جريمة تنتظر العقاب

[طارق خلف]

فرك عينيه ، قفز من حجر أمه لم تسعفها يديها فى الإمساك به والسماء تمطر موتا .. قاومت وهنها ، قامت تسابق الرياح للحاق به .. تعثرت بالأثاث المتناثر ، انكفأت استندت للحائط نهضت خطت خطوة ، لف بيديه النحيلة خصرها .. دفن رأسه فى صدرها دقات قلبه تعلو على أصوات القذائف ، جسده يرتجف ، نبضاته سريعة متلاحقة ،صدره يعلو ويهبط ، دموع غزيرة تغسل وجنتيه المتربتين صوته يتحشرج وأنفاسه تتقطع وهو يقول : رأيت أبى راقدا بجوار أشجار الزيتون والكلاب تأكل من لحمه .. ضمته بقوة إلى صدرها .. لم تخرج كلمة من فمها .. لم ينصت زوجها لتوسلاتها أن لا يغادر الدار لكنه أنطلق لجمع حبات طماطم يسكن بها صراخ البطون الجائعة لم تمهله الطائرات المرابطة فى الشوارع فوق الرؤوس رمته بصاروخ فى مقتل .. تحت ستار الليل خرجت المرأة وخلفها اكبر أبناء الشهيد لتواريه الثرى رمقتهما عين ذئب خلف الباب لمع الرصاص المسكوب من حولهما التصقا بالأرض كأنهما صخرتين حتى أغمضت العيون المتربصة جفونها وانتصر سواد الليل على حمرة الغدر عادا للدار زحفا دخل ابن السنوات العشر فى قلب الفراش هرب لنوم لا تستطيع العاصفة التى تضرب كل شئ حولهم أن توقظه .
أقعد المرأة خوفها على ما تبقى لها من أنفاس لاهثة تحيط بها عن العودة لدفن زوجها حتى أشرقت الشمس واستيقظ الصغير ركض للعب فى الشارع كعادته. لم يكن فى مكان لهوه البرئ إلا قتلة وصرعى وكلاب جائعة .. انتبهت الأم لبقعة دم كبيرة على ظهر ابن الأربعة أعوام ، صار جسده أبرد من لوح الثلج .. صرخت وصرخت بح صوتها . و لا من يغيث الملهوف . قفز الطفل من حجرها رفع يديه لأعلى وأسفل كراقص باليه لاحظت أمه ريشا ينمو تحت إبطيه ويمتد ليغطى ذراعية رفرف بجناحين لونهما أخضر، ارتفع حتى لامس السقف دار فى حجرات البيت حط على قدميها قبلها – بمنقاره - نظرت له بعين زائغة عاد إليها ضمها بجناحيه ، احتواها .. اندفع يخترق الباب الموصد حلق فى الأفق طليقا يتحدى رصاص الموت المسكوب حط عند أسوار القدس ."

طارق الصاوى خلف
من مجموعة
سطور من كتاب الهالكين

[أنشودة الندى]

لطيور كثيرة طارت قبل الأوان ...أغراس حزن في القلب
شكرا لكل هذا لوجع
شكرا كي لا ننسى في دروب الهم
يعطيك العافية.......................