24-11-12, 01:48 AM | #11 | ||||
| الفصل السابع سوري على التأخير .. بس لان بالاجازة انشغلت شوي .. www.rewity.com الفصل السابع وفكرت ، ذات مرة في السهولة التي أصبحت عليها الأشياء ، وكانا خارجين من الفندق الكبير بعد قضاء سهرة هامة . وكانت تشعر الآن بالراحة إذ أصبحت تعرف مسبقاً ما سيكون . إذ منذ قررت أن لا تستسلم للخوف ، أمكنها أن تشعر بالارتياح . كان الهواء بارداً رطباً ، فأسرعا نحو الفيراري الدافئة التي كانت في انتظارهما ، وعندما استقرا في مقعدهما ، سألها : " هل تريدين أن تشربي شيئاً ؟ " فهزت رأسها قائلة : " كلا شكرا " فألقى نظرة على ساعته ثم تحوّل يفتح التلفزيون الصغير ، وهو يسألها : " ثمة امرأة أعرفها ستتكلم الآن " عاد وقال : " ها هي ذي " وكانت المرأة التي قدمها البرنامج شقراء صغيرة الحجم ذات عينين زرقاوين عميقتين وبشرة لونتها الشمس بشكل جميل ، وكان اسمها ناتالي ميلتون . قالت اوليفيا : " إنني اعرفها ، إنها رسامة وهي تعيش في أفريقيا ، وقد ذهبت معك إلى معرضها " فقال : " إذن ، فأنت ما زلت تذكرين ذلك " فأجابت : " طبعاً أذكر ذلك ، فقد عشقت رسمها . إنها متألقة قوية الألوان " وعادت تراقب البرنامج مستمعة إلى المقابلة ، فقد بيعت احدى لوحاتها في مزاد علني حيث ذهب ثمنها إلى ميتم صغير في إيف باركو . نظرت اوليفيا بدهشة إلى كلينت قائلة : " إيف باركو ؟ " أجاب : " إنه عالم صغير ، فوالد زوجها ألفريد رودجرز وأبي كانا صديقين . ولديهم منزل في إيف باركو أيضاً " قالت : " لقد أخبرتني باميلا عن الميتم ، هل رأيته ؟ " أجاب : " رأيته عدة مرات " . ونظر إليها بحدة ، وبدا عليه وكأنه يريد أن يقول شيئاً ولكنه غير رأيه . استمعا بصمت إلى بقية المقابلة . وتساءلت هي عما إذا كان عليها أن تسأله عن مجيء أطفال الميتم إلى فيلادلفيا للعلاج . ولكنها فضلت الصمت خوفاً من أن يضايقه أن يعلم أن باميلا تتحدث عنه في غيابه ، ومضت تحدّق من نافذة السيارة إلى ظلام الليل الحالك . قالت : " إن الثلج يتساقط انظر . إنه يتكاثف . لقد توقعوا في النشرة الجوية ان العاصفة الثلجية لن تحدث " أجاب : " لقد كانوا على خطأ " . وضغط على زر المكالمة مع السائق يكلمه ، ثم استدار إليها قائلاً : " لقد كان يستمع إلى النشرة الجوية . إنهم يتوقعون أن يكون الثلج بارتفاع ست إنشات إلى عشرة . وقد أصبح الآن في الغرب حوالي عدة إنشات . آلان يقترح أن نعود إلى بيتي ، إذ ليس من المعقول ان نحاول الذهاب إلى فريندلي هذه الليلة . فالأفضل أن تمكثي عندي " . أجابت : " إنني لن أذهب للعمل غداً على كل حال . إذ في حالة سقوط ذلك المقدار من الثلج فإن المدارس ستقفل أبوابها . أرجو أن تكون الطرقات صالحة غداً لكي يتمكن آلان من أخذي إلى بيتي " سألها : " هل ثمة حاجة بك إلى العودة إلى بيتك ؟ " ابتسمت وهي تنظر في عينيه قائلة : " نعم ، إنني أريد أن ألعب بالثلج مع أولاد الجيران " أضافت بجد : " إن الأولاد يعتمدون عليّ فهم دوماً يأتون إليّ يجرونني خارجاً عندما يتساقط الثلج ، حيث نصنع منه رجالاً وأكواخاً ثم نبدأ نتقاذف بكرات الثلج . وبعد أن تتجلد أطرافنا من الصقيع نعود جميعاً إلى بيتي حيث نشعل المدفأة ونتناول شراب الكاكاو الساخن . إن هذا تقليد ابتدأت به جدتي " . قال : " وأنت لا تريدين أن تخيبي أملهم هذه المرة ! " قالت ضاحكة : " طبعاً لا " وقفت الفيراري أمام شقة كلينت وساعدها آلان على النزول . وكان الهواء نقياً بارداً وقد غطي ستار أبيض العالم أجمع وخرجت من تحت المظلة الممتدة من البناية إلى الرصيف لتقف تحت الثلج ، وقد أحكمت لف شالها حول كتفيها ، وأخذت تتنفس بعمق وهي تقول : " إن رائحة الثلج رائعة " . قال كلينت : " ادخلي قبل أن تموتي من البرد في ثوبك هذا " . أخذت تنظر إليه ، إلى هذا الرجل الكبير في بذلة السهرة والثلج على شعره الأسود وهو يتنفس بعمق . واكتسحتها موجة جارفة من الشوق . لقد كانت متلهفة إلى أن تزيل هذا الوقار ، وتخترق ذاك التحفظ . كانت تريد ذلك الدفء الكامن تحت ذلك الغطاء البارد المتزمت . الدفء الذي كانت تلحظه يتألق خلف الابتسامة النادرة في عينيه . تريد أن تسمعه يضحك بصوت عال ، أن تراه مسترخياً يتحدث دون مبالاة ، أن تراه بعيداً عن أولئك الذين يتحدثون معه عن الأعمال والصفقات . ابتسمت له قائلة : " تعال معي غداً صباحاً . تعال والعب معي بالثلج " وكرر قولها بصوت منخفض : " تريدينني أن أحضر لألعب بالثلج معك ؟ " أجابت : " نعم " لمعت عيناه بابتسامة وهو يقول : " إنها دعوة لا تقاوم " قالت : " ولكن غداً هو الأربعاء وعليك أن تعمل جاداً " أجاب : " هذا صحيح ، ولكن ليس أثناء تساقط الثلج " حملقت فيه قائلة : " أصحيح ؟ هل تعني ... " ارتسمت على شفتيه ابتسامة ملتوية وقال : " الآن ، يجب علينا حقاً أن نصعد إلى البيت وإلا أضرّ البرد بك " وقادها إلى داخل البناية ثم إلى المصعد . وفجأة أخذت ترتجف وهي تشعر لأول مرة بمقدار ما تحس به من البرد ، وعندنا دخلا الشقة قال : " الأفضل ان تتناولي شيئاً يبعث فيك الدفء " . وكان جمال المنظر من النوافذ ، مذهلاً كان المنظر العام للثلج يتألق بالأنوار كالماس . وضع كرسياً بجانب النافذة قائلاً : " اجلسي هنا . وسأحضر لك شيئاً " جلست تتأمل المنظر ومازالت ترتجف قليلاً وعاد هو يحمل صينية عليها كوبان من الكاكاو الساخنة . نظرت إليه بدهشة وهي تأخذ الكوب الحار بيديها الباردتين . وأخذت ترشف منه بشراهة . وسحب هو كرسياً آخر إلى جانبها ليجلس عليه . ومن ثم أخذا يتمليان من ذلك المنظر وقد ران عليهما الصمت ، وهما يرشفان الشراب . وشعرت بالدفء ونظرت إليه شاعرة بالشوق إليه يعود متسللاً إلى داخلها مرة أخرى . وأنهت شرابها ، فوقفت قائلة : " أشكرك . كان هذا لذيذاً جداً " وقف هو أيضاً وعيناه في عينيها . وأبتدأ قلبها يخفق . قال باسماً وقد لانت أسارير وجهه الحادة : " ليلة سعيدة يا اوليفيا " قالت تجيبه بصوت أجش منخفض : " ليلة سعيدة " واستدارت خارجة من الغرفة بسرعة . * * * استلقت اوليفيا على الثلج وقد شعرت بالارتباك . قال لها : " لا تظهري مثل هذه الدهشة ، فأنا أستطيع أن أمثل دور الميت مثلهم تماماً " وفي اللحظة التالية ، كان الأولاد يتجمعون حولهما وهم يتلوون من الضحك ، هاتفين : " إنه ميت ، هما الاثنان ميتان فنلدفنهما " وفتح كليينت عينيه ونظر إلى اوليفيا قائلاً : " عندك هنا أطفال متعطشون للدم " أجابت : " لا تلمني . فلست أنا من رباهم " قال : " لا بد أن السبب هو التلفزيون والفيديو " وابتدات الأيدي الصغيرة تكوّم الثلج فوقهما ، فقال لها : " لا أظنهم سوف يفعلون ذلك حقاً ... " قاطعته : " إنهم طبعاً سيفعلون . والآن استلق وتظاهر بالموت " وكان القول أسهل من الفعل كما أدركت اوليفيا . فقد كانا مستلقيين . وتساءلت عما جعله يأتي معها ذلك الصباح . كان الثلج يغطيهما إلى الأعناق بينما الأولاد يصيحون ويرقصون حولهما رقصة الفوز . ولم تستطع الاحتمال أكثر من ذلك ، فصاحت تقول : " من منكم يريد فنجاناً من الكاكاو وكعكة حلوة ؟ " وهتف الجميع فرحين فأخذت تكافح لكي تخرج من تحت الثلوج . وهمس كلينت : " جبانة " وقف بجانب الباب ويده على المقبض . كان الأولاد قد ذهبوا ليعود البيت هادئاً مرة أخرى . وقال : " أشكرك للعب بالثلج . فقد كان منعشاً جداً " ابتسمت قائلة : " أهلا وسهلاً بك " ألقى عليها نظرة طويلة صامتة ، وبدا التردد في عينيه لحظة ، ثم قال بلطف : " كان يجب أن تنجبي أولاداً " أجابت : " إنني أتمنى ذلك ، ولكن قبل ذلك عليّ أن أجد لنفسي زوجاً ، ومن الأفضل أن يكون ذلك بالطريقة المعتادة " سكت لحظة ، ثم سألها : " وهل تظنين أنك ستجدين زوجاً هنا في هذه الأنحاء ؟ " قالت : " وما الخطأ في هذه الأنحاء ؟ " ولم تفهم السبب في شعورها المفاجئ هذا بالغضب والتحفز للدفاع . هز كتفيه قائلاً : " ماذا تجدين هنا ؟ أهناك سوى المزيد من الرجال المتزوجين والفلاحين المتزوجين ، وكبار السن . إنك لن تجدي أحداً هنا تتزوجينه " قالت بعناد : " إنني أحب العيش هنا ، وهذا قد يجعلني أكبر في السن لأصبح معلمة عانساً غريبة الأطوار " قال : " لتحيكي الكنزات وتجلسي قرب أطفال الآخرين عندما يخرجون وترسلي صناديق الأطعمة إلى المحتاجين الجائعين ؟ " ثار غضبها ، وربما كان ذلك في الحقيقة خوفاً أكثر منه غضباً . الخوف من أن يكون كلامه صحيحاً وأنها قد لا تجد أبداً الرجل الذي تشاركه حياتها . الخوف من أن لا تشعر نحو رجل آخر نفس الشعور الذي تشعر به نحوه ، بينما هو طبعاً ليس معروضاً للزواج . قالت وقد سرى التوتر في جسدها : " يمكنني أن أفكر في أشياء أسوأ من هذه . على كل حال ، ما الذي يهمك أنت من أمري ؟ فأنا لست إلا موظفة مؤقتة عندك وعندما ينتهي موسم الإجازات لن يعود لك بي حاجة ولن تراني مطلقاً بعد ذلك . فلا حاجة بك للقلق عليّ " كانت بهذا تكلم نفسها أكثر مما تكلمه ، إن عليها أن تعتاد على هذه الفكرة ، وتشدّد من عزيمتها ضد مشاعرها . وعلى كل حال فهذا هو ما سيحدث في النهاية . وتفرّس في وجهها بصمت دون أن تنبئ ملامحه عن شيء ، ليقول بعد ذلك : " هذا صحيح " ثم استدار فجأة وخرج . وغاصت في مقعدها وهي تشعر بقلبها يتمزق . مساء الأحد ، كان هناك احتفال خيري ، وبعدها أخذها كلينت إلى مطعم صغير لتناول عشاء متأخر ، وكانت هي المرة الأولى التي يخرجان فيها وحدهما . فقد كان هنالك دوماً أناس حولهما . معارف اصدقاء . وبدا عدم وجود آخرين حولهما ، شيئاً غريباً نوعاً ما .. ولكن هذا أعجبها إذ كان بإمكانها أن ترتاح من القلق بشأن ما عليها أن تقوله أو لا تقوله . وكانا بانتظار ما طلباه من عشاء ، عندما مدّ كلينت يده إلى جيبه الداخلي ليخرج منه شيئاً ناولها إياه عبر المائدة ، وهو يقول : " هاك ، إنني أريدك أن تأخذي هذا " . | ||||
27-11-12, 12:56 AM | #16 | ||||
| الفصل الثامن الفصل الثامن قالت : " إنني أريدك أن تأخذيه وتنفقي منه على نفسك " أخذت تحدق في الشيك بين يديها . كان مبلغاً ضخماً ، بالنسبة إليها على الأقل ، هل تراه يشعر بالأسى لأجلها ؟ هل يظن أنها فقيرة ، تعيش في بيت صغير ، وتأكل حساء جذور الخضار وتطهو طعامها بيدها . ولكنها ليست فقيرة ، ان بامكانها أن تعيش في الضواحي في بيت مرفه ذي تدفئة مركزية لو أنها شاءت ، فلديها وظيفة جيدة وحالتها على ما يرام . قال : " ليست المسألة هي الحاجة إليه ، وإنما المسألة هي أن تأخذيه فقط وتنفقيه ، انفقيه على أي شيء مهما يكن تافهاً " هزت رأسها ببطء قائلة : " كلا ، يا كلينت انني لا أريده . انني لا استطيع قبوله " انها لا تريده ولو لتنفقه على أشياء تافهه كما يقول . قال : " إنني أصر على ذلك ، يا اوليفيا " والتقت اعينهما وقد بان التصميم الكامل في عينيه، وهو يتابع قائلاً : " لقد حان الوقت لكي يعطيك شخص ما شيئاً " نظرت إليه بدهشة ، قائلة : " لا أدري ماذا تعني " أجاب : " انك على الدوام تعطين من ذاتك ، العطاء هو عملك المستمر . إنك تنفقين الساعات تعملين لمؤسسة ميرسي حيث تهتمين بأناس آخرين ، فترسلين إليهم الطعام والأغطية ، وتفتشين لهم عن أعمال وبيوت يسكنون فيها ، وتسافرين للعناية بأقربائك المرضى ، إضافة إلى أعمال أخرى لا أعلمها بعد " تأوهت بخيبة أمل ، ثم قالت : " كلينت ، انني أحب القيام بكل هذا ! كما انني لا اقوم بذلك وحدي ، فمن فضلك لا تجعلني أبدو وكأني شهيدة " قال : " ولكنني فقط أريد أن أقدم لك شيئاً ، يا اوليفيا ، فما الخطأ في ذلك ؟ " هزت رأسها قائلة : " ليس ثمة ما يستدعي ذلك ، ولقد سبق وقدمت إلى مؤسسة ميرسي هبة سخية ، وعلى هذا قامت الاتفاقية بيننا " منتدى روايتي الثقافية . قال : " ولكن هذا لا يتعلق بالعمل " عضت شفتها قائلة : " إذا كان لا يتعلق بالعمل فما هو إذن ؟ " شعرت فجأة بخفقات قلبها ترتفع دون أن تدرك السبب . أجاب : " إنه هدية .. هدية شخصية فقط مني إليك ، بسيطة جداً " شخصية ؟ ونظرت في وجهه متسائلة عما يدور في ذهنه ، إنه يبدو مهتماً فقط في معرفتها ، ولكنه لا يريدها أن تعرف شيئاً عنه . أما كل هذا فما هو سوى أشياء مؤقتة ، كما أنه لا يدين لها بشيء . قالت له بدعابة : " ليس عليك أن تمنحني شيئاً ، قدم لي علبة شوكولاته وسأقبلها منك " ورغم مهارته في اخفاء تعابير وجهه ، فقد بدت الدهشة واضحة على وجهه ، وهو يقول : " إنك ترفضين هذا الشيك ولكنك تقبلين علبة من الشوكولاته ؟ " حملقت فيه بعينين متسعتين بكل براءة وهي تحاول منع نفسها من الضحك ، قائلة : " نعم علبة كبيرة " استند كلينت إلى مسند كرسيه يتفرس في وجهها بصمت . منتدى روايتي الثقافية . وضعت اوليفيا الشيك على غطاء المائدة وهي تقول : " مازلت لا أفهم لماذا تريدني أن أخذ هذا ؟ " مضت فترة صمت ثم قال بهدوء : " لقد جعلتني اشعر باستقرار نفسي يا اوليفيا ، فأنا أستمتع بصحبتك انك تبعثين البهجة في نفسي والبسمة إلى شفتي ، فأنا أريد فقط أن أعطيك شيئاً بالمقابل " حدقت فيه ، لم تستطع أن تصدق أذنيها ، ثم سرى في نفسها شعور غريب . شعور هو مزيج من الحزن والرقة البالغة . قالت : " انك لا تدفع للآخرين أجراً لأنك تشعر معهم بالبهجة والاستقرار النفسي يا كلينت ، فهذا يأتي مجاناً " لم يقل شيئاً وبدا وكأنه يخفي مشاعره وراء ملامحه الجامدة هذه . عادت تقول برقة : " إنك تظن أن كل شيء يمكن بيعه . وأنك إذا أردت شيئاً يمكنك شراؤه بالمال ، وأن الآخرين اذا منحوك شيئاً أو قاموا نحوك بشيء فهم يتوقعون منك شيئاً بالمقابل " ونظرت في وجهه وهي تعض شفتها ثم تتابع قائلة : " حسناً ، إنك على خطأ يا كلينت ، فبعض الناس يظهرون المودة نحوك أحياناً لمجرد أنهم يشعرون بذلك ، وأحيانا يقدم بعض الناس شيئاً من ذاتهم ، لأنهم فقط يشعرون بالبهجة لذلك " والتقطت الشيك وطوته بعناية ، ثم وضعته في يده وهي تقول : " أنني لا أريد نقودك يا كلينت " . وعندما انتهيا من الطعام ، اوصلها كلينت إلى بيتها إذ أن عليها تعليماً في المدرسة في صباح اليوم التالي . وكانت قد استمتعت بالعشاء كما أنهما لم يتطرقا بعد ذلك إلى ذكر النقود . مشى إلى الباب حيث أخذ المفتاح من يدها وفتح لها الباب . قالت : " أشكرك لأجل العشاء " وبدت هذه الجملة رسمية على غير ما كانت تنوي " . أجاب : " إنني من عليه أن يقدم الشكر . ليلة سعيدة يا اوليفيا " ثم استدار مبتعداً نحو سيارته الفيراري . دخلت اوليفيا ، ثم أغلقت الباب ، وهي لا تكاد تتمكن من التقاط أنفاسها . وكانت ساقاها ترتجفان فتهالكت على الأريكة . ما الذي كان يريده منها ؟ كان هذا هو السؤال الذي سيطر عليها طيلة الليلة القلقة هذه واليوم التالي . وحال اضطرابها دون أن تصل إلى قرار . وبدا الضيق على الأطفال في الصف ، ولكن ربما كان ذلك انعكاساً لغياب ذهنها هي . بقيت كلمات سبق لكلينت أن نطق بها ، تراودها دون انقطاع طيلة النهار ، فترى فيها رسالة ما ، فشلت هي في ادراك معناها . لقد قال : " أنها هدية شخصية ، وانني فقط أريد أن أعطيك شيئاً بالمقابل " . كان يشعر بأنها قد منحته شيئاً ، فشعر بجميلها عليه ، ذلك أنه لم يعتد على الأخذ في نهاية العلاقة ، دون شك . لقد كان هو الباذل على الدوام للهدايا والمساعدة . فهو يريد أن يحتفظ بالتوازن من هذه الناحية بينه وبين الآخرين . لا بد أنه استخلص من هذه الاتفاقية التي أقامها معها ، أكثر مما اشترط ، هل هذا هو السبب ؟ هل تراه شعر .. وأزاحت شعرها عن وجهها بحيرة ، لتركز ذهنها على اللوح الأسود في الصف . وبعد وصولها إلى بيتها بوقت قصير بعد ظهر ذلك النهار ، وقفت سيارة أمام بيتها لتسلمها علبة ضخمة ذهبية من الشوكولاته . قالت سيليا بابتسامة عريضة وهي تنظر بشراهة إلى العلبة الضخمة على مائدة القهوة في بيت اوليفيا ، وكانت قد وصلت بعد دقائق من وصول العلبة : " ان الحاسة السادسة عندي عظيمة " أجابت اوليفيا : " وكذلك توقيت مجيئك كان عظيماً " قالت سيليا :" لم أر قط من قبل علبة بهذا الحجم ، هل ستفتحينها ؟ " أجابت : " كلا ، بل سأغمسها كلها في البرونز ، ثم أتركها للأجيال القادمة ... طبعاً سأفتحها " قالت سيليا : " إن الشريط الحريري وحده الذي يحيط بها لا يقل ثمنه عن خمسة دولارات " وكانت تلقي بملاحظاتها هذه بينما كانت اوليفيا تزيح الشريط . ورفعت الغطاء ، لتحدقا لحظة بدهشة وذهول في ذلك العرض البالغ الجمال للشوكولاته في الداخل . قالت اوليفيا متصنعة الجد : " أية حبة تظنينها أفضل مذاقاً ؟ " أجابت سيليا على الفور بلهجة رزينة : " لن يمكنك معرفة ذلك إلا إذا جربتها جميعاً " قالت أوليفيا : " حسناً ، فلنبداً إذن " وبعد التهام ثلاث قطع ، شعرت اوليفيا بالرغبة في الضحك ثم ذهبت إلى المطبخ تسكب القهوة ، بينما قالت سيليا : " هذه الحبة ممزوجة بالجوز . إنها رائعة " ونظرت إليها بعينين ضيقتين وهي تسألها : " لماذا أهداك كلينت هذه العلبة ؟ " أجابت : " أنا طلبتها منه " حملقت سيليا فيها قائلة : " هل طلبت منه علبة شوكولاتة ؟ " أجابت بابتسامة عريضة : " نعم ، لقد كان أعطاني شيكاً بمبلغ ضخم ، ولكنني أخبرته أنني لا أريد نقوده ، وأن بامكانه أن يعطيني بدلاً منه علبة شوكولاته " وكانت سيليا تستمع إليها فاغره فاها ذهولاً . وعندما انتهت القصة ، استمرت سيليا صامتة لحظة ، وهي تفكر وأخيراً قالت لها : " ربما كان يهدف من ورائها إلى أن يقول لك شيئاً " سألتها اوليفيا : " مثل ماذا؟ " أجابت سيليا : " إنه يريدك ، لقد جذبته أنت . إنه يحاول أن يشتريك لئلا يشعر ، بعد ذلك ، بالذنب ، وهذا لا يعني أنه ممن يشعرون بالذنب " شعرت اوليفيا بقلبها ينبض فقالت : " هذا جنون " إنها لم تقتنع بكلامها هذا تماماً . ولكن ، هل من الممكن أن يكون صحيحاً ؟ قالت سيليا : " إن الأغنياء يقومون بأشياء جنونية . هل قرأت في الصحيفة عن ذلك الرجل المغني الذي بنى لكلبه ضريحاً مصفحاً بالذهب ؟ لقد كلفه ذلك ... " قاطعتها اوليفيا قائلة وهي تنظر إلى ساعتها : " لقد قرأت ذلك " وأغلقت العلبة قائلة : " إن آلان سيكون هنا بعد نصف ساعة ، وما دمت هنا ، لماذا لا تساعديني على تحضير المعلبات للتسليم ؟ " قالت سيليا : " هل أنت خارجة مرة أخرى ؟ .. آه ! ... كيف يمكنك أن تسوي أمورك مع مواعيدك هذه كلها ؟ " أجابت : " إنها حفلة عشاء فقط وسأعود باكراً " ولم تكن حفلة العشاء أمراً مهماً ، ولكنها كانت ، بالتأكيد ، أكثر المناسبات التي تحضرها مع كلينت مللاً . وبعد أن وقفت عشرين دقيقة تستمع بأدب إلى الحديث عن البضائع المخزنة ، والسندات الحكومية ، تمكنت من الهرب إلى استراحة السيدات . كانت الاستراحة مترفة متألقة كبقية غرف الفندق ، ذات أرضية رخامية ومرايا كبيرة وأمكنة للجلوس ذات كراسي مريحة . وجلست أمام المرآة وأخرجت قلم أحمر الشفاة . ولكن قبل أن تتاح لها الفرصة لتضع منه على شفتيها ، فتح الباب ودخلت منه سيدة . كانت المرأة هي آن ، وكانت ترتدي ثوباً أسود وعقداً من ألماس له برودة عينيها . خفضت اوليفيا يدها وهي تتمنى أن تحافظ على السكينة ورباطة الجأش . قالت آن : " لقد رأيتك وأنت تدخلين الاستراحة . انني أريد أن أوجه إليك كلمة " رفعت اوليفيا قلم أحمر الشفاة إلى شفتيها وهي تنظر إليها في المرآة قائلة ببساطة : " هيا ، تكلمي " قالت آن : " أحب أن أوجه إليك نصيحة ، أظن من الأفضل لك أن تدعي كلينت وشأنه . إنك بهذا توفرين على نفسك الكثير من الحسرة " سألتها اوليفيا : " ولماذا ؟ " أجابت : " إنه خارج عن سربك ، يا فتاة " أومأت اوليفيا برأسها قائلة : " إنك محقة في هذا " وأنهت وضع الصباغ على شفتيها ، ثم أعادت القلم إلى حقيبتها المسائية لتتابع قائلة : " وأظنك تريدينه لنفسك ؟ " فوجئت آن بذلك . فابتسمت اوليفيا قائلة : " ولكنني لا ألومك ، فهو غني ووسيم وذو نفوذ وسلطة . وجذاب جداً " قالت آن وعيناها تلمعان : " استمعي إلي يا صاحبة المكائد . أتركيه وشأنه إذا كنت تدركين ما هو الصالح لك " تنهدت اوليفيا قائلة : " إنني أحاول ذلك ، ولكنه لا يدعني أذهب ، أتريدين الحقيقة يا آن ؟ إنني لا أدري ما الذي يجده في شخصي . إذ ليس عندي ما أقدمه له . ليس لدي المال ، ولا الخلفية اللامعة ، ولا الشهرة " وحملقت في آن متابعة : " ما تظنين السبب ؟ أممكن أن يكون هذا حباً صادقاً ؟ " تصلّب وجه آن بالعنف المكبوت وهي تقول : " أتظنين نفسك ماهرة ؟ ولكن إياك أن تخدعي نفسك لأنك ستندمين في النهاية " ومن ثم استدارت خارجة . تبعتها اوليفيا بعد دقيقة واحدة ، فنظرت حولها تفتش عن كلينت ، ورأته واقفا وقد وقفت آن إلى جانبه . فمشت إليهما ، وابتسم لها كلينت وهو يقول : " كنت اتساءل أين عسى أن تكوني " ابتسمت له بحب ، وقد رأت آن في الناحية الأخرى تراقبهما ، ثم قالت : " لقد كنت في استراحة السيدات . وقد هاجمتني احدي المعجبات بك طالبة مني أن أدعك وشأنك ، وذلك لصالحي ، طبعاً " رفع حاجبيه الأسودين يسألها : " من هي تلك المرأة ؟ " أجابت : " إنها إمرأة شقراء طويلة القامة وترتدي ثوباً أسود " أدار رأسه نحو آن التي تجمدت كالصخر . وابتسمت اوليفيا قائلة : " آه ، لا تغضب منها ، يا كلينت ، فهي لم تقصد أي ضرر . لقد قالت إنك من غير سربي ، وإن علي أن أجنب نفسي الكثير من الحسرة في الواقع أظنها على حق " نظر كلينت إلى آن وقد تجلت البرودة على ملامحه ، وهو يقول بأدب متكلف : " إنني شاكر لك اهتمامك باوليفيا ، ولكنك تنالين حظوة عندي وعند غيري أكثر مما لك الآن لو أنك التزمت شؤونك الخاصة " . تمالكت آن نفسها لتقول : " إنني أعتذر إذا كنت سببت لك بذلك أي استياء . والآن ، استأذن بالذهاب ، فهناك شخص أريد أن أتحدث إليه . إلى اللقاء " وأطلقت اوليفيا نفساً طويلاً ، وتأملها كلينت فترة ، ثم هز رأسه قائلاً : " يا للهول ، يا اوليفيا . لقد جعلت لنفسك عدوة " قالت : " لقد كانت عدوتي منذ اليوم الأول الذي عرفتها فيه ، ولا أظنها العدوة الوحيدة . لقد أردتني أن أبعد عنك . حسنا أنها وظيفة كريهه" ونظرت إليه وقطبت جبينها وهي تتابع قائلة : " أتعلم أن هذا جعل في شخصيتي ناحية سيئة لا أحبها ؟ " وشعت عيناه دفئاً وهو ينظر إليها ، ثم قال : " حسناً ، أنك تعجبينني كما أنت ، وبكل نواحيك السيئة ، تعالي لنشرب بعض المرطبات بعد ذلك المشهد الصغير " شعرت بالارتياح حين أخبرها كلينت بعد ذلك بساعة أن وقت ذهابهما قد حان . قال لها بعد أن استقرا في الفيراري : " لم أرك تزاولين أي نشاط " أجابت بمرح : " حسناً ، إن لهذا سبباً وجيهاً " نظر إليها من جانب عينه بسرعة وهو يقول : " نعم ، هذا صحيح " وانتقى شريطاً موسيقياً وضعه في المسجل لتنبعث منه الموسيقى الرقيقة تملأ الجو . وقالت : " كلينت ؟ " أجاب : " نعم " ارتفعت نبضات قلبها بعصبية وهي تقول : " لم لا تريد أن تتكلم عن نفسك ؟ " هز كتفيه قائلاً : " إنني لا أجد نفسي موضوعاً يستدعي الاهتمام بشكل خاص ، لكي يستحق الحديث عنه " عضت شفتها قائلة : " إنني أريد أن أعرف عنك المزيد " قال : " ولماذا ؟ " شعرت بمعارضته ، وبشيء لا يكاد يكون محسوساً من الحذر، وقد ضاقت عيناه . قالت : " إننا نتكلم دوماً عن نفسي ، ولكنك لا تتكلم مطلقاً عن نفسك . عن مشاعرك ، ماهي أحلامك ؟ ما الذي يجعلك سعيداً ؟ هذا شيء طبيعي بين الناس . أليس كذلك ؟ إننا نتحدث عن أنفسنا ليعرف بعضنا البعض " قال بهدوء : " إنك لست بحاجة إلى أن تعرفيني ، يا اوليفيا " حدقت إليه ، إلى وجهه الذي لم يكن سوى قناع مهذب . وكان الألم الذي شعرت به من العمق بحيث أخذت تغالب دموعها . في اليوم التالي ، وكانت الساعة الخامسة ، مرت بها سيليا مرة أخرى ، وقد أمتلأت سيارتها بهبة من الأطعمة ووضعتا كل شيء على الرفوف في الغرفة الخاصة بمؤسسة ميرسي . بينما كانت سيليا تتحدث بابتهاج عن مريض جديد أجريت له عملية استئصال الزائدة الدودية ، وكان وسيماً وظريفاً وعازباً ، كما أنه صاحب مدرسة واسعة لتعليم ركوب الخيل ، ويبدو أنه تأثر بحنان وعناية سيليا أثناء مرضه ما جعله يعدها بأن يعلمها ركوب الخيل حالما يتمكن من ذلك . وقالت سيليا بأنها كانت دوما تتمنى لو تتعلم ركوب الخيل ، وهذا كان خبراً جديداً على اوليفيا ، ولكن الحكمة منعتها من أن تعلق على كلامها . فقد جعلتها حماسة سيليا تشعر بالسعادة . وعندما انتهيا من نقل المعلبات بأجمعها جلستا في المطبخ تنجزان الأوراق الرسمية ، وتتحدثان عن الأسر المحتاجة . كانتا على وشك الانتهاء ، عندما رن جرس الهاتف . وكان المتكلم هو فرانك توبس . وكانت اوليفيا قد قابلته عدة مرات في نيويورك ، كما تناولت معه القهوة ذات مرة . وقال : " انني أقوم بعمل جزئي في مطاعم تايلندية وفيتنامية ، وعلىّ أن أعطي رأيي في مطعم جديد في واينبرغ ، ولا أدري إذا كنت توافقين أن تأتي معي لتعطيني رأيك في الطعام . إنني أعلم أنني أدعوك في آخر لحظة مرة أخرى ، ولكن هذه هي حياتي . كل شيء في آخر لحظة " ضحكت اوليفيا قائلة : " حسناً ،الحقيقة أنني أتشوق إلى تذوق ذلك ، فكيف أرفض ؟ " قال : " هذا عظيم ، سآتي لأخذك الساعة السابعة إذن " عندما وضعت اوليفيا السماعة ، قالت لسيليا : " احزري من هو ؟ إنه فرانك توبس . وسنخرج لنأكل طعاماً تايلاندياً " جمعت سيليا الأوراق وهي تقول : " إنك محظوظة ، أما أنا فعليّ أن أذهب إلى بيتي لأغسل ثوب التمريض " وحملت معطفها وحقيبتها ، ثم أحتضنت اوليفيا بسرعة وهي تقول : " أتمنى لك وقتاً بهيجاً يا اوليفيا " كان المطعم الذي أخذها إليه فرانك صغيراً متواضعاً وكانت رائحة الطعام شهية بما احتوته من توابل مألوفة وغير مألوفة . وعندما ألقت اوليفيا نظرة على قائمة الطعام ، قالت : " الأفضل أن تطلب طعاماً لنا نحن الاثنين ، فأنا لست خبيرة بالطعام التايلندي .. فقد سبق وذقته مرة واحدة فقط ، فلا تأخذ برأيي في أي شيء " قال : " وماذا تريدين أن تشربي معه ؟ كاكاو أم شاي ؟ " فقالت : " شاي ، من فضلك " كان الحساء لذيذاُ بالتوابل التي فيه ، ومليئاً بالقريدس . وكانا يتحدثان أثناء الطعام . وقد استمتعت بالحديث العفوي قدر استمتاعها بالطعام . وفي فترة عشرين دقيقة ، كانت قد كونت صورة واضحة عن خلفية فرانك ... أسرته ، الأحداث السيئة التي مرت عليه أثناء طفولته ، مهنته .. في عشرين دقيقة علمت اوليفيا عنه أكثر مما كانت تعلم عن كلينت في أيام . قال بلهجة عفوية وهو يحدق في طبقه : " سمعت أنه كان هناك اجتماع سري بين مورغان وستاربيرد " فأجابت بمرح : " أخشي أنني لا أتعقب آثار مواعيده " وكانت تعرف جيداً كيف تجيب على سؤال ما ، دون أن تفصح عن شيء . وتفرس فرانك في وجهها قائلاً : " ارجو ألا يكون لدي كلينت أي مانع في تناولنا العشاء معاً " أجابت : " لا أدري لماذا عليه أن يمانع " وتجاوبت في مسامعها كلمات كلينت ( إنك لست بحاجة إلى أن تعرفيني ،يا اوليفيا ) وتناولت واحدة من القريدس وهي تقول : " إن هذا الطعام لذيذ حقاً ، ألا تظن ذلك ؟ " أجاب وهو ينظر إليها بإمعان : " نعم ، إنه كذلك . ماذا حدث لجانيت ؟ " جانيت ؟ لقد سبق وسمعت هذا الإسم يتردد عدة مرات وقد استنتجت اوليفيا من ذلك أن تلك المرأة لا بد أن لها علاقة بكلينت ، ولكن كلينت لم يتحدث عنها قط ، ولهذا لم يكن لديها فكرة عما حدث . قالت : " لا أدري " قطب فرانك جبينه ، وهو يسرح لحيته ، قائلاً : " إنني آسف ، ما كان لي أن آتي على ذكرها " قالت : " ولم لا ؟ ومن تكون هي؟ " نظر إليها باستغراب ، ثم قال : " يدهشني أن لا تعرفي . فقد كانت مع كلينت فترة طويلة ، وقد سافرت إلى أوروبا منذ عدة شهور ، ولكن لم يسمع أحد عن انفصام علاقتهما " وشعرت بضيق في صدرها ، فقالت : " ليس لدي فكرة ، فهو لم يأت على ذكرها " ابتسم فرانك قائلاً وهو يفرك لحيته : " لا بد أنه نبذها ، بحذر طبعاً ، فهو بالغ الحذر إلى حد بعيد . دعيني أسكب لك مزيداً من الشاي " وبعدما انتهى الطعام ، أعادها إلى البيت ، وحالما ذهب اتصلت سيليا هاتفياً باوليفيا التي قالت لها : " إنني أحذرك ، فأنا متعبة ومتخمة بالطعام اللذيذ . فإياك وقصص الكوارث " ضحكت سيليا قائلة : " لا يوجد أخبار من جهة ميرسي ، وإنما أردت فقط أن أعلم إن كنت قد أمضيت مع فرانك وقتاً ساراً " قالت اوليفيا : " لا أراك فضولية ، أليس كذلك ؟ " أجابت مازحة بصوت متذمر : " أنا ؟ طبعاً لا . إنني فقط أريد أن أتأكد من أنك كنت بخير . وأنه عاملك معاملة طيبة " أجابت : " لقد فعل ذلك ، وكان سخياً بإطعامي " قالت سيليا : " إذن ، كيف مرت بك الأمسية ؟ " أجابت : " كانت حسنة جداً . وقد أمضينا وقتاً طيباً . إنه شاب ظريف ، يعرف الكثير من القصص المضحكة ، ومن السهل تبادل الحديث معه " سألتها : " هل هذا كل شيء ؟ " أجابت وهي تنقل السماعة إلى الأذن الأخرى : " يبدو من صوتك أنك تشعرين بخيبة أمل ، أم أنني مخطئة ؟ أم تراك مشتاقة إلى أن تريني أقع في غرام رجل آخر ؟ " تنهدت سيليا قائلة : " أوه ، يا اوليفيا ، هذا صحيح ، أريد لك رجلاً عادياً ، طيباً ومسالماً " لم تستطع اوليفيا مغالبة ضحكها وهي تجيبها قائلة : " تعنين رجلاً واضحاً مملاً كما تتمنين لنفسك ، أليس كذلك ؟ " أجابت : " لا بأس ، لا بأس ، أنك تعرفين ماذا أقصد " قالت : " انني أعرف ماذا تقصدين " قالت سيليا : " لقد اتصل بي هاتفياً ، أعني كلينت ، ليسألني عما إذا كنت عندي " سألتها اوليفيا : " وماذا قلت له ؟ " أجابت سيليا : " قلت له أنك مدعوة إلى العشاء ، وقد تتأخرين في الخارج " وكان صوت سيليا مغتبطاً وهي تتكلم . قالت اوليفيا : " آه منك يا سيليا ، ولكن هذا لن ينفعك ما دام ما فعلت لا يتعارض مع برنامجه الثمين . ان كلينت لن يهتم ولو كنت مع أمير موناكو " قالت سيليا : " أرجو أن تبقى الأمور بينكما بهذا الشكل ، ففي هذا فقط خلاصك " تأوهت اوليفيا قائلة : " سيليا " قالت سيليا : " لا بأس ، لا بأس . سأتركك الآن لكي تذهبي للنوم . فتنهضين باكراً لترويض صغارك " ولكن اوليفيا لم تكن متعبة . وبعد أن ألقت تحية المساء على سيليا ، جلست أمام التلفزيون ، ثم أخذت تحيك كنزة كلينت . ربما أرادها لمجرد ملء الفراغ الذي أحدثه غياب جانيت لعدة أشهر . وتجاوبت في مسامعها كلماته " إنك لست بحاجة إلى أن تعرفيني ، يا اوليفيا " فجأة لم تعد تستطيع رؤية ما كانت تحيك . فقد غابت الالوان أمام ناظريها اللذين غشاهما الدمع . لم تكن الأمور تجري كما يجب . إذ في كل مره يبدو أن المسافة بينهما تتضاءل ، يحدث ما يجعله يتراجع . إنها ليست مخيلتها التي جعلته يبدو أكثر انفتاحاً أحياناً . ولكن هذا لم يكن يدوم أبداً . إذ أنه سرعان ما يبعدها عنه مرة أخرى . وتمتمت : آه يا كلينت ، يا ليتني لم أعرفك قط . اتصل بها في اليوم التالي ليقول لها بأن السيارة الفيراري ستأتيها بعد ظهر الجمعه مبكرة نصف ساعة ، لأنهم سيكونون بحاجة إليها في الذهاب إلى المطار الوطني لاستقبال أحد أصدقاء العمل لكلينت . وقال : " حاولت الأتصال بك ليلة أمس ، وفهمت أنك كنت تتناولين عشاءك في الخارج " أجابت : " هذا صحيح ، لقد كنت مع كاتب ، انه يكتب عن شؤون التغذية " قال بشكل مفاجئ : " فهمت " سألته : " هل ثمة شيء خطأ ؟ " أجاب : " كلا ، سأراك إذن نهار الجمعه " وأقفل الهاتف . لم تكن المحادثة قد استغرقت أكثر من دقيقة ونصف . كانت عبارة عن تغيير بسيط في نوع العمل كان يمكن أن يقوم به أي سكرتير أو حتى خادم صغير أو آلان ، ولكنه يتصل بنفسه دوماً . وتساءلت عما تراه يكون السبب . ذلك أنه يبدو ، عندما يتحدث إليها هاتفياً ، يبدو دوماً في عجلة من أمره ، وكأن ليس لديه الوقت ليتحدث إليها . مساء الجمعه ، جاءت الفيراري حسب الاتفاق ، حيث أخذتها إلى كلينت وحيث سرها أن كان لديها من الوقت ما يكفي لأن تغتسل وتغير ملابسها . كانت في الأيام الأخيرة تتحدث باستمرار وبحيوية بالغة . ان مشاعرها نحو كلينت يجب أن لا تثبط من عزيمتها ، وسواء كان لجانيت أثر في حياة كلينت أم لا ، فهذا ليس من شأنها . وخلال أسبوعين ، يجب أن ينتهي هذا الكابوس لكي تعود إلى حياتها السابقة ، دون وجود كلينت ليدمر مشاعرها ، أما الآن فهي ستستمتع بوقتها حسب امكانها . جالت ببصرها حولها . كانت هناك ورود يانعة على منضدة الزينه . وفي غرفة الجلوس وكذلك في غرفة الطعام . وشعرت بالألفة نحو هذه الغرفة ذات الزخارف الشرقية التي أمضت فيها الليالي . لقد كانت شديدة الأختلاف عن غرفتها في بيتها بسريرها النحاسي القديم الطراز واللحاف الذي كانت صنعته جدتها ، وكذلك المحتويات . فخزانة الثياب الواسعة هنا بمرآتها الكبيرة ، تحتوي كل ملابسها للسهرة ، والأحذية الأنيقة ذات الكعوب العالية . أما في منزلها فخزانتها مليئة بتنانيرها الطويلة الدافئة ، والألوان المشرقة ، وبنطالات الجينز والكنزات السميكة ، والأحذية التي تكسو القدم إلى الكاحل وكذلك الخفيفة منها . أنها ستكون الأميرة هذه الليلة ، وستكون غاية في التألق والبهجة . أما غداً ، عندما يوصلها آلان إلى البيت صباحاً ، فعليها أن تغسل الثياب وتقطع الأخشاب وتأخذ الطعام إلى سيدة عجوز تعيش بمفردها وتعشق الخوض في الحديث عن الأيام القديمة . وفكرت في أنها تسير في حياة مزدوجة . وابتسمت إنها حقاً تحيا حياة خفية غير عادية . ألقت نظرة أخيرة على نفسها في المرآ ة وهي تمر بيدها على ثوبها . كان ثوباً جميلاً من الحرير العسلي اللون يتمشى مع لون عينيها . وقد رفعت شعرها عالياً فوق رأسها ، ووضعت في أذنيها قرطين ماسيين أخذتهما من علبة المجوهرات المخملية الموضوعة على منضدة الزينه . ورفعت رأسها تلقي نظرة أخيرة على نفسها في المرآة ، ثم استدارت على عقبيها لتسير نحو الباب بخطوات راقصة ، حيث اتجهت إلى المطبخ ، مارة بجانب غرفة الجلوس ، وابتسمت لها السيدة نيلسون وهي تقول : " ادخلي وأريني ثوبك . إنك تبدين رائعة الجمال " منتدى روايتي الثقافية . أجابت : " شكراً " قالت السيدة نيلسون : " إن السيد مورغان في غرفة الجلوس . إنني أعرف أنك جئت مبكرة ، ما رأيك في شراب وشيء خفيف تأكلينه ؟ " أجابت اوليفيا : " ما أحسن هذا . أود تناول فنجان من القهوة . إذا لم يكن في ذلك إزعاج لك " أجابت : " كلا ، طبعاً " ولم يكن أيّ شيء يمثل مشكلة بالنسبة إلى السيدة نيلسون ، وكانت اوليفيا تحبها فهي أليفه وتحب الثرثرة . وكان هذا مقبولاً أثناء تناول اوليفيا إفطارها عند الصباح ، حينما يكون كلينت في أغلب الأوقات قد ترك المنزل في الوقت الذي تنهض هي فيه من فراشها . ذلك أن هذا الرجل لم يكن ليضيع وقته حتى في صباح السبت الذي كان يعتبره يوماً مناسباً للعمل هو أيضاً . دخلت اوليفيا غرفة الجلوس ، لتجد كلينت مرتدياً بذلة قاتمة وهو يتكلم في هاتف جيب . وكان ظهره إليها فأخذت تتأمل جسمه الضامر وكتفيه العريضتين ، ووقفته المعشوقة . وشعرت وهي تنظر إليه ، بانقباض في قلبها واستدار هو فجأة ، وكأنه شعر بنظراتها المنصبة عليه وشملها بنظرة وهو ما زال يتكلم في الهاتف . وما لبث أن قطع المكالمة ، واضعاً الهاتف على المنضدة بجانبه . قال لها : " إن هذا الزي الذي ترتدينه بالغ الروعه ، يا اوليفيا " وتوثب قلبها بهجة وهي تسمع كلماته . فانحنت احتراماً وقالت : " أشكرك يا سيدي " ومع أنها كانت تبدي المزاح بهذا الجواب ، إلا أن مجاملته تلك ملأت قلبها سروراً ما لم تشأ أن تظهره . جلس في مقعد كبير ، ثم تناول ملفاً سميكاً وهو يقول : " سأنتهي من هذا الملف في غضون دقائق " قالت : " ليس ثمة مشكلة طبعاً " ومشت نحو النافذة تتأمل منظر النهر المعتم لحظه ثم استدارت عندما سمعت صوت دخول السيدة نيلسون حاملة صينية القهوة . ونظرت اوليفيا إلى رأس كلينت المنحني على الأوراق ، وهي تشعر بالألم في أعماقها . أتراه يحب أمرأة أخرى ؟ هل هو يحب جانيت ؟ لماذا تشعر به متلهفاً عليها إذن ، وعادت كلماته تتجاوب في مسامعها ( إنك لست بحاجة إلى أن تعرفيني يا اوليفيا ) وانقبضت نفسها . إنها لا تفهم شيئاً . منتدى روايتي الثقافية . وتهالكت على الأريكة بجانب كرسيه مصممة على ألا تدع الاكتئاب يسيطر عليها ، وهي تقول له : " هل اسكب لك فنجان قهوة ؟ يوجد على الصينية فنجانين وإناء أسود يحتوي على قهوة حديثة الصنع " . أشار إلى كوب صغير بجانبه ، قائلاً : " إنني أحتسي بعض العصير حالياً " سكبت القهوة وهي تقول : " إنني بحاجة إلى أن أسألك عن بعض الأشياء . لقد ذكر البعض أمامي جانيت ويبدو أنهم يظنون أنني أعلم شيئاًَ عنها ، وهذا ليس صحيحاً " ووضعت إناء القهوة من يدها ، ثم نظرت إليه وقلبها يخفق بعنف ، ثم تابعت تقول : " هل هنالك شيء معين تريد مني أن أقوله عندما يسألونني عنها ؟ " ولكن وجهه كان جامد الملامح وهو يرد عليها قائلاً : " كلا " عادت تقول : " يبدو أن كل شخص يعرفها وهم يتساءلون عما إذا كنتما قد أنهيتما العلاقة بينكما ، أم أنها تمضي فقط فترة من الوقت في أوروبا وستعود بعدها " أجاب : " إن مطحنة الشائعات والثرثرة ستستمر في العمل مهما كان نوع الجواب ، كما أن شؤوني الخاصة ليست من شأن أحد . ألا توافقينني على ذلك ؟ " رشفت قهوتها وهي تقول : " طبعاً ، ويسرني أن لا أدلي بأية معلومات . وأنا ماهرة في مثل هذا في الحقيقة " أومأ برأسه قائلاً : " لقد سبق ولاحظت ذلك " شربت قهوتها بينما عاد هو إلى أوراقه وشرابه . إنها لم تستطع أن تستخلص جواباً تعرف منه الحقيقة . ومنعها كبرياؤها من أن تعاود أسئلتها بهذا الشأن . وعلى كل حال ، فإن أموره الخاصة ليست من اختصاصها ، كما سبق واوضح بكل جلاء . قد يكون حاول التسرية عنها عندما كانت تبكي وقد يكون مهتماً بها برغبة حقيقية ولكن هذا لا يمنحها الحق في أن توثق علاقتها معه . وملأها هذا مرارة . وبعد ذلك بعشر دقائق ، كانا في طريقهما إلى أحد الفنادق الفخمة لحضور حفلة الاستقبال . وابتسمت اوليفيا وصافحت الآخرين وكلينت بقربها . وكان هو كعادته يبتسم لها ويقدمها إلى الآخرين ولا يدعها تغيب عن بصره لحظة واحدة . كانت ليلة حافلة ، ورغم بذلها الجهد البالغ في الاندماج مع الآخرين ، فإن صوته ما برح ي أذنيها وهو يقول : " إنك لست بحاجة إلى أن تعرفيني يا اوليفيا " ولم تعد تستطيع احتمال الشعور بقربه منها فاغتنمت فرصة كان فيها مستغرقاً في حديث عن أحد أعماله ، لتهرب بعيداً . وكانت قد تعلمت في الاسابيع الماضية ، كيف تتهرب وتدور حول الموضوع ، لم يكن من الضروري أن تتحدث كثيراً . كان كل ما تحتاجه هو عدة أسئلة ذكية وليس عليها ، بعد ذلك سوى أن تستمع . وهكذا تمكنت ن الهرب لتجد نفسها تخوض حديثاً مع أحد الأثرياء الأسيويين والذي كان أكثر حفاوة بها بشكل ملحوظ . منتدى روايتي الثقافية . كانت تتكلم ضاحكة يغمرها السرور ، عندما شعرت بكلينت بقربها . ألقى نظرة باردة على الرجل وهو يقول باقتضاب : " نرجو المعذرة " ثم قاد اوليفيا بعيداً . سألته وقد ساءها تحكمه بها بتلك الطريقة المتغطرسة : " هل هناك شيء خطأ ؟ " أجاب : " كلا ، وإنما فقط أريدك أن تكوني معي " قالت تحاول إغاظته : " لقد كنت مستمتعة بالحديث معه " أجاب : " آسف إذ قطعت عليكما محادثتكما المريحة تلك " ولم تكن لهجته تعبّر عن أقل ذرة من الأسف . صرّت بأسنانها ولم تقل شيئاً . وبعد فترة لمحت فرانك قرب المقصف . ولم تكن تعلم أنه سيحضر هذه الحفلة . ولكنها لم تتحدث معه إلا بعد رجوعها من إستراحة السيدات وذلك في ردهة الفندق . سألته باسمة : " ما الذي تفعله هنا ؟ أتراك تعطي نصائح بالنسبة للأربيان ؟ " ضحك قائلاً : " كلا ، وإنما للفنادق وما يقدمونه من طعام في مناسبات كهذه " قالت : " يا لها من وظيفة " قال : " لا يوجد فيها لحظة واحدة مملة . والآن ، كيف حال الفتى ؟ " قالت : " الفتى ؟ آه تعني كلينت " وهزت كتفيها بعدم اكتراث وهي تتابع قائلة : " إنه يتحدث عن الأعمال كالعادة " ورأت نظراته تتحوّل عنها إلى شيء خلف كتفها ، ثم ما لبثت ابتسامته أن تلاشت ، وهو يقول : " الأفضل أن أذهب الآن ، سأراك فيما بعد ، يا اوليفيا " وفي اللحظة التالية كان قد استدار مبتعداً . منتدى روايتي الثقافية . نظرت إليه وهو يبتعد وقد ساورها شيء من الدهشة لتركه المفاجئ لها ، ثم هزت كتفيها دون اكتراث ، واستدارت لتعود باحثة عن كلينت ، لتجده واقفاً على بعد خطوات منها ، ينظر إليها بوجه جامد الملامح وعينين تقدحان شرراً . | ||||
27-11-12, 12:57 AM | #17 | ||||
| الفصل التاسع الفصل التاسع سألها كلينت بصوت خشن : " هل كنت تتحدثين الآن إلى فرانك توبس ؟ " أجابت : " هذا صحيح ، هل ثمة شيء خطأ ؟ " قال : " إمكثي بعيداً عنه . إنه رجل سيء " قالت ضاحكة : " إن بإمكاني المحافظة على نفسي " قال : " هذا ما تظنينه أنت " فغرت فاها ، ثم قالت : " انني سأتحدث معه ساعة أشاء ، يا كلينت " حذرها قائلاً : " أريدك أن تمكثي بعيدة عنه . لقد أنتهي النقاش " قالت : " آه ، كلا لم ينته النقاش بعد " ألقى عليها نظرة تحذير قائلاً : " إذن ، سنناقش ذلك فيما بعد ، إنما ليس هنا وليس الآن . والآن ابتسمي ، فسأقدمك إلى زعيم الأربيان في ماليزيا ، فهو صديق شخصي لي فكوني لطيفة معه " صرّفت بأسنانها قائلة : " لا تخبرني متى عليّ أن ابتسم " تأوه ساخطاً وهو يقول : " لا داعي للثورة يا اوليفيا " ولكنها كانت مصممة على إظهار الثورة ، الآن وفي هذا المكان . ومن يكون هو لكي يخبرها عمن ينبغي أن تكلمه أو لا تكلمه ؟ ولكن تعقلها تغلب أخيراً ، فنظرت إلى وجه كلينت مباشرة ، ثم رسمت على شفتيها ابتسامة ، كانت تعلم أنها ليست صادرة من قلبها ، ولكنها كانت ابتسامة على كل حال ، وعاد بها إلى غرفة الاستقبال ، قالت بصوت منخفض : " إنك إذن ، تعلم أن هذه المناقشة لم تنته بعد " منتدى روايتي الثقافية . أجاب : " كما تشائين " حالما أغلق الباب وراءها ، قالت وهي تلقي بشالها وحقيبة يدها على كرسي ، وكان المكان هادئاً والسيدة نيلسون قد خرجت منذ ساعات ، قالت بحدة : " أريد أن اتكلم " . كان واقفاً قرب الباب فأجابها قائلاً : " هيا تكلمي " قالت بلهجة متوترة : " ليس لك الحق في أن تتدخل في حياتي الخاصة ، إذ ليس في الاتفاق الذي بيننا ما يشير إلى ذلك " قال بتوتر هو الآخر : " أثناء وجودك معي ، في موسم الاجازات ، فإن من الحماقة إن لم يكن من الخطورة بالنسبة إليك ، أن تكوني برفقة توبس في أي وقت " حملقت به قائلة : " هذا لا يوضح شيئاً " نظر إليها بجمود وهو يقول بلهجة قاطعة : " ثمة أشياء لا استطيع شرحها لك ، وأكون شاكراً لو وضعت ثقتك بي وتقبلتها كما هي " أطبقت يديها بشدة وهي تقول : " كلا " قال بحزم وقد تجهم وجهه : " انني ادفع لك ثمانية آلاف دولار " صرّت بأسنانها قائلة : " انك لا تدفع لي ، وإنما أنت تقدم هبة لمؤسسة ميرسي وذلك كرماً منك لمساعدة أناس هم أقل حظاً منك . وثمة عقد بيننا لا ينص على وجوب امتناعي عن التكلم مع أي شخص آخر . فإذا كان توقيت ذلك لا يتعارض مع برنامجك أو مناسباتك ، فأنا لا أري ضرراً ... " قاطعها : " حسناً ، أنا أرى ضرراً في ذلك " اعتدلت وقفتها ونظرت في عينيه مباشرة وهي تقول : " ان عدم اعطائي سبباً مناسباً ، ليس من المعقول على الاطلاق . أريد أن أعلم ما الذي تأخذه عليه . فهو إنسان مهذب تماماً . وهو كاتب في شؤون التغذية ينشر مقالاته في الصحف فما الخطأ في هذا؟ " تصلب جسمه من التوتر ، وبان في عينيه غضب مفاجئ ، فحدقت فيه اوليفيا بصمت . ما الذي قالته لكي يحدث عنده ردة الفعل العنيفة هذه . خلع جاكتته ، ثم ألقى بها على كرسي ، وهو يقول ببرود : " إذن ففرانك هو الرجل الذي ذهبت معه إلى العشاء ليلة الثلاثاء " أجابت : " نعم " سألها : " ماذا قلت أنه اخبرك عنه نفسه ؟ " أجابت : " قال إنه يكتب في شؤون التغذية للصحف " قال : " حسنا ، إنه يكذب " شعرت بقلبها يغوص بين ضلوعها . وقالت : " هذا فظيع " قال : " فعلا ً " سألته : " ولكن ، إذا لم يكن كاتباً في التغذية ، فمن هو إذن ؟ " أجاب : " إنه كاتب فعلاً ، ولكنه مخبر صحفي في شؤون المال . وأنا في وسط مفاوضات مالية حساسة . فإذا هو اشتم رائحة ما ، فسنكون قد وقعنا في مشكلة كبرى " رفعت اوليفيا حاجبيها قائلة : " أتعني بقولك هذا انه قد يحصل على معلومات مني ؟ " وحدثت نفسها قائلة : " الويل لك يا فرانك ، فقد كنت تستغلني " أجاب : " تماماً " لم تستطع أن تكتم ضحكها . هل كان غضبه العنيف ذاك ، لهذا السبب ؟ لأن من الممكن أن تعطي معلومات لفرانك ؟ منتدى روايتي الثقافية . قالت له : " ولكنني لا أعرف شيئاً عن أي شيء يا كلينت . فماذا بإمكاني أن أخبره ؟ فأنت لا تحدثني بما تفعله . كما أنني لا أعرف شيئاً عن أعمالك . أنك تعلم هذا " قال : " لا يمكنني أن أكون حذراً بما فيه الكفاية " قالت : " ولكن هذه حماقة . فهو لا يستطيع أن يستخلص مني شيئاً ولو وضعني على خشبة التعذيب " ولكن وجهه كان صارماً عنيفاً وهو يقول : " اوليفيا انني لا اريد ، واكرر ، لا اريدك أن تريه أو تتكلمي معه مرة أخرى ما دمت معي " ضحكت بمرارة ، وهي تجيبه قائلة : " أتعني بقولك هذا ، أنه عندما يبتدئ شهر كانون الثاني (يناير) وهو موعد انتهاء العقد بيننا ، فسأكون حرة في أن أخبره بكل أسرارك ؟ " فحدق فيها وقد اطبق فكيه بعنف ، لم تره قط بمثل هذا الغضب من قبل ، ثم ودون أن ينطق بكلمة استدار على عقبيه ثم غادر الغرفة بخطى واسعة . عندما استيقظت اوليفيا صبيحة اليوم التالي ، وكان الوقت متأخراً أدركت أن كلينت لا بد قد ترك البيت منذ وقت طويل ، فارتدت معطفها ، ثم خرجت تفتش عن السيدة نيلسون ، وفنجان شاي ، حيث وجدت ذلك في المطبخ بطبيعة الحال . وبينما كانت تحتسي الشاي القوي الذي أعدته لها السيدة نيلسون ، أخذت هذه تحدثها عن ابنيها . كان أحدهما قد تخرج حديثاً من كلية الطب ، أما الثاني فكان يدرس الهندسة . أما تعليمهما فكان ينفق عليه كلينت، وقالت : " لا أدري ما الذي كنت سأفعل بدونه . عندما توفي زوجي .. " وتنهدت وهي تتابع : " لقد كنا نأمل دوماً في أن يذهب ولدانا إلى الجامعة . وكنا نوفر كل قرش نستطيعه . ولكنني لم أستطع القيام بالعمل بمفردي " ووضعت قطعة أخرى من الكعك في صحن أوليفيا ، التي شكرتها لذلك بينما تابعت تقول : " لقد قال ان هذا الأمر هو افضل طرق لاستثمار أمواله . قال ان استثمار الأموال في الناس هو دوماً أفضل من استثمارها في الأشياء والشركات " . قالت اوليفيا : " أحقاً ؟ " أومأت هذه برأسها قائلة : " هذا ما قاله " وانهت اوليفيا تناول طعامها وهي تستوعب هذه المعلومات وفكرت في الميتم في إيف باركو الذي كانت باميلا اخبرتها عنه ، والأطفال الذين اقبلوا إلى فيلادلفيا للعلاج الطبي . لم يخبرها كلينت عن ذلك قط . وتساءلت عما إذا كان هناك شيء آخر من هذا النوع قد قام به كلينت . الاستثمار في الناس . أنها فكرة هامة حقاً . واعادتها الفيراري إلى بيتها حيث أمضت بقية الصباح تغسل اثوابها وتقطع الخشب ، ومرت عليها سيليا بعد الظهر وهي في طريقها إلى بيتها عائدة من السوق حيث اشترت أكياساً مليئة من هدايا العيد ، شاءت أن تريها إياها . فقد كان عليها أن تبكر في الشراء وأخواتها الخمسة ، هناك عدد من أبناء الأخ والأخت ، وكذلك اوليفيا كانت تشتري هدايا لكل شخص منهم . وكانت في غاية الشوق إلى قضاء ليلة العيد في ذلك البيت القائم في طرف المدينة ، والشعور بأنها أحد افراد تلك الأسرة . وسألتها سيليا بعد أن أخرجت كل الهدايا من أكياسها ونشرتها لفحصها : " هل بقي عندك شيء من الشوكولاته ؟ " أجابت اوليفيا : " هل ظننت انني أكلتها جميعاً وحدي ؟ " قالت سيليا : " لا أعلم ، كيف كانت حفلة الاستقبال ليلة أمس ؟ هل قابلت ناساً ذوي أهمية ؟ " وضعت اوليفيا علبة الشوكولاته على المنضدة وهي تقول : " اسمعي ماذا حدث ، كان فرانك توبس هناك ، وعندما رآني كلينت أتكلم معه ، أصيب بنوبة عصبية " وسردت عليها أوليفيا تفاصيل ما حدث الليلة الفائتة .منتدى روايتي الثقافية . قالت سيليا مفكرة وهي تأكل حبة شوكولاتة ثانية : " هذا غريب جداً ، أتعرفين ماذا يبدو هذا في نظري ؟ إنه يغار " . قالت اوليفيا : " يغار ؟ ما هذا يا سيليا ؟ ظننتك أكثر ذكاء " . سألتها سيليا : " هل عندك تفسير آخر ؟ " أجابت : " لا بد أن يكون ثمة سبب " قالت سيليا : " حسناً ، لا يمكن أبداً أن يكون السبب هو الذي قال لك عنه ، كما تعلمين فمن الحماقة التفكير في أن من الممكن أن تفشي أسرار كلينت بينما هو لا يسلمك أسراره مطلقاً . فلماذا يتصرف بهذا الشكل ؟ هذا مضحك " . قالت أوليفيا : " ولكن فكرة أن يكون غيوراً هي مضحكة أيضاً " قالت سيليا : " وهل من العجيب أن يقع في غرامك ؟ " أجابت : " إنه لا يريد التورط في أمور كهذه حالياً ، كما أنه ربما كان في انتظار عودة جانيت تلك . حتى ولو انفصمت العلاقة بينهما ، فهو سيجد الكثيرات ممن يناسبنه أكثر مني " وتنهدت قائلة وهي تلوح بيدها : " دعينا من ذلك الآن " . بعد رحيل سيليا ، نظرت اوليفيا إلى ساعة الحائط . ان آلان سيصل بعد ثلث ساعة ليأخذها إلى بيت كلينت . قالت بعد ذلك بعدة ساعات : " لا استطيع أن افهم ، ان هذا المكان هو كينيدي سنتر " ابتسم كلينت قائلاً : " نعم . هذا صحيح . لقد تغيرت الخطة " قالت : " انك لم تخبرني " وفتح آلان باب السيارة لها فخرجت منها وهي تجمع بيديها أذيال تنورتها الحريرية الطويلة لكي لا تتعثر بها . تبعها متجهاً بها إلى الداخل ، وهو يقول : " لقد جعلتها مفاجأة " كان المكان يموج بالنساء الرافلات في ملابس السهرة المتألقة والمجوهرات المتلألئة والرجال في بذلاتهم السوداء وربطات العنق البابيون . سألته : " ما هي المفاجأة " أجاب : " إنها فرقة باليه تقدم أجمل لوحاتها . وهذه هي ليلة الافتتاح ، والحضور بدعوة فقط " . قالت وقد تملكتها الإثارة : " آه يا كلينت ، ما أروع هذا " ابتسم لها قائلا : " انني مسرور لاعجابك بها " نظرت حولها قائلة : " انني أعشق الباليه . هل علينا أن نقابل الناس ؟ اعني ، هل يشكل هذا التزاما اجتماعياً بالنسبة إليك ؟ " أجاب : " ليس ثمة التزام وإنما نحن الاثنين فقط ، فقد سبق واخبرتني انك درست فن الباليه سنوات عديدة ، ولهذا فكرت في انك قد تبتهجين بحضور هذه الحفلة " بان الامتنان على ملامحها وهي تقول : " أوه ، يا كلينت ، انه شيء في منتهى الجمال " وهذا ما كان عليه العرض في كل دقيقة من تلك الحكاية الخرافية ، التي أغرقتها بالبهجة ، ونقلتها إلى عالم الأحلام . رأت نفسها في حلم .. حلم لم يتركها حتى بعد رجوعها إلى الفيراري . قالت لكلينت وقد بدا السرور واضحاً على وجهها : " أشكرك ... أشكرك فهذه كانت أجمل ليلة مرت عليّ في حياتي " منتدى روايتي الثقافية . وعندما وصلا سألته : " لماذا فكرت في دعوتي لحضور حفلة الباليه تلك ؟ " أجاب : " أردتك أن تمضي ليلة حسب رغبتك " وسرى الدفء في أوصالها . ونظرت إليه تريد أن تقول شيئاً .. شيئاً هو غير كلمة الشكر البسيطة المعتادة . وتقدمت نحوه قائلة : " أشكرك " وتشابكت نظراتهما . وساد الصمت ، وأرادت أن تقول شيئاً ، ولكن لسانها لم يتحرك . لم يكن ثمة حاجة للكلمات . ذلك ان بامكانه أن يدرك مشاعرها من الطريقة التي كانت تنظر بها إليه . وقالت وهي ترتجف محاولة اظهار عدم الاهتمام : " اظنني بالغت في التعبير عن شكري " أجاب : " وهل ترينني شكوت من هذا ؟ " قالت : " كلينت ، انني .... " وابتلعت بقية الكلمات ، كانت تريد أن تقول إنها تعرف أنه لا يريدها أن تعرفه . ولكنها رأت ذلك البريق الدافئ في عينيه ، والبسمة على شفتيه وهو يهمس قائلاً : " لقد كنت في انتظارك يا اوليفيا " . | ||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|