24-11-17, 03:47 AM | #1 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب
| 413-حبيبتي كاذبة - لين جراهام-(كتابة /كاملة) بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ازيكم أعضاء روايتي الحلوين والحلوات اليوم مبارك بجد علينا وعليكم عشرأعوام أكمل منتدنا من سنينه عشرة قراءة ممتعة لكم جميعا 413العدد : لـلكاتبة : لين غراهام حبيبتي كاذبة الملخص: إنه لا يستطيع أن يتذكر لماذا تزوج هيلاري . كان رجل الأعمال راوول ساباتينو يشعر بالضياع فقد كان يعاني من فقدان الذاكرة بعد حادث اصطدام . ثم اكتشف أن لديه زوجة لا يستطيع أن يتذكر عنها شيئاً . هيلاري فتاة لطيفة , جميلة . . . ولكنها عادية جداً , فلماذا تزوجها , والأهم لماذا ما زالت عذراء . وكأن كل هذا لا يكفي . حتى تفاجئه هيلاري بالرحيل . بالضبط عندما بدأ يتذكر . . . الرواية منقولة شكرا لمن كتبها التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 27-11-17 الساعة 07:14 AM | ||||||||||
26-11-17, 05:47 AM | #2 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب
| عدد الفصول : 10 عناوين الفصول : 1 ـ رجل جعلها تبكي 2 ـ علاقة سرية 3 ـ أتذكر أسمي ؟ 4 ـ تلك المرأة ! 5 ـ عروس زائفة 6 ـ لن أسامحك أبداً ! 7 ـ في أحلامك ! 8 ـ ممثلة بارعة 9 ـ أكرهك 10 ـ أحبك | ||||||||||
26-11-17, 05:47 AM | #3 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب
| نبذة عن الكتابة : ولدت في شمال إيرلندا , خلاف سنوات المراهقة كانت من القراء المتحمسين لـ (( ميلز أندبون )) . تعيش لين زواجاً سعياً مع زوجها المتفهم , الذي تعلم الطهو ما أن بدأت هي بالكتابة ! حياتها مليئة بالحيوية و النشاط بسبب أطفالها الخمسة وكلبها الكبير الذي يثير الفوضى في كل مكان , كما أنها تملك كلب صيد صغير من نوع (( الغرير )) وعندما تسنح لها الفرصة تعمل في حديقة منزلها بنشاط . | ||||||||||
26-11-17, 05:48 AM | #4 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب
| :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::: 1 ـ رجل جعلها تبكي قال راوول سابانيتو , الأسمر الوسيم الرزين , عابساً : (( من الطبيعي ألا تجدد عقده . لا مكان في " مصرف ساباتينو " لمدراء فاشلين )) . كان صاحب مصرف عالمي ورجلاً مشغولاً , ما جعله يعتبر هذه المحادثة مضيعة لوقته الثمين . وتنحنح مدير أعماله ستيفن : (( أظن . . . لعل حديثـاً قصيراً يعيد راولنسن إلى الطريق المستقيم . . . )) . فقاطعه راوول بنبرة باردة كالثلج : (( أنا لا أؤمن بالأحاديث القصيرة ولا أمنح فرصاً ثانية . إن سمعة مصرفنا تقوم على كفائتنا )) . أخذ ستيفن يفكر في راوول الذي يعرفه خبيراً ذائغ الصيت في عالم الاقتصاد . كان ثرياً سويسرياً من سلالة أصحاب المصارف الخاصة الذين شهد لهم الجميع بالذكاء الكفاءة . لكن رغم ذكائه البالغ ونجاحه الهائل , لك يكن يظهر أي عطف على مستخدميه . في الواقع , كان موهوب الجانب قدر ما هو محط إعجاب . ومع ذلك , قام ستيفن بآخر جهد للتوسط لذلك الموظف السيء الحظ , فقال : (( زوجة راولنسن هجرته الشهر الماضي . . )) . وجاء رد راوول الفظ : (( أنا رب علمه ولست طبيبه النفسي . وحياته الخاصة لا تهمني )) . وغادر مكتبه البالغ الفخامة ليهبط بمصعده الخاص إلى موقف السيارات تحت الأرض حيث استقل سيارته فيما فمه القوي لا يزال ملتوياً بازدراء عابس . ما نوع هذا الرجل الذي يدع فقدانه امرأة يهدم حياته المهنية الواعدة ؟ يا لها من شخصية ضعيفة عديمة القدرة عى التحكم في الذات!. وهز راوول رأسه المتكبر باشمئزاز بالغ . الرجل الذي يشكو مشاكله الشخصية , متوقعاً لذلك معاملة خاصة , شخص بغيض بالنسبة إليه . عاش راوول حياة صارمة خالية من الفرح و الاستمتاع , فقد هجرته أمه قبل أن يتقن المشي . وتبددت أي لمحة من العناية والمحب من حياته بين ليلة وضحاها , ثم أرسل إلى مدرسة داخلية وهو الخامسة من عمره . وكان لا يُسمح له بزيارة منزلة إلا إذا جاءت نتائج امتحاناته مرضية لأبيه , أريد له أن ينشأ خشناً قاسياً , ويتعلم منذ طفولته ألا يطلب أو يرجو أي عون أو محبة من أحد . رن هاتف سيارته وهو عالق في زحمة السير . وندم لأنه لم يستدع سيارته الليموزين مع سائقها الخاص . كانت المكالمة من محاميه , بول كوريرو , وبما أن الحديث تناول أموراً سرية , فضل أن يعتمد تعابير بول المتحفظة . ـ بصفتي محاميك , أظن أن من واجبي أن أشير إلى أن الوقت حان لتضع حداً لعلاقة معينة . كان رتوول زميلاً لبول في الجامعة , وهما صديقان جيدان , قلا أحد غيره يجرؤ على التحدث معه بمثل هذه الألفة . لكن مزاجه لم يحتمل المماطلة , , فقال يستعجله : (( أدخل في صلب الموضوع )) . فتردد بول بشكل غير عادي : (( منذ مدة و أنا أفكر في هذا الأمر . لكنني انتظرت حتى تثير أنت الموضوع , وقد مضى الآن أربع سنوات تقريباً . ألم يحن الوقت لفسخ زواج المصلحة ذاك الذي عقدته ؟ )) . بدا صوت بول رخيماً وهو يتابع , من دون أن يدرك التأثير الذي أحدثه : (( هلا اتفقنا على موعد ما هذا الأسبوع لأنني سأكون في إجازة ابتداءً من يوم الإثنين القادم )) . رد راوول على الفور : (( هذا الأسبوع مستحيل )) . فقال بول بشيء من الارتباك : (( أرجو ألا أكون قد تجاوزت حدودي بإثارة هذا الموضوع )) . فقال راوول ضاحكاً : (( يا إلهي , كنت قد نسيت هذا الموضوع , وأنت أخذتني على حين غرة ! )) . فقال بول : (( لم أكن أظن هذا ممكناً )) . ـ سأعاود الاتصال بك . . زحمة السير خائفة . بدا فمه الجميل متوتراً . إن بول محق بالنسبة إلى موضوع ذاك الزواج . وعاد راوول بالذاكرة أربع سنوات إلى الوراء . كيف سها عن قطع تلك الصلة الهشة ؟ وذكر نفسه بأنه كان مشغولاً إلى حد لا يصدق . كان جده كليمنت رجلاً صارماً مدمناً على العمل حتى بلغ الستينات . كان من كافة النواحي , أشبه بقطعة من الصخر . لكن , بعد أن تقاعد , وقع في غرام امرأة أصغر منه سناً , فتغير بشكل كامل واعتنق فلسفات الجيل الجديد حتى أنه تزوج تلك الشابة الباحثة عن الثروة . هذا السلوك أحدث جفاءً استمر لسنوات بين كليمنث وابنه المتحفظ والد راوول . لكن راوول بقي على اتصال بجده . وعندما توفي الجد منذ أربع سنوات , لم يصدق راوول شروط وصيته الغريبة للغاية . أوصى الجد كليمنت بأن في حال لم يتزوج هذا الأخير , في وقت معين . يتحول قصر (( كاستيلو ساباتينو )) , منزل الأسرة , إلى الدولة بدلاً , من حفيده , وندم راوول طبعاً انه كان قد أخبر جده أنه لن يفكر في الزواج وإنجاب وريث حتى يصبح في أواخر منتصف العمر . ورغم أن راوول تربى على احتقار العواطف , إلا أنه ما زال يحتفظ بذكريات بعيدة عن عهد الطفولة , لزيارات سعيدة إلى بيت الأسرة (( كاستيلو ساباتينو )) . ورغم أنه من الثراء بحيث يمكنه شراء مئة قصر , إلا أن لقصر كاستيلو مكانة خاصة لديه . لقد سكن آل ساباتينو القصر الذي يشرف على وادٍ سحيق منذ مئات السنين . وقد تملك راوول الفزع وهو يري نفسه مهدداً بخسارة القصر إلى الأبد . وبعد شهرين , وفيما كان في رحلة عمل إلى لندن , اتصل بمحاميه بول وحدثه عن المشاكل الناتجة عن وصية جده . وبما أنه كان أثناء إجراء هذا الاتصال في مكان عام , إذ كان يحلق شعره , اعتمد اللغة الإيطالية , توخياً للسرية . لكنه علم أنه أخطأ فحلاقة الشعر سارعت إلى إظهار تعاطفها معه , وعرضت عليه أن تلعب دور الزوجة الزائفة , كي يبقى قصر (( كاستيلو ساباتينو )) للأسرة . وفي النهاية , باعته هيلاري روس يدها في زواج صوري . كم أصبح عمرها الآن ؟ لقد بلغت الثالثة والعشرين في عيد العشاق الأخير . كانت صغيرة الحجم لكنها ذات مفاتن رائعة وذوق بديع في اختيار الأزياء , فالسواد من الرأس حتى أخمص القدمين وزينة وجهها تجعلها تبدو كمصاصة دماء . كان غريباً أن تبدو مصاصة دماء مثيرة إلى هذا الحد . وقبل أن تتغير إشارة السير أخرج محفظته وسحب منها صورة كانت هيلاري قد دستها في يده بعد أن وقعتها مازحة : ( زوجتك , هيلاري ) وسجلت عليها رقم هاتفها . لقد و قعا عقداً قانونياً يقضي بأن يبقى زواجهما صورياً , كمـا أوضح ه بول أن الإخلال بشروط عقد الزواج الصوري , أي إتمام الزواج , سيعرضه لملاحقة الزوجة التي ستطالبه بنفقة باهظة . لا بد أن انجذابه إليها مجرد تخيلات , فما الذي سيجذبه إليها ؟ إنها غير مثقفة , فقد تركت المدرسة في السادسة عشرة من عمرها , وهي من أسرة فقيرة عاملة . إنها تعمل في صالون حلاقة ! يا إلهي . . حلاقة صغيرة , دائمة الضحك , قصيرة القامة , من دون أي اهتمامات ثقافية أو حنكة اجتماعية . لا يجمع بينهما سوى الجنس البشري . وسمح لنفسه أخيراً بأن ينظر إلى صورتها , مذكراً نفسه بأنها لم تكن بغاية الجمال . وتملكه السخط وهو يرى نفسه مستغرقاً بشكل يدعو إلى القلق في مثل هذه الأفكــار . رأى أن حاجبيها مستقيمان كثيفان , وأنفها عريض قليلاً . لكن , بالرغم من عيوبها , بقيت عيناه مسمرتين على المرح في عينيها والابتسامة الواسعة المتألقة على فمها الممتلئ المصبوغ بلون التوت . أفضت إليه ذات مرة من دون أن يسألها : ( عندما قابل جدي جدتي , عرفت أنه حب حياتها قبل أن يتحدثا معاً . . على أي حال , لم يستطيعا أن يتحدثا معاً لأنها لم تكن تعرف حتى كلمة واحدة من الإنكليزية كمـا أنه لم يكن يعرف كلمة إيطالية واحدة . ألا تظن هذا شاعرياً ؟ ) . لم يجبها يومها , وصد كل محاولاتها لتبادل الغزل معه . فهي ليست من عالمه , وهو أذكى من أن يجازف وتبع خطوات أبيه وجده فيقع في الغلطة الخطيرة نفسها ويتزوج فتاة تبحث عن رجل ثري . وهكذا كبح ذلك الانجذاب إلى امرأة يراها غير مناسبة . و مع ذلك لم يستطع أن ينسى آخر مرة رأى فيها زوجته الزائفة , وتلويحها له بيدها بمرح بالرغم من لمعان الدموع في عينيها , و الابتسامة المتمردة على شفتيها التي قالت له إنها ستبحث عن رجل يؤمن بالحب الشاعري . . أتراها لم تعثر بعد على ذلك الرجل ؟ وهل هذا هو السبب الذي يدفعها إلى عدم طلب الطلاق ؟ وفيما هو غارق في التساؤلات , برزت أمـامه طفلة تلاحق كلباً . ضغط على الكابح بشدة , وأدار عجلة القيادة بعنف محاولاً أن يتجنب الطفلة , فاصطدمت السيارة في جدار بعنف بالغ . كان يمكن لراوول أن يخرج من الحادث من دون ضرر لو سنحت له الفرصة للخروج من سيارته قبل أن تصطدم بها سيارة أخرى . فعندما حدث ذلك , أحس بألم بالغ في أسفل رأسه أغرقه في ظلام دامس . كانت أصابعه لا تزال متشبثة بالصورة حين حملوه بسرعة إلى المستشفى حيث استدعوا بوتيستا التي جلست تنظر باحتقار إلى ممرضتين شابتين كادتا تلتهمان راوول بأعين متلهفة . كانت امرأة سمراء مدللة متسلطة ترتدي ثياباً لا تناسب امرأة في الستين . وكانت بوتيستا ثائرة لأنهم أفسدوا برنامجها , فعليها أن تسافر إلى ميلانو في الغد لتحضر افتتاح معرض خطيبها , وهي مصممة على ألا تغير برنامجها . منذ عشرة أيام , أثار راوول غضبها عندما أخبرها أن الشاب الوسيم الذي تريد أن تتزوجه , معروف بملاحقة النساء الثريات الكبيرات في السن . لقد أهانها راوول بشكل فظيع . ما الذي يمنع دييتر من أن يرغب فيها لنفسها ؟ كانت واثقة من أنها لا تزال حسنة المظهر , ذات شخصية جذابة للغاية . عقدت أربع زيجات انتهى كل منها بطلاق مكلف , لكنها لم تقلل من إيمانها بالحب و الزواج . وعندما جاء الطبيب أخيراً , وأخبرها بأن راوول يعاني مؤقتاً من فقدان ذاكرة جزئي , تملكها إحباط بالغ . ـ هل زوجة السيد ساباتينو قــادمة ؟ ـ إنه ليس متزوجاً . نظر إليها الطبيب مدهوشاً ثم مد لها يده بصورة مكرمشة قليلاً : (( من هذه إذن ؟ )) . تأملت بوتيستا الصورة وما كتب تحتها بذهول . هل راوول متزوج من امرأة إنكليزية ؟ يا إلهي ! كان زواجه سيثير زوبعة في الصحف ما سيشعره بالاشمئزاز . ورأت أن تفكيره هذا سليم وقراره صائب . متى كان ينوي أن يخبر أقاربه أنه اتخذ زوجه ؟ وتملكها شعور بالسعادة وهي تفكر في أن وجود زوجته سيعفيها من أي مسؤولية نحوه أثناء وجوده في المستشفى . واندفعت إلى الهاتف لتتصل بعروس ابن أخيــها الغامضة . ما إن دخلت هيلاري إلى شقتها الصغيرة , ورأت الانزعاج على وجه أختها إيما , حتى انقبض قلبها . سألتها وهي تلقي جانباً بصحيفة المساء التي أحضرتها معها : (( ماذا حدث ؟ )) . ـ اتصلت امرأة أثاء غيابك . أريدك أن تجلسي قبل أن أحدثك بما أخبرتني به . كانت إيما فتاة طوية رشيقة ذات نظرات ثابتة تعكس نضجاً غير عادي بالنسبة إلى فتاة في السابعة عشرة . قطبت هيلاري حاجبيها : (( لا تكوني سخيفة . أنت هنا بسلام , ويس لي من الأقارب سواك . . من الذي اتصل . . الخبر ؟ فأجابت أختها بصوت خافت متوتر : (( أنـا لست كل مــــــا لديك مــن أقرباء . راوول . . راوول ساباتينو . لقد أصيب في حادث سيارة )) . شحب وجه هيلاري , وأخذت تحدق في أختها بذعر وقد وهنت ساقاها : (( وهل . . . ؟ )) . ـ نعم . . ما زال حيــاً . وضعت ذراعها حول كتفيها وجعلتها تجلس على أريكة صغيرة في المطبخ مضيفة : (( اتصلت عمه راوول . عن إنكليزيتها ضعيفة للغاية , فلم يستغرق الحديث سوى دقيقتين تقريباً . . )) . ـ هل إصابته خطره ؟ راحت هيلاري ترجف شاعره بالغثيان , فيما الأفكـار المخيفة تملأ ذهنها . وفيما هي تصغي إلى جواب إيما , كانت تدعو الله أن يحمل لها ذلك الجواب بعض الأمل . ـ إن لديه إصابة في رأسه . و تـــكـــون لــدي انطباع بأنها على شيء من الخطورة . لقد نقلوه إلى مستشفى آخر . تنفسي بعمق , يا هيلي . ركـــزي على حقيــقة أن راوول بخير . إنك تعانين من صدمة , و لكن بإمكانك أن تكوني معه غداً صباحــاً . دار رأسـهــا وهي تــنــطوي على نــفسها , راوول حب حياتها الســــري الغالي . . رغم أنها لم تكن بالنسبة إليه سوى وسيلة ساعدته في إنهاء مشكلته . كان غريباً ومفزعاً أن يؤثر فيها الحب بهذا الشكل . راوول , زوجها الذي لم تستمتع معه حتى بقبلة . . . راوول الطويل الأسمر القوي البالغ الحيوية , راوول يصارع في هذه اللحظة الـــموت على ســـريـــر الــمستشفى . واشتــد الخوف , ودعت الله أن يشفيه , لكنها لم تستطع أن تتحلى بالتفاؤل . لقد مضت سبع سنـوات منذ سلب حادث سيارة والديها فاضطربت حياتهما , هي و إيما . حينذاك , لم يسفر انتظارهما الطويل في المستشفى , عن أي معجزة تشفيها . وأخيراً رددت كلمات أختها : (( أن أكون معه . أكــون مع راوول ؟! )) . أيمكنها أن تسافر إليه ؟ هل تجـرؤ على المحاولة ؟ وتملكها أمل عارم . لعلها زوجته بالإسم فقط , لكن هذا لا يعني أنها لا تستطيع أن تتمنى له الخير . ألم تتصل بها عمته لتخبرها عن حادث السيارة ؟ يبدو أن زواجهما لم يكن سراً كما ظنت , ويبدو أيضاً أن أقــاربه يعتقدون أن زواجهما هو أ:ثر من مجرد زواج على ورق . أجابت إيما تطمئنها : (( أعرف أن الوقت مهم وعرفت بالضبط ما الذي ترغبين في فعله . لهذا حجزت لك مقعدً على متن الطائرة التي ستقلع إلى جنيـڤ في الصباح الباكر . . . )) . جاهدت هيلاري لتكبح لهفتها و تتعقل : (( أريد أن أذهب إليه طبعاً , ولكن . . . )) . ـ ما من ( ولكن ) . ونهضت إيما واقفة : (( إياك أن تمنعك كرامتك من الاندفــاع إليه و البقاء معه . أنت زوجته وأراهن على أن ما كان بينكما ذات يوم ما زال قابلاً للإصلاح . إنني كبيرة بما يكفي الآن لكي أقدر سوء تصرفي و نتائجه )) . فوجئت هيلاري للغاية بهذا الحديث . فحتى هذه اللحظة , لم يكن لديها أي فكرة عن أن إيما تلوم نفسها على فشل زواج أختها . فقال لها : (( علاقتي براوول لم تنجح , هذا كل ما في الأمــر . لا تظني أن لك أي علاقة بذلك )) . ـ كفي عن محاولات حمايتي . كنت فتاة أنانية , فبعد أن فقدنا الأب و الأم كنت من التملك على حد جعلك تخشين حتى السماح لي بمقابلة راوول ! رأت هيلاري أن كل كذبة , حتى لو كانت بيضاء لا ضرر من ورائها , ترتد في النهاية على صاحبها . لا يمكنها أن تنظر في عيني أختها الصغرى بعد الآن . وقالت بضيق : (( لم تجر الأمور بيني وبين راوول على هذا الشكل )) . ـ بل كان كذلك . كان اهتمامك منصباً علي أولاً , وجعلتني أفسـد يوم زفافك وأدمر زواجك حتى قبل أن يبدأ . كنت فظة للغاية بالنسبة لراوول , حتى أنني هددت بالهرب من البيت إذا حــــاولت أن تجعليني أعيش في الغربة . وقفت بينكما . . طبعاً فعلت . كنـت تحبينه كثيراً . . . وما زلت لا أصدق مدى قسوتي نحوك . . كافحت هيلاري لكي تركز عل أفكارهـا كانت مركزة على حالة راوول الصحية , وأخيراً قررت أن تشرح لأختها حقيقة الموضوع في وقت لاحق , فقالت : (( ماذا قالت عمه راوول بالضبط ؟ )) . ـ قالت إنه كان يســأل عنك . نطقت إيما بهذه الكذبة البيضاء , داعية الله أن يغفر لها . لكنها كانت تأمل بما يكفي من الثقة كي تسافر إلى حيث زوجها . أترى راوول كان يسأل عنها حقــاً ؟ وتملكتها دهشة تبعتها بهجة لا توصف . وفجأة , وجدت نفسها قادرة عل مواجهة كافة التحديات . يمكنها أن تسير على الجمر لتصل إليه , أن تجتاز البحيرات سباحة , وتتسلق أعلى الجبال لتكون بجانبه . راوول بحاجة إليها ! إذا كــــان رجل بغرور راوول و ثقته بنفسه يطلب حضورها , فهذا يعني أنه مريض للغاية . وتملك هيلاري القلق , وأسرعت إلى غرفتها تحزم أمتعتها . تأوهت وهي تختار الضروري من ثيابها , ثم هتفت : (( لكن صالون الحلاقة . . من الذي سيشرف عليه ؟ )) . ـ سالي . . . سالي ويذرستن . عندما مرضت وحلت مكانك قلت إنها ذكية . تناولت هيلاري الهاتف . كانت عيناها شاردتين رغم بريقهما , وشعرها الحريري يحيط بوجهها البيضاوي المتألق . كان لون أشقر فضياً فتجد نفسها غالباً مرغمة على أن تؤكد لزبائنها أن لونه طبيعي . وكانت أحياناً تضع ظلاً خفيفاً من لون آخر على أطرافه , و في هذا الشهر استعملت لونـاً وردياً باهتاً أنيقاً . رتبت أمر حصول سالي على مفاتيح الصالون , ثم اتصلت بحلاقة أخرى اعتادت أن تردد على الصالون عندما يزيد العمل عن الحد . تدبرت أمـر كل هذه التفاصيل , رافضة حتى التفكير في تكاليف مثل هذه الترتيبات . ونظرت إلى أختها إيما , ثم أجفلت : (( كيف أتركك هنا في هذه الشقة وحـدك ؟ )) . ـ فرصتي المدرسية ستنتهي غـداً فــأستقل القــــطار عـــائــدة إلى المدرسة . أرجو أن أتمكن من القيام بذلك بنفسي . أنـا في السابعة عشرة , يا هيللي . أحتضنت هيلاري أختـــها بــمحبـــة بـــالغــة . لم تستطع إلا أن تعجب للتأثير الذي أحدثه راوول في حياتهما , هي وشقيقتها . فتلك الصفقة المالية غيرت حياتهما . إنها مدينة له بدين لن تستطيع إيفاءه أبـداً ! منـذ أربع سنوات , كانت الشقيقتان تعيشان في شقة حقيرة معتمة قذرة . وكانت إيما ذكية ماهرة ما جعل هيلاري تقرر ألا تدع مــأساة فقدان والديهما تمنع الفتاة الصغيرة من متابعة تعليمها . حينذاك , أحست هيلاري بالفشل عندما اختلطت أختها الصغرى بمجموعة من الفتيان سيئي السمعة ومن ثم أخذت تتغيب عن المدرسة . حينذاك , كانت هيلاري . تعمل لساعات طويلة , ولم يكن وضعها يسمح لها بالانتقال إلى منطقة أفضـل , أو بقضاء وقت أطول في الإشراف على مراهقة متمردة . لكن سخاء راوول قلب حياتها رأسـاً على عقب . لم تشــأ في البداية أن تقبل نقوده , لكنها عادت فأدركت أن تلك النقود ستمنحها فرصة تعيد بها أختها إلى الصراط المستقيم . فأنفقت منها على إنشاء صالونها الخاص بعيداً عن ضاحية (( هونسلو )) في لندن , وذلك من أجل مصلحة إيما , كانت تعتقد أنها قامت بالأمر الصواب . لكنها تتساءل أحياناً عما إذا كان راوول ليحترمها أكثر أو حتى يبقى على اتصل بها لو أصرت على رفضها لنقوده وعل مساعدته من دون مقــابــل . على أي حــال , اختارت أن تتزوجه من باب المساعدة ليس إلا . كانت متلهفة للقيام بأي شيء يرضيه , وهو الذي لم يكن يعلم , من قبل , بوجودها في هذه الحيــاة . لكن المحزن هو أنها مــا إن استسلمت لإغراء المال وسمحت لنفسها بــأن تقبله منه لتحـــل مشاكلها , حتى غيرت كل ما بينهما . حينذاك , قال لها بلهجة مطاطة : (( أحب أن أدفع أجـر كل خدمـة تقدم لي , فأتجنـب أي سوء تفاهم )) . وتملكها الفزع إذ جعلها تشعر وكـأنها صيادة رجــال . وفي اليوم التالي , حــاول الدكتور ليرذو أن يكتم دهشته عندما أشــارت سكرتيرته إلى زوجة راوول ساباتينو , بالدخول . فــالمرأة الشقراء , الصغيرة الحجم , ذات العينين الزرقاوين الواسعتين المليئتين باللهفة لم تكن ما توقعه أبــداً . قالت هيلاري بسرعة : (( حــاولت أن أتصل قبل أن أغادر إنكلترا , لكن موظف الهاتف لم يستطع أن يعثر عل رقم هذا المكان )) . كانت متوترة الأعصاب , فهذا المستشفى لا يشبه برفاهيته أي مستشفى آخر دخلته من قبل . وقوبلت أسئلتها المتلهفة عن حال راوول بصمت مهذب . وشعرت بالإحباط لأن عمة راوول , بوتيستا , ليست بانتظارها لتحييها وتيسر طريقها ما اضطرها إلى تقديم نفسها بصفتها زوجة راوول ساباتينو . عندما فعلت ذلك , تملكها شعور بأنها كاذبة لكنها كانت مقتنعة بأنها إذا قالت الحقيقة عن زواجهما فلن يُسمح لها بالدخول لرؤية راوول . مد الـــرجل الشائب يده ليصـــافحــها : (( هذا مستشفى خـــاص , ومرضانا يطلبون التكتم و الأمــان , لهذا لا يسمح بالزيارات . لقد شعرت بالارتياح لحضورك بهذه السرعة )) . ولاحت لها الكــآبـة خلف هذا التطمين فشحب وجهها وشهقت : (( راوول ؟ )) . ـ آسف . لـم أقـصـد أن أثير قلقك . فعدا عن صداع شديد , لا يعاني زوجك سوى من رضوض بسيطة . وبابتسامة لطيفة أجلسها الطبيب على مقعد : (( لكن ذاكرته لم تكن محظوظة إلى هذا الحد )) . تبددت أسوأ مخاوفها وغاصت هيـلاري في مقعدها الكبير وقد بدت عليها الحيرة : (( هل هي . . . ذاكرته ؟ )) . ـ تلقى السيد ساباتينو ضربة قوية على رأسه فغاب عن الوعي لساعات . فقدان الإحساس بالزمان و المكان بعد حادث كهذا , ليس أمراً غير عادي . . . لكن , ولسوء الحظ , يبدو أن ضعفاً مؤقتاً أصاب الذاكرة . تنبهت إلى لهجة الرجل البالغ الرزانة . فسألته وقد جف فمها : (( المعنى ؟ )) . ـ لقد خضع لفحص بعد استيقاظه مـن غيبوبته فكشف عن اختلاط التواريخ في ذهنه . ـ التواريخ ؟؟ ـ ذاكرة راوول مسحت السنوات الخمس الماضية من حياته . وهو نفسه , لم ينتبه إلى وجود مشكلة , حتى أشرت أنـا إلى ذلك . إنه يتذكر كل ما مر عليه من ماضيه , لكن الأحداث التي عاشها هذه السنوات الخمس هي كتاب مغلق بالنسبة إليه . نظرت هيلاري إليه غير مصدقة : (( كل تلك . . . السنوات الخمس ؟ هل أنت واثق من ذلك ؟ )) . ـ طبعاً كما أن السيد ساباتينو لا يتذكر حاد اصطدام سيارته . ـ ولكن لماذا حدث له هذا ؟ ـ ليس مستغرباً أن يعاني الشخص من فقدان جزئي للذاكرة بعد حادث يصيب الرأس , ولكن هذه الحالة تدوم لفترة قصيرة فقط وتدعى (( فقدان الذاكرة المتقهقر )) . أحياناً يعود السبب إلى صدمات عاطفية أو كآبة , لكنني استبعد ذلك في هذه الحالة بالذات . إنها حالة مؤقتة بكل تأكيد , وربما سيتذكر كل ما نسيه . ربما سيتذكر كل شيء دفعة واحدة . فسألته بضعف : (( وكيف يتقبل راوول ذلك ؟ )) . ـ عندما يدرك زوجك كم من الوقت أغفل ذاكرته , سيصاب بصدمة بالغة . ـ أنــأ واثقة من ذلك . أضــاف الطبيب بأسف : (( قبل أن نكتشف هذا , كان السيد ساباتينو على وشك أن يعود إلى مكتبه متجاهلاً نصائح الأطباء . في الواقع , هذا الوضع يمثل تحدياً محبطاً لا يمكن قبوله بالنسبة إلى رجل مثقف قوي الشخصية اعتاد السيطرة )) . ارتسم الذعر على ملامح هيلاري المعبرة وهي تفكر في غياب السنوات الخمس التي اختار الطبيب أن يصفها ببساطة : اختلاط التواريخ في ذهنه . وقالت بلهفة : (( بالله عليك . . حتى راوول لن يتذكرني ! )) . ـ كنت ســأصل إلى هذه النقطة . لكنني مسرور جداً بوجودك هنــا لكي تـــمنـــحي السيـــد العــــون الـــذي يــحـتـــاجه لمواجهة هذا الوضع . . . فرفعت حاجبيها : (( ولكن أليست عمة راوول هنـا , هي أيـضاً ؟ )) . ـ علمت أن السيدة غادرت البلاد هذا الصباح لحضور مناسبة اجتماعية . تــملكها الـــذهول , وغصت بـريــقها ولم تـعرف بـمــاذا تـصف العمة بوتيستا . ودار رأسها وقد اختلطت المشاعر في داخلها . لقد اطمأنت في البداية إلى عدم خطورة حالة راوول , لكن علمها بفقدانه لذاكرته جعلها تشعر بالعجز . وحاولت أن تتخيل نفسها تستيقظ لتجـد نفسـها كما كانت منذ خمس سنوات وليست كما هي الآن , بمـزيـد من القلق لما ستؤول إليه حال راوول من التشتت الاضطراب . وتملكها الاشمئزاز لموقف عمته غير المكترث , لكنها لم تدهش لأنها عاشت هي و أختها هذه المأساة مع قريبة لــهما . و فكــرت في الدين الذي تشعر بأنها مدينة به لراوول , وبمقدار رغبتها في رؤيته . يمكنها أن تساعده وتسنده . كانت هـذه فكرة طبيعية مثيرة , و لـكن ألـن يكون تصرفها كزوجة حقيقية نوعاً من الخداع ؟ إنها زوجة على الـورق ليس إلا . وتملكتها موجة من الشعور بالعار والاشمئزاز . على أي حــال , لقد وعدت راوول بألا تكشف أبداً عن شروط زواجهما لأي كان . لكن , ولكي تــريـــح ضميـــرها , قررت أن تكشف نـصف الحقيقة , فقالت بارتباك : (( علي أن أعترف بأننـا . . أنـا و راوول كنـا . . متباعدين ! )) . ـ أشكرك على ثــقــتــك بي وأطمئــنــك إلى أن مــــا أخبـرتـني بـه لن يعرفه أحد . لكنني أطلب منك ألا تــكشفي عن أي شيء قد يــضايــق مريضي . فما يعانيه زوجك من توتر بالغ يمكن أن يشكل خطراً على شفائه التـام . شحب وجهها وهي تسمع هذه الحقيقة القاسية , ثم أومــأت بلهفة تظهر تفهمها . لن يعلم راوول منها مــا قد يكدره . ـ بصفتك زوجة السيد ساباتينو , أنت أقرب الناس إليه مــا يمكّنك من أن تساعديه أكثر من أي شخص آخر . إن عدد موظفيه الذين يمتثلون لرغبته لا يحصى , لكن وضعك ولحسن الحظ , أفضل بكثير . زوجك بحاجة إلى أن يشعر بأن لديه شخصاً يمكنه أن يثق به . إياك أن تسيئي التصرف فحالته الحاضرة جعلته لا يحتمل شيئاً . ـ لا أستطيع أن أتصور راوول عاجزاً . . . وغصت بدمعها ولم تستطع أن تواجه نظرات الطبيب الرقيقة . كانت تشعر بألم بالغ لأنها هي أيضاً أصبحت من تلك الفئة الحقيرة بعد أن دفع راوول لها ذات يوم أجراً لتنفذ ما يريده . لكنه في الواقع لم يجد سواها لتنفيذ هذا الدور , وهذه الحقيقة دمرتها . ـ اسمعي , إن مسؤوليتك تقضي بأن تقفي بينه و بين موظفيه الذين يرغبون في رؤيته . (( مصرف ساباتينا )) يجب أن يدار من دونه حالياً , فهو بحاجة إلى راحة , إنني على إطلاع تام على عالم الأسواق المالية ما يجعلني أدرك أن أي إشارة إلى حالة السيد ساباتينو يجب ألا تتجاوز جدران هذه الغرفة . قطبــت هيــلاري إذ لــيـــس لــديــها حتــى شبــه اطـــلاع على أحـــوال الأسواق المالية . و هي لا تفهم شيئاً من هذا الجانب من حيـــاة راوول كما أن اهتمامها بهذا الأمـر محدود للغاية . و مع ذلك , استوعبت مـــا يبدو أنه دورها . إن واجبها هو أن ترعى راوول حتى يستعيد ذاكرته . ـ هل يمكنني أن أراه الآن ؟ تذكر الطبيب الرعب الـــذي بدا على ملامح مريـضه عندمــــا اكتــشف أنه متزوج , لكنه سرعان ما نبذ هذه الصورة من ذهنه . لعل هيلاري ستتمكن من الوقوف بحزم في وجه برودة زوجها البليونير وشخصيته المستبدة . . لكن حتى لو كان الدكتور ليرذر مغامراً . . فهو لا يجرؤ على المراهنة على النتيجة . أخذت هيلاري نــفســاً عميـقاً ثم تبعت الممرضة . بعــد دقائق سترى الرجل الوحيد الذي استطاع أن يجعلها تبكي . . . * * * نهايـة الفصل (( الأول )) . . . | ||||||||||
26-11-17, 05:49 AM | #5 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب
| | ||||||||||
26-11-17, 05:49 AM | #6 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب
| :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::: 3 ـ أتذكر أسمي ؟ سال عرق على عنق هيلاري , علاقة غرامية سرية ؟ و تململت في جلستها , ( امرأة لا بد أنه شاركها الفراش مرات كثيرة ؟ )) . من الطبيعي أن يفترض هذا , إذ لن يخطر في باله أن زواجهما ليس طبيعياً . تمتمت بارتباك , محاولة ألا تفضح عدم ارتياحها : (( إنك تنظر إلى الأمور بشكل غير مألوف )) . ـ إن وجهك يحمر خجلاً كفتاة مراهقة . قالت بحدة لشكه في سبب احمرار وجهها : (( معك فقط )) . أثناء المراهقة , جعلتها سرعة احمرار وجهها إذا ما تعرضت للإحراج , عرضة لكثير من الإحراج في المدرسة . قال وهو يحتضنها بذراعيه : (( لا يمكن أن نكون قد تزوجنا مدة طويلة )) . فصرخت : (( لا تفعـل ! )) . ارتسمت على وجهه الوسيم ابتسامة عريضة . فرغم أنها ليست أكبر حجماً من الدمية بكثير , إلا أن شخصيتها ديكتاتورية مستبدة . ـ لا تخافي , لا أظن أن تقبيل زوجتي سيعيدني إلى المستشفى . سـألته وهي ترتجف , مرجعة رأسها إلى الوراء . . رغم رغبتها في أن تلقي بنفسها عليه : (( وما أدراك ؟ ربما ينبغي عليك ألا تعانقني )) . قال مداعباً وهو يرى القلق في عيني زوجته : (( هذه ليست مشكلة )) . وزاد من شعوره بالتسلية رؤيته لخوفها على صحتـه , فيما تابع يقول : (( اعتبري هذا اختباراً مفيداً لعله يعيد لي ذاكرتي , يا راوول . . . لكن اللهفة راحت تزداد في داخلها بسرعة خبيثة . لم تشـأ أن تمنعه . كما لم تجد لديها ما يكفي من الإرادة لتمنعه . كانت متلهفة لتجربة ما حرمت منه . تغلغلت أصـــابـعه في شعــــرها , و أرجع رأســها إلى الخلف ليـتـحكم في عناقها . مالت إلى الخلف بين ذراعيه القويتين , وتسارع نبضها , وكــاد جسدها يحترق . وفجأة تركها راوول متمتماً : (( لقد وصلنا إلى البيت )) . أحنت رأسها وقد انقطعت أنفاسها , وحاولت أن تتحكم في نفسها بعد أن تملكها الألم لخيبة أملها . وشعرت بالخجل من نفسها تشجيعها له , وتساءلت إن كان بإمكانها أن تنظر إلى وجهه مجدداً . ما الذي تفعله ؟ لقد تقبلها من دون إثبات لمجرد أنه وثق بكلامها . ولتستحق هذه الثقة عليها أن تبقى بعيدة عنه . وعندما فتح السائق الباب بجانبها ترجلت من السيارة بسرعة , ثم أخذت تنظر حولها . البيت ؟ يبدو أن راوول يعيش في منزل فخم أشبه بالقصر , في مكان معزول تحيك به أسوار عالية . رأت خادماً في منتصف العمر يقف بجانب مدخل فخم , وردهة فسيحة تزينها تماثيل أثرية , وأثاث ذهبي وأرض رخامية . تملكتها الرهبة إزاء هذه الفخامة وترنحت خطواتها . ـ يا إلهي . . . هتاف راوول الخشن هذا جعل هيلاري تستدير على عقبيها . رأتــه يحدق في لوحة فوق مدفأة رخامية جميلة فأدركت ما جرى بسرعة . ثمة ما أدهش راوول . . . شيئاً بدا له مختلفاً أو على الأقل مغايراً لما توقعه . وبما أنه ليس لديه فكرة عن التغيير الذي حصل , فلا بد أنه سيشعر بالتشويش . وعندما رأت الخادم يرمقه خفية , ســارعت إليه تمسك بذراعه هامسة : (( دعنا نصعد إلى الطابق العلوي )) . وفيما هو يتساءل عن السبب الذي وجعل إحدى لوحــات جده المفضلة تنتقل إلى بيته في المدينة , إذا به يستجيب لتلك الدعوة الأنثوية الخافتة كما يف أي رجل . وسرعان ما نسى لغز اللوحة بعد أن أجفل لرغبته في أن يرفع زوجته الصغيرة بين ذراعيه . اعتاد أن يتصرف على هذا النحو وشعر بصدمة قوية وهو يدرك أن ليس لدية فكرة . ـ لقد تذكرت أمراً لتوي . اصعد أنت أمــامي . . . تركت ذراعه حين وصلا إلى فسحة السلم , وعادت إلى الخادم قبل أن يتوارى عن الأنظار . قالت بضيق : (( أنــا واثقة من أنك تتساءل عمن أكون . مـا اسمك ؟ )) . ـ اسمي أمبرتو يا سيدتي . إنني أدير المنزل و أنت ضيفة السيد ساباتينو . قالت بنبرة خافتة : (( في الحقيقة أنـا لست ضيفة بل . . أنـا . . زوجة راوول . . هيلاري )) . ورغم تهذيب أمبرتو , إلا أنه لم يستطع إخفــاء دهشته , بينما تابعت هي تقول : (( أرجو أن تحرص على عدم تحويل أي مكالمة هاتفية , سواء أكانت معنية أو شخصية إلى زوجي )) . تصلب جسم أمبرتو , وانفرجت شفتاه بقلق , فـــأضــافت : (( لا تتجــاهل تعليماتي )) . عندما انضمت إلى راوول , نظر إليها مقيماً , ثم انحنى وحملها بين ذراعيه . فوجئت بتصرفه هذا فهتفت : (( راوول . . ما الذي تفعله ؟ )) . أطلق ضحكة رنانة وهو يسير بها نحو باب غرفته الذي دفعه بكتفه : (( هل كنت تعطين أمبرتو التعليمات لعشاء الليلة . . أم طلبت منه عدم إزعاجنا ؟ )) . ـ أنزلني على الأرض . . أجروك . يفترض بك أن ترتاح الآن , يا راوول . أنزلها على السرير الفسيح بعناية مبالغ فيها , وهو يقول : (( أنوي فعلاً القيام بذلك . . ولكن يجب أن تكون معي رفيقة أرتاح معها )) . انقلبت هيلاري على الفراش ثم قفزت عنه من الجانب الآخـر : (( لن يكون هذا مريـحـاً )) . أخذ يحل ربطة عنقه , ثم ألقى بها بعيداً و هو ينظر إليها بعينين لامعتين قائلاً بتحدٍ : (( لست بحاجة لأن أتذكر السنوات الخمس الماضيـة لأعلم أنني لا أحب الراحة أو التسكع بكسل في الأنحاء )) . فقالت محبوسة الأنفاس : (( أنت تظن أنك تريد أن تشاطرني الفراش . الحقيقة , أنت لا تريد . . . )) . فقال ساخراً : (( لا أصدق أنني تزوجت امرأة تحلل هذه المسائل بالمنطق )) . ـ إنني أحــاول أن أفكر فيك , وهذا كل ما في الأمر . هذا ليس ما تحتاجه حاليـاً . ـ دعيني أقرر هذا بنفسي . وفجأة , جمد مكانه , وحول عينيه عنها فيما بدا متوتراً . فسألته : (( ما الأمـر ؟ )) . عاد ينظر إليها و الكآبة و المرارة غي عينيه : (( جدي كليمنت . لقد مات . . وهذا هو سبب وجود لوحة (( ماتيس )) في منزلنا لدلاً من أن تكون في مكانها في قصر (( كاستيلو )) . هل كلامي صحيح ؟ )). شحب وجه هيلاري , فــأردف ببرودة الثلج : (( في حالة كهذه , ليك ألا تكتمي عني المعلومات )) . أومـأت برأسها وقد اغرورقت عيناها بدموع العطف : (( نعم . آسفة . لقد مات جدك منذ أربع سنوات )) . ـ وكيف مـات ؟ قالت راجية ألا يسألها عن التفاصيل : (( بنوبة قلبية , أعتقد أنها كانت مفاجئة )) . ســار إلى النافذة و قد تصلبت كتفاه توتراً . شعرت بأنه يريد أن يبتعد عنها . لقد نبذها من حضوره , وكانت واثقة من ذلك كما لو أنه صفق الباب في وجهها . تمتمت وقد فاضت مشاعرها التي كبحتها خوفــاً من أن يجرحها : (( راوول . . . ؟ )) . فأجابها بجفاء : (( اذهبي وتفقدي قائمة العشاء )) . لمعت عيــنــاها المضطربـتـان و قالت : (( لا يهمني هذا . تبعدني عنك . أنـا أيضـاً أحببت جدتي كثيراً , وكاد موتها يدمرني . . . )). فأجابها بعنف : (( واحد منا لا يحب عرض مشاعره الخــاصة )) . ـ كمـا تـشـاء . . . كمـا تـشـاء ! وبوجه شاحب متوتر يعكس خيبة الأمل لرفضه مواساتها لـه , استدارت على عقبيها وغادرت الغرفة . وجدت أمبرتو في الممر برفقته رجل آخر يحمل حقيبة ملابسها , فتوقفت هيلاري . ـ سنيورا . وبإيماءة خفيفة من رأس , فتح الخادم باب الغرفة التالية وتنحى جانباً لتتمكن من الدخول أولاً . إنها غرفة نوما ! أخذت هيلاري تطرف بعينيها و هي ترى روعة الأثاث والمساحة الشاسعة . يبدو من غير المناسب أن يتشارك الزوجان الثريان غرفة واحدة . يا إلهي . . . سيكون هذا مربكاً . وعندما لمحت صورتها في المرآة رأت أن عينيها ما زالتا تلمعان وكأن دموعها تهدد بالانهمار ! كيف يمكن لكلمة فظة من راوول أن تحولها إلى امرأة لا تنفك تبكي ؟ لماذا تذكرت أن راوول تصرف معها برقة أكبر عندما أفضت إليه و أرغمت نفسها على التركيز وهي تتبع أمبرتو إلى خارج الغرفة مبتسمة بمودة : (( أحب أن أقوم بجولة سريعة في المنزل )) . كانت تعلم أن هذا ضروري إ ليس بإمكانها أن تدعي أنا تعيش تحت سقف واحد مع راوول إذا لم تكن تعرف طريقها في أنحائه . وبالرغم من ذلك , بدأ خداعها هذا يثير أعصابا . لا بد أن راوول سيستعيد ذاكرته خلال أيــام وعندئذ لن يعود في حاجة إليها . أتراه سيقدر لها محاولتها أن تساعده ؟ في الواقع , لم تلعب سوى دور الرفيقة الحسنة المعشر ؟ كان أمبرتو دقيقاً للغاية و هو يجول بها في الأنحـاء و كانت هيلاري تدفع بسرعة من غرفة إلى أخرى , مذهولة لحجم المنزل . أثبط همتها الأثاث المحافظ الرسمي رغم أ اللوحات الفنية أسبغت سحراً على المكان . وفي المطبخ , تعرفت إلى الطاهي لكنها صعقت حين علمت أن الطعام نفسه يقدم في كل مناسبة . وإذ توقع الطاهي الفرنسي أن تمنحه مزيداً من الحرية , تقدم منها و قبل يدها ثم أسرع إلى الحديقة حيث قطف زهرة صفراء عطرة وعاد بها إليها . وضعتها هيلاري في شعرها ضاحكة ثم صعدت إلى الطابق الأعلى لتستعد للعشاء . كانت محتويات حقيبتها القليلة قد أخرجت وعُلقت في غرفة الملابس . استحمت والتفت بمنشفة كبيرة ثم عادت إلى غرفة النوم حافية وهي تبتسم لهذه الرفاهية التي لم تتعودها . كان راوول في انتظارها في الغرفة , فوقفت مجفلة واتجه بصرها إلى الباب المفتوح بين الغرفتين . ـ يا إلهي . . . يا لها من زهر جميلة ! فرفعت يدها بخجل إلى الزهرة : (( لقد قدمها لي طاهيك . . . )) . كان راوول قد استبدل بذلة العمل ببزة من الكتان الفاخر فبدا غاية في الوسامة ما جعلها عاجزة عن تحويل نظرها عنه . قطب راوول حاجبيه إذ لم تعجبه وقاحة طاهيه . ومع ذلك , رأى ما أوحى إليه بهذه اللفتة . كانت بشرة زوجته رائعة وعيناها زرقاوين كبحيرة شمالي متجمدة وفمها مثيراً كثمرة الكرز . أتراه يشعر في كل مرة بأنه يريدها مرة أخرى ؟ أتراه يشعر دوماً بالرغبة في تملك الجيد الأنثوي المثير ؟ وعندما التقت نظراتها بنظراته المشتعلة , شعرت بأنها تتجاوب مع رجولتـه المــدمرة وسرت السخونــة في أنــحــاء جسمها وارتـجفت سـاقاها . لم تستطع أن تتحرك , حتى أنها لم تجد ما تقوله . وتكهرب الجو فيما قال بصوت خافت : (( أريدك , يا حبيبتي )) . أثار هذا الاعتراف البهجة و الألم معاً في كيانها . ذات يوم , كانت تحلم بهذه اللحظة السحرية , حين يتخلى راوول عن تحفظه ويرى أنها مغرية . وما ظنت يوماً أن حلمها سيتحقق لكن هاهو راوول يقول إنه يريدها . وذكرت فسها بألم بـأن راوول لا يريدها حقـاً . إنه يعبر فقط عن رغبة طبيعية في امرأة هي في الحقيقة وهم . المرأة التي يعتقد أنه تزوجها بشكل طبيعي و التي يعتقد أن بإمكانه أن يثق بها . ولكنها ليست تلك الزوجة بل هي مجرد امرأة دفع لها ذات يوم أجراً لتلعب دور عروسه , امرأة لا يهتم بها شخصياً . كما أنها أنى منه مستوى على الصعيدين الاجتماعي و المهني . قطب راوول وهو يرى التعاسة و اليأس يعلوان ملامحها ومد يديه إليها وهو يقول : (( هيلاري . . . ؟ )) . فقالت بصوت خاف : (( لا علاقة من هذا النوع بيننـا )) . تجـاهل مــحـــاولتها الــتــمـلص منــه , وأمسك بمعصمـهـا : (( لا أفهم . . . )) . خنقتها الدموع . تبين لها أن مــا اعتقدت أنه الصواب أصعب مــا فعلت في حياتها . وأجابت : (( اسمع . . . هذا ليس بالأمر الهام , وما مــن داعي للقلق . اعلم فقط أني لست بالأمـــر الـــــهام في حيــــاتــــك . وعندمــا تستعيـد ذاكرتك ستتذكر ذلك و ستكون مســروراً لأنني جعلتــك تتوخى الحذر . . . )) . جمد راوول مكانه ونظر إليها بعينين لامعتين متسائلاً بارتياب : (( ما الذي فعلته كي أعــاملك بمثل هذه الطريقة ؟ )) . يبدو أن راوول نسي قوته , فقبضتـه العنيفة كــادت تحطم معصمها ما جعلها تشهق بضيق : (( إنك تؤلمني )) . ترك يدها على الفور , مسارعاً للاعتذار لكن كلمــاتـه التــاليــة أوضحت أنه لا ينوي تجاهل الموضوع الذي كانا يناقشانه . ـ أوضحي لي مــاذا عنيت بقولك إنك ( لست بالأمر الهـــام في حياتي ) . فقالت بضعف : (( كل ما عنيته هو أنــك مشغول دومـاً بحيث لا تلاحظ وجودي بقربك )) . ـ إذا كنت غير مخلصة فلا تخفي الأمر . احزمـي أمتــعتـك فقط و اخرجي من حياتي مرة أخرى . مــاذا فعلت ؟ فبــدلاً من أن تــدفــع راوول لالتـزام الهــدوء , هــــا هــي تجعله أكثر توتراً و قلقاً . وهتفت بذعر : (( لا تكن سخيـفاً . . لا علاقة للأمر بالإخلاص )) . قال ساخراً وبعنف بالغ : (( اعتاد رجــال أسرتـنـا الزواج من نســـاء طائشات , لكننا نسارع إلى طلب الطلاق )) . ـ ســأعتــبــر هذا إنذاراً لــي . وحــاولت عبثاً أن تبتسم بمرح قبل أن تدخـل الحمام . تملكته الحيرة وهو يعود بذهنه إلى الوراء ليتذكر : ( لا علاقة من هـــذا النــوع بيننا ) . ( أنــا لست بالأمر الهام في حياتك ) . ( إنك مشغول دوماً بحيث لا تلاحظ وجودي معك ) . أي نــوع من الــــزواج هذا الــــذي يـجمعهما يــنــامــان في غرفتـيـن منفصلتين , فهل هذا الخيار خياره هـو ؟ لقد لمحت إلى أن علاقتهمــا كانت كمـا أرادها هو . وثــار غضبه لهذا الاستنتاج فهو يكره الفشل . كان غريزته تشير إلى أن زواجه يعاني من المشـاكل . وقــــد عكست زوجتـه صورة عن نـفسه تـظهره مدمناً على العمل , نادراً ما يتقرب منها . مـاذا يمكنه أن يظن غير ذلك و هو يتذكر تجـــاوبــها معه في السيارة , وقد بدت عليها الصدمة والدهشة في البداية ثم ما لبث أن تبعهما اللهفة و التشجيع ؟ لا بد أ إصلاح أي خطأ في علاقتهما ممكن ! ارتدت هيلاري تنورة سوداء قصيرة و بلوزة خضراء . وبعد أن نظرت إلى الساعة , اتصلت بأختها . سألتها إيما بلهفة : (( كنت أفكر فيك طوال النهار , كيف حال زوجك ؟ )) . ـ إنه بخير , لكن الإصابة في رأسه ما زالت تسبب له بعض المشاكل . لم يعد هو نفسه تمامـاً . ـ ما معنى هذا ؟ ـ معناه أن بإمكاني , حالياً , أن أكون مفيدة . . كصديق فقط . منذ أربع سنوات , لم تطلع أختها على حقيقة زواجها الصوري هذا , خوفاً من أن تخسر احترامها لها وللزواج أيضاً . ما بدا لها حينذاك , مجرد كذبة بيضاء لا ضرر فيها , بدا الآن خدعة خبيثة يصعب الصفح عنها . عندما تتحسن حالة راوول , ستطلع هيلاري إيما على القصة كاملة . فهي لا تستطيع أن تترك الفتاة الصغيرة تعتقد أنها السبب في فشل زواج أختها الكبرى . ـ ما مشكلته بالضبط ؟ تنفست هيلاري بعمق , ثم شرحت لها الأمر باختصار , فهتفت إيما : (( أتعلمين ماذا يعني هذا , سيمنحكما هذا فرصة لبداية جديدة ! )) . ـ لا مجال لأي شيء من هذا , أريد فقط أن أساعده حتى يشفى . . وهذا كل ما في الأمر . عندما هبطت السلم , أشار أمبرتو إلى غرفة الطعام المضاءة بالشموع حيث يتألق الكريستال و الأطباق الصينية و الأدوات الفضية . و كانت أزهار السوسن تزين المائدة . وعندما دخل راوول كانت هيلاري تقول للرجل المسن : (( مـا أجمل كل هذا )) . كاد راوول يتأوه حين رأى المائدة الرائعة الزينة . ما المناسبة ؟ أهو عيد ميلادها أم عيد زواجهما ؟ وســأل : (( هل نحتفل بشيء مـا ؟ )) . احمر وجه هيلاري ورفعت كـأسها بيد متوترة : (( أظننا نحتفل بخروجك من المستشفى )) . ـ لدي موضوع حيادي . أخبريني عن أسرتك . لم تجد مانعاً من أن تتحدث في هذا الموضوع : (( ليس ثمة ما يستوجب الحديث عنه )) . ـ والداك ؟ كرر سؤاله يريد معلومات عن خلفيتها , فقالت : (( لقد توفيا . قتلا في حادث سيارة عندما كن في السادسة عشرة . وكانت أختي إيما في الحادية عشرة )) . فقطب وســأل : (( ومن كان مسؤولاً عنكما ؟ )) . لم تشـأ أن ترهق مشاعره بحقيقة حياتهما التعيسة فأجابت : (( عشنا مع ابنة عم أبي . وإيما الآن في المدرسة الداخلية )) . ـ هنـا ف سويسرا ؟ جمدت مكانها : (( لا بل في إنكلترا )) . ـ أليس لديكما أقارب آخرون ؟ ـ كلا . لقد ربتني جدتي وهي إيطالية . عندما كنت طفلة عاشت معنا . فقال يلومها باللغة نفسها : (( مع ذلك أنت لا تتحدثين معي بالإيطالية ؟ )) . أجفلت , ثم قالت : (( هذا غير ممكن . فأنـا أفهم الإيطالية أكثر ممـا أجد التحدث فيها . . )) . فقال من دون تردد : (( لكن يُفترض بهذا أن يكون قد تغير )) . فتابعت تجيبه بالإنكليزية وقد بان العناد في ملامحها : (( لا , إذ ضحكت مرة حتى كاد يغشى عليك من لغتي الإيطالية لأن بعض الكلمات التي أستعملها كانت قديمة الطراز )) . ـ كنت أغيظك , يا عزيزتي . غامت ملامحـــهـا . لا , لم يكن يــمـــازحها , فقد كـان متضايـقـاً لمعرفتها باللغة الإيطالية بما يكفي لتفهم ما اعتبره حديثاً سرياً . وعادت تقول : (( لقد تجادلنـا قليـلاً لكنني لا أريـد أن أتحدث في هذا الموضوع )) . قررت أنه من الفضل أن تبقى صامتة بدلاً من أن غامر وتعطيه انطباعاً سيئـاً , فركزت على طعامها اللذيذ . وبعد العشاء رفضت القهوة و أعلنت أنها ستذهب إلى الفراش باكراً لأنها متعبة . قال برقة : (( لم بلغ الساعة الثامنة بعد )) . فقالت بجفاء وهي تقف : (( أنا لا أسهر حتى وقت متأخر )) . نهض راوول بدوره , وعندما مرت بقربه أمسك بيدها : (( ثمة سؤال واحد عليك أن تجيبي عنه )) . ـ لا . لا . نظر في عينيها بحدة , فهو لا يطيق الرفض : (( فكرة من هي أن نستعمل غرفتين منفصلتين ؟ )) . فجف فمها وقالت مدركة أنه الجواب الوحيد المناسب : (( فكرتك أنت . . )) . بدت على فمه الجميل ابتسامة ساخرة , فــأخذ قلبها يخفق تجاوباً أشبه بعصفور علق في الفخ . وترك يدها فعادت تكمل سيرها بساقين واهنتين , وهي تتمتم : (( تصبح على خير )) . بعد عشر دقائق , وبعد أن غسلت أسنانها , ونظفت وجهها من زينه , أطفأت مصباح غرفتها ثم قفزت إلى سريرها المريح وهي تتنهد باستحسان . لكن الإثارة بقيت أقوى من أن تسمح لها بالنوم , فعادت بها أفكارها المضطربة إلى الماضي و إلى بداية معرفتها . لقد وقع في غرام رجـل لم يخرج معها قط في موعد غرامي . عاد إلى الصالون بع شهر تقريباً . فلاحظ الموظفون الآخرون هذا , و أصرت أقدم العاملات على أن تأخذ مكان هيلاري . وتملكتها الدهشة و السرور عندما اعترض راوول على هذا التغيير وطلبها شخصياً . ســألته هيلاري : (( هل تذكرت اسمي ؟ )) . ـ لقد وصفتك لهم . ـ كيف ؟ ـ هل تكثرين الكلام دوماً ؟ ـ إذا أخبرتني كيف وصفتني فسأخرس . ـ صغيرة الجسم , ذات شفتين قرمزيتين , وتنتعل حذاء عالي الساقين . لم تُسر بها الوصف لكن بعد خمس دقائق نسيت وعدها بأن تخرس , وسرعان ما وجدت نفسها تسأله عن عمره وعما إذا كان متزوجاً أن لا , وفي الزيارات التي تلت لم يكن يثرثر معها , لكنه أصبح يسمح لها بأن تثرثر معه . وسـألـته عن نوع عمله , فأجاب : (( أنا أعمل في مصرف )) . وبعد حين , قرأت اسم (( ساباتينو )) صدفة في مقال في قسم الأعمال من الصحيفة , فتبين لها أن راوول لا يعمل في مصرف بل هو نفسه صاحب مصرف . ويوم سمعته يذكر وصية جده واحتمال خسارته لمنزل الأسرة الذي بدا أنه يعشقه , تدخلت في الموضوع لتعرض عليه أن تلعب دور زوجته . ترك المكالمة الهاتفية و أخذ ينظر إليها غير مصدق , فتابعت وقد التهب وجهها لهذا الاقتراح : (( حسنـاً , ما المانع ؟ )) . كانت متلهفة لأن تنتهز الفرصة , فتساعده بحيث يلاحظ وجودهـــا أو حتى يشعر نحوها بنوع من المودة . ـ يمكنني أن أفكر في ألف مانع و مانع . ـ أنــت تــعقــــد الأمــــور لأنــــك رجــــل حــــذر للغايـة . لكن مشكلتــك بسيطة , فأنت بحاجة إلى زوجة مزيفة لتحصل على بيتك و أنا مستعدة لأن أســاعدك . . . ـ أرفض منـــاقشة هذا الأمر معك , فقد استــرقت السمع إلى حديثي . ـ ربما عليك أن تطلب من أحد أصدقائك أن يساعدك و تخفف من كبريائك هذه . ـ أين تعلمت أن تتحدثي الإيطالية الثقيلة هذه ؟ قالت له غاضبة : (( ما الخطأ في لغتي الإيطالية ؟ )) . راح راوول يضحك : (( أنت تستعملين تعابير قديمة وكلمات . . . )) . فقالت وهي تغلي غضباً : (( أنـت فظ للغايـة أحيـانـاً )) . ـ لقد قاطعت حديثاً سرياً لتعرضي علي مشروعاُ مشيناً . . . فماذا تتوقعين ؟ ـ كنت أعرض عليك مســاعدة . . ـ لماذا ؟ إننا غريبان عن بعضانا البعض . كانت طعنة في الصميم , فأحنت رأسها وهزت كتفيها : (( آسفة لأنني تكلمت . . . )) . ـ التجهم غير جذاب . رفعت رأسها بسرعة مذهلة : (( و ما الذي تجده جذاباً في ؟ )) . فـأجــاب بجفــاء : (( لا شيء )) . ـ هيـا . . أنت لا عني هذا . . لا بد أنك تجد في شيئاُ معقولاً . نظرت إليه في المرآة فوجدته يبتسم تلك الابتسامة النادرة التي تجعل راحتيها تعرقان وقلبها بخفق . لكنه لم يقتنع . وبعد ثلاثة أسـابـيـع اتصل بها وطلب منها أن تتناول الغداء معه في الفندق , قائلاً إن الموعد يتعلق بعمل . عندما عدد راوول شروط زواج المصلحة الذي اقترحته في البداية , بدا كرجل أعمال رائع . لكنه قضى على شهيتها فلم تأكل شيئاً . قال إنه سيدفع لها مكافأة لقاء الخدمة التي ستقدمها له , فرفضت . لم تشـأ أن تـأخذ أجراً وكانت تعني ذلك . عندئذ , ذكر مبلغاً من المال قطع أنفاسها . ـ فكري في هذا ملـيـاً , و سنناقشه عندما نجتمع فيما بعد . . ـ اسمع . لو أردت مالاً لما عرضت عليك ما أفعله به . ليس من الصواب أن آخذ نقوداً أجراً للزواج ؟ أعني أن كل ما تريده هو أن تحصل على البيت الذي كان ملكاً لأسترك لمئات السنين , ولن أقبل بأجـر لقـاء هذا . نظر راوول إليها مقيـمـاً فترة طويلة : (( لا أرغب في التدخل في أمورك الشخصية , لكنك تعيشين عند خط الفقر ولا أمل كبير لديك في تغيير أحوالك . . . )) . ـ أنها مسألة وجهة نظر . . ـ مساعدة مالية ستمنحك خيارات لم تكن متاحة لك من قبل . يمكنك أن تعودي إلى المدرسة . . . فنظرت إليه بذعر : (( لا . شكراً ! المرة الأولى كانت سيئة بما يكفي . كما أنني أعشق مهنتي )) . أكمل راوول كلامه وكأنها لم تتكلم : (( عليك أن تكملي تعليمك , أن تكوني طموحة )) . فسـألتـه بأمل مفاجئ : (( هل ستخرج معي إذا ذهب إلى الكلية ؟ لا أظنـك ستنتظر هذا الوقت كله )) . ـ لا تكوني وقحة بهذا الشكـل . كنت أقدم لك بعض النصائح . ـ وتغريني بنقودك . وقد نجح في إغرائها . ففي الأيام التي تلت , خطر لها أن بإمكانها أن تغير حياتها وحياة أختها بقسم بسيط من المبلغ الذي ذكره . إذا استأجرت شقة في منطقة أفضل فستتمكن من أن تفصل أختها عن المجموعة التي تعاشرها . لو اشترت لنفسها صالوناً صغيراً , فستتمكن من أن تختار ساعات عملها وتمضي مزيداً من الوقت مع إيما في البيت . في النهاية , وافقت على قبول جزي من المبلغ الذي أراد أن يمنحها إياه . فقد أغرتها فكرة ما يمكن أن تفعله بهذه النقود , ولم تشعر كم فقــدتــــه من احتــــرام راوول إلا بعد أن أخذت الشيك منه . كتــمت الآهــة التي تــصاعدت مـــن أعماقــها على الـــماضي الــــذي لا يمكن تغييره , وعادت بذهنها إلى الحاضر بعد أن قاطع أفكـــارها صوت الباب وهو يفتح . وبعد ثوانٍ , غمر الضوء الغــرفة . أجفلت و أخــــذت تطرف بعينيها بعنف وهي تنظر إلى راوول , محاولة أن تفكر بوضوح . و فجــأة , أمسكت يد متسلطة بأغطـيــة السرير و ألقـــتـها بعيداً فأطلقت صرخة امتزج فيها الذهول و الشعور بــالإهــانـة , فيما انحنى وحملـــها وكــأنــها طرد عــاد يسترجعه . صرخت : (( مـا الذي تفعله ؟ )) . قــال و هو يعدو إلى غرفتـه حاملاً إياهــا بين ذراعيه القويتين : (( من الآن فصـاعـداً سنتشارك الغرفة نفسهــا يا عزيزتي )) . فــأجـابـت متمتمة : (( لا أظنــهـا فكرة جيــدة )) . * * * نهاية الفصل (( الثــالـث )) . . . | ||||||||||
26-11-17, 05:50 AM | #7 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب
| :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::: 4 ـ تلك المرأة ! وضع راوول هيلاري على سريره وقد توهج وجهها احمراراً . كانت هيلاري تعشق ارتداء القمصان البالغة الأنوثة إذ تشعرها بأنها رائعة الجمال . لكن أحداً لم يرها في هذه الملابس المثيرة . لذا , انتصبت جالسة في السرير , محاولة بلهفة أن تجذب الملاءة لتغطي بها ساقيها . فتح أزرار قميصه و انحنى ليخلع حذاءه فيما حبست أنفــاسهـا وحاولت أن تحول نظراتها عنه فلم تستطع . إنها لم تنفد قط برجل في غرفة نومها . إنها لا تزال عذراء , فراوول هو أول رجل عرفته وتزوجته , وهذا علمها أن تبتغي ما لا تستطيع أن تحصل عليه . قد لا تكون مشاعر راوول ممــاثــلـة لمــشاعرها , لكنها لم تنسى البهجة التي تملكتها حين تجاوبت معه . كل من عرفته بعده كانت تقارنه به . كانت تحاول أن تشعر مرة أخرى بما شعرت به مع راوول , ما جعلها صعبة الاختيار . ـ ســأدخل الـحمــام , يا جميلتي . . . احمــر وجهـها وحــولت انتباهـها عن عضــلات صـدره السمـراء القوية البارزة من قميصه المفتوح , وتمتمت تقول : (( لا تنادني بهذه الصفة , فـأنـا لست جميـلة )) . جلس على السرير ونظر إليهـا ضاحكـاً : (( إذا قلت إنك رائــعـة الجمـال فأنـا أعني ذلك )) . ـ ولكن . . . ـ إن قوامك مذهـل . ـ أنـا لست طويلة . . ـ لكن قوامك خارق الجمال , لطالما ساورني دافع لا يقاوم لأن أحملك وأمددك على أقرب سرير . وهب واقفــاً بينمـــا خاضت معركة ضاربة مع ضميرها , لتحول بصرها المتلهف للتجسس على حركاته . قالت (( يفرض بك أن ترتاح الآن بينما أبقى أنـا في غرفتي )) . فقال ضاحكـاً : (( نامي و كفي عن التـذمـر )) . كان ضاحكاً مبتسماً . وبدا سعيداً بشكل غير مـــألـوف لها . تـقلبـت على جنبها وهي تفكر في أن لا ضرر من النوم في ســـرير واحــد . فالسرير واسع , ومن الغباء أن تثير ضجة بسبب هذا الأمر التافه . لكن لنفرض أنه تقلب في منتصف الليل و ثارت مشاعره . نعم . . مجرد افتراض . . فهل ستتمكن من مقاومته ؟ إنها تعلم أنها لا ترغب في ذلك . واغرورقت عيناهــا بالدموع اشمئزازاً من نفسها , فغالبتها بغضب . وحدثها صوت في داخلها بأنه سيستعيد ذاكرته قريباً . وإذا مـــا أقامت أي علاقة جسدية معه , فكيف سيكون شعوره حيال هذا الأمر ؟ إنه رجل عازب ذو خبرة , وإذا ما تصرفت بشكل عفوي . . . وضغطت بأصابعها الباردة على وجنتيها محاولة أن تقتل أفكــارهـــا هذه . كانت مذعورة من فكرة أنهــا تحاول إقناع نفسها بأن تدع راوول يفعل بها ما يشاء . ـ أما زلت مستيقظة , يا حبيبتي ؟ عند سماعها صوته العميق , رفعت رأسها ونظرت إليه من تحت الملاءة . كان قد لف حول وسطه منشفة كبيرة , وقد تلألأت قطرات الماء على شعر جسده الأسمر المفتول العضلات . تأملها بهدوء فيما أومــأت هي ببطء . جلس بجانبها على الفراش فـأخذ قلبها يخفق بعنف إلى حد جعلها خاف من أن تصاب بنوبة قلبية . ـ راوول . ـ تعجبني طريقتك في لفظ اسمي . وانحنى إلى الأمام يحتضنها . و عندما تأوهت بصوت خافت وهي ترفع يديها لتغرقهما في شعره الكث و قربه منها , همس متأوهاً : (( لك أروع فم رأيته )) . رفعت عينيها إلى ملامحه الوسيمة ورأسها يدور و قالت : (( لا يمكننا أن نفعل هذا . . هذا غير ممكن )) . قال بصوت أثخنته المشاعر : (( سترين . . . )) . راح قلبـــها يـــخفق بعنـــف , فيما تملكها شعور غريب امتزج فيه الخجل و الارتباك و البهجة . ـ منــذ وقعت عيــنـــاي عليــك في المستشفى و أنـا أفكــر فــي أن أحملك إلى سريري . كان شعوراً ملحاً للغاية . هـل كان الأمر على هذا الحال في أول مرة رأيتك فيها ؟ فأجــابت وهي تختبئ وجهها في كتفه : (( إنك لم تقل هذا أبداً )) . ـ أنــا إذن لا أشاركك كل مـا يخطر في بالي ؟ ـ كلا . . . أبعد وجهه عن وجهها لكي يراها جيداً , ثم عـــاد يعانقها مرة أخرى بقوة . قال مسروراً : (( أنت حــارة يا جميلتي )) . كان جسمها متوتراً حساساً بشكل لم تعرفه قط من قبل , كما لم يتملكها قط مثل هذه الأحاسيس القوية . فقدت قدرتها على التفكير وراحت تشعر فقط . قال لها مداعبـاً بصوت خافت وهو ينظر إليها بعينين جائعتين : (( لا تكوني عجولاً . . )) . شهقت هاتفة باسمه : (( راوول . . . )) . أحـاطت عنقه بذراعيها لئلا يبتعد عنها . كل قبلة كانت أروع مما حلمت به , وسرعان ما تاهت في عالم مظلم كان جديداً تماماً عليها . مشاعرها الجارفة جعلتها تتلوى بارتباك وخجل . كانت تشتعل شوقاً و تنهدت : (( راوول . . . أرجوك )) . وفي خضم هذه المشاعر المحمومة , أصبحت عاجزة عن التحكم في نفسها . جمد مكانه ونظر إليها مشككاً : (( هل ما زلت عذراء أم أنني أتخيـل ذلك ؟؟ )) . كانت قد اعتادت كلامه الجريء . لطالما حلمت بأن تكون لراوول , ولا مجــال للندم : (( لم أكن أعلم أن مثل هذا الشعور سيتملكني . . . )) . فقال بلكنته الإيطالية المطاطة : (( زوجتي . . . عذراء فعلاً )) . أحاطته بذراعيها و قالت : (( أرجوك . . . )) . مـا إن قامت غريزياً بتشجيعه , حتى استسلم للإغراء . واستسلمت هي بعجز ووهن لمـا أثاره فيها من أحـاسيس . خطر لها أنها أوقعت نفسها في الشرك بعد أن أصبحت علاقتها براوول حميمة . و في تـلك اللحظة بــالذات , أحـــاطـها راوول بــذراعه وراح يـتــأمـل وجهها المتوهج بعينيه البنيتين تحت أهداب سوداء , ثم طبع قبلة على جبينها و هـــــو يقول : (( يا للزوجة العذراء المذهلة ! . هل مــا زلت عروساً ؟ )) . شحب وجه هيلاري وأحنت رأسها . لا بد أنه يتساءل عما إذا كانا عروسين . ولو لم يكن ممسكاً بها , لاختبأت تحت السرير ورفضت الخروج . كانت من الخجل من نفسها بحيث لم تستطع أن تنظر إليه أو حتى تفكر في سلوكها . أتراها جنت تمـامـاً ؟ ـ تبدين هادئة جداً . فهتفت : (( أنـا متلهفة للاستحمام )) . وقفزت من السرير . كان الهرب هو المفر الوحيد الذي فكرت فيه . كان وجهها قد احمر خجلاً , وحاولت أن تترك الغرفة بشكل طبيعي فيما بدا راوول مقطباً لا يفهم شيئاً . سـألهـا غير مصدق : (( ما الذي حدث لك ؟ )) . أرغمت نفسها على الابتسام وأجابت : (( وما الذي يمكن أن يحدث لي )) . وعادت إلى غرفتها , وما إن اطمأنت إلى أنها بعيدة عن الأنظــار , حتى دخلت الحمام وأقفلت الباب خلفها . ما الذي سيظنه راوول بها عندما يستعيد ذاكرته ؟ وتملكها شعور عنيف بالعار و الخزي . سيظنها امرأة استغلالية استفادت من الظروف . سيدرك أن المرأة المخبولة وحدها تتشبث بالفرصة الوحيدة التي تتاح لها لكي تقترب منه ؟ سيعلم أنها وقعت في غرامه منذ أربع سنوات تقريباً وأنها ما زالت تراه جذاباً للغاية . لكنه سيراها هو مثيرة للشفقة . وانكمشت من المذلة وماتت ألفة مرة لهذه الفكرة . في الغرفة المجاورة لغرفتها رن جرس الهاتف الداخلي فرفع راوول السماعة , وقال أمبرتو إن ثمة زائر قد وصل . تناول راوول ملابسه وهو يسأل : (( من هو الزائر ؟ )) . تردد الرجل المسن لا يرغب في ذكر اسم الزائر , لكنه أوحى بأن الأمر يستوجب الكتمان البالغ . انقبضت ملامح وجهه القوية لأن الاسم الذي ذكره الخادم لم يعن له شيئاً ما ملأه غضبــاً و إحبـاطـاً . سـأله أمبرتو : (( أتراني أخطـأت في السماح لها بالدخول ؟ )) . شعر بالغيظ لضياعه الناتج عن فقدانه لذاكرته , لكنه رفض أن يتخذ من خادمه المسن موضعاً لثقته . أراد أن يعلم سبب اعتقاد خادمه أنه أخطـأ بإدخـال المرأة الزائرة إلى بيته , لكن كبرياءه الغاضبة جعلته يسكت . دخل غرفة الاستقبال الخلفية التي نادراً ما يستعملونها و التي فتحها أمبرتو للزائرة , فتقدمت منه سمــراء رائعة الجمــال , خضراء العينين , طويلة القامة وبالغة الأناقة . ألقت بنفسها بين ذراعيه وهي تهتف : (( هل لديك فكرة عن مدى قلقي ؟ عندما سمعت شائعة تقول إنك تعرضت لحادث اصطدام , لم أستطع إلا أن آتي إلى هنـا )) . أبعدهـا عنه وقد تملكه الارتباك لتحيتها البالغة الإلفة هذه , وبدا الحذر في نظراته الباردة : (( كما ترين , لم يكن قلقك ضروريــاً . أنـا بصحة جيـدة )) . ارتجفت سيلاين ديوروكس بشكل مبـالغ فيه وقالت شاكيـة : (( لا تكن بارداً بهذا الشكــل )) . فـأجـاب يريد أن يكسب الوقت : (( هـل كنت بارداً ؟ )) . زمت السمراء شفتيها ورمقته بنظرة مثيرة من تحت أهدابها . أثـار التكلف الذي رافق كل كلمة نطقت بها وكل لفتة أعصابه فيما تنهدت هي وقالت : (( لا بأس . . أعلم أنه ما كان علي أن أخضر إلى هنا لأنــك تـطالب خليـلتـك بــالتـكتــم و التــحفظ , لكننا لم نعد في القرن التاسع عشر )) . لـــم تكن الومضة التي ظهـــرت على ملامحــه , هـي الوحــيــــدة التي كشفت عن الصـدمة التي أصــابـتـه لكلامها هذا , بـــل الشتــيــمة التي أطلقــها بـــعد أن لـمعت في ذهنــه . لقــد فهم أخيـراً مـا الـــذي جعـــل أعصاب أمبرتو الفولاذية تتوتر فسيلاين ديوروكس خليلته وهي واثقة من نفسها بما يكفي لتزوره في بيته رغم علمها أنه متزوج . موقف خليلته عكس ما سيكون عليه موقفه نحـــو زوجته . و خطـــر في باه أن تلك الشتيمة التي خطرت لــه الآن , تــنـطبق أيــضــاً على سلوكـه قـبل الحادث . لم يحتج إلى عبقرية ليدرك سبب فشل زواجه , أو لما قالت له زوجته إنه لا يهتم بها . . فقد كانت له علاقة . ـ ما زلت أرى أنه كـان من الحكمة لو قــاومت رغبــتــك في القــدوم إلى هنـا . لكن , وبمــا أنك هنـا الآن , فمــن الأفضـل أن أخبرك أن علاقتـنــا انتهت . عنـدمـــا أخذت تـتـأمله مدهوشـة غــاضبــة , أنهى حـديـثـه بــالأسـف المعتاد ؟ كان بعلم أن كلامه غير مقنع , لكن همه الوحيد هو أن يبعــد سيلاين عن بيته قبــل أن تـراهـا هيلاري فتعتبر ذلك بمثابة صفعة في وجههـا . لم يـتـعود أن يـجد نـفسه مخطئـاً وقد ثــارت ثـائرته عنـدمـا اكتشف أن حياته الخاصة مضطربة . أشارت سيلاين إلى أنه لم ينضم إليها في الموعد المحدد بينهما أمس فقط , ما لا يترك مجالاُ للشك . كان غير مخلص لزوجته , فلا عجب في أن يحس بمثل هذا التوتر بالنسبة إلى علاقتهما . ترى هل هيلاري على علم بعلاقته بسيلاين ؟ إنها على علم طبــعـاً بوجود امرأة أخرى ! وهذا هو السبب في أن زواجهما غير مكتمل . هل رفضت هيلاري أن تشاركه الفراش لأن لديه خليلة ؟ لقــــــد طُلب منها ألا تعطيه معلومات مزعجة , وهي لم تـخبـره بشيء قد يزعجه . لكنها لم تتمكن من إخفاء انزعاجها واضطرابها بعد أن ناما في سرير واحــــد وإلا لاستــنــتــج أنها مــــا زالت عـذراء فقط لأنهما مــا زالا عروسين . لكن تفسير سبب عذريتها و الشعور بالذنب تجربة جديدة بالنسبة إليه .في الواقع , وبما أنه رجل من آل ساباتينو فقد اعتاد أن يقدر الأخلاق , فهم رجال ساباتينو يعتزون بكرامتهم . لكن زوجـــاتــهم أظهرن طمعاً وميلاً إلى الخيانة وضعفاً أخلاقياً . يبدو أن هيلاري أفضـل من النساء اللواتي اختارهن أسلافه . بقي صامتـاً بينما راحت سيلاين تحاول أن تجعله يغير رأيه قبل أن تتهمه , أخراً , بالقسوة و عدم الإحساس . لم ينطق بأي كلمة . سيعوض عليها بشكل سخي بعد أن أنهى علاقتهما بشكل مفاجئ . وتصاعد غضبها لفشلـها في أحداث تأثير ملموس فيه فتركته أخيراً خارجة إلى الردهة . وكانت هيلاري قد استجمعت شجاعتها وقررت البحث عن راوول إذ شعرت بالقلق حين غاب عن غرفة النوم طويلاً . فخـرجت في الوقت نفسه الذي كانت سيلاين ديوروكس تجتاز فيه الردهة في الأسفل . وقفت هيلاري جامدة على فسحة السلم تحدق في المرأة الغريبة , ذات الشعر الكستنائي المرفوع , و الوجه المذهل الجمال والساقين اللتين بدتا لها بطولها . رأت السمــراء تـخرج فتـســاءلت عمن تـكون . هــل كـانـت تـزور راوول ؟ أيمكن أن تكون عشيقته ؟ لماذا لم يخطر في بالها أن راوول على علاقة بامرأة ؟ وتملكها القلق و الضيق فـأسرعت عائـدة إلى غرفتها و لجأت إلى السرير . آخـر فكرة خطرت لها قبل أن تستسلم للنـوم , هي أنه لو كان في حياة راوول امرأة أخرى لما اتصلت بها عمته في لندن . وبعد عشر دقائق , وقف راوول ينظر إلى زوجته النائمة . بدت أهدابها مطبقة وكأنها بكي . الضمير الذي لم يكن يعلم انه يملكه , أخذ يخزه الآن . في مراهقته , لم يُضع وقتـاً أو جهداً على النساء . لم يقع في الحب قط , واعتاد أن يتركهن هو . لكن هذه المرأة بالذات مختلفة , لأنه تزوجها وجعلها تعيسة . أظافرها المقضومة تتحدث عن ذلك وهي تستحق أكثر مما وجدت . لم تذكر سيلاين , وهذا أمر مناسب , وهو لن يـأتـي على ذكرها أيضـاً . إنها زوجته وسيتابعان من تلك النقطة . عنـــدمــــا استيقظت هيلاري أخـــذت تتمطى نظرت إلى ساعتها بـذعر , فوجدت أن بعد الظهر حل . راودتـها أحـــلام مزعجة مــــا جعل ليــلتــها مضطربة فتأخرت في النوم . نزلت من الــســـريــر وحــاولت أن تــشغل نفسها , لكن عقلــها راح يخونها طوال الوقت . تــذكرت راوول بشعــره الأسود الرطب و عينيه القاتمتين الرائعتين وارتجفت . مجـــرد التـفكيــر في راوول جعلها تشعر بوهن في ركبتيها . مظهره البـارد القاسي يخفي خلفه مزاجاً دافئاً مشبوباً . لكن سعادتها الكبرى تكمن في أنها أصبحت تجــرؤ على القول إن راوول رجلها . ورغـــم سخــافة هذا الأمـــر إلا أنه حلمها . الليلة الماضية , حطمها الشعور بالذنب لأنها شــاركت صادقة مع راوول فراشه , لطالما كانت مستقيمة و صادقة لكن الأحداث جعلت من المستحيل أن تكون مع راوول . لكن فيما هي تبعد الستائر لتكشف عن نهار مشرق , قررت أنها متعبة للغاية و قاسية على نفسها . إذن , فقد أتمت زواجها مع راوول ! وبينما يبدو هذا خطوة هائلة بالنسبة إليها , إلا أنها تظن أنه ليس ذو أهمية بالنسبة إليه . إنه بالغ الثراء و الوسامة و لا بد أنه ذو تجربة واسعة مع النساء , سواء أعجبها هذا أم لا . لعلها زوجته لكنه لا يتذكرها . ومع ذلك لم يضع الوقت سدى . لكن , بصراحة , ليس لديها ما تشكوه من هذه الناحية . في الواقع , كانت أشبه بجارية ترجو أن يشعر بالحرية معها فيكرر ما حدث بينهمـــا . إنها غارقة في غرام راوول ولم تكن تتصور أن تمنح رجلاً غيره حبها . فماذا لا تجمع ما أمكنها من الذكريات غير الضارة للمستقبل ؟ وبعده ستعيش وحدها لأنها لا تؤمن بالعيش مع ما يسمونه بخيار ثان . فما من رجل يقارن براوول البالغ الوسامة و الجاذبية , عدا عن الذكاء و القوة . إن الرجال الآخرين يتقلصون أمــامه . هذا هو السبب الذي جعلها لا تستطيع نسيـــان حبها . سمعت صوتـاً في غرفة النوم فخرجت من الحمام و أحمر الشفاه لا يزال في يدها . وعندما رأت زوجها واقفاً عند العتبة , تمتمت : (( آه . . . أهذا أنت ؟ )) . فقال بصوت أجش : (( يا لك من محـبــة للنـوم )) . استقرت نظراتها على وجهه القوي , وتسارعت خـفـقــــات قلبـهـا . وعندما لاحظ مجموعة مساحيق الزينة الموجودة على الطاولة قطب جبينه : (( لست بحاجة إلى هذه الأشيـاء . تـخلصي منها )) . نزعته الاستبدادية أثـارت فيها نزعة التمرد , فعادت إلى المرآة وأخذت تصبغ شفتيها بيد متمردة : (( أنـا أحب الزينة )) . قال بنبرة عكست دهشته لاستخدامها مساحيق الزينة معه : (( لكن يجب أن تعلمي أنني لا أحبـها )) . فقالت : (( لحسن الحظ أن لديك الخيار في ألا تستعمل مساحيق الزينة )) . ـ دعي عنك السخرية . إنني أكره كل مـا هو زائف . نظرت غليه قائلة بابتسامة عريضة متسامحة : (( إنك رجل مذهل . . . فأنت متحكم , مدلل )) . فقال بشيء من الارتباك : (( مدلل ؟ )) . ـ نعم . أينمـا ذهبت يــحيـــط بـك أنـاس يتملقون أوامرك . خـــدم . موظفون . . . ظنن أنك تعبت من السيطرة إلى هذا الحد , كن يبدو أن استمرارك في إعطــاء الأوامر ينعشك )) . فقال بهدوء : (( عندما أعبر عن تفضيلي لأمـر ما فهذا لا يعني أنني أعطي أوامر )) . ـ هذا أشبه بإعطـاء الأوامر . لن أزيل زينة وجهي فقط لأنها لا تعجبك . أنت ترتدي بذلة مملة تماماً . . . فهل تلقي بها لأنها لا تتناسب مع الزي الحديث ؟ ـ أنـا لا أرتدي الأزيـاء الحديثة في المصـرف . سمعت نفسها تقول وقد تملكتها الإثـارة : (( لكنك لست في المصرف الآن )) . فجذبها إليه من دون سابق إنذار وهو يقول : (( أنت جريئة جداً )) . أشرق وجهها وهي تنظر إليه . . . وجذبها أكثر فكادت تذوب بين ذراعيه القويتين , وهمست : (( أتعني أنني و قحة ؟ )) . أحــاط وجهها بيديه السمراوان . كانت عيناها الزرقاوان تعكسان التشجيع , فتسمرت نظراته على ملامحها بنهم : (( كل ما أعرفه هو أنك تبعثين الحرارة في كياني . ولولا أن الخادمات في الغرفة المجاورة يحزمن أمتعتك , لبرهنت لك بالفعل مـا أقوله . وأظنك ستحبين ذلك يا حبيبتي )) . سرت الحرارة في جسدها . كادت لا تصدق أنه قال لها هذا لكن نظراته العنيفة أكدت كلامه . ارتجفت ساقاها وشعرت بالوهن والإثارة لجرأته , وتسارع نبضها . و تابع يقول مفكراً : (( بإمكاني أن أفعل هذا من دون أن تتأثر زينة وجهك )) . فقالت بصوت خافت : (( ربمـا . . . )) . نظر إلى وجهها التي تعلوه المشاعر المحمومة , وضحك راضيـاً : (( لكنني سـأقـاوم لهفتي حتى تمسحيها عن وجهك )) . ـ إذن , ستنتظر وقتاً طويلاً . و انتزعت نفسها بــعنـف مبـتـعدة عنه , ثم ترددت . عليها أن تســألـه عن زائرة الليلة البارحة سواء شاءت ذلك أم لا : (( رأيت المرأة التي جـاءت لزيارتك الليلة الماضية وتساءلت عمن تكون . . . )) . جمد راوول في مكانه : (( أي امرأة ؟ )) . فـاحمر وجهها : (( شعرها طويل أسـود . . . وهي جذابة جداً )) . ـ آه , تلك المرأة . . وهز كتفيه بهدوء رائع من دون أن تتحــرك أي عضلة في وجهه : (( إنها موظفة عندي )) . مـــوجــــة الارتياح التي اكتسحت كيــــان هيلاري جعلتــــها تشــعر بالدوار . غباء منها أن تخاف من كل سمراء جميلة . وسمعت شخصاً في الغرفة المجاورة يوجه سؤالاً على راوول , فقال لهـا : (( هيلاري , تــــقول الخـــادمة إنـــها لم تجــد في حقيبتك سوى القليل من الملابس . أين بقية ملابسك ؟ )) . عـادت إلى الواقع بعنف وجمدت مكانها مذعورة . من الطبيعي أن يتوقع راوول امتلاكها لكثير من الملابس . ألا يفترض أن تكون زوجات الأغنياء مجنونات بالملابس الحديثة الطراز ؟ ألا يفترض أن تكون غرفة الملابس تلك مليئة بالملابس ؟ كيف لها أن تفسر فراغ الخزائن و الأدراج ؟ حاولت مذعورة أن تجد سبباً معقولاً لقلة ملابسها . وأخيراً هزت كتفيها : (( حاولت أن أتخلص من كافة الملابس غير المرغوبة فيها )) . ـ لكن الخادمة تقول إن لديك ثـوبين هنــا فقط , يا عزيزتي . عضت شفتها السفلى و أخفضت بصرها . لقد أصبح ذهنها صفحة بيضاء : (( شغلتني بعض الأمور مؤخراً . . . )) . طال الصمت , فنظرت إليه متوترة لتجد ملامحه جــامدة . بادلها النظر فتمتمت : (( علي في الحقيقة أن أذهب للتسوق )) . ـ أظن أنك كنت تعيشين في مكان آخـر . فهتفت متوترة : (( بالله عليك . . . )) . ـ إذن , أوضحـــي لي بــشكــل مقنـع سبـب خلــو خزانــتــك من الملابس . تملكها توتر عنيف , وتنفست بعمق , وإذا بالإلهــام ينزل عليــها فقالت : (( حدث بيننا خصاك غبي لأن ذوقي في الملابس لم يــكن يعجبك . . . وتملكني الغيظ منك , فألقيت بعيداً بكل ما لدي ! )) . أخذ ينظر إليها متأملاً : (( يمكنني أن أتصور ذلك بعد مــا عرفته عنك من سرعة انفعــال )) . خفف كلامه من توترها , وســألتـه : (( لمــاذا تـحــزم الخــادمــات أمتعتي ؟ هـل نحن ذاهبان إلى مكــان مــا ؟ )) . ـ نعم . إلى قصــر (( كاستيلو ساباتينو )) . * * * نهاية الفصل (( الرابع )) . . . | ||||||||||
26-11-17, 05:50 AM | #8 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب
| :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::: 5 ـ عروس زائفة كان (( كاستيلو ساباتينو )) قصراً من القرون الوسطى , يقف منتصباً كالحارس مشرفاً على وادٍ مشجر قريب من الحدود الإيطالية . رأت بحيرة هادئة ذات مياه كالبلور تداعب أسفل الأسوار الحجرية العالية , بحيرة أشبه بمرآة تحت السماء الزرقاء وقرب جبال الألب التي توجت قممها بالثلوج . كان القصر ومحيطه يحبسان الأنفاس لجـمــالهــما , ولم تدهش هيلاري لأن راوول رضي بأن يتزوجها ليضمن حصوله على بيت أسلافه . الطائرة المروحية التي استقلاها في جنيف حطت في المكان المخصص لها . حملها ونزل بها من الطائرة بسهولة , ثم أمسك بيدها ليسيرا الأمـتـار القليلة الأخيرة . رأته يعبس في الشمس ثم يخفض رأسه الشامخ وكأن أشعة الشمس المتألقة تؤذيه . سألته بقلق : (( هل أنت بخير ؟ )) . قال بصوت عميق وبنبرة مختصرة , بغيظ رجل لم يتعود التذمر و الشكوى : (( أنـا متعب قليلاً , ليس إلا )) . وبعد لحظــات صمت أردف : (( ذهبت إلى مكتب في الخامسة هذا الصباح . . . )) . فوقفت جامدة : (( ماذا . . . فعلت ؟ )) . ـ أنـا صاحب مصرف (( ساباتينو )) و لا يمكنهم التصرف من دوني . علي أن أتآلف مع الأحداث الجارية , وأطمئن إلى أن العمل مستمر من دوني و أتصرف مع ما لا أفهمه . ـ لا أستطيع أن أصدق أنك ذهبت إلى ذلك المصرف التعيس مع طلوع الفجر , حتى قبل انتهاء الأربع وعشرين ساعة راحة التي أمـر بها الطبيب . ورآها ترتجف غيظاً , فقال : (( فعلت مــا هو مفروض بي أن أفعله )) . تأملت فكه الصلب الذي بدا وكأنه قُد من صخر , كان من العناد بحيث أوشكت أن تصرخ . بدت بشرته السمراء , في الضوء الساطع بلون الرماد . بدا مرهقاً للغاية . ـ في الواقع , ليس لديك أي احترام لصحتك . كان راوول في هذه الأثناء يجتاز البوابة الكبيرة لمدخــل القصر , فرمقها بنظرة قاسية بدا فيها فروغ الصبر : (( هل صورت حقاً أن بإمكاني أن أغيب عن المصرف من دون أن أعلن السبب ؟ غيابي سيسبب ذعراً سينتهي بانهيار العمل )) . ســألته وهي ترى تقطيبة الألم في حاجبيه : (( وما هو السبب الذي أعلنته ؟ )) . ـ قلت إن الحادث تسبب في إصابتي بازدواج الرؤية , وإن علي أن أريح نظري . وبهذه الطريقة ســأتـمكن من أن أتلقى المعلومات من مساعدي من دون أن أثير الفضول و التعليقات . فقالت بإعجــاب : (( يا لك من محتـال )) . ـ وأضفت إلى ذلك أنني ســأستغـل الإجازة المرضيــة المفروضة علي من العمل واستمتع بإجازة مع زوجتي . ـ يا إلهي . . وهل أدهشهم هذا ؟ طرحت هذا السؤال وقد جف فمها , فالذهول الذي بدا على أمبرتو حين سمع أن راوول متزوج جعلها تدرك أنه أبقى خبر زواجه سراً عن الجميع باستثناء عمته بوتيستا . لذا فلا بد أن أي إشارة إلى زواجه ستدهش الموظفين في المصرف . قال : (( إن دهشتهم مبررة , فـأنـا لم أتـعود أخـذ إجــازات . بالمناسبة , كان عليك أن تناقشي معي مسألة منع تحويل أي اتصالات هاتفية إلي )) . فاحمر وجههـا : (( كان عليك أن تصر أن بإمكانك أن تجيب عليها )) . ـ على المدى القصير , كانت فكرة حسنة . وتوقف ليرد تحية مديرة المنزل وهي امرأة في منتصف العمر خاطبها باسم (( فلورنزا )) . جمد عند أسفل السلم الحجري ,, ثم قال بشيء من التعنيف : (( ولكن لا تتصرفي مرة أخرى بالنيابة عني من دون أن تتشاوري معي )) . أغضبها تعنيفه هذا , فتحت فمها لترد عليه بحدة لكنه ضغط بأصبعه على شفتيها فارتجفت وقد شعرت فجأة بالشوق إليه , وعاد يقول : (( أنت تعلمين أنني على حق . . )) . ـ لا . لا أعلم أنـك على حق . ما الذي حدث ؟ حدق إليـها بنظرات شاردة , قبل أن يعبس ويعود فيحدق إليـها سائلاُ بقوة : (( أنت ركضت خلفي في الشارع . . . )) . عند هذا التصريح الغريب , نظرت إليه من دون أن تقهم . ولكن عندما ضغط بيده على جبينه متشككاً , قالت : (( راوول . . إجلس , بالله عليك )) . فقاطعهـا بخشونة : (( كلا . . . )) . طوق خصرهـا النحيل مضيفاً بذراعه : (( سنصعد إلى الطابق العلوي لنتحدث عن هذا على انفراد )) . فهمست وقد شعرت بالتوتر : (( نتحدث عن ماذا ؟ )) . فهمت عندئذ قوله : (( أنت ركضت خلفي في الشارع )) . فعادت تقول : (( لقد تذكرت لتوك شيـئـاً من الماضي . . كما تذكرت شيـئـاً عني . . . )) . وتملكها حرج بالغ بينما قال : (( بهذا الأمر وكأن شخصــاً لوح أمــامي بصورة قديمة . . )) . وبحــــركة دلت على فـروغ صبره , دفع بـابــاً فانــفتــح على غرفة استقبال أنيقة . ورغم أن هذا المقدار الضئيل من الذكريات الضائعة حيره , إلا أنه أكسبه قوة . وتابع يقول : (( كنت تحاولين أن تعيدي إلي بخشيشاً منحته لك . . )) . ـ نعم . . وشبكت يديها معاً ثم فكتهما ثم أعادت شبكهما , بينما أخــذ هو يحدق إليها بحيرة وعدم تصديق : (( لماذا أعطيتك بخشيشاً ؟ هل كان ذاك مزاحــاً أو مـا شابـه ؟ )) . أصبــح وجههـا بشحوب وجوه الموتى وشعرت وكأنها تلقت صفعة . رأت الهوة تتسع بينهما , فهي ليست كما توقع أن تكون , وهي ليست ولن تكون جزءاً من عالمه المترف . قالت : (( كنت قد حلقت لك شعرك لتوي )) . ـ شعـري ؟ وحدق إليـهـا وكــأنــها مهـــرج أمــــامه فيــما زمت هي شفتــيــــها وأومــأت برأسهـا : (( أنـا . . أنـا حلاقة . وهذا (( البخشيش )) الذي دفعته , كان في أول لقــاء لنـا . . . )) . ـ يا إلهـي ! يمكنني أن أتـذكر مــا شعرت بـه وفكـرت فيه في تلك اللحظة في الشارع ! آثرت في رغبة قوية للغاية . أردت أن أجــرك إلى سيـارتـي الليموزين , ومن ثم إلى الفندق حيث نـمضي معاً عطلة نهاية أسبوع كـاملة . احمر وجههـا , ليـعود إلى طبيعته لاحقاً ببط وألم . حسنـاً , على الأقل لم يحاول أن يزيف عواطفه بل اعترف بصراحة بما شعر به وعيناه العنيفتان مسمرتان عليها . عليها أن تكون شاكرة لأنه وجدها جذابة , رغم أنه كان من الجفاء و الفظاظة بحيث لم يظهر ذلك . لكنها لم تكن شاكرة بل غاضبة مجروحة . ما الذي تصلح له برأيه ؟ تمضية عطلة أسبوع معها ؟ أهذا كل ما تصلح له ؟ أيظنها مومس تذهب مع رجل تكاد لا تعرفه إلى الفندق ؟ وشعرت بألم مبرح . كانت لترافقه لو طلب منها ذلك . لعلها ما كانت لتفعل ذلك في ذلك اليوم الأول لتعارفهما لكن في ما بعد بعد أن سلب عقلها وقلبها بحيث أصبحت مستعدة للقيام بكل ما يلزم للحصول عليه . وخنقتها الدموع . اتكأ إلى الجدار خلفه , محاولاً بجهد للتحكم في الإرهاق الذي يشعر به , وقـال : (( هل يضايقك كلامي ؟ ما كان لي أن أقول ذلك )) . فقالت بمرح زائف : (( لا تقلق لذلك , فــأنــا لــست مرهقة الإحساس . أرجوك أن تستلقي فترة فأنت تبدو متعبـاً )) . فك ربطة عنقه وفتح قميصه ثم سار إلى الغرفة الملاصقة لهذه الغرفة . قالت له من عند الباب : (( أظن أن علي أن أستدعي طبيباً )) . ـ لا شيء يستدعي ذلك . كفى اهتماماً لا داعي له . أخذت تنظر إليه وهو يستلقي على سريره من دون أن يخلع حذاء حتى , ثم جذبت الستائر على النوافذ . قال وعيناه نصف مغمضتين : (( كان عليك أن تعلمي أنني من يقرر لنفسي , يا عزيزتي )) . ـ هذه ليست مشكلة . تكلمت بحنان وعادت لتجلس على السرير ثم شبكت أصابعها بأصابعه . رغبته في أن يتخذ قراراته بنفسه ليست مشكلة ما دام قراره ينسجم مع استنتاجاتها . ـ مــا قلتـه . . . إن وميض الذاكرة ذاك فاجأني ما جعلني غير مهذب . فأجابت بصوت هادئ , حلو كالعسل : (( لم تكن غير مهذب بل جلفـاً نوعـاً ما , لكن سأسامحك هذه المرة لأنك لطالما كنت أكثر الرجال الذين عرفتهم شاعرية )) . استرخت قبضته ونظر إليها مذهولاً : (( شاعريـة . . .؟ )) . حتى في حالة الضياع التي تتملكه , التوى فمه الواسع ساخراً من كلامها وهو يتابع : (( هذه مزحة منك . . . )) . ـ كلا , إنها ليست كذلك. طوقها بذراعه وتمتم ناعساً : (( يمكنك أن تبقي هنـا حتى أنــام )) . أوشكت أن تقترف غلطة فتسأله إن كانت أمه قد اعتادت أن تفعل ذلك . لكنها , و الحمد الله , تذكرت أن مثل هذه الأمور لم تحصل في طفولته , فقد كان عمره سنة واحدة عندما تركته أمـه هاربة مع عشيقها ولم تعد حتى لزيارته . عندما لم يستطع أن يتجنب أسئلتها الكثيرة , أخبرها هذا في جملة واحدة مختصرة لكنها انغرزت في قلبها الحنون . عندما استغرق في النوم , نزلت إلى الطــابق السفلي و تـنـاولت وجبة لذيذه في غرفة طعام رائعة مؤثــثـة بشكل فخــــم . لم يـــسمح قلبـــها لأفكارها بـأن تتحول إلى أي موضوع آخــر غير راوول . بدا واضحـاً أنها ستعود إلى وطنها قبل أن يمضي وقت طويل . و بـــدلاً من أن تـسعدهــــا هذه الفكرة , شعرت بحزن لا يحتــمل فذلك يعني أنـــها ستفقد راوول مرة أخرى . لقــد تذكر اليوم تفاصيل من السنـــوات الخمس المفقودة من ذاكرته . حدث ذلك بشكل أسرع مما توقعت . حين قــــــال الــــدكتـــور ليرذر إن فقدان الذاكرة لــــدى راوول مؤقت اعتبرته متفائلاً جداً لكنها ترى الآن أنه كان على حق , قريباً سيتــذكر راوول أحداث السنوات الخمس التي نسيها . بعدئذ لن يــحتـاجها . لكن , هل سبق و أن احتاجها من قبل ؟ أم أن هذا مجرد تـمـنيـات منـها ؟ تكومت في كرسي قرب سرير راوول , تتأمله أثناء نومه . حدثت نفسها بأنها ستحرص من الآن فصاعداً على ألا تكون علاقتهما جسدية . فعندما يتذكر حقيقة زواجهما , كيف ستكون نظرته إليـها ؟ ألن يجد اكتمــال زواجهما غريــبــاً ؟ هــل سيهتم بها على الإطلاق ؟ وهمس صوت في داخلها مواسياً بأنه رجل , أي أنه لن يضيع الكثير من الوقت في التســاؤل عما جعلها تــقـــدم على بعض التــصرفـــات المعينة . لا . . . جل ما سيرغب فيه هو العود إلى حياته الحقيقية . لعله سيرتاح عندما يعلم أنـه ليس بحاجة لأن يعتبر نفسه متزوجـاً , بحسب الشروط المتفق عليها . عندما يستعيد ذاكرته كلياً , سيضحك كثيراً لمنحى الذي اتخذته الأحداث . عندما استيقظت هيلاري , كانت في السرير وضوء النهـــار يتسلل من بين الستائر ليقع على رأس راوول المنحني ينظر إليها . تمتمت وقد فوجئت : (( كم السـاعة الآن ؟ )) . فقال وعيناه اللامعتان تتأملانها : (( السابعة وخمس دقائق . لقــد نمت طويلاً , وأشعر أني . . . )) . فقاطعته : (( لا أتذكر أنني نمت في سريرك )) . ـ لم تفعلي , بل كنت نــائـمة على كرسي . ما كـان لك أن تقلقي علي إلى هذا الحد , يا عزيزتي . إنني أجيـد رعايـة نفسي . سرت نبرته الحنون في كيانها , ومن دون وعي منها وجدت نفسها تندس فيه . لكنها ما لبثت أن ذعرت لتصرفها هذا بينما يُفترض بها أن تقطع أي علاقة بينهما . وشعـــرت بـتــعاسة فجلست منتصبة بحركة مفاجئـة ومن دون تردد أعــادهـا راوول إلى وضعها الأول , وعيناه تعكسان جوعاً من دون خجل : (( لن تذهبي إلى أي مكان , يا " سيدة ساباتينو )) . مخاطبته لها بلقب الزوجة زاد من ألمهــا . ـ ولكن . . . ـ أنت مضطربة جداً هذا الصبـاح ولكن من غير المسموح لك أن تغادري السرير قبل أن أسمح بذلك . عندما رفعت بصرها إلى وجهه الوسيم , انتفض قلبها وشعرت بالوهن و الشوق . أخـذ قلبها يخفق بسرعة راضياً بعد أن تـــأمـلــــها : (( أنت تريدينني يا جميلتي )) . ـ نعم . . . لم تستطع أن تصدق كيف فقدت قدرتها على التفكير , فكيف بقدرتها على مقاومة شعورها ؟ تلهفت إليه , وراح جسدها يحترق بفروغ صبر , ما جعلها تخمد ذلك الصوت الخافت في أعماقها الذي يحذرها من أن مــا تفعله خطـأ . واستمتعت بعواطفه المشبوبة و احتضنت رأسه أسود الشعر وتخللت شعره الكث بأصابعها لتمر بيديها بعدئذ على كتفيه العريضتين . ـ أنت تجعلينني جائعاً إليك للغاية . رفعت بصرها إليه , معجبة بجمال رجولته . تملكتها موجة من الحب و الرضى , كما اغرورقت عيناها بدموع السعادة . راح يقاوم تفحصها الدقيق له وحمرة الخجل على بشرتها العاجية . لكنها لم تستطع التـوقف عن التحديق إليـه . كانت وجنتاه عاليتين وملامحه تعكس الكبرياء . كما أن وسامته مذهلة بالرغم من لحيته التي لم تحلق منذ يومين . همست وهي ترتجف , واضعة أصابعها على فمه : (( و سامتـك تحبس أنفاسي . . . )) . أمسك بيدهــا ثم أخــذ يحـدق إلى أصابعها بدهشة : (( أين خاتم الزواج ؟ )) . تـملكها الذعر . كـــان عليها أن تتذكر أن الزوج يتوقع أن يرى خاتـمــاً في إصبع زوجته . ـ أنـا . . . لم أشـأ أن ألـبــس خــاتـماً . اتــكـأ إلى الوسائد خلفه بعنف : (( لِمَ لا ؟ )) . احمر وجهها وقالت متلعثمة : (( كنت . . . ظننت أن (( المحبس )) تقليد قديم . لا أفهم لمـا علي أن أهتم . . . )) . ـ لن أقـبـل هذا العذر . لقد تزوجتك و أتوقع منـك أن تلبسي خـاتـم زواج . شعرت بالـــذعر لاضطرارهــا إلى الاستـمــرار في الكذب لتـغطيــة ادعائها , ولم تـستـطع مواجهة عينيه : (( ســأفكـر في ذلك )) . قال وهو يقفز من السرير : (( لا , لن تفكري في ذلك . سـأشتـري لك خاتم زواج وستلبسينه وتنتهي القصة )) . عندمــــا وصـــل إلى منتصف الغرفة وقف والتفت إلــيـهـا . بـدا وجهه جامداً وعيناه متحديتين حين قال : (( أتعلمين ؟ لم تخبريني قط لما لا تزال زوجتي عذراء . . . )) . قـالت بلهجة دفاعيـة متـوتـرة وهي تـجلس في الــســريــر ممسكـة بالملاءة تشدها من حولها : (( ولن أخبرك طالمـا تتحدث إلي بهذه اللهجة )) . ـ علــيـك أن تصرفي بشكل أفضل , يا عزيزتي . فردت عليه بالإيطالية بعنف : (( لا , لـيس علي هذا . عندمـا تستعيد ذاكرتـك سـتـدرك أن ما من غموض يحيـط بعدم خـبرتي . . . )) . ـ هل هذا صحيح ؟ ـ كما لن تعتبر الأمـــر مهمــاً للغايــة . ـ أخبريني بأمـر واحد فقط . لمــاذا تزوجتـك ؟ جمــدت لحظة , ثم قالـت بغموض : ( تزوجتني للأسبــاب المعتـادة كلها . . . )) . ـ أتـعيــن أنني وقعت في غرامك ؟ ـ لن أقــول شيـئـاً . ثم عــادت ففكرت في أن تـقول ما يـتـوقع أن يــسمعه فينتهي هذا الموضوع . ـ لا بأس . لقد وقعت في غرامــي . استدار وتوجه نحوهـا بتـوتـر واضح : (( إذن , وقعت في شرك الحكــايــات الخرافية ؟ )) . فـقــالت بشيء من التوتر هي أيضـاً : (( وما الذي يمنع ذلك ؟ )) . فانحنى يرفعها عن الـســريـر : (( لا شيء . وقعت في شرك الحكايات الخرافية )) . على مـائــدة الفطور في الفناء المغمور بــأشعـة الشمس و المزين بمختلف أنواع الأزهـار و النباتات , سـألت هيلاري راوول عن تاريخ القصر . بدا واضحاً لها غرامه بكل حجر مر عليه الزمن . حـاولت ألا تـــفكر في الأكـاذيب التي أخبــرتــه بــها منذ فترة . لقد كف عن طرح الأسئلة المربكة ولم يعد يقلق من ناحيــة علاقتهما , و هذا هو الأهم , فالطبيب نصحها بألا تــخبر راوول ما يــقلقه . ألا يــعنـي هذا أنـــها لم تخطئ ؟ إن بعض الأكاذيب البيضاء الصغيرة لا تسبب أي ضرر . قال وهو يدخـل إلى الصالة : (( لقد رتبت لك مفاجأة )) . ـ ما هو نوعهـا ؟ ـ أظن أن الوقت حــان للاهتـمام بمشكلة الملابـس . قـالها برقـة ثم فتح باباً يؤدي إلى غرفة استقبـال فسيحة مزدحمة . كـــــان راوول قــد أرسل دعوات إلى عدد من مصممي الأزياء لزيارة قصره مع بعض الأثواب . أُدخلت هيلاري إلى الغــرفة المجاورة حيث أُخذ قياســها . وتملكهــا الذعر . كيف تسمح لراوول بـأن يشتري لها الملابس ؟ لكن كيف تقنعه بـأنها ليست بحاجـة إلى أي ملابس جديدة بينما رأي بنفسه مدى حاجتهـا إليهـا ؟ وبعد دقائق قليلة عادت إلى راوول وهي ترتدي بذلة من أحدث الموديلات . أخـذ راوول يــتــأملها . لون بذلتـــها الفيروزي أبــرز جمـــاله شعرهــا الأشقــــر الفضي , بينمـا أظهــــرت الستــرة القصيـــرة المحكــمة على جسدهـا , والتنورة الواسعة , قوامها المذهل بخصرها النحيل ووركيـها البارزين فضلاً عن ســاقيـــها المتـنـاسقتين . ولمعت عيناه باستحســان الرجل للأنثى , وتمتم هامسـاً في أذنها : (( لذيذة )) . ولأول مرة في حيـاتـها , شـعرت هيلاري بأنها تستحق الاهتمام . . وتبدد شعورهــا بالنقص إزاء استحسان راوول لها . احمر وجههـا خجلاً لكنها , وفي الوقت نفسه , رفعت رأسها بزهو . عندما يبدي راوول إعجابه بها تتلاشى عقدة النقص لديها من قصر قامتها وبروز مفاتنها . منـذ تلك اللحظة , أخـــذت هيلاري تستمتع بــتــخيـل أن راوول أصبــح عالمها الوحيد . و أخذت تقيس ثوباً بعد ثوب . كـــانـت أقمشة الملابس رائعة الملمس , و كانت المرايا الطويلة المذهبة على الجـــدران تعكس صورتها بشكل لم تستطع معه أن تميز نفسها . رأت نفســها ترفــل في ثوب سهرة رائع و في بـذلة مـذهلة , و سلسلة من الأثــواب القصيـرة الجميلة بشكل لا يــصــدق . كان كل ثوب يترافق مع حقيـبـة و حـــذاء يناسبه . شعــرت وكأنها في حلم رائع , إذ تضافر الجميع ليشجـعوهــا على أن تمارس لعبتها المفضلة وهي ارتداء الملابس و تبديلها تماـماً كما كانت تفعل وهي طفلة . وخلال ســاعــات معدودة أصبح لديـهــا من الملابس أكثر مما اقتنته طوال حياتها . كانت تعلم أنها لن تلبس معظمها , وحدثت نفسهــا بأن راوول يمكن أن يعيد الملابس إلى المتجر حالما تعود إلى وطنها . قالت له وهي تلهث من الإثارة , بعد أن بقيت مرتدية تنورة تبنية اللون و بلوزة من دون كمين : (( لن أتمكن من ارتداء كـل هذه الملابس )) . فقال : (( أنت زوجتي ويجب أن يكون لديك كل ما تريدينه )) . انقبض قلبها والتمعت عيناها شاعرة بالألم إذ كانت تدرك أن هذا ليس سوى ادعـاء . ـ هيلاري ؟ ـ أنت في منتهى الكرم نحوي ـ ألا تعرفين كيف تردين الكرم ؟ ورمقها بنظرة معبرة ترافقت مع ابتسامة شيطانية من فمه الجميل . جف فمها و أخذ قلبها يخفق بعنف . كان رائعاً إلى حد جعلها ترتجف . كان تأثيره فيها هائلاً . وتباع يقول بصوت مثقل بالمشاعر : (( وإذا كنت لا تعلمين , فيمكنني أن أجعلك تدركين ذلك بالإشارة , يا حبيبتي )) . كلامه هذا جعلها تشعر بالشوق إليه وصدمها رد فعلها هذا فأخفضت بصرها مقاومة ضعفها قد إمكانها . لكنه جذبها إليه , وعندما شعرت بحرارة جسده توهج وجهها احمراراً , رغم أنها أرادت أن تذوب فيه بكل خلية من كيانها . وتعلقت عيناه بعينيها : (( تبدين بريئة إلى حد لا يصدق . ما أريده أكثر من أي شيء آخر في العـالم هــــو أن تبقي بــيــن ذراعـــي . أظنني تزوجتك لأنك لا تنفكين تدهشينني ! )) . قالت هيلاري بــصوت مرتــجــف و هــي تمرر إصبعها على الخــاتم الذي وضعه في إصبعها قبل أن تنظر إلى راوول حالمة : (( مذهل ! رائع ! لا أعرف مـاذا أقول . . لم أكن أتوقع هذا )) . إنه خاتم زواج . وتأثرت حتى الأعمــاق برغبـتـه في أن يراها تضع الرمز الذي يدل على عهودهما الزوجية . قال بهدوء وعيناه تتألقان : (( لن أفشل في شيء , يا حبيبتي . أريد لزواجنا أن ينجح )) . طعنة من الإحبـاط مزقت أحــلامهـا . فهي منذ أربعة أيام لم تكـن تفكر في المستقبل لأكثر من دقيقة واحدة . لقد استمتعت بكل لحظة أمضتها مع راوول , حتى أن حبــــها له ازداد . كـان يشعر بمرارة الإحباط لأنه لم يستعد ذاكرته بــعــد , وتلك الذكرى المحـدودة التي عاودته لــم تزده إلا فروغ صبر , لـكـنـه أظهر ذكاء غير عادي في مواجهته وضعه الجديد مـا جعلها تدرك أكثر من أي وقت مضى مدى ثقته بنفسه وانضباطه . حولت اهتمامها عن ملامحه البالغة الوسامة , ثم تظاهرت بتأمل ما حولها . كان يوماً رائعاً , و المنــاظــر من حولـها مذهلة . كــانــا يجلسان في شرفة مطعم خـــاص يقـــوم في مكان مرتفع مشرف على بحيرة (( لوسيرن )) . كانت السماء الزرقاء صافية و المدينة التي يـعود بــنــاؤها إلى القرون الوسطى تــمتـــد في الأسفــل . ـ هيلاري . . ؟ لفت راوول انتباهها عابساً عندما اقترب منها رجل كبير الجسم أشقر الشعر جاد الملامح , ثم وقف على بعد مترين منها قائلاً بدهشة : (( راوول ؟ )) . نهض راوول وقد ارتـسمت على وجهه تـلك الابتسامـة لتحيته فيما ذعرت هيلاري وهي ترى أن القادم هو (( بول كوريرو )) الشاهد الوحيد على زواجــهمــا . تــملكــها الرعب و شلت أطــرافها وهي ترى المحامي ينظر إليها بإمعان . هــذا رجـل يعلم أنهـا زوجـــة زائــفة , وأنهـا أخــذت أجراً لتمثـل دور الـعروس في القــــداس الزائـف . و لا بــد أنـه مدهوش لرؤيتـهـا في سويسرا برفقة راوول ! * * * نهاية الفصل (( الخـامس )) . . . | ||||||||||
26-11-17, 05:52 AM | #9 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب
| :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::: 6 ـ لن أسامحك أبداً ! الإحساس بالخطـــر جعـــل قلبـــها يخفق بعنف . وأخيراً , قررت أن لا خيار أمامها سوى أن تستعمل الوقاحة للخروج من هذه الورطة . ـ أنـا و آنيا نقيم مع بعض الأصدقاء . ـ أنـا و آنيـا نقيم مع بعض الأصدقــاء . قال بول كيوريرو هذا لراوول الذي كان يقبل وجنتي امرأة حــامــل جميلة حمراء الشعر تقف بجانب محاميه . التفت راوول برأسه المتغطرس إلى هيلاري متـسائـلاً عما منعهـا من مشاركتـه في تحية القادمين , فنهضت و العرق بتصبب منها وقد رسمت على فمـــها المتوتر ابتسامة , وتقدمت نحوهمــا بــســاقيـــن كالخشب . ـ هيلاري . . خســارة لنـدن مكسب لنـا . منحــــها بول كرويرو ابــتــســـامة نـاعمة أرسلت رعشة في كيانها , و كـادت تجفل لهذه السخرية . و وقفت كمجــــــرم ينتظــر تنفيذ حكم الإعدام فيه . لكن راوول , ولحسن الحظ , حول اهتمام محاميه عنها بالحديث معه بصوت خافت . وعندما أخذ الرجلان يتمشيان على بعد أمـتـار , اقتربت رفيقة بول منها وقالت لها وهي تقيمها ببرودة : (( أنـا آنـيــا زوجة بول )) . ـ نعم . كانت هيلاري من التوتر بحيث لم تستطع أن تفكر في أي رد فعل على هذا التقييم العدائي . اختلست نظرة إلى راوول و بول , وتساءلت بفزع عمـا يتحدثان عنه . وتملكتها رغبة ملحة في الهرب , فتمتمت معتذرة ثم توجهت نحو استراحة السيدات . كيف يجرؤ بول وزوجته على النظر إليها وكأنها مجرمة ؟ كانت منزعجة ومعدتها تغلي . فتحت الماء البارد على يدها بينما راحت تكافح لتستعيد رباطة جأشها . ما قامت به كان لمصلحة راوول . لقد أحبطته تلك الهوة التي تفصله عن العالم خمس سنوات , لكنه نجح في مواجهة الأمر تماماً ! ولكن هل كان بول كوريرو يخبر راوول في هذه اللحظة أن هيلاري وزواجهما الظاهر زائـفان ؟ خرجت هيلاري من استـراحة السيــدات لتـــجــد بول كوريرو في انتظـارهـــا , فأصــابـها شحوب بـالغ . سألها الرجل الأشقر : (( ما هي لعبـتـك ؟ لقد أوضح لي راوول لتوه سبب عدم ظهروه منذ حادث الاصطدام )) . فقالت : (( يسرني أنه اتخــذ شخـصــاً آخر موضعاً لثقته )) . وتســاءلت هيلاري إن كان راوول يعلم الآن أنها ليست بالزوجة التي ادعتها , واعتصر قلبـها . قـــال بول كوريرو بــصوت خـافت خشن : (( لا تعامليني وكأنني أبله . رئـيـس فــريـــق الأمن لـــدى راوول اتـــصــل بي في الأمس ليسـألنـي النصيــحة . تصوري ذهولي عندما علمت أنك جئت إليه في المستشفى مدعية أنك زوجته السيدة ساباتينو ! هذا اللقاء ليس صدفة , بل قطعت إجـازتـي لكـي أحضر إلى هنـا . يمكنك أن تؤذيـه بهذا الشكل )) . أخـذت هيلاري ترتجف من احتقـــاره الـــموجع هذا . هــل ثمة فريــق أمن يعمـل على حراسة راوول ؟ لقد كانوا من الحذر و التحفظ بحيــث لم تعلم بوجودهم . وقالت : (( لم أقهم بما يؤذيه . هل أخبرت راوول الحقيقة عن زواجنـا ؟ )) . فـأجاب ساخراً : (( في المطعم ؟ أنوي أن أزوره في القصر عصر اليوم . . . )) . أمسكت هيلاري بكمه متوسلة : (( دعني أخـبــر راوول بنفسي . أمنحني فرصة حتى الغد لأتدبر الأمر )) . أنذرها بول كوريرو مظهراً عدم ثقته بها : (( كلا . ســأمنحك فرصة حتى هذا المساء . وإذا لم تفي بوعدك , فسأقوم بذلك بدلاً منك )) . احتاجت إلى قدر كبير من الشجاعة لتتمكن من مواجهة نظراته المتهمة وهي تقل : (( أنا لست كما تظنني . أنـا أحـبــه و لطالما أحببته . . . )) . فـأجفـل المحامي وقاطعها : (( اعلمي على أي حــل أنه لن يغفر قط هذا النوع من الخيـانـة )) . عــادت هيلاري لتـقف بجــانب راوول ورأسها يـدور فيما كانت آنـيـا تـتـوسل إليه أن يلقي خطاباً في حفـل خيري . انضم بول إلى زوجته قائلاً إنهما تأخـرا عن موعدهمـا , فقطع راوول حديثه وأمسك بيد هيلاري يقودها إلى سيارته الليموزين وهو يقول مقطباً : (( مزاج بول غريب . لماذا بدا متضايقاً ؟ )) . فتـمتـمت بضعف : (( آه , أنت تعرف بول )) . ـ نعم . أعـــرفه جيـداً , وهو لا يـجيـد قط فن الخـداع . أحـسست بنوع من عدم الاحترام في تعامله معك , ما جرحني وأزعجني . عذبها الشعور بالذنب لكنها لم تقـل شـيـئـاً . لم تجــد مــا تقوله في مثل هذه الظروف . كان راوول قوي الملاحظة , وقد لاحظ عداء محاميه . على أي حال , سيعرف راوول الحقيقة قريباً ويفهم لماذا لم يستطع بول كوريرو أن يخفي ازدراءه . وتملكها مزيج من الخوف و اليأس . كيف يمكنها أن تخبر راوول أن زواجهما لم يكن حقيقياً ؟ كيف يمكنها أن تواجه هذا الأمـر ؟ وعندما توقفت السيارة أمـام صــالون خاص للتجميل , تذكرت هيلاري أنها أخذت موعداً لتصفيف شعرها بالأمس . فررت التخلص من الأطراف الوردية لأنها تضفي عليها مظهراً صبيانياً نوعاً مـا و تساءلت عما يجعلها غير صادقة مع نفسها . لقد اختارت اللون الوردي هذا لتبدو أكثر أناقة أمـام راوول . ولكن مــــا الفائدة الآن ؟ و ما الهدف عندما تنهار أسس عالم أحلامها ؟؟ ـ هيلاري ؟ قالت من دون أن تجرؤ على النظر إليه : (( هل يمكننا أن ندور بالسيارة لدقيقة أو اثنتين ؟ )) . كانت من الاضطراب بحيث لم تستطع أن تـــفكــر بــشكل منـطقي , لكنها لم تشأ أن تترجل من السيارة وتتركه . ( الحقيقة مؤذيـة ) . من هــــو صاحب هذا القول ؟ ليس لديها فكرة . كل ما تعرفه هو أنها , طوال الأسبوع الماضي , حــــــاولت أن تعيش حلمـــها بكل حماقة . دفنــت شكوكــــها وتـنـاست وخـــز ضميـــرهــا واستسلمت للحكايات الخرافية بادعائها أنها زوجة راوول . كـــانـــت سعيدة للغاية , سعيدة أكثر مما ظنت يوماً أنها ستكون . . لأن الرجل الذي تحب عاملها و كأنها زوجتـه . المشكلة تكمن في أنـها لم تــكن كذلك , تمنيات العالم كلها لا تستطيع تغيير هذه الحقيقة . لقد دمر بول كوريرو ادعــاءها المحزن كمـــا عليـــها أن تــدرك أن عملها هذا سيعتبر عملاً أنانياً . لكنها لم تقصد قط أن تؤذي أو تقلق أحداً . كمــا أنها حــاولت أن تخفف من الضـرر الذي لحق بحبيبها . على أي حــال , مجرد ذكرى نظرة بول كوريرو إليها جعلت العرق البارد يتصبب منها . ذاك الحلم الجميل لم يستمتع به سواهما , هي وراوول . وتملكها اضطراب هائل . سـألهـا راوول بشيء من فروغ الضبر : (( هل ستلغين ذلك الموعد ؟ )) . كان حازماً للغاية ويمكنه أن يجيب على أي سؤال عادي قبل أن تنتهي من طرحه . ماذا سيكون شعوره نحوها عندما يدرك أنه شجعته على مشاركتها الحياة معها بكذبة ؟ أتراه سيحتقرها لتصرفها هذا كما لمح بول كوريرو ؟ هذه الفكرة آلمتها للغاية . لكنها بدأت تدرك أكثر و أكثر أن ادعاءها هذا تجاوز الحد . ـ مــاذا ؟ ـ لا بأس . لقد قررت الآن أن أصفف شعري ! ونـظرت إليـه بضحكة مصطنعة . بـدا في عينيه الــلامعتــيــن مزيـــج من العجب و فـــــروغ الــصبر من أسلوبها الغريب مقارنة مع طريقته في التفكير . ترجلها من السيارة لم يخفف عنها وهي تراه بهذه الروعة المدمرة . و بحركة مفاجئة تقدمت منه وقبلته بحرارة بالغة ثم تمتمت و هي ترتعش : (( كانت أيـاماً قليلة رائعة . . . )) . بعدئذ , اختطفت حقيبة يدهـــا وخرجت من السيارة قبل أن تـــربــكه و تــربـك نفسها أكثر . في صالون الحلاقة , شعرت وكــأن جـــداراً من زجـــاج يفصلها عن النشاط المألوف لديها . و شعرت و كأنها فريسة صدمة . لقد أدركت أخيراً لماذا كان ذهنها يكره أن يواجه الواقع ويتقبله لكن الوقت حان كي تخرج من حيـــاة راوول مرة أخــرى , كمــا أن عليها أن تــرحل بسرعة . مــا الهدف من العودة إلى القصر لكــي تـخــبـر راوول بما فعلت ؟ هذا سيعرضها لمواجهة غير سارة , فما مصلحة أي منهما في ذلك ؟ قررت أنـه من الأفضل أن تستقل الطائرة على لندن مباشرة . وكانت , لحسن الحظ , تحمل جواز سفرها في حقيبة يدها . عندما تنتهي من تصفيف شعرها يمكنها أن تتوجه إلى المطار في لوغانوا . لم تحضر معها إلى سويسرا سوى أثواب قليلة وما ستتركه خلفها لن يفتقده أحد . ستترك لراوول رسالة في سيارته تشرح له فيها الأمر . أليس هذا هو الصواب ؟ عندما يدرك حقيقة ما فعلت . . سيذهل ويغضب وربما سيعتبر نفسه محظوظاً لأنه تخلص منها . وأي رأي حسن قد كونه عنها ستحطم كلياً . خنقت الدموع . لماذا ساءت الأمور إلى هذا الحد ؟ في البداية , حاولت أن تساعد راوول وحسب لكنها وبشكل مــــا تورطت إلى حـــد جعلها تصم أذنيها عن نداء العقل . لقد سمحت لنـفـسها بــأن تجرفـها الأحلام . لكنها الآن , وعندما أصبحت مكرهة على أن تتساءل عـــما سيكون عليه رأيه في سلوكها , أدركت أنها تجاوزت حـــدود الصـدق و المنطق . أزعجتها هـــذه الحقيقة لأنــها لـم تتعود قط أن تــنــكــــر أخطاءها . لكنها ستتلقى أسوأ عقاب بالنسبة إليها , وهو حقيقة أنها لن ترى راوول مرة أخرى . . . ** ** ** ـ ألم تأخذي فترة راحتك بعد لتأكلي شيئاً ؟ طرحت سالي هذا السؤال على هيلاري التي كانت تضع مجموعة من المناشف الحائلة اللون و المغسولة حديـثــاً على الرف خلف المغسلة , فـأجـابـتــها : (( لست جائعة . . . )) . ـ حسنـاً , يفترض بك أن تجــوعي . لا يمكنك أن تعملي طــيـلة هذه الساعات ومعدتك فارغة . تبدين متعبة للغاية . كانت زميلتها في الصالون تتحدث إليها وقد بان القلق على وجههـا الحنون . ـ كفى قلقاً علي . أنـا بخير . وأحنت هيلاري رأسها ثم مضت تكمل عملها بنشاط واهتمام بالغين وكأن حياتها كلها تعتمد عليه . في الواقع , كانت حياتها كلها تعتمد بشكل عام على العمل , وذلك لكي تحول أفكارها عن الماضي المؤلم . كانت تعلم أن الظلال تحيط بعينيها وأنها تبدو في حالة سيئة . لقد فقدت شهيتها على الطعام كما لم تعد تنام جيداً . كانت تعيسة للغاية لكنها حاولت أن تتصرف بشكل طبيعي و أن تستعيد حيويتها . مــا حدث قد حدث , ومر أسبوعان على مغادرتها سويسرا . بقي راوول محور عالمها مدة سبعة أيام , لكنه لم يعد كذلك الآن ولن يعود , وعليها أن تتعود على هذا الواقع . ما هي عليها تقبله هو أن ما عاشته مع راوول , كان زائفاً , غير حقيقي . وما كان هذا الدرس أقسى ما عليها أن تحتمل . قالت سالي بصوت خافت : (( موعدك للساعة الحادية عشرة حضر . . وهو شديد الوسامة . . يا لك من محظوظة . . . )) . رفعت هيلاري رأسها لتجد راوول يقف وسط القاعة . ارتجفت يدها فارتجت زجاجة الشامبو الكبيرة التي تحملها وأخذت تنسكب في المغسلة . تملكها اضطراب بالغ وهي تراه أمـامها , فشهقت بصوت مرتفع , وتسمرت عليه عيناها الزرقاوان بلهفة بالغة . كان يرتدي بذلة كحلية بالغة الأناقة تبرز قامته الرائعة , وهو يميل برأسه المزهو جانباً , بينما أعين الموجودين في المكان مركزة عليه متفحصة . كان ينظر إليها بعينيه الذهبيتين الداكنتين , مواجهاً نظراتها المستمرة عليه , وهو يتقدم نحوها بخفة وليونة الفهد . همست : (( هل أنت موعدي للساعة الحادية عشرة ؟ )) . أومـأ بالإيجاب وأخذ يتأمل جسمها المتيبس مما جعل الاحمرار يعلو وجنتيها . كانت ترتدي قميصاً أبيض مقفلاً وبنطلوناً أسود مقلماً وتنتعل حذاء يبلغ ارتفاع كعبيه الدقيقين حوالي تسع سنتيمترات . هذا التأمل الساخر جعلها واعي بشكل محموم لجسدها ومعرفته الحميمة به . ومع ذلك لم ينظر إليها قط من قبل بمثل هذه الطريقة . لاحظت أن ثمة اختلافاً فيه لكنها لم تدرك ماهيته . كل ما أدركته هو أنها شعرت بالخجل . قال بلطف ورقة : (( علينا الذهاب إلى مكان يمكننا أن نتحدث فيه على انفراد )) . لسبب لا تفهمه شعرت بدمها يجري بارداً في عروقها . تمتمت تجيب وقد تملكها الجبن : (( أنـا . . . أنـا في العمل )) . ـ حسناً , لا أظن أن لديك مشكلة في أ يسمع زملاؤك وزبائنك ما سأقوله لك . و أكمل كلامه بالإنكليزية وقد بدت الصلابة على وجهه : (( و سأبدأ بالقول إن عملك , الذي أتذكر أنك أسسته بنقودي , لا يهمني )) . كادت تنكمش حيث تقف , لكنها بعد جزء من الثانية ارتجفت لمـا عناه الكلام الذي كان يقوله . إذا تذكر راوول ما اتفقا عليه من ترتيبات , فهذا يعني أنه لم يعد يعاني من فقدان الذاكرة . يبدو أن راوول استعاد ذاكرته منذ تركت سويسرا , فتذكر السنوات الخمس الماضية , تماماً كما تنبأ طبيبه . و ارتجفت بقوة وهي تدرك أن راوول يتذكر الآن كل ما حدث بينهما . توترت أعصابها , فالتفتت إلى سالي تسألها إن كان بإمكانها أن تحل مكانها حتى وقت الغداء . وقالت لراوول : (( يمكننا أن نتحدث في الطابق العلوي . متى استعدت ذاكرتك ؟ )) . ـ بعد أن اختفيت . ولا بد أن هذا ساعد في ذلك . علي أي حال , جعلتني أعيش حياة هي ليست حياتي . وكانت جملته الأخيرة ساخرة , فشحب وجهها من تلك السخرية الخالية من الإحساس . وفتحت باب شقتها : (( يدهشني حضورك . لم أكن أظنك ترغب في رؤيتي مرة أخرى )) . ساد الصمت بينما أغلق راوول الباب خلفه . كانت الردهة ضيقة ومعتمة . و قادته هيلاري منها إلى غرفة جلوس ومطبخ في الوقت نفسه . أخذ يتأمل الأثاث الرث , ومظهر الحقارة في المكان بشكل عام فبدا النفور على ملامحه . ـ أنت أفقر مما تصورت , وهذا المكان قذارة . عندما اتصلت بك عمتي بوتيستا و أنا في المستشفى , لا بد أن الإغراء تملكك للاستفادة من المحنة التي تعرضت لها . فقالت وهي تصر بأسنانها غضباً لهذه التهمة : (( هذا غير صحيح . كيف يمكن أن تقول شيئاً كهذا ؟ كل ما كان يشغل بالي هو حالتك الصحية . بالله عليك , ظننتك ستموت )) . راح راوول يقرأ رسالة وجدها على الطاولة فأجفـل : (( هل أنت مديونة ؟ )) . شعرت بالحرج وهي ترى أنه قرأ رسالة من المصرف تطالبها برد المبلغ الذي سحبته زيادة عن حسابها , فانتزعت الرسالة من يده : (( اهتم بشؤونك فقط )) . قال برقة لاذعة : (( كل ما يخصك يخصني أيضاً . ومعرفتي بهذا تمنحني شعوراً طيباً )) . لم تستطع أن تفهم مـــا الــذي يـهدف إليــه . على أي حــال , حصرت على أن تدافع عن نفسها ضد اتهامه لها بأنها ذهبت إلى سويسرا كي تستفيد من ثرائه وتعيش على حسابه . قالت : (( دعني أشرح لك لماذا أنا مديونة . لقد أنفقت مبلغاً كبيراً إلى سويسرا , ودفعت مبلغاً لزميلة لي لتحل مكاني أثناء غيابي . وميزانيتي لا تحتمل هذا التبذير )) . رفع حاجبيه الأسودين من دون أن يتأثر : (( هل الفقر هو العذر الوحيد الذي دفعك لاغتنام الفرصة لإتمام زواجنا ؟)) . وانقبضت يداها : (( أنت من أصر على ذلك . . )) . كانت سخرته واحتقاره أشبه بسكين طعنها في الصميم . وتابع يقول : (( أنت ممثلة غشاشة . كنت تعلمين تماماً ما تفعلين . بإتمام زواجنا يمكنك أن تطالبي بمبلغ كبير ثمناً للطلاق )) . بدا عليها الشحوب , وتملكها شعور تعيس بالمذلة و الإهانة لشكوكه هذه . قالت : (( لن أطالبك بشيء , سواء الآن أو في أي وقت آخر . لا أفهم لماذا تظن بي كل هذا . هل ارتكبت جريمة حين رغبت في رؤيتك بعد أن سمعت بما أصابك ؟ أخبرتك في رسالتي أنني آسفة . . . )) . أطلق ضحكة ساخرة جعلتها تجفل : (( رسالتك بأسطرها الأربعة ؟ حتى فيها لم تستطيعي أن تخبريني الحقيقة أو تعترفي بخداعك لي . لقد اختفيت من دون أن تتركي أي تفسير . . . )) . ـ عندما أردت أن أفعل هذا , لم أجد ما أكتبه . ـ لم ترغبي في أن تخبريني أنني كنت أعاشر امرأة غشاشة كذابة . هتفت به غاضبة مجروحة الكرامة : (( لا تصفني بهذه الأوصاف )) . ـ كنت ممثلة جيدة , يا جميلتي . و تعلقت عيناه الحاقدتان بنظراتها المعذبة من جون أن يتأثر : (( لقد عرفت الطريق إلى قلبي . . طيلة الأسبوع كنت تحولين ذهني عن أي سؤال محرج أوجهه إليك )) . لشدة ألمها , أمسكت بفنجان على المائدة وقذفته به : (( لم يكن الأمر بهذا الشكل , ولم أتصرف على هذا النحو )) . بقى جامداً مكانه بشكل مزعج , وكان ابتعاده عن طريق ما قذفته به يجرح كرامته . واكتفى بأن رفع حاجبه عندما اصطدام الفنجان بالجدار قائلاً : (( عندما تحرجين تصبحين كالأطفال لكن هذا لن يذيب الثلج الذي بيننا . . ولا حتى الدموع . . . )) . فصرخت به بأعلى صوتها : (( لن أبكي من أجلك ! عليك أن تعذبني لكي ترى الدموع ! )) . فقال عابساً (( الـــدمــوع تضايقني و كذلك الــــمواقف الــــعاطفيــة والأواني الطائرة في الغرفة . دعي عنك هذا حالياً . لكن إذا تصرفت بغباء أمــام الناس مرة أخرى , ســأغضب منك للغالية )) . تصاعد توترها ما جعل حاجبها يخفق بألم : (( أتصرف بغباء ؟ ومرة أخرى ؟ ما الذي تتحدث عنه ؟ )) . أخرج شيئاً من جيب سترته الداخلي وألقاه أمامها على المائدة لتراه . كانت قصاصة من مجلة . وتملكها الذعر وهي ترى صورة المرأة التي انهمرت الدموع على وجهها التعيس . إنها صورتها , وقد التقطت لها في ذلك اليوم الأخير في سويسرا عندما كانت في المطار في لوغانو لكنها لم تلاحظ المصور . رأت تحت الصورة أسطر عدة بالفرنسية . فسألته : (( ماذا تقو الأسطر هذه ؟ )) . فترجم لها وهو يصرف بأسنانه : (( . . كل تلك الأموال وما زالت تعيسة )) . شبكت ذراعيها على صدرها : (( حسنـــاً , أنـــا آسفة إذا أحرجتـك , ولكن هذا يثبت أنني كنت حزينة للوضع الذي أصبحنا فيه . . )) . ألقى عليها نظرة كالثلج : (( أصبــحنـــا ؟ ومن أوصلنـــا إلى ذلك الوضع ؟ من ادعت أنها زوجتي ؟ من كذبت لتجد طريقاً إلى بيتي وثقتي ؟ )) . ارتجفت وأفلتت ذراعيها وقد التمع في عينيها التوسل والإحباط : (( اسمع . حاول أن تفهم أنني اهتممت بالأمر أكثر مما يجب . عندما ذهبت إلى سويسرا كنت أظن أن حالتك خطيرة فشعرت أنني أريـد أن أراك . كما أنني صدقت أنك سـألت عني . . . )) . ـ مـا الذي يجعلني أســأل عـــن امرأة لــم أرهـــا منــذ حوالي أربع سنوات ؟ امرأة لم تكن تعني لي شيئاً ؟ كيف أسأل عن أي شخص وأنا غائب عن الوعي ؟ حللت هــذه الــحقيــقة في ســرها فبـانـت خيبة الأمل على وجهها . نعم , هذا غير معقول فعلاً . هل عمدت شقيقتها إلى إخبارها بكذبة بيضاء . أترى إيما اختلقت ذلك في محـــاولة ساذجة منها لتشجـع أختها الكبرى على السفر إلى سويسرا لتكون مع زوجها ؟ لكن وقبل أن تنتهي من تحليل هذا الاحتمال , عـــاد صدى كلمات راوول منذ لحظــات , يدوي في أذنها بقسوة : ( إمرأة لم تكن تعني لي شيئاً ) هذا ما قاله . هذه فكرته عنها . لم تكن تعني شيئاً بالنسبة إليه . حسناً . . ما الذي كانت تتوقعه ؟ حناناً وعطفاً ؟ لفترة قصيرة لا تتعدى الأسبوع جعله ادعاؤها يعتقد أنه يحمل لها بعض المشاعر , فتصرف على هذا النحو . لكن ذلك الوقت الجميل انتهى الآن . وإذ صممت على ألا تـــكشف لــــه عن مــــدى شعـــورهـــــا بالألم , جاهدت لكي تعود إلى النقطة التي كانت تنوي أن تتطرق إليها قبل أن يطعنها في الصميم بقوله العفوي الصادق . قالت : (( حذرني الدكتور ليرذر من أن أخبرك بما قد يزعجك . . . )) . ـ لهذا تركتني أظن نفسي متزوجاً ؟ ألــم يخطر لك أن هذا الخبر مزعج للغاية لرجل يستمتع بعزوبيته ؟ ـ أظنــك ستقدر حريـتــك الآن بعد أن أدركت أنــك لــم تــفقدهــا قط . . قال وقد امتلأت عيناه احتقاراً : (( أنـا لـــم أفقد حريتي بل أنت سرقتـها مني . ادعيت أنــك زوجتي حتى سرت الشائعات بأنني متزوج , قلم أستطع إنكار ذلك , كما أن الصحف نشرت صورة لك )) . اغرورقت عيناها بدموع الندم : (( لا بد أن هذا سبب لك إحراجاً بالغاً . . . )) . فقاطعها بجفـاء : (( أنا لا أشعر بالحرج بسهولة )) . فتمتمت بتعاسة : (( لا أظنك تـدرك مــدى أسفي )) . ـ الأسف لا يــكفـــي لإرضــائــي . أنت أردت حقــاً أن تــكــونــي زوجتي . بدا الحرج على ملامحها , فنظر إليها ساخراً : (( كنت متلهفة لأن تصبحي زوجتي فاستعملت الكذب و الخداع لذلك )) . تملكها شعور بالعار و الغضب لإذلاله لها بهذا الشكل : (( أعرف أن تصرفي يبدو سيئاً , ولكن . . . )) . فقاطعها : (( لن أصغي إلى عذابك . تصرفك يبدو سيئاً لأنه سيء . لقد حولت حياتي الرائعة التنظيم إلى حيــاة تـافهة عقيمة . طردت عشيقتي من أجلـك . . )) . فحملقت فيه : (( فعلت . . . ماذا ؟ )). ـ تلك السمراء الرائعة . كانت عشيقتي لكنني هجرتها لأنك جعلتني أظن نفسي رجلاً متزوجاً . أغمضت هيلاري عينيها : السمراء الرائــعة . كيــف سمحت لنفســها أن تعتقد أن رجلاً مثل راوول ليس لديه امرأة في حياته ؟ حيــنــذاك , لم تشأ أن تتقبل فكرة أن في حياته امرأة لأن قبــولــها هـذا سيضعف موقفها . أليس هذا هو السبب الذي جعلها تفترض أن راوول حر من أي ارتــبــاط ؟ كيــف تــصرفت بهذه السذاجة و الأنانية ؟ لقد أفسدت حياته , وعذبها الشعور بالذنب و الخجل , وإذا بـه يقول : (( بسببك أصبح سريري خالياً وعليك أن تملئيه مرة أخرى )) . ـ ماذا تقول ؟ وقطبت هيلاري جبينها عاجزة عن الفهم . ـ ستعودين معي إلى سويسرا . فبدا عليها الذهول : (( و لماذا أفعل ذلك ؟ )) . ـ أنـا لا أتــرك لك أي خيـار . هل أعطيتني أي خيــار حين أخبرتني أنني متـزوج ؟ شحب وجهها وكــأنـها أصيبت بصــدمة , وجنـبـت نـظراته : (( لا أستــطيــع أن أجــد سبــبــاً يــجعلك تــــطالبني بـالعـودة معـك إلى سويسرا . . . )) . ـ أريــد أن أستــغلك كمـا استغليتني , ثـم ألقـي بـك بعــيـــداً عندما يتملكني الملل منك . هل هذا يوضح الأمر ؟ كانت ملامحه القوية قاسية وواجه نظراتها المذهولة بثبات . أطلقت هيلاري ضحكة صغيرة فيما راح رأسها يدور : (( أنت لا تعني ذلك . . . )) . ـ تدبرت أمر تناول الغداء مع أختك . وعليك أن تبدئي بحزم أمتعتك . جمدت هيلاري مكانها : (( كيف يمكننا أن نقابل إيما بعد الغداء ؟ إنها في مدرسة تبعد عن لندن أميالاً عديدة )) . ـ أثناء كلامنا هذا تكون سيــارة تنقلها إلى هنا لهذه المناسبة . ـ ولكن كيف . . أعني لماذا قمت بهذا الترتيب ؟ ـ لـــدي أسبـــاب ممتــــازة . أتــظنـين أنك الوحيدة التي يمكنها أن تقوم بـحيـل قذرة ؟ إنني أستـاذ في المنـــاورات , يــا جميلتي . إيما تــظنــنــا مستمتعين بالمصالحة وهي منتشية بهذا الخبر . لذا , عليـك أن تبتسمي على الــدوام و تــكثـــري من الأحــاديـــث التي تحسنينها لكي تــجعليـها سعيـــدة . . جمدت هيلاري مصدومة , ثم قالت : (( و كيــف استــطعت الاتـــصــال بشقيقتي ؟ )) . ـ لقـد اتـصلت بي في بـيـتـي هذا الأسبـــوع , واعتــذرت لــي بــشكــل مؤثر عن موقفها العدائي في بداية زواجنـا . ـ آه . . لا . . وتــأوهت هيلاري بـفزع امتــزج بـــالشعـــور بالذنب لأنها أدركت أن الذنب ذنبها في اتصال إيما براوول . فمنذ عودتها من سويسرا , لـم تتحدث هيلاري إلى أختها إلا عبر الهاتف متجنبة أسئلة أختها عن علاقتها براوول . لم تستطع أن تخبرها الحقيقة لكنها لم تستطع أيضاً أن تكذب عليها . وتابعت تقول : ـ منذ البداية لم أستطع أن أعترف لها بسبب زواجنا , لأنني كنت خائفة . . خائفة للغاية . . . ـ لئلا تفقد احترامها لأخت تزوجت رجلاً من أجــل المــال ؟ سيريحك أن تعلمي أنني تركت أوهامها عنك كما هي . أخبرتني عن مدى تكدرها و هي ترانا ننفصل مرة أخرى وسألتني إن كان الذنب في هذا ذنبها هي . ـ وماذا قلت لها ؟ أننا تصالحنا ؟ أليس هذا ما قلته منذ لحظات ؟ ـ قلت إننا تصالحنا فعلاً , و لــكن بــشــــروطي أنـا . إذا أصبحت طرفاً في انتقامي , فلا تلومي سوى نفسك . ـ أنت تظنني امرأة كاذبة مخادعة فظيعة . . . وســأكون مجنونة لـــو رافقتك إلى أي مكان . ـ هذه ليــست مشكلة فلا تقلقي لـذلـك . ســأصطحب أختــك وحـــدهـــا إلى الغداء و أخبرها بكل تفاصيل علاقتنا غير السارة من البداية حتى النهاية . . . ـ تصرفك هذا سيكون في منتهى اللؤم . قال عابساً قبل أن يغادر الغرفة : (( ســأكون قد قلت الحقيقة ليــس إلا , علي عكســك أنت . يـريـحنـي أن أراك قــد أدركت حقيـــقة أن تصرفك كان لا يغتفر )) . ركضت هيلاري في أثره وهي تهتف : (( إذا أردتني أن أعفــر وجهي بالتراب , فســأفعل , ولكن لا تورط إيما في هذا . . . )) . فنـظــر إليها ساخراً : (( تعفير الوجه هو للفلاحين فقط . ولا بـد أنـك عرفتني جيداً لكي تعلمي أنني إذا أردت شيئاً , فسـأحصل عليه . ستتعلمين كيف تكونين زوجة ساباتينية , و ستوفرين علي الوقت و الجهد اللذين سأبذلهما في العثور على خليلة أخرى بـأن تلعبي هذا الدور شخصياً . . . )) . فصرخت في وجهه : (( لا سبيل إلى ذلك )) . ـ لكنــك بــذلت جهدك لتـنـالي هذه الصفة . و عـــاد إلى الباب الأمامي يفتحه : (( من المؤكد أن الأمر يستحق محاولة ثانية )) . فقالت : (( لن تجرؤ على أن تخبر إيما بما فعلته )) . ـ بل ســأفعـل . . . ـ لكن هذا العمل لن يفيـدك بشيء . فلِمَ هذه القسوة ؟ ـ لأن هذا ما تستحقينه . وتـأملها بكآبـة ثم قــال بــعنــف : (( بـخداعك , جعلتني أشتري لك خاتم زواج . وقبل أن أعود فـأطردك من حياتي , سأثـأر لنفسي )) . ـ أنـا لم أخــدعك . . . لم أفعل هذا . لم يبد عليه أنه سمعها إذ قال : (( ستصل السيارة الليموزين بعد ساعة ونصف لتأخذك إلى الفندق حيث سنتناول الغداء مع أختك إيما . سأقابلك هناك لكنني سأتصل بمكتبي في لندن أولاً )) . تملكها الذعر : (( إذا تركت عملي مرة أخـرى , فسيكون في ذلك إفلاسي و لا يمكنني هذا لأن . . . )) . فنظر إليها بازدراء : (( سـأسدد ديـونـك . . . )) . أشــاحت بوجهها : (( إنها مئتان وخمس وخمسون جنيهاً دفعتها أجراً للطـائـرة . . . لا بأس , إنــه ديــن عـلـي و لكــن كفى كلاماً وكــأن . . . )) . ـ إنني صاحب مصرف , وسحب مبلغ أكــبــر من الرصيد هو دين . . . ـ لا يمكنك أن تفعل هذا بي , يا راوول . ودفعها اليـأس إلى اللحـاق به إلى فسحة السلم وهي تتابع : (( إذا تركت لندن , فمن سيحل مكاني في غيابي ؟ )) . ـ استخدمي مديرة . . . وسـأدفع أنـا النفقات . . . بمزيـج من الإحباط وعــدم التـصديـق , أخــذت تنـظر إليه وهو يهبط السلــم , ثم قالت : (( إذا مــا هدتني بعلاقتي بــأختي فلن أســامحك أبداً )) . نظر إليها بملامح كئيبة غامضة قائلاً : (( أتظنين أن هذا يهمني ؟ )) . جمدت مكــانـــها ثـــم استدارت إلى الجدار خلفها وهي تتنفس بـعمق لتهدئة نفسها . لعله مسرور بتهديدهــا بكشف كل شيء لأختـها . لا يمكنها احتمال هذه المجازفة . ظنت أن أختها قد تتفهم السبب الـذي جعلها توافق على زواج كهذا منذ أربع سنوات عندما كانت حياتهما كئيبة للغاية , لكنها ستجرح بشكل بالغ بعد أن جعلتها هيلاري تعتقد أن زواجهما حقيقي . وكيف ستفسر إيما سلوك هيلاري الآن ؟ هــل سيدع راوول إيما تدرك أن أختها أتمت زواجها هذه المرة ؟ و تملك هيلاري الرعب من فكرة أن تستعرض فشلها أمـام أختــها الأصغر , بينما يفترض بها أن تكون مثالاً لها , لا أن تحطمها . اختــار راوول بـــدقة قاسيـة تهديداً قادراً على أن يجعلـــها رهـــن مشيئته . * * * نهاية الفصل (( السادس )) . . . | ||||||||||
26-11-17, 05:52 AM | #10 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب
| :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::: 7 ـ في أحلامك ! احتضنت إيما هيلاري بحماسة بالغة , وهي تقول : (( عندما أدخل الجامعة بعد العطلة الصيفية , لن تريني كثيراً . وكنت قلقة عليك لما ستعانيه من وحدة . هل هذه أنانية مني ؟ )) . أجـــابــتـــها هيلاري لابتسامة متــألقـــة بقـــدر ما استطاعت : (( كلا بالطبع )) . الحياة بعيداً عن المنزل جعلت إيما ذات شخصية مستقلة . ورغم أن هذا يؤلمها أحياناً , إلا أن إيما أصبحت أكثر قدرة على الحكم على الأمور , ما جعل هيلاري مزهوة بها للغاية . قال إيما راوول بجد : (( هيلاري بحاجة إلى شيء من المرح . لقد ضحت بالكثير من أجلي , المنحة الدراسية لا تغطي سوى جزء من النفقات , فكانت هيلاري تدفع البقية ؛ ولهذا السبب تجدهــا مفلسة دائماً . عندما أدركت كم كانت دراستي تكلفها , حاولت أن أقنعها بأن تنقلني . . . )) . فقــالت هيلاري تقــاطع هذا السيــل الــمربــك من المــعـلـومــات الشخصية التي تقدم لراوول مجاناً : (( كانت نتائجك جيدة حيث أنت وهذا هو المهم . إيما تريد أن تصبح محامية في القضايا الدولية وهي ماهرة جداً في اللغات )) . تحدث راوول إلى أختها بالفرنسية فأجابته بهدوء ومن دون غلط . كان الاثنان يتميزان بذلك الشعور بالثقة بالنفس الذي طالما حسدت هيلاري الآخرين عليــه . وبعد الغداء , أجاب راوول على اتصـــال هاتفي فانفردت هيلاري بأختها لدقائق . كانت إيما تنوي العودة إلى المدرسة لتراجع دروسها قبل أن تقدم الإمتحان النهائي . وعندمــا تنتهي سنتها الدراسية , ستسافر إلى أسبانيا لتقيم مع أسرة صديقة لها . وبعد أن ودعت هيلاري أختها , صعدت على سيارة راوول وهي تقول : (( لم أنته من توضيب أمتعتي بعد , لهــذا أريـد أن أعود إلى شقتي )) . فنظر إليها بخشونة : (( ليـس لديـنـا وقت )) . فرفعت رأسها متحدية : (( ليس لديك وقت إنما أنـا لدي )) . ـ سـأؤجل موعد سفرنا إلى وقت لاحق من هذه الليلة . . . فقالت بفتور : (( هذا ليس ضرورياً . إنني بحاجة إلى مزيد من الوقت لكي أنظم أموري . أفضل السفر غداً )) . أخـذ يتـأمل جانب وجهها المتمرد : (( لن أترك لندن من دونك )) . ـ لا أريد أن أذهب إلى سويسرا . فتمتم بصوت أجش : (( كـــاذبة )) . ـ مــاذا تعني ؟ مر بإصبعه على شفتها السفلى الممتلئة فشعرت برعشة واختنقت أنفاسها في حلقها . قال بنعومة : (( أريني مدى كراهيتك لي يا جميلتي )) . ورغم رغبــتــها في مـقــــاومته , إلا أنها وجدت نفسها تميل نحـــــوه . وعندما ضمــها إليه , أصبحت كالنـــار بعــــد أن كانت كالثلج , وراحت تشتم رائحته المألوفة التي امتزجت فيها رائحة رجولته برائحة محلول بعد الحلاقة المثير للغاية . ـ أنت لست جــادة في المحاولة . ـ محــاولة ماذا ؟ كان ذهنها خالياً تماماً , وصوتها أجش وهي تجــاهـد لكي تتكلم . رفع حاجبه ومر بإصباعه على خدها فأخذ قلبها بخفق بعنف , وشعرت برأسها ثقيلاً فأرجعته إلى الخلف بعد أن اشتعلت فيها نيران الرغبة . وفجأة ابتعد عنها بشيء من السخرية , فاحمر وجهها , وانقبضت يداها . أرادت أن تضربه , أن تشتمه , لكنها تمكنت من لجم نفسها في الوقت المناسب . كانت مجروحة لشعورها بالعجز . كيف تملكها مثل هذا الضعف ؟ إذا ما استمرت في تقديم نفسها له على طبق , فسرعان ما سيدرك أنها غارقة في حبه . وهذا أسوأ ما قد يحصل و أكثر الأمور إذلالاً ؛ لذا من الأفضل أن يعتبرها باحثة عن الثروة . توقفت لسيارة أمام صالون الخلاقة , فنزلت هيلاري منها بسرعة . كانت سالي بحاجة ماسة إلى فرصة استراحتها فحلت هيلاري مكانها , حتى حان وقت إقفال الصالون . وقد وافقت سالي على إدارة الصالون ما دام لديها مبلغ كافٍ للطوارئ يمكنها من استخدام بديلة لهيلاري قادرة على مساعدتها . تملك هيلاري الارتياح بعد أن اطمأنت إلى أنها تركت العمل بين أيدي أمينة . وبعد أن راجعت الحسابات مع سالي , عادت إلى شقتها لتنهي حزم أمتعتها . عند السابعة مساء , قرع جرس الباب فظنت أن الطارق راوول , إلا أنه لم يكن هو بل (( غاريث )) وهو مهندس خرجت معه مرتين في الماضي ليصبح بعدئذ صديقاً لها . ـ يعجبني شعرك كثيراً . وضحك وهو يشعث شعرها بأطرافه السوداء اللامعة التي بدت مناقضة تماماً مع لون شعرها الأشقر الفضي . ـ هل أعجبك ؟ ومنحته ابتسامة عريضة , إذ أن راوول لــم يلاحظه أبــداً . في الحقيقة , لم يكن هذا مهماً لأن اللون الأسود اللامع سيزول حالما تغسل شعرها . ـ أتحبين أن تخرجي معي الليلة ؟ وإذا بصوت يتعالى من فسحة السلم فيما هو يتقدم منها عابساً : (( لدى هيلاري موعد آخــر )) . فقال غاريث بوقــاحة : (( هل أنت سكرتيرها . . أو من هــذا القبيل ؟ )) . فــأجـاب راوول ببطء : (( أنــا زوجهــا )) . احمــر وجه غاريث , وأسرع ينزل السلم إلى الأسفل , وأدركت هيلاري أنه لن يقف على عتبة بابها مرة أخرى , فرمقت راوول بنظرة تعنيف غاضبة لتدخله : (( كان هذا غير ضروري أبداً . . . )) . فواجهها بنظرة عدم موافقة : (( كنت تغازلينه . . . )) . ـ لا , لم أكن أغازله . وحتى و فعلت , مــا شــأنـك أنت ؟ وبصعوبة بالغة تمكنت هيلاري من التحكم بأعصابها عد أن رأت سائق راوول قادماً لينقل حقائبها . قال راوول بصوت خشن منخفض : (( كنت تنتظرين هذا الشاب الليلة ولهذا أردت تأجيل السفر إلى الغد )) . كانت تـهم بنزول السلم , لكنـه جعلها تشعر وكــأنـها تضاهي سحراً هيلين ملكة طروادة التي دارت من أجلــها الحروب , فتــألــق وجهها : (( أنـا فتاة ذات دم حار , وسيتوجب عليك أن تراقبني ليلاً نهاراً في سويسرا . هل أنت واثق من أنني أستحق هذا الجهد ؟ )) . ومن دون سابق إنذار , أمسكها من كتفيها ودفعها إلى جدار فسحة السلم . حدث هذا بسرعة ما شتت ذهنها وجعلها تشهق : تأملت عيناه البرونزيتان الملتهبان وجهها المجفل بتحذير عاصف : (( هل لاحظت شيئاً ؟ أنا لا أضحك . حذار ! إذا رأيتك تغازلين رجالاً آخرين , فلن أكون مسروراً )) . جف فمها , وتملكتها إثارة خطيرة لعنفه هذا : (( كنت أمزح فقط . . . )) . ـ هذا ليس مضحكاً . ولمعت في عينيها روح النكتة : (( على الأقل غاريث لاحظ أنني أصبغ أطراف شعري باللون الأسود . . . )) . ـ إنه من النعومة بحيث لم يخبرك أنـك تبدين أشبه بالقنفذ . وتركها لينزل السلم . أخـذت نفساً ممزقــاً وهي تتـأمله . قنفذ ؟ وتملكها شعور بالإهانة . وفيما كانا يسيران في المطار لم تستطع أن تمنع نفسها من النظر إلى صورتها في واجهات المتاجر التي تمر بها , كما لم تستطع أن تمنع نفسها من ملاحظة قصر قامتها وامتلائها بجانب قامته الطويلة الضامرة . وقفا ينتظران الصعود إلى طائرة راوول النفاثة الخاصة , فرن هاتف هيلاري الخلوي , وجاءها صوت صديقتها بيبا , فابتعدت عن راوول لتتكلم على انفراد . كانت بيبا و زوجها أندريو دالسيو يعيشان في إيطاليا . وكانت بيبا تخبر هيلاري أنها وزوجها قادمان إلى لندن لتمضية عطلة نهاية الأسبوع , وأنهما متشوقان للقائها . لكن هيلاري ردت بأسف : (( أنـا أتحدث إليك من المطار أثناء انتظاري الطائرة التي سأستقلها إلى سويسرا . كما أن من حقك أن تستائي مني لأنني أخفيت عنـك سراً . أنــا متزوجة . . . )) . ـ متـزوجة ؟ لا أصدقـك ! ـ لا , بل عليك أن تصدقيني , فهو يقف بجانبي يستمع إلى الحديث . لكن قصة زواجنا هي . . ونظرت إلى راوول متحدية , وإذا به ينتزع الهاتف من يدها بسرعة جعلتها تفغر فاها , بينما أكمل كلامها : (( قصة خرافية كلياً . أنـا زوج هيلاري . . . و أنت ؟ . . . )) . أخذت هيلاري تدور حوله ثائرة , بينما هو يثرثر مع صديقتها , ثم أنهى الحديث بإعلانه أن طائرتهما وصلت . هتفت وهي ترتجف غضباً : (( كيف تجرؤ )) . رافقها إلى الطائرة و هو يقول ساخراً وعيناه على وجهها : (( لم تتركي لي خياراً , فقد كنت على وشك أن تبوحي , بثرثرتك , بكافة الأسرار )) . فقالت و هي تصرف بأسنانها : (( أنـا لا أثرثر )) . ـ يـمكـنــك أن تــثـــرثــري في إنكلترا من الهاتف العمومي و في الطائرة . ســـــارت هيلاري إلى قـــــاعـة متــرفة واختارت أبعد مقعد رأته عن راوول , فقد ثارت ثائرتها لتدخله في مكالمتها الهاتفية ثم اتهامه لها بالثرثرة . كم هو جـريء ! وعندما ارتفعت الطائرة وتركهما المضيف بمفردهما , سمعت نفسها تقول له : (( من تظن نفسك ؟ )) . فقابل نظراتها المتهمة ببرودة : (( أنـا شخص يحب الخصوصيـة , ومـا يحدث بيننا يجب أن يبقى خاصاً بنا هو أيضاً ولا مكان لثرثرة النساء بيننا )) . أشــاحت بوجهها عنـه , ثم تــكورت في مقعدهــا المريح . لم يــكـن من عادتها أن تبكي لكنها شعرت فجأة أن نهراً من الدموع يمكن أن يسيل من عينيها . ربما كان لهذا علاقة بشعورها بالتعب إلى حد لــم تستطع معه أن تبقى عينيها مفتوحتين . عرض عليها الخادم طعامــاً فهزت رأسها رافضة , إذ تشنجت معدتها لفكرة تناول الطعام . أرادت أن تتشاجر مع راوول , لكنها , راوول مرة , لم تكن لـديـها الطـــاقة لـذلـك . في الصـــبــاح الـــتـــالــي , تـــأخرت هيــلاري في النـــــوم , وعندمـــا استيقظت , كانت متلهف لمواجهة راوول و لقول كـــل مـــا عجزت عن قوله أثناء تناول الغداء مع أختها . على مائدة الفطور , أخبرها أمبرتو أن راوول ذهب إلى المصرف منذ وقت طويل . ما تذكرته عن كيفية خلودها إلى النوم الليلة الماضية كان غائماً لكنه محرج . فبعد أن شعرت بالدوار أثناء الطيران أخذت تتعثر وهي تسير في المطار , ثم شعرت بالدوار مرة أخرى في السيارة فسمحت لراوول بأن يحملها إلى السرير عند وصولهما إلى البيت . لم يتملكها مثل هذا الإرهاق قط من قبل . وتملكها الارتياح وهي تحس بأنها استردت طاقتها . كانت تظن أنها جائعة جداً , لكن عنــــدما وصــل الفطور الـــذي طلبته فقدت شهيتها فجأة . دفعت الطبق بعيداً و أخــذت تـــأكل بــعض الخبز وتشرب الكاكاو الساخن الذي استمتعت بـه كثيراً . وإذ رأت أن زيـارة إلى قدس الأقداس , مصرف ساباتينو , تتطلب جهداً خاصاً من ناحيـة الأنـــاقة , تــملكها الارتــيــاح و هي تكشف أن الملابس الفـاخرة التي اشتراها راوول لــها لا تزال في غــــرفة الملابس . ارتدت ثوباً مزيناً بالدانتيل بدا أكثر تحفظـاً عندما وضعت فــوقه معطفاً قصيــــراً موشى بالأزهـار . كان فرع مصرف ساباتينو في جنيف بالغ الفخـــامة والاتســاع ومبنياً على أحدث طراز . راح توتر أعـصــابــها يـزداد . إعلام مكتب الاستـقـبــال أنــها زوجــة راوول أثار موجة من الاهتمام المتحفظ , حيث رافقها شاب أنيق إلى الطابق الخاص من المبنى , وأدخلها إلى مكتب فسيح للغاية . كان راوول يتكئ إلى الخلف بـرشاقة الفهد في كرسي مـــوضـــوع خلف مكتب خشبي مصقول . أما بذلته الزرقاء الداكنة مع قميــص رمادي وربطة العنق الأنيقة جعلته يبدو غاية في الأناقة . قال لها بنعومة : (( أخبريني عن سبب هذه الزيارة . ما المناسبة ؟ لا أظنه عيد مولد أحد )) . ـ أردت فقط أن أتـحدث إليك . ـ كان عليك إذن أن تستيقظي من النوم باكراً . إنني في عملي الآن ولست مستعداً لأي زيارات شخصية . قالت آملة أن تستحوذ على انتباهه : (( هذا حسن . . لأن هذه زيارة تتعلق بالعمل )) . وقف ومد يده إليها : (( تعالي , أريد أن أريك شيئاً )) . تقدمت نحوه فأمسك بيدها وجرها نحو باب في الناحية الأخرى من مكتبه . ـ إلى أين تأخذني ؟ إنها غرفة الغسيل . ســار خلفها ثم أوقفها أمــام الحوض ما أمكنها أن ترى انعكاس صورتيهما في المرآة . كـانت عينـاها الزرقـــاوان مسمرتين على وجهه الأسمر . وتسارعت دقات قلبها فأخذت نفساً عميــقــاً . قال وهو يخلع عنها معطفها : (( مـاذا ترين ؟ )) . فجمدت مكانها : (( نحن الاثنين )) ؟ . أزاح حمالتي الثوب معرياً كتفيها النحيفين . توقفت هيلاري عن التنفس كلياً , ونسيت في هذه اللحظة سبب حضورها لرؤية راوول . سألها بصوت ناعم كالحرير : (( هل هكذا تلبس المرأة من أجل موعد عمل يا عزيزتي ؟ )) . أجابته لاهثة : (( أعلم أن الثوب مكشوف قليلاً لكنني أحبــه كثيراً , وقد ارتديت هذا المعطف فوقه ليبدو محتشماً ومتحفظاً )) . فقال : (( هذا ليس ما أردت توضيحه . ما أردت أن أقوله هــو ضعي ثوباً كهذا على جسد بارز المفاتن كجسدك , ولا يمكن أن تصفي النتيجة بالتحفظ )) . مــالـت إلى الـخـلــف , ومنحـتـه ابتــســامة حـالمـة : (( هل أعجبـك الثــوب ؟ )) . ـ أليـس هذا ما أردته أنت ؟ ـ لم أفكـ{ فيه ولكن لعلك على صواب . لمعت عيـنـاه الذهبـيـتـان و أبـعدها عنه بيدين حـــازمتــيـــن و هـــو يقول : (( إذن , هذا المشهد هو لغرفة النوم وليس لمكتبي في المصرف )) . طرفت بعينيها وهي تشعر بأزيز في داخلها أنار ذهنها . يبدو أنه ظنها جاءت إلى هنا لتغريه وتخرجه من مكتبه في هذا المبنى الحجري القديم ! فقالت بحدة : (( جئت إلى هنا لأجري معك حديثاً جـاداً )) . بعدئذ , تناولت معطفها وعادت إلى المكتب : (( و أنا مصممة على إجراء هذا الحديث . آسفة إذ لم تستطع أن تركز ذهنك على العمل لأن امرأة ترتدي ثوباً مغرياً . . . )) . أظلم وجهه وألقى عليها نظرة لاذعة : (( جربي . . .)) . ـ منــــذ حوالي أربــع سـنــوات , وقعت عقــداً لأصبــح زوجــتـك , ومقابل ذلك تسلمت مبلغاً معيناً من المال وقد أعدت إليك ثلثي ذلك المبلغ بعد أن اكتشفت أنني لست بحاجة إليه , ثم . . رفع راوول يده يسكتها : (( توقفي . تقولين إنك أعدت جــزءاً من ذلك المبلغ ؟ كيف ؟ )) . ـ لق أعدته إلى الحســاب الذي فتحته أنت , وأرســلــت إلـــيــــك رسالة عبر محــامـيــك . ذلك الرجل المشكك بول . . . ـ الرجل النافذ البصــيـرة ؟ بسبب تصرفك الغريب , هشمت أنفه في الأسبوع الماضي . . . حملقت فيه وســألـت : (( فــعـلــت مـــاذا ؟ هشمت أنفه ؟ ولكن لمــاذا ؟؟ )) . ـ من سوء حظه أنـه أشــار إلى أن زوجتي لـيــست كمــا أظنـها . . وذلك قبل أن أستعيد ذاكرتي . احمر وجهها لهذه الإهــانــة : (( حسناً . . كنت أتحدث عن ذلك المال )) . لم يبد عليه التأثر , وقــال : (( لم أعــرف أنـك أعدت أيــاً من ذلك المال )) . ـ حسنــــاً , الـمسألة هي أنني أعـــرف . أدركت أنني لســت بحــاجــة لأن أشتري بيتاً بينما يمكنني أن أستأجر واحداً . احتفظت فقط بمـبـلغ يمكنني من استئجار شقة , و افتتاح صالون حلاقة في المتجر الـــذي في الطابق الأرضي . الصالون كلف الكثير . عملي ليس مشروعاً يدر المال لكنه يكفي لدفع الإيجار ونفقات العيش . لم أتذمر قط . . . ـ هل لك أن تخبريني إلى أين سيقودنــا هذا الحديث ؟ ـ عندما تنهي إيما دراستها , ســأبـيــع الــــعمل و أعيـــد إليـك كل مــا لأعطيـتـني إيـاه . لذا , إذا ما قطعت لك وعداً فنكون متعادلين وتدعني أعود إلى وطني . ـ هل أرتديت أكثر ملابسك إثارة لتقدمي لــي هذا العرض ؟ تملكها الغيظ من تهربه من الجواب مــا يـــوضح أنـــه يعتبر هـــذا العرض لا يستحق أي اعتبار . أخذت تتنفس بعمق , بينما عاد هـو إلى مقعده خلف مكتبه وأخذ ينظر إلى صدرها الممتلئ و هو يرتفع و ينخفض تحت (( الدانتيل )) . و أخيراً قال برقة : (( بالنسبة إلي , الأمر لا يتعلق بالمال ولم يكن كذلك قط . من المؤكد أنك أدركت ذلك )) . ـ أعلم أنك تعتقد أنني مدينة لك . وأعلم أن لديك نوعاً من المبادئ التي لا تعرف الصفح . قال متسلياً : (( لديك قدرة كبيرة على فهم الأمور )) . ـ لا أستطيع أن أجد سبباً معقولاً يجعلك تصر على إرغامي على البقاء هنا . . فابتسم ساخراً : (( لكنني لـدي أكثـــر من سبب معقول . لــدي حب السيطرة . اشعر بالرضى البالغ لإرغامك على القيام بما أريده )) . ـ هذا مقزز . . عليك أن تخجل من نـفسـك . ثــار غضبها وهي تراه يعترف بذلك من دون تردد . ضــاقت عيناه : (( ولكن ألم تفعلي الشيء نفسه ؟ شعرت برضا بالغ عندما استغليت فـقـــــدان ذاكرتي لــكـــي تـمنـحـينـي شعـــوراً زائــفاً بالاطمئنان )) . ـ أنــا لـست مثــلــك . . كمــــا أنني لــم أستــغلك . حــاولــت فقط أن أجعلك هادئاً سعيداً . نطقت بهذه الكلمــات شـاعرة بالألم , فالــتـــوى فمه هـازئاً : (( أؤكـــد لك أنك جعلتني أبتسم في غرفة النوم . أمـا بالنـسبـة إلى إرغــــامي لك على القدوم إلى هنا , فـلم يحن الوقت بعد لكي تواجهي الحقائق ؟ )) . ـ أيه حقــائــق ؟ ـ أنــت لــم ترفضي القـــدوم معـــي إلى البــيــت كمـا لم تقــاومــي وتصرخــي . أنت تريدينني أيضــاً . فقالت بحرارة : (( ليــس إلى الــحد الــذي يجعلني أسمح لك بـأن تستغلني )) . فقال وهو يمر بأصابعه على خدها : (( وما هو الحد ؟ )) . اشتــعـل جـســدهـا حيـث مر بأصابعه و أصبح حساساً وكأن كل خلية فيه التهبت . قالت وهي ترتجف : (( المعاشرة الزوجيـة ليـست كـل شيء بالنسبة إلــي )) . فقال بصوت أجش : (( أستـطيــع أن أجعلها كذلك )) . ـ إنني أقدر نفســي أكثر . ـ لــكــنـك لــم تكونـي كذلك منذ أربــــع ســنـــوات . لو أشــرت إليــك بإصبعي لهرعت إلي ركضـــاً . دمرهـــا قوله هذا . وعـادت بذهنـها لحظة إلى المـاضي , حين كانت غارقة في غرامه وبدون أمل . كانت حمقاء صغيرة السن و مستعدة للقيام بأي شيء لكي تحصل على فرصة معه . فكرة أنـه كان يعرف شـعورها نحوه بالضبط , ومع ذلك تركها ومضى , كانت مؤلمة إلى حد لا تستطيع احتماله . ـ أيها الحقير . أنت أيضــاً انجذبت إلي لكنـك لــم تفعل شيـئـاً حيال ذلك . . . ـ كنت متـعقلاً أكثـر ممـا ينبغي . . . ـ بل متكبراً أكثر مما ينبغي . أراهن على أني لـو كنت تلك الـفتــاة الفاسدة لمنحتني فرصة َ! ـ أنا لست متكبراً . إنما لدي تطلعــات في مجــالات معيـنـة و لــن أعتذر عن ذلك . ـ أنت رجل ولــد و في فمـــه ملعـقــة من ذهب . اعتدت أن تـنــال الأفضل طوال حياتك . نظرت إلي فشعرت نحـوي بالانجذاب نفسه الذي شعرت به نحوك . . أنا أعرف هذا . . لأنك اعترفت لي بذلك حين كنت فاقداً لذاكرتك . . كانت تتكلم بمزيج من الغضب والألم و الإتهام . . . ـ لقد تركتك ورحلت لأنـك كنت صغيرة في السن . . . ـ بـل تركتني ورحلت لأن عقلك يقوم بوظيفته بجمود بالغ . . فقال بنعومة : (( هل هذا هو تقديرك للأمور ؟ )) . ـ . . . ولأنك لم تجدني مناسبة . . ـ وما زلت غير مناسبة . . ومع ذلك أنت هنا . . ووضع يديه على خصرهــا وجذبـها إليـه فقالت ثائرة : (( أتظن أن عناقك سيجعلني أقل غصبـاً منك ؟ )) . لكنه سحق عظامها ثم أطـــال العنـــاق مستمتــعاً , فارتجفت ورفعت يديها تمسك بكتفيه القويتين . وقربها منه أكثر ما جعل الدم يتسارع في عروقها بشكل جنوني . قال بصوت ثخين : (( لا أستطـيـع الانتظار حتى السابعة ليلاً )) . ـ آه . . لا يفترض فيه أن يعانقها فهي غاضبة منه . لكنها غرزت أظــافرها في قماش سترته الفاخر وعادت تلتصق به . وتملكها الذعر : (( إننـا في المــصرف . . قد يدخـل علينا شخـص مـا من هذا الباب في أية لحظة )) . ـ إنه مقفل . . نحن في أمــان . وأرجع رأسه إلى الخلف مستمتعاً بالنظر إليــها قبل أن يقول : (( لكنـك لست كذلك . . . )) . حــاولت أن تتملص منه إلا أن راوول رفعها بين ذراعيه بسهولة . ـ راوول ! ـ لا يمكن مقاومة هذا . . . بـدت الــرغـبــة على وجهه القـوي وهو يـقول : (( أنت تسرين في جسدي كالحمى )) . راح الهـــاتف يــرن , فشتــم و مــد يده إلى خلفها ليوقف الرنين , تخلل شعرها بأصابعه وهو يضمها إليه , فتمتمت لاهثة : (( أريدك )) . ـ ليس بقدر ما أريدك يا جميلتي . وصمت لــحظة قبل أن يــردف : (( عــلــمتــني أن أســبــوعـيـن من عمر المرء قد يمران وكأنهما الحياة بأكملها )) . بعدئـذ , حملها راوول إلى عـــــالـم من الأحــاسيس , لم تـكن حتى تـحلم بوجوده . وعندمـا عادا إلى أرض الواقع , أوشكت أعصابها على الانهيار نتيجة استسلامها هذا . أما هو فقد وقف ينظـر إليـها مذهولاً : (( لا أستـطيـع أن أصــدق أننا فعلنا ذلك . لا أستطيـع أن أصدق أني تمـاديت إلى هذا الحد في مكتبي )) . كانت هيلاري بحاجة فقط إلى من يذكرها بهذا كله , فهبت واقفة كالقطة . أرادت أن تزحف إلى تحت المكتب وتختبئ لــكنها لـــم تفعــل . وأضــاف راوول ببرودة : (( عليك عدم دخول مكتبي بعد الآن )) . قــالـت مــتــلعثــمـة بــانــفعـال بـالغ : (( آسفة . . قل . . قل هذا مرة أخــرى . . )) . ـ أظنـك خططت لتـمثيـل هـــذا الـــــدور المــســرحي لتظهري نـــفــوذك و تأثيرك . جئت إلي متــعمــدة ارتــــداء هذا الثوب لكي تنتصري علي . تلكم ببرودة أثــارت أعــصــابها فكــادت تهجم عليه و هـي تــــصــــرخ بهستيرية . هل يظنها خططت لانهــيارهـا هذا . هـــــل يــظنـها مزهـوة باستسلامها . أتراه فقـــد عقله . واحمــــر وجـهها خجلاً . حــاولـت أن ترتب ثوبها بأصابعها المضطربة وهي تقول : (( ما إن دخلت من ذلك البــاب , حتى سيطرت على ذهنك فكرة واحدة . فــإيــاك أن تـجرؤ على لومـي )) . صمتت لحظة تستعيد فيها أنفــــاسها ثم تابعت : (( من أقفل الباب ؟ من تجاهلني عندما حاولت أن أذكره بمكان وجودنا ؟ من أخبرني أن مرور أسبوعين يمكن أن يكونا أشبه بمرور الحياة بأكملها ؟ )) . ـ هيلاري . ـ وما إن نلت مــا تريد , حتى رحت تـتــصرف وكــأنني ألقيت بنفسي عليك . كانت تتكلم بشكل محموم فيما تتجه إلى الباب متــجنــبــة النظر إليــه : ـ من حملني بين ذراعيـه ؟ صدقـني أن الــشيــاطين نفسها لا يمكنها أن تعيدني إلى هذا المكتب مرة أخرى . حمل راوول معطفها ليضعه على كتفيها فقالت له شامتة : (( ثمة أحمر شفاه على قميــصك )) . ـ أريــد أن أتفق معك على تكرار هذه الزيــارة , يا حبيبتي . فرمته بقولها : (( في أحلامك )) . فتمتم بنعومة : (( أنـا خبير . العلاقة الحميمة بهذا الشكل نادرة )) . شحب وجه هيلاري وأحنت رأسها . إنه من دون مشــاعر , لكنه وببضع كلمات قادر على أن يسلخ جلدها عن عظامها . متى بالضبط نسيت شعوره نحوها ؟ متى بالضبط نسيت رأيه فيها على أنها باحثة عن الثروة ؟ وأنها كاذبة ومخادعة و أنها استغلته أثناء ضعفه ؟ ضعفه ! وتــأملت راوول . . إنه حيوان ذكوري لا يعرف الضعف . رجل ينظر إليها بمزيج من الرغبة و البرودة . رجل يغرقها في الأحاسيس لينسى وجودها تماماً بعد ذلك . باختصار , إنه رجـــل قادر على أن يؤذيها إلى حد بالغ إذا لم تكن حذرة . . . ـ هذا لن يحدث بعد الآن أبـداً . وأطلقت شــتــيــمة و هي تـستديــر على عقبيها متــوجهة نــحو الباب لتهرب من مشهد هزيمتها هذا . ـ على أي حـال , ليس قبل أربع وعشرين ســاعة لأنني ســأغـــادر إلى زوريخ هذا المساء . ســأراك مســاء الغد . فكـــرت هيلاري في ردود متــنــوعــة تـهاجمه بهـــا مثـــل : لا تـسـرع بالعــــودة إلى البــيـــت , لكــنها رأت أن أي جواب كهذا لن يترك تأثيراً مذكوراً فيه , فغادرت المكتب بصمت شاعرة بالضيق . في الــــخــارج , رأت مجموعة من الموظفين في الانـتـظـــــــار و قـد بـدت الحيــرة على وجوههم . تراجع الكل ليــدعوهـ تمر , فسـارعت نـحو الـــمــصــــعد إذ شعرت أن مــــا كـــانــت تــفعله في الداخــل مكتــوب من دون شك على وجنتيها المتوهجتين . لقد اكتشف , بشكل مــا , السحـــر الـــذي يـــحولها إلى امرأة تتصــرف كامرأة عاشقة . لهذا وحـــده عليها أن تــكرهه و تــذكرت رد فعله على وجودها . لقـــد أفقدته المشاعر المشبــوبــة التي غدرت بــهما اتـزانه , فأعلمها أنها ممنوعة من دخول مكتبه , ممنوعة وكأنها تتمتع بجاذبيـة طاغيــة تــجعلها خطراً علـيــه في مكتبه حيث الاستقامة والصـــرامة والانضباط . وأرجعت رأسها إلى الخلف وعلى فمها ابتسامة عريضة وقحــة . * * * نهاية الفصل (( السابع )) . . . | ||||||||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|