
- هل ستقول له الحقيقة ؟
- لافائدة ... سيساعدنا على أي حال.
-إذن ستتركه يعتقد أنني مذنبة ؟
- وهل يقلقك هذا ما دمت ستنالين حريتك ؟
- أنا أهتمّ بسمعتي كذلك.
رد بعذوبة وبصوت خفيض :
- لكنك تفكرين في سمعة شخص آخر, وإلا لقلت إن الإطار ليس لك.
- أنت تعرف لماذا بقيت صامتة.
- أجل .. أعرف. حاولي ألا تقلقي .. ما أغباك ! لماذا أخذتها؟
أقفل الباب وراءه. وأحست ليليان داخل الغرفة المربعة الصغيرة بأنها وحيدة أكثرة من أي وقت مضى.
في الصباح .. زارها نائب القنصل , ليخبرها أن جوك سافر:
- سافر؟ لا أصدق أنه ذهب وتخلى عني !
- لم يكن لديه خيار .. فهو مضطر لتقديم تقريره إلى الوزارة .. كان كل شيء مرسوماً , ولكنه سيعود بعد عشرة أيام.
عشرة أيام من السجن , حدقت ليليان إلى الطاولة الخشبية أممامها .. وهمست :
- ماذا سيحل بي ؟ لست مذنبة سيد فونزي .. أنا لم أضع المخدرات في الإطار .. بل ليس ...
رفع رأسه بحدة إلى المصباح المعلق فوق رأسيهما:
- أعرف ..
فحركت فمها بكلمات صامتة :
- هل يصغون إلى كل شيء ؟
هز فونزي رأسه الأشيب .. فتابعت صمتها .. فهل اعترف جوك لنائب القنصل أن الإطار له ؟ أيحاولون تدمير سمعتها بدلاً من سمعته ؟ على أي حال, ماهي سمعة سكرتيرة بسيطة بالمقارنة مع نتيجة مفاوضات تجارية صناعية ضخمة؟
- نحن نبذل جهدنا لإطلاق سراحك .. لم يتمكن السيد هانيز من رؤية الجنرال قبل سفره , ولكنه اتصل به هاتفياً.
- وماذا سيحصل إذا لم تستطع إطلاق سراحي ؟ إنهم يعاملون مهربي المخدرات بقسوة. أليس كذلك ؟
- إنهم متشددون بحق من يتعامل بالمخدرات الصعبة أما البسيطة فأمرها هين.
- ولكنني ذاهبة إلى السجن.
- أنا واثق من أننا قادرون على تجنب هذا .. فقد قال السيد هانيز إنه سيدفع أي مبلغ مهما كان.
- ما أكرمه!
- إنه فعلا كريم .. فقد كاد تصرفك ..
ورفع رأسه إلى فوق ثم صمت . أردف : إذ اردت شيئا فاتصلي بي رجاء.
- ما داموا مستعدين لتغريمي بالمال , فلماذا لا يغرمونني وننتهي؟
- يجب أن تخضعي للمحاكمة , إنما يأمل السيد هاينز أن يمنع الجنرال حدوث المحاكمة، إن ذلك لمؤسف.
- ولكان الأمر أعظم لو كان السيد هانيز هو ..
تذكرت أجهزة التنصت المدسوسة في الغرفة فصمتت , ثم أضافت :
- من الأفضل أن تطلب منه أن يشرح لك الأمر.. إذا كان مستعداً!
أرجع بسرعة نائب القنصل كرسيه إلى الوراء ووقف مودعاً .. ثم ترك الغرفة.
تساءلت ليليان وهي في زنزانتها كيف كان شعوره عندما فتشوا حقائبه, فلم يجدوا الصورة فيها .. وفيم فكر حينما وجدوها في حقيبتها؟ إنها متأكدة من شيء واحد وهو أنه لم يخبر أحداً بأن الصورة له, والشيء الآخر أنه سيتركها تتحمل المسؤولية وحدها.
ثبتت صحة هذا الاعتقاد عندما زارتها السيدة بارف في نهاية الأسبوع لاهثة. دخلت المرأة إلى غرفة الزوار, لتضم ليليان بعناق حار. لا بد أنها تلقت تحذيراً بصدد ما ستقول, فعلى الرغم من تدفق حديثها لم تتطرق لقضيتها بكلمة. لكن فيما كانت على وشك المغادرة أمسكت ليليان بذراعها, واقتربت من أذنها:
- أنا بريئة .. الإطار لم يكن لي.
ردت بهمس مماثل :
- أعرف.

- هل أخبرك جوك ؟
- أجل .. قال إنك تحمين شخصاً آخر.
- وهل قال لك من ؟
هزت المرأة رأسها , فتنفست ليليان الصعداء وزالت أوهامها كما يزول الضباب أمام نور الشمس.
- كان غاضباً منك جداً.
- يجب أن يغضب من نفسه أكثر.
- ولماذا؟ .. لا يمكن لومه.
نظر الحارس إلى ساعته, ولئلا تصبح الأيماءة كلاماً حضنت السيدة بارف ليليان بشدة, وذهبت.
أخذت ليليان تفكر في كلمات السيدة بارف الأخيرة. لماذا يغضب جوك منها وهي من أنقذته؟ أم أنه مؤمن أن الإطار لو كان في حقيبته لما شددوا في التفتيش.
مرت نهاية الأسبوع طويلة .. خلالها لم يسمح لأحد بزيارتها.أما السجن فكان صامتاً كالمغارة. عشية الأحد, كانت ليليان قد غاصت إلى قعر اليأس عندما تقدم منها حارس ليرافقها إلى غرفة الانتظار .. حيث وجدت لوك:
- كان عليّ أن أراك ليليان .. لم أستطع الانتظار.
لم تكن واثقة كيف تردّ عليه, فهو لم يتقدم منها ليحييها فانتظرت ليكمل كلامه:
- لماذا فعلت هذا؟ أنت لست مهربة مخدرات .. لاأصدق! ،أنت تحمين شخصاً آخر.. أليس كذلك؟
أعطتها ثقته ببراءتها الدفء. ومع أنها تاقت إلى إخطاره بالحقيقة لم تفعل .. فلو أخبرته أنها تحمي جوك لتدمر كل شيء.
سألها بعنف:
- أخبريني من تحمين؟
- لا أحد.
- لا أصدقك .. أنت بريئة .. لا يمكنك خداعي!
أجبرت قمر الليل نفسها على إخفاء سرورها لأنه مؤمن ببراءتها. قالت له بهدوء وحزم, حتى يسمع الشرطي الذي يصغي لحديثهما إلى هذه النقطة بالذات:
- لكنني لم أضع المخدرات في الإطار .. هناك من وضعها!
- من أين اشتريت الإطار؟
- لا أذكر.. ذهبت إلى محلات عدة قبل أن أجد ما أريد..
- أنت غبية مجنونة لأنك تستمرين في الكذب .. قد تسجنين سبع سنوات .. أرجوك كوني واقعية!
- أخبرتك الحقيقة .. الإطار لي , ولكنني لم أضع فيه شيئاً .. مطلقاً!
- أنت تحمين شخصاً آخر!
اريد بحدة نحو الباب , ثم التفت إليها وفتح فمه , وكأنه يريد قول شيء , لكنه صمت وخرج.
مرة عدة أيام أخرى .. وتلاشى لون البراعم عن خديها, مع أن شعرها ظل براقاً كعادته. في نهاية الأسبوع التالي زارها نائب القنصل مرة أخرى .. وقال :
- لا أخبار جديدة على ما أخشى. مازال الجنرال مسافراً, وليس بإمكاننا فعل شيء حتى عوته. نبذل جهدنا الآن حتى لا تعقد المحاكمة قبل عودته.
- وهل المحاكمة محتملة؟

- لا .. لا .. ما إن يعود الجنرال حتى يطلق سراحك.
- وبعد ذلك ماذا سيحدث لي ؟
- سيرحلونك إلى أميركا.
فهمت قمر الليل عندئذ فقط أنها بحمايتها لجوك دمرت مستقبلها.. وفقدت أي أمل في العودة إلى هنا والعمل عند السيدة بارف .. وما هي فرصتها للحصول على عمل لا ئق؟ لا يقدم الناس بسهولة على استخدام مهربة مخدرات..
قال السيد فونزي ليذكرها بوجوده:
- لا تيأسي ياعزيزتي.
ابتسمت له بذهول , وسرها أنه وقف ليخرج. ظلت شاردة الذهن كئيبة حتى اقتيدت مرة أخرى إلى غرفة الزيارة. ما إن دخلت إلى الغرفة حتى توقفت فجأة .. جوك! لقد عاد..
تقدم منها, وما إن بزر وجهه للضوء.. حتى تراجعت:
- جوك! متى وصلت, لم يخبرني السيد فونزي شيئاً!
- لم يعرف أني وصلت.. وصلت منذ ساعة ثم توجهت مباشرة من المطار إلى السجن.. لقد شاهدت تود.. وصلته برقيتك, وجاء لمقابلني حالما وصلت إلى ريتشموند.. أراد معرفة ما حدث.
- هل أخبرته الحقيقة؟
صاح منفجراً:
- الحقيقة ! هذا ما لا أعرفه..لم يقرر موعد عودتي قبل الأسبوع القادم.. إنما بعد مقابلة تود أسرعت بالمجيء.. أرجوك ليليان.. حباً بالله ليليان ..ماهي اللعبة التي تلعبينها؟
- سبق أن شرحت لك الأمر سابقاً.
- إنما ماقلته غير منطقي.. فأنت لم تعرفي شيئاً عن المخدرات في الأطار.. أليس كذلك؟
هزت رأسها نفياً.. فسألها :
- من أين حصلت عليه إذن؟ يجب أن تخبريني.
سؤاله رهيب لا يصدق, ظنت نفسها تعيش كابوساً.. أيقول لها بطريقة غير مباشرة إنه مستعد لتحمل المسؤولية. تساءلت للمرة الأولى عما إذا انهارت المحادثات.. وحتى تتحقق من نظريتها, قالت:
- هل ذهبت إلى واشنطن؟
- طبقاً.. فهذا أحد أسباب اضطراري للسفر.
- وهل كل شيء على مايرام؟
- طبعاً.. ثمة عدة أمور بحاجة للتسوية إنما كل شيء على وشك أن يتم.
- إذن يجب ألا تسمح لأي شيء بإعاقة الاتفاق النهائي.
- وهل تظنين أن عليك إبلاغي بهذا؟
- يبدو لي ضرورياً.. ما يصيبني غير مهم. قال السيد فونزي إنك ستدفع الكفالة مهما كانت, وكان واثقاً من أن صداقتك للجنرال ستساعدك في إطلاق سراحي.
- أهذا ما يهمك؟ ألن تنزعجي من وصمك بالتهريب؟
تمتمت متجنبة النظر إليه:
- اسمي غير مهم كاسمك.
- وما شأن اسمي بالموضوع؟
- له كل الشأن. سألتزم بقصتي جوك.. لذلك ارحل.. ودعني وشأني.
بد أن غضبها امتص غضبه.. قال بصوت منخفض:


- إنه الحب .. على ما أعتقد.
هزت رأسها لأن كبرياءها غدت غير مهمة, فقد دمرها السجن الانفرادي في زنزانة.
قالت قمر الليل هامسة:
- أجل .. إنه الحب.
- هل أنت واثقة من أنك لن تندمي؟
- قطعاً.
- إنما ذلك لن يؤدي إلى الزواج. أتفهمين هذا..؟ أنت في نظر العالم مذنبة.. وهذا سيلغي أي فرصة للزواج نهائياً.
- لم أتوقع الزواج.
- إذن .. أنت أشد غباء مما توقعت ! حملت إليك بعض الكتب.
ثم تركها ومضى قبل أن تتمكن من الرد.
اجتاحتها المرارة مرة أخرى.. ورمت لفافة الكتب التي جلبها جوك إلى الأرض.. إنها لا تريد شيئاً منه, بما في ذلك الشفقة أو التفهم أوالمساعدة. بل هي تفضل البقاء سجينة إلى الأبد بدلاً من أن يشتري لها حريتها!
أطلت الشمس عليها من نافذة زنزاتها الصغيرة, فأنارت الطاولة والكرسي الذي سارعت إلى ضربه بقدمها غاضبة ورمته فوق الكتب.. انحنت لتعيد الكرسي ولتلتقط الكتب المغلفة بورق مذهب.
تذكرت قمر الليل عن غير توقع منها قبة المعبد الذهبية, وهو المعبد الذي زارته في أول يوم استخدمت فيه الكاميرا, ثم تذكرت آخر مرة استخدمتها فيها في فندق كيزون أنترناشيونال.. عندما كانت تتمشى في الحديقة , وكادت تجد نفسها وجهاً أمام كوني.. ملست الورقة المذهبة بكآبة.. كانت كوني تحمل لفافة مذهبة مثلها.. كبيرة, مربعة, وكأنها إطار لصورة.
إطار لصورة..
خطرت على بالها فكرة مجنونة خيالية سرعان ما صرفتها من تفكيرها .. من الجنون التفكير هكذا.لكن..أكان جنوناً أم لا.. رفضت الفكرة التنحي, وأحست بدافع غريب إلى مقاومتها, ولكنها علمت أن عليها التفكير ملياً, إما لإثباتها وإما لصرف النظر عنها نهائياً.
عبست ليليان مفكرة : لن يثق جوك بأحد في مثل هذا. لذلك, لا يمكن أن تكون كوني متوطة.. الرزمتان متشابهتان, ولكن تشابههما لا يعني شيئاً في بلد يكثر فيه هذا النوع من الورق!
خطرت لها فكرة مجنونة أخرى.. لنفترض أن كوني متورطة وأن جوك لا يعرف شيئاً؟
لا..لا بد أن غيرتها من كوني هي التي تدفعها إلى إساءة الظن بالفتاة..أو أن تفكيرها المنطقي هو ما قادها إلى هذا التفكير؟
إنه الواقع المنطقي.. واقع وجود رزمة مربعة ملفوفة بورق مذهب, تماثل في الحجم والشكل إطار الصورة.. وقد يكون هذا كله من عمل ذراع الصدف الطويلة..غير أن هذا الاحتمال يقود إلى سؤال يحتاج إلى رد: هل جوك بريء؟
ماذا لو أعطته الفتاة الصورة هدية ثم أتى شخص آخر خبّأ المخدرات فيها.. وربما هذا ماجعل رجال الجمارك يبحثون عن المخدرات, لأن شخصاً ما أبلغهم بوجودها, بقصد الإساءة إلى اسم جوك. الدافع لا يحتاج إلى تفكير... إن تدمير اسمه يعني تدمير المفاوضات.

راجعت قمر الليل بحذر في ذهنها كل ما قاله جوك .. ثم أجبرت نفسها على العودة إلى حديثهما قبل سفره.. إن تذكر الأحداث لأمر صعب إلا أن ما تذكرته كان كافياً لإقناعها تقترب من الحل.
اتهمها جوك بأنها تحمي شخصاً..فإن كان بريئاً, فهذا يعني أنه يشير إلى أخيها تود.. كان جوك في الردهة عندما أعطاها تود بعض المشتريات لتحملها معها إلى أميركا.إذن جوك افترض أن أحد هذه المشتريات هو إطار الصورة, ولكنه عندما التقى بتود في أميركا علم أنه بريء, فتساءل من هو الذي تحميه.
ما أغباها لأنها لم تدرك هذا كله عندما سألها بغضب هذا السؤال بالذات. كان يحاول إبلاغها أن تود بريء, ويحاول معرفة من أعطاها الصورة أصلاً!
جعلها هذا التفكير تواجه الحل الوحيد..شخص ما دسّ الإطار في أغراض جوك.. هاهي الشكوك جميعها تدل على كوني ماولنغ!
إنما لماذا ترغب كوني في تدمير سمعة جوك؟ أجبرت نفسها على الهدوء حتى تتوصل إلى الحقيقة.
حاولت ليليان لما بدا لها وقتاً أبدياً أن تتفهم الوضع غير المعقول .. هي واثقة الآن من أن جوك بريء, وبأن شخصاً ما يريد إظهاره بمظهر المذنب, وهي مقتنعة كذلك بأن هذا الشخص هو كوني..
لكن كيف لهذه الملخوقة الرقيقة التي لم تعان عائلتها من رياح الحرمان منذ أجيال طويلة, أن تكون قومية متطرفة؟.. الفكرة سخيفة .. مع ذلك.. للقوميين مبادئهم التي قد تروق للكثير من الناس مهما اختلفت مستوياتهم. فإن كانت هذه المبادىء اجتذبت كوني , فستكون المبرر لعملها.. وماأشد ما كان عملها ماكراً!
لكن الإثارة التي شعرت بها بسبب ما اكتشفت سرعان ما خبت. نعم ما توصلت إليه منطقي وسليم, إنما كيف السبيل إلى إثباته؟
صرخت قمر الليل صرخة انتصار, ثم هبت واقفة على قدميها, فقد تذكرت حفلة الجنرال.. لقد شاهدت كوني تأخذ الرزمة الذهبية من رجل في الوقت الذي كانت فيه تلتقط صورة الفندق الأثري..ترى هل التقطت صورة كوني أيضاً؟ أتكون الرزمة ظاهرة في الصورة؟ إن الصورة في الكاميرا التي مازال الفيلم فيها ..عندما تشاهد مافيه فستمكن من اتخاذ قرار بشأن الخطوة التالية، إنما يجب اولاً استعادة الكاميرا من منزل السيدة بارف حيث تركتها.
أسرعت إلى الباب, وأخذت تضربه وتصبح.. ظلت على هذه الحال حتى سمعت وقع أقدام تقترب ثم أعقبها صوت المفتاح في القفل , وبعده واجهها رجل قاسي الملامح لم تره من قبل.
افترض أنها تود الرجوع إلى زنزانتها, هز رأسه وأمسك بذراعها يدفعها إلى الممر ، لكنها احتجت :
- أود محادثة السيد هانيز.
كان الرد عليها دفقاً من الكلمات باللغة المحلية. لو دخلت إلى زنزانتها لضاعت. صاحت مرة أخرى :
- يجب أن أكلم السيد هانيز! الأمر هام !
كان لا حتجاجها مجدداً رد فعل عكسياً من الحارس , فقد صاح بها, ودفعها إلى زنزانتها, لكنها تشبثت بالباب وصاحت :

تبدلت تعابير وجه الحارس من الغضب إلى الشك, فتابعت استغلال ترده.
- أريد محادثة المايجور لوك.. مايجور لوك تشوك!
لكن الرجل تهكم غاضباً وأقفل الباب عليها, فبدأت تضرب عليه.. ساورتها مشاعر مركبة, يزايد الواحد منها على الآخر حتى تلاشت لديها القدرة على التفكير المنطقي.. لن تبقى هنا إلى الأبد وحيدة.. لا ريب أن شخصاً ما سيزورها. يجب أن تستعيد الكاميرا.. إنها أملها الوحيد الآن.
أوقفها صرير الباب مجدداً على قدميها. تقدم جسد نحيل صغير نحوها.. فصاحت :
- لوك..! شكراً لله على قدومك ..أردت الاتصال بجوك ، لكنهم لم يسمحوا لي.
أمسكها لوك بكتفيها مطمئناً:
- ما الأمر ليليان؟
- عرفت من وضع المخدرات في الإطار!
- من وضعها؟
- أجل.. قلت إنك واثق من براءتي. أنا الآن قادرة على إثباتها, أعرف من وضع الإطار في غرفة جوك!
- إذن.. كان جوك ! كنت تهربينها لمصلحته؟
- بالطبع لا.. وجدتها في غرفته ولكنها ليست له .. بل هو لا يعرف بوجودها حتى .. كانت موضوعة هناك للإساءة إليه!
- ولماذا يريد أحد الإساءة إليه؟
- لتشويه سمعته وتخريب المحادثات. أنت تعرف ماهي الفضيحة التي ستحدث لوضبطت المخدرات بين أغراضه؟
- لكن كيف وصل إليك الإطار؟
- صدفة.. كنت أساعد مندي , الخادم, في توضيب أغراض جوك, فعرضت عليه أن أضعها في حقيبتي بسبب عدم وجود مكان لها في حقائب جوك الذي لم يشاهدها قط.
- وكيف تأكدت من هذا؟ أما كان جوك ليلا حظها؟
- هنا يمكن المكر في المؤامرة كلها. لو رأى جوك الصورة, ورأى صورة الجنرال وتوقيعه, لظنها هدية منه.
- لكن ..
- أنا محقة! إنها الصدفة التي جلعتني آخذ الإطار من مندي, وإلا لكان جوك هو من يحملها.
- إذن كنت تحمينه طوال هذه المدة؟
- لكنه لا يعرف بأمر الإطار.. لقد دسته كوني ماولنغ له!
بدا الذهول على لوك :
- كوني..؟ لست جادة!
- لكنني لست في مزاج للمزاح. لقد دست له الإطار في الليلة التي سبقت سفرنا. كانت تتناول العشاء هناك, وكان أمامها الوقت الكافي لتدسه حيث تريد بدون أن يراها أحد.
- إنما هذا غير منطقي..لماذا تفعل شيئاً؟ كهذا؟
- لأنها من القوميين المتطرفين.
- أتتوقعين أن أصدق قولك. عائلتها من أشد العائلات احتراماً هنا.
- لا يهمني ولو كانت الأكثر احتراماً في العالم كله! إنها كما قلت.
- أبداً.

- لقد شاهدتها بنفسي تأخذه.
أرضتها ثانية رؤية الصدمة على وجهه:
- شاهدتها بنفسي تأخذ الإطار؟ متى كان هذا؟
- ليلة حفلة الجنرال.. كنت ألتقط بعض الصور في الحديقة عندما رأيتها تحدث رجلاً.
- رجل! هل شاهدت من هو؟
كان جسده ينتفض كجسدها, وهزت رأسها.
- كانا بين الأشجار, لكن كوني تحركت وشاهدت الرجل يعطيها الرزمة, إطار الصورة.
- وماذا لو أعطاها أحد رزمة.. هذا لا يثبت شيئاً؟
- كانت تشبه تلك التي وجدتها على سرير جوك.
- ستكون كلمتك ضد كلمتها.
- ليست مجرد كلمة ضد كلمة.. لدي الدليل, صورة لها في الكاميرا.
- صورة في الظلام.. بالله عليك ..لا تعلقي آمالك على هذا! مع ذلك فلوحصلت على الصورة , فكيف تثبتين أنها رزمة ذهبية؟
- سأظهرالفليم, وستراها بنفسك.. يجب أن تساعدني لوك.. إنها فرصتي الوحيدة لإثبات براءتي وبراءة جوك.
تنهد *****:
- أكره أن أراك تبنين آمالاً على شيءٍ واه .. أين هي الكاميرا؟
- في غرفة نومي .. في منزل السيدة بارف .. اتصل بجوك أنا واثقة من أنه ..
- سأحضرها بنفسي. لديّ اجتماع مع الجنرال بعد نصف ساعة .. سأذهب حالما أنتهي .. إنما أرجوك عزيزتي , لا تكوني واثقة إلى هذا الحد.
- بل أنا واثقة, إنما لاأظن أن السيدة بارف موجودة في المنزل لأنها مسافرة لبضعة أيام.
- لديها حارس في المنزل, وليس من الصعب الدخول.
- ألا يمكنك الذهاب الآن؟
- وأترك الجنرال منظراً؟ سيقطع رأسي!
تلاشت الإثارة ثانية من نفسها, لتتركها مع إحساس الفراغ. لكن لماذا؟ ما الذي جعلها ترتجف هكذا؟ ألأن لوك يشك في أن هناك ما قد يظهر في الصورة؟
استلقت قمر الليل في سريرها مطمئنة لأنها توصلت إلى تأكيد الشكوك, ولكن اطمئنانها سرعان ما شابه بعض الخوف.
الخوف مماذا؟ الخوف ممن؟
تنهدت قمر الليل.. إنها ومندي الوحيدان اللذان رأيا أن الرزمة ملفوفة بورق مذهب, وهناك أيضاً كوني. إن من يعرف أنها ملفوفة بورق مذهب هم ثلاثة.
ثلاثة فقط!
هبت ليليان على قدميها .. هذا هو السرّ إذن ! هذا هو سرّ الخوف الذي دار في كيانها وكأنه نقار الخشب .. أشخاص ثلاثة فقط يعرفون أن الإطار ملفوف بورق مذهب .. هي , مندي , وكوني ..
مع ذلك فقد قال لوك إنها لفافة ذهبية .. ليس مرة واحدة, بل مرتين.
حافظي على هدوئك , وفكري برويّـة.
راجعت ماحصل في الساعة الأخيرة, محاولة تذكر كل كلمة قبلت.. لكن فكرة واحدة كانت على رأس الأولويات.. تزيد من اضطربها, وتجعل الهدوء مستحيلاً.. لقد توسلت إلى لوك حتى يذهب لإحضار الكاميرا.

إنما يجب ألا يصل إليها, فإن وصل إليها ضاع كل شيء, هي وجوك والمحادثات .. ضاع كل ما قاومت بشدّة لإنقاذه.
" لن تستطيعي وإن حصلت على الصورة أن تثبتي أنها ملفوفة بورق ذهبي".
ازدادت مخاوفها.. لم تعد مجرد فكرة بسيطة , بل أصبحت كالأخطبوط يمدّ أذرعه ليخنقها لئلا تفضح الحقيقة, حقيقة معرفته بلون اللفافة, لأنه شاهدها.. لأنه كان الشخص الخفي الذي أعطاها لكوني ماولنغ!
ما أعمى بصيرتها لأنها لم تر الحقيقة من قبل.. لا غرابة أنه كان مقتنعاً ببراءتها.وكيف لا؟ وهو يعرف من المذنب!
لماذا تضيع الوقت في محاولة إقناع الجميع؟ لماذا لا تسعى إلى تحرير نفسها.
لم تمهل نفسها مجالاً للتفكير إذ لفت ذراعيها على خصرها وراتمت على الأرض وهي تصيح متأوهة، ورفست الكرسي إلى جانبها ليقع على الأرض . لم يحدث شيء..فضاعفت من صراخها وآهاتها..سمعت من ورائها المفتاح يدور في القفل، وظهر وجه الحارس، لكنها ظلت تتلوى على الأرض حتى دخل رجل آخر. تبادلا النظرات قبل أن يتقدم أحدهما ليسأل:
- مريضة؟
- الزائدة..
أمسكت قمر الليل جنبها تتأوه مرة أخرى, فانحنى الحارس فوقها لحظات ثم تحدث مع زميله الذي سارع إلى الابتعاد. أما ليليان, فتابعت صراخها, حتى بعدما حملها الرجل ووضعها بلطف على الأريكة.
- ألم سيء؟
هزت قمر الليل رأسها بالإيجاب, فبدا عليه المزيد من الاهتمام. دخل رجل لم تشاهده ليليان من قبل, وقال لها بانكليزية لا تشوبها شائبة.
- فهمت أنك متألمة!
- أظنها الزائدة.. تعرضت لمثل هذه الأزمة سابقاً. لقد حذرني الطبيب أنني عرضة للإصابة بالألم ثانية.
تأوهت من جديد,بصوت مرتفع أكثر.
- من المؤسف أنك لم تشعري بها أبكر من هذا, فلا طبيب مناوب هنا الليلة.
وكان هذا أفضل خبرتسمعه. كانت الصرخة التي أطلقتها صرخة ارتياح أكثر من صرخة ألم, وشهقت:
- إلى المستشفى..هناك مستشفى أميركي.
- أخشى أن هذا مستحيل..يجب أن تذهبي إلى مستشفى السجن.
والتفت الرجل إلى الحارس بكلمه بحدة, ثم قال لها:
- لقد دبرت أمر نقلك إلى المستشفى.. سنحضر النقالة لنحملك إلى السيارة.
ارتفعت معنوياتها ورفرفت كعصفور أطلق من القفص. وسمحت لهم بمقدار ما استطاعت من خنوع بنقلها إلى السيارة.. لم يكن هناك داع للقلق, لأنه لم يعتقد أي منهم بأنها ستهرب, بل كان جل اهتمامهم منصبّ على نقلها إلى المستشفى قبل أن تموت بين أيديهم.

والآن كيف ستنفذ الخطة والحارس يجلس فوقها والسيارة تسير بسرعة.. وبسرعة زائدة..وشهقت:
- أبطىء السير أرجوك, الارتجاج يزيد من الألم!
سألهاالحارس:
- الألم سيء؟
- كثيراً.
- أتريدين بعض الثلج؟
رفعت قمر الليل نظرها إليه مدعية الغباء, فقال :
- عملت في الجهاز الطبي في الجيش وهناك شاهدت طبيباً يضع الثلج على خاصرة الرجل .. سأحضر لك الثلج من المطعم, فذلك قد يخفّف من حدة الألم.
صاح للسائق حتى يتوقف, ثم قال لها:
- سأعود.. بسرعة.
وقفز من السيارة.
علمت ليليان أن عليها الآن أن تتصرف بسرعة. فـتأؤهت من جديد حتى يطـلّ عليها السائق:
- ثلج.. احضر لي الثلج بسرعة.
وكأن الصرخة كانت مهمازاً مدبباً, إذ قفز السائق يسعى وراء الحارس.
فتحت ليليان الباب الجانبي ورمت نفسهاً إلى الخارج وهناك انحنت بشكل مضاعف لئلا يراها الحارس أو السائق من أبواب المطعم, ثم ركضت نحو جهة الشارع الأخرى.. سارت قليلاً حتى وصلت إلى المنحى.. ثم بدأت تعدو وتعدو وهي لا تلوي على شيء. كان جل اهتمامها منصبّ على الابتعاد قدر الإمكان عن آسريها.


lola @ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:33 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.