آخر 10 مشاركات
و حانت العــــــــودة "مميزة و مكتملة" (الكاتـب : nobian - )           »          أهدتنى قلباً *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : سامراء النيل - )           »          92 - حنين -روايات أحلام قديمة (كاملة) (الكاتـب : بلا عنوان - )           »          عمل غير منتهي (85) للكاتبة : Amy J. Fetzer .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          على فكرة (مميزة) (الكاتـب : Kingi - )           »          [تحميل] كنا فمتى نعود ؟للكاتبة/ الكريستال " مميزة " (جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          زوجة اليوناني المشتراه (7) للكاتبة: Helen Bianchin..*كاملة+روابط* (الكاتـب : raan - )           »          سيكولوجية المرأة (الكاتـب : Habiba Banani - )           »          العروس المنسية (16) للكاتبة: Michelle Reid *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          2- مرارة الإنتقام - روايات رومانس** (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > منتدى قلوب أحلام غربية

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-04-14, 10:32 PM   #51

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الثاني و العشرين





تدحرجت افكار مارك أنطونيو عفويا بعيدا عما يقولها رجل الأعمال الايطالي أمامه، و انتقلت نظراته الشبه حالمة من المحيط الذي يضمه مع باقي خمسة أشخاص حول طاولة الاجتماع في مكتبه بقصر الدوقية الى النافدة الزجاجية التي تطل على مساحة الحديقة الامنتهية من الأشجار و الخضرة و الورود البرية المنسقة بعناية، التقطت عيناه خيال أربعة نسوة على بعد أمتار في الجهة الجنوبية و شعر برفرة مألوفة في معدته بينما يتعرف على خيال لينيتا في فستانها الخفيف الأحمر، هذا الصباح تركها نائمة في سريرها و اكتفى بتقبيل رأسها بعد أن درسها بمتعة لبضع دقائق، قبل يومين وصلت عمته 'الينا' و منذ ذلك الوقت ابتدأت تجهيزات الزفاف بجدية.
يجد الكل قراره بعقد قرانه في نهاية الشهر سريعا، لكن 'أنستازيا' منضمة الاعراس أمام سخائه جعلت المستحيل ممكنا، بعد أسبوع سيتحد مع لين و هذه المرة... الى الأبد... في هذه اللحظة رآى كاثي تشير بيدها الى نقطة معينة في مكان ما في الحديقة و تذكر نقاشهما قبل يومين.
" كيف هذا تريدين الذهاب الى أمريكا؟؟"
ازدادت تقطيبة 'مارك أنطونيو' عمقا بينما يتطلع الى زوجة أبيه التي تبدو و كأنها تجلس على كنبة من الجمر بدل الجلد، هزت عينيها نحوه و عدلت تسريحتها التي لا تحتاج لتعديل أو تسوية، كما العادة أنقاتها مثالا لكل امرأة تنتمي الى طبقتها الارستقراطية، قالت أخيرا بفتور:
" أنا قلقة على أليكس..."
لوى شفته بإستياء:
" كاثي بربك..."
"لا تناقضني مثل والدك أرجوك" تدمرت ثم غادرت الكنبة بإتجاه نافدة مكتبه المطلة على الحديقة المسترخية في شمس الصباح الساطعة... " منذ أن وطأت قدماه هناك و الصحافة الصفراء تلاحقه بإلحاح مَرَضي... و هذا الصباح نشروا صورة له مع فتاتين في نفس السرير..."
هزّ حاجبه بتهكم بينما يرى خدود كاثي تتورد بشدة، كل كلمة تُكلفها مجهوذا هو يعرف، ترفض الاسائة الى أليكس أو انتقاضه، ولائها له شديد وهذا ما يُفقد والده صوابه، عادت تُركز عليه نظراتها المميّزة بقلق فلم يمنع نفسه من التعليق:
" .. في الغرفة كان أكثر من فتاتين؟؟ الثالثة من التقط الصورة و باعها للصحافة..."
زفرت بحدة و كأن استنتاجه يشبه النار السائلة التي تجري في عروقها في تلك اللحظة، الوضع مقيت بالنسبة لها و بالتأكيد سيكون قاسيا على 'بيلا' عندما تكتشف بأنه لم يحتاج للكثير من الوقت كي يستبذلها :
" لقد كان غارقا في النوم... أشك بصحة الصورة... أليكس لا يمضي الليل مع امرأة لأنه يدرك خطورة مرضه و يخشى على الأخرين منه."
" لقد نبذته 'بيلا'...وجد طريقته للتمرد "
" انت لا تفهم مارك أنطونيو... على أليكس أن يتعالج بدل معاشرة دزينة من النساء مرة واحدة... انه محطم الفؤاد و مصاب بالصرع، أنا أمه من واجبي أن أكون معه هناك ؟؟"
لا يفهم حقا احساسها المستمر بالذنب اتجاهه، انه كبير كفاية ليقرر بنفسه و يهتم بها بحق الله... كما أنه لم يعد معاقا، صحيح أنه يعتمد على عصاة لكنه بصحة جيدا، الدليل أنه لا يكتفي بفتاة واحدة في سريره.
" كي تٌنظمي لقائاته الحميمية بحذر أكبر؟؟"
بدون شك لم تتوقع كاثي رد قاسي منه، عادة لا يحب الطرق المتهكمة لفتح أعين احد لكن على كاثي التوقف عن اتعاس نفسها بسبب تصرفات اليكس، تواجها مثل عدوين للحظة قبل أن تسترخي كتفيها و تعاود مواجهة البانوراما أمامها دون تعليق، مارك لا يميل الى قراءة ما تقدمه الصحف الصفراء من مقالات، ولا يهمه معرفة أخبار اليكس الحميمية، كاثي تبالغ في القلق بشأن مدلل 'آل ريتشي ' لكن لا طاقة له بالاهتمام أيضا بهذا النوع من التفاهات، بدل أن يركز شقيقه على 'بيلا' التي سترحل قريبا يفضل دفن جراحه في أحضان أخرى متنوعة:
" عزيزتي" استدارت نحوه مجددا، هذه المرة وجهها أكثر هدوئا مما قبل، ابتسم لها ووقف من وراء مكتبه ليدنو منها، بعد لحظة و كإبن بار أخدها بين ذراعيه و قبل رأسها بحنان، يعرف بأنها لا تغضب أبدا من صراحته " اهدئي..."
" لما لم تكن متمردا أو صعب المراس مارك؟؟ لما عليه المبالغة والظهور مع دزينة نساء بدل واحدة... أشعر بالخجل ووالدك سيجد بالتأكيد طريقة جديدة لأنتقاضه... اليكس يُفقدني صوابي "
أمسك بدقنها بأصابعه و ابتسم لها برقة ليبعد عنها التعاسة التي شوهت ملامحها الجميلة:
" كم اتوق لأشباعه ضربا لأنه ترك هنا امرأتين رائعتين تتعذبان بسببه"
استرخت نظراتها التي تبتثه بها من خلال رموشها الطويلة، لم تكن مداعبة، ربما لمحت نبرة الصدق في كلامه، يريد حقا خنقه بسبب تعاسة بيلا، لكنه لن يسمح لنفسه بالتغلغل أكثر في علاقتهما، كلامه الطويلة مع حفيدة مدبرة منزله أقنعه نوعا ما، ربما أخطأ في النهاية... بيلا تستحق الأفضل و سيدعها ترحل و تبدأ حياتها من جديد، سيكون سعيدا جدا ان وجدت الحب مع رجل آخر.
" كم أنا أنانية اعذرني عزيزي... زفافك..."
ابتسم لها مطمئنا:
" لدينا موعد اليوم مع 'انستازيا'... ستصل عمتي الينا بعد الظهر و ستنضمي معها الترتيبات الظرورية المتبقية، المشرفة العامة تعرف بأنني أريد الزواج قبل نهاية الشهر... المبلغ الذي ستتقاضاه يُحمسها بالتأكيد و يدفعها لإرضائي"
" تصر أن يمر كل شيء في سرية تامة؟؟"
هز مارك رأسه موافقا:
" نعم أنا مصر تماما كاثي ... سوف نتزوج في حديقة قصر الدوقية و في سرية تامة"
عاد الى الواقع بسبب رنين هاتفه الشخصي، انعقد جبينه عندما كشفت شاشة هاتفه اسم مدرسة التوأمين الخاصة، اعتذر من رجال الاعمال و خرج من مكتبه ليتكلم بحرية في الرواق.
" 'دون مارك انطونيو ريتشي' آسف على ازعاجك، معك مدير مدرسة ابنيك الخاصة .."
" مرحبا سيدي... مالأمر؟؟"
" الأمر خطر هذه المرة و لم يعد بمقدورنا التعامل مع المتكلفة الخاصة برافييلو ..."
شعر مارك بشعره ينتصب فوق رأسه من شدة الترقب و القلق.
" مالذي حذث؟؟"
" رافييل كسر ذراع تلميذ معه في الفصل وهو الأن في مكتبي..." أغمض مارك عينيه بينما يتابع المدير بصوت حازم" 'دون مارك انطونيو' تصرفات ابنك تزداد سوءا و الوضع برمته صار مستحيلا معه في المدرسة"
***
لا يدري ادواردو متى جاهذ حقا لإخفاء مشاعره بكل هذا الجهذ و العنف، أسئلة كثيرة تتآكله لكنه لا يجرؤ على قذفها، قبل فنجان القهوه من يد آنجلا التي ابتسمت له بحيادية قبل أن تصب الى نفسها فنجان قهوة آخر، تماما كما كانت تفعل في الماضي قبل أن تتزوج جوشوا و تستقر في ستارهاووس.
منذ وصوله الى لندن وهو يشعر بنفسه وسط متاهة، وجد آنجلا مع حفيديه في البيت، كانت تتهرب من الالتقاء بنظراته و لم تجبه حقا عندما سألها عن زوجها، بدت شاحبة قليلارغم الطبقة الكثيفة من البودرة التي استعملتها لخداعه... احساسه ينبئه بأن الوقت حان ليلوي عنق ابن أندريس أخيرا.
" لما لم تأتيان الى زفاف 'نيوس' أنت وجوشوا؟؟؟"
ابتسمت خلف حافة فنجانها و القت نظرة سريعة على ليليان التي كانت تلعب غير بعيد عنهما في الحديقة متفقدة و متهربة للمرة الالف من النظر اليه... انه يشعر بتعاسة حفيدته العزيزة أيضا.
" مازال يشعر بالغيرة من نيوس... فعل ما استطاع كي لا نذهب الى اليونان قبل أن يأخد حارسه و يذهب الى أمريكا بسبب العمل... فكرت بالاستقرار هنا بما أن ستارهووس موحش بدون العم 'أندريس' فكرت بانتظاركما انت و أمي"
بالكاد تنظر اليه وهي تتكلم، شدت أصابعه ببعض الخشونة على فنجانه قبل أن يضعه أمامه على الطاولة بشرشفها الابيض الناصع و يلقي نظرة على ساعة يده، عليه الذهاب الى مكتبه.
" لن يروقه أن يعرف بأن زواج غريمه قد الغي اذا كان يشعر بالغيرة الى الأن منه... "
" أمي شرحت لي الموضوع أنا آسفة من أجله..." تمتمت بعد أن القت نحوه مجددا تلك النظرة الخاطفة و المختصرة.
" شقيقك سوف يتزوج نهاية الشهر..." اردف ادواردو وهو يقف من مقعده ويعدل ربطة عنقه بأصابعه الثابتة " أتمنى الا يتعذر أعذارا سخيفة هذه المرة ليتخلف عن الحضور و الاجتماع بنا "
" جوشوا لا يتعذر بأعذار سخيفة أبي..." حتى في صوتها بدت دفاعاتها ضعيفة، لوت شفتها ببعض الارتباك قبل أن تقرر النظر مباشرة في عينيه، التعاسة التي قرأهما في عمقهما سحقت قلبه بلا رحمة... بحق الجحيم سيقتل ذلك السافل " زوجي ليس بخير..."
قاطعها بخشونة:
" بالتأكيد لن يكون بخير... خصوصا بعد أن اعثر عليه و أحطم أسنانه"
حمل حقيبة أوراقه الجلدية و ابتعد بإتجاه موقف السيارات حيث سيارته دون أن يلقي نظرة نحو ابنته التي تحولت بشرتها الجميلة الى لون أصفر فاقع، شعر بخطواتها الانثوية المتعثرة خلفه، يشعر بلهاث انفاسها ترتطم بظهره تقريبا.
"حبا بالله أبي..."
دون أن يخفف خطواته أو يبطئها تابع المشي بإتجاه سيارته التي فتحها عن بعد، والقى بحقيبته في المقعد الخلفي بهياج، قد يتحمل ان ينهار العالم فوق رأسه الا ان يرى تعاسة ابنته الوحيدة.
" ما الأمر آنجلا؟؟ "
" أتوسل اليك لا تقحم نفسك في زواجي..."
أغلق الباب بعنف و عد حتى ثلاثة ليهدأ قبل ان يستدير نحوها ويواجهها، دقنها المدور الصغير يرتجف بحدة و دموع دقيقة مجمدة في عمق عينيها، بدت حزينة و يائسة... مطلقا لم يرى طفلته بهذا الاجهاذ حتى بعد ان اختفى جوشوا لأشهر، كانت مؤمنة بأنه حي، كانت قوية و شجاعة بمواجهة الواقع، تبحث عنه بلا كلل دون أن تنطفئ شعلة الأمل من نظراتها التي تبدو قاتمة و بدون حياة في هذه اللحظة.
" لقد أخلف بوعده آنجلا... أخلف بوعده و أتعسك"
" أنا لست تعسة أبي..." صرخت به بنفاذ صبر.
" أنت كاذبة فاشلة يا ابنتي..." توقف عن الاستمرار في الكلام عندما انزلقت دموعها المحبوسة على وجنتيها الشاحبتين و امتدت يدها الى فمها لتخنق الشهقات التي تهدد بالانفلاث، أخد نفسا عميقا و تمتمت بهدوء " أعرف بأنك تحبينه آنجلا..."
" تماما كما أحبتك والدتي و قمت بإتعاسها..." اتهمته بصوت مرتجف و أسنان مكتزة " أعرف ما حذث بينكما في الماضي و الظروف التي دفعتها لإنجابي في ايطاليا... هل ترى؟؟ كل الازواج يمرون بالمحن، الفرق أن والدتي كانت يتيمة لم يكن لديها والد ليدافع عنها و يحطم أسنانك..."
رغما عنه اعترف بأنها محقة، لكنها ابنته بحق الجحيم، لا يستطيع تحمل هذا العذاب الذي يسحق صدره بينما يراها مظلمة الملامح و منطفئة النظرات، راقبها تأخد نفسا عميقا و تقطع المسافة القليلة بينما لتلقط يده و تحيطها بأصابعها الرقيقة لتتوسله بنظراتها.
" أريد استعادته فحسب... دعني افعل ذلك بطريقتي دون تدخلك"
لم يجب اكتفى بدراسة وجهها قبل أن يقرر الرحيل الى مكتبه و التفكير مليا فيما حذث للتو، لن يكون مسؤولا عن تصرفاته ان عثر على صهره صدفة في مكان ما، سيرفس معدته لكما الى ان يكتفي.
" أبي؟"
عادت تستوقفه، هذه المرة وقفت على اصابع قدميها لتطبع قلبة حنونة طويلة على وجنته كما فعلت مرارا في الماضي و همست له بإبتسامة صغيرة:
" أنا متيمة به أبي... لا تنسى ذلك عندما تلتقيه صدفة "
" اتمنى الا التقيه صدفة آنجلا "
ثم ادلف في سيارته و ادار المحرك ببعض الحدة،القى نظرة من خلال الزجاج الملون لسيارته الجاغوار الى وجه ابنته القلق، رغم نعومة الطقس كانت تضم ذراعيها الى صدرها و ترتجف بحدة... فليلعن ابن امانويلا اينما ذهب و حل.
***
أخد نيوس نفسا عميقا و هو يقف بجسمه الممشوق أمام الشرفة الزجاجية الشاسعة، طالما أحب 'خانيا' اليونانية، لكنه ليس هنا للاستجمام و لا لاستضافة مميزة، بل للعمل و التفاوض... و ليس أيضا أي تفاوض و مع أي شخص عادي.
سبق و خطط بحكمة لإجتماع اليوم، حلول لمشاكله كلها في الملف الذي ينام بسكينة فوق المكتب ، بعد الذي حذث في مكتبه بلندن قرر أن يضع حدا لهوسه بديامانتي... عليه ان يستعيد القليل من الرشد المتبقي لديه و يبلع كبريائه لينهي هذا العذاب، اتصال 'مارك أنطونيو' به قبل يومين امده ببعض الأمل... الامل الذي كان يبحث عنه في طيات صدره المظلمة، حياته فراغ مميت بدون المرأة التي سخرت منه و تسلت من جهله.
عصر اصابع يده خلف ضهره و أغمض عينيه ليستنشق مجددا عبير 'خانيا'، جزيرة الشمس و البحار البلورية، انه يحفظها عن ظهر قلب بشواطئها الجميلة وطبيعتها الخلابة وشمسها الساطعة وبحارها البلورية ذات المياه الزرقاء، عاد يفتح عينيه بعد ان داهمته ذكرى قريبة، بينما يسير في ازقة أثينا يد في يد مع ديامانتي أقسم ان يأتي بها الى هنا قريبا للقيام بجولات على ظهور الخيول في هذه الشواطئ المثيرة والريف الجميل الذي يعتبر من أهم أنواع المتعة هنا والقيام برحلات عبر التلال الخضراء وبساتين الزيتون، والأعشاب والزهور البرية والبحيرات والشلالات، بينما يحلم بإسعادها لم يكن يشك للحظة بأنها تحمل اسم رجل أخر... و ان هذا الشخص ينتظرهما في شقته لينهي احلامه و مشاريعه الرومانسية بأبشع الطرق و ينزل به الى أرض الواقع بقسوة... مطلقا لم يعش جحيما مثل جحيم تلك اللحظة عندما انتزع فالكوني منه ديامانتي و كأنه انتزع منه أحشائه.
متى أصبح عاطفيا؟؟ بالتأكيد ديامانتي تحمل من الجمال ما يخدر حواس كل رجل، لكنه سبق و خرج مع جميلات شتى، سبق و أخد و لم يعطي شيئا بالمقابل... هذه المرة خسر كل شيء دفعة واحدة، ديامانتي... ليز و الولدين.
لأنه استعمل عاطفته... استعمل عاطفته التي ينوي استعمالها للمرة الثانية.
هذه المرة ستكون الخسارة اشد مرارة ان هو فشل.
استدار عندما سمع صوت أقدام مختنقة في السجاد تتوقف خلف باب مكتبه الموصد، هزدقنه قليلا بتأهب و انغلقت ملامح وجهه تلقائيا، ردة فعل دفاعية تعودها كلما تأهب لمواجهة غريما صعبا في العمل أو مناقشة مشاريع بملايين الاورو،فتح الباب و ظهر مساعده الخاص أولا قبل أن يُسمح للزائرين بالدخول:
كما توقع تكهرب الجو لحد الانفجار مع ان سقطت عينا رجل الأعمال عليه، النظرات السوداء القاتمة التي حطها عليه تركت نيوس محايدا، لهذا اللقاء نتيجتين حتميتين اما أن ينتهي بالنجاح لخططه، أو حرب أبدية... يعرف بأن الحرب ستكون شرسة ان أقدما عليها.
" أهلا بك "دون دراكو فالكوني" "
ازدادت تقطيبة الأمير الأسود عمقا و نظر حوله بنظرات ثاقبة قبل أن يتمتم بصوت كالجليذ:
" أين ' كيريوس سبيروس بانوس'.."
" جدّي هو 'سبيروس بانوس ليونيداس' ... مالك المناجم و حقول النفط التي وضعت ثمنا ضخما للحصول على أسهم فيها..."
" هل هذه مزحة؟؟؟" بصق دراكو بغير تصديق، و عاد يتفقد ما حوله و كأنه يرغب ببعض اليأس بإيجاد اي دليل لنفي صحة المعلومات التي قذفت للتو، الأمير فالكوني معروف بحذره و ذكائه، بالتأكيد سبق و قام ببحث سري بشأن أعمال 'سبيروس بانوس' قبل أن يقفز على فرصة الحصول على منجم سردينيا الذي كان يعود فيما مضى لأسلاف الأمير، تكثم نيوس فيما يخص هوية جده اتت اكلها، كان يجب لقاء الأمير على ارضه و ملعبه.
عندما عاد يثبته تحولت نظراته الى بركان غضب عارم و تشوه وجهه الوسم بينما زم شفاهه بإحتقار، ان لم يتصرف فورا سوف يرحل هذا الأخير قبل أن يسمع عرضه السخي.
" هل تنوي التكلم في الأعمال مع حراسك الشخصيين أم تفضل أن نبقى وحدنا؟؟؟"
هل سيذعن؟؟ تسائل نيوس ببعض الشك بينما يرى ملامح الصقلي تنغلق أكثر و يدرسه بثباث و كأنه يراه للمرة الأولى، لا يستهين بقوة غريمه، الله وحده يعلم ما يدور في رأسه الشامخ بكل غطرسة و غرور، لكنه سبق و اتخد قراره... عليه ايجاد حل لليالي الارق الطويلة التي تأبى الانقضاء.
***
استعجل دافيد بالخروج من تحت الدوش عندما تردد رنين هاتفه الخلوي الذي هجره قبل عشر دقائق قرب السرير، لف خصره بمنشفة قبل أن يلتقط هاتفه النقال و يتفقد اسم المتصل بجبيبن مقطب، تردد نصف ثانية قبل أن يرد:
" نيكول..."
" ظننتك في اجتماع و لن ترد أبدا..."
أدلف اصابعه السمراء وسط كثلة شعره الحالكة المبللة ليبعدها عن جبينه و يدنو بعد ذلك من باب غرفة النوم ليوصده، تردد الى مسامعه دندنة انثوية القادمة من الطابق السفلي.
" أملك خمس دقائق فقط قبل بداية الاجتماع حبيبتي، ما الأمر؟؟"
عم الصمت لبعض الوقت قبل أن يسمع تنهيدة صغيرة و بصوت نيكول اللطيف يهمس برقة:
" أفتقدك بشدة... ان فوّت طائرة الغد فسأقتلك"
ابتسم دافيد و تشكلت ملامح صديقته الجميلة أمام عينيه، يعرف مالذي تقوم به في هذه اللحظة، تمسك بخصلة من شعرها الأشقر و تعذبها بين أصابع يدها المتناسقة، تلفها في كل الاتجاهات عندما يكون تفكيرها مركزا على شيء، أو تقوم بعمل ما.
" لن أفوّت الطائرة يا ملاكي... غدا سنلتقي و نحتفل معا"
هل كانت شهقة الارتياح التي انفلتث من الجهة المقابلة؟؟ صوت مختنق من العاطفة وشوش برقة:
" ظننتك نسيت..."
" كيف لي أن أنسى عيد ميلادنا؟؟؟..."
أثار انتباهه ضجة غير بعيدة، هز عينيه الى الباب الموصد و أدرك بأنه ان لم يغلق الخط فورا فلن تتأخر نيكول بإكتشاف ما يحذث خلف ظهرها:
" السكرتيرة تناديني، علي الذهاب ..."
" أحبك دافيد..."
أغلق الخط قبل أن يجب في الوقت نفسه الذي ظهرت فيه بيانكا تحمل فنجانين فورايين من القهوة، عاد هاتفه للرنين، لم تكن نيكول ان لم تتلقى اعتراف مقابل اعترافها... هذا الاصرار في شخصيتها ما يعشقه:
" لم تجب..." سمعها تقول في الجهة الأخرى بنعومة و إغراء.
تفحصت عيناه قامة بيانكا الممشوقة، كانت ترتدي فستان أبيض و كأنها تحتفل بشيء مميز، فستان أبرز جمال جسمها الأسمر و روعة ساقيها، ابتسمت له وهي تتقدم نحوه لتعطيه فنجانه قبل أن تحط قبلة سريعة على خده و تبتعد لتمنحه بعض الحميمية.
" أنا أيضا..."
" أنت أيضا ماذا؟؟" أصرت نيكول من الجهة الأخرى.
تابع دافيد للأنثى الصغيرة التي تقترب من شرفة غرفة النوم وتفتح أبوابها الزجاجية لتسمح بنسيم البحر بالدخول و ملامسة خصلات شعرها الحالك السواد والذي تصففه على هيئة ديل حصان، انه يكره هذه التسريحة.. يعضق ان تتركه حرا و متمردا تماما كما تفعل عندما تمنحه نفسها و تتركه يكتشف كل اسرارها.
" دافيد..."
" علي الذهاب.. "
" لن تتجرأ على اغلاق الخط..." نبهته بعذوبة.
" أحبك أيضا..."
استدارت نحوه بيانكا وابتسمت له بينما يغلق الهاتف كي لا يتلقى اتصالات أخرى.
" مع من كنت تتكلم؟؟"
" هل تشعرين بالغيرة؟؟"
هزت عينيها الى السقف قبل أن تتسع ابتسامتها و تحرك كتفيها ببهجة قائلة:
"لا... أعرف بأنك انسان نبيل، لابد أنك كنت تكلم شقيقتك أو والدتك "
تلاشت ابتسامته رويدا، مع هذه الابتسامة الطفولية و أشعة الشمس خلفها و التي تحيطها كالهالة التي تحيط القديسين يشعر بنفسه سافلا بحق... و ما يزيد من ازدرائه هو مكوثه معها ثلاثة أيام بدل الليلة الوحيدة التي وعد نفسه بها بينما تنتظره امرأة رائعة في بيتهما في لوس أنجلس... امرأة قرر في الماضي القريب أن تعيش معه في بيته و فكر جديا بشراء خاتم خطوبة ...
لكن عليه الا يشعر بالسوء أبدا اليس كذلك؟؟ 'دراكو فالكوني' سمم حياة شقيقته و ما يقوم به مع بيانكا هو استرداد حق شقيقته و تلقين درس قاسي للصقلي الحقير.
منذ اتصاله بها ذلك المساء التحقت به في مطار فلورانس بعد ان نجحت في التخلص من حراس والدها، بعد ذلك أخدا طائرة خاصة و غادرا نحو 'سانت بارت'... اختيار سيء للغاية، تحولت خطته المختصرة الى شهر عسل حقيقي مع امرأة لا يريدها و لا تعنيه حقا.
رغما عنه اعترف بأن بيانكا ذات رفقة ممتعة، ما ان وطأت قدميهما أرض الجزيرة حتى نسي تماما أنها ابنة عدوه، ربما غمره جمال الكرايبي الفرنسي و جمال الحورية الصقلية التي التوى شعرها الطويل مع الهواء المملح و حمام الشمس الذي أخدته ما ان حطا أمتعتهما في الشاليه الجميل في المنتجع السري الذي يقع في قلب الجزيرة بين الأشجار الاستوائية و الذي اختاره ليهرب من البابارتزي كما يفعل باقي المشاهير، نسي أمر نيكول أو ضرورة الاتصال بها بينما يراقب الأميرة الصغيرة تتفنن في اعداد أشهر المعجنات المحلية الصقلية له و تصر على اطعامه بنفسها.
سمح لنفسه ببعض الحميمية التي تحولت في اليوم نفسه الى عادة، منح نفسه وقتا اضافيا ليعيد التفكير فيما يفعل و استغل اشراقة الشمس و روعة الطقس في السباحة و التنزه مع طفلة عدوه التي تحولت الى امرأة و أنثى حقيقة في غضون ساعات من الاحتكاك بها.
منحته معلومات جديدة عن نفسها -الشيء الذي لم يطلبه بالتأكيد- لكنه سمح لها بالتكلم و اكتشف للمرة الأولى بأنها عاشت لفترة طويلة مع والدتها قبل أن تكتشف قرابتها مع 'داركو فالكوني'، لم توجه اليه اسئلة شخصية مما أراحه، و جد متعة في رؤية ابتساماتها المتكررة و حركاتها الانثوية كلما مررت لسانها على شفاهها الجافة مثلا، أو ابعاد شعرها الطويل على وجهها الجميل، هنا اكتشف للمرة الأولى شامة في تدويرة كتفها الأيسر، و تسائل -بينما تستمر في الكلام- عن عدد الشامات الأخرى التي يخفيها فستانها الصيفي، أدرك بأن أجوبة لأسئلته سيتلقاها في الليل حتما، لكن خلال وجبة العشاء بينما يتقاسمان الطعام في جو رومانسي حالم في شرفة كوخهما الصغيرة، و بينما تخرج دوائها لتضع العقاقير الملونة قرب صحنها كي تأخدها تماما خلال الوجبة عاد الواقع ليصفعه بعنف و شعر بالشفقة و الرثاء عليها و هجرته اي رغبة في اكتشاف أي شيء أو حتى الانتقام من عدوه.
بيانكا حساسة جدا و بالتأكيد شعرت بتغيير مزاجه، راقب وجهها يفقد لونه بينما تنظر الى دوائها بإنزعاج و قلق و أمسكت بيده برقة:
" سوف أحصل على كِليّة جديدة قريبا و أشفى... سوف أضحى انسانة طبيعية"
" لا تزعجني أدويتك بيانكا" كانت الحقيقة، ما يزعجه هو نواياه السيئة اتجاهها.
راقبها تبلع عقاقيرها الواحدة تلوى الأخرى، كانت تتنفس العذوبة و الرقة، صغيرة و هشة، من الطبيعي أن يلصق وراء ظهرها 'دراكو' دزينة من الحراس المتمرسين، بيانكا امرأة خلقت من الرقة، كيف يعقل أن تكون ابنة ذلك الوحش عديم الأخلاق و المبادئ؟؟؟
" هل تريد القهوة؟؟" سألته بإنزعاج و أدرك بأنه كان يثبتها بنظرات فارغة.
هز رأسه بالرفض وقال أول ما جاء على لسانهليلطف الجو:
" كان يومك طويلا و لم تنامي الا قليلا في الطائرة... اذهبي للتستريحي أما فيما يخصني فسأعمل قليلا... "
رفع الاطباق من المائدة و استوقفته في المطبخ الصغير، رفضه لم يرقها، أخبرته بأنها ليست مصنوعة من زجاج و أن مرضها لا يجعل منها عاجزة، ذكرته بهذف مجيئهما الى هذا المكان، بأنهما بمفردهما و سط جنة من اشجار النخيل و تحيطهما اطنان من الرمال البيضاء... صوتها يزداد اثارة و حواسه التهابا، اختنق صوت ضميره في ركن ما و تبخرت نواياه الحسنة لتترك فحسب رغبة بدائية في امتلاك ما بين يديه.
بعد ان تذوق بنهم شفاهها الناعمة الملمس حملها بين ذراعيه معلقا :
" العادة تقتضي ان اعبر بك العتبة..."
" أنت رجل ذا مبادئ 'دون دافيد ريتشي' " تمتمت بتسلية و هي تبتسم ملئ فمها.
" حقا؟؟"
" بالتأكيد... لهذا أعرف سلفا بأن ليلتنا ستكون مميزة "
للاسف الليلة لم تكن فقط مميزة بل تفوقت على تجاربه العزيزة مع 'نيكول'.
بيانكا تفوقت على نيكول بإبهاره.
في الصباح عندما اتخذ قراره بهجرها و العودة الى لوس أنجلس ذابت مقاومته أمام اغرائاتها الغير متعمدة، تركها تستخدمه كما تريد و كم انعشه استسلامه، استعملته و عشق استعمالها له، تركها تٌدلله و تهتم به، استرخيا تحت أشجار النخيل العملاقة، و سبحا بين أمواج بحر الكرايبي و غاصا أيضا في أكثر من مناسبة ، ثم رقصا حتى الخطوط الاولى من الفجر في الأندية الخاصة كما لم يفعل منذ سنوات طويلة، بيانكا فتحت شهيته مجددا للتسلية بعفويتها و نشاطها، تمر الساعات مُشبعة بالسعادة و أصبح الاحساس بأصابعها بين أصابعه عادة و عوز... كان سعيد معها بكل بساطة.
اقترب من الشرفة ليواجه مباشرة عينيها القاتمتين، امتدت يده الى وجهها ليلامسه بلطف، حان وقت الافتراق و لا ينوي التسلل و الهروب كالجبان، كما أنه لا يجروء على هدم هذا الأمل و السعادة على وجهها الجميل... يعرف بأنه ندل و سافل، لكن عليه انهاء كل شيء و العودة الى حياته الماضية و الى حبيبته نيكول.
" كنت أتكلم مع صديقتي بيانكا..."
الابتسامة تلاشت رويدا و تطلعت اليه بعدم فهم و ببراءة اشعرته اكثر بالاحتقار من نفسه
" تقصد صديقتك السابقة... هل هي بخير؟"
" أمضينا و قتا رائعا معا... أنت فتاة مميزة " تابع و كأنه لم يسمع تعليقها... هل هي جادة بالسؤال عن احوال غريمتها؟؟ لا حدود لسداجة الفتاة " سوف أعود الى لوس أنجلس... سوف أعود اليها "
أقطبت جبينها بعدم فهم و استمرت نظراتها القاتمة تتنقل من عينيه الى شفاهه بحيرة حقيقة، لن يتحمل رؤية وقع كلماته عليها عندما تفهمها حقا ، دار على عقبيه و توجه نحو حقيبة سفره ليخرج ملابسه و يغلق باب الحمام خلفه.
أخد نفسا عميقا ليبعد الوخز المميث في قلبه، وعندما دنى من المرآة لينظر الى انعكاس وجهه وو جد بشرته أشد شحوبا من الوجه الذي تركه قبل ثوان خلف باب الحمام الموصد.
***
كاد دراكو أن ينفجر في الضحك أمام واقع ما يحذث معه الأن، بالكاد يصدق أنه في هذا المكتب الذي يغلق جذرانه الأربعة عليه و يحبسه مع 'نيوس ليونيداس' آخر شخص يرغب حقا برؤيته.
منذ مواجهة آل ريتشي في مرأب المستشفى لا تنفك المصائب و المفاجآت السيئة على السقوط على رأسه، أولئك الناس يجلبون له الحظ السيء، في اليوم التالي أعلمه حراسه بأن ابنته اختفت، و بأن من رأوها آخر مرة كانت برفقة شاب وسيم في مطار 'فلورانس'، شكوكه كلها تحوم حول 'دافيد ريتشي' لأن ابنته لا تعرف شاب آخر غيره، المفاجئة السيئة الأخرى هي أن ديامانتي هربت من قبيلة الغجر بعد أن هاجمتها نساء القبيلة و حاولن تشويه وجهها بالنار بعد غيرتهن على ازواجهن من دخيلة القبيلة الشقراء، فرانكو ذهب شخصيا لتفقد الوضع و ايجادها، ثم جاء دور المستشفى التي اتصلت به امس لتخبره بأن المرة التي تحمل ابنه غادرت و بأن طاقم طبي انجليزي أتى شخصيا لإصطحابها... ثلاث نساء اختفين فجأة من حياته و ابتعدن عن سيطرته و لا يجد لهن اثر.
و هاهو الأن.. بعد أن ظن بأن العجوز 'سبيروس بانوس' أذعن أخيرا و سيبيعه المنجم الذي جاهذ طويلا لأجله يجد نفسه أمام عشيق زوجته المجروح القلب، بالتأكيد لا علامة انكسار في عينيه الثاقبتين والواثقتين، لكنه ليس غبيا .. يعرف تماما لما جاهذ نيوس ليونيداس لإسقاطه في شرك وجوده في هذه اللحظة هنا.
راقب غريمه يفتح ملفا ممتلئا بالرموز و الأرقام، هذه الأسهم اللعينة تسيل لعابه هو يعترف بذلك، لكن الثمن يتكهنه سلفا.
" أريد ديامانتي مقابل هذا المنجم..."
احترم دراكو مباشرة رجل الأعمال في الكلام، كان ليصيبه الملل لو تلوى و أخد طريق أبعد ليعري على نواياه.
" هل فهمت جيدا؟؟" رد دراكو ببرود و هو يشبك أصابع يده و يحملق الى و جه نيوس الحاد الملامح و القاسي النظرات" تريدني أن أبيعك زوجتي؟؟"
" توقف عن التمثيل فالكوني..." قاطعه نيوس بصوت بارد " كلانا يعرف بأنها لم تكن يوما زوجتك... تتكهن جيدا ما حذث بيننا... ديامانتي كانت ماتزال عذراء لم تتشارك معك أو مع أي رجل أخر أي حميمية قبلي"
أحس دراكو بأن الدم يغلي في شرايينه، سماع هذا الاعتراف من فم ليونيداس يهينه و يقلل قيمته امام نفسه و يعزز كراهيته لديامانتي... لقد أحبها في حقبة من عمره و تمنى الحصول على وريث منها، ما فعلته به لا يغتفر، بسببها يجد امرأة مثل فلورانس ريتشي حامل بوريث آل فالكوني، بيانكا عالقة في شباك محتال مثل دافيد ريتشي، بسببها يعرض عليه هذا السافل عرض مغري مقابل التنازل على زواجه.
" اذهب الى الجحيم مع منجمك"
" كن واقعيا... أنت رجل أعمال فلنتناقش بتحضر.. انت لا تحب ديامانتي أعرف أيضا بأنك تسيء معاملتها، و أعرف كل شيء بالنسبة لفلورانس ريتشي..."
رغم هبة نيوس و عنفوانه لمح بعض التوسل في طيات كلماته، انه يعشق ديامانتي، لكنه مخطئ ان ظن بأنه سيمنحه مفاتيح السعادة معها بينما تحطمت سعادته هو شخصيا و خسر كل شيء.
" لا أنكر بأن العرض مغر جدا كيريوس ليونيداس" فكرة الانتقام الفوري من كليهما دغدغت روحه كأنامل سحرية و بدت كالبلسم لرجولته المجروحة " كان ليسعدني التعامل معك..."
" خد هذا المنجم اللعين و امنح ديامانتي حريتها..."
سخريته الاذعة نجحت بإدخال نيوس في هياج حقيقي، كان يرمقه و كأنه سيقفز على عنقه و يتعارك معه الى آخر قطرة دم.
" حريتها آخر ما قد تفكر به... لا سيما في وضعها الحالي" مرت دقيقة صمت وجيزة، بدى نيوس يتعارك مع نفسه ليفهم قصده، ابتسم دراكو بمتعة و قال " ديامانتي حامل"
" أنت مجرد كاذب حقــ..." قاطعه دراكو وهو يغادر مقعده و يعدل ربطة عنقه السوداء.
" لن ألتجئ الى هذا النوع من الأكاذيب في أشياء ستتأكد منها خلال أشهر قليلة... ما أستطيع إيعادك به بأنك ستتلقى أخبارها و أخبار الطفل بعد أن تضع مباشرة"
شحب وجه نيوس و سقط قناع غطرسته تحت قدميه، التقط دراكو نفسا و داق نسمة الانتصار في رئتيه، أقسم أن يدفع زوجته الثمن و هذه البداية فحسب.
" فلورانس ريتشي حامل منك أيضا..." سمع صوت نيوس وراء ظهره عندما وصل الى الباب ووضع يده على المقبض.
" تماما... امتيازين لن تحصل عليهما يوما... وداعا 'كيريوس ليونيداس' أو فلنقل الى اللقاء"
***
" لكن هل تفقه لما آلت اليه تصرفاتك رافييلو؟؟؟ أنظر اليّ عندما أكلمك..."
هز رالف عينيه الزرقاوين نحو والده المسود الوجه من الغضب و ابقاهما متبثين عليه دون أن يرمش، في المقعد الخلفي للسيارة بعد اجتماع طويل مع المدير منح هذا الاخير فرصة اخيرة الى الصبي المتمرد، شرط الا يتكرر اي نوع من انواع تصرفاته المتمردة.
" ربما يمنحك المدير فرصة العودة الى المدرسة مجددا لكنه فيما يخصني فسأتصل بمدرسة داخلية لتسجيلك فيها..."
فتح رالف فمه ليتكلم لكن مارك انطونيو استوقفه و هو يشير اليه مهددا
" هذا ما ستحصل عليه مقابل ما فعلته بذلك الصبي المسكين... تصرفاتك لا تشعرني بالفخر ابدا و اخجل منها..."
ثم استدار نحو السائق و ضرب في الزجاج الفاصل بينهم لينطلق هذا الاخير، عم صمت، أمام مجموعة استنتاجات المدير أدرك مارك بأن تصرفات رالف متعمدة، و بالتأكيد هو يعرف سبب هذه الحرب الذي اشعلها... يرفض البتة فكرة زواجه من لينيتا.
" أريدها ان ترحل..."
سمع صوت ابنه منخفضا و مهزوما، عندما استدار نحوه وجد وجهه غارقا في الدموع..." منذ وصولها توقفت عن الاهتمام بنا"
كلماته وجدت طريقا سريعا لقلبه الذي عصرته بشدة الى أن تلوى، أبعد وجهه بإتجاه النافدة و راقب طريق الارياف التي اتخدها السائق نحو 'بيلا تيرا'.
" هراء... لم أهملك لا أنت و لا شقيقك.."
" لقد اتصلت بخالتي 'آنا'... وعدتني بأن تأخدها"
شعر مارك بأن قلبه سيتوقف عن الخفقان، عاد ينظر الى صغيره الذي تحولت ملامح وجهه الى وحش حقيقي، هل سمع جيدا؟؟ تجرأ رالف على الاتصال بخالته لكشف السر الذي يريد بكل كيانه اخفائه الى ما بعد الزواج؟؟
" متى اتصلت بخالتك؟؟؟" سأل مارك بصوت مهتز من القلق مما دفع رالف لأن يقطب تلقائيا، الصغير ذكي جدا، توقفت دموعه الغزيرة و ارتسم الانزعاج على وجهه الجميل.
" منذ يومين... أنت لست بحاجة لتلك المرأة... فما ان ترحل حتى تعود كما كنت... سوف نعود كلنا كما كنا أبي..."
دخل في حالة من الهذيان و عدم التصديق، أخرج بنفاذ صبر هاتفه المحمول و حاول الاتصال بكاثي بدون جدوى، ركب رقم القصر و ما هي الا ثوان حتى ردت بيلا.
" ايزابيلا أين زوجة أبي أريد التحذث اليها فورا..."
" مرحبا دون مارك أنطونيو، السيدة كاثرين في الحديقة مع السيدة الينا و الأنسة لينيتا... "
" خدي الهاتف الى كاثرين أو دعيها تكلمني من الداخل ..."
عم الصمت بعد كلمة 'حسنا' و بقي ينتظر على حساب أعصابه المحترقة الرد بينما رالف يتلوى قربه بإنزعاج، لكن هل يدرك هذا الأحمق الصغير خطورة ما قام به؟؟ ان التقت "لين" بتوأمها فستذهب خططه أذراج الريح... سيفقد حبيبته الى الابد لا محالة
" مارك أنطونيو..."
" كاثرين... رافييل اتصل بخالته و ربما هي الان في طريقها الى 'بيلا تيرا'... لا أريدها أن ترى لين، ضعي بضع ملابس في حقيبتها و حقيبة التوأمين سنذهب في رحلة..."
قاطعته كاثي بزفرة شبه يائسة:
" آسفة مارك... وصلت سيارة الأجرة للتو و أرى 'آنا' تخرج كالصاعقة منها."
انزلق الهاتف من يد مارك أنطونيو و استقر على حجره بينما فرك صدغيه و كأن صداع قوي الم به فجأة، عليه ايجاد حل سريع للمصيبة الجديدة التي تسبب بها رالف.
" هل أخطأت بالاتصال بخالتي؟؟"
كان يرغب بالرد العنيف و الصراخ ما طاب اليه، كان يرغب حقا بشفي غليله في الصغير و توريم مؤخرته الى ان يكتفي، لكنه ما ان القى نظرة على ملامحه الطفولية و رآه ينظر اليه بنفس طريقة' لين' عندما تصاب بالحيرة حتى كتم غيضه و ابتلع حنقه و تنفس الصعداء قائلا بهدوء:
" اسمعني رالف... لينيتا هي والدتك رفضتها أم قبلتها، عندما كنتما في أحشائها أنت و 'جوزيف' حمتكما بكل قوتها من الرصاصتين اللتين اخترقتا رئتيها، رغم مهارة القناص حمت حملها... لا تستحق الأن بعد أن عادت اليكما... و حرمت منكما لسنوات طويلة جدا أن تعاملاها بهذا الفتور و الاحتقار... أعرف بأنك ولد طيب"
عاد يلتقط أنفاسه و فك عقدة ربطة عنقه بعد أن شعر بالحر و الاختناق، لسبب ما شعر بالتخاذل و رغبة عارمة في الانهيار تحت كل هذا الضغط.
" هل تتذكر كل كلامك عن 'بيلا'؟؟... عن طيبتها و رغبتك أنت و 'جو' بأن أتزوجها لأنكما متأكدان من أنني سأحبها مع الوقت؟؟؟..."
ابتسم ابتسامة تعسة و أردف بهدوء:
" أحمل لوالدتك عاطفة كبيرة أنستني الأخريات لسنوات طويلة..." ثم ابتعد عن وجه ابنه لينظر الى المناظر التي يمران بها دون ان يتحقق من جمالها حقا..." لم أشأ اطلاع خالتك عن عودتها كي أحمي والدتك لأن الغموض الذي لف اختفائها مايزال قائما... افشائك سر عائلتنا قد يعرضها للخطر... قد أفقدها مجددا"
انتبه مارك بأنه قال أكثر مما ينبغي لصبي في عمر رالف، هذا الأخير لن يفهم الالغاز التي يتكلم عنها، لن يفهم بأن لين لا تحتاج للكثير كي تنفجر ذكرياتها و تنبذه و تهجره، لن يفهم بأن 'آنا' خطر حقيقي على توأمها، بانها قادرة على بيع السر للصحافة كما سبق و فعلت مع آنجلا و جوشوا لتدمر علاقتهما... ما حصل قد حصل.
عليه ايجاد الحل لحماية لين و كسب ثقتها... لن تنبذه، لن يسمح لها بنبذه ان نجحت 'آنا' بقلبها ضده.
***
عندما عاد دافيد الى غرفة النوم كانت بيانكا ماتزال مكانها في الشرفة، هي نفسها لا تعرف مالذي يدفعها للثبات الى الأن بينما أتى قلبها على الانكسار لألف شضية، انها متأكدة بأن ادنيها خانتاها، بأن دافيد يمزح معها كما فعل مرارا خلال الايام القليلة التي فتح امامها ابواب الجنة.
حاولت الخطو الى الداخل و التكلم بينما تراه و قد ارتدى ملابس رسمية و تخلى عن قميصه الصيفي و شورته البيج اللذين يرتديهما عادة، كان لبس بدلته الرسمية و ربطة عنقه التي كان يرتديها عندما وصلا الى هنا.
هزت عينيها نحوها لتتأكد بأنها لا تحلم و بأن العالم يدور حقا حولها و بأن دافيد الذي تعشقه من قلبها لم ينطق بتلك الكلمات المريعة قبل دقائق... اذا لما تشعر بنفسها مشلولة و بلسانها ثقيل جدا في فمها؟ لما لا تستطيع التكلم او التحرك؟
موجة من الاختناق داهمتها بينما تراه يغلق حقيبة سفر بعد وضع فيها عدة الحلاقة... مستحيل... انها بصدد الهذيان.
" دافيد..."
" أعرف مالذي ستقولينه بيانكا... لكنني لم استطيع استبدالها بك"
الكلمات اصابت معدتها بعنف لدرجة تأوهت و دار المكان بها، تشبتث بباب الشرفة كي لا تقع و اتسعت عينيها اكثر و كأنها ترفض تسجيل ما تلتقطه ادنيها.
" ليس عيبك بل هو عيبي... انت امرأة رائعة و اسثنائية لكنني لن اعيش من دون نيكول"
صرخة مندهشة و غير مصدقة انفلثت من بين شفاهها المرتجفة:
" نيكول... من هي نيكول... مالذي يحذث... عما تتكلم؟؟"
بدت كلماتها سخيفة، أجل... فالوضع برمته سخيف... مايحذث مجرد كابوس سوف تستفيق منه، ليس دافيد من سيقتلها بهذه الكلمات القاسية و يختفي من حياتها بعد ان استسلمت له روحا و جسدا... ليس دافيد من سيستغلها و يهجرها.
" قل بأنني اعيش كابوس..." توسلت بخفث وهي تعيد النظر من حولها في محاولة يائسة للاستيقاض من تخديرها.
" انه كابوس نوعا ما لكلينا... ماكان يجب ان يحذث ما حذث" ثم ترك حقيبته، و دنى منها، لم تكن رؤيتها واضحة بسبب الخيالات العديدة التي أحاطت بقامة الرجل أمامها، أحنت رأسها يمنة و رمشت بقوة تحاول الحصول على رؤية أوضح بدون جدوى، أغمضت عينيها عندما شعر بلمسة حانية على وجنتها... انها تحلم، كانت متأكدة بأنها تحلم و هاهو دافيد يحاول ايقاضها... أتوسل اليك يا الله اجعل مما يحذث كابوسا.
" وداعا بيانكا... اهتمي بنفسك"
عادت تفتح عينيها و راقبته يبتعد بإتجاه الباب، لكنها لم تستطع الحركة من مكانها... لسانها استطاع التحرر و سألته قبل أن يخرج:
" هي من أخبرتها بأنك تحبها قبل قليل؟؟؟"
" نعم ..."
وضعت يديها على أدنيها كي لا تسمح بسماع المزيد، العذاب الذي سحقها كان قويا لكن ليس أقوى من الوحشة التي لفتها ما ان سمعت انغلاق الباب خلف الرجل الذي أتى على تحطيم حياتها اللحظة.





أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 19-04-14, 10:34 PM   #52

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
Smile

الفصل الثالث و العشرين




انه الحر... الحر ما يترك دمائها فوارة في عروقها.
وضعت يديها المرتجفتين على بطنها المستيدرة و دفعت بأقصى قوتها، الألم و الحر يتناوبان على دفعها الى حدود الجنون، لكن الوقت حان ليخرج أخيرا هذا الكائن الصغير من بطنها و تنبض رئتيه للمرة الأولى بالحياة.
عضت على شفتها بقوة الى أن شعرت بمذاق الدم في لسانها و دفعت بقوتها قبل أن يستوقفها الرجل المتشح بالبياض.
" لا تدفعي الأن... خذي نفسا و أدفعي تماما مع الانقباضة الثالية"
لقد كان طبيبا... انه طبيب و ما حوله بالكاد تميزه من خلال الغشاوة التي تلف عينيها، الألم يقتص منها و الحر يجعلها تتصبب شلالات من العرق، شعرها يلتصق بوجهها و ملابسها أضحت جزءا لا يتجزأ من جسدها... تريد المياه... ستموت من العطش.
لكن صرخة مدوية ما انفلث من شفاهها و قد فاجآتها انقباضة عنيفة جديدة، أحست بالحرارة تتفاقم و ترتفع الى حد الانفجار، و بشهقاتها تختلط فجأة بصوت وليد حذيث:
" انه هنا... طفل كامل وجميل"
من خلال الغيمة التي تحيط عينيها و رموشها المبللة بالعرق و الدموع، لم تلتقط سوى مشهد ضعيف لرأس أسود الشعر و صغير، اهتزت بصعوبة على مرفقيها لتحقق الرؤية في الصغير و ترى ان كان بخير... لكن نظراتها ارتطمت بجدار آدمي أسود... اختفى الطبيب ببلوزته البيضاء و ملامحه البشوشة و توضحت ملامح دراكو الشيطانية، كان الطفل بين يديه هش وبلا حماية .. طفلها في خطر وهي مقيدة فوق سرير طبي، مربوطة الحركة و اللسان... الرعب و الخوف عقدا حنجرتها كليا... ابتسم لها تلك الابتسامة الساخرة و المتهكمة قبل أن تدنو يده الكبيرة من وجه الرضيع الباكي و تخنق أنفاسه:
"لا... أتوسل اليك لا..."
صرخت بأعلى قوتها عندما تجاهل توسلاتها و كتم أكثر على فم الطفل و أخرسه الى الأبد...
فتحت ديامانتي عينيها و اندفعت يديها لتتفقد بطنها ثم وجهها الغارق في الدموع، قبل أن تبدأ بإستعادة وعييها لما يحيط بها، كان صدرها يهتز بعنف و قلبها يضرب بوحشية وسط جذرانه، فمها جاف جفاف ارض قاحلة لم تزرها الامطار منذ امد.
" انه حلم... انه حلم"
تمتمت و كأنها تهذي بينما عقلها يسجل وضعها الراهن، ادركت سبب الحر الخانق ما ان رفعت عينيها الى السماء و اعمتها الاشعة الملتهبة، ابتعد عنها ظل النخلة العملاقة التي غفت تحتها قبل ساعات بينما يرهقها السفر ثم السير.
مسحت وجهها المبلل بلحافها الاسود الذي يخفي شعرها ثم تجولت بتعب حولها ... لم يتغير شيء... مازال المكان كما كان عليه قبل نومها... الانقباضات لا تهين عليها الوضع و العطش يكاد يقتلها... ستموت اذا لم يجدها احد... او تجد القبيلة التي اكد لها سائق الباص انها على بعد كليومترات قليلة جنوبا.
منذ ما حذث في معسكر الغجر اخدت رزمتها البائسة و فرت هاربة من نسوة هجموا عليها بوحشية ما ان عادت اذراجها برأس ووجه مكشوفين، كل واحدة رأت فيها عدوة ومنافسة.
ركضت و ركضت و لم تتوقف حتى تأكدت بأنها بخير و لا يتعقبها احد... نسيت حملها و لم تتذكره الا بعد ان لوت رحمها انقباضة عنيفة بينما تجد اخيرا الطريق العام حيث الضجة و الهرج و المرج.
اشارت الى اول باص و ناسبتها وجهته، تألمت بسبب الانقباضت كل الليلة في مقعدها في مؤخرة الباص الذي يقود بتمهل في طريق منعرجة بين كثبان رملية كالثعبان، ولا تتذكر متى انقضى الالم او متى استطاعت النوم الا و يد السائق توقضها ليعلمها بأنهم في المحطة الاخيرة من رحلتهم، أكد بأن قرية صحراوية غير بعيدة عن هنا و كانت المسافرة الاخيرة و لم يكن هناك من يدلها... ترددت في العودة.
وضعت مسافة آمنة بينها و بين دراكو و ما عليها سوى الاستمرار و التقدم في خطوات القدر المجهولة... لكن التعب المّ بها بحق بينما تسير في الطريق الرملي نحو قرية لا وجود لها... بعد مسافة طويلة الم اليأس بها أيضا... لا يوجد سوى كثبان رملية حولها و الشمس تضرب بقسوة على رأسها.
لما كان عليها ركب حافلة مسافرة جنوبا؟؟ لما لحق كل هذا الادى بحياتها ووصلت الى ماهي عليه؟ لما لم تكن حياتها سهلة و زواجها ناجح و خالي من العقد؟
لقد احبت دراكو نعم... ابهرها و سلبها عقلها في فترة من حياتها... لو كانت ذكية و لو قليلا لاستمر هذا الحب و استمتعت بزوج مميز مثله... لو كانت تثق اكثر في نفسها لما هربت منه يوم زفافها... لما سقطت في غرام نيوس و خانت زواجها.
تعرف بأنها تستحق قصاص السماء و معها دراكو... لهذا تتحمل ما استطاعت في هذا العذاب الاجباري، فقط لو تغمض عينيها و تجد نفسها مجددا وسط فستان زفافها الرائع، تتقدم نحو المذبح متأبطة ذراع والدها، فقط لو قالت 'لا' بدل نعم و حكمت على حياتها بالدمار الابدي.
صوت محرك التقطته ادنيها من مكان ما جعلها متأهبة، وضعت يدها امام عينيها لتحميهما من الشمس و تحقق الرؤية من حولها، هل تهذي ام ان سيارة حقيقية وليس من نسج خيالها تتقدم من حيث هي؟
انفجر قلبها في صدرها ووقفت بسرعة تحمل رزمتها ما ان ظهرت سيارة 'جيب' بالاحمر و الابيض تتقدم بليونة فوق المعبر الرملي، اشارت بذراعيها عاليا و قطعت الطريق على كثلة المعدن التي استجابت بهدوء و توقفت قبل ان يقفز منها رجل و امرأة في الخمسينات من عمرهما... من ملامحهما ادركت بأنهما اروبيان الاصل مثلها تماما، تكلم الرجل اولا بالعربية قبل ان تقول بلغتها الام مدركة سلفا بأنه لن يفهمها:
" لا افهم العربية "
" ايطالية؟" شهقت المرأة صاحبة الملامح البشوشة و الابتسامة اللطيفة " نحن ايطاليان من جينوفا يالها من مصادفة؟ مالذي تفعلينه هنا هل انت ضائعة؟"
كثلة غير مرئية في حنجرتها منعت عنها الاجابة، هل هي محظوظة لدرجة ان تسقط تماما حيث يجب ان تكون؟ هزت دقنها و عادت عينيها للامتلاء بالدموع
" لست ضائعة... كنت ذاهبة الى القرية"
" في هذا الوقت من النهار؟ القرية على بعد كيلومترات اخرى و نحن بصدد الذهاب اليها..." شرح لها الرجل و هو يمد يده نحوها " ادعى 'فيتو' و هذه زوجتي 'ساندرا' نحن طبيبان من اطباء بلا حدود و نزور بإستمرار القبائل و القرى النائية في الجنوب لتزويد السكان بالادوية و الفحوصات الازمة..."
" لا تبدو بخير..." سمعت ديامانتي المرأة تقول بقلق"اسندها عزيزي فستقع"
" ماء..." همست بإجهاذ " اريد فقط بعضا من الماء... "
***
السكون حوله يكاد يفقده رشده، لم يشأ الاعتراف بعد وصوله بهنيهة بأن هذا القصر الكبير و الرائع لا يساوي شيئا في غياب عائلته.
وصل و اللهفة تسوقه ليجد جذران خالية، ثم سخر من ردة فعله... الم يتعمد للحصول على هذه الخلوة ليستعيد نفسه؟؟ لكن الأمر برمته مؤلم بحق الجحيم... الصمت سيدفعه للجنون.
يفتقد ابنته و ابنه و... زوجته بالتأكيد.
آنجلا.
الدقائق تمر بصعوبة شديدة و عقله الذي سنفجر نتيجة سفره الى أمريكا و لقائه مع والدته لا يسهل الأمر، يشعر بالضياع و يحتاج للفضفضة... يحتاج للفضفضة لشخص واحد.
مارك أنطونيو... شقيقه الكبير و بلسمه، لكن كيف يستطيع البوح بكل ما اكتشف بكل هذه السهولة؟؟ لسيما انهما اكتفيا بإستبدال الاتصالات منذ عودته و لم يكتب لهما الالتقاء مجددا؟؟ كيف سيفجر القنبلة في وجهه؟؟ هل تعلم مارك؟؟ والدتي تزوجت لمرة لا أذكر عددها و هي تعيش عيشة رفاهية في قلعة محصنة و تتابع أخبارنا عن قرب شديد فكن متيقضا و حذرا لأنها قد تنجح هذه المرة فيما لم تنجح به سابقا...
هز رأسه ليزيح كثلة الأفكار المريبة في عقله و استنجد الهدوء لكل هذه الشكوك التي نجحت بزرعها ازاء 'آنا'... هل هذه الأخيرة على علاقة من قريب أو بعيد بما اصاب توأمها؟؟... آه... انه يعرف 'آنا' و يعرف والدته.
كلتاهما متلاعبتين للاسف... لا يعرف ما عليه فعله لفك اللغز...
هناك بضع تفاصيل لم يستعدها كليا و هذا يربكه بشدة... يريد استعادة كل ذاكرته لأنه ضاق ذرعا.
منذ وعودته وهو مسجون في غرفته الكبيرة جدا و المهجورة، أخد دوشا سريعا ليستقبل جبال الشكوك التي عادت تثقل على روحه، لا يعرف لمن يلتجأ أو مالذي سيفعله.
نصحه 'هاكان' بالتكلم مع الكونت بينما 'فرناندو' نصحه بالتكلم مع حماه... ادواردو ريتشي العظيم...
هذه الفكرة قلبت معدته بعنف شديد و رفضها عقله بشدة...آخر ما يرغبه هو مواجهته، لاسيما الطريقة السيئة التي انتهى بها لقائهما ذلك المساء، عندما حذره من اتعاس طفلته الوحيدة "ان اتعستها فسأتعس أيامك"... هذه الكلمات ما نفث بها بشراسة قبل أن يتجاهله و كأنه شفاف.
لم يكن ملاكا مع آنجلا، لكن شكوكه نحوها تدفعه للجنون... شكوكه و أيضا حنينه.
ادلف أصابعه في شعره مرارا قبل أن يعقد العزم بالعمل بدل السفر اكثر في أفكاره الكئيبة.
وحدته تفاقمت عندما تردد صدى خطواته على الأرض الرخامية وهو يمشي في الرواق، ينزل السلم الحلزوني و يعبر الردهة الشاسعة بإتجاه المكتبة، تمنى لو تتردد ضحكة ليليان في أحد الأركان، لو أن أندريس جينيور يظهر فجأة متعثرا في خطواته... تمنى لو تنعكس أشعة الشمس التي تعبر النوافذ العملاقة للردهة على خصلات شعر آنجلا الشديدة الشقرة و تتلألأ كالماس.
أقطب و زم شفتيه مشمئزا من نفسه، بحق الله فقد فعل ما استطاع ليدفعها للرحيل، تناقضاته تثير السخرية بحق، ظن بأنه بمنحهما مسافة سيعرف الحقيقة، لكن امانويلا زادت من شكوكه ممن حوله.
لكن علاقتهما هو و آنجلا كانت من الروعة ما يمنعه من التفكير بها بسوء... ثم هناك الطيار... اخبره بأن امرأة شقراء فاثنة من دفع له لتتخلص منه، الثروة التي دفعت كانت كبيرة جدا... و ليس الجميع من يستطيع منح ثروة مماثلة للتخلص منه ان لم يكن حقا ثريا..
و آنجلا لا ينقصها المال...
وضع يده على مقبض الباب، علاقتهما تتوثر و تصبح جحيما في فترات حملها، لقد كانت تناقضه و تصاب بهستيرية غيرة و عصبية ازاء امور و مواقف سخيفة... هل دفعت لتصفيته في احدى نوبات غضبها؟؟ لكن... قبل سفره عاشا ليلة لا تنسى و لم يتركها الا وهي تشع سعادة... هل كانت تمثل عليه؟؟
تصلب مكانه كما اصابعه على مقبض الباب الذهبي بينما تلتقط نظراته صورة أخيه النصف شقيق يجلس بكل استرخاء خلف المكتب أمامه دزينة اوراق منتشرة هنا و هناك، هذا الأخير القى عليه نظرة مستعجلة من فوق نظارته الطبية قبل أن يعود و يركز على ما امامه.
" عودة الابن الضال..." تمتم ويليام ببرود.
" مالذي تفعله هنا؟"
" نفس الشيء الذي تفعله أخي الكبير..." رد ويليام دون ان يبتعد بإهتمامه عن الاوراق " منذ اشهر اي منذ اختفائك عدت للعيش في ستارهاووس بمباركة والدي... تماما كما كنتُ قبل أن تأتي أنت و تدمر زواج والداي و معها حياتنا"
الى الان اكتفى ويليام بعدائه البارد دون ان يعبر به بالكلمات، كانت المرة الاولى التي يتطرق فيها لموضوع طلاق الكونت من زوجته الاولى، التقطت نظراته المتجولة و المتفقدة اسم الملف الذي يأخد كل اهتمام شقيقه' اسهم البورصة' ملف بغاية الاهمية و السرية، بحق الجحيم هل الكونت موافق على ان يقوم هذا الاخير بتفحص هذه الارقام التي تجسد مركز اعمال آل ديكاتريس كلها.
" هل ابي يعرف بأنك تعبث بأغراضه"
" اذهب الى الجحيم ايها السافل " رد ويليام بكل هدوء وهو يلملم الاوراق و يدسها في الملف ثم في حقيبته الجلدية" في المرة السابقة نجحت بإبعادي عن أعمال والدي و كنت من الذكاء أن استوليت على ثقته كما فعلت مع آنجلا التي كانت الحلم البعيد لكل شاب في هذا البلد... استوليت على ثروة آل ديكاتريس و بالتأكيد على الوريثة الوحيدة التي تسيل اللعاب"
" لما لا تترك زوجتي و شأنها؟؟"
" زوجتك؟؟ اين هي زوجتك يا شقيقي فقد خسرتها تماما مثلما ستخسر الباقي بالمقابل... انا في الاعمال مجددا بموافقة الكونت، فبينما أنت مفقود في تلك القبيلة النائية كنت أنا من يتولى أعمال ديكاتريس... كنت أنا من تبكي على كتفه آنجلا... انقضى دورك منذ وقت طويل و لا أنوي خسارة ثقة الكونت"
" ثقة الكونت أنت فقط من خسرها لأنك تدرك جيدا بأنني لم أوافق حتى على دخول أعمال ديكاتريس لأنني متحرر الاختيارات و أعمل فقط ما أريده... لست مسؤولا على غبائك و لا على ادمانك للقمار فأنت فقط المسؤول على خذلانك أبي" التقط أنفاسه و تابع ببرود " و آنجلا لن تحتاج للبكاء على كتفك مرة ثانية لأنني لا أنوي تركها"
ابتسم ويليام للمرة الأولى و أشرقت عيناه لثانية قبل أن تظلم مثل الجحيم.
" الحذيث معك مشوق لكن علي الرحيل فالأعمال بالإنتظار"
" لن تخرج بهذه المستنذات ويليام لأن الكونت لا يسمح لي أيضا بإخراجها من هنا... انها اسرار ديكاتريس" تجهم وجه ويليام عندما سد عليه الطريق بملامح مصرة و تواجه الاثنين في جو مشحون من الكراهية و الضغينة. من بين اسنانه صفر مثل صوت انذار:
" تنحى من طريقي..."
" لن تخرج هذه الاوراق من هنا اعدك" اجاب جوشوا ببرود و يقين.
اكفهر وجه ويليام اكثر و اهتز صدره بغيض قبل ان يخرج الملف الثمين و يضرب به صدر شقيقه بعنف.
" احذرني ايها اللقيط...لأنني كابوسك الذي سيدفك الثمن غاليا "
***
شعرت لينيتا بوجود توأمها في الجوار حتى قبل أن تفتح باب سيارة الأجرة و تهرول هذه الأخيرة نحو المجموعة النسائية الصغيرة التي هي فرد منها، انفجر جسدها بسيل من الالم ما ان التقطت عينيها صورة المرأة التي تشبهها جدا، هذه المرأة التي ترددت بلا توقف في مخيلتها، المرأة التي حملت هي نفسها حزنها على ظهرها و ساندتها كثيرا في الماضي، أخبرها مارك بأنه من المستحسن تركها على الحياد حاليا و اخبارها بعودتها في الوقت المناسب، وعدها بأنه من الافضل للجميع أن يعرف الأخرين بعودتها بعد أن تسترجع كليا ذاكرتها الضائعة... بعد زواجهما.
التقت نظراتهما على بعد مسافة و اعتصر قلبها من الأم بينما تسارعت دقات قلبها بعنف الى أن شعرت بدوخة غريبة تلف عقلها، بدت توأمها فاقدة السيطرة و نظراتها مظلمة من الغضب و الفضول و الحذر، لم تسمع حقا ما دار بين زوجة والد خطيبها و عمته، كانت هناك همهمة يليها مغادرة شخص ما من حولها، ربما تكون منظمة حفل الزفاف هي لا تدري، ثم التقط عقلها أصوات و مكابح سيارة أخرى، كان هناك جذار بينها و بين الواقع بينما تقف أمامها 'آنا' محتقنة الوجه و لاهثة، تنظر الى أعماق عينيها و كأنها ترغب بقراءة روحها.
" لين؟؟ هل هذه أنت حقا؟؟"
لم ترد، لم تكن قادرة على الرد، فجأة انفجر باب ما في ذاكرتها و تسللت الى عقلها سيولا من الذكريات البعيدة جدا، كانت تتردد بسرعة شديدة لدرجة أوجعت رأسها و دفعت عينيها لتدمعان دون أي رغبة منها للبكاء حقا.
" كنا نملك كلبا في عمر العاشرة..." سمعت نفسها تردد فجأة " كان اسمه بلاك... مات تحت عجلات سيارة جارنا"
اتسعت عينا 'آنا' لبرهة قبل أن تمتلئا بالدموع و ترتجف شفتها السفلى التي زمتها بعنف قبل أن تطبق فجأة على ذراعها و تديرها، قبل أن تفقه لينيتا لما يحذث تهادى اليها صوت سحاب رقيق ثم شعرت بالهواء على بشرة ظهرها، وضعت يديها حول صدرها لتمنع سقوط فستانها و اقشعرت بشرتها عندما أحست بأنامل توأمها على أسفل ظهرها تلامسها ببعض الاصرار.
" انها أنت..."
لم تتمم 'آنا' كلامها لأن صوتها اختنق وراء ظهرها، استدارت نحوها لينيتا و راقبت الدموع تنزلق على وجنتيها اللتين فقدتا لونهما وصارتا شاحبتين، رأت وميضا آخرا، لم تميز الأشكال لكن صوت اطلاق النار دوى بعنف في عقلها تماما كما دوى صوت مارك أنطونيو في هذه اللحظة:
" ابعدي يديك عنها..."
لم تفهم لينيتا لما لهجة خطيبها عدائية؟ هذا الأخير لف أصابعه الى سحاب فستانها ليعيده مكانه قبل أن ينتزعها من أمام شقيقتها و يحضنها اليه و كأنها بمواجهة خطر محدق، مثل المعتاد تشعر بالأمان بين ذراعيه، لكن الصدمة التي غضنت وجه شقيقتها أوجعتها، كان يسألها ان كانت هي بخير بينما من تحتاج حقا لهذا السؤال هي 'آنا'.
" كيف تجرأت على اخفاء أمرها عني؟؟"
زمجرت 'آنا' فجأة بإتهام وهي تشير الى مارك أنطونيو بحقد، لم تكن حقا قد استفاقت من صدمتها و لا تبدو بخير أيضا، لكنها تقتص من الرجل أمامها بنظرات قاتلة. " أمرها يهمني كما يهمك أيضا... لو لم يخبرني رافييل"
رالف هو من أعلم توأمها بشأن عودتها؟؟ استدارت نحو المكان الذي اشارت له شقيقتها بدقنها و لمحت الصغير ينظر الى المشهد بحيادية رجل بالغ، التقت نظراتهما لبرهة قبل أن تلمح ما لم يسبق لها أن لمحته من قبل، لمحت بعض الاستعطاف و ربما... الندم؟؟
" لينيتا لم تستعد كليا ذاكرتها... و رأيت أنه من المستحسن الاحتفاض بما..."
زمجرت مجددا 'آنا' بوحشية مما أجبرها على الإبتعاد عن تثبيت ابنها و العودة بكل اهتمامها الى الشخصين الأقرب الى حياتها يتواجهان مثل أسدين شرسين و جائعين، كل منهما ينتظر الفرصة ليسحق الأخر.
" رأيت؟؟؟ قررت بنفسك ؟؟؟ لا حق لك على شقيقتي مارك أنطونيو أنا فقط المسؤولة الوحيدة عليها الى أن تخف كليا و تستعيد ذاكرتها و عافيتها... لست زوجها و لم تتسبب لها و عائلتك الا الأسى... هل يجب أن أذكرك بأن من تسبب بهذه المأساة هي والـدتـ..."
" اخرسي" صرخ مارك أنطونيو فاقد السيطرة على رباطة جأشه و أشار الى زوجة والده " كاثرين خذي التوأمين الى غرفتهما رجاءا..."
لم تحتاج كاثرين الى رجاء ثاني و كأنها كانت تثوق الى هذه المقاطعة لترحل و تختفي، تسلل الجفاف الى حلقها سريعا بينما يزداد الجو اختناقا و حدة، رالف لم ينتظر ان تصل اليه جدته أسرع نحو 'جو' الذي كان يقف في ظل سقيفة مدخل القصر.
" خرجت شقيقتي لتوها من مصح عقلي، أنا فقط من سيهتم بها مارك ستكون واهما ان ظننت بأن لك أدنى سلطة عليها..."
" 'آنا' ... أنا لست مجنونة" اعترضت لينيتا مدافعة، بينما انزلقت يد مارك أنطونيو على شعرها يمسده بحنان:
" لا أحد يتهمك بالجنون يا ملاكي..."
ثم عاد ليتتغير ملامحه و لهجته بينما يحاور 'آنا':
" ليس مرحبا بك هنا 'آنا'.. "
" أنت لا تفهم 'دون ريتشي' لن أغادر دون لينيتا لأن أي قاضي في العالم لن يرضى أن يرعاها ابن المرأة التي عتدت عليها..."
توقف العالم عن الدوران كما أظلم تماما من حولها،حماسة هذا اللقاء تحول الى جحيم، العلاقة بين شقيقتها و حبيبها مشحونة بالضغينة و الجو يتلف أعصابها رويدا، كما أن قول 'آنا' كثم على أنفاسها، ماهذه القصة أيضا؟؟ لما والدة مارك أنطونيو عتدت عليها؟؟...
"أريدك أن تغادري حالا بيتي..."
هذه المرة كان الموقف اعنف، مارك رافق الأمر بالفعل و أمسك بذراع شقيقتها بقسوة، رغم كل مقاومتها للدخول في تلك الازمات التي تناوبت عليها كثيرا في الماضي احست ببوادرها و بالتخدير يشل اطرافها رويد.
" هل والدتك من أطلق علي النار؟"
لم تعي ان كلامها أتى عاليا أم لا المهم انها نجحت بوضع حد للنقاش المحتدم و سلسلة التهديدات المتبادلة،أحاط مارك وجهها بيديه و تطلع الى عينيها بإصرار و قد رقت نظراته الزرقاء الشفافة:
"لا أعرف أمَّا أخرى غير كاثرين، لو استعدت ِذاكرتك لفقهت صدق ما أعنيه، لا تهتمي لما تتلفظ به هذه المرأة"
لا هي لا تفقه لما يعنيه ولا تعرف في أي متاهة أخرى تدخل و تتوه، ما هي مدركة اياه هو أن الحرب في ذاخلها تتفاقم و بأن أزمتها قريبة جدا.
" هذه المرأة هي شقيقتي مارك... يؤلمني ان تطردها من هنا"
احتاج لبضع ثوان كي يتمعن في كلماتها و يستوعبها، تراجع عنفه فجأة و تغير وجهه و كأنه لم يكن يستشيض غضبا قبل ثانية، و كأنه لم ينتظر أبدا تدخلها بشأن شقيقتها أو الاعتراض عن أمره بطردها.
" آه آسف...آسف حبيبتي لم أقصد ايداء مشاعرك تعرفين بأنه يكفي ان تطلبي شيئا لأحققه حتى و ان تطلب الامر حياتي"
لا تظن بأن رغبتها في الالتجاء الى غرفتها و الاحتماء من هذه النزوة قد تتطلب حياة أحد، ترغب فقط بأن ينتبه بأنها ليست بخير و أن يوفر عليها التعري أمام 'آنا' التي لم تخفي رأيها بشأن خروجها من المصح، تعتبرها مجنونة و غير قادرة على تحمل مسؤليتها بنفسها.
" اريد العودة الى غرفتي ..."
" بالتأكيد.."
دون ان يترك لها المجال للاعتراض كان قد انحنى و حملها بين ذراعيه متوجها بها نحو القصر على اعقابهما 'آنا' غاضبة و حاقدة مثل الجحيم.
***
عادت بيانكا تتحقق من العنوان المدون في هاتفها و تتطلع الى البناية الزجاجية الطويلة و المفقودة في السحاب، اذا صحت معلوماتها فهنا توجد شقة دافيد في لوس انجلس.
أخدت نفسا عميقا و دفعت لسائق الطاكسي الذي أبدى نفاذ صبر قبل ان تترجل من السيارة نحو البناية و تبتلعها الابواب الزجاجية التي انفتحت تلقائيا بقربها.
لقد اسائت الفهم... نعم... ما حذث معها و مع دافيد سوء فهم كبير جدا و قد قدمت لتتأكد أكثر من الامر و تتقبله.
لابد ان ما حذث في الجزيرة ارعبه كما فعل معها، تقلبات مشاعرهما و انفجاراتها اخافاه مثلها، مستحيل ان يكون يفكر في صديقته السابقة بينما عرى على مشاعره معها و استسلم لها بكل كيانه، لقد برهن لها بأنه معها هي لا مع امرأة اخرى.
لم تستطع حتى افراغ الدموع او الصراخ منذ ان نبذها و تركها وحيدة في ذلك المكان الحالم الذي شهد حبهما و تحول الى جحيم.
قررت مجابهته بعد ان يتخلص من اضطرابه و يعيد التفكير فيما حذث بينهما، تريد سببا وجيها لانهائه كل شيء بدل ذلك العذر السخيف ' سأعود لصديقتي' بعد ان اخد منها ما اخد و ترك قلبها مظلما.
" هل أساعدك بشيء آنستي؟؟"
رجل شديد الاناقة ببدلة كحيلة دنى منها فجأة، لما لم تفكر بأن هناك أمن في بناية فارهة ممثالة في قلب لوس أنجلس؟؟ ماذا يمكنها أن تفعل أمام هذا العائق؟؟ اذا أعطت اسمها الحقيقي للحارس فلن تنجح خطتها.
" أنا قريبة دافيد ريتشي... أريد مفاجئته بالصعود مباشرة الى شقته دون اعلامه"
" آسف آنستي فالأمور أشد تشددا في هذا المبنى " أجاب الحارس ببرود " عموما السيد ليس هنا و لا أدري متى سيعود..."
" الأمر حقا هام..."
" الأمر ليس بيدي أنستي..." أجاب الرجل بحزم.
أدركت بأنه ينتظر منها الخروج، أصابها الاحباط بينما تتذكر الأيام السيئة التي قضتها مؤخرا في سبيل الاحتفاض بإتزان عقلها بسبب ما حذث، تعذبت كثيرا لكنها لم تبكي، حاولت أن تعطي تبريرات شتى فقامت بأول ما فكرت فيه، قفزت في أول طائرة و أتت الى لوس أنجلس لمفاجئته و مواجهته، وهاهو هذا الجذار الأدمي يقف بينها و بين أملها الوحيد لإسترجاع حب حياتها.
" سأترك لك بطاقة هويتي ان كنت تشك بي... الأمر حقا بغاية الأهمية... انها مسألة حياة أو موت"
" لما لا تختصري الأمر برمته و تتكلمي الى السيد بنفسه؟؟؟"
الاتصال بدافيد.؟؟ مستحيل لأنها أولا لن تتجرأ على ذلك و ثانيا... تعرف بأنه لن يرد عليها، المسألة برمتها تحتاج لتصفية تامة، لمواجهة و مجابهة...عليه تكرار ما قاله لها قبل أن يختفي...
" اسمع..." قالت بيانكا بعد أن بللت شفتيها
" انه ورائك..."
ماذا؟؟ دافيد ورائها؟؟ استدارت نحو مدخل البناية التي انفتح بابها المزدوج فجأة أمام الدخيل الجديد و انفجر قلبها في صدرها عندما تعرفت على هيئة دافيد المميزة، كانت مصدومة في موقفها و حائرة لدرجة انها لم تنتبه للشقراء التي تتشابك الاصابع معه، كان يرتدي نظارة قاتمة و يتكلم في هاتفه النقال، لم يُلقي نحوها نظرة واحدة و توجه رأسا الى المصعد الخاص قبل أن يناديه الحارس.
" سيد ريتشي هناك من يسأل عنك"
"لا..." رجائها لم يصل الى الاذان او يتجاوز حدود شفتيها، كانت تتمنى لو تختفي تحت الارض بينما يستدير نحوهما بإمتعاض دون ان يقطع اتصاله، بلعت بيانكا ريقها و تجولت نظراتها في وجهه و تعابيره قبل أن تنتقل اخيرا الى المرأة التي استدارت نحوهما ايضا و الى يديهما الملتحمتين بحميمية و عشق.
ببطئ استوعب دافيد وجودها و انسحب ببطئ ايضا الدم من وجنتيه السمراوين ، رأته يلقي نظرة قلقة على الشقراء الفاثنة بالقرب منهو كأنه يخشى عليها منها قبل أن يعود ليثبتها بعينيه اللتين نزع عليهما النضارة القاتمة... كان هناك تهديدا و تحذيرا في عمقهما.
يخاف على صديقته منها؟؟ تسائلت بقلب محطم بينما تراقب يده الكبيرة تترك يدها لتحيط كتفيها و تقربها منه بطريقة حمائية، سمعت بوضوع صدى قلبها يتحطم بقسوة في مكان ما في صدرها، عادت تحملق في المرأة التي تركها هي من أجلها... وجه الفتاة غير غريب عنها، انها تعرفها... لكن اين و متى؟؟
" تدّعي الآنسة بانها قريبتك"
آه ليس هذا... يكفي اذلال بحب السماء، سمعت صوت الحارس يقول بين السحب القاتمة التي تلف عقلها الذي توقف تماما عن العمل او عن التفكير، تبخرت كل خططها و ذهبت أذراج الريح، دافيد لم يخترع قصة عودته الى صديقته بل عاد اليها حقا... لقد حذرها و هاهي تتبعه الى هذه المدينة الكبيرة لتتحقق من الأمر بنفسها... عادت ليستمر اذلالها.
الله وحده يعلم كم أن الأمر مريع و مؤلم، تشعر بأنها ستموت من العذاب الذي انفجر في صدرها.
" قريبتك؟؟" سمعت صوت المرأة يقول و أحست بلإذلال أكثر لموقفها.
هي هنا بهذه الملابس التي لم تغيرها منذ زمن ووجهها الخالي من التجميل أمام منافستها الرائعة وسط فستان فضفاض يكشف عن كتفها بينما شعرها الحريري الامع الاشقرار يتموج حول وجهها الذي ينبض صحة و حيوية...
كانت تناسب دافيد اكثر منها، ليست مهددة بالموت او مريضة... انها بحالة جيدة حرة تماما من اي قيود و جميلة... جميلة بحق...وليست مثلها.
فجأة تذكرت... انها نيكول سميث من مسلسل "للغد فجرين" حتى انها من المعجبات جدا بالمسلسل التلفزيوني الذي احذث ضجة في العالم و ترجم الى شتى لغات، وهذه الممثلة هي الحبيبة التي لم يستطع دافيد الابتعاد عنها، الحبيبة التي استغل سذاجتها من أجلها.
" لست قريبة السيد..." اعترفت بيانكا بإبتسامة مرتجفة في زاوية شفتها و استدارت نحو الحارس " كذبت عليك سيدي فإعذرني... اتيت للحصول على توقيع الانسة سميث"
رأت دافيد يقطب، لكن مالذي توقع؟؟ أن تفتعل فضيحة و تصرخ بأعلى صوتها ...؟؟ أن تخبر هذه الحسناء بأن حبيبها نام لعدة أيام في حضنها هي؟؟ بأنه أخبرها بأن لها شعرا جميلا و ابتسامة لم يرى مثلها في حياته؟؟ابتسمت نيكول بلطف و تفادت بيانكا النظر الى دافيد أكثر، لقد سخر منها و حطم قلبها بعد ان اكتشف ان حبه لم يمت لصديقته السابقة و تركها لمصيرها في الجزيرة، اخرجت و رقة و قلم و امدتهما لغريمتها لتضع توقيعها، الدموع التي ملأت عينيها حجبت عنها الرؤية... كيف ستغدو حياتها طبيعية بعدما حذث؟ كيف ستحيا بعد اليوم و تتطلع الى وجهها الى المرآة دون ان تتمنى الموت في كل لحظة؟ لم يعد يتبقى لها سوى كبريائها و ترفض إذلال أكثر... فيما بعد، عندما تنفرد بنفسها فستترك العنان لدموعها.
" تملكين لكنة لذيذة" قالت نيكول عندما اعادت لها الورقة موقعة و القلم.
" انا صقلية، سعيدة للحصول على توقيعك انستي و حظا موفقا" صافحتها نيكول لتعود و تتلذذ بدفئ ذراع حبيبها، حبيبها الذي كان حبيبها هي قبل أيام فقط و ظنت بأن المستقبل يعدها بالكثير من الاحلام الجميلة " نسيت ان اخبرك بأنك أجمل بكثير من الشاشة... رفيقك يملك ذوقا رفيعا"
" هل سمعت دافيد هذا ألطف شيء سبق أن أخبرني به أحدهم... حظا موفقا في لوس انجلس آنستي أتمنى ان تعُجبك"
ادارت لهما بيانكا ظهرها و صلت الا تقع أو تتخاذل و تحتفظ برأسها مرفوعا الى ان تتجاوز على الأقل باب البناية، كانت الشمس قوية في الخارج و الطنين في أذنيها يزداد ارتفاعا،وضعت يدها امام عينيها اللتين انفجرتا في دموع صامتة و بحتث عن الطريق دون ان تجده... تريد طريقا غير المتوفر امامها... طريق يقودها الى المجهول...تريد ان تستفيق و تجد بأنها لم تلتقي يوما دافيد ريتشي و لم يحصل ما حصل معه في الجزيرة، تريد ان تستفيق و تكتشف بأنها لم تغرم يوما و بأن ليس لهذه المدينة الكبيرة جذران تهدد بالالتفاف عليها و خنقها حتى الموت تريد أن تستفيق و تكتشف بأنها عاشت كابوسا فحسب... تريد أن تستفيد و تكتشف بأنه لم يكن لها وجودا أصلا فحياتها بائسة و سلسلة من العذاب و المعاناة.
لم يعد بإستطاعتها الاحتمال ما ان تأكدت بأنها بعيدة كفاية عن انظار دافيد حتى ركضت بقوتها تشق طريقها بين أولئك الناس الذين لا يفقهون للعذابها و لا معاناتها.
***
" ما هي خطتك الثالية أيها الذكي؟؟"
تجاهل رالف توأمه و أبقى عينيه حالمتان على شاشة التلفزيون، أصابعه تضغط بإستمرار على أزار اللعبة الاكترونية.
" سوف يرسلك أبي الى الداخلية... هل تفهم معنى ذلك؟؟ سوف نفترق"
" ربما أستحق حقا الذهاب بعد الذي تسببت به " رد رالف بهدوء و أنهى الجولة بالفوز قبل أن يغلق الشاشة التي حالت الى اللون الأسود، 'جو' كان يقف في شرفة غرفة نومهما، وجهه قلق و نظراته منزعجة:
" هل مازالوا في الحديقة؟؟"
تسائل رالف و لم ينتظر الاجابة اذ أنه التحق بتوأمه على الشرفة و اكتشف بأنها كانت خالية الا من الخدم الذين يجهزون طاولة الغذاء في الخارج.
" لقد دخلوا قبل هنيهة... لا يبدو أبي بخير و لا شبيهة أمي"
تبادلا النظرات قبل أن يلوي جو شفته بإستياء
" فكرة الاتصال بخالتي كانت غبية"
" بالعكس 'جو'..." علق رالف وهو يهز كتفيه الصغيرتين " كانت الشخص الوحيد القادر على اكتشاف الهوية الحقيقية لتلك المرأة، قمنا بإستعمالها لنكتشف الحقيقة و قد تم كشفها... خالتي ترغب بالزواج من والدنا بكل حرقة كانت لتحبط خطط تلك المرأة لو كانت هويتها مزيفة...والدنا كان محق منذ البداية تلك المرأة هي والدتنا حقا..."
هز جو رأسه و أطل الحزن من عينيه الزرقاوين:
" نحن ولدان سيئان..."
" كنتَ أكثر لطفا معها... أنا الولد السيء الوحيد 'جو' لذا أخبرتك بأنني لن أعترض ان قرر والدي ارسالي الى الدرسة الداخلية"
انفتح الباب و دخلت بيلا، ابتسامة عريضة على وجهها، لم تكن ترتدي ملابس الخدم، تحمل في يدها علبتين مسطحتين ملفوفتان في ورق ملون:
" مرحبا أيها الجمـــــيلان... لدي شيء لــــــكما"
أدرك رالف فورا ما سيعقب الهدايا التي ضعتها في يديهما وعاد يتفحص هنذامها البسيط بعين حادة دون أن يعلق، مزق الورق و اكتشف البوم صور اسمه مكتوب يدويا بطريقة جميلة و حروف مذهبة، الألبوم يضم كل لحظاتهما مع بيلا في 'بيلا تيرا'، عاد ينظر الى بيلا معلقا:
" سوف ترحلين؟؟"
جلست على ركبتيها أمامهما و هزت رأسها بهدوء قبل أن يطل الألم من عينيها الفيروزيتين:
" طائـــــرتي في الرابعـــــــة... لن أنساكــــــما مهما حـــــييت"
لم يعد من داع لردعها و كلاهما يعرفان أن من في القصر في هذه اللحظة هي والدتهما بحق، ضمتهما بيلا الى صدرها طويلا قبل أن تقبل رأسيهما بحنان و عاطفة بالغة.
" سوف أتصــــل بكما بإســـــتمرار..."
" سوف نفتقدك بيلا..." همس لها جو بلطف قبل أن يقبل وجنتها و يحضنها ثانية، اكتفى رالف بالتحديق اليها، هزت بيلا حاجبها متسائلة:
" الن أحصل على قبـــــلة ؟؟"
" عندما تعودين..." ثم تابع" سوف تفتقدك الأحصنة أيضا"
امتلأت عينيها بالدموع و هزت كتفيها قائلة:
" يبدو أن والدتكــــما تعشق الأحصــــنة أيضا و ستــــهتم بها..." أحاطت وجه رالف بيديها و حملقت اليه بإصرار" سمـــعت ما دار بينكــــما 'رافييلو'... ولن ألومــــ...ــــكما على جلــــب السيدة 'آنا' الى القصر لأنها كانت طريــــــقة ذكيـــــــة و ســـــــــديدة للتـــــ...ـــــــأكد من هوية الزائرة... لكنني أثق بــــــها انها حقا والدــــــتكما وهي تعشقــــــكما من قلبها فإمنحاها بعض الوقت لتشـــــفى و تتأقلم مع حياتها الجديدة...ساعداها فلقد عاشت طويلا في متاهة حقيقـــــــية و بالتــــــأكيد والدكـــــما كان تـــــعسا من دونها... أتوسل اليكــــــما... أتركا والدكما يعيش الســــــعادة التي يستحقها فهو مغرم بحق "
" و أنت بيلا...؟؟" سأل رالف وهو يلامس وجهها " هل ستعيشين سعيدة في أستراليا؟؟"
" لدي أم وأشقاء رائعين...نعم... سأكون سعيدة، سوف أصور كل حيوان يقع أمام نظري و ارسله لكما... لن أنساكما أيها الشقيان... أحبكما من قلبي"
عندما غادرت بيلا غرفة التوأمين و ذهبت للبحث عن سيد القصر كان بصدد نقاش حاد مع شقيقة خطيبته، لكن لا وقت لديها للتماطل أكثر، طرقت الباب و ماهي الا لحظة حتى فتح لها مارك أنطونيو بنفسه وجهه شاحبا من الغضب:
" ماذا هناك ايزابيلا؟؟"
" سوف أرحل 'دون مارك أنطونيو' أخبرتني أن أمر لرؤيتك قبل رحيلي"
انطفأت ألسنة اللهب في عينيه و استعاد وجهه هدوئه، طلب من السيدة 'آنا' الرحيل و هذا ما فعلته، خرجت برأسها عال و ملامحها باردة و جامدة، دعاها للدخول و أغلق الباب خلفها قبل أن يدور حول مكتبه و يخرج عدة أوراق.
" هذه رسالة توصية ان اردت العمل ذات يوم..."
أمسكتها بيلا مبتسمة بشكر، ثم تلى ورقة التوصية وثائق بإسم مدرسة الخاصة في 'كانبرا' حيث تسكن والدتها في استراليا، هزت عينيها اليه بعدم فهم، فرك جبينه لدقيقة قبل أن يستطرد.
" مدرسة الطبخ في باريس لديها عدة فروع في انحاء العالم و قد سددت لك فترة دراستك لتتمكني من الحصول على شهادة مميزة و فتح مطعمك الخاص"
" دون مارك انطونيو انت لست جادا..."
رأته مرة أخرى ينحني و يكتب شيئا، هز رأسه نحوها و أمدها بشيك محرر:
" ما أقدمه لك هو فقط من حقك... تذكرين اتفاقنا في المستشفى؟؟؟ قمت بدورك وحان الوقت لأتمم ما عليّ في العقد..."
اتسعت عينيها بعدم تصديق عندما رأت المبلغ المدون في الشيك.
" لن أقبله..."
" بيلا..."
" لا..." قاطعته " لن تشتري خدماتي للتوأمين لأن حبي و اهتمامي كانا صادقين... يكفي بطاقة السفر من الدرجة الأولى التي أهديتني و أيضا المال الذي هدرته في دراستي سابقا و التي سأتممها بفظلك... لن أقبل الشيك دون مارك أنطونيو و هذا آخر كلامي"
" أريد أن أساعدك بفتح مطعمك الخاص بيلا... خديه ولا تصرفيه الأن... احتفظي به لحين اتمامك دراستك"
" لا..." و استرخت ملامح وجهها و ظهرت ابتسامة على شفاهها " لو احتجتك سوف أتصل بك... ربما لأفضفض... لأحصل على النصائح، صدقا لست بحاجة لهذه الثروة"
بعد تردد أعاد مارك أنطونيو الشيك الى جيبه، ثم دار حول مكتبه ليواجه بيلا التي يتجاوزها طولا بكثير، هزت رأسها نحوه، مبتسمة و ناعمة كما عهدها دوما:
" سنفتقك ايزابيلا"
" و أنا أيضا... رحيلي لا يعني أبدا قطع صلتي بالتوأمين أو بك، أتمنى لك حظا موفقا مع السيدة لينيتا، انها امرأة رائعة"
احتظنها برفق و قبل وجنتها قبل أن يلامس مكان قبلته بأصابعه و يبعد خصلة من شعرها الذهبي:
" أنت أيضا امرأة رائعة... آسف ألا تتوفق علاقتكما أنت و اليكس، لا يدري الحظ الذي يُفوته"
تجاهل التعبير المتألم الذي ارتسم على وجهها، ابتسامتها المشرقة اختفت و هزت كتفيها
" علي الرحيل 'دون مارك أنطونيو'"
" سوف يوصلك السائق..."
" لا داعي فجدّاي يصران على مرافقتي..."
أدلف مارك يديه في جيوب بنطاله و تابع جسم بيلا الرشيق و الفتي يدنو من باب المكتب قبل أن تتجمد يدها على مقبض الباب و تستدير نحوه:
" لا تعطي عنواني لأليكس رجاءا"
" ليس أليكس من يلتجئ لطلب شيء..."
" أريد حقا نسيان ما حذث و بدأ حياة جديدة..."
" اعتمدي على تكثمي"
ابتسمت ابتسامة حزينة و هزت رأسها مودعة:
" وداعا سيدي..."
" الى اللقاء ايزابيلا..."
ابتلعها الباب و أحس بالفراغ، شمس التوسكانا سترحل الى استراليا و تظلم أراضيها، طالما قارنها بشعاع الشمس و فرحة قصر الدوقية، كيف سيتأقلم مع رحيلها بحق الله؟؟
فتح الباب و أطل رأس بيلا مجددا، عاوده أمل سخيف بأن تغير رأيها و تقرر البقاء، لكنها و دون أن تدخل تمتمت بصوت منخفض:
" نسيت أن أخبرك بأن رالف تعمد الاتصال بالسيدة 'آنا' ليكشف لعبة "دونا لينيتا ' ان كانت مزيفة... استعمل خالته كطعم لأنه أدرك بأنها الوحيدة القادرة على التعرف بحق عن والدته... سوف أتركك الأن... اهتم بنفسك"
ثم اغلق الباب تاركا مارك أنطونيو في عجب و حيرة من امره ، هز رأسه ليحملق في السقف و لم يشعر بالغضب هذه المرة من رالف بل ابتسم فجأة لنفسه قبل أن ينفجر ضاحكا و يعود الى مكتبه يتمتم بغير تصديق:
" أي رجل مستحيل ستغدو رافييل ريتشي؟؟ فلترحم السماء النساء منك"
***
بجبين منقبض و ملامح مشدودة لحد الانفجار تابع دراكو الركض على آلة الركض في قاعة الرياضة الخاصة في 'الكاستيلو' بصقلية.
أمامه مساحة لا منتهية من البحر الأبيض المتوسط، أمواجه هادئة عكس الهيجان النفسي الذي هو فيه، كان يركض برتابه و يشعر بأن رئتيه ستنفجران في أية لحظة من المجهود، اكتفى بشورت أسود قصير و ترك جدعه و ظهره مكشوفان و حران بقذف ما يحلو لهما من عرق، سيولا من المياه المالحة تنزلق من وجهه نحو الاسفل و تلتقي بشوق ي قمة دقنه السمراء الحليقة لتنثر قطرات يمنة و يسرة بسبب اهتزاز جسمه المتكرر.
رغم السماعة في أدنيه لم تحجب عنه الموسيقى ما يدور من حوله، أحس بقدوم فرانكو ما ان تجاوز هذا الأخير عتبة قاعة الرياضة، خفف من حدة الألة و التقط منشفة بيضاء في نفس الوقت الذي وصل اليه فرانكو.
التقط قنينة الماء و أفرغها في جوفه قبل أن يرميها رمية موفقة في سلة المهملات، وضع المنشفة على وجهه و صدره و اهملها على أقرب كرسي.
" اذن؟؟"
" بيانكا في لوس أنجلس ..." قال فرانكو وهو يتابع حركات و ردات فعل رئيسه الذي جلس في هذه اللحظة لينتزع حذائه الرياضي و جواربه قبل أن ينتزع شورته القصير و يبقى وسط مايوه سباحة " انها في الطائرة الخاصة الأن مع حراسيها، لم تبدي اي مقاومة عندما عثر عليها هذا الصباح بل كانت مستسلمة"
" أعرف كل هذا فرانكو، فقد اتصلت بي بنفسها قبل دقائق... قالت بأنها ستعود الى البيت"
هز فرانكو حاجبيه الكثين و هذه الحركة لم تفوت دراكو الذي قال ببرود:
" لست غبيا فرانكو فتهديد دافيد ريتشي كان واضحا ذلك المساء، اختلى بها و أخد منها مايريد و رماها بعد ذلك... صدقني هذا أفضل لها كي تدرك بأنه عندما أقول لها لا... فلأنني أعرف مصلحتها..."
" كان بإمكاننا تفادي الكارثة..."
" لن تعيش بقلب مجروح فستنساه قريبا... ماتزال طفلة صغيرة و أمامها كل الوقت... لو منعتها لما أصغت لي و كانت لتتمرد أكثر"
دنى من بركة السباحة الداخلية و ارتمى في مياهها الدافئة، تمشى فرانكو قرب حافة البركة مرافقا غوص سيده نحو الحافة الأخرى، وعندما ظهر في النهاية أمده بمنشفة نظيفة تجاهلها هذا الأخير و جلس على ضفة البركة، جسده الرياضي يتخلص رويدا من المياه العالقة.
" و ديامانتي؟؟"
" لا خبر لدي و لا جديد... عموما كل القنصليات على دراية ببحثنا عنها..."
" لن تتأخر بالظهور تلك الكلبة المتشردة" تمتم دراكو بصوت منخفض و كأنه يكلم نفسه " لايجب أن يعثر عليها ليونيداس"
" ان كانت تختبئ منك فهي تختبئ منه ألف مرة دراكو..." علق فرانكو ببرود.
" الغبي يظن بأنها تحمل طفلي... لم ترى وجهه فرانكو، شعرت بالانتصار و أنا أرى عزة نفسه تسقط تحت قدميه... لن يجد الدواء المناسب لشفاء غروره و كبريائه المجروحان"
لم يعلق فرانكو مما دفعه للنظر نحوه و تثبيته:
" مازلت تقلق بشأنها؟؟"
" تعرف جيدا بأننا لا نتفق عندما يتعلق الأمر بالأميرة... لما لا تحررها فحسب و تنهي هذه المهزلة؟؟"
هز حاجبيه و ابتسم بإستمتاع:
" سوف أحررها فرانكو أعدك...لكن ليس الأن... سوف أطلقها عندما يحين الوقت..."
هذه المرة التقط المنشفة التي كانت بجانبه و مررها على وجهه ثم صدره و عم الصمت بينهما لثوان قبل أن يقطعه ملقيا السؤال الذي انتظره فرانكو:
" ماذا عن فلورانس؟؟"
" انها في لندن وهي مراقبة جيدا فلا تقلق... هذا الصباح، تلقت زيارة صديقها السابق"
بدى الاهتمام في عيني دراكو، اهتمام تحول فجأة و كما توقع فرانكو الى تعبير مرعب و يهدد بخطر محدق:
" تقصد رجل الأعمال الذي كانت مخطوبة له؟؟"
هز فرانكو رأسه بالإيجاب فقط، وقف دراكو من مكانه و لف المنشفة حول وركيه قبل أن يضع يديه على جانبيه و يتطلع اليه بنظراته القاتمة :
" كم تبقى لتنجب الطفل؟؟"
" اربعة أشهر..."
" اذن عليها أن تتعلم رفض زيارة أي رجل خلال هذه المدة فرانكو... ما ان تعود بيانكا الى البيت حتى نقوم بزيارة قصيرة الى لندن ما رأيك؟؟"
فرانكو يعرف بأن ئيسه لا ينتظر رأيه كما لم يكن ينتظر أيضا معرفة الأشهر المتبقية لتنجب فلورانس ريتشي الطفل، انها استراجيتيته و طريقته في الكلام التي يحفظها عن ظهر قلب، لا يعرف مالذي يخطط له بشأن كل هذا لكنه على دراية سابقة لما ستؤول اليه حياة الأم المستقبلية، ان وضع دراكو فكرة سلبها الطفل فسيفعل، بكل الطرق الممكنة سيأخد طفله منها، مهما كان ادواردو ريتشي محاميا ماهرا و مهما ملكت عائلتها من أموال أو نفوذ... دراكو فالكوني شيطان لا يقهر و نزاهته تنعدم عندما يتعلق الأمر بشيء يريده بشدة.
فلورانس ريتشي ستتمتع فحسب بحملها و لن تصل الى رفاهية الاستمتاع بأمومتها لفترة وجيزة و محددة.
سمع رئيسه يصفر و هو يتوجه نحو كابين الدوش، يتمختر في مشيته و كأنه أسد أتى الأن على افتراس فريسته.


أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 19-04-14, 10:36 PM   #53

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الرابع والعشرون


رنّ هاتف آنجلا بين أصابع أندريس جينيور الذي كان يعضه تارة، ويلعب به تارة أخرى بينما تقوم هي بتغيير حفاظته على سريرها، شدت جوانب الحفاظة، ومدت يدها إلى الهاتف لكن وجه ابنها تغضن بشدة بينما تحاول نزعه من يده.
" مهلا يا ملاكي سوف أعيده لك..."
انفجر الصغير في البكاء عندما تمكنت استرجاع هاتفها، وتيبست أصابعها بينما ترى اسم زوجها على الشاشة الصغير، التقطت ابنها بسرعة، ووضعته على صدرها تحاول تهدئته بينما أجابت بصوت تمنته أن يكون طبيعياً:
" مرحبا"
" مرحبا آنجلا.."
أغمضت عينيها، وقد هاجمها الحنين لسماع صوته الحبيب.
رباه متى عاد؟ لم تتوقع أن تعرف عن أخباره الآن، ولا في وقت قريب، والآن بينما يفاجئها اتصاله تجد نفسها عاجزة عن التصرف، تململ ابنها بنفاذ صبر، والتقطت أصابعه الصغيرة خصلة من شعرها شدها نحوه بشكل مؤلم جداً، وعندما حاولت التحرر انفجر مجدداً في البكاء.
" ما به اندريس جينيور...؟"
سمعت صوته مجدداً من الطرف الآخر، فسارعت بالبحث عن مصاصة الصغير المهجورة على السرير.
" يريد العبث بشعري بكل ثمن"
أجابت بتلقائية، وسمعت ضحكته الصغيرة من الجهة الأخرى، ضحكة ترددت في معدتها كالصدى، ودفعتها للابتسام أيضا.
" هل تتصل من أمريكا؟"
" لا، لقد عدت البارحة إلى لندن..." أجابها دون ثانية تأخير
ابتسامة آنجلا تلاشت، وزمت شفتيها بقهر، عاد البارحة، ولم يتذكر الاتصال إلا اليوم؟؟ أنهى المسائل الأكثر، أهمية قبل أن يتذكرها هي وأولادهما؟.
" هل تتصل لتكلم ليليان؟"
سألته ببرود، وهي تضع المصاصة بين شفاه اندريس جينيور الذي توقف فوراً عن البكاء:
" آسفة جوشوا، لكن الصغيرة في معهد الرقص حاليا"
" في الحقيقة اتصلت لأعرف إن كان بإمكاننا الخروج للعشاء هذا المساء... "
هذه اللكنة المعسولة تعرفها جيداً، زوجها يستعملها ليخنق اعتراضاتها أو مقاومتها، الله وحده يعلم كم تتحرق للقبول، وبلع كبريائها المجروح، ونسيان كل الكلمات المريعة التي قذفها بها ذلك اليوم بينما يتأهبان للسفر إلى اليونان، آه كلا... عليها تصفية الموضوع مرة إلى الأبد.
" أنا مشغولة هذا المساء..."
لم يترك لها المجال لتكمل الكلام مباشرة تغيرت لهجته إلى نبرة جليدية.
" ستخرجين الليلة؟؟"
" بحق الشيطان فيما يهمك برنامجي لهذا المساء جوشوا؟؟!! سبق وأعربت لي بأنني لا أهمك "
عم الصمت ولعنت نفسها على تسرعها، واستسلامها للقهر المدفون في صدرها، وضعت أصابعها على شعر ابنها الذي بدأت مقلتيه بالتثاقل ببطء، وأعمت الدموع عينيها... بيدها أن تنهي عذابها، عليها فحسب قبول الدعوة... الشيء الذي لن تفعله بالتأكيد.
" سوف أمر غداً إلى ستارهاووس مع الأولاد..."
لم تتلقى رداً، دفعت أصابع يدها أكثر في شعر ابنها الغزير هذا الأخير فتح عينيه، وثبتها بعينيه المتضاربة اللون بين الأخضر والأزرق، تغير لونها مع مرور أشهر حياته الصغيرة، وأضحت فيروزية رائعة، مختلفة عن لون عيون شقيقته الكبرى.
" يجب أن أتركك الآن..."
" مع من ستخرجين؟؟"
لا أحد.. كادت أن تجيب ببساطة، زرع الشكوك في روح جوشوا أسوأ ما يمكن أن يحدث له، إذا كانت ذاكرتها لا تخونها فهي تتذكر بوضوح الفضيحة التي تسبب بها في ذلك الملهى الليلي، ما عقب شجارهما أمدها بالأمل.. اللقاء كان كالمفرقعات في سماء حالكة، لكنه خيب أملها في اليوم التالي، ومزق قلبها.
" لا يهمك جوشوا..."
" بالتأكيد يهمني.. فمازلت زوجتي...."
انفجر في وجهها، مما أضطرها لإبعاد الهاتف قليلا عن أذنها..
" تراجعي عن إيقاظ شياطيني آنجلا.."
" اذهب إلى الجحيم "
صرخت بدورها، وأغلقت الخط بعصبية، الطفل النائم انزعج من صوتها، لكنه لم يستفق لحسن الحظ، مررت يديها على وجهها الساخن قبل أن تنفرج شفاهها في ابتسامة منتصرة.. لقد فعلتها.. نجحت حقا بإرساله إلى الجحيم بدل الاستسلام إلى شوقها، والارتماء على قدميه.
وقفت من مكانها، وهزت ذقنها دون أن تتوقف عن الابتسام، دنت من شرفة غرفتها، وأزاحت الستائر، إنها البداية فحسب جوشوا، تقسم أن تذيقه العذاب وتقسم أن تتلذذ بذلك.
***
منذ وصولها إلى عاصمة العطور الفرنسية لا تنفك نيفرلي من قرص نفسها للتأكد بأنها لا تحلم، وأنها حقا في فرنسا.
لا تتذكر أن التقت فتاة برقة وطيبة 'ميا' الفتاة تبنتها منذ أن وقع ما وقع في منزل آنجلا ريتشي، كانت متفهمة ورقيقة معها، ولم تفارقها منذ ذلك الوقت، عندما أعلمتها عن رغبتها في التجوال في أوروبا، اقترحت عليها هذه الأخيرة البدء بمدينة 'غراس' حيث تعيش 'ميا' مع زوجها المستقبلي.
كان بانتظارهما سيارة بسائق في المطار، بينما تمتطي ميا باعتيادية السيارة الفاخرة شعرت نيرفلي بالعصبية لأنها لا تنتمي إلى هذا العالم البراق الذي تتأهب للدخول إليه.. سيقتلها هاكان إن قرأ رسالتها، وعرف بمكانها.
تمتد حقول المدينة المليئة بالأزهار حولها أميالا - فمنها اللافندر والياسمين وزهر البرتقال، وقطف الأزهار، وأحياناً الأوراق، وتنقل إلي المصانع في غراس، حيث يجري عليها عمليات استخلاص الزيوت، التي تعطي الأزهار رائحتها المميزة.
كانت مأخوذة بما حولها، ولم تخفي دهشتها عندما انعطفت السيارة حول تل الياسمين، ودخلت من بوابة شاسعة من حديد إلى قلعة أبراجها أعلى مما سبق وأن سقطت عيناها عليها، جف حلقها وشعرت بابتسامة ميا عندما سألتها بصمت عن مالك المكان.
" خطيبي صاحب أشهر مصانع العطور في غراس والعالم، عائلته توارثت هذه المهنة منذ أجيال.. أنه كيميائي موهوب، ونعمل معاً منذ سنوات.. سوف تتفقين معه"
لم يكن حقا هذا ما فهمته بمعنى كلام ميا.. لأن الرجل الموهوب الذي تكلمت عليه 'ميا' كان يصرخ ويعطي أوامره ببعض الشراسة عندما وصلتا إلى الحديقة حيث انتشر طاقم تصوير من خمسين عامل أو أكثر، كانت المرة الأولى التي ترى فيها تصوير إعلان ما، وموهوب العطور لا يبدو مقتنعاً بالنتيجة، عندما نبهته ميا أخيراً بوجودهما، تمنت لو تختفي تحت الأرض عندما حط عينيه الحادتين عليها، لكنه سرعان ما أصبح مثل القطط بدل أسد هائج أمام خطيبته الجميلة، استرسلا في كلام محتدم بالفرنسية قبل أن يضمها بإيجاز إليه ويعود بنظراته الرمادية عليها.. الدوق ايثان لويس لامبر يثير رعبها.
" ما الذي جلبته لنا رياح ألاسكا؟؟"
أحست تلقائياً بالعداء لهذه اللكنة اللذيذة، سمعت ميا تضحك بنعومة قبل أن تضرب كتفه برقة وتقول:
" إنها ضيفة مميزة ايثان، كن رقيقاً معها..."
ثم نظرت من حولها متفقدة:
" أين فرونسواز؟؟"
" إنها في المكتب تتفاوض للحصول على عارضة تتفاوق مع عطرنا الجديد..."
أمسكتها ميا فجأة من يدها، وأحست بالراحة العارمة بينما يهجران الدوق البارد في مكانه ليتوجهان إلى القلعة المنتصبة بفخر على التل.
" تعالي عزيزتي سوف أريك غرفتك..."
" لا أظن خطيبك يحبذ فكرة وجودي هنا..."
علقت نيرفلي أخيراً بينما يتجاوزان مدخل القلعة، ويبتلعهما ظل الرفاهية من كل جانب.
" أنه عصبي بشأن العطر الجديد فقد عمل بشكل شاق.. سوف تحبينه أعدك..."
كانت ميا مخطئة بشأن تحسن علاقتهما هي وايثان، هذا الأخير كان يتصرف، وكأنها شفافة أو لا وجود لها في القلعة، في اليوم التالي أفرغ 'هاكان' جم غضبه عليها في الهاتف، وأمرها بالرحيل فوراً من بيت 'ميا' الشيء الذي زاد من امتعاضها.
بينما تبحث عن صديقتها الجديدة بين جمهور الموظفين في الحديقة لتخبرها بأنها قررت الذهاب إلى باريس.. صرخ أحد الموظفين فجأة ليخرس كل فرد يتكلم من حولها.
" صيف هندي..."
كانت النظرات منتصبة عليها، على جدائلها الطويلة المصففة بضفيرة، تراجعت إلى الخلف عندما حجب عليها الشمس ظل شاب طويل و ابتسم ابتسامة عريضة.
" مرحبا بكِ في طاقم العمل آنستي..."
" بيار.. أنت لست جاداً"
كانت 'ميا' من خرج من بين الأشخاص الذي تجمهروا حولهما، وكأنها كائن قادم من الفضاء.
" انظري إلى وجهها وملامحها.. نوع الجمال البدائي الذي نريده لصيف هندي.. الدوق ستسعده الفكرة، أريد فحسب التقاط بعض الصور لأوضح الفكرة"
قبل أن تتدخل نيفرلي بشيء امرأة بشعر برتقالي أمسكت بذراعها، وجذبتها بكل حماسة إلى خيمة بيضاء كتب عليها 'تجميل'.
***
" أين هي لينيتا؟؟"
وضعت كاثي المجلة التي بين يديها بكل هدوء وواجهت المرأة التي تهتز من الغيظ أمامها، بدأت حقا 'آنا' باللعب على أعصابها بشدة، منذ قدومها إلى قصر الدوقية، ووضع لينيتا يزداد سوءاً، بالأمس بينما يخبرها مارك بالهرب بلينيتا لبضعة أيام ليهنئا ببعض الحميمة، وافقته بلا ثانية تأخير.
" سافرت مع خطيبها لبضعة أيام.. لا أظن بأنها كانت بحاجة لإذنك..."
شحب وجه 'آنا' بشدة لدرجة أقلقت كاثي، راقبتها تدنو من الكنبة، وتهوي عليها بكل ثقلها وتمسك برأسها، وكأنه سينفجر.
" لما لا تتركيهما وشأنهما؟؟"
هزت 'آنا' عينيها إليها، وتمتمت ببرود:
" كلانا تعرف الحقيقة أليس كذلك؟؟ مارك لم يرغب بالاقتران يوماً بلينيتا.. كانت مغرمة، ومجنونة به، من حقها أن تستعيد عافيتها قبل أن تقرر ربط حياتها به"
إذا كانت تنوي دفعها للشعور بالسوء فقد نجحت، هي أيضا ترفض خداع لين، لكن يبدو مارك نادماً حقا عن قسوته الماضية، تريد مساعدته لاستعادة ولو بعضاً من السعادة.
" مارك يعشقها" دافعت كاثي بتلقائية.
" لا أنكر ذلك دونا كاثرين..."
ثم عادت تقف على قدميها ببعض التعب
" ما يهم أن أعرف أين هما؟؟"
" لا أستطيع أخبارك لأنني بدوري لا أعرف أين هما.. ما يهم أنهما برفقة ولديهما، وأتمنى أن يستمتع الجميع بعطلة سعيدة"
***
بكل حذر و كياسة غادرت فلور سريرها، يدها على بطنها، وكأنها تخشى أن يسقط حملها تحت قدميها، هزت عينيها إلى السماء عندما دوى صوت الممرضة فجأة مدوياً.
" آنسة فلور حباً بالسماء..."
" سأصاب بالجنون إن بقيت أكثر في هذا السرير.. أريد أن أتمشى قليلاً..."
لكن الممرضة كانت بالقرب منها، زفرت بارتياح عندما لم تجبرها على العودة إلى السرير، وجلبت لها كرسي متحرك، ابتسمت لها بامتنان بينما تساعدها على الجلوس، وتضع بطانية صوفية على رجليها.
" خذيني إلى الشرفة رجاءاً"
يبدو بأن هذا التغيير لم يرقها وحدها، الجنين بدأ بالتحرك بشقاوة في بطنها، عادت للابتسام بعفوية كما يحدث معها مؤخراً، منذ رحيلها من إيطاليا، وهي تسبح في سلام تام، تعيش في راحة وهناء في منزل عمها ادواردو محاطة بالعديد من العمال الذين يخدمونها بكل أمانة ويسهرون على راحتها.
تنفست بعمق العبير الطائر في الهواء، وملئت رئتيها به، واحتضنت عينيها البانوراما الخلابة أمامها، طالما عشقت بيت عمها، كلما قررا والديها أخذهما هي وشقيقها دافيد إلى لندن كلما أمتلئتها الحماسة والسعادة، أمضت طفولة سعيدة في هذا المكان مع آنجلا وميا..
تحولت ابتسامتها إلى تكشيرة حزينة، هذا بالتأكيد كان من الماضي، لأن طفولتها السعيدة تحولت إلى جحيم بينما تكتشف بأنها لا تنتمي إلى آل ريتشي لا من قريب أو بعيد.
طرقات خفيفة على الباب تلتها خطوات الممرضة، شعرت بوجود آنجلا حتى قبل أن تراها، كان هذا موعد زيارتها كل صباح، تعرف بأن قريبتها ليست أشد حظاً منها، فهي بدورها تعيش كابوساً بسبب خلافهما هي وزوجها الذي تهيم به.. أضحى هذا القصر الجميل مقبرة النساء التعيسات.
" أرغب بالرقص حتى الخطوط الأولى من الفجر..."
سمعت ابنة عمها تنفجر في الضحك الرنان، وما هي إلا ثوان حتى كانت بالقرب منها، تجلس على المقعد الجلدي في الجهة المقابلة من الطاولة.
هزت فلور حاجبيها بينما تتطلع إلى تألق وجه قريبتها:
" لما أراك سعيدة اليوم؟؟"
" جوش يدور في متاهة منذ أيام... " أجابت بحماسة.
كشرت فلور، ليست متأكدة إن كانت آنجلا على دراية بالأحداث الأخيرة، كل فرد من عائلة ريتشي يعرف بأنها أبنة أندريس ديكاتريس، ماذا عنها هي؟؟ هل تعرف بأنها شقيقة الرجل الذي تنتقم منه ببطء؟ إن كانت تعرف فهي لم تخبرها بعد.. تابعت بابتسامة متألقة:
" لا يستطيع الحصول عن أخبار عني، أراد رؤية الطفلين فأرسلتهما مع الحاضنة والسائق إلى ستارهاووس، كان غاضباً لأنني لم آتي بهما بنفسي.."
" لما تفعلين ذلك به؟؟ ألم تكن أمنيتك أن يعود زواجكما إلى طبيعته؟؟"
هزت آنجلا كتفيها، وابتسمت ببعض الحزن ثم تفقدت محيطهما بعينان حادتين، ربما لتتأكد بأن الممرضة غادرت وتركت لهما بعض الحميمة.
" لا أريد العودة بهذه السهولة.. جوشوا آلمني.. آلمني بحق"
لم تجد فلور بما تجيب، ربما آنجلا على حق وربما تبالغ، من الصعب إلا يتذكرها رجل أمضى سنوات من عمره في عشقها، لكن العذاب الحقيقي هو ما تعيشه شخصياً، لا تجرؤ على تخيل المستقبل بشأن دراكو، إنها تعيش في رعب مستمر في أن يظهر ذات يوم في هذه الغرفة، تعيش أيضا في ترقب وخوف بشأن المستقبل، هل ستهنأ بولادتها؟؟ ما الذي ينويه دراكو بعد أن تنجب الطفل؟؟ هل سيجرؤ على طلب حقه في الحضانة بينما زواجه من الجميلة ديامانتي ما يزال قائماً..؟
" انسي الأمر..."
سمعت آنجلا تقول برقة، وتلامس يدها لتثير انتباهها
" لم أسألك بعد عن زيارة يانيس"
شعرت فلور بالنفور فوراً من الموضوع، آخر ما تريده هو التكلم عن لقائها مع خطيبها السابق، لكن.. ربما التكلم فيه سيخفف عنها هذا الثقل الرهيب في صدرها.
" أراد معرفة ما يريد معرفته الجميع..."
" إن كان الحمل منه؟؟"
أومأت فلور بالإيجاب ثم عادت تسرح بعينيها في الجمال الطبيعي تحت قدميها:
" انه يتحامق ... خطوبتنا انتهت قبل لقائي بدراكو... عاد يقوده الأمل"
احتفظت آنجلا بصمتها، وانتظرت أن تتمم كلامها
" يسعى لفرصة جديدة.. برأيه نحن متساويان الآن.. يقول بأنه رجل حياتي، بأن طفلي سيكون طفله، ومستقبل سعيد ينتظرنا"
" أممم.. وهل تعتقدين بأنه على حق؟؟ بأنه رجل حياتك؟؟"
لم تمنع فلور نفسها من الضحك فجأة، أي سؤال غبي تطرحه آنجلا.؟؟ لقائها مع يانيس كان كل شيء سوى عاطفي، لا تنكر بأنها عدت الثواني ليرحل ويخلي غرفتها، عندما سقطت عينيها عليه أول ما تبادر إلى ذهنها هو ردة فعل دراكو إن علم بوجوده عندها، حسنا، هذا سخيف.. لكنها تعرف بأنها مراقبة.. تعرف بأنها محاصرة حتى خلف جدران أشد الأماكن أماناً.. في قصر الدوقية وجدته في غرفتها.. لا ضمانات إلا تجده ذات يوم هنا، في مكان آنجلا التي تتطلع إليها وتحاول سبر غورها:
" لن أعود إلى يانيس.. حتى وإن كان آخر رجل في الدنيا.."
" أفهم.. "
" أنت لا تفهمين... ربما أكره دراكو من قلبي، وأتحرق شوقاً لرؤيته ميتاً.. لكن ما تقاسمته مع ذلك السافل يمنعني من التفكير في أي رجل آخر.. دراكو غير حياتي.. الحقير"
اتسعت عينا آنجلا قبل أن تتمتم بغير فهم:
" تحقدين على الرجال بسببه؟؟"
" بحق الجحيم آنجلا أنا لا أحقد على الرجال بسببه، بل لا أجد أي رجل في مستواه، كل رجل تسقط عليه عيناي أقارنه به.. كل رجل يتبخر ويتلاشى ما أن أفكر به.. أشعر بأنني في ورطة."
أخذت نفساً عميقاً عندما تعذر عليها التنفس بحرية، وأردفت بتعاسة
" أنا مأخوذة به رغماً عن أنفي.. رباه.. بعد كل العذاب الذي ألحقه بي أشعر بالانجذاب نحوه أكثر فأكثر، لا بد أنني مريضة نفسياً وأحتاج إلى طبيب في العاجل"
حبست قريبتها أنفاسها في صدرها، وتطلعت إليها ببلاهة، وكأنها لا تجد تفسيراً أو لم تستوعب حقا هذا الاعتراف الدنيء الذي انفلت منها وحجمها بخطورته:
" رأيته في الجريدة.. لا أنكر بأنه صنفك"
تمتمت آنجلا، وبللت شفتيها بعصبية
" شيطاني، ومثير، سافل.. في نظراته حقد غريب.. وكأنه يكره كل سكان الأرض"
هزت فلور عينيها إلى السماء:
" لا أحب الرجال ذوي مشاكل نفسية آنجلا"
" الأمير دراكو فالكوني هو مشكلة بعينه فلور.. ربما هو وسيم جداً، وغامض مثل الجحيم، لكنه خطر.. إنه خطر بحق، لا تنسي إنه متزوج من الجميلة ديامانتي، ولم ينهي زواجه حتى بمعرفته حملك"
رغماً عنها أحست فلور بقلبها يتمزق لهذه الحقيقة، طالما عشقت صراحة قريبتها.. لكنها تريدها أن تصمت فحسب في هذه اللحظة، ليست بحاجة أن يذكرها أحد بأنها لا تسوى شيئاً في حياة والد جنينها، لا تريد أن تتذكر كم كانت غبية وسهلة المنال، وكم سخر من سذاجتها.
" لا أظنك معجبة به ..."
همست آنجلا برقة، وهي تمسك بيدها وتضغط عليها مشجعة:
" إنه يمثل لكِ التحدي والجديد.. يسليك فحسب"
" أنتِ محقة فأنا لست معجبة به"
وضغطت فلور بيدها على أصابع قريبتها وابتسمت:
" أظن بأن الوضع أكثر سوءاً ..."
***
الجناح ذو الإطلالة سينمائية، والديكور الملكي والفاخر يقع في أفخم فنادق فيغاس، بالكاد لينيتا تصدق، وتتفقد ما حولها وتبتسم ملئ فمها للرجل الذي قرر وضعها في طائرة خاصة مع ولديهما، والمجيء بهم ‘لى هنا، أخبرها بأنهم سيحتفلون بشيء مميز، كانت حماستها تفوق حماسة التوأمين الذين كانا مرهقين، ولا يهتمان حقا بمكان وجودهم:
" أنا أتضور جوعاً.."
سمعت رالف يعلق وهو يهوي الكنبة في قلب الصالون الرائع، ويحذو حذوه جو الذي التقط جهاز التحكم عن بعد وأشعل جهاز التلفزيون.
" سوف أطلب بعض الشطائر..."
تطلع إليها التوأمين بصمت، جبين رالف تغضن قليلاً بينما يثبت عينيها، بدأ الجليد بالذوبان قليلاً، كانا لبقين معها في الساعات الأخيرة لكنهما متحفظين، تشك بأن مارك وراء هذا التجاوب المفاجئ.
" أبي لا يسمح لنا بتناول الشطائر قبل وجبة العشاء..." علق جو بلطف.
هزت لينيتا رأسها، وأدركت بأنه ينقصها الكثير لتتعلمه، طريقة مارك في تربية الطفلين استثنائية، فهما جريئين جداً، ذوي شخصيتين قويتين، وبنفس الوقت مسئولين ومؤدبين، أحيانا عندما يطيل النظر إليها أحدهما بهذه الطريقة المتفحصة تشعر بنفسها أصغر سناً من سنهما.. تشعر ببعض العجز أمامهما، ولا تجد الطريقة المثلى للتصرف كأم حقيقية.
" اليوم هو استثنائي.. لقد سافرنا طويلاً، ولا أظن بأن والدكما سيعترض.."
" ما الذي لن أعترض عليه؟؟"
ظهر مارك الذي دفع البقشيش للعامل الذي جلب حقائبهم، أشرقت الشمس في صدرها عندما سقطت عيناها عليه، مثل المعتاد وسامته مدمرة وابتسامته رائعة، دغدغها ذلك الإحساس بالفخر والغرور الأنثوي بينما يتقدم منها، يلف خصرها بذراعيه، ويطبع قبلة على عنقها.
" الكل يتضور جوعاً.."
شرحت له متجاهلة ضربات قلبها المتسارعة، يكفي أن يضع يده عليها لتنفجر حواسها كالقنابل الموقوتة:
" كنت سأطلب بعض الشطائر"
" فكرة سديدة.."
علق مارك موافقاً، وهو يحملق في التوأمين، أقطب رالف قبل أن يتمتم:
" هل أنت من يقول ذلك؟؟!!
" لسنا في قصر الدوقية.. سننسى البرتوكولات خلال هذه الإجازة.. لما لا تطلب لنا الشطائر بنفسك رالف؟"
هذا الأخير لم يتحرك فوراً، انتقل بعينيه الزرقاوين لبضع لحظات بينهما قبل أن يتوجه نحو الهاتف ويطلب "الروم سيرفيس" ابتسمت لينيتا عندما سمعته يتكلم بالايطالية، بينما نهره مارك بجدية:
" لما لا تسهل المأمورية على العامل المسكين، وتتكلم لغته؟"
" قلت بأننا سننسى البرتوكولات ونتصرف بعفوية.."
رد رالف ببراءة زائفة.
" رالف..."
حذره مارك بهدوء.
خنقت ضحكتها بينما ترى ابنها يلاطف والده بطريقته، غمز لها مارك بينما ينهمك رالف بسرد الطلبية بمساعدة توأمه، وأمسك بيدها ليجذبها إلى الشرفة، وينفرد بها بغبطة.
لا بد أن تتذكر لسنوات ما تعيشه اللحظة، لا يبدو مارك متوتراً بكشفها للعالم كما فعل في باريس قبل أسابيع، كان يتعامل بعفوية مما أنعشها، أحسنت بتبعه إلى المطار ثم إلى هنا وإخفاء الأمر عن أختها، إنها تحب 'آنا' لكن مارك هو توأم روحها، لم يغادر غرفتها منذ قدوم هذه الأخيرة أهمل أعماله وأهتم بها، بها هي فقط.. شكوكها تبخرت كالوهم حاملة معها قلقها، لم يعد و جود شقيقتها يربكها، لأن مارك.. حبيبها مارك ووالد طفليها معها.
" لماذا فيغاس؟ أعرف بأنك تكره الكازينوهات والقمار"
داعبته بابتسامة لطيفة، عيناها تسبحان في السعادة، لا تفارقان عينيه الزرقاوين لحظة واحدة..
" ظننت بأننا نطير إلى أحد الجزر.. مثل جزيرة نيوس.."
" هل تناقضين اختياري؟"
شعرت بابتسامته بينما يضغط بشفاهه عليها، ويمنحها قبلة ناعمة
" كيف تتذكرين جزيرة نيوس ليونيداس وتنسين الباقي؟"
" هناك اكتشفت كم أعشقك من قلبي.."
أخذ وجهها بين يديه، ونظر جلياً إليها، وضعت أصابعها على يده لتشعر بدفئه، لتشعر به أكثر، إذا خفت كوابيسها.. فبسبب هذا الوسيم الذي يتطلع إليها، وكأنها أثمن ما في الكون، وإذا كانت تستعيد اتزانها رويداً فبفضل حنانه، بعيدة عنها سنوات الظلام ووراء ظهرها، ما تريده بشوق وقوة هو أن تنتمي إليه لتكتمل سعادتها، تريد أن تحمل اسمه، وتصبح أسعد زوجة وأم في هذا العالم.
" لدي خطط في فيغاس..."
أسر لها في أذنها بلكنته اللذيذة، إنها تعشق برتغاليته، تعشق كل حرف منها عندما يتكلم إليها..
" خطط ستروقك.."
أغمضت عينيها، وارتعشت عندما أحست بأنفاسه على عنقها، انزلقت أصابعه إلى شعرها، وضحكت لتخفي ارتباكها عندما استقبلت بشرة عنقها الكثير من القبلات الخفيفة والمثيرة.
" ستكون الشطائر هنا خلال دقائق.."
فتحت عينيها وشعرت بالحرارة تتسلل إلى وجهها عندما سقطت عينيها على ولديها في عتبة باب الشرفة، جو يبتسم ملئ فمه عكس رالف.. بدأت تعتاد مزاج ابنها الغريب.
" جيد جداً.. بعد أن نلتهم الشطائر سنخرج للهو.."
قال مارك وهو يشبك أصابعه بأصابع يدها.
" لا نرغب بالخروج.."
قال رالف بحيادية انتبهت لينيتا إلى اللكمة التي وجهها لشقيقه في أسفل الظهر كي يوافق كلامه.
" صحيح.. نريد البقاء في الجناح.. السفر كان طويلاً.."
" هل أنتما مريضان؟"
القلق في صوت مارك دفع التوأمين للابتسام ببراءة.
" لا"
أجاب رالف بثقة
" أخرج معها.. وتسلى أبي"
ألقت لينيتا نظرة سريعة إلى مارك الذي كان يجلس القرفصاء أمامهما، ويتفقد حرارة وجهيهما، يده تجمدت على وجه رالف، وكست ملامحه تعابير جديدة بدل القلق:
" لو رغبت بالبقاء بمفردي مع والدتكما لما أتيت بكما أيضا إلى فيغاس، وتركتكما في قصر الدوقية.. أريد أن نخرج كلنا كعائلة متحدة.. فنحن عائلة متحدة.. أليس كذلك؟؟"
ألقى جو نظرة سريعة نحوها، واحمرت وجنتاه وأطل الذنب من عينيها الجميلتين، علاقتها معه تتحسسن بسرعة خيالية، بينما تجد نفسها أمام حائط من جليد فيما يخص رالف، نظراته تذكرها بإدواردو ريتشي.
" لم نقصد الإساءة...." قال جو بلطف.
" أعرف..."
رد مارك وهو يعبث بشعره الداكن
" أظن أن الشطائر قد وصلت..."
ثم أخرج ورقة نقدية من جيبه وأمدها إلى جو قائلاً:
" أعطي البقشيش للعامل وكن لبقاً.."
" أنا لبق.."
اعترض جو
" رالف من عزز لكنته بينما يتكلم في الهاتف.. بالكاد فهم العامل طلبنا"
" من المفترض أن يتكلم كل عمال هذا الفندق الكثير من اللغات.. لو كنتُ مدير هذا الفندق لاستبدلتهم جميعاً"
قال رالف وهو يتبع توأمه، عاد مارك يستقيم في وقفته.. ابتسامة فخورة على وجهه، إنه يعشقهما، مشاعره منعكسة بقوة عليه:
" لو كنتَ مدير هذا الفندق لاستقال الجميع بُني.."
" هل هو دائماً حاد الطباع؟؟"
سألته لينيتا مبتسمة بدورها.
" ليس حاد الطباع.. إنه من الريتشي فحسب.."
هزت لينيتا عينيها، ورمقته بسخرية:
" أنت من الريتشي.. "
هز حاجبيه، ورمقها بدوره بتسلية:
" تعرفين الجانب الطيب مني فقط لينيتا.."
"هل تنوي إرعابي؟؟"
ضمها بين ذراعيه، واسترخت عندما تسلل إليها دفئه، لفته بذراعيها بدورها، واستمتعت بالإحساس الرائع بأنها مرغوبة ومحبوبة، هذا الرجل يفقدها إحساسها بالواقع.
" شكراً لأنكِ منحتهما لي لينيتا.. شكرا لهذا الامتياز حبيبتي"
أحست بالدموع تعمي بصيرتها، هل يشكرها لأنها قامت فحملهما فحسب في بطنها؟؟ هو من تكبد مشقة كل شيء بعد ذلك، هو من قام بهذا الدور العظيم لتربيتهما بهذا الشكل الرائع، الشكر يعود إليه هو، هو من منحها امتياز أن تكون أما لولدين مثلهما.
***
" دراكو.."
هز دراكو عينيه من شاشة الحاسوب أمامه، وثبتها على القامة الهيفاء لأبنته، أضحت شبح نفسها، منذ عودتها إلى صقلية تتفادى التكلم على دافيد، وتتفاداه هو، إنه يعرفها جيداً، ويعرف بأنها تحاربه بسلاحه هو، فلعب لعبتها، وتجاهل خوض الموضوع بنفسه.
سقطت عيناه على الجريدة في يدها، بدت بيانكا تعيسة النظرات، وغاضبة بينما تشير إلى الجريدة، وتتهمه بعدم تصديق:
" لما فعلت ذلك؟؟"
" فعلت ماذا؟؟!!"
" تعرف جيداً ما أقصده.."
أسند ظهره على ظهر المقعد ليريح عضلاته المتعبة، وراقب ابنته التي تهتز من الغضب، كانت ترمقه بنظراتها القاتمة القاتلة وتقتص منه.
أجل هو يعرف تماماً ما تقصد، ما فعله هو مقتنع به تماماً، إن ظنت أن يترك دافيد ريتشي هانئاً مع حبيبته بعد أن سخر منها فهو واهم.
رمت بحدة الجريدة، وظهر وجه نيكول سميث في الجريدة الأولى، العنوان الكبير بدي ساخراً ومهيناً، مليون دولار لرسم نيكول سميث متجردة من ملابسها..
" أنت وراء هذا.."
" لا يوجد اسمي في أي مكان.."
رد دراكو بهدوء مبعداً خصلات شعره الحالك والطويل إلى الخلف، اشتعلت عينا بيانكا أكثر وزمت شفاهها بكراهية.
" لما يهمك رسم نيكول سميث ؟؟ لما تدفع مليون دولار على لوحة لها؟؟.."
هز دراكو عينيه إلى السماء، لم يهتم بهذا الموضوع شخصياً اكتفى بتحقيقه عن بعد، نيكول امرأة فاتنة.. لكنها طموحة جداً مثل باقي الممثلات في عمرها، لم يحتاج التفاوض معها بشأن اللوحة السرية جهداً، تحجيم دافيد ريتشي في الصحف كان انتصاراً، وصلته أخباراً بأن نيكول تركت شقته.
" أبي.."
في المرات القليلة التي تتلفظ بها بهذه الكلمة يعرف بأن الموضوع جدي، عينيها المشتعلتان بالغضب كانتا ممتلئتين بالدموع، سحق الألم صدره بينما يرى كمية العذاب على وجهها.
" هل عاشرتها لتنتقم من دافيد؟؟"
" لا أناقش مغامراتي العاطفية مع ابنتي.."
" يقول الصحفي بأنها خانت دافيد مع معجبها السري.. المعجب الذي يريد دفع ثروة مقابل رسم لوحة لها.."
لم يجب، ترك مقعده وتوجه بخطواته الواسعة نحو الواجهة الزجاجية لمكتبه حيث الظلمة حجبت أمواج البحر التي تصله همساتها الغامضة، لم يلتقي نيكول سميث، ولم يحدث شيئاً بينهما، عموماً لم يحدث شيئاً مع أي امرأة منذ فلورانس ريتشي، لا وقت ولا رغبة له بالنساء، بعدما فعلته به ديامانتي، ثم فلور، ثم ديل ماريا، يشك بأن يرغب يوماً بأي امرأة.
" لما تدافعين عنه بهذه الحرقة؟؟ عاملك مثل رخيصة، واستغلك، وتذرفين الدموع الآن على صديقته التي عاد رأساً إليها بعد أن تركك.."
فتحت بيانكا فمها، الشحوب الذي تسلل إلى وجهها أنذره بالخطر، لم يكن يوماً قاسياً معها إلى هذه الدرجة، لكنه غاضب من هيامها لعدوه، غاضب لأنها لم تستمع إليه، وتركته يستغلها.. إنها ابنته بحق الجحيم، وهي صقلية، أميرة صقلية.. تستحق رجل بأخلاق عالية يتزوجها، ويهتم بها كما تستحق.
" لست بحاجة إليك لتحميني من علاقة فاشلة.."
سمعها تتمتم من خلال دموعها، وعذابها
" لا أريد حماية 'دون جوان' مثلك دراكو.. تئن روحك ألماً لأنني ابنتك، و كبريائك مجروح.. ماذا عن النساء اللواتي حطمت قلوبهن طيلة حياتك؟؟ النساء مثل أمي ومثل ديامانتي.. ربما ما حصل مع دافيد إنذار لك دراكو.. ربما حان الوقت لتعيد التفكير بما فعلته وتفعله.."
زم شفتيه، وأشار إليها مهدداً.
" أنتِ لستِ والدتك، ولستِ ديامانتي، ولستِ أي امرأة أخرى.. أنت ابنة دراكو فالكوني من يؤذيكِ يؤذيني.. ذلك الحقير سيدفع الثمن هل تفهمين؟؟؟ لا يوجد رجل فوق الأرض يسخر مني، ويفلت من العقاب.."
" لكن لما تأخذ الأمر بكل هذه الحساسية بحق الله؟؟؟ "
صرخت به بهستيرية
" عشت علاقة، وانتهت كما حال آلاف الفتيات في هذا العالم.. لما تريد إيذائه.. لأنه اكتشف بأنه لا يحبني كفاية وعاد لصديقته؟؟"
" أنتِ لا تفهمين شيئاً"
زمجر دراكو بقسوة، وترك مكانه ليقطع المسافة بينهما، ويتطلع في عينيها الدامعتين مباشرة، سيمنحها السبب الوجيه لكره دافيد ريتشي، السبب الذي تهرب هو منه بينما يستغل سذاجتها:
" عندما هربت ديامانتي مني في ايطاليا التجأت إلى قريب لها في التوسكانا، هذا الرجل حاربني بشراسة، ورفض إعادتها لي، بسببه أختفت ديامانتي.."
" هل تريد القول بأن دافيد؟!، وهذا القريب..؟؟"
" لا"
هز رأسه بالنفي، وأعادت أصابعه مرة ثانية خصلاته الناعمة إلى مكانها:
" لا أريد الدخول في التفاصيل لكن مغامرة ليلة غبية ربطتني بفلورانس ريتشي.. غلطة سأندم عليها طيلة حياتي.."
" أنا لا أفهم.."
نعم هي لا تفهم، لكن شحوبها يزداد حدة، وعليه ألا يتناسى مرضها أكثر:
" فلور شقيقة دافيد تحمل طفلاً مني"
فتحت بيانكا فمها لتتكلم ثم عادت لتغلقه، الدموع التي تغسل وجهها توقفت فجأة بينما أضحى لون وجهها شبه رمادي، هزت ذقنها الصغير، وحملقت به لثوان بدت إليه ساعات طويلة.
" تريد القول بأنني.. بأن دافيد.. بأننا"
" اسمعي بيانكا"
همس برقة بينما يشعر باقتراب شيء مريع.
" أنا لم أهم دافيد كامرأة.. استغلني منذ البداية لينتقم منك؟"
" صغيرتي..."
ابتعدت عن ملامسته، دون أن يتغير لون وجهها الرمادي، ولا نظراتها المثقلة بالعذاب، تمتمت بهدوء دون أن تصرخ أو تولول:
" أنا أكرهك.. أكرهك كما أكرهه"
ثم أدارت له ظهرها، أحس باليأس الذي يشعره إلا نادراً يزوره، بيانكا هي كل حياته، ما يشعره نحوها، وخوفه عليها يجعله في كل الوقت أباً سيئاً، يريد حمايتها، وينجح دوماً بإيلامها، لم يخلق ليكون أباً:
" إلى أين تذهبين؟؟"
" سأرحل إلى والدتي.. لا تلحق بي لأنني لا أرغب برؤية وجهك مرة ثانية.."
قالت دون أن تستدير إليه:
" أشفق على ذلك الطفل الذي يجهل تماماً أي نوع من الآباء أنت.. فليرحمه الله منك دراكو كي لا تدمره كما دمرت حياتي"
***
خطوة كبيرة جداً قطعتها لينيتا في علاقتها مع التوأمين، كان مارك أنطونيو سعيداً جداً برؤيتها مشرقة وسعيدة، بينما يتركانها تهتم بهما، وتتأقلم معهما، استغل الوضع ليتصل أخيراً بنيوس ليونيداس الذي ترك له أكثر من رسالة.
أغلق باب غرفة نوم التوأمين عليه، وأدار رقم صديقه الذي أجاب في ثاني رنة:
" بحق الجحيم أين اختفيت؟؟"
" أنا في لاس فيغاس مع لينيتا والتوأمين.."
" لاس فيغاس؟؟ يا له من اختيار لإمضاء عطلة عائلية.."
سخرية نيوس تخفي خلفها جحيم من الغضب، يجهل سبب غيظ صديقه لكنه ينوي إيضاح أسبابه التي ليس مجبراً عليها بالتأكيد:
" سوف أتزوج لينيتا الليلة.. هي لا تعرف لكن التوأمين متحمسين للمشاركة في خططي السرية.."
الصمت ما أجابه في الجهة المقابلة، لو لم يسمع ضوضاء قادمة من بعيد لشك بأن الخط أنقطع:
" ظننت بأن الزواج مقرر الأسبوع القادم.."
" إنها قصة طويلة، 'آنا' عرفت بموضوع توأمها، وقدمت إلى التوسكانا لتقلب حياتي جحيماً.. أعرف ما ستقول.. لكنني سأتزوجها نيوس حتى وإن اتهمتني بالحقارة.. "
" لما يجب أن أتهمك بالحقارة؟؟ أنت تريد فحسب الانتماء للمرأة التي تحبها.. أمنحك مباركتي التي لاتهمك بالتأكيد"
أقطب مارك، نيوس ساخر وناقم، ما الذي يحدث بحق الجحيم:
" ما الأمر نيوس؟؟"
" دراكو فالكوني.. "
صمت فجأة كما بدأ، موجة من القلق اعترت مارك سمع نيوس يضحك ضحكة خالية من المتعة ويقول معتذراً:
" لكن ما الذي أقوله؟؟ لن أفسد عليك يومك.. تزوج حبيبتك، واحميها وعش سعيداً"
" نيوس.."
" لا تهتم لحماقاتي.."
" ما الذي فعله ذلك الحقير فالكوني أخبرني؟؟؟ تعرف بأننا نتشارك كل شيء معاً.. نيوس ما ستقوله لن يغير من خططي بشأن لينيتا أعدك.."
صمت أخر، هذا الصمت سيدفعه للجنون، قبل أن يطلب منه التكلم تمتم نيوس بصوت شبه واضح:
" ديامانتي تحمل طفل دراكو.. لقد فقدتها للأبد"
جاء دور مارك ليتخدر لسانه في جوف فمه، استعاد كل الذكريات والأحداث السابقة بسرعة خيالية، تذكر رعب ديامانتي حتى من سيرة زوجها، مرر يده على وجهه و كأنه يحاول إزالة الغموض الذي يلف هذا الخبر الشبه مستحيل:
" عرضت عليه المنجم مقابل طلاق ديامانتي.. منحته فرصة السخرية مني بكل حرية"
" أنت لم تفعل.." تمتم مارك بعدم تصديق.
" لقد أصبت بالجنون لأقدم على ذلك أعرف.. كنت غبياً، لم أتوقع أن علاقتهما اتخذت مساراً جديداً، بأنهما سعيدين وبأنني كنت مجرد.. مجرد تجربة في حياتها، تجربة تعلمت من خلالها بأن الإنسان الذي تريده حقا هو من تحمل اسمه"
" أنت أعدتها إليه نيوس.. هل يجب أن أذكرك؟؟"
" كلا.. عموما.. نسيت كل هذا"
عاد يضحك مرة ثانية، وكأنه يسخر من ضعفه الذي قلما يظهره له:
" ديامانتي من الماضي الآن.. كما زوجها الأمير، أتمنى أن يعيشا بسعادة معاً.."
قبل أن يجيب مارك أغلق الخط، تمنيات نيوس بدت زائفة لدرجة سحقت قلبه، إنه يعرف صديقه جيداً، خبر حمل ديامانتي حطمه كلياً، أعاد مارك هاتفه في جيبه، وأقطب جبينه بتفكير، كيف يعقل أن تحمل ديام من رجل هربت منه طويلاً؟؟ رجل تكرهه وترتعب منه بكل كيانها؟؟
هناك غموض في الموضوع برمته.
" حبيبي هل ستأتي؟؟ الكل جاهز والكل يتضور جوعاً.."
ابتسم تلقائياً عندما أطل عليه رأس لينيتا، عينيها تلمعان من السعادة والحماسة، كانت جميلة وتضج حيوية، استعاد المرأة التي فقدها قبل عدة أعوام، المرأة التي سيتزوجها الليلة بمباركة ولديه وحضورهما:
" أنا قادم حبيبتي.. أعدك ألا أتأخر يوماً"


أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 19-04-14, 10:38 PM   #54

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الخامس و العشرون





لقد أخطأ...
أخطأ عندما استهان بالوضع برمته... الغرق في العمل و النساء لا يساعدانه، لا يجد هنائه و لا راحة باله، حتى تحديد موعد عملية رأسه لا يجد فيه السلوى... انه يفتقد ايزابيلا.
أبعد لثوان عيناه الزرقاوين على عمود الأسهم في الجريدة بعد أن أثارت انتباهه رفيقته الحالية و ثرثت بكلمات بلا قيمة، لم تهتم لبرودة نظراته و لا تكشيرة الملل التي ارتسمت على ملامحه قبل أن يعود و يغرق في الجريدة.
كانت شمس روما حارة و شرفة المقهى التي يتقاسم فيها طعام الافطار مع أشد النساء مللا في الأرض مكتضة تقريبا بالسياح، جل الرجال مأخودين بجمال و أناقة رفيقته، طالما كان ذوقه رفيعا و يقتني الأرقى، سوزان وريثة ايطالية، والدته من دبرت لقائهما منذ شهر، ربما قبل مكيدتها ببعض الامتنان، فقد ضاق ذرعا بفضائحه كما ضاقتها هي، لم يشك أن تقطع والدته المحيط و تأتي فجأة لشقته في نيويورك، كان يعيش في فوضى عارمة، لحسن حظه أنه كان منعزلا بنفسه عند وصولها، بعد سلسلة العتاب انفجرت في البكاء و أحس بأنه أشد الأبناء جحودا في الدنيا، ربما يكره تدخل كاثرين ديكاتريس في حياته، لكنها أمه و يعشقها من قلبه، مالذي اقترحته بعد أن استعادت هدوئها بعد موجة الغضب و العتاب؟؟ ..
" لأجل بيلا تفعل هذا؟؟ تتعذب لهجرانها لك و تنتقم من نفسك و منّا؟؟ اذن مالذي تنتظره؟؟ اذهب الى استراليا و أستعدها.. استعدها و توقف عن تسويد سمعتك و اسم ريتشي، فلم أعد أجد الأعذار الكافية لردع والدك "
والده، دوما والده... طالما كان هم كاثرين هذا الوالد الناقم على سلوكه على الدوام.
" تريدين أن استعيدها؟؟ الم تعد حفيدة السائس مشكلتك؟؟ الخادمة المعاقة التي لا تناسب مستواي الرفيع و مقامي الارستقراطي"
" افضل رؤيتك مع حفيدة السائس على رؤيتك مع دزينة نساء دفعة واحدة... أنت تقتل نفسك رويدا و تقتلني معك"
تكلمت بنبرة صادقة منعته من معاندتها و تحديها، كانت تتعذب لوضعه كما يتعذب هو و يتألم، تركها تهتم به كما فعلت دوما خلال ايام و استعاد بعض الهناء الطفولي بوجودها، عند استيقاظه وجدها مرتين في سريره تضمه كما فعلت مرارا في طفولته و ادرك بأنه ربما تعرض لأزمة من أزمات الصرع و اتت لمساندته، وعندما اقترحت عليه رؤية طبيب و تحديد موعد العملية استسلم و فعل تماما ما تريد مما أسعدها... كانت البلسم لتلك الجروح الغائرة التي ذكرته بمحنته السابقة بموت اليسيا ديكاتريس و اعاقته... محنته مع بيلا تركته هشا اكثر مما توقع او تمنى.
مع الوقت سيستعيد عافيته... كان متأكدا، لكنه اليوم... أمام سوزان الرائعة في فستان اصفر صيفي يحس بالتعاسة اكثر من اي وقت مضى... يعترف بأن الرفقة المسلية الوحيدة كانت مع والدته... والدته اشد النساء لطفا و رقة... ادواردو ريتشي محظوظ بها.
في صغره و مراهقته كان يسخر من مارك عندما يعبر عن رغبته الشديدة في الحصول على امرأة مماثلة، انه يرى والدته من منظاره الخاص فحسب... أم ككل الأمهات لها ضعف خاص اتجاه صغير أولادها، لكن بينما يمر بمحنة عاطفية يفهم أخيرا معنى أن يحصل رجل على امرأة بميزات والدته، ففي النهاية مارك سقط على امرأة مماثلة، بجذور متطابقة لوالدته، تقريبا نفس الصفات، أمنيته تحققت ولو بعد معاناة طويلة لا يريد شخصيا خوض تجربتها يوما.
عندما اقترحت عليه هذه الأخيرة الخروج مع 'سوزان بريرا' ابنة السياسي المشهور لم يشأ تخيب أملها بعد كل المساندة التي قدمتها له، لا ينكر بأن سوزان ذكية و لطيفة و بعيدة عن التكلف أو الزيف، ربما هذا ما أعجب والدته و شجعها لدفعه نحوها، لكنها فتاة محدودة الطموح و مواضيعها بلا اهمية، ليست بشجاعة والدته ولا... ايزابيلا.
" أبي صعب الرضى و المراس" عاد اليكس يبعد الجريدة من امام عينيه و يتطلع الى الفتاة الايطالية الجميلة التي بللت شفتيها لتتابع كلامها بهدوء" من الصعب ان يعجب بأحد... لكنه يستبشر خيرا بشأنك اليكس"
قرر الغاء اي رد متهكم و ساخر، و كي ينسى حسرته على ايزابيلا قرر الغرق في الكلام مع ابنة السياسي و ملأ مخيلته بوجهها هي بدل وجه بيلا المشرق و الطفولي، طوى الجريدة و وضعها فوق الطاولة، النادل اتى له ب'كابوتشينو' آخر باشر بالتلذذ به فورا و الاصغاء بصبر الى كلام رفيقته.
" يجدك حاد الذكاء في الأعمال... يقول بأن آل ريتشي طالما تمتعوا بقدرات غير طبيعية في هذا المجال..."
" لا أظنه معجب أيضا بجانبي الاخر المظلم" رغما عنه انفلثت لدغة من لدغاته، هز حاجبيه عندما انفجرت ضاحكة و ابعدت كأس عصير المانغا الذي كانت تشربه.
" محظوظ في الاعمال محظوظ في النساء..." علقت مبتسمة.
" قد لا اكون محظوظا في النساء كما تعتقدين كارا"
هزت حاجبيها المرسومين بدقة و علقت ساخرة:
" لا اتخيلك ضحية قصة حب فاشلة دون اليكسندر ريتشي العظيم..."
سلته سخريتها بدل ان تجرحه و ارتشف اخر قطرات شرابه اللذيذ.
" لست مختلفا الى هذه الدرجة..."
وضعت ذراعيها فوق الطاولة لتتحكم بإتزانها بفضلهما و برزت اكثر تدويرة صدرها من خلال فستانها بينما تتطلع نحوه بجدية:
" لا توجد امرأة بعقل كامل ترفض رجلا مثلك اليكس... انت تمثل كل شيء بالنسبة لامرأة"
" هل تظنينني المناسب اليك؟"
هزت رأسها بالايحاب ، فجأة اخد يدها في يده و ضغط عليها دون ان تفارق عينيه عينيها، انتظر لثوان ردة فعلها و عندما لم تتغير ملامح وجهها الهادئة علق بهدوء:
" هل تشعرين بالدم يغلي في شرايينك سوزان؟ تشعرين بأن لمستي تصعقك مثل الكهرباء؟ هل يغدو عقلك مثل قطعة اسفنج عاجز تمام عن العمل؟"
" لا..." تلعثمت عندما فهمت قصده، قرب يدها الى شفاهه يطبع قبلة سريعة عليها قبل ان يعيدها اليها:
" ولا أنا... فلست أكثر من رجل عادي، عاجز تماما عن ايقاض شاعرك و دفعك للجنون سوزان... ربما يرغب والدينا بشدة رؤيتنا معا ... لكنك تستحقين من يجعل منك بركان ثائر من المشاعر في وجوده"
لم تجب سوزان و تكورت في مكانها و كانه لمس وثرا حساسا، بينما تفقد اليكس الناس من حوله وكأنه يتمنى بيأس العثور على وجه بيلا بينهم، اذا استمر بهذا المنوال فلن يتفاجئ برؤية نفسه قريبا في طائرة متوجهة الى استراليا.. لكنه ليس مستعدا بعد لرفض آخر... لقد جرح بيلا و من حقها لملمة مشاعرها و اخد وقتها بذلك، عاد ينظر الى سوزان التي وقفت من مكانها، وجهها الجميل مشرق أكثر مما اعتاده خلال اللقاءات المتكررة بينهما.
" شكرا اليكس"
هز حاجبيه مستفسرا و ازدادت ابتسامتها اتساعا و اشراقا:
" ما وصفته انت قبل قليل عشته بشغف قبل أن ينتهي بسبب اعتراض عائلتي، ظننت بأن رؤيتك لإرضاء والدي قد تنسيني الرجل الذي اضحت هويتي هويته... اكتشفت بفظلك اللحظة بأن لا شيء يعوض الارتباك الجياش الذي نشعره في محيط من نحب"
ابتسم اليكس بصدق للمرة الاولى:
" كيف لي ان اجدك امرأة مملة سوزان بريرا؟"
ضحكت الفتاة و التقطت حقيبتها
" كنت اموت من الملل اكثر منك اليكس... لكنني صادقة بشأن والدي انه يحبك بشدة و يستبشر مستقبلا اشد لمعانا من نجوم السماء، لكن... هل يستحق العناء كل هذا عندما نكون مفقودين في اختياراتنا العاطفية؟؟ اليكس... اذهب اليها و استرجعها... تلك المرأة التي جعلت منك بركان ثائر و دفعت عقلك للعجز التام... لا يهمني ان تنكر... لكن لا يوجد اكثر من رجل عاشق يتسطيع وصف المشاعر بالدقة نفسها التي وصفتها... لا لم ارتجف لملامستك و لم يعجز عقلي عن العمل... لكنني مررت بعواصف من المشاعر المتناقضة في وجود رجل واحد، هذا الرجل الذي سأذهب اليه و اكف عن عنادي... ربما ليس غنيا مثلك و مثلي اليكس... لكنه غني بحبي..."
" اصبحت ثرثارة فجأة" ضحك اليكس و هز كتفيه يشير الى مخرج المقهى برأسه " اذهبي سوزان .. حظا موفقا"
" لك أيضا"
ثم رحلت... تاركة اياه في مرارة اشد من مراراته السابقة... انه سعيد من اجل الفتاة، ربما حان الوقت بالنسبة اليها لتستعيد من تحب و تكسر القيود و الفوارق... لكنه شخصيا... بعيد تماما عن هذه الخطوة...عليه التصالح اولا مع نفسه قبل الاخرين، لسيما مع بيلا.
***
"جريدة 'تايمز'....
بعد ان عانى الجميع الامرّين معهما في شبابهما يظهر اندريس و فرجينيا ديكاتريس يدا في يد لفتح دار الايتام في جزيرة ناقسوس اليونانية علما ان اصول الكونت منها، تبدو فرجينيا المغنية المشهورة و طليقة ' روبيرتو ريتشي' متألقة في طاقمها الازرق من شانيل و مجوهراتها الموقعة من طرف فلورانس ريتشي -ابنتها- و ننبه بأن فرجينيا طالما ايدت ذوق - فلورانس الفتاة الاكثر عبثا في امريكا- و ساندت موهبتها..."
جوشوا يحسد بشدة طاقة و نشاط والده، منذ عودة هذا الأخير الى ستارهاووس مع زوجته الجديدة و الأعمال تتصاعد و تتألق بشكل مرعب و مخيف، ربما هذا مؤشر جيد لكنه يخشى بأن ينتبه الكونت بأنه شخصيا لم يعد له دورا هاما في أعمال ديكاتريس، أصبح حقا فردا ميؤسا منه بينما يعيش في شكوك دائمة ممن حوله.
الاجتماعات الطويلة و الأسفار و الضغط الخانق الذي يولده الكونت على كل الموظفين، وجود فرجينيا ديكاتريس في حياة الكونت غيرها بشكل ايجابي بحق، هذه المرأة غيرت أيضا أجواء ستارهاووس الذي اضحى بيتا حميميا بكل ما للكلمة من معنى، بدأت آنجلا بالتردد على عرابتها و خالتها، لكنها تتفادى لقائه شخصيا، الوضع بدأ بتفوير دمه في شرايينه، يعرف بأنه من طلب بعض المسافة، لكنها تقوم بإغاظته بتجاهلها، يريدها أن تتفهم مواقفه السابقة و تعيد خاتم زواجها اللعين الى اصابعها و تنهي الوضع المريع.
ستارهاوس كان فارغا الا منه و من الخدم، عمل طيلة ظهر يوم السبت في مكتبه، الكونت وزوجته مثل المعتاد يطيران كل نهاية اسبوع الى مكان ما في العالم، يعيشان شهر عسل مستمر وبلا حدود، من السخرية أن يشعر بالغيرة من سعادة والده، من السخرية ان يتجاهل رغبة هاكان بالعودة الى دياره، انتهى عقدهما و يريد الرحيل تمكن جوشوا من اقناعه بالبقاء اكثر بجواره لكن هاكان فقد السيطرة على برودة اعصابه الشهيرة ما ان ظهر وجه شقيقته في اعلان جديد لأحد العطور الفرنسية، تركه جوشوا يرحل الى فرنسا بوعد اكيد بالعودة الى لندن في اقرب وقت.
انفتح باب مكتبه و سب بصوت خفيض عندما انتهى حبل تركيزه في الارقام على شاشة حاسوبه، وجه نظرة قاتلة الى الدخيل فتلاشى غضبه ما ان التقت عيناه بعيون زرقاء محاطة برموش سوداء كثيفة، جف حلقه و تلاشت كل رغبته في العمل و تفقد أعمدة البورصة ما ان تعرف على المخلوقة التي دفعته للجنون موخرا بتجاهلها.
" آنجلا..."
" مرحبا جوشوا... أسفة لمقاطعتك لكنني أحتاجك بشدة لتهتم بالصغيرين خلال أسبوعين..."
رمش بقوة بينما يظهر في مجاله البصري ليليان و أندريس جينيور مع امتعتهما، كانت تتكلم بسرعة و تضع الصغير بين ذراعيه، لم يكن يركز حقا عما تقول، عطرها الانثوي أثمله بينما جمالها الأخاد و المعزز بفستانها المنشرح الألوان أسال لعابه، لكن تخديره انقضى ما ان سمع جملتها الأخيرة..." عقد عمل لأسبوعين "
" تعملين؟؟ ماهذا الهراء؟؟"
ابتسمت ملء فمها و هزت كتفيها قائلة:
" فيما تهمك انشغالاتي و اهتماماتي سيد ديكاتريس؟؟ اهتممتُ بطفليك بما فيه الكفاية بينما تقع في الحب بين ثلوج الألسكا... حان الوقت لأتمتع ببعض الحرية"
عبس بشدة، متى وقع في الحب في الالسكا... هل تقصد ميوله لنفرلي؟؟ حسنا... لا ينكر أن جمالها و اهتمامه به ظنه انجدابا... انها الشقيقة الصغيرة لأقرب أصدقائه لا تهمه كما تهمه هذه الشقراء أمامه التي تتحداه بعينيها الزرقاوين و ترفض البوح بنوع العمل الذي ستهجر من أجله طفليها... بل تبدو مستمتعة بحنقه و غضبه.
أحكم قبضته على ابنه الذي بدا يتسلى باللعب بياقة قميصه و دنى من مكتبه ثم التقط السماعة و أمر بصوت جاف.... " فلترسلي احدهم الى المكتب ليهتم بطفلاي رجاءا"
هزت آنجلا حاجبها ببعض الاستهزاء و استرخت في وقفتها، لا يتخيل... زوجته تستمتع حقا بالغضب الذي يهدد بحرقه في أية لحظة، بعد قليل ترددت طرقات خفيفة على الباب و ظهرت عاملة جديدة في البيت بطاقمها الرسمي ابتسامة مهنية على وجهها.
" خدي الطفلين الى الحديقة رجاءا"
انحنت آنجلا على ليليان التي كشرت و قبلت وجنتها المستديرة بحنان
" كما وعدتك ستبقين مع والدك و سأمر عليك قبل رحيلي لأشبعك قبلا قبل أن أرحل"
ازداد عبوس جوشوا بينما تعبر كلماتها طبلة أدنيه، كان يعد الثواني لتخرج العاملة و تتركهما بمفردهما، ما ان تحققت أمنيته و انغلق الباب حتى ترك العنان لصوته المبحوح من الغضب:
" أي نوع من العمل يدفعك لتركهما لي؟؟"
" لا أتركهما لغريب جوشوا انهما مع والدهما الغالي... " ابتسمت و انغرزت غمازة لذيذة في خدها " استمتع برفقتهما قبل أن أعود و آخدهما منك..."
منعها من الابتعاد حتى لحظة واحدة، بعد أقل من ثانية كان أمامها يمسك ذراعها بخشونة و يتطلع اليها بنيران عينيه الخضراوين:
" متى ستنتهين هذه اللعبة الغبية و تعودين الى البيت؟؟"
هزت حاجبيها بعد فهم و قالت ببرائة
" الم تطلب مني الوقت و المسافة؟؟؟ لما تناقض نفسك جوشوا؟؟ "
زم شفتيه الى أن ابيضت خطوطها، بدأت تشعر آنجلا ببعض الالم للطريقة القاسية التي تنغرز فيها أصابعه في ذراعها لكنها ترفض قطعا اظهار تألمها، يكفي انها تعذبت كفاية خلال الأشهر التعيسة الاخيرة و التي امضتها على أمل لم يتحقق أبدا.
رمشت عندما صفعتها أنفاسه الحارة، ترفض الهروب من هذه النظرات المشتعلة و المهددة، هزت دقنها بتحد متجاهلة تقلص حنجرتها المؤلم و معدتها التي انكمشت بشكل مهدد، بالرغمة من الصدمة التي تلقتها برؤيته مجددا عند دخولها مكتبه ترفض الضعف، سوف تقاتل عناده الى النهاية، هذا الرجل الوسيم جدا، الضخم و الواثق سيجثو قريبا على قدميها طالبا الرحمة و نادما على كل كلمة جرحت فؤادها في الماضي، كانت قد رددت هذا المشهد مرارا في عقلها قبل تطبيقه، لكنها الأن.. وهي قريبة منه، في متناول يده تحس بضياع غريب، تحس بأنه سيربح المعركة ان قرر فصل المسافة بينهما و تقبيلها مثلا.
لكنه لم يفعل ما يهدد ثقتها، استمر فحسب بتثبيث عينيها بنظرات هزتها مثل أمواج عاتية، مشاعرها علت على السطح فجأة و رغبت بالصفح على الفور ان طلب منها مرة ثانية البقاء و نسيان خططها للأسبوعبن القادمين.
" اتهمتني بمحاولة قتلك" ذكرته و ذكرت نفسها لتوقظ كراهيتها و مرارتها و لا تسقط في شرك جاذبيته و لا مشاعرها القوية التي تهدد بحرقها حية، شعرت بأصابعه تخفف قبضتها على ذراعها و ماهي الا ثوان حتى افلتها و ابتعد و كأنها تقرفه، شعرت بالدموع تهدد لتحجيمها امامه، عضت حنكها كي تمنع أي مؤشر بالضعف للظهور و هزت رأسها مجددا تتحداه ببرود:
" سوف أرحل ان كنت قد أنهيت كلامك"
أحست بأن الارض تهتز بعنف تحت قدميها عندما عاد يضع مسافة بينهما و يتوجه نحو مكتبه منهيا اللقاء، عادت عيناه تتفحصانها وكأنه يتساءل لما تبقى مسمرة مكانها بعد كلامها:
" أغلقي الباب خلفك آنجلا"
الوغد...الحقير.
ابتسمت لتخفي عذابها و منحته ظهرها لتقترب من الباب، لم ترى أين موضع مقبضه بعد أن أعمت الدموع بصيرتها... الوغد سيدفع ثمن عذابها
***
كانت بيلا تخفق بياض البيض بحماسة شديدة و لم تنتبه لباب المطبخ الخلفي الذي فتح بهدوء و ظهر على عتبته ظل رجل طويل القامة، يراقبها ببعض التسلية دون ان يحذث ادنى ازعاج لسلام المكان و سكونه، كانت مأخودة و مركزة تماما بما تفعل تماما كالباقي في حياتها.
أبعدت خصلة شعر متهدلة على وجهها الى الخلف بحركة من رأسها قبل أن تلتقط صحن مزيج أسمر من الشكولا و تصبه على غمامة بياض البيض، تسمرت فجأة عندما ظهر 'ايميليو استولسي' في مجالها البصري، لم تبتسم لإبتسامته كما آلفت، منذ ما حذث قبل يومين لا تطيق رؤية وجهه الوسيم ولا مزاجه المنشرح، لم يحترم حججها ولا دفاعاتها و تجاوز الخطوط التي رسمتها له.
" ارحل من هنا..."
" اتيت أطلب الصفح بيلا..."
هزت عينيها الى السماء و أحست بقلبها يُسحق في صدرها، منذ اشهر طويلة رحلت من ايطاليا الى حياتها الحالية، لكن كوابيسها المتعلقة بأليكس لم ترحل من صدرها، كلمات ايميليو الغير مقصودة حركت جراحها، يريد أن يطلب الصفح لأنه سرق منها قبلة قبل يومين... عكس اليكس الذي طلب الصفح لأنه دفعها لمحاولة الانتحار و مزق كيانها، الكلمة تثير تعاستها رغما عنها.
حركت بمهل معلقة خشبية لتمزج الخليط و تسائلت لما يصر ايميليو على ملاحقتها رغم صدها المتكرر؟؟
تريد تغيير حياتها، تريد بشدة نسيان اليكس للأبد، لكن تقرب ايميليو يؤلمها أكثر مما يريحها، ربما لان عيناه بنفس لون عينا أليكس، ربما لأن جذوره ايطالية و مزاجه مثل سكان ايطاليا الدائم المرح.
عندما أخدت الطائرة ذلك اليوم لتحلق في السماء مبتعدة رويدا عن موطن أشجانها أمضت الوقت الأول في البكاء الصامت و عيش لحظاتها مع اليكس مرارا و تكرارا، كانت تحترق ببطئ بالقرب من مسافر ظنته بعيدا عن تكهن معاناتها، لكن عندما أمدها بمنديل من ورق لتجفف دموعها نظرت اليه للمرة الأولى و أحست بالاحراج لإستسلامها العلني لتعاستها... كان الشاب أنيقا، يركب الدرجة الأولى من الطائرة ويعمل على حاسوبه النقال خلال الساعات الطويلة من الطيران الجوي، في البداية لم يكن مهتما للحذيث معها، لكنه بعد ذلك لذعه تجاهلها و صمته و جعل منه رجلا لا يحتمل.
" ركـــ...ـــوبي في الدرجـــــــ...ـــة الأولى لا يعــــــ...ــــني بأنني ثريـــــــ..ــة، أكره الـــــ...ـــــرجال من طينـــــ..ــــتك و أبغضــــ..ــــهم، قد يقــــ..ــــل اهتــــ..ــــمامك بشأني إن اخبرتك بأن نصــــ...ـــف دماغي مشلول تقـــــ..ـــريبا بسبب حاذثة مريعة ، و بأنني عمــــ..ـــلت كل حياتي كــــ..ـــخادمة في أحد القصـــ...ــــور الايــــ..ـــطالية و بأن جدي سائس و جدتي مدبرة بيت... و بأنــــ...ـــني راحلة الى دياري بعد أن حطــــ..ــــم قلبي رجل بمــــ...ـــــكانتك المرمـــ..ـــوقة، لا تضــــ...ـــيع وقتك لأنني غير مــــ..ــــهتمة..."
" هذا الرجل غبي لأنه يتركك ترحلين..." كان قد أجابها بلهجة صادقة شلت اعتراضاتها.
لم تجبه، و تركت بعض الثواني تنقضي في صمت قبل أن يعود صوته لملأ الفراغ في رأسها:
" أمامنا الكثير من ساعات الطيران... أفضل لو نبدأ من جديد و ننسى ما سلف" ثم مد يده نحوها " أدعى ايميليو استولسي، مهندس معماري و معتدل الحال الاجتماعي، لست ثريا و لم آخد الدرجة الأولى للتباهي بل لأنني لم أجد مقعدا شاغرا في الدرجة الاقتصادية..."
لا تعرف ان كان صادقا في كلامه، لكنه نجح بإزالة عبوسها و ابتسمت له في النهاية، ايميليو كان ظريفا و شابا مسؤولا، عندما وصلوا الى وجهتهم كانت قد تشاركت معه الكثير من الأحاذيث و تخلت تماما عن عدوانيتها و حذرها، لم تتكهن و لو واحدا في المليون أن والدته ووالدتها صديقتين منذ عهد طويل الا عندما وجدت نفسها في طاولة عشاء مع أشخاص قدموا للتعرف عليها من ظمنهم هذا الشاب الذي اسرت له بجروحها بمعرفة يقينية بأنها لن تراه ذات يوم، الازعاج و الاحراج الذين شعرتهما تركاها مريضة لبعض الوقت، شعرت بأنه خدلها و لم تبدأ بالتعود على رؤيته باستمرار الا بإمضاء العديد من الاسابيع في محيطها الجديد، منذ أيام اكتشفت أن جميع من في عائلتها يسعى للتقريب بينهما، بأن والدتها ووالدة ايميليو سبق وحددا سلفا عدد المدعوين لحفل الزفاف... لا تنكر بأنها تحبه، لكنها مجروحة جدا للتفكير في شغف حقيقي كالذي سبق و عاشته بين ذراعي اليكس، ربما ايميليو يستفزها ليحصل على تجاوبها، لكنها خائفة و مرعوبة من خوض اي نوع انواع التجارب الحميمية، تريد فحسب الحصول على دبلومها و العمل، بعد اشهر من العمل الشاق و بفضل مساعدة مارك أنطونيو لن تتأخر بتحقيق حلمها.
قبل يومين قبلت الخروج مع ايميليو لتخبره بصدق عما تشعره و لتردعه بألطف الطرق، لكنه تناسى دفعاتها و تجاهلها و سجنها بين ذراعيه ليقبلها بشغف، أخبرها بأنه منجذب اليها و بأنه لا يشعر بالذنب لجرأته.
" هل ما زلت تحبين أليكس؟؟"
عادت بسرعة جنونية الى الواقع لدرجة شعرت بالدوار، التقت نظراتهما، رغم ابتسامته اللطيفة لا يبدو ايميليو سعيدا بالاجابة التي يفترض أن تمنحها له، الغيرة في نظراته الزرقاء دفعتها للنفي بلا تفكير.
" لا..."
هنئت نفسها بهذه الكذبة بعد الارتياح العارم الذي أخد مكان الغيرة و أشرق وجهه ببعض الامتنان.
" لما ترفضينني... ايزابيلا اذا تجرأت على قطع المسافة التي تضعينها بيننا فلأنني انتظرت طويلا... مرت الكثير من الأشهر"
" لم أطلــــ...ـــب منك الانتـــ...ـــظار" قاطعته بغصة، بالرغم عنها أعمت عينيها الدموع بينما تدلف الكعكة في الفرن و تغلق بابه ببعض الحدة.
" نعم لم تطلبي مني الانتظار..." و تنهذ بصوت مسموع و صمت و كأنه يبحث عن الكلمات المناسبة في عقله " لن أصل الى مستوى اليكسندر ريتشي أعرف... لكنني سأمنحك الامان و السعادة التي لم تجدينهما معه"
هزت عينيها السابحتين في الدموع نحوه و عاد الاحساس المريع بالضياع يعتريها، ليست مستعدة بعد... لما لا يريد فهم ذلك؟؟
" امنحيني الفرصة لأثبت ذلك بيلا" ارتجف دقنها، لما كلماته تذكرها بشدة بأليكس؟؟ ستموت بالقهر ان ظلت تقارن بينهما..." أرجوك..."
" لما تهـــ...ـــتم لأمري شخصـــ...ــــيا ايميليو؟؟ أعرف بأن كل فتيات الحي تهمن بك؟؟"
" الا أنت... أنا اريدك انت "
" لأنني أمثل لك تحديا؟؟ أليكـــ...ـــس أيضا اتخدني عشـــ..ـــيقة لأنني كنت عكـــ...ـــس ما تتــــ...ـــمناه والدته"
" لست ذلك الحقير و لا تقارنيني به... اذا كنت تجدين بي أي شبها به فأفضل أن أرحل"
لم تردعه و هو لم ينتظر طلبها للبقاء، سمعت الباب الخلفي للحديقة يفتح ثم يغلق، و لم تهنأ بحميميتها اذا دخلت والدتها الى المطبخ بوجه عابس.
" لست حمقاء فقط بيلا.. أنت عمياء كي لا تلاحظي كم يحبك ذلك الشاب"
" أرجوك انتبهي للكعك، سأذهب لغرفتي قليلا..."
سمعت صوت والدتها يقول في ظهرها بينما تتخلص من مريولها و تغادر المطبخ نحو الصالون.
" بدل الهروب ككل مرة خدي هاتفك و اتصلي بإيميليو و اعتذري من وقاحتك... أتى يعرض حبه لكنك أهنته و حجمته"
اختلطت كلمات ايميليو ووالدتها في عقلها لحد الهيجان، لم تجد السكون النفسي في غرفتها، ووجدت نفسها بعد قليل أمام منزل جارة والدتها بقطع الكعك الذي جهزتها قبل قليل في صحن مزين بمنديل ورقي زاهي الألوان تطرق الباب ببعض العصبية.
" مرحبا عزيزتي" كالمعتاد ما ان تسقط نظرات والدة ايميليو عليها حتى يشرق وجهها بشدة..
" ايميليو هنا؟؟"
" انه في غرفته يعمل..."
انها تعرف الطريق الى غرفته و تتردد اليها دون أن تعرف بأن هذه الزيارات تغرس الأمل في قلبه أو قلب والدته، طرقت الباب و سمح لها بالدخول، وجدته خلف طاولته الهندسية، أمام ورقة تحمل الكثير من الخطوط و الرموز المبهمة، ما ان سقطت عيناه عليها حتى ترك مكانه و اهتمامه بما كان يعمل.
" رحلتَ بسرعة..." سمعت نفسها تبدأ بعصبية
راقبته يدلف يديه في جيوب بنطاله و يهز كتفيه قائلا بهدوء
" وجدت بأن وجودي لا أهمية له"
بلعت ريقها و نظرت من حولها، كان يحتفظ بسرير مراهقته و لم يغير شيئا من أثاث طفل اختاره بنفسه.
" أتسائل لما يعيش رجل مثلك مع والدته"
" لدي شقتي في العاصمة، قررت العيش مع والدتي منذ أن اكتشفت أن ابنة جارتها العزيزة هي نفس رفيقتي في الطائرة... بقيت لأنجح بلإقتراب منك بيلا... لكن يبدو بأنني لن أتأخر بالعودة الى بيتي"
أحست بيلا بالذنب و بأنها تمر بجانب شيئ قد يكون مميزا، ايميليو شاب مسؤول ولطيف ووسيم، الاستمرار بالتفكير في اليكس حماقة، اتت الى استراليا لتقطع كليا صلتها بالماضي، ربما تتصل من الفينة و الاخرى بالتوأمين الذين لا ينفكان عن روي كل أحذاث حياتهما لها، لكن حياتها العاطفية أخدت نهايتها منذ اشهر طويلة.
" أريد طوي الصفـــحة لكنني مرعـــ...ـــوبة" قالت بصدق" أعــــرف بأنك انســـ..ـــان نبـــ...ـــيل لكن الشــــ...ــــكوك تروادنــــي بشأني أنا ولا علاقة لك بالأمـــر"
ربما نجح صدقها بإزالة امتعاض ايميليو الذي ابتسم هذه المرة و أخد الصحن الذي بين يديها.
" يالها من رائحة طيبة"
" انها كعكة بالاجاص و الشكولا... تذوقها ستعجبك" ابتسمت بدورها و تركته يفلث الكعك من المنديل الورقي و يلتقط قطعة ليعض بأسنانه البيضاء عليها، رأته يغمض عينيه و يتلذذ بذوقها قبل أن يبتلعها و يقول" لهذا أريد أن أتزوجك بيلا لأنك أكثر الطباخات مهارة في العالم..."
ضحكت لمجاملته و تركته يلتقط قطعة أخرى و يثبتها بنظراته الجميلة.
" اقترح خطبة مفتوحة المدى..."
" ايميليو..." اعترضت بوهن.
" أنا جاد..." قال وهو يلعق أصابعه من بقايا الكعك و يأخد الصحن ليضعه فوق طاولة الشوفيه ثم يضم يديها الباردتين بين يديه " تريدين طوي الصفحة و سيكون دوري تحقيق ذلك معك، سوف نعلن خطبتنا و لن نحدد موعد الزواج الا بعد أن تنهي دراستك و تفتحين المطعم الذي تحلمين به و تستعدين تماما للقيام بالخطوة"
عم الصمت ولم تكن تعرف بيلا أن خلف الباب الموصد تقف والدتها برفقة والدة ايميليو تتعلق الواحدة بالأخرى و كأنهما تنتظران حكما بالافراج على سجين تمت ادانته زورا، عندما نطقت بالايجاب انفتح باب الغرفة و ظهرت المرأتان بإبتسامة مضيئة.
***

بعد رميه لها و كأنها خرقة بالية رأت بيانكا صورة دافيد كثيرا في الجرائد، فلتكن صريحة مع نفسها هي من كانت تتفقد بشدة أخباره، خلف الحزن الغضب و المرارة، و لا تشعر سوى بالحقد نحوه بعد أن اكتشفت بأن وراء اقامته علاقة معها انتقام محسوب من والدها.
كان ما يزال كما عهدته،بشرة برونزية، دقن مربع و أنف مستقيم و نظرات زرقاء مغرورة، شعره الأسود مثل المعتاد يلمع تحت أشعة الشمس و يغري الناضر بنعومته المرئية، نعم... كانت تعشق غرز أصابعها بين خصلاته و التلذذ بلمسته، لكن هذا كان قبل أن ينقضي اعجابها الأحمق و هيامها... لقد كبرت خلال هذه الأشهر الأخيرة، نضجت بسرعة البرق و قررت اكتمال دراستها و نسيان جروحها، دراكو يستقصي احوالها هي تعرف، لا يمكنه العيش بدون أخبارها، لكنها للان و رغم كل الشوق الذي يتآكلها ترفض حمل السماعة و الاتصال به، كانت تريد فحسب معرفة ان كان ابن فلور ريتشي قد رآى النور أخيرا... قريبا سيصبح لها أخا غير شقيق... هذا الطفل الذي سيربطها بدافيد شائت أم أبت.
***
" امنحي نفسك بعض الراحة ديامانتي فأنت تعملين بلا توقف منذ الفجر"
تمنح نفسها الراحة ليجد عقلها الفرصة بتعذيبها بالشكوك و الذكريات المرة؟؟ لا شكرا... ابتسمت للطبيبة التي انقذتها منذ أشهر من الضياع و تبنتها بكل عطف و طيبة، انها ترافق الطبيبان الايطاليان في كل جوالاتهما لكن حملها بدا حقا بإتعابها، و صلت الى شهرها السابع و اضحى وزن الجنين اكبر، لكن نحافتها لم تتضرر و لا نشاطها.
اتممت تعقيم المواد الطبية و ساعدت الطبيبة في جمع أغراضها قبل أن تتوجهان الى 'سيارة الجيب' التي ستقلع بهما الى الوجهة التالية.
الشيء الايجابي الاخر هو أن دراكو لم يعثر عليها ا، مع القليل من الحظ قد يكون نسي أمرها ووضع حدا لزواجهما في غيابها، تستطيع البدأ في التفكير بالعودة الى أروبا قريبا، لأنها ترغب بإنجاب طفلها عند قريبتها في النواحي المفقودة بسردينيا بعد ان تتأكد بأنه خارج دائرة الخطر و سترفع دعوة الطلاق و تتخلص الى الأبد من لقب الأميرة فالكوني.
ما ان انطلقت السيارة حتى وجدت ديامانتي وضعها المريح و استسلمت يدها للمداعبات المستمرة لجنينها من خلال بطنها، هذا الأخير لم يتأخر بالتجاوب و ركلها بقوة، ابتسامتها السعيدة لم تخفي على الطبيبة التي ابتسمت بدورها لحماستها:
" عليك اتخاذ قراراك بالعودة الى ديارك عزيزتي... لن تتأخر الطائرة برفض سفرك على مثنها أخدك، يأخدون الاحتياطات بهذا الشأن"
" سأرحل في نهاية الشهر الى سردينيا عند قريبة بعيدة لوالدتي..." علقت ديامانتي دون ان تتوقف عن الابتسام، هذان الشخصان كانا بطيبة قريبها مارك انطونيو، ساعداها و اهتما بهما هي وطفلها و لم يطرحا يوما اي سؤال شخصي عليها بل تركاها و شأنها، ربما تدين لهما بتفسير، لكن ما ان تذكر السبب الحقيقي لهروبها حتى يصابا بالرعب فالأمير 'دراكو فالكوني' لا تخفى سيرته الشيطانية عن أحد.
نعم سوف تصارحهما عندما تعقد عزمها بالرحيل من تونس و العودة الى الحقيقة و عيشها بكل مفاجآتها.
نظرت الى الصحراء الامنتهية ترافق رحلتهما و تذكرت فجأة رمال جزيرة القمر الذهبية، ابتسمت ببعض التعاسة عندما اسرعت الى مخيلتها ملامح الجوز سبيروس المجعدة و ابتسامته الماكرة، كم عشقت العمل لحسابه، كم عشقت مداعباته و تهكمه، رغم كل انتقاضاته لحفيده تعرف كم يعشقه من قلبه، ساندها بينما تتقلب في نار الهوى، لكنها أخطأت بالاستسلام لنيوس... أضحت حياتها اكثر تعقيدا من قبل، نيوس الذي يظن بأنه عاقر لن يصدقها يوما ان قررت هي الذهاب اليه و تعريفه أخيرا على الوريث الذي يظن بأنه لن يحصل عليه، لكنها تعتزم الوفاء للجد... تريده أن يعرف بأن سلالة ليونيداس لم تتوقف و بأن طفل حفيده موجود بحق... ستفعل ما تجده مناسبا و لا يهمها أبدا ردة فعل نيوس، هي مضطرة لكشف وجود طفل أو طفلة ليونيداس كي تحميه من بطش دراكو.
***
" خالتي..."
نداء فلور وضع حدا فوريا لمكالمة كاثرين التي اعادت سماعة الهاتف الى مكانها و بحثت بنظراتها على ابنة شقيقتها التي كانت منهمكة قبل قليل برسم هياكل جديدة لمجموعتها القادمة، كانتا تتشاركان المرسم نفسه، ادواردو اهتم بجلب طاولة مسطحة لها و جهز مكانها الخاص بكل حب.
بشرة فلور بدت شديدة البياض بينما تقف من مكانها و تشير الى بنطال الحوامل الذي ترتديه.
" لقد بللت ملابسي"
" رباه... فقدتِ ماء الرأس علينا أخدك الى المستشفى حالا"
و كأن النطق بكلمة مستشفى يشبه النطق بحكم الاعدام، اتسعت عيناها الخضراوين و ارتسم الرعب في عمقهما، الكثير من التعابير مرت على وجهها، انزلقت نظرات كاثرين الى البقعة الندية و الواضحة المعالم في بنطال ابنة شقيقتها الرمادي و ابتسمت تحاول تهدئتها:
" انه اليوم المبارك عزيزتي... أخيرا ستتعرفين على طفلك، لايجب ان ترتعبي من الولادة"
" أنا مرتعبة حقا..." تمتمت بصعوبة " لا أظن بأنني جاهزة بعد لهذه التجربة"
رغما عنها ضحكت كاثي و دنت منها تضمها بشدة الى صدرها بحنان، فلور ترتجف بشدة بين ذراعيها، تأويهة خفيفة انفلثت منها و قالت بصوت مهتز من العاطفة:
" انقباضة مؤلمة هاجمتني"
" علينا حقا الذهاب الى المستشفى عزيزتي... سأجلب حاجيات الطفل فيما بعد، انا حقا متحمسة لرؤية عيناه الخضراين"
" قد يكون بعيون سوداء مثل والده السافل..." تمتمت فلور و هي تتحسس بطنها التي تصلبت بشدة متجاهلة انطلاق كاثي مجددا في الضحك " صدقا خالتي هل انا مضطرة للذهاب الى المستشفى ببنطال مبلل؟ هل املك الوقت لتغيير ملابسي و التجمل قليلا؟؟..."
هزت كاثي حاجبيها و لم تخفي دهشتها:
" تتجملين؟ فلور هل انت جادة؟"
" أنظري الى وجهي كم هو مريع سيفزع الطفل ما ان تسقط عيناه علي"
" أنت آية من الجمال عزيزتي فلا تبالغي و لا تتركي توثرك يقودك... سنصعد الى غرفتك تغيرين ملابسك و... مالأمر؟"
سألت كاثي عندما انطوت فلور على نصفين و شتمت بصوت عال.
" انقباضة اخرى... رباه كم هذا مؤلم"
نظرت كاثي الى ساعة يدها و ادركت ان بين كل انقباضة مسافة عشر دقائق.
"حاولي الا تشتمي بهذه الطريقة فلور فاشك ان يبقى برفقتك طبيب واحد خلال الولادة..."
لكن بعد ثلاث ساعات في الغرفة الخاصة بالمستشفى فقدت كاثرين اي أمل في تحسن مزاج قريبتها الذي اضحى ناريا ولا يطاق، مطلقا لم تتذكر سماع كمية هذه الشتائم في كل حياتها، أحست بالراحة عندما اطل رأس ادواردو اخيرا، جاء أخيرا بلسم فلور و توأم روحها:
" انت هنا عمي..." اشرق وجه فلور الشاحب ما ان رأته، و كأنها تبني عليه كل آمال حياتها " اتوسل اليك اطلب منهم وضعي تحت المخدر، أي مخدر لم اعد اتحمل هذه التقلصات اللعينة"
باشرت كاثي بالشرح ما ان جلس ادواردو في حافة السرير الطبي و أخدها بين ذراعيه يهدهدها:
" لديها مشكلة في الكويرات الحمراء لا يستطيعون تطبيق التخدير النصفي هي مضطرة للولادة بالألم..."
" لست مضطرة للولادة بالألم... اريد اي شيء يوقف هذا العذاب" صرخت فلور بيأس.
" سوف أتكلم مع الطبيب المشرف يا صغيرتي اهدئي..." وعدها ادواردو بحنو، هزت فلور رأسها بالإيجاب و مسحت أصابعه وجهها المبلل بالدموع قبل أن يقبل جبينها المشتعل " أعدك أن يمر كل شيء على مايرام"
***
دفع نيوس بهدوء باب غرفة جده الغارقة في العتمة و السكون، سقطت عيناه على الجسد النحيف تحت الشراشف الأبيض، شعر بالحنين عندما تبينت له ملامحه المجعدة و المسترخية بفضل المهدئات، يفتقد مناوراتهما و نقاشاتهما الحادة، سبيروس يشيخ و يضعف يوما بعد يوم، لم يعد يملك القوة لتحديه حتى.
" هل هذا أنت نيوس؟"
لم يكن نائما اذن.. اغلق باب الغرفة ورائه و دنى من سرير جده، جلس على المقعد بالقرب منه و بحث عن يده المجعدة ليحضنها بين يديه، بعد سنوات طويلة سيجد نفسه مكان جده، وبهذا الضعف و الوهن، الفرق انه لن يجد من يمسك يده و يواسيه.
" أنا هنا جدي"
" ايها التعسُ الجبان" سمع جده يقذف ببعض السخرية" مازلت تتنقل كالطيف في جذران هذه الجزيرة البائسة بدل ان تتعب قدميك بالبحث عن غاليتي ديامانتي و اعادتها لتشرق بها شمس هذا المكان الكئيب..."
" عنادك يثير السخرية ايها العجوز" رغم تعاسته ضحك و سعد لمناورة جده الذي يفتقدها بشدة " الأميرة مع أميرها... و الشرير يبقى وحيدا، تماما مثل القصص..."
ادار سبيروس رأسه و رمقه بنظراته الحادة التي لم تشيخ أو تتغير مع الزمن:
" الشرير هو من مع الأميرة... و الأمير الغبي يرفض رؤية هذه الحقيقة"
تنهذ نيوس بضيق و قال ببرود:
" استفق من احلامك لأنك ما لا تعرفه هو انها تحمل طفلا..."
في البداية لم تظهر أي ردة فعل على العجوز، هز نيوس عاجبيه عندما اشرق وجهه بشدة و تطلع اليه و كأنه استعاد صحته و عافيته فجأة، تكهن فورا نيوس تخمينات جده:
" أنا عاقر جدي..."
" أنت لست عاقرا بل غبيا، أقسم بمن هو الأعظم في الكون ان لم تتحرك بالبحث عن ابنك و تسترجع والدته بالمثل لأبرح مؤخرتك ضربا..."
كم يتمنى لو يكون جده محقا، اخبره الاطباء بأن امكاينة حصوله على وريث ضئيلة بنسبة مثيرة للشفقة، لن يبني احلاما و اوهاما، مستحيل ان يكون حمل ديامانتي منه.
" أخبرني الطبيب..."
" فلتذهب الى الجحيم انت و طبيبك نيوس..." هذه المرة الغضب و قلة الصبر ما ملآ نبرة سبيروس، اشار له مهددا " ان لم تجد ديامانتي و تحصل منها شخصيا على تبرير فسأكلف شخصا آخر للقيام بالأمر... "
" لما تصر على ان حملها مني بحق الجحيم جدي؟؟" تدخل نيوس بنفاذ صبر.
" لأنه منك ايها الأحمق الغبي" رد سبيروس ببرود وهو يقتص منه بنظرات قاتلة " اعرف ديامانتي اكثر منك، تحاورنا و تصادقنا اكثر مما تظن، من المستحيل ان تجمعها علاقة بذلك المتوحش البدائي... الذي هربت منه لتحتمي بنا هنا في هذه الجزيرة، كيف يعقل ان تكون ذكيا و متمكنا في الاعمال و فاشلا غبيا في حياتك الخاصة؟؟ جد ديامنتي او سأتدبر امر ايجادها بنفسي نيوس"
جده لم يكن يمزح او يتسلى، كان غاضبا و ناقما و جادا بشكل دفعه ليأخد تهديده على محمل الجد.


أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 19-04-14, 10:39 PM   #55

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
Elk

الفصل السادس و العشرن



جلست لينيتا على سريرها، صدرها ضيق و لهاثها عالي، جسمها المرتجف يتصبب عرقا، نفس الأحلام المزعجة تزورها يوميا، ذلك الرجل دو اللكنة الغريبة و الأنفاس النثنة، يعدها بأيام تعسة و ليالي طويلة من العذاب و الوحدة.
نظرت قربها، السرير فارغ مثل المعتاد، مارك لا ينام قربها الا في الساعات المتأخرة جدا من الليل، يستمر هذا الجمود الذي تجهل أصله و يكاد يفقدها صوابها، تنهذت و القت نظرة سريعة على المنبه الديجتال الذي يشير الى الساعة الحادية عشر قبل منتصف الليل.
أبعدت الأغطية و أدلفت رجليها في الخفين الحريرين قبل أن ترتدي الروب على قميص نومها و تغادر الغرفة بإتجاه غرفة التوأمين، ابتسمت بحنان عندما وجدت الوضع كما هو الحال عليه كل ليلة، 'جو' هادء في نومه، مستغرق في نوم هانئ تحت غطائه بينما 'رالف' ينام بالشكل العرضي على سريره، بطانيته مرمية على الأرض مع وسادته، رجليه و ذراعيه في كل الاتجاهات، حتى في نومه شاذا عن القاعدة.
دنت من سريره و حملته بين ذراعيها لتضعه بالشّكل الصحيح على سريره، ثم أدلفت الوسادة تحت رأسه قبل أن تغطيه بالبطانية و تحكمها حول جسده، تحرك ببعض الانزعاج قبل أن يعود لنومه، لامست شعره الطويل و تحسست نعومته بعاطفة جياشة قبل أن تنخني على جبينه و تقبل رأسه قبلة طويلة و تهمس في أدنه بالبرتغالية:
" أحبك بشدة"
تركته و شأنه و توجهت نحو سرير 'جو' لتحتظنه الى قلبها بشدة، شعرت بعينيها تحرقانها، كم حلمت بهذه اللحظات، ظنت لمسافة سنوات بأنها لن تتعرف مطلقا على هذه العاطفة التي تربطها بهما، فقدانها لطفلها الأولى كان صعبا، لكن فقدانهما أيضا دفعها للجنون الفوري، بفظل ادواردو ريتشي الذي وجدها و أعادها الى عائلتها تعيش بهناء... تقريبا.
" لين؟؟"
ابتعدت عن 'جو' و لم تجرؤ على النظر نحو مارك الذي ناداها بهمس قرب عتبة الباب، عينيها دامعتين و لا تريد اقلاقه، تعرف بأنه حساس جدا بكل ما يخصها، تخلصت من دموعها بسرعة و قبلت جبين ابنها قبل أن تخبره كم تحبه ثم التحقت بمارك الذي لف كتفيها بذراعه و أغلق الباب على ابنيهما.
" هل أنت بخير؟؟"
" لا أستطيع النوم..." تعذرت بأول ما جاء على لسانها.
" تعالي حبيبتي سأصنع لك شرابا يساعدك على النوم"
ما هي الا دقائق حتى كانت تجلس خلف اللوحة الرخامية للمطبخ الأنيق الذي لا تدخله سوى نادرا، عيناها على الرجل الوسيم الذي يتنقل بنشاط ليصنع شرابها المعجزة، راقبت عضلاته القوية من خلال 'التي- شرت' الابيض الذي يلفه بفخر، ثم انزلقت طيلة ضهره نحو خصره الضيق، عندما استدار نحوها كانت عيناها مثبتين على وركيه، اشتعلت وجنتيها عندما لمحت التسلية في نظراته الزرقاء.
" هل يعجبك ما ترين؟؟"
" يعجبني بالتأكيد..." ردت بإبتسامة مترددة " و أنت هل يعجبك ما ترى مارك؟؟"
انزلقت عيناه على قميص نومها بينما تعتدل في وقفتها لتسنح له فرصة دراستها بحرية، اشتعلت عيناه الزرقاوين و ابتسم بحرارة:
" طالما أعجبني..."
" لا أقصد قميصي مارك" تلاشت ابتسامته رويدا عندما أزالت قميص نومها و كشفت له عن ندوبها الغائرة، كما توقعت الملامح التي كست وجهه دفعت الدموع الى عينيها، أمسكت بروبها ووضعته عليها لتستر نفسها و كبريائها " لما لم تخبرني أن نذوبي هي سبب ابتعادك مارك؟؟"
" لين..."
" لم نتشارك أي شيء منذ زواجنا... تقول بأنني احتاج للوقت لكن الحقيقة هي ان لا رغبة لك بالاقتراب مني"
لغبائها ظنت بأن دافعه للزواج المتسرع في 'لاس فيغاس' هو حماسته لها، ظنت بموافقتها على خططه المجنونة بأنها تعيش أجمل لحظات حياتها رومانسية، كانت الليلة مدهشة، 'رالف' و 'جو' كانا رائعين و ستتذكر تلك الليلة ما تبقى لها من العمر، لكن مارك الذي تعدر بإنتظاره الزواج ليستمتع بحقوقه الشرعية عاد يتعدر بأشياء أخرى لا تفهمها، قال بأنه يريد أن تستعيد عافيتها قبل أي شيء، بحق الجحيم بداكرتها أو بدونها هي امرأة و تموت رغبة به، منذ بعض الوقت بدأت تشك بأن نذوبها هي السبب.
" حبيبتي لا تبكي" توسل اليها بصوت رقيق وهو يحيط وجهها بيديه و يتطلع اليها بعينيه الرائعتين ليقمع اعتراضها كالمعتاد، لكنها كانت مجروحة أكثر من اي وقت ولا تنوي الاستسلام لهذا الاستفزاز العاطفي.
" أريد البقاء بمفردي..."
تمتمت بهدوء، في البداية أقطب و أبدت نظراته اعتراضا، لكنه عاد ليترك وجهها و شأنها أيضا، ابتعدت بخطوات متعثرة نحو باب المطبخ و قبل ان تغادر سمعت صوته في ظهرها:
" أريدك أن تستعيدي ذاكرتك" كان في صوته توسلا غريبا " أريدك ان تستعيدي ذاكرتك كي أعيش معك حياة ببداية جديدة"
استدارت نحوه بوجه شاحب" ان لم أستعدها مارك؟؟ هل سنعيش معا كالراهبين طوال عمرنا؟؟ أنا امرأتك بحق السماء ابتعادك يؤلمني... أريدك مارك أرغب بك بشدة لكنك ماتزال مترددا لأسباب اجهلها... هل تشعر بالذنب ؟؟ هل هناك شيء يحول بيننا و يجب ان أعرفه؟؟ أخبرني... مالذي حذث ليجعلك يائسا لهذه الدرجة؟؟"
انسحب الدم من وجهه ايضا و اظلمت وسامته، بقيا يحملقان في بعضهما، لينيتا بإنتظار الاجابة و هو بنتظار الشجاعة الكافية، عند غياب رده انسحبت هي من المكان نحو غرفتها تحبس شهقاتها في صدرها.
***
دفعت الممرضة باب غرفة التوليد لتسمح له بالدخول، كما توقع ما ان سقطت عينا فلور عليه حتى ازداد وجهها شحوبا و اسودت نظراتها الخضراء الجميله قبل ان تتلعثم:
" مـ... مالذي يفعله هذا الرجل هنا؟؟"
انحنى دراكو عليها و ابتسم لها ابتسامته الخاصة" أنا سعيد ايضا برؤيتك 'كارا'... أخبرني الطبيب أن الصغير سيكون هنا بعد قليل..." ثم انحنى ليقبل جبينها قبلة خالية من اي رقة و كأنه يتحداها ان تعترض على حقيقة وجوده.
جلس في المقعد بالقرب منها، مسترخي وفخور بالفحولة الصارخة من كل جزء من جسمه الرائع و المتشع كالمعتاد بالسواد مثل قلبه بلا أدنى شك، تاهت نظراتها وكاد يصيبها الجنون من الأسئلة المتراكمة في عقلها، الانقباضة الحادة التي هاجمتها أفلتث منها شتيمة جديدة دفعت الرجل الحاد الوسامة قربها يهز حاجبيه الكثين و ينبس بتهكم:
" برهان آخر لنبل أخلاقك..."
لم تعد فلور تهتم لمن حولها أو تتحكم في جبال الكراهية المتراكمة في صدرها:
" اسمعني ايها السافل تستطيع الاحتراق في الجحيم مع عجرفتك و غرورك... اقسم أن أقتلك ان لم ترحل من هنا فورا"
التقطت المقص بسرعة البرق من الطاولة بجانبها ووجهته نحوه مهددة، انت خارج السيطرة عن نفسها وجهها غارق في الدموع و العرق و مستعدة حقا لإرتكاب جريمة، انها تعاني بشدة من آلام مخاضها و هذا الحقير يستمتع بعذابها: " ارحل و اتركني أضع طفلي بسلام"
أطبقت يده على معصمها و ارتجفت لهذا الاحتكاك الغير منتظر، زمت شفاهها بكراهية بينما يجبرها على فك اصابعها و تحرير المقص و اعادته الى مكانه:
" لدي إذنٌ من المحكمة، عمك اللطيف يعرف... لن أخرج من هنا قبل أن يخرج ابني و أراه..."
حررت يدها من قبضته بعنف ثم استندت على كوعيها لتتمكن من النظر مباشرة الى عينيه، بدت كنمرة شرسة في مخاضها عيناها تتطايران شررا، عليه الحذر من مخالبها اذا نجح بإزالة المقص من يدها قبل ثانية فلن يتفاجئ ان تلقى رأسه آلة حادة ما.
" لما لا تتقاسم معي آلام المخاض أيها السافل أم أنك قوي فقط في رمي أوامرك الغير محتملة ؟؟"
" انها الطبيعة عزيزتي..."
" أنا أكرهك" زمجرت من خلال أسنانها و دموعها " رباه كم أمقتك أيها الحقير لكل الضرر الذي الحقته بحياتــ..."
لم تتمم كلامها و أطلقت صرخة مدوية أخرى أخدت كل قواها، الشتيمة كانت اسوأ ما تلفظت به الى الأن و لا يهمها ان انفجر دراكو في الضحك أو سخر منها، عادت لتريح رأسها على الوسادة بتعب و تتلذذ ببعض الراحة بعد آلامها.
تفقد دراكو المكان بعين ناقدة، الممرضة خرجت و تركتهما بمفردهما، عندما أعلموه قبل ساعات بأن فلور دخلت المستشفى ألغى كل مواعيده و أخد طائرته مع 'فرانكو' الى لندن، آخر شيء يريده هو أن يُفلث ولادتها، يرغب بقوة ان يكون معها عندما تتحرك رئتي صغيره للمرة الأولى... يعترف بأن رؤيتها متألمة بهذه الحدة تربكه، لما لا يفعل أحدهم شيئا ما لمساعدتها.؟؟ منذ زمن توقفت النساء عن الولادة بالألم... فلور تعاني بحق.
" ارحل من هنا... اتوسل اليك ان ترحل" عاد اليه صوتها متضرعا و ناقما بالوقت نفسه " لا أريدك أن تراني بهذا الوضع..."
" لما لا؟؟ رغم لسانك السليط أجد الوضع أشد حميمية مما تخيلت..."
تلطيفه للجو لم ينفع، عادت تستند على كوعيها و تتطلع نحوه بكراهية، عينيها و أرنبة انفها محمرين من المجهوذ الذي تقوم به، شعرها الطويل سلسلة من العقد المتشابكة، مطلقا لم يجدها أكثر اثارة من هذه اللحظة:
" لو كنتَ مسؤولا و استعملت الحماية لما وجدت نفسي في هذا الوضع... رباه أنت أبغض و أحقر رجل التقيته في حياتي"
بتمهل غادر دراكو مقعده و توجه الى سريرها، طفح الكيل، ارتسم الرعب في عينيها الخضراوين لكنها ظلت متيقظة و واجهت نظراته الصارمة دون ان ترمش، وضع يده خلف رقبتها و تجاوز المسافة بين وجهيهما لينظر مباشرة الى عينيها، ثم قال لها بهدوء " ان كنت تنوين دفعي للوي عنقك بإهاناتك فلور فأنت تضيعين وقتك... لن أقتلك لأنني أريد أن يخرج ابني بسلام، حاولي الاحتفاظ برأيك لنفسك و دعينا نعيش هذه اللحظات بأكثر احترام ممكن..."
" ان كنت تظن بأنك ستأخده معك بعد الولادة..."
ابتسم لها دون أن يرد على تهديدها و التقط منديل من ورق ليجفف جبينها المشتعل و المبلل،أبعدت عنه وجهها الجميل مُتمتمة بإحتقار من بين أسنانها" لا تلمسني"
" أحاول فحسب المساعدة"
" لما لا تنادي ديامانتي لتقوم بذلك؟؟ اليست المُمرضة؟؟ أم أن الوضع يسليها، تنتظرك بكل طاعة بينما تأتي لتستقبل خروج لقيطك بحفاوة..."
تجمدت ملامح وجهه الوسيمة، تمكنت من لمس وثره الحساس،رغما عنها نظراته الباردة جمدت الدم في شرايينها، عضت على شفتها كي لا تصرخ عندما داهمتها انقباضة أخرى و انقدتها من عداوة الوحش الأدمي قربها، لم يرحمها دراكو لعذابها و ابتسم بالقرب من وجهها، ماتزال نظراته تقتص منها، أرادت ايلامه كما تتألم ، أرادت الانتقام من هذه الابتسامة الساخرة التي يهديها بسخاء فقدفت بأول ما جاء على لسانها:
" تعلم دراكو؟ أنا من شجعها على الرحيل الى جزيرة نيوس ليونيداس، كنت أعرف بأنها لن تقاوم ذلك الرجل الذي ابدى ضعفا غريبا اتجاهها... أبعدتها لأنني أردتك أن تدفع ثمن ما فعلته بي"
لم يمنحها نشوة الانتصار بتغضن وجهه أو غضبه، احتفظ بوقاره وهدوئه و اكتفى بهز حاجبيه الكثين ثم بصق بهدوء مسموم وصفعها لهاثة الدافئ بقسوة:
" انها مثلك فلور... مُجرد رخيصة، وما فعلته هي لا يجعل منك أكثر احتراما..."
" أيها السافل" صرخت من بين أسنانها.
" سوف أخبرك شيئا" تابع دراكو غير مهتم لأنينها و عذاب مخاضها ، أراد بقوة رد الصاع صاعين و قد نجح " طفلي الذي يُديقك كل هذا العذاب سوف آخده... ربما ليس اليوم و ليس غدا، و عندما يحين الوقت 'كارا' ستكون ذكرى آلام مخاضك مجرد تمهيد للجحيم الذي سأسقطك في جوفه "
دخلت الممرضة و اضطر للابتعاد عنها دون أن يبتعد بنظراته المقتصة، أدرك بأنها تتمعن أكثر في كلامه، فجأة لم يعد هناك أنين أو صراخ، تجمدت عيناها عليه فقط و ازداد شحوبها بينما الممرضة تقوم بفحصها و تستدعي الطبيب:
" فم الرحم متسع لنهايته... تستطيعين الدفع متى شعرت برغبة في ذلك آنستي"
لم تعد تستطيع الدفع أو حتى العيش، تمنت لو تكون في اي مكان او اي وضع بعيد عما تعيشه في هذه الغرفة، لكن المخاض أقوى منها، أحست بشيء ما يجبرها على الدفع بالرغم منها استجابت قبل أن تلتقط أنفاسها من خلال دموعها.
" جيد جدا آنستي... ادفعي متى رغبت بذلك، ادفعي بعضلات بطنك لا حنجرتك"
سمعت صوت الطبيب يقول لكن اهتمامها توجه الى دراكو الذي كان واقفا خلف الطبيب تماما يرى ما يحذث أمامه بملامح هادئة، لا عواطف كباقي البشر و لا حياة في نظراته السوداء.
" تعالى الى جانبي..." كفاها اذلالا... لا تريده أن يرى أيضا أشياءا ستزيد نفوره منها، هز حاجبيه ببعض السخرية أمام طلبها بعد كل السموم التي تبادلاها، قالت برجاء " خد بيدي دراكو... بما أنك هنا ساعدني لأضع"
تردد قليلا ثم استجاب الى طلبها، جلس على المقعد الذي كان يجلس عليه قبل قليل ووضعت أصابعها المرتجفة في راحة يده التي ارتطمت ذات يوم بقسوة على وجهها، أحست برغبة في الدفع فحبست أنفاسها و بكل قوة دفعت الى أن خارت قواها و اعادت راسها للوراء.
" جيد جدا..." سمعت صوت الطبيب يقول " نرى قمة الرأس أنت تقومين بمجهوذ عظيم"
ضغطت اصابع دراكو عليها، فتحت عينيها لتلتقي بنظراته، همس لها كي لا يسمعه الأخرين:
" انسي كل شيء و فكري فحسب بالطفل"
" رباه لم أختار له بعد اسما..." تمتمت فجأة بهلع و كأنها أتت الأن على تذكر الأهم.
" سيحمل على اسم أبي بالتأكيد..." رد دراكو و كأنه يتعجب من جهلها، نظرت اليه مقطبة الجبين و تمتمت:
" لما تظن حقا بأنه ابنك؟؟"
" لو لم يكن من صُلبي لما تكبدّت كل هذا العناء للإختفاء و الهرب فلورانس... فما ان يولد حتى آخد عينة منه للفحص النووي "
دفعة جديدة احتاجت لمجهوذ أكبر منها، فصرخت ما طاب لها و غرزت أظافرها في راحة يد والد طفلها الذي لم يحتج لألامه أو يسحب يده بل شجعها ايضا بكلمات رقيقة، ربما حلمت... ربما تخيلت لأنها تعرف بأن هذا الرجل المتجرد تماما من الانسانية غير قادر على التصرف بلطف أو رقة، رجل الثلج سيظل و أبدا رجل ثلج.
خرجت من هلوستها على صوت الطبيب يقول بلطف:
" لا تدفعي انتهى دورك، الرأس هنا..."
كم ولّدت لها هذه الكلمات من مشاعر جياشة، ضغطت على اسنانها بقوة و كأنها تمنع هجر الجسد الصغير لرحمها، أطبقت جفنيها تقاوم رغبتها العنيفة بالتطلع الى كثلة الحجر بالقرب منها، تخشى ما قد تراه في عينيه..تهديد؟ وعيد؟ مشاعر او ترقب؟ بعد قليل سيتعرف على الكائن الذي شن الحرب الباردة بينهما منذ اشهر طويلة، هي بهروبها و هو بقصاصه و تهديداته، شعرت فلور ببطنها يفرغ فجأة و من خلال الغشاوة التي تهدد سلبها وعيها شاهدت الجسد الصغير و دوت صرخته الاجشة و دغدغت كيان روحها، تمّ وضعه فور خروجه فوق صدرها، استعادت وعيها لهذا التواصل الشديد الحميمية و انسالت دموعها بلا وعي.
كان قطعة لحم ساخنة، الشعور الذي داهمها سرق منها صرخة سعادة غير متوقعة، شعره كان شديد السواد، جاهدت لترى وجهه الصغير الذي يخبئه في صدرها بقوة، يرفض اظهار وجهه لأي مخلوق :
" هل ترغب بقطع الحبل السري سيدي؟؟"
دراكو لم يتردد لحظة واحدة، لم ترى ما كان يفعل و الحقيقة لا يهمها، كل انتباهها و اهتمامها سلبهما طفلها الذي انغرزت اصابعه الصغيرة جدا في بشرة صدرها، دنت بحذر شديد بشفاهها من شعره الغزير و الحالك السواد و لم تجد نفسها غبية عندما انهمرت الدموع من عينيها للمرة الثانية خلال ثانيتين... هذه اذن غريزة الأمومة؟ تشعر بأنها قادرة على محاربة العالم لحماية هذا الكائن الذي هو قطعة منها و يحمل جيناتها، رحلة تسعة اشهر انتهت اليوم... أخيرا يتعرفان على بعضهما البعض.
ابتسمت بإشراق عفويا عندما عاد دراكو للمقعد قربها، نسيت حقدها كله و لم تعد ترى فيه سوى الرجل الذي منحها امتياز ان تصبح اما و تتمتع بكل هذه السعادة.
" هل يشبهني أم يشبهك؟؟"
اتت على الفور تأكيد ما شككت دراكو فيه طويلا، هذا الأخير تطلع الى الوجه الصغير الذي يختبأ في صدرها و ظهرت اسنانه البيضاء في تلك الابتسامة الفخورة التي تتعرف عليها للمرة الأولى:
" انه ابني ... شئت أم أبيت" بحذر شديد لامس خصلاته الحالكة " نيكولاي دراكو فالكوني... "
الإسم تردد كالتهديد في عقلها، الممرضة سرقت منها طفلها الذي بدأ لونه يتغير الى اللون الطبيعي، شعرت بالبرد لفقدها دفئه و أحست بغصة مؤلمة في حلقها لهذا الهجران السريع.
" لستُ مضطرة لوضع اسمك دراكو" هاجمت الرجل قربها لتنفث سمها فيه، ابنها لها، ملكها وحدها هي من تكبدت مشقة الحمل و الانجاب " ما رأيك في إنزو ريتشي؟"
" اسم مهرجين" أجاب بسخرية و استهزاء اخرجا مخالبها.
" انت المهرج ايها السافل اسم عائلتي أشرف من اسمك..."
بدى الملل على وجهه الوسيم، كانت نظراته القاتمة تتابع المراحل التي يتنقل منها الصغير من وزن و حمّام و فحص، بالكاد يشعر بها شخصيا في محيطه، لا مبالاته آلمت كبريائها أكثر مما آملت" سمعته يتمتم بهدوء" انه الأمير نيكولاي دراكو فالكوني و ليس اي طفل عادي..."
ثم حط نظراته الباردة عليها و تأمل شحوبها و الظلال البنفسجية التي تحيط عينيها الخضراوين " أنت مرهقة و لهذا تتلفظين بالحماقات...سأتركهم يهتمون بك"
تابعته بعينيها المقهورتين و اعترفت بأنه محق بشأن تعبها، ليست فقط متعبة بل تحتاج الى دهر من النوم كي تستعيد نشاطها و تستطيع مقاتلته الى النهاية ، عندما و صل حيث الطبيب و الممرضة يقومان بعملهما اخرج من جيب بنطاله الاسود هاتفه النقال و حدد به الصغير ليلتقط له صورة، انحنى بعد ذلك بقامته المميزة ليطبع قبلة على وجهه، انقبض قلبها لهذا المشهد المريع... سوف يتردد ما تراه كالكابوس طيلة اليالي المتبقة من حياتها، لم يلقي نظرة عليها بينما يسلك هذا الجسد الضخم و الرائع طريق الباب، انتهى دورها الأن في حياته، حصل على وريث فالكوني، هذا الوريث الذي سيبدأ بحبك الخطط منذ اليوم لسلبه اياها.
***
عندما اخبروها في المختبر بأن احد يريد رؤيتها توقعت ميا الكل عدا 'هاكان'، انطلق قلبها في خفقان مجنون ترك أنفاسها مضطربة، بللت شفتيها الجافتين و ادلفت يديها في جيوب بلوزتها البيضاء و دنت نحوه بهدوء تتفقده ببعض الحذر و الحنين، منذ ان تركت لندن اخر مرة لم تراه، لا يبدو تأثيره على كيانها قد تغير و لو قليلا، مازال يجذبها غموضه ووسامته البعيدة كل البعد عن البشر.
تعلقت نظراتها بعضلات ظهره القوية و انزلقت طول عموده الفقري قبل أن تعود لتبهر بلون شعره الشديد السواد، أصوله الهندية صارخة... هذا الرجل يُعجبها بقوة.
" مرحبا هاكان"
استدار نحوها، و ازدادت خفقات قلبها هياجا، من ملامحه لا يبدو حقا سعيدا برؤيتها أو حتى بوجوده في هذا المختبر في قلب 'غراس'، في الحقيقة اكتشفت غضب أسود مدفون في نظراته البندقية.
" مرحبا آنستي، آسفة على ازعاجك بقدومي لكن نيفرلي من دفعني لذلك"
آنستي؟؟ العودة لأستعماله هذه الكلمة جرحها رغما عنها، ظنت بأنهما أضحيا صديقين منذ تلك الأمسية الدافئة و التي اكتشفت فيها معنى البساطة و الأحلام العادية.
" أنت لا تزعجني بالعكس... امنحني بضعة دقائق كي أغير ملابسي و نتكلم في مكان هادئ"
" لا" قال بهدوء" من المؤكد بأن كل من في هذه المدينة يعرف من أنت و من هو خطيبك... لا اريد التسبب لك بالمشاكل اذا رأونا معا.."
هزت ميا حاجبيها و رمقته بتسلية
" هاكان نحن في القرن الواحد و العشرين... لن تتضرر سمعتي برؤيتنا معا، ثم ان عقلية ايثان ليست رجعية، لن تصيبه ازمة من الغيرة فقط لأننـ... "
" انا عقليتي رجعية" قاطعها ببرود" كنت لأصاب بأزمة غيرة ان خرجت خطيبتي مع رجل آخر... اتهميني بالتخلف ميا، لكنني هندي و فخور برؤيتي للأمور "
أبقت فمها مغلقا ولم تجد بما تجيب، بالتأكيد لم تقصد الاهانة، لكن هاكان لا يبدو مستعدا للمزاح او التسلية، تفهم تماما سبب وجوده هنا، نيرفلي اختارت طريقها و عليه ان يفهم بأنها كبيرة و ذكية و من حقها عيش حياتها كما تريد.
مر أحد العاملين ببلوزته البيضاء و لم يمنع نفسه من تفقد الزائر الأسمر ببعض الفضول، تنهدت ميا و قالت:
" فلنذهب الى مكتبي"
" أين هي شقيقتي ؟؟"
لم يكن في خطط هاكان الاستجابة اليها، بدى قاسيا كالحديد، تتحداها نظراته البندقية و تثبتها بصلابة، كيف ستقنع رأسه العنيد بتبعها على الأقل؟؟ قذفت بأول ما جاء على لسانها:
" نيفرلي لم تسئ التصرف..."
" عندما نتصرف بعدم مسؤولية نعرض انفسنا للانتقاض و العقاب" رد هاكان ببرود " نيفرلي تخطت حدودها بالمجيء اليك و بيع وجهها لإعلان سخيف، سوف يعود كلينا الى الألسكا ... عليها أن تستعيد رشدها و تفهم جيدا بأن هذا العالم البراق حولها لا تنتمي و لن تنتمي اليه يوما"
الاشمئزاز الذي تكلم به عنها آذاها، هزت دقنها و لمعت عيناها بغضب:
" أظن بأن شقيقتك بالغة كفاية لتقرر مصير حياتها بنفسها"
" مصيرها لن يكون عرض الأزياء بالتأكيد..."
قاطعته ميا وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها
" و أي مصير تريدها أن تختاره؟؟ التعفن في حفرة مفقودة من الالسكا؟؟ دعني أخبرك بأنك أُصبت عندما وصفت نفسك بالتخلف..."
اصفر وجه هاكان من الغضب لكنها لا تهتم لأنها بنفسها كانت تثور كبركان في أوج هيجانه، تواجها بتحد و توثر الجو بينهما الى أن قطع حرب النظرات صوت نيفرلي:
" هاكان؟؟"
استدار كليهما نحو مصدر الصوت، تستطيع ان تتخيل دهشة هاكان بينما يرى شقيقته وسط بلوزة مختبر بيضاء.
نعم... نيفلي التحقت بمختبرات 'لامبر' بعد أن أبدت موهبة خارقة في الكيمياء و العطور، اقترحت قاسم وصفاتها النادرة من قلب قبيلتها الهندية و لم يتردد ايثان في قبول عرضها، العطر الجديد الذي سينزل بعد أربعة اشهر سيكسر عالم العطور في الأركان الأربعة، نيفرلي ذكية و خفيفة الظل، ربما ايثان مايزال يحتفظ بتحفظه اتجاهها لكنها تعرف بأنه معجب بموهبتها و يقدرها رغما عن أنف غروره، تعيش نيفرلي في استوديو صغير في قلب 'غراس' و تتمتع باستقلاليتها، لن تسمح لهاكان أن يأخدها الى أي مكان و يدفنها مجددا في الألسكا فقط لأنه هندي مغرور و لا يحتمل و أيضا... لا يقاوم.
دنت منه نيفرلي و طبعت قبلة طويلة على جبينه قبل ان تتكلم بلغة تجهلها تماما ميا، انتظرت لثوان بصبر، لم يجب هاكان على سلسلة الكلمات الغامضة بل ادار لهما فجأة ظهره و قال ببرود
" سوف انتظرك خارجا نيفرلي..."
خلى الرواق من العضلات الادمية التي كانت تخنق هوائه و استدارت ميا نحو نيفرلي التي ابتسمت مطمئنة
" انه ناقم لأنني منحت وجهي لصيف هندي... أرجوك لا تغضبي منه، والدته عارضة ازياء مشهورة و قد عانى كثيرا من عالمها..."
شهقت ميا بعدم تصديق، اذن هاكان ليس هندي مئة بالمئة، لهذا يملك تلك العيون البندقية الرائعة فدمه مختلط اذن، تخيلت كل شيء عدا هذه الحقيقة.
" انه وقت الغذاء... سوف أخد ساعتي"
" اسمعي نيفرلي كان يجب ان اكلمك و اخبرك بأن قريبتي انجبت مولودها و قد قررت الطيران الى لندن هذا المساء و العودة الى غراس في بداية الأسبوع..."
اشرق وجه نيفرلي و هزت رأسها موافقة
" ارجوك بلغيها تهانيا الحارة"
" سأفعل... " اجابت ميا مبتسمة " شيء آخر عزيزتي... تجاهلي استفزازات ايثان و اهتمي فقط بعملك، لا تتركيه يدفعك للجنون خلال غيابي أعرف بأنه رئيس لا يحتمل"
" بدأت اتعود على مزاجه الغريب فلا تقلقي.. علي الذهاب الى 'هاكان' قبل ان يلتهمني حية"
***
لم ترد بيانكا على رسالة والدها الهاتفية، لكن صورة الطفل الصغير كسرت حصونها و قيودها و اذابت جبال غضبها و حن قلبها، شعرت بعاطفتها تنفجر كالمفرقعات في ذاخلها، لم تضيع وقتها، ما ان توصلت بصورة الرضيع حتى طبعتها في ورق خاص ووضعتها في اطار فضي قرب سريرها، "نيكولاي دراكو فالكوني" أجمل طفل رأته في حياتها، تعرف بالتأكيد 'فلورانس ريتشي' لكن عليها الإعتراف بأن شقيقها الجديد هو صورة مطابقة لوالدهما، مجيئه ولد اليها الأمل و زرع في قلبها سعادة كبيرة، شيء واحد يقلقها، هل سيظل الصغير نيكولاي في عهدة فلورانس و في ظل والدها مثلها تماما؟؟ كيف سيكون مصيره بينما زواج دراكو مايزال قائما؟؟
عموما رفض الظهور في حياة الصغير في اللحظة الأخيرة، تريد أن تقدم نفسها لفلورانس ريتشي و تعرفها على نفسها و أن تصبح جزءا من حياة شقيقها الصغير و اللذيذ مهما كلف الثمن.
اذا انفجر غضب دراكو كالجحيم فهذه تبقى مشكلته و ليس مشكلتها... على نيكولاي أن يعرف بأن له شقيقة ستدلله و تهتم به الى آخر يوم في حياتها.
***
هز أندريس عينيه من شاشة حاسوبه نحو زوجته التي انهت مكالمتها لتواجهه بعينين دامعتين، اقطب عندما اتسعت ابتسامتها فجأة:
" لقد كانت كاثرين... فلور انجبت طفلا رائعا يزن اربعة كيلو و خمسمئة غرام و طوله اثنين و خمسون سنتمتر، صرنا جدّين اندريس... تقول شقيقتي بأن نيكولاي أجمل طفل في العالم"
بل صار جدّا للمرة الثالثة، هذا الأحساس الرائع هو جديد بالنسبة لزوجته التي لا تتوقف عن الابتسام و البكاء بنفس الوقت، أخدها بين ذراعيه ليدعمها، اقتسام حفيد مع فرجينيا شيء رائع، حذث جديد و سعيد يزيد من صلابة اتحادهما، قبّل عنقها قبل أن يواجهها بنظراته.
" فلنذهب فورا الى لندن..."
هزت رأسها موافقة، لم تعد تملك رغبة في اتمام نهاية اسبوعها المقدسة، تريد فحسب رؤية هذا الحفيد الذي انتظرته طويلا.
" نعم فلنمضي اندريس... اتحرق شوقا لضمه الى صدري و تقبيل كل انش من وجهه الملائكي... رباه سأجن من شدة سعادتي و حماستي "
ابتسم اندريس لحماسة زوجته و تركها تبتعد عنه و تبدأ بإفراغ الخزانة من ملابسهما دون ان يخفي قلقه، أخر مرة اجتمعا بفلورانس انتهى اللقاء بكارثة، لا يريد رؤية فرجينيا متألمة من كلام ابنتهما، ما يتمناه من قلبه ان يكون مزاج الأم الجديدة قد تحسن بمجيئ مولودها، و ان تفتح الأمومة عينيها و تتخلى عن عدوانيتها اتجاه والدتها... على فلور ان تنسى الماضي و تغفر لوالدتها.
يعرف بأن ما يطلبه صعبا، لسيما يجد شخصيا مسألة غفرانه الكلي لفرجينيا صعبا... لم يسامحها اخفاء امر ابنتهما عليه، لكنه تأقلم على الأقل مع حقيقة الوضع.
" نيكولاي... نيكولاي ماذا؟ ريتشي أم ديكاتريس؟؟" سمع فرجينيا تتسأل ببعض الحيرة " اريد ان يعرف العالم بأن فلور ابنتك اندريس"
اخرج اندريس هاتفه الخلوي و ادار رقما، تأملته فرجينيا للحظة
" بمن تتصل؟"
" الطيار..."
عادت لمهمتها بملئ حقيبة السفر و عندما انهى مكالمته و ذهب لمساعدتها استطردت بتقطيبة
" اجهل هوية والد الطفل... فلور لم تكن حقا واضحة بهذا الشأن"
" سيظهر هذا الوالد عاجلا أم آجلا فلا تقلقي... دعينا نستعجل فلا أريد الوصول في المساء "
***
" هل تظنين نفسك فرنسية ثرية؟؟ بهذه الملابس المزركشة بأشهر أسماء مصممي الأزياء و هذا اللوك الجديد لمظهرك؟؟"
سخرية هاكان الجارحة أخرجت مخالب نيفرلي التي حاولت الاحتفاظ على هدوئها منذ جلوسهما في شرفة هذا المقهى المكتظ بالسياح دون جدوى، هاكان يدفعها للثوران.
" هذه ليست ملابسي بل ملابس 'ميا' ..."
"آه... صرتِ شحاذة الأن؟"
" اسمعني هاكان" تنفست بعمق كي لا تصرخ ملئ رئتيها و تثير اهتمام كل من حولهما" ما فعلته معي تلك المخلوقة الساحرة يفوق كل توقعاتي الاكثر جنونا، انا لست انتهازية او مادية لكنني احب العيش في مناخ جديد و اكتشاف أمور أجهلها، عشقت 'غراس' ما ان وضعت قدمي فيها، وجدت عملا براتب عال جدا و صرت فردا من طاقم معروف عالميا و له سمعته، أنا ككل فتاة تحلم بمستقبل جيد..."
" أنت هندية نيفرلي"
" أنا بشر هاكان... لا أحد يحاكمني هنا بسبب لون بشرتي و أصولي، أريد استقلاليتي فأنا كبيرة بما فيه الكفاية لأختار حياتي"
أمام الدموع التي ملأت عيناها ابتلع 'هاكان' قساوته و تفحص جدائلها السوداء و التي صففت بشكل عصري عزز جمال وجهها، مطلقا لم يفكر يوما أن مصير شقيقته الصغيرة و الغالية سينتهي بهذا الشكل... المستقبل يرعبه.
" أحب 'غراس' و عملي و سأظل هنا شئت أم أبيت"
أمام كل هذا الاصرار و التحدي وقف هاكان ملئ طوله، وقفت 'نيفرلي' بدورها دون أن تلين ملامح وجهها:
" لا يوجد ما أظيفه اذا كنت قد قررت حياتك"
" نعم قررتها و خططت لها و سأعيشها كما أرغب، اذا كنت سأعود الى الالسكا فلزيارة أهلي لا للمكوث الى الأبد"
العجز و الفراغ الذين خلفتهما هذه الكلمات في داخله كان بعنف هزة أرضية، لا يريد تخيل شجن شقيقته الصغير بعد أن تكتشف بأن العالم لا يراها بنفس الصورة التي تتوقعها، يريد أن يحميها من العذاب الذي تسبب به عالم والدته في مراهقته، حمل حقيبة ظهره فجأة ووضعها على كتفه قبل أن يقول:
" أتمنى الا تندمي يوما نيفرلي..."
تلعثمت و شحب وجهها الجميل:
" الن تبقى قيلا معي؟؟"
" لا مكان لي هنا نيفرلي تعرفين هذا جيدا، طائرتي ستقلع في المساء"
دون أن يظيف كلمة أخرى أدار لها ظهره و غادر شرفة المقهى بقلب مهموم.
***
تعرّف ادواردو فورا على قامة 'دراكو فالكوني' المميزة في آخر الرواق، ظنّه لم يخب ولا شكوكه ايضا، هذا الرجل يعود الى المستشفى بعد ان اخلى كل افراد عائلته المكان، لو لم يبقى ليكلم طبيب فلور لما لمحه.
لحسن الحظ ان الطبي اخبره بأن هذه الأخيرة ستخرج غدا ان كانت هذه رغبتها، لا ينسى التعاسة التي ارتسمت على وجه فلور بينما تسّر له الحوار الذي دار بينهما هي ووالد طفلها، اذا ظن 'دراكو' بأنه حر بأخد الطفل متى اراد ذلك فهو واهم.
" دون فالكوني"
لم يحتاج لنداء ثاني، الجسد الضخم المتشح بالسواد استدار فورا نحوه، الامتعاض الذي ظهر على وجه غريمه اختفى و صارت ملامحه باردة و صلبة و محايدة و بلا اي تعبير تماما كما آلفه، عدوه ذو شخصية مميزة وثقة نفس قوية يعترف بذلك.
" دون ريتشي يالها من مصادفة"
" تتعمد زيارات آخر الليل كي لا تلتقي أحد من عائلتي" باشر ادواردو ببرود وهو يقف بمواجهة الأمير الصقلي الذي ابتسم ببرود:
" ان كنت تظن بأنني أخشى أي فرد منكم..."
هز ادواردو يده ليمنعه من المتابعة قبل ان يدلفها في جيب بنطال بدلته الكحلية.
" أعرف تماما بأنك لا تخشى أحد و أعرف أبعاد نفودك أيها الأمير" صمت ادواردو لثوان يتطلع الى نفاد صبر الرجل و تفهم قلق فلورمنه، بحق الله كل امرأة تسقط عليها هذه النظرات الباردة التي يصوبها نحوه لم تكن لتقلق بل لتسقط مغشيا عليها" بل الكثير من النفوذ الغير محدود، الكثير من الأموال... لقب دون وزن و مكانة، الكثير من المغامرات العاطفية القصيرة وولدين غير شرعين متوجين بزواج فاشل"
" ارى انك قمت بالتحري جيدا دون ريتشي" انطلقت كلمات دراكو مثقلة بالسخرية
" لا اهتم بك شخصيا لاتحرى عنك فعلت ذلك لأجل ابنة شقيقي و احذرك... فلور ليست وحدها لا اعرف من اين اتيت بذلك التصريح لكن نيكولاي سيبقى من الريتشي الى ان تقرر والدته العكس، لا تنسى انك في اشد المواقف ضعفا و سأسحق دفاعاتك في اول جلسة"
" ما لا تفهمه ايها المحامي" قاطعه دراكو بإبتسامة غامضة بينما عيناه تتطايران شرا" بأنني مغرم بالتحديات مهما كانت صعبة و مستحيلة... موقفي حاليا ضعيف لأن زواجي من قريبة ابنك مارك انطونيو ما يزال قائما... و مثلما حصلت على تصريح لحضور ولادة فلورانس من تحت انفك المتعجرف، سأحصل على ابني بموافقة المحكمة و مباركتها و سأذكرك بعجزك عندما يحين الوقت" ثم هز رأسه معتدرا " عمت مساءا دون ادواردو ريتشي"
كان مايزال دراكو يغلي من الغضب عندما دفع الباب ليدخل الى الغرفة الطبية، أول ما ارتطمت به عيناه القاتمتين كان السرير الذي تكور فيه جسد فلور تماما كالجنين، تفقد ما حوله و كأنه يخشى أن يخرج فرد جديد من الريتشي و يفسد حميميته، بهدوء شديد أغلق الباب خلفه ما ان تأكد بأنه بمفرده ، السرير الصغير بالقرب منها فارغ، بعد أن قطع مسافة خطوتين وجد نيكولاي بين ذراعيها، وجنته الصغيرة تضغط بشدة على صدرها، الإثنين غارقين في نوم عميق، النوم الذي لم يتذوق طعمه منذ ليلتين... و كأن ما كان ينقص هيجانه النفسي لقائه مع قائد عائلة ريتشي شخصيا... فليحترق كل فرد منهم في الجحيم و أولهم المحامي المتغطرس، طفح الكيل مع هذه العائلة اللعينة.
جلس على مقعد بالقرب من السرير، لا تفصله سوى مسافة واهنة عن طفله، رغم استسلامها لنوم عميق لا تبدو فلور مستعدة لفك الحصار على الصغير، ذراعيها تشده نحوها بقوة و تملك.. 'استغلي هذه اللحظات فلورانس' فكر بينما تنزلق عينيه على ملامح وجهها الساكنة' استغليها جيدا'
كانت جميلة... هادئة و بعيدة عن شراستها الدائمة، متجردة تماما من دفاعاتها و أسلحتها.. لو كان الوضع مختلفا ربما كانت لتسليه بمخالبها و مزاجها الناري، للاسف أنها لا تهمه سوى لأنها والدة وريثه... وريث آل فالكوني.
دون تردد التقط هاتفه و بدأ بأخد صور جديد ة للصغير التي لن يتأخر بإرسالها الى بيانكا، لم يُقاوم بعد أربعة محاولات سرقة صورة للأم أيضا، بملامحها المسترخية و شفاهها الممتلئة و الشبه منفرجة كانت تجسد الإثارة و الأنوثة، عاد يدلف هاتفه في جيبه بعد أن اكتفى و بكل هدوء و كياسة امتدت يده نحو وجنة فلور و توقفت اصابعه على بعد انش واحد من بشرتها، انتظر قليلا قبل ان يغير اتجاه اصابعه و يهز كتفها ليوقضها، من المؤسف اخراجها من سباتها المريح لكن عليهما التكلم.
تململت فلور قليلا وحررت الجسم الصغير من بين ذراعيها، استغل دراكو الامر وحمل نيكولاي بين يديه، رائحة الطالك و الأطفال ممتزجة بأخرى انثوية، قرّبه من وجهه ليتمعن اكثر في ملامح وجهه الجميلة و المسترخية، احساس رائع بالأبوة اعتراه.
" دراكو؟"
تخلص فورا من المشاعر التي كست وجهه واعاد الطفل الى سريره قبل ان يغطيه بعناية.
" يجب ان نتكلم فلورانس..."
" لا أظن ان هناك ما يستدعي ذلك"
متمردة، حرة الارادة و منفردة الشخصية، تستطيع الاحتراق في الجحيم مع كل شذوذها و ميزاتها، عليه المحاولة قبل ان يتخد قراره بشأن صغيره.
وقف من مقعده و التقط روبها الحريري ثم امده لها مستطردا بهدوء:
" نيكولاي يجمعنا 'كارا' شئت ام ابيت... تعالي معي الى الكافتيريا يجب ان نناقش بعض التفاصيل"
شعر بالامتعاض لكمية الرعب المرتسمة في عمق عينيها، بحق الله يريد فحسب المحاولة كي لا تأخده الشفقة ذات يوم عندما يأخد ابنه منها.
ربما اظهرت له كم تعشق 'نيكولاي' لكن هذا الحب الى اي مدى حدوده؟ انها البداية فحسب و عاجلا ام اجلا سيعرقل مشاريع حياتها، ستمل الاهتمام به و تنفر صراخه، ستقوم برميه الى مربية متمرسة كي تتمكن من عيش حياتها المنحلة السابقة، تعاشر من تريد و ترقص الى الخطوط الاولى من الفجر.
لراحته امسكت بالروب من يده و ارتدته تخفي قميص نومها و تعقد حزامه ببعض الحدة على وسطها الذي بدأ يجد بعض نحوفه، دون ان تفارق عيناه غادرت السرير و جمعت كثلة شعرها الحالكة السواد في تسريحة عشوائية، أقطب دراكو عندما تذكر تفصيلا بشأن خصلاتها الكستنائية فيا مضى... كان يجب ان يشك بأن لونها مزيف كباقي شخصها.
" سأعلم الممرضة بأن نيكولاي بمفرده"
" لا تخشي شيئا لأنه محمي للغاية... "
رجاله في كل مكان و فرانكو تركه في الرواق يراقب ما يجري بعين حادة، راقبها تنحني على سرير طفليهما و تلامس وجهه برقة قبل أن تتركه مُكرهة، استجابتها له تريحه بشكل او بآخر، لابد انها فهمت بأنه اعند منها ولم يكن ليغادر المكان الا بقول ما لديه.
حبست فلور انفاسها بينما تسبق دراكو في الرواق، وجوده خلفها يكاد يثير جنونها، كانت تشعر به في كل خلية نابضة منها، الشعيرات التي تكسو جلدها منتصبة بحدة و متيقضة، كانت تعرف بأن نظراته القاتمة عليها، يدرسها ببعض الحدة بينما تمشي مستقيمة و كأن وجودهما معا أشد الاشياء طبيعية في العالم... لا شيء طبيعي في علاقتهما، هذه العلاقة التي شوهها الحقد و الكراهية.
كانت الكافتيريا خالية تماما، اختارت منضدة غير بعيدة عن آلة القهوة، قدمت لنفسها حليبا ساخنا بالشكولا بينما اكتفى دراكو بقنينة ماء افرغها في جوفه حتى قبل ان يأخد مكانه أمامها.
" اذن؟" تمتمت بصعوبة وهي تواجه نظراته بكل بسالة، تغرس اظافرها في راحة يدها كي لا ترتجف امامه او تضعف..." فيما يجب ان نتناقش دراكو"
راقبت حاجبيه الكثين يتحركان ببعض الاستهزاء، كانت المرة الثانية التي تحصل فيها على امتياز رؤيته عن قرب شديد، ربما تعددت لقاءاتهما لكنها كانت مشغولة بالتخطيط للهرب و الافلاث منه على التطلع الى قسمات وجهه و التمعن فيها... تفهم لما لم يعد يثيرها اي رجل بعده... دراكو ليس اي رجل بكل بساطة... فليحترق مع وسامته المدمرة في الجحيم.
" لدي اقتراح... عقد يضم كل التفاصيل بشأن تقاسمنا حضانة نيكولاي"
" تستطيع الحلم الى اخر ايام حياتك" قاطعته ببرود و هي تكثف ذراعيها فوق صدرها " ربما قمت بحشر انفك في اوراق المستشفى الخاصة و وضعت اسمك في خانة هوية الوالد...لكنك لن تحصل على اكثر من ذلك دراكو"
زم شفتيه و لمعت نار متقددة في جوف مقلتيه الحالكتين:
" فكري جيدا فلورانس... سنتقاسم الحضانة و يحصل كل منا على حقه دون الدخول في حرب ستخرجين منها خاسرة"
انفجرت فلور في الضحك بقهر، أي أمل سخيف اعتراها بينما يقترح عليها التكلم؟؟ هل ظنت بأنه غير رأيها بشأنها؟؟ اعتراها أمل أن تحصل على اعتراف بالإعجاب، مالذي انتظرته من كثلة ثلج بارد المشاعر و الاحساس أن يعترف بأن نيكولاي شمس حياته و يريدها أيضا الى جانبه لأنه لم يستطع نسيانها منذ ما حذث في صقلية... أمام الجميلة و الفاثنة ديامانتي هي لا تسوى شيء، انها مجرد رحم منح دراكو الوريث الذي يرغبه بشدة.
" لما يجب ان اخرج خاسرة دراكو؟ عمي سيتكفل بك... لدي حقوق اعرفها و سأكون افضل الأمهات على وجه الارض... اما فيما يخصك فهناك الجميلة ديامانتي ستحصل على ابناء آخرين و تنسى امر نيكولاي"
" أشفق عليك... تجهلين من اكون حقا و تخطئين في التقليل من قدراتي" ثم وقف فجأة يسحقها بطوله الفارع و نظراته الباردة " على الأقل قمت بالمحاولة... ترفضين اي محاولة تصالح و لن تلومي سوى نفسك فلورانس لأنني اقسم بأعظم من في هذا الكون بأن اخرج المنتصر الوحيد..."
استقام في وقفته ملقيا نظرة أخيرة عليها، يعرف بأنها المرة الأخيرة التي سيرى فيها نيكولاي قبل أن يتدبر أمره للحصول كليا على حضانته، فلور ستغادر المستشفى و يدرك تماما بأنها ستتبخر و تختفي كما فعلت خلال حملها... لكنها مسألة و قت فحسب.
اذا كانت ترفض التفاوض معه فسيعمل على تجريدها من حقوقها بالمثل.
الفوز للأقوى.


أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 09-05-14, 02:05 PM   #56

Andalus

نجم روايتي ومترجمة ومشرفة سابقة،مصممة،مدققة ومحررة لغوية في منتديات قلوب أحلام والروايات الرومانسية المترجمة وموسوعة القسم الطبي وقنبلة المعلومات وكاتب في فلفل حار ولؤلؤة الروايات الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية Andalus

? العضوٌ??? » 139269
?  التسِجيلٌ » Aug 2010
? مشَارَ?اتْي » 18,420
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Andalus has a reputation beyond reputeAndalus has a reputation beyond reputeAndalus has a reputation beyond reputeAndalus has a reputation beyond reputeAndalus has a reputation beyond reputeAndalus has a reputation beyond reputeAndalus has a reputation beyond reputeAndalus has a reputation beyond reputeAndalus has a reputation beyond reputeAndalus has a reputation beyond reputeAndalus has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
¬» قناتك max
?? ??? ~
أنا اللي بالأمر المحال اغتوى،شفت القمر نطيت لفوق في الهوا،،طلته ما طلتوش إيه أنا يهمني؟!وليه؟؟ ما دام بالنشوة قلبي ارتوى..!
?? ??? ~
My Mms ~
Icon26

الفصل السابع و العشرون


تعرفت عليه ميا حتى قبل أن ترى ملامح وجهه، صالة المطار مكتظة بالمسافرين والهرج لكن عيناها تعلقتا فحسب بالشخص الأسود الشعر والمنفرد بنفسه كالمعتاد، تجاهلت ضربات قلبها المجنونة وابتلعت ريقها ومعه ترددها ثم تقدمت نحو الجدار الزجاجي بإنفعال.
وجود هاكان في هذا المكان يعني شيئاً واحداً، مهمته فشلت، لم يتمكن من إقناع نيفرلي من ترك غراس والعودة إلى ديارها.
ما حدث بينهما بعد الظهر أنّب بشدة ضميرها، تكن مودة وإعجاب شديدين لشخصه.. والبرود الذي لفّ لقائهما قد بعثرها بالكامل..
"مرحباً هاكان"
التفت هذا الأخير بنظرات فضولية، بالتأكيد لم يتوقع وجودها أو حتى يتكهن صدفة مماثلة، قست نظراته البندقية ما إن سقطت عليها، الإنزعاج الذي أحسته شدّ بطريقة غريبة على معدتها وأشعل ناراً ملتهبة في أوصالها.
"لم أتوقع أن تغادر فرنسا بهذه السرعة!"
هز حاجبيه بسخرية وتمتم ببرود:
"لم تتوقعي؟؟"
زمت شفتيها للعداوة التي نشبها لا إرادياً بينهما، حباً بالسماء إنها لا تريد أن تخسر صداقة هذا الرجل المتشبع كبرياءاً وغطرسة.
"أعرف فيما تفكر هاكان... لكن لا علاقة لي بقرارات شقيقتك"
هذه المرة تخلى عن سخريته وقطب جبينه الأسمر قائلاً بهدوء:
"إنها في سن صغيرة جداً، هل تعين حقاً لهذه الحقيقة؟؟ يفترض أن أحميها وأعتني بها وبدلاً من ذلك أنا بصدد هجرانها في مدينة غريبة تاركاً إياها لمصيرها"
اندفعت ميا مدافعة:
"غراس بمثابة إنطلاقة إيجابية لها، إنها محمية جداً وسعيدة، فقط لو تراها تعمل هاكان... فقط لو تعي أنتَ لمدى عبقريتها ونشاطها وذكائها، أترك لها فرصتها في الحياة لأن هذا النوع من الفرص لا يأتي سوى مرة واحدة في العمر.."
تكاد تقسم بأن لا كلمة واحدة استطاعت تبييض طريقته السوداوية لرؤية الأمور، كان ناقماً جداً على الوضع برمته، بدا وكأنه يحسب الدقائق ليصل موعد رحلته، رمق من حوله بنظرات شاردة قبل أن يعود ويركزها عليها:
"سأبتعد آلاف الأميال قريباً وسأكون في قلب ألاسكا إن هي احتاجت لدعمي يوماً!"
لسبب ما هذه الكلمات آذت قلبها أكثر مما تمنت، استطردت بخفوت:
"سترحل؟؟"
"لم أُخلَق لأكون حارساً لأحد آنستي، مددتُ يد العون لصديق عزيز وعليّ العودة لأشغالي فحياتي هناك... القبيلة التي وصفتها أنتِ بالحفرة"
صمت عندما دوى صوتٌ في مكبر الصوت يطلب من مسافرين رحلة لندن بالإقتراب إلى مداخل الطائرة.
"إنها رحلتي" قال هاكان ببعض الراحة وكأنه ممتن لهذه المقاطعة!
"إنها رحلتي أيضاً" أجابت ميا بينما أصابعها تطبق بشدة على حلقة حقيبة سفرها.
"قريبتي أنجبت وكما رأيت بنفسك نحن أسرة ملتحمة جداً وهذا النوع من المناسبات مقدس بالنسبة إلينا"
"لا أظن أن خطيبك يميل إلى هذا النوع من المقدسات وإلا ما تركك ترحلين من دونه"
لم تجد ما تجيب به لأنه أدار لها ظهره وتوجه حيث يتوجه المسافرون على رحلة لندن، انطلقت خلفه.. تريد تبرير تخلف إيثان على المجيء وعندما وصلت إليه قالت بهدوء:
"الموسم شديد الخناق ونحن نملك أطناناً من العمل الشاق، تعذر خطيبي عن المجيء لا يعني ما فهمته!!"
ألقى عليها نظرة من فوق كتفه:
"هل رأي هندي متخلف يهمك إلى هذه الدرجة؟؟"
شعرت بالغضب ينخر أعماقها والدم يغلي في شرايينها:
"لِمَ تُصر على الشجار معي بحق السماء؟؟"
"آسف إن كنتُ جرحتكِ بتكرير كلماتك.."
كان يتعمد كل شيء، التهكم.. السخرية والتجريح، هزَّت ذقنها بتحدٍ وانتصبت أمامه تمنع عليه رؤية أي شيء غيرها:
"تشددكَ قديم الطراز، وآسفة إن كان توضيح الأمر قد آلمك لكن حشر أنفك في أمور فتاة راشدة لم يستهويني.."
"مرحباً!"
صوت العاملة النافذ الصبر أجبرهما على الإستدارة نحوها، حان دورهما لمنح بطاقتيّ سفرهما، المضيفة ظنت بأنهما معاً فالتقطت البطاقتين معاً ثم ابتسمت لميا:
"الدرجة الأولى من هنا آنستي" ثم مدت البطاقة لهاكان:
"الدرجة الثانية من هذا الباب"
التهكم الذي ارتسم في عمق عينيه دفع ميا للجنون أكثر، انحنى عليها ليهمس لها:
"مهما فعلت نيفرلي ستنتمي إلى الدرجة الثانية مثلي تماماً، أتمنى فحسب أن تفقه لهذا في الوقت المناسب"
***
لم يفت آنجلا الضغط والتوتر الذي خلقه وصول الكونت وخالتها فرجينيا إلى غرفة فلور في المستشفى، ولم يفتها أيضاً أياديهما المتشابكة، هزت حاجبيها ببعض العجز وبحثت تلقائياً بعينيها عن والدها الذي لمحته يتوجه نحو عمها روبيرتو ويأخذ بيده ليخليا الغرفة كليهما، الغصة التي تشعرها منذ هذا الصباح تزداد حدة مع الغموض الذي بدأ يلف حياتها منذ بعض الوقت، ما الذي تفعله خالتها مع الكونت أندريس؟؟
هزت عينيها مجدداً إليهما ثم انتقلت بسرعة إلى الأم الحديثة التي فقدت إشراقتها وأضحت عيناها الخضراوتان باردتين، تدرك بأن علاقتهما متوترة لحد ما وبالتأكيد مجيء خالتها لرؤية حفيدها طبيعي وعلى فلور تفهم ذلك.
"تعالي معي عزيزتي علينا أن نتحدث" قبل أن تعترض أو تطرح الأسئلة تأبطت والدتها ذراعها وقادتها إلى الخارج، صدى صوت عمها المقهور اخترق أذنيها ما إن أصبحا في الرواق.
شيء خطير يحدث وهي لا تفهمه حقاً!!
"أمي.." توسلت إليها آنجلا ببعض الحدة.
توقفت كاثي عن السير نحو زوجها وواجهت ابنتها بهدوء:
"نعم إنهما معاً، لقد تزوجا"
رمشت بقوة وفغرت فاهها لبضع ثوانٍ تستوعب الصدمة التي سقطت على رأسها مثل الصاعقة قبل أن تستطرد بصوت شاحب:
"عمي المسكين... إنه يعشق فرجينيا"
"وهي تعشق أندريس..." ردت كاثي ببعض الصلابة وتمتمت بصوت خفيض: "أنتِ بالغة وواعية آنجلا... هناك ما يجب أن تعرفيه أيضاً"
احتدم صوت والدها مما قاطعهما واشتبك مع صوت عمها الهائج، هذا الأخير كان ناقماً على وجود طليقته مع زوجها الحالي، أحست بالشفقة تنخرها وبالعجز لوجهه الشاحب وعينيه المتسعتين بضيق وضغينة، كيف يمكنها التصرف الآن؟؟
إنها تعشق ثلاثتهم، روبيرتو والكونت أندريس وفرجينيا.. مع من يجب أن تقف في هذه اللحظة؟؟ تشعر بالتشتت الكلي... حياتها تتخذ مساراً خطراً بدأت تفقد السيطرة عليه رويداً رويداً!
شتيمة عميقة بالصقلية تهادت إلى مسامعها، عمها تمنى الموت للكونت أندريس قبل أن ينتزع نفسه من قبضة والدها ويتوجه إلى الأبواب المزدوجة في آخر الرواق.
رغماً عنها تضببت الرؤية أمام عينيها لرحيله مهزوماً ومتألماً، ربما بلعت مسألة طلاقه من خالتها ببعض الخيبة، طالما اعتبرت زواجهما مثالياً تماماً مثل زواج والديها، لكن أن تسقط خالتها بسرعة البرق بين ذراعي الكونت ما إن حصلت على حريتها صدمها بشدة، لِمَ لَمْ تختار شخصاً بعيداً بحق الجحيم؟! الكونت من العائلة وهذا يزيد الأمر تعقيداً!!
التقت نظراتها الدامعة بنظرات والدها النافدة الصبر وعندما دنا نحوها تركته يحتضنها برقة ويمسد ظهرها وكأنه يريد أن يجد السلوى بين ذراعيها.
"الحق به إدواردو..." سمعت صوت والدتها من خلال دقات قلبها التي تضرب بعنف في أدنيها.
"سوف أفعل" ثم أبعدها عنه ليحملق في عينيها ويبتسم لها مشجعاً:
"لا تحزني آنجلا... الكل راشد والكل يتخذ القرارات التي يجدها مناسبة، يجب أن تعرفي فقط بأن أندريس وفرجينيا من حقهما التواجد في هذا المكان حتى وإن لم يرق هذا لشقيقي!"
وهل جوشوا أيضاً من حقه التواجد في هذا المكان وفي هذه اللحظة؟؟
مات السؤال بين شفاهها بينما ترى الرجال الثلاث يقتحمون المكان ويدخلون من حيث خرج عمها كالعاصفة قبل قليل وكأنهم على موعد مسبق.
دافيد ومارك أنطونيو وجوشوا، إبتسامة هذا الأخير واسعة ومشعة لدرجة سحقت قلبها، منذ زمن بعيد جداً لم تره سعيداً بهذا القدر...
ووراء هذه السعادة الصادقة والعميقة لقائه بمارك أنطونيو أخيراً.. توأم روحه، إبتسامته التي تلاشت ما إن حطت عيناه الضاحكتان عليها!
***
صرخة رهيبة سحبت ديامانتي من نومها، جلست فجأة على فراشها الضيق وتفادت الوقوع منه بمعجزة، نظرت من حولها بدهشة بينما أنفاسها ثائرة وصدرها يهتز بعنف ساحق، لم يتغير شيء في غرفتها، كل شيء طبيعي... لا أثر لدراكو في الجوار، إذاً فالصرخة كانت صرختها هي!!
امتدت يدها إلى وجهها الغارق في الدموع وبدأت بمسحه ببطء، انفتح باب غرفتها فجأة وظهرت الطبيبة ملتفة في ردائها المنزلي الوردي، أحست ديامانتي بالذنب لكل الذُعر المرتسم في عيني المرأة.
"ما الأمر عزيزتي؟؟ سمعنا صوتك من الطابق السفلي!"
اندفعت يد ديامانتي إلى عنقها الرطب جراء العرق، مازالت تشعر بقبضة يد دراكو على حنجرتها، تكاد تقسم بأنها لم تحلم وبأنه كان هنا حقاً.
"لقد كان كابوساً" شرحت ديامانتي ببعض الكآبة وهي تتحسس بطنها الذي قسى مثل الصخر وعرقل إسترخائها..
"نفس الكابوس المرعب يعاودني.. أرى زوجي يختطف طفلي.."
كانت المرة الأولى التي تتحدث عن دراكو مع أحد لاسيما مع الطبيبة التي لم تدفعها يوماً لتُسِرَّ لها بأسرارها، حنجرتها ما تزال تحرقها جراء الصرخة القوية التي خرجت منها.
"وجودك في تونس نتيجة هروبك منه...؟؟" سمعت المرأة توشوش برقة.
هزت ديامانتي رأسها بالإيجاب، قريباً سترحل وتعود إلى الديار.
من حق هذه المرأة التي ساعدتها كثيراً ولم تطرح عليها سؤالاً معرفة الحقيقة... أو بعضاً منها على الأقل!!
"تعرفين؟؟ أحياناً تكون الأمور أسهل مما نتوقع.. ربما زوجك تغير مع الوقت"
كادت ديامانتي أن تنفحر من الضحك، أمير كوابيسها الأكثر عنفاً يتغير؟؟ لا تجرؤ حتى التفكير في ما يخطط له أو يفعله، تعرف فقط بأنه عندما يحين الوقت ويتواجهان... المواجهة ستكون كل شيء عدا لطيفة.
"الأمر معقد، لم نعش حقاً كزوجين وهربت منه في ليلة زفافنا" ثم لامست بطنها مرة ثانية مما دفع نظرات الطبيبة لمرافقة حركاتها المتباطئة.
"وهذا الحمل ليس منه..."
لم يرتسم أي نوع من أنواع الإزدراء على وجه المرأة، هزت كتفيها معلقة بهدوء:
"أفهم سبب كوابيسك"
"لو رأيته لفهمتها أكثر" قالت ديامانتي متنهدة، ترفض إطلاقاً السقوط في شرك الخوف من زوجها والمستقبل برمته..
"يريد الإنتقام لخيانتي، لهذا أختبيء لحين ولادتي، على الرجل الآخر أن يعرف بأن له طفلاً"
"هل تريدين أن نتصل بالرجل الآخر؟؟ ديامانتي تعرفين بأنه يمكنك الإعتماد عليّ!"
نعم، هي تعرف جيداً وتثق برقتها وطيبتها، لكن هل ستبقى على موقفها إن عرفت هوية زوجها؟؟ لا... اسم فالكوني مرعب لكل من يسمعه.
"سأتصل بوالد طفلي في الوقت المناسب، عليّ فقط الإستمرار قدماً فإن تخاذلت فلن ترحمني السماء مما سيحدث"
***
كانت تعرف عناد فرجينيا وتتوقع هذه الزيارة لكن ليس كليهما، لم تكن مستعدة بعد لمواجهة ثانية مع الكونت أندريس الذي يذكرها وجهه بزيف جذورها، ألقت نظرة وجيزة على رضيعها الغارق في النوم في سريره الصغير وعدت حتى ثلاثة كي لا تترك العنان لصوتها وتصرخ ما طاب لها كما فعلت في المرة السابقة.
لكنها لن تفعل... تعترف بأن مواجهتهم الأخيرة أثرت بها سلبياً لفترة طويلة، اليوم مختلف.. صارت أماً ولم تعد هرموناتها تتحكم بعواطفها، عليها أن تهدأ وتفهمهما بكل بساطة بأنهما مرفوضان قطعاُ في حياتها وحياة ابنها، إن قبلتهما فستخسر والدها ومكانها في قلبه.. مطلقاً لن يأخذ الكونت الحب الذي تكنه لروبيرتو ريتشي!
"مرحباً فلور..." تهادى لها صوت والدتها بين التردد والشوق، عيناها تبحثان بلهفة عن الصغير، ارتعد قلبها وأدركت بأن الفخر الذي يطل من عيني والدتها كان ليسعدها في ظروف أخرى، لكنها تكرهها لما فعلته بحياتها، بسببها هي انقلبت حياتها جحيماً واستغلها دراكو وأذلها، لفت ذراعيها حولها وهزت رأسها بشموخ تمنع نفسها من الركوض نحو نيكولاي وإخفائه عن نظراتها الشرهة، هزّت ذقنها بحركة مقتضبة وسألت ببرود:
"مجيئكما أخرج والدي عن صوابه، كان يجب أن تتصلي قبل الحضور"
"هل كنتِ لتقبلي رؤيتنا؟" توقعت أن تكون فرجينيا من تأخذ الدور في الكلام وليس الكونت، منذ دخولهما تتفادى النظر مباشرة إلى عينيه، عيناه الشبيهتان جداً بعينيها.. حقيقة أخرى على توارثها جيناته هو وبرهان أكيد بأن كلام فرجينيا صحيح وأنها لا تحمل قطرة دم واحد من دماء آل ريتشي، رباه كم تكرههما معاً لهذا العذاب.. لا تريد أن تكون ابنة هذا الرجل المتغطرس والفخور بنفسه، لا تريد أن تكون شقيقة جوشوا!
اسودت عيناها تحت ضغط أفكارها، بالتأكيد قرأ الإجابة على وجهها الشاحب، مجيئهما يزيد من تعقيد الأمور، لمحها العذاب في عيني والدها لرؤيتهما معاً زاد من حنقها ونفورها.
"كنت لأرفض بالتأكيد..." بصقت بجفاف دون الأخذ بالإعتبار عمق الجرح الذي ستتسبب به هذه الكلمات، لا تعرف إن سمعتها والدتها أم لا، رأتها تبتسم ملء فمها وانتبهت إلى أن ابنها استيقظ من نومه وبدأ يحرك أطرافه ببعض القوة التي تفوق عمره الحديث، قبل أن تستوعب نوايا فرجينيا التقطته هذه الأخيرة بين ذراعيها بكياسة دفعتها للتراجع عن أي هجوم.
"رباه كم هو رائع، كاثي كانت على حق عندما وصفته بالملاك.. انظر حبيبي كم هو أسمر اللون... لا بد أنها جيناتك وأصولك اليونانية"
"لا أظن بأن جذور الكونت لها علاقة بابني" بلا ثانية تأخير أخذت نيكولاي من والدتها واقتصت منها بعينيها، غضبها تصاعد مثل البرق عندما التقطت أذناها كلمة التحبيب التي نادت بها الكونت.
"لكن كيف تجرؤين؟؟ تخدعينني كل حياتي وتخفين عني بأنني لقيطة هذا الرجل والآن تتغنين بمزاياه في ابني؟؟ فليكن بمعلومك بأنه صورة مصغرة عن والده.. لا علاقة للكونت بلون بشرته أو شعره"
شحب وجه فرجينيا لهجومها وأسرها الذعر في عمق عينيها، ضمت إليها الصغير أكثر وزمت شفتيها بكراهية:
"لن يكون يوماً حفيدك هل تفهمين؟؟ أريدك خارج حياتنا"
"أنتِ لست عادلة فلور..." تمتمت فرجينيا بغصة وكأنها تمنع نفسها من الإنفجار في البكاء: "ما الذي يجب أن أفعله كي تغفري لي؟؟"
انفلتت ضحكة صغيرة من صدرها الضيق وكأنها سمعت نكتة سخيفة، خططها بالهدوء تبخرت، تتمكن فرجينيا دوماً من إخراجها عن سيطرتها، تجلب هذا الرجل إلى هنا لتناديه بحبيبي وتتغنى بمزاياه أمامها!!!
"لا أنوي مسامحتكِ فلا تتعبي نفسك بالمجيء وإذلالها في كل مرة.."
عقب الصمت كلماتها القاسية، لم تكن واثقة إن كانت قوية كفاية لرؤية دموع والدتها تنهمر دون أن تسرع إلى أحضانها وتطلب المسامحة، مستحيل.. فقط لو تتمكن من مسامحتها بصدق.
فقط لو تستطيع تجاوز هذا النفق المظلم وتحطيم الجدار بينهما.
فقط لو تتمكن من تقبل الكونت مكان روبيرتو ريتشي!
"ارحلا.." سمعت نفسها تهمس بصوت أجوف، الكلمة ترددت مهددة في أرجاء الغرفة الصامتة، قريباً ستغادر هذا المكان وتتخلص كلياً من هذه الزيارات الغير مرغوب فيها، أولاً دراكو... والآن والديها..
تقصد فرجينيا وأندريس ديكاتريس.
"فلنمضي حبيبتي.."
كلمات التحبب بينهما تنخرها كالسهام، مطلقاً لا تتقبل فكرة أنهما معاً حقاً... متزوجان وسعيدان على حساب تعاسة الطرف الثالث الذي هو والدها، لم تستجب فرجينيا لنداء الكونت بل قطعت المسافة بينهما وتطلعت إليها مباشرة بعينين دامعتين وقالت بهدوء:
"كنتُ في عمركِ عندما رزقت بكِ فلور، كنت أتمزق لفكرة أن رجلاً آخر من يمسك بيدي أثناء مخاضي وليس والدك الفعلي، وفرت لكِ السعادة على حساب سعادتي لأضمن لكِ عائلة ملتحمة وصلبة، حتى وإن كان عقلك يرفض ذلك، عليك الإعتياد على فكرة أن الإحترام وحده ما جمعني بروبيرتو والمودة، أما الحب الشغوف فلم يكن في قاموسنا يوماً لأن الرجل الوحيد الذي أحببته طيلة عمري كان أندريس.."
"لا تهمني تفاهاتك.." أجابت فلور من بين أسنانها، رغماً عنها أعمت الدموع عينيها، إعتراف والدتها جرحها وقطع أمل عودتها يوماً إلى والدها.
"ما أقوله ليس تافهاً، فقط احذري القدر عزيزتي لأنه بدورك تضعين لقيط رجل لا تحملين خاتمه.. أتمنى فحسب أن تكوني أكثر حظاً مني"
التقت نظراتهما مطولاً قبل أن تنزلق عينا هذه الأخيرة على الرضيع بين ذراعيها وتملأهما العاطفة والدفء.
"لن أعود مرة أخرى فلور، أتمنى فحسب أن تعيدي التفكير.. أعيش في بيت زوجي.. الذي هو والدك الفعلي شئتِ أم أبيتِ، بابنا سيبقى دوماً مفتوحاً لكِ متى قررتِ الطرق عليه"
"سيكون في أحلامكما فقط.. علاقتي بك انتهت منذ أن قررت ترك أبي وتمزيق قلبه.." أحست فجأة برغبة شديدة للإنتقام من هدوء الكونت ورزانته، كان واثقاً من مشاعر زوجته نحوه لدرجة أشعرتها بالغيرة وأشعلت نيران الحقد والغضب في قلبها.
"ربما أعيد التفكير بشأنك إن قررتِ وضع حد لهذه المهزلة والعودة إلى أبي"
التحدي في صوتها لم يرق الكونت الذي لم يعلق، كان يتطلع نحوها بعينيه الخضراوتين دون أن يتدخل أو تصيبه نوبة غضب كالمرة الأخيرة عندما قرر الدفاع عن حبيبته أمام مخالبها.
"لن أعود إلى روبيرتو حتى وإن افترقت طرقنا أنا وأندريس فلن أعود إليه يوماً"
نعم، التقطت إبتسامته!
نعم.. الكونت يسخر منها ومن محاولتها الفاشلة والصبيانية، هو لم يبتسم فعلياً لكن عيناه ابتسمتا بكل عمق، هزت ذقنها عندما دنا منها وتكلم موجهاً كلامه إليها:
"رغم رفضك لنا فلور فنحن لا نرفضك ولا طفلك، أريدك أن تعرفي بأن لكِ ولنيكولاي مكاناً في وصيتي مثله مثل أبناء شقيقك"
قاطعته فلور بإحتقار:
"لا تهمنا أموالك ولا أملك سوى شقيق واحد يدعى 'دافيد ريتشي'.. أكره اسمك أيها الكونت وأمقته، وما أريده من معروف هو أن تكفا عن اللحاق بي وتتركاني بسلام"
لم يعلق كلاهما بشيء مما أحزنها وأتعسها، كانت تتوق للحرب.
نعم.. إنها تغلي من الداخل وتريدهما أن يعاندا كي تنفجر في وجهيهما وتفرغ مخزونها.
راقبتهما يلقيان نظرة أخيرة على نيكولاي وعليها ثم يتشابكا الأيادي ويرحلا، صحيح أنهما أغلقا الباب بكل هدوء لكنها تكاد تقسم أن العكس ما حدث!
كان الدم يضرب في صدغيها بعنف فانهمرت دموعها بغزارة ما إن لفتها الوحدة وجلست على السرير، صغيرها بين ذراعيها لا يعي شيئاً مما يحيط به.
(احذري القدر عزيزتي لأنه بدورك تضعين لقيط رجل لا تحملين خاتمه، أتمنى فحسب أن تكوني أكثر حظاً مني)
عادت الكلمات تصفعها بلا إنذار وبغصة تأملت الوجه الساكن لنيكولاي، مطلقاً لن تعرف فرجينيا كم أثرت بها كلماتها، لأن نيكولاي ليس فقط من رجل يرفض وضع خاتمه في إصبعها بل تحمل امراة أخرى اسمه ولا ينوي في يوم ما تحريرها منه.. هل حقاً ستكون أكثر حظاً من والدتها ويعيش ابنها حياة أشد هناءاً من حياتها؟؟
"أشفق عليكِ، تجهلين من أكون حقاً وتخطئين في التقليل من قدراتي"
عادت إلى عقلها كلمات دراكو الأخيرة مهددة وجوفاء فارتجفت بلا وعي، منذ لقائهما في كافتيريا المستشفى لم يلتقيها أو يزعجها، وإختفائه هذا يجعلها متيقظة وقلقة طول الوقت، انحنت بشفتيها تقبل رأس صغيرها برقة وتهمس إليه ببعض الرجاء:
"أين المفر من كل هذا نيك؟؟ هل تملك أدنى فكرة أيها الأمير الصغير؟؟"
***
لمح هاكان رأس ميا الأشقر حتى قبل أن تصل إليه، كانت تبحث عنه بالتأكيد.. ملامحها متجمدة في تعبير صارم، ظن بأنها فقدت الإهتمام به بعد ما حصل قبل إقلاع الطائرة، عندما عثرت عيناها عليه أخيراً التمع التحدي في زرقتهما، لِمَ أتت الآن؟؟ لتتمم مهمتها في تحجيمه؟؟
بسببها فقط قررت نيفرلي نسيان ألاسكا إلى الأبد.. وبسببها أيضاً يرغب وبشدة الرحيل من أوروبا والعودة إلى دياره، منذ سهرتهما اللطيفة قبل أشهر والتي بالكاد تغادره ذكراها.
وقفت بالقرب من المرأة المسنة التي تجلس بالقرب منه وانحنت نحوها تكلمها بالفرنسية، فجأة أشرق وجه العجوز وحملت أغراضها تتبع المضيفة التي ظهرت خلف ميا وكأنها هاربة من شيء ما، أخذت الشقراء مكان السيدة العجوز وابتسمت له ملء فمها.
"صرنا في المستوى نفسه.. عليك تحمل رفقتي حتى نهاية الرحلة"
"هذه المقاعد ضيقة، لن تتأخري بالضجر هنا وأشك أن تعيد لك السيدة العجوز مقعدك في الدرجة الأولى"
سخريته نجحت بإزالة إبتسامتها، رمقته مطولاً بجدية وسألته ببرود:
"هل تجدني زائفة إلى هذه الدرجة؟؟"
"خطيبكِ دوق فرنسي ويملك قصراً وسط حقول الورود في مدينة تشتهر بالعطور، قبله عشتِ في كنف عائلة لم تعرف يوماً معنى العوز..."
"المال لا يجعل منا مذنبين هاكان!" قاطعته برقة.
لم يعلق، لأنه وبكل بساطة عاد يذكر نفسه بالفرق الكبير بينهما، ميا تجذبه بشدة لكنها ستظل ذلك السراب الذي يجري ورائه الإنسان ولا يدركه أبداً.
"آسف.. لم أقصد أن أكون وقحاً"
عم الصمت واستغلته ميا لتحاول تعديل كرسها بلا جدوى، بعد عدة محاولات فاشلة قرر الإسراع لنجدتها، انحنى فوقها ودفع بيده إلى جانبها الأيمن ليضغط على الزر الذي استجاب له.
"شكراً لكَ"
"على الرحب والسعة" أجابها بينما يثبت مقعدها جيداً ويعيد يده إليه محاولاً قدر الإمكان عدم لمسها، وجهها أصبح بلون الطماطم وأنفاسها متسارعة، كانت منزعجة من قربهما الشديد لكنها من اختارت هجر مقعدها المكلف لسيدة عجوز والمجيء هنا لتقاسمه وحدته.
حاول التركيز على أي شيء بدل التلذذ بهذه الحميمية التي تجمعهما لاسيما أن الأنوار الداخلية أضحت أقل حدة لتسمح للركاب الخلود إلى النوم إذا أرادوا، شعر بها تبلل شفتيها بطرف لسانها قبل أن تهمس له بهدوء:
"هل من أخبار عن جوشوا؟؟ أقصد... عن الشخص الذي يحاول قتله؟"
هو بالتأكيد لديه شكوكه ويبعد آنجلا عن أي شبوهات، لابد أن جوشوا فهم الأمر بنفسه لأن الشخص الذي ينوي حقاً التخلص منه رجل وليس امرأة والقائمة طويلة بأعدائه وأعداء الكونت أندريس، لا يرغب مطلقاً الدخول في هذه التفاصيل مع الشقراء الجميلة قربه والتي تفوح منها رائحة السعادة المحرمة.
"لا شيء واضح، لكن الشرطة تقوم بعملها بحذر شديد.."
صمت آخر لكن يكاد يقسم بأنها تغلي من الأسئلة التي تعاند نفسها لإلقائها وعندما قررت أخيراً الكلام لم يكن أبداً عن جوشوا:
"أخبرتني نيفرلي بأن والدتك هي نينا ليوبادر.."
كاد أن يختنق في أنفاسه، لم يكن يوماً ميالاً للحديث عن نينا أو غيرها، بسبب هذا الزواج المختلط لم تكن حياته سهلة أبداً بل جحيماً.. وبالتأكيد آخر شخص يريد الإفصاح له عن مكنوناته هو هذه المرأة.
"لِمَ تُصِرّ على أنكَ رجعي بينما والدتك من أشهر الممثلات والعارضات في عصرها؟؟"
نظر إليها بحدة وقال:
"هل يزعجك ألا نتكلم عن والدتي؟"
هزت حاجبيها مستغربة وكأنها لم تتوقع معارضته، ثم هزت يديها بحركة إعتذار:
"لم أقصد الإزعاج.."
"اسمعي ميا لا أفهم لِمَ تركت مكانك لتأتي وتجلسي بجانبي، أعرف بأنكِ لا تطيقيني"
"هذا أسخف ما سمعته اليوم" انفلتت منها ضحكة مختنقة: "أنتَ لا تطاق عندما تقرر أن تصبح بغيضاً.. لكنني أحبك بشدة"
هز حاجبيه لهذا الإعتراف العفوي، رغم العتمة الخفيفة رأى الشحوب يتسلل إلى وجنتيها، أشاحت عنه وجهها وقالت ببرود
"أقصد أحبك مثل شقيقي!"
"لا أشقاء لديكِ" ذكرها بهدوء.
عادت تحملق فيه بحدة وزمت شفتيها بعصبية:
"لكن ما الذي أصابك؟؟ ذلك المساء ظننت بأننا صرنا صديقين، كنا مقربين وتكلمنا طويلاً.. ذلك المساء كنتُ سعيدة برفقتكَ أكثر مما كنته يوماً مع إيثان"
"انتبهي ميا فأنت تعترفين بحبي للمرة الثانية" قال متهكماً برقة.
"هناك أنواع عديدة للحب وربما أكون أشد فتيات آل ريتشي غباءاً لأعري عن مشاعري بهذه السهولة.." ابتسمت ببعض العصبية: "أحب إيثان لكنني أفتقد أشياء كثيرة بيننا... مثلاً ذلك المساء عندما سقيتني مشروب قبيلتك وتقاسمنا أشياء كثيرة بسيطة" صمتت وكأنها تبحث عن تعابير دقيقة لتشرح ما تشعر به:
"أريد فحسب ألا نهدر هذا الشيء النادر الذي يجمعنا.. أريد أن نبقى أصدقاء هاكان، ما أعرفه بأنه أحزنني جداً برودك وغضبك مني هذا الصباح"
التصريح العفوي الصريح دفعه لبلع أي تعليق، يعرف جيداً ما تقصده ميا، لكنه لا يسمح لنفسه أن يقع في شركه، لا يريد أن يتأزم الوضع ويتشابك فحياته لا تنقصها التعقيدات ولا ينوي مطلقاً تكرير غلطة والده، وبما أن ميا فكرت به كصديق فبالتأكيد فكرت بالوضع مثله لأنه رغم عفويتها فلا ينقصها الذكاء، ثم... أي امرأة عاقلة تستبدل 'الدوق إيثان لويس لامبر' به؟؟
"سأكون صديقك بالتأكيد وسيسعدني ذلك.." قال لها بلطف مما دفع إبتسامتها للظهور والإتساع، أمسكت يده فجأة وعصرتها بين أصابعها الأنثوية الناعمة.
"شكراً هاكان، أتحرق لشرب عصير قبيلتك مرة ثانية، هل ستدعوني؟؟"
***
"آنجلا انتظري"
انتزعت آنجلا ذراعها بعنف من يد جوشوا وألقت نظرة سريعة حولها، المرآب كان مهجوراً إلا منهما وبالتأكيد من كاميرات المراقبة، دفعت كتلة شعرها الأشقر إلى الوراء بحركة عصبية ووضعت بينهما مسافة محترمة كي لا تشعر مجدداً بالأحاسيس الجبارة التي تنخر كيانها، تعرف بأن الشعور بالغيرة من مارك أنطونيو غبي، لأنه شقيقه أيضاً وصداقتهما كانت قوية حتى قبل أن تصبح الأمور بينهما في الماضي وتتكلل قصة حبهما بالزواج، لكن رؤية السعادة على وجه زوجها آلمتها بشدة، هي التي حاولت بكل الوسائل لتكسر الجليد بينهما وتكللت محاولاتها بالفشل!
"لا تلمسني.." تمتمت بعنف من بين أسنانها وعيناها تبرقان كهرة شرسة، اشتعلت نيران الغضب داخل مقلتيه الخضراوتين أمام هذا الرفض وعاد يمسك رسغها بحركة متلكئة بينما تؤلم بشرتها الرقيقة أصابعه الحديدية، اندفعت أنفاسها في لهاث متتالٍ وأحست بالجفاف في حلقها.
"متى رغبت أنا بذلك سألمسك آنجلا لأنك ماتزالين السيدة جوشوا ديكاتريس.."
"لِمَ لا تتخذ قرارك مرة إلى الأبد؟ مرة تتهمني بمحاولة إغتيالك ومرة تذكرني بأنني ما أزال أحمل اسمك.. هذا التشتت الذي تتسبب به لي يكاد يفقدني صوابي"
لا ترغب مطلقاً بنقاش حاد بلا جدوى، لن تقودها هذه المواجهة سوى إلى ليلة طويلة من الدموع والعذاب، مجدداً حاولت التخلص من قبضته لكنه لم يفلتها، كان ينظر إلى أعماق عينيها بنظرة ثاقبة متفحصة وكأنه يحاول القراءة فيها.
"أتركني أنتَ تؤلمني!!"
"لِمَ لم تسافري بعد؟؟ ما الذي تفعلينه هنا بعد أن رميتِ لي الولدين وتحججتِ بالعمل؟؟"
رحيلها المترقب لم يؤثر به بل أراحه!
السافل.. وهي التي تمنت عاصفة هوجاء من الغيرة، لهذا سعادته كانت كبيرة وهو برفقة شقيقها، ظن بأن المجال متاح للتصرف بكل حرية، زمت شفتيها بكراهية وقاتلت دون جدوى كي تتخلص من قبضته، بعد أن يأست من إستجابته وجهت ضربة عنيفة لساقه، تركتها أصابعه فجأة من هول المفاجأة واستغلت الأمر لتركض إلى سيارتها وتدلف إليها، عيناها معميتان بدموع الغضب والحقد والتعاسة، كانت منشغلة بالهروب ولم تفقه لتواجده المفاجيء في مقعد الركاب، أطبقت أصابعه على أصابعها ومن بين شفاهها انفلتت صرخة إهتياج وغيظ.. تملكتها رغبة عنيفة فجأة بقتله، لقد تخطت هستيريتها المعقول وترغب حقاً بقتله لكل الأذى الذي يتسبب به لها.
تفادى ضرباتها بخفة قبل أن تتسلل أصابعه الخشنة خلف رقبتها وتشل حركتها، خصلات شعرها الشقراء تحررت من تسريحتها الأنيقة وتطايرت أمام وجهها المحتقن إزاء أنفاسها الثائرة، ثبتت نظراته الخضراء القاتمة دون أن ترمش.. مخالبها مستعدة لتخريب وسامته إن اقتضى الأمر وعادت كلماته تجرحها مجدداً، كانت مهتمة بإيجاد الطريقة لحماية نفسها ولم تلاحظ تغير موقفه إلا عندما أحنى رأسه نحوها والتقط ثغرها في قبلة محتدمة.
تجمدت مكانها من هول الصدمة وشعرت وكأن أحدهم يلقي بها من الدور العشرين، احتاجت لبضع ثوانٍ كي تتأقلم مع الوضع الجديد وتبدأ بالإسترخاء بين ذراعيه، كل شراستها اختفت كما بدأت.. لم يعد هناك سوى النار التي يشعلها جوشوا في كيانها في هذه اللحظة، تسللت أصابعها بشوق إلى شعره وشدته نحوها بكل قوة.
شغفه عاد بها سنوات إلى الوراء، ذكرها بالجولات الطويلة على دراجته النارية وبالسهرات الرومانسية في قلب الشاليهات المنعزلة، أحست بالدموع تحرق عينيها، حباً بالسماء إنها تفتقد هذا الرجل.. تفتقد زوجها وحبيبها، لا تريد لهذه الحرب أن تستمر.. ترغب بشدة أن بقع في حبها مجدداً ويدرك بأنها هي القلب الذي ينبض بجنون في صدره بهذه اللحظة.
في السنوات الأخيرة نضجت ولعبت دور كنة الكونت أندريس بكل جدارة، مطلقاً لم تكن تعتقد بأنها ستساير يوماً خطط جوشوا -الذي أصبحت يداه أكثر جرأة- بطلق العنان لمشاعرها وعرض نفسها في وضع مماثل في مرآب أكثر المستشفيات رواجاً في العاصمة، كادت أن تعترض بحق عندما عدَّل مقعدها لتصبح شبه ممددة بالقرب منه، لا تريد أن تقطع سحر اللحظة حتى وإن ظهرت صورهما في جريدة الغد.
طرقات مفاجئة على زجاج نافذة السيارة أجبرته على التوقف، شعرت بالنار التي كانت تحرق كيانها قبل لحظات تشتعل بحدة في وجهها، مارك أنطونيو يتطلع إليهما بعينين مدورتين من الفضول وتتكهن بأنه يكتم بشدة ضحكته، بيسر عاد جوشوا إلى هدوئه بينما هي تتمنى لو تختفي كلياً من على وجه الأرض، أعادت مقعدها إلى وضعه العادي وأنزلت زجاج النافدة متفادية نظرات التسلية التي يرمقهما بها شقيقها.
"هناك عشرات الفنادق القريبة من المستشفى.."
"مارك!" اعترضت آنجلا بصوت مرتجف من العاطفة.
"لا أجدها فكرة سيئة.."
إجابة جوشوا كانت كسطل ماء بارد على عواطفها المحتدمة، هي ليست عاهرته ولا تريده أن يستغل ضعفها نحوه مجدداً قبل أن تتوضح آلاف الأشياء بينهما، التقطت مفاتيح سيارتها وأدارت المحرك قبل أن تنحني على زوجها وتفتح باب السيارة آمرة.
"أخرج فوراً!"
"تخلي عن عدوانيتك ودعينا نذهب لمكان هادئ نتحدث فيه" ابتعدت عن الأصابع التي حاول لمس وجهها بها وتمتمت من بين أسنانها بصوت جليدي:
"ما أريده هو أن تختفي فوراً من سيارتي!"
***
عرف بأنه لن يخطيء مكان دراكو فالكوني بينما فلورانس قد أنجبت في العاصمة لندن، شعر نيوس بالرضا بينما يتعرف على قامته الطويلة المتشحة بالسواد وشعره المعقوف خلف رقبته وكالمعتاد ملامحه مشدودة بحدة، كان يبدو أضخم بكثير من سيارته الرياضية السوداء التي فتح بابها وباشر بإمتطائها، كان له الوقت الكافي لتجاوز المسافة بينهما وسدّ الطريق على الشبح الساخط داخل كتلة المعدن.
وعده بأن يعرف بأخباره قريباً، لكنه هنا الآن قبل أن يتحقق ذلك الوعد للحصول على تفسير واضح بشأن تساؤلاته الكثيرة.
منذ تهديدات جده التي أخذها نيوس على محمل الجد يعترف بأن الشكّ زحف إلى صدره، العجوز نجح بزعزعة ثقته، ما إن عاد إلى العاصمة أثينا حتى زرع متحرٍ جدير ليحصل له عن تقرير مفصل بشأن زواج الأمير الذي يبقى غامضاً للكل...
منذ مدة طويلة لم تلتقط صورة واحدة للأميرة ديامانتي فالكوني كما اعتادت الصحافة بعد عودتها السابقة إلى صقلية، الأميرة مفقودة والأمير هنا في لندن يحتفل بولادة ولي العهد مع عشيقة سابقة.
دوى صوت محرك السيارة قوياً مجلجلاً وهاجمته الأضواء القوية، فالكوني يتعمد إرهابه هو يعرف، لكنه لن يتحرك من طريقه قبل أن ينهيا هذه المسألة مرة إلى الأبد.
يعترف بأن التقرير الأولي الذي وصله جمد الدم في عروقه، في البداية داعبته فكرة الإتصال بمارك وإطلاعه على الموضوع الخطر لكنه تريث، صديقه يتهور عندما يتعلق الأمر بعائلته وعدوهما خَطِر للغاية، أعمال فالكوني يلفها الغموض الشديد كما شخصه ومحيطه، تمكن القلق منه وتسارعت إليه أفكار مرعبة بشأن ديامانتي.
فالواقع أنهما تشاركا حميمة حتى وإن كان يجهل تماماً بأنها متزوجة فهذا لا يبرر أنها خذلت زوجها الذي عشقها بشدة، فماذا كان العقاب يا تُرى؟؟ هل سامحها لأنه بدوره أخطأ بحقها وأثمرت مغامرته عن طفل غير شرعي من فلورانس ريتشي.. أم قام بقتلها؟؟
ثم تذكر إتصالها.. صوتها المتوسل الذي يناجيه بمساعدتها، كل هذا يلاحقه بلا رحمة ويدفعه لإبعاد الغموض وكشف الحقيقة... في الحقيقة عدة حقائق.
دراكو غادر سيارته دون أن يوقف محركها أو يطفيء أنوارها، رذاذ المطر ازداد حدة رغم الرطوبة الثقيلة بعد يوم مشمس، لا يبدو غريمه بمزاج جيد بدوره، كان يثبته بنظراته الحالكة وكأنه يموت رغبة بالقفز على عنقه وخنقه حتى الموت.
"ليونيداس هل سقطت من إحدى الغيمات؟"
"فلنقل بأنني لم أستطع الإنتظار حتى تفي بوعدك وتعطيني أخباراً عن ديامانتي" أجاب نيوس بنفس الجمود والبرود، هزّ دراكو حاجبيه الكثيفين بتهكم وقال بسخرية:
"مناجم أخرى في القائمة؟"
لم يتأثر بتجريحه، لم يأتي إليه ليحجمه كالمرة السابقة ويقلل منه، قاوم رغبته الجامحة بتسديد لكمة قوية إلى وجهه المتغطرس، للأسف إن العنف لن يجيب على أسئلته الكثيرة، دون أن يتلوى ذهب إلى قلب الموضوع:
"أين هي؟"
ابتسم دراكو فجأة، إبتسامة تحمل كل المعاني سوى الإستمتاع أو التسلية أو الفرح، إبتسامة حملت له عمق كراهيته له:
"في مكان ما.. تعيش حملها بعيداً عن توتر واجبات الأميرات اليومي، صدقني أنتَ آخر شخص قد ترغب برؤية وجهه"
"كلمات تدهشني منك" رد نيوس بهدوء: "لم تخفي ديام إشمئزازها منك حتى أنها أسرعت بمنحي شيئاً يخصك... أنتَ آخر شخص قد ترغب منه بطفل"
اكفهر وجهه وأدرك نيوس بأنه تجاوز معه كل الحدود، لفت فجأة قبضته ياقة قميصه وشدّها بقوة لينظر مباشرة إلى عينيه:
"أن تكون عشيق امرأة متزوجة لا يجعل منكَ رجلاً أيها السافل، ديامانتي أخطأت وأصلحنا الموضوع وهي نسيت أمرك تماماً، عندما تضع أعدك أن تسمع عن أخبارها وأخبار الطفل، وحتى ذلك الحين.. ابتعد عن طريقي لأنه لن يسرك أبداً ما ستجده نيوس ليونيداس"
تركه كما هاجمه، لكنه لا يصدق إدعاءاته كلها، دراكو مايزال مجروحاً من ديامانتي لأنه يفقد برودة أعصابه الشهيرة كلما لمح نيوس إلى علاقتهما العابرة، راقب ظلّه الطويل يلحق به وكأنه يرتجف رعباً منه، لا ينكر قوة ونفوذ غريمه لكنه سيضع كل قوته للعثور عليها.
"سوف أجدها فالكوني"
"تستطيع المحاولة، حظاً موفقاً"..
عاد إلى سيارته وهذه المرة لم يهتم لوجوده على الطريق بل انطلق بسرعة جنونية نحوه، ترك نيوس مكانه ليفسح له الطريق ليمر، تابع الأضواء الخلفية الحمراء تبعد رويداً رويداً إلى أن اختفت.
"فليبدأ العد التنازلي جلالتك!!"


Andalus غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-11-18, 11:12 PM   #57

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثامن و العشرون

تمر الأيام برتابة مميتة و أحيانًا بسرعة مرعبة، و تحمل لنا الأيام مفاجأت سارة و ذميمة، و نصير دمية خيوط بين أصابع القدر و بيدق من البيادق فوق لوحة شطرنج عملاقة ننتظر متى يحين الموعد فحسب.
تركت لينيتا ستائر نافذة غرفتها تعود إلى مكانها بينما ترمق بلا إحساس نجم متهادي في سماء حالكة منذرة بعاصفة قادمة لا محالة، ضمت حواشي روبها الزهري إليها و اقشعرت لا إراديًا بينما تصطدم نظراتها بالسرير الكبير المهجور و المرتب بعناية، مرت أشهر على تواجدها في هذا المكان، 'بيلا تيرا' التي حمتها بشراسة من قسوة العالم الخارجي، ربما زواجها يلفه برود مبهم لكن علاقتها مع توأميها تنير حياتها و تمنحها القوة، تحسنت لغتها الإيطالية و تقدمت في دورها كسيدة القصر بيد أن ذاكرتها اللعينة تأبى العودة إلى السطح، ذكرياتها ترفض العودة رغم جهودها، و الله وحده يعلم لِمَ الرجل الذي يذوب عشقًا بها يضع مسافات شاسعة بينهما ؟!!... مسافات صارت مستحيلة الاستحمال و تثقل كاهلها.
دوت نغمة هاتفها النقال، التقطته و ابتسمت عفويًا للاسم الذي ظهر على الشاشة المنيرة:
' حبيبتي'
هذا هو مارك أنطونيو يكفي التفكير به ليتصل بها، و كأن هناك روابط غير مرئية تجمع روحيهما.
" لم تنم بعد؟"
سألت دون أن تزول ابتسامتها:
" هل تفكيرك بي يشغلك لهذه الدرجة؟"
ترددت ضحتكه الناعمة من الجهة الأخرى، لقد طار إلى المغرب منذ يومين،استثمر أموالًا في مشروع سياحي بمراكش ويبدو أنه راضٍ تمامًا عن أعماله ورغم انشغاله لا ينفك عن الاتصال بها بـاستمرار مما ينعشها، شاع خبر عودتها وانتشرت قصتها و شغلت الرأي العام لأسابيع طويلة، و ترددت أسئلة بلا أجوبة من الصحافة كما ازدادت حماية مارك أنطونيو المرضية لهم هي و التوأمين، أتت الشرطة عدة مرات إلى البيت و لم تتوفق في الرد عن الأسئلة الكثيرة، حتى أنها أخفقت في الجلسات الطويلة من التنويم المغناطيسي إلى أن تعبت, و يبدو أن المجتع مهتم بمعرفة الحقيقة أكثر منها شخصيًا، لا تعتبر اختبائها في قصر الدوقية سجنًا، أكثر ما يرعبها هو العالم الخارجي، تريد فحسب أن يتركها الكل و شأنها، تريد أن تستعيد ذاكرتها لتستعيد زوجها.
" فقط لو تعرفي كم أعشقك لينيتا ريتشي"
تسللت الراحة إلى صدرها ككل مرة يردد هذه الكلمات التي لا تسأمها أبدًا، جلست على ذراع الكنبة الكريمية و انطلقت أصابعها تدلك رقبتها الطويلة ببعض العصبية:
" ما نُشر في الجريدة هذا الصباح..."
قاطعها بنعومة أذابتها حتى النخاع:
" حبيبتي كنت امرأة حياتي و عشقتك كما لم أعشق امرأة أخرى في حياتي، لا تدعي الصحف تشكك في صحة ما أقول أو أشعر به، لا تصدقي أنهم يعرفونك أكثر مما أعرفك أنا"
أدركت أن هذا ماسيكون عليه رده، الصحف هاجمتها بعد أن عرفت بإقامتها مطولًا في مصح عقلي، قامت بتحجيمها و انتقادها، مارك أنطونيو ريتشي الولد المدلل لإيطاليا ترثي له و تنتقده لزواجه من مجنونة. كيف يسمح بعض الناس لأنفسهم بمحاكمة غيرهم دون معرفة الحقيقة؟
ازداد الأمن في قصر الدوقية حتى الخناق ما إن شاع خبر عودتها، مارك و حماها و كل العائلة خشيت عودة مختطفيها مرة أخرى لإعادة الكرة، مؤخرًا قلل زوجها كثيرًا من أسفاره و فضل البقاء بجانبها، لكنها أصرت على استئنافه أعماله البعيدة و منعته من التعامل معها و كأنها مصنوعة من زجاج.
" لا أشك أبدًا بمشاعرك حبيبي... لكن حكم الناس قاسٍ جدًا"
" فليذهب المجتمع إلى الجحيم ما يهمني هو أنت و رالف و جو"
نغمته لم تتغير و أغمضت عينيها براحة عارمة:
" لا نقاش في الموضوع بعد اليوم..."
" فليكن ما تريد..."
" أتممت أشغالي قبل الموعد المحدد، لم يتبقى سوى الاجتماع الإداري النهائي ليوم غد و سأستقل طائرة الزوال، الحر لا يطاق في هذه المدينة"
انفرجت شفاهها في ابتسامة بينما تلقي نظرة خاطفة إلى الأمطار التي بدأت بطرق زجاج النوافذ:
" بينما هنا عاصفة هوجاء تهدد بجرف كل ما أمامها"
" ستكونين بخير لينيتا، في المرة القادمة ستأتين معي هذا البعد يصيبني بالجنون، أفتقدك حبيبتي أفتقد كل إنش منك و لن أسمح لك باتخاذ التوأمين كذريعة، ذات يوم عليك مواجهة العالم لأنني لم أعهد الضعف في شخصيتك طالما كنت قوية و صلبة.."
لم ترد، غصة منعتها من الرد، إله السموات فقط لو تستطيع استعادة ذاكرتها، لا تريد خذلان زوجها الذي يمثل الهواء لرئتيها.
" لين؟"
" سوف نقيم حفل استقبال متى أردت"
سمعت تنهيدة ارتياح و اعتصر قلبها من الرعب، أخبرتها كاثرين بأنه من واجبها التصرف كسيدة حقيقية لأن هذه الاستقبالات مهمة جدًا لمارك أنطونيو، لكنها مرتعبة، و تعرف بأنها من المستحيل الاختباء كفأرة طول حياتها.
" أحبك لين"
" و أنا أحبك... "
همست برقة مخفية ارتباكها:
" أنت محق حان الوقت لمواجهة مخاوفي"
*******
" هل هو بخير؟"
أعاد الطبيب السماعة إلى حقيبته الطبية قبل أن يلامس وجنة الطفل المدورة برقة و يبتسم للمرأة القلقة أمامه:
" بعض الرشح و القليل من الحمى لا تعني نهاية العالم "
وضعت يدها إلى صدرها بارتياح و أغمضت عينيها الخضراوين ببعض الامتنان قبل أن تعيد فتحهما و تتابع حركات الطبيب الشاب و الذي يقوم بجمع أغراضه في حقيبته قبل أن يزركش بقلم حبري في ورقة من دفتره الطبي و يتابع بمهنية:
" أعطيه هذا الدواء ثلاث مرات يوميًا"
مدها بالورقة التي أخذتها منه بسرعة شاكرةً قدومه السريع إليها، في هذا الجو الشديد البرودة ترفض قطعًا إخراج طفلها و تعريضه لأي نكسة
" حاولي تنظيف أنفه باستمرار لمساعدته على التنفس"
ألقت نظرة قلقة على نيكولاي المحمر الوجنتين قبل أن تلتقطه بكياسة و حذر بين ذراعيها و تضمه إلى صدرها بعاطفة جبارة، رباه كم تحب هذا الطفل و تعشقه من قلبها، بحق الجحيم ما الذي دهاها لتخرجه أمس في طقس مماثل؟ رفضت قطعًا تركه مع تلك المربية التي استخدمتها منذ أسبوع فقط و لسبب ما لا تشعر نحوها بثقة كاملة، رافقت الطبيب حتى المصعد الخاص و شكرته ثانيةً قبل أن تعود للصالون الفسيح المطل بشرفاته الزجاجية على 'سنترال بارك' العودة إلى نيويورك خلصها نهائيًا من زيارات غير مرغوب بها.
حطت شفاهها على رأس طفلها الساخن و حرقتها مقلتيها بعنف، عاطفتها تجاهه تزداد شراسة يومًا بعد يوم، بالكاد تتعرف على نفسها عندما يتعلق الأمر بطفلها، أضحت نمرة شرسة لا أحد يتجرأ على الاقتراب من طفلها، زودت شقتها بأجهزة إنذار و يقوم بحمايتهما طاقم خاص و محترف من شركة أمريكية ذائعة الصيت، ظهرت الخادمة بعد أن دقت لها، أبعدت شفاهها عن رأس ابنها الحبيب و خاطبتها بهدوء و هي تمدها بورقة الطبيب:
" أعطي هذه لأحد من الحراس ليأتي بالدواء حالًا رجاءا"
" حالًا سيدتي"
قطبت عندما ظهرت المربية بملامح احترافية
" أستطيع الاهتمام بالسيد الصغير آنسة ريتشي"
" شكرًا ماتيلدا لكنني سأهتم به بمفردي...فقط لو تتكرمي بتحضير حمامه لإخفاض حرارته ريثما يصل الدواء ؟؟"
عشرون سنة من الخبرة و توصيات أرباب عمل مرضية، ولا تنكر فلور بأنها تهتم جيدًا بطفلها، لكنها حمائية و تخشى تركه وحده معها، عادت تتحسس وجه صغيرها المحموم و عاد ضميرها لتأنيبها، عليها الاعتراف أنها تبالغ في حمايتها للصغير، الله وحده يعلم بكوابيسها ليلًا عندما ترى دراكو يقتحم باب شقتها ليأخذه منها و يختفي، إنها تشك بكل من حولها، و إذا لم تتوقف عن هذه الشكوك ستدخل مصح عقلي قريبًا.
" نيكي..."
وشوشت له عندما فتح عينيه الكبيرتين و مال لونهما الأخضر إلى ياقوتي غامق، يومًا بعد يوم يزداد شبهه بدراكو و يبتعد عن ملامح وجهها، هذا الشبه يفقدها رشدها، بحق الجحيم كيف ستنساه بينما ابنها يذكرها به كل دقيقة؟
إقامتها بلندن كانت جحيمًا، و بعد اتفاق مرضي مع إدواردو ووالدها استطاعت العودة إلى نيويورك، أعمالها عالقة، و كان عليها استئنافها، نيكولاي يبقى بجانبها في مرسمها و كذلك معملها و أحيانًا صفقاتها، كان السعادة و الهناء بابتساماته و حركاته و قد ألهمتها عيناه في أكثر من مرة، أوصاها عمها بأن تبقى متيقظة بأن تتصل به في أول محنة، لكنها تعترف بأنها تتفوق عن نفسها، تركت وراءها فرچينيا و أندريس ديكاتريس و أيضًا جحيم دراكو فالكوني لتبدأ حياة جديدة مع ابنها، بصدق لا تريد مطلقًا أي صلة بالماضي. تعرف بأن دراكو سيعود لملاحقتها مجددًا، لقد رزق بطفل منها و سيطالب بحقوقه في يومٍ ما، لكن إلى أن يحين ذلك اليوم ستكون قد استعادت ثقتها بنفسها و صلابتها... لم تعد فلور ريتشي المستهترة، نيكولاي أنضجها.
' لن تستطيع تحجيمي دراكو... سأقتلك قبل أن تأخذ ابني مني'
+++++++++++++
عندما ارتطمت مجلة الموضة المصقولة بعنف على سطح المكتب هزت آنجلا عينيها إلى الوجه المكفهر لزوجها الذي يبدو و كأنه خرج توًا من الجحيم، عدت إلى الرقم ثلاثة كي تبقى هادئة و لا تفر هاربة خارج مكتب الكونت أندريس في ستارهاووس، أتت لأخذ أطفالها، لكن جوشوا لم يفلت فرصة الاختلاء بها.
حسنًا... لقد فعلتها و عرضت لمجلة ذائعة الصيت مع عارض نجح بإثارة غيرة زوجها كما لم تراه يومًا في حياتها.
" هل هذا هو العمل الذي سافرتِ لأجله و تركتِ الأطفال مع مربية؟"
ارتجفت ذقنها في محاولة فاشلة للتكلم دون النجاح بذلك.
" هل هذا ما يعنيه زواجنا لك؟"
لف المكتب بسرعة ليواجهها،كان ساخطًا و ناقمًا، وجهه ينذر بالخطر، و قد هيأت نفسها لهذه اللحظة، بحق الله لِمَ يتهمها و يدفعها للشعور بالذنب بينما ما فعلته نتيجة بعده عنها و هجرانه لها، فعلت هذا لتعلمه درسًا، لتبرهن له بأنها... بأنها... عضت على شفتها و عقدت حاجبيها بتفكير، بأنها ماذ؟ مرغوبة و جميلة؟ ما تزال لامعة و نجمة بينما يراها ككتلة قمامة منذ عودته؟
" زواجنا أنت من دمره جوشوا..."
هزت رأسها بتحدٍ و لمعت عيناها ببرود:
" منذ عودتك من ألالسكا و أنت تعاملني باحتقار و تعالٍ، أعربت لي بكل صراحة عن شعورك نحوي، أخبرتني بأنك تشك بعلاقتي بمحاولة قتلك"
انسحب الدم من وجهه كما من وجهها، تركت مقعدها ترفض قطعًا أن تذل نفسها أمامه أكثر من ذلك، عليه أن يعرف بأنها مجرد آدمية و بأنه أثقل على كاهلها أكثر من اللازم، خلاف لكل توقعاته و قبل أن تصل إلى باب المكتب سمعته يقول:
" إنه ويليام"
تصلبت ملامحها و استدارت نحوه متأوهةً:
" عفوًا؟؟
" ويليام يحاول التخلص مني"
شعرت و كأن الأرض تهتز تحت من تحتها، رباه قل بأن ما التقطته أذنيها غير صحيح، لا إن ارتباكها ما يجعلها غير مركزة في ما تلتقطه أذنيها.
" لا بد أنك مخطئ"
تمتمت و هي تهز رأسها بالنفي:
" ويليام كان هناك في ألالسكا يدعمنا يدعم الكونت كان الأب الروحي لطفلتنا... "
صمتت ووضعت يدها على فمها، لابد أن جوشوا يشك حقًا في كل من حوله بسبب ما أصابه، أولًا هي و الآن ويليام.. أي جحيم هذا؟؟ راقبته يترك مكانه و يقترب منها، في كل خطوة تتقلص المسافة بينهما، و عندما أصبح قريبًا جدًا منها لم يتردد بإبعاد يدها من وجهها
" عودي إلى البيت آنجلا..."
ضغطت أصابعه على أصابعها و تسلل تعبير أخر لعينيه ليزيح تمامًا الغضب الأسود الذي كان يتآكله قبل قليل:
" حياتي مثل الجحيم من دونك"
ماذا؟؟ السؤال هزها من هول المفاجئة، هل انتهت الحرب بهذه السرعة؟ هي التي توقعت إخراجه عن السيطرة و التلذذ بالانتقام من عجرفته معها... لا تنكر بأن أسبوع التصوير مر مثل الجحيم، كانت تتوق لرؤيته و رؤيته أطفالهما، كانت تتعذب لفراقه و بروده معها، كانت تلعنه ليلًا بينما تنام في مقصورتها، و تبتسم نهارا بإغراء لكاميرات التصوير، بعد كل هذا يأخد بيدها و يقول لها مستسلمًا هذه الكلمات التي تحوي تعب نفس من المقاومة؟
راقبته يقرب أصابعها من شفاهه و يقبلهما برقة:
" أنا آسف لشكوكي نحوك..."
بللت شفاهها بطرف لسانها، لا... ليس بهذه السهولة... ليس بعد أن أذلها. قاطعها حتى قبل أن تهاجمه.
" أنا أحبك"
لا... هذا كثير... كيف ستقاومه بحق الجحيم بينما يتطلع إليها بهذه العينين الرائعتين و تتوسلها نظراته، كانت تخشى أن يكون يقرأ فيها ككتاب مفتوح.. أن يسمع ضربات قلبها المجنونة في هذه اللحظة.
" سأقبل أي شرط من شروطك حبيبتي"
وترك يدها لتستقر أصابعه هذه المرة على شعرها الأشقر و تتابع تموجانه الانيقة:
" عاقبيني آنجلا... لكن لا تبتعدي لأنني أقسم لك... أقسم لك بأنني سأقتل ذلك السافل الذي يبتسم لك و كأنك ملك له على تلك الجريدة السخيفة، سأقتل أي رجل يقترب منك"
هزت حاجبها ببعض السخرية و منعت نفسها من الانفجار في الضحك، مستحيل أنه نطق حقًا بهذه الكلمات مستحيل أنه عرى على مشاعره بهذه السهولة، رباه... خطتها نجحت.
" هل أنت غيور؟"
" لست غيورًا..."
همس ببعض الجفاف و أحنى و جهه إليها لينظر مباشرةً في عينيها، بؤبؤ عينيه اتسع لدرجة أضحت عيناه سوداوين و كأنهما التهبتا بنار الجحيم، لم يكن أي شيء رومانسي في هذه اللحظة، إنها أمام الشيطان بعينه:
" أنا فقط حيوان هائج في هذه اللحظة و مستعد لاقتراف جريمة"
انسحبت ابتسامتها تدريجيًا و بلعت ريقها ببعض الصعوبة، حركة لم تفته بينما تيبست شفاهه ببرود:
" لا تعيدي الكرة حبيبتي... "
بظهر يده لامس وجنتها، الإحساس بلمسته كان خشن عكس شعورها الاعتيادي، الوضع لا يسلي أحد منهما، جوشوا غاضب لدرجة لا تتجرأ على التفكير بها.
" تلك النظرات التي كنت ترمقين بها ذلك الرجل تخصني آنجلا..."
لم تتوفق بالهروب بعينيها لأنه أمسك بذقنها و أجبرها على مواجهته
" أنت تهيمين بي و تلك النظرات أعرفها جيدًا لأنها لي"
زمت شفتيها بحنق و ارتعشت رموشها الطويلة و هي تقترب أكثر من وجهه لترتطم أنفاسها بوجهه المتحجر:
" مالذي يجعلك واثقًا من أن مشاعري لم تتغير لسيما بعد الطريقة الحقيرة التي عاملتني بها؟"
ارتطمت قبضتها بصدره في محاولة يائسة لإيلامه، كيف يجرؤ على إبعادها و إعادتها كيفما يريد، و كيف يجرؤ قلبها الخائن على الخضوع له و خيانتها، كيف له أن يتحكم بعواطفها و أن تعشقه من قلبها رغم كل سلبياته؟
" لن تتغير مشاعرك نحوي لأن مشاعري أيضًا لم تتغير نحوك يومًا"
التقط قبضتها بيده و لواها بليونة خلف ظهرها لترتطم بصدرها على عضلات صدره القاسية، تخدير لذيذ وجد مكانه سريعًا في أعماقها، لعنت نفسها عندما تسارعت أنفاسها و ازدادت قبضته صلابة على يدها، آلمتها أصابعه و خدرها تقاربهما، عينيه ماتزالا سوداوين كالجحيم، كان يقتص منها، إنها تكرهه لهذا الضعف الذي يزحف إليها كلما كانت بين يديه.
" أنت زوجتي آنجلا ديكاتريس، و أم أطفالي و تصرف أخر مماثل لن أكون مسؤولًا عن تصرفاتي لاحقًا"
ثم أفلتها بنفس الوقت الذي انفتح فيه باب غرفة المكتب و ظهر الكونت أندريس بملامح وجهه المتعالية، فركت معصمها و لم تستطع السيطرة على أنفاسها التي بقيت ثائرة و غير منتظمة.
" آسف اعتقدت المكتب فارغًا..."
ثم ابتسم بحنو لآنجلا قبل أن يقترب منها ليقبل وجنتها:
" سعيد برؤيتك يا صغيرتي... متي سينتهي هذا الهجران لنا جميعًا"
" انتهى لتوه..."
تدخل جوشوا ببرود و هو يقتص منها بنظراته، فتحت فمها لتعاند فهز يديه كعلامة عدم صبر:
" هذا الرجل قتلني مؤخرًا بعتاباته و خطاباته الطويلة، أعتذر منك أمامه ، كنت أبله أحمق و أستحق عقابك"
عادت تطبق شفاهها بعدم تصديق، رباه من هذا الرجل أمامها؟ يبدو عازمًا على إنهاء المسألة الليلة و بأي ثمن .
" تدخل أيها الكونت، أخبر كنتك أنني أحبها و متأسف للضرر الذي ألحقته بها... أخبرها إن هي عادت لبيت إدواردو ريتشي فسأحزم أمتعتي و آخذ الأولاد لنقيم جميعًا تحت سقف بيت والدها البغيض"
" إدواردو ليس بغيضًا"
يبدو بأن الوضع يسلي الكونت أندريس الذي لمعت عيناه و كأنه يمنع نفسه من الابتسام أو حتى الانطلاق في ضحك لا حدود له:
"كاد يقتلع عيناي في المرة الأخيرة التي التقيته فيها"
علق جوشوا متجاهلًا تدخل والده و عاد يقترب منها ليأخذها بين ذراعيه و كـأنهما بمفردهما و يوشوش في أذنها:
" إن لم تقبلي البقاء أعدك أن أورم أنف ذلك العارض هذا المساء لأعلمه كيف يجرؤ على النظر إليك بتلك الحسية بينما تحملين اسم و قلب رجل نسيت أنه ترعرع في أشد أحياء البرازيل خطورة... "
توقف قلبها عن النبض و نظرت إليه آملة العثور على أي أثر للمزاح و لم تجد سوى الجحيم، هذا البدائي يقوم بتهديدها بكل نعومة:
" أنت لست جادًا..."
قاطعها و هو يمسح على خصلات شعرها الناعمة:
" هل أذكرك بذلك الراقص في حفل دفن العزوبية زوجتي؟؟"
قطبت جبينها و بحثت بنظراتها عن الكونت الذي كان يتابعها ببعض التسلية:
" قولي أنك تحبيني.."
" أنت نذل جوشوا"
همست بصوتٍ جليدي من بين أسنانها الصغيرة المصففة:
" ليس أنت من يغير موازين حياتي كلما راقك ذلك... سأتفقد طفلاي'
+++++++++
الحرب كانت شرسة و الخسائر كبيرة إلى حدٍ ما، و الإثنان يحبان التحدي و الربح في النهاية، لكن دراكو يعترف أن ذكاء نيوس ليونيداس يبهره كان ينفلت بكل سلاسة من مخالبه و يرد له ضربته بنفس القوة و العنف، يعرف أنه مراقب من طرف هذا الأخير تصله تقارير تحركاته باستمرار و يعرف أن متحرٍ خاص كلفه للبحث عن ديامينتي،إنه متعلق بها إلى حدٍ ما، و يعرف بأنه الوحيد الذي يملك الأوراق الرابحة في النهاية، سيتخلص من كليهما في وقتٍ قريب و بأكبر أضرار ممكنة. هز عينيه نحو فرانكو الذي اقتحم خلوته هذه اللحظة:
" حصل ليونيداس على صفقة فراكنفورت"
هز دراكو حاجبيه الكثين و أعاد اهتمامه إلى أرقام البورصة على شاشة حاسبوه معلقًا:
" كما خسر صفقة اليابان..."
" ماذا تنوي أن تفعل بشأن ديامانتي؟؟ لقد عادت إلى إيطاليا منذ أسابيع لكنك لم تحرك ساكنًا بعد"
أبعد دراكو اهتمامه مجددًا عن شاشة حاسوبه، ديامانتي لا تسيل لعابه مثلما يفعل ليونيداس، يعرف بأنها تختبئ كفأرة وضيعة مرتعبة منه و تعيش في قلق و ترقب دائم حالها حال فلورانس ريتشي في نيويورك... الحكمة تقتضي أن يتريث، لن يحصل على ابنه من فلورانس و هو مايزال معلقًا في زواج صوري، و لن يربح شيئًا الآن بينما ديمانتي لم تضع طفلها بعد، فقط عليه الانتظار لينتهي كل شيء بالطريقة التي يريد.
" عليها الإنجاب أولًا...'
" هل أستطيع أن أعرف فيمَ تفكر دراكو؟؟"
تدخل فرانكو ببعض الامتعاض:
" كل هذه الحرب مع نيوس ليونيداس صارت سخيفة، كلاكما خسر الكثير لكن لأي هدف أخبرني؟؟ أعرف بأن فلورانس ريتشي و نيكولاي يهمانك أكثر من ديامانتي لِمَ تستمر بمحاربة الرجل بدل الحصول على الطلاق و نسيان الموضوع برمته ؟؟..."
" نسيان الموضوع برمته؟؟"
زمجر دراكو بعدم تصديق:
" لقد سخرا مني، من شخصي من مركزي من اسمي فرانكو"
" و أدفعتها الثمن غاليًا و أنت أدرى بالظروف الصعبة التي عاشتها دراكو... يكفي أن ليونيداس سيبحث عنها ليلوي عنقها ما إن يعرف بأنها أخفت عنه موضوع حملها"
تلونت بشرة دراكو بطبقة رمادية تنم عن الخطر و رمقه بشر:
" كيف تجرؤ بالتدخل في حياتي؟"
" أعرف بأنك لا تحبها، فكر في الملايين التي خسرتها بإعلانكما الحرب أنت و ليونيداس"
" لم ينتهي كابوس تلك الرخيصة فرانكو..." ضرب بكفيه على سطح المكتب و نظر مباشرة في عينيه:
" عندما أنتهي منها ستضحى شبح نفسها... كان عليها الموت بدل العودة مجددًا إلى إيطاليا"
*****
" ضقت ذرعًا بهذه الأسفار و بهذه المشاكل اللامنتهية.."
صفر إدواردو ببعض التسلية و أبعد اهتمامه بالكتاب الذي بين يديه ليحملق ببعض الفضول إلى زوجته التي تدعك ذراعيها بلوشن مغذي ببعض العصبية، كانت تستعد للخلود إلى النوم لكنها منذ فترة يجدها منغلقة على نفسها مثل المحارة، التقت نظراتهما عبر المرآة فرآها ترفع أحد حاجبيها ببعض الازدراء:
" صرنا مثل اللعبتين بيد الجميع إدواردو ألا تعتقد ذلك؟؟ لم نعد نملك وقتًا لحياتنا الخاصة... "
يعترف بأنها محقة، مؤخرًا اهتما بمشاكل عائلتيهما أكثر من اهتمامهما بحياتهما الخاصة، عندما يكون هو في إيطاليا ليدعم مارك أنطونيو و لينيتا اللذين تعرضا لهجوم شرس من مجتمع لا يرحم تنتقل هي بين أمريكا و لندن، تارة للتخفيف عن أليكس أو فلور و تارة لمساندة آنجلا أو فرچينيا. لكن القدر قرر مزجهما في مشاكل العائلة حتى العظم ماذا في يده أن يفعل؟:
" و ابنتك اختارت الانتقام من جوشوا بالظهور في مجلة إعلانات مع رجل شبه عارٍ... رباه كل الميديا تتداول ذلك "
تركت مكانها لتندس قربه تحت الغطاء و ترتاح برأسها على صدره الصلب:
" بغض النظر عن أمنية أندريس بالحصول على طفل من فرچينيا شقيقك يأمل بأن يسترجع هذه الأخيرة و يملأ رأس فلور و دافيد بالتراهات"
" الكونت يريد طفلًا من فرچينيا؟"
سؤال إدواردو حمل في طياته التسلية أكثر من السخرية:
" بعمرهما؟؟"
ابتعدت كاثي برأسها من صدره و استندت على كوعها لتحملق مباشرةً في عينيه الزرقاوين:
" كيف تنجح أنت بتحمل كل هذا الضغط؟؟"
هز كتفيه و ابتسم برقة:
" بفضل حبك ووجودك بجانبي... صدقيني لا تهمني صور آنجلا و لا حلم أندريس بالحصول على ابن من فرچينيا كما يهمني وجودك كل ليلة بين أحضاني..."
ارتسمت ابتسامة مرتجفة على شفتيها و غمرها حنان عميق لا حدود له:
" أيها المتنمق..."
" اسمعي أنت محقة في كل كلمة قلتها حبيبتي"
ثم ارتدى قناع الجدية و أبعد الكتاب عن يديه ليعدل جلسته جيدًا و يركز فقط عليها:
" علينا التخفيف من هذه الأسفار الكثيرة، ربما نبالغ في الوقوف بجانب من نحب و تبعدنا المسافات... فلنتصرف ببعض الأنانية و نسافر في رحلة شهر عسل جديدة..."
هزت حاجبيها ببعض الدهشة، هل إدواردو حقًا من يقترح هذا؟؟ هذا الرجل المشغول حتى النخاع بأعماله و الذي لا يملك وقتًا حتى للتفكير بمتعه الشخصية؟؟ فلتعترف أن الأشهر الأخيرة كانت كالجحيم، أليكس خضع لعملية الرأس التي نجحت نجاحًا باهرًا، و ما أراحها أنه بدأ بنسيان حفيدة السائس و بدأ أشغاله بمهارة مؤخرًا كما السابق، كما أن علاقاته خفت، فلنقل بأنها انعدمت لأنها لم تصادف مقالًا واحدًا يخصه في أي مجلة من مجلات الفضائح، عاد منذ أسبوع ليستقر بلندن مما طمئنها، و يبدو أن علاقته بوالده تسير على مايرام، إذ أن هذا الأخير بدأ يأخذه على محمل الجد.
" هل أنت جاد بإقتراحك...؟"
" نعم كل الجد... فكرت بالتقاعد منذ فترة كاثرين... "
وضعت يدها على جبينه مشككة:
" هل أنت مريض؟؟"
ضحك بنعومة و أزال يدها عن جبينه ليقبل أصابعها مطولًا دون الابتعاد رمقها بعاطفة:
" نملك أموالًا طائلة حبيبتي، هدرنا الكثير من العمر و أريد حقًا أن نستمتع بحياتنا بالطريقة السليمة، فلنسافر و نستمتع بحياتنا، أريد أن أتفرغ لك فقط حبيبتي"
" هل تنوي التقاعد حقًا إدواردو؟؟ المحاماة هي كل حياتك"
" أنت كل حياتي"
صحح لها بنعومة:
" ثم لن أتقاعد فورًا عليّ تسوية أموري و لكن هذا لا يمنع أبدًا من السفر لبعض الوقت... مارأيك؟؟"
" أي سؤال هذا ؟؟... أنا موافقة بالتأكيد..."
ضمته إليها كما آلفت طيلة سنوات زواجهما، لقد أزهرت منذ أن دخل هذا الرجل إلى حياتها، تبادلا أجمل اللحظات و أشدها سحرًا، تقاسما معاناة غيرهما و بقيا صلبين و متحدين، طالما كان زوجًا استثنائيًا مشرقًا كالشمس و صلبًا كالصخر، كان حلم كل امرأة و أخذته هي من بين كل نساء الكون، و ها هما يشيخان معًا، و يستمر بحبها و إسعادها أكثر .
***************
" دراكو يجب أن نتكلم"
اللهجة الباردة التي استعملتها بيانكا جعلته يمتعض و يمنع نفسه من أمرها فورًا بمغادرة مكتبه، إنه منتصف الليل بحق الجحيم و لم ينهي أشغاله و رأسه يكاد ينفجر، هل توجد نهاية لهذا اليوم الطويل المشؤوم؟؟
منذ ما حدث بينهما آخر مرة هجرت قصره و التجأت لوالدتها، لاترد على اتصالاته و لا ترغب بزياراته، تركها و شأنها لتبتلع بسلام خيبة أملها به و بدافيد ريتشي.
" مالذي أتى بك في هذا الوقت بيانكا ؟؟"
كانت تبدو بصحة جيدة، خدودها استعادت لونها و كسبت القليل من الوزن، والدتها كانت تزوده بكل المعلومات و الأخبار عنها، إنها ابنته شائت أم أبت.
" لم تكن كل النهار في القصر و اضطررت للانتظار كي أحاكيك بمسألة هامة"
أغلق حاسوبه و غادر مقعده الجلدي العملاق ليدنو من ابنته التي هزت ذقنها ببعض الصلابة، تمعن في ملامحها في محاولة سبر غورها:
" ما الأمر العاجل ؟؟"
" أريد رؤية نيكولاي ..."
توقع كل شيء عدا هذا الطلب، فليعترف أن فرانكو كان محقًا بملاحظته التي ألقاها بشأن فلورانس ريتشي و ابنه، أكثر ما يضغط على أعصابه هو موضوع نيكولاي، لكن ماذا عساه أن يفعل بدون طلاقه اللعين؟؟ إدواردو ريتشي قص جناحيه و استغل نقطة ضعفه، لكنه يقسم أن تسير الأمور كما خطط لها عليه فحسب التريث... يضحك كثيرًا من يضحك أخيرًا:
" نيكولاي مع أمه في نيويورك"
" لكن إلى متى؟؟؟ طالب بحقوقك دراكو أم أن لا مشاعر لك تجاه ذلك الطفل؟"
هز حاجبيه و أطلت السخرية من عينيه، إلى ماذا تخطط هذي السمراء بنظراتها الشرسة؟؟ الانتقام من دافيد عبر فلور أم حقًا تتوق لرؤية شقيقها؟؟ أم الأمرين معًا؟؟
" ما المسلي؟؟"
سألت بعصبية.
" لن أحصل فقط على تصريح حقير لرؤية نيكولاي مرة كل شهر عزيزتي سأحصل على الحضانة الكلية فلا تتسرعي الأمور"
ثم عاد إلى حاسوبه بعد أن نقر على عدة أزرار ظهرت تسجيلات مباشرة لشقة فلور، كان الصالون خاليًا استعمل كاميرا غرفة نيكولاي فلمحها على مهده تعدل الغطاء عليه:
" أريد أن أريك شيئًا"
بعد تردد استجابت لطلبه فقطبت بينما ترى خيال امرأة باللونين الأسود و الأبيض تنحني على سرير صغير و تلامس وجه الصغير بكل حنو:
" هل تتجسس عليها؟؟"
" أعترف أنها أم مثالية..."
أقر دراكو بهدوء و هو يراقب بعينيه الثاقبتين كل حركاتها و ردات فعلها:
" لكن الحال لن يبقى كما هو عليه... لا تريد التوصل إلى حل مرضي بشأن حضانة الصغير سأسترده منها قانونيًا و بمباركة عمها المتذاكي"
" كيف ستفعل ذلك إذا أجزمت بأنها أم مثالية؟"
سألت بسخرية
" لن تبقى أمًّا مثالية... ستصير بالنسبة للقانون أمًّا غير مسؤولة و تمثل خطرًا محدقًا على الصغير بيانكا"
عاد بغلق حاسوبه و استرخى في مكانه، يتطلع إليها بهدوء، راقب تعابير وجهها، ربما أخذت منه بعض صفاته لكنه يعرف مبادئها، ربما تجربتها مع دافيد جعلتها تعاني لكنها مطلقًا لن تسمح له بأذية فلور و حرمانها من ابنها.
" كيف استطعت اقتحام شقتها ووضع كامرات مراقبة فيها؟؟"
سألته بغصة كما توقع، بيانكا لم ترث صلابته، بدأت عاطفتها بالعودة إلى السطح و التحكم فيها.
" أقحمت بعض العاملين لديها... حاضنة نيكولاي تعمل لحسابي.."
" دراكو لا تؤذيها..."
" لقد آذاك شقيقها..."
ذكرها بجفاف.
" لأنك قمت بأذية شقيقته بحق الجحيم كنت السباقة بزرع الكراهية و الشر فالكوني"
زمت شفتيها بكراهية و انحنت نحوه تتطلع مباشرةً في عينيه:
" طالب فحسب بحقنا في رؤية الصغير و لا تكسر خاطر تلك المرأة"
أمام صمته ثارت و احتقن وجهها بعجز، توسلته بعد أن تغيرت لكنتها التي كانت صقيع قبل قليل:
" أبي أرجوك..."
لوى شفته ببعض الازدراء ، يعرف بأنها تستعمل كلمة 'أبي' كلما سعت للتأثر عليه، لن يغير خططه فقط لأنها قررت ذلك، لن تبقى فلور وفية لدور الأم طويلًا، إنها امرأة مستهترة و ستمل نيكولاي قريبًا و تحن لمغامراتها و عشاقها وسهراتها. شبك أصابعه الطويلة أمام وجهه و كأنه يفكر جديًا بطلبها، فجأة ابتسم ابتسامة خالية من المتعة:
" لا"



التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 23-11-18 الساعة 03:56 PM
أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 22-11-18, 11:15 PM   #58

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل التاسع و العشرون

فتحت ديامانتي عينيها في العتمة في اللحظة ذاتها التي ترددت فيها ضوضاء عالية من مكانٍ ما، تسللت يدها تحت وسادتها و ارتطمت أصابعها بالمجسم الصلب، اعتادت عينيها على الظلمة و تفادت إنارة مصباح الشوفية، كانت أصابعها ترتجف بينما ثقل المسدس يضغط عليهما، بلعت ريقها بصعوبة و دفعت نفسها خارج الأغطية متناسية وزن بطنها المنتفخ، ابتعدت باتجاه باب غرفة نومها المنفرج و سمحت لها أنوار الشارع التي تنير المكان بالوصول إلى المطبخ الغارق بالظلمة، تحسست الحائط تبحث عن زر الإنارة مرتعبة و خائفة مما قد تراه، بلعت صرخة في حلقها عندما تبين لها قط الجارة الذي دخل مطبخها من النافذة الضيقة يبحث عما يأكله.
وضعت يدها على صدرها تحاول تهدئة خفقات قلبها الثائرة و التحكم في ارتجاف جسدها. رباه... كل هذا الرعب و القلق من دراكو سيقضي عليها حتمًا.
لم تعد تتحمل نفسها و لا حياتها، الحياة في براري تونس كانت أهون من هذا الجحيم، تعرف بأنه على معرفة سابقة بعودتها، تعرف بأنه هو نيوس ليونيداس لن يفوت فرصة المجيء للقصاص منها، لكنه استحال عليها الهروب أكثر من حياتها. عليها مواجهة الجميع لينتهي هذا الكابوس اللعين للأبد...
لامست بطنها بتكشيرة ألم، و أخفت بسرعة المسدس في يدها تحت روبها عندما ترددت خطوات قريبتها المسنة في السلالم المؤدية إلى الطابق العلوي:
" ما الأمر عزيزتي؟"
" قط الجيران كالمعتاد أتى يسرق منا طعامًا"
شرحت ديامنتي و هي تنحني على صحن الفواكه المتحطم على أرضية المطبخ قبل أن تلتحق بها قريبتها العجوز لمساعدتها بجمع الفواكه المتناثرة:
" سوف أقتل هذا القط يومًا"
علقت المرأة المسنة ببعض السخط بينما ألقت ديامانتي بثقلها على الكرسي الهزاز إذ لم تعد تتحكم بعصبيتها ولا الخواء الذي ضرب ركبيتها.
تحسست المسدس تحت روبها، منذ عودتها إلى إيطاليا و تحديدًا إلى سردينيا عند قريبتها التي لم تطرح الكثير من الاسئلة و هي متيقظة و مترقبة، لم يسبق لها أن استخدمت سلاحًا ضد أحد و تجهل كيفية استعماله، لكنه على الأقل قد يبعد عنها أي هجوم، و يحسسها بالأمان بينما تتركه ليلًا تحت وسادتها و يبقى دومًا في متناول يدها، إنها متأهبة.. مرتعبة من ظهور أحد منهما. دراكو ونيوس صارا في كفة واحدة، كليهما خطر و كليهما ينوي إلحاق الأذى بها و لكل منهما طريقته.
تعرف أن نيوس كلف نفسه عناء البحث عنها، المتحري استطاع الوصول إليها في تونس، لكنها هربت منه بذكاء و ضللته الطبيبة التي ساعدتها و حمتها، الكثير من الأسئلة تبادرت إليها... لماذا يبحث عنها بعد أن قطع كليًا صلته بها و أبى سماع دفاعاتها؟؟ هل هو على علم بحملها منه أم أن بحثه عنها ينم فحسب عن فضول رجل مجروح و مخدوع ؟؟.
" هل هو المخاض؟"
سؤال قريبتها أعادها إلى الواقع، وجدت نفسها متيبسة في مكانها بشكل يثير الشفقة، و كأنها أمام ملاك الموت بنفسه. مجرد التفكير بنيوس أو دراكو يجعلها في كل حالاتها. لكن إن اقترب أحدهما من طفلها فتقسم أن تقتله.
" لا... أنا تعبة فحسب ، سوف أعود إلى غرفتي"
السرير لم يجلب لها الراحة المطلوبة، عادت ذكرياتها مع نيوس تداعب مخيلتها كالجحيم، لم يعد شيء يجلب لها السعادة، تدمرت حياتها كليًا منذ دخول دراكو إليها... ذلك الوسيم المتشح بالسواد الذي سلبها لبها قبل أن تكرهه من قلبها بسبب سوء فهم و كذبة صدقتها. نيوس كان التحدي لكنها أحبته بشغف يتفوق عما أحسته لدراكو... تزوجت رجل لتحمل من أخر لكن كيف استطاعت الوقوع في شرك غبائها لهذه الدرجة؟؟
تستطيع إنهاء معاناتها بالاتصال مجددًا بمارك أنطونيو... و لما لا سبيروس ليونيداس الذي طالما ساندها، أدركت أن مارك استعاد زوجته الميتة-الحية و أنه في ورطة أمام الرأي العام، طبقة من الناس متعاطفة و أخرى شرسة ، قررت عدم إزعاجه ووعدت نفسها أن ترسل له بطاقة بعد إنجابها مباشرةً، أما فيما يخص سبيروس فلم تملك من الجرأة ما يمكنها من محادثته، كانت مرتعبة من أن يخبر نيوس و أن يسرق هذا الأخير طفله منها و ينفرها هي بعد كل ما حصل بينهما تعرف بأنه من المستحيل أن يسامحها يومًا.
*************
طار الغراب منزعجًا من هدير الرانج روفر السوداء التي تحدّت ضيق الطرقات للبلدة الصغيرة المنزوية في حدود 'أوريستانو' في جزيرة سردينيا الإيطالية، كانت شمس الزوال قوية و المناخ معتدل على مدار السنة عكس أثينا، قطب نيوس بينما المتحري يوقف السيارة في مكان منعزل مقابل منزل أبيض ذو طابقين بباحة صغيرة.
" هل هي هنا؟؟"
" نعم"
" هل أنت متأكد؟؟"
تمتم نيوس و كأنه يهذي، هل يعقل أنه عثر عليها أخيرًا؟؟ بعد هذه الأشهر الطويلة من البحث و الحرب اللامنتهية مع دراكو فالكوني هل يعقل أنه عثر عليها قبله؟؟ فتح باب السيارة و حطت قدميه بتوتر على الأرض الترابية، من خلال نظارته الشمسية عاد يدقق في تفاصيل هذا المكان البسيط الذي يضم خلف جدرانه البيضاء المرأة التي تسببت بكل هذه الفوضى في حياته، لا يعرف ما ستكون عليه ردود فعله بعد أن تسقط نظراته عليها ببطنها البارزة، إنها تحمل طفله بلا أدنى شك، لو كان طفل دراكو لما تركها ترحل من بيته، وما سمح لها بسلبه وريثًا يتوقه بقوة... لسيما أنها زوجته و تحمل اسمه.
هذا التنبيه الصغير عصر معدته بقوة و عادت الغيرة تنخر كيانه، لقد فعل ما استطاع للوي ذراع الأمير الصقلي، رفس كرامته أمامه ليمنحها حريتها و خان نفسه و منحه فرصة السخرية منه، كل ابتزازاته لم تفلح بالحصول على ما يريد بقوة... يريدها في حياته. هي ديامانتي الكاذبة الصغيرة المتلاعبة التي جلبت له السعادة كما الشقاء و رحلت بروحه معها لتتركه شبح نفسه.
وعد سبيروس أن يجدها و أن يعلمه بالأمر كما وعد صديقه مارك أنطونيو الذي لا ينفك عن السؤال عنها و يلومه في كل لقاء، لكن ماهي النهاية لكل هذه الدراما؟ شخصيًا لا يعرف إن كان يستطيع التطلع اليها دون أن يقفز على عنقها ليلويه، لا يعرف إن كان سيأخذها بين ذراعيه أو يجثو على قدميها أو أن يأخذ فحسب وريث ليونيداس، ديامنتي ما تزال تحت اسم فالكوني و هذا الطفل له و لن يسرقه منه ذلك الرجل مطلقًا.
**********
رن جرس الهاتف ليخرج بيلا مجبرة من تركيزها على لا ئحة الألوان أمامها، كان يجب عليهما هي و خطيبها المتحمس أن تقرر بشأن لون جدران المحل الصغير الذي استأجرته لبدء مشروعها -حلم حياتها-.
لا تنكر أن مساعدة مارك أنطونيو المادية ساعدتها، لابد أن جدتها أخبرته أنها تبحث عن محل لفتح مطعم مأكولات توسكانية صغير يحمل اسم بيلا تيرا، عندما و صل المبلغ الضخم على حسابها لم تصدق نفسها، سيد الدوقية لا ينسى وعوده أبدًا.
" ألو"
لا رد... مثل باقي المكالمات السالفة، قطبت جبينها بحيرة و هي تعيد السماعة إلى مكانها بينما الوسيم أمامها يعلق بابتسامة و تظهر أسنانه البيضاء لامعة تحت أشعة الشمس التي تدخل من نوافذ محلها الصغير بسخاء:
" انقطع الخط؟"
" لا أدري لكن هذه المكالمات كثرت مؤخرًا..."
تجعد جبينها أكثر و هي تحاول التركيز على لوحة الألوان،عادت أحلامها المتعلقة بأليكس تلاحقها مؤخرًا لسبب تجهله، وعادت تأخذ حبوب نومها لتستطيع نسيانه ليلًا و إلَّا يضحى سريرها مسرح كوابيسها المرعبة.
" حبيبتي؟"
سمعت صوت إيميليو الحنون يناديها و اكتشفت برعب أن الدموع تجمعت في عينيها، ضحكت لتخفي ارتباكها و هزت كتفيها لتنزلق خصلات شعرها الناعمة بشكل مغري على صدرها.
" ما لأمر بيلا؟"
" أنا أقتل نفسي في العمل و لا بد أني متوترة بسبب مشروعي أريد من قلبي أن ينجح و ألَّا أخيب ظن السيد ريتشي بي"
مد يده الكبيرة ليلامس وجنتها، التحمت نظراتها و أحست بالأمان و الثقة،إيميليو استولسي لا يتوقف عن إسعادها و جلب الرقة إلى حياتها، منذ إعلانهما خطوبتهما بالكاد يفترقان، اكتشفت فيه ما حلمت به دومًا في رجل، كان شهمًا و صادقًا و متزنًا، عكس أليكس الذي دفعها في يوم من الأيام إلى التفكير في وضع حدًا لحياتها.
"رأي أنطونيو ريتشي في عملك يهمك إلى هذه الدرجة؟؟"
" أخبرني أنه يثق بي و كدس حسابي المصرفي لهذا السبب... أنا مدينة له بالكثير"
شرحت له بابتسامة رقيقة قبل أن تشير إلى لونين متدرجين من الذهبي إلى البرتقالي و اختفى حزنها و هي تغير الموضوع:
" عند المغيب تضحى بيلا تيرا بلون الذهب المصهور، إنها قطعة من الجنة، كنت أعشق التجول في حقولها اللامتناهية أحيانًا على صهوة حصان أو دراجتي الهوائية و في الكثير من المرات أخذ التوأمين إلى الوادي و نراقب شمس المغيب تترك مكانها لآلاف النجوم البراقة"
ثم أغلقت لوحة الألوان و أشرق وجهها الجميل و كأنها عثرت على مبتغاها
" أريد أن أخذ الزبـــــائن في رحـــــــــــــــلة رومانســـــــــــــــــية لا متنـــــــــــــــــاهية إلى بيلا تيرا، بجمــــــــــالها و روعة طبيعتها، على هذه الجدران أن تجسد جمال التوسكانا الخلاب... و بما أنك أنت المهــــــــــندس..."
غمزت له بتواطئ:
" سأتحدى خيالك الفني.."
" أنت لا تطاقين"
علق متظاهرًا بالعجز.
" أعرف.."
سحبت لسانها للخارج لمشاكسته قبل أن تلتقط هاتفها النقال و تبدأ بأخذ صور للمكان بحماستها المعهودة، كتف إيميليو ذراعيه فوق صدره ودون أن تفارق الابتسامة شفتيه راقبها تدندن بأغنية حب مشهورة و هي تتفقد الصور التي التقطتها بعينٍ ناقدة.
تحسنت تأتأتها كثيرًا و نضجت مؤخرًا، نظرة الحزن في عينيها اختفت و أشرقت حياته و كيانه، لا يعرف كم من مرة شكر الرب لوضعها في طريقه، إيزابيلا أنقذته من نفسه و علمته أنها أهم من الحياة نفسها.
لكن هناك أليكسندر ريتشي الذي يقلق راحته، يعترف أن الغيرة تتآكله و لن يرتاح إلَّا بعد أن تحمل اسمه و تنسى هذه العائلة مرة إلى الأبد، تعلقها شديد بآل ريتشي حتى إذا تجاهلت التكلم عن أليكسندر ريتشي لا تنفك حواراتهما بإقحام رب عملها السابق أو التوأمين أو بيلا تيرا... إيزابيلا مهووسة بماضيها في إيطاليا و بتلك العائلة.
" أرسلت هذه الصور لرالف..."
شرحت مبتسمة وهي تعود إليه لتعرض عليه شاشة هاتفها الصغيرة:
" طلبت منه أن يلتقط لي صور عشوائية وقت الغروب في بيلا تيرا... هذا سيساعدك"
" حبيبتي نجد كل شيء في الإنترنت لا تكلفي هذا الصغير عناءا"
" قصر الدوقية محمي جدًا مستحيل أن تجد صورًا له في الإنترنت..."
شرحت له غير واعية لنبرة نفاذ الصبر في صوته، أعادت هاتفها لجيب فستانها الأبيض و التقطت يديه تعصر أصابعه بقوة.
" سأدعوك لشرب شيء منعش بما أنك كنت متفهمًا و لطيفًا معي"
********
" لا تتحركي عزيزتي"
ابتسمت ديامنتي للعمة لونا بينما بشرتها البيضاء تزداد شحوباً، إنها مرهقة و هذا الطفل يرفض الخروج، صارت حركاتها مستحيلة و بالكاد تستطيع التجول بسهولة، أخبرتها الممرضة في مشفى القرية الصغيرة أن تعود غدًا ليَّتم توليدها حتى إذا لم تكن هناك مؤشرات لولادة طبيعية، عادت لتجلس على الكرسي الخشبي أمام طاولة الطعام حيث حساء الخضر و الشعير بانتظارها، قريبتها سعدت بـالاهتمام بها منذ مجيئها منذ أسابيع، تعترف بأنها مرتاحة في بيتها بالرغم من أن قلبها يقف في مكانه كلما دق أحد الجيران بيت قريبتها، لكن هذا الكابوس سوف ينتهي، الحصار يزداد حدة و ابنها يحتاج قوتها فلا حق لها بالتهاون و لا الضعف.
" دعيني أساعدك "
" انتهيت عزيزتي"
ووضعت شرائح السلمون و الخبز المحمص أمامها مع بعض الفواكه الجافة:
" كلي و تغذي جيدًا ففي وضعك عليك الاهتمام بنفسك"
تنهدت قريبتها و هي تجلس مقابلًا لها بينما تلتقط ديامنتي ملعقتها لتباشر بتناول حسائها:
" متى ستتصلين بزوجك عزيزتي عليه أن يكون بجانبك في هذه اللحظات"
ابتسمت بشحوب و أصبح مذاق الحساء كالتراب... زوجها؟؟ منذ مجيئها و هي ممزقة لتتخذ قرارًا صحيحًا بشأن هذا الطفل، ترددت ألف مرة بالاتصال بنيوس الذي نسي أمرها تمامًا و ربما تزوج خطيبته الانجليزية، كانت تتردد كلمات دراكو في عقلها كالجحيم، تردد في نفسها بأنها لن تكون ضحيته مرةً ثانية، ... حياتها في تونس لم تكن سهلة، لكن الطبيبين كانا لطيفين معها و ساعداها، و أدركت بأن الهروب طول العمر ليس بالحل المناسب... عليها الحصول على طلاقها.
ترددت طرقات حازمة على الباب، استجابت قريبتها بينما انشغلت ديامانتي بأفكارها السوداء، من أين ستبدأ مغامرتها السوداء مع دراكو فالكوني هي لا تعرف.
" مرحبًا"
توقف الطعام في حلقها و شعرت بأنها تختنق من شدة المفاجأة، وضعت يدها على بطنها و تسمرت مكانها من الرعب بينما توقف قلبها عن الخفقان فجأة، إذا كان أحد كوابيسها فيستحسن أن تستيقظ منه قبل أن تصيبها أزمة لن تخرج منها سالمة.
أغمضت عينيها بينما يسترسل القادم في سلسلة من الكلمات السريعة، أظلم المكان فجأة و كأن قوة سحبت الشمس من مكانها و تركتها خاوية، وقفت بتباطؤ شديد، أطرافها ترتجف و بطنها تقسو بشدة... بحق الشيطان لماذا وجدها الأن، لا تصدق أن نيوس على الباب و يكلم -بإيطالية صحيحة- قريبتها، أغمضت عينيها تحاول استجماع شجاعتها بكل ما تبقى لها من قوة... رباه عليها إبعاده و بكل الطرق من هنا... ليست مستعدة لمواجهته بعد.
ترددت خطوات فوق الأرض الخشبية في نفس الوقت الذي تستدير نحوالدخيل، لو كان للشيطان هيئة فبالتأكيد ستتجسد في قامة هذا الرجل ،كان كما ألفته، وسيم وسامة الشياطين بارد كالجليد و خطر... خطر جدًا.
تجرأت برفع عينيها نحوه و الالتقاء بنظراته الباردة، لم يتبقى في ريقها أي لعاب لتبلعه، هذه النظرات أتلفتها كليًا... لقد مر وقت طويل جدًا على لقائهما آخر مرة.
" أخيرًا وجدتك..."
" هل كنت تبحث عني؟؟"
هنأت نفسها لأن صوتها جاء متهكمًا.
تركته يتفحصها بتأنٍ و لمحت بعض العاطفة تغزو نظراته القاتمة بينما يمررها على بطنها البارزة، اشتحن الجو لدرجة الانفجار مما أقلق راحة العجوز التي تمتمت ببعض كلمات الاعتذار و تركتهما بمفردهما.
هزت ذقنها ببعض التحدي، بعد كل المآسي التي تعرضت لها لتحمي هذا الطفل لن يزعزع ثقتها متسلط مزهو بنفسه و أناني مثل نيوس ليونيداس، تعترف بأن حنينها يضعفها، بأن حبها يطفو شيئًا فشيئًا إلى السطح، مازال يؤثر بها لكن إن هي انقادت خلف عاطفتها الآن فلن تلوم إلا نفسها، لن يرحمها نيوس، سبق و تعرفت على الجانب البدائي منه.
" ماذا تريد نيوس؟"
" طفلي"
الإجابة كانت بمثابة ضربة مؤلمة لمعدتها، رباه... ظنت بأنه حارب دراكو من أجلها و ليس من أجل ما تحمله، الخيبة دفعت الدموع إلى عينيها، و أخذت الكراهية محل الحنين و الحب... لقد حاربت في سبيل الحفاظ على حملها، مرت بأصعب الظروف وفي النهاية يأتي هذا المتغطرس ليطلب به و بكل بساطة.
" لكن هل تظن أن...."
تصنعت الدهشة قبل أن تنفجر بالضحك مما دفعه لتجعيد جبينه بصورة مريبة، راقبت خطوط شفاهه تبيض من شدة الغضب بينما تتابع بابتسامة عريضة و هي تتحسس بطنها:
" أنت عاقر نيوس هل نسيت؟؟ الحمل ليس منك ..."
" أنت تكذبين"
تمتم من بين أسنانه وهو يقترب منها مهددًا و قد فقد برودة أعصابه الشهيرة:
" ذلك الرجل لم يلمسك يومًا ديامنتي، أرى في عينيه كراهية سوداء كلما ذُكر اسمك ... انه يمقتك لخيانتك و أنت تهربين منه لأن حملك مني أنا و ليس من جلالته..."
أه لا.. لا ليس هذا، إنه هنا ليسلبها ما حاربت كثيرًا من أجله، و نيوس يملك المال و النفوذ و الاسم ليسحقها كحشرة، تحتاج للكثير كي تكون ندًا له، هذا الطفل بمثابة معجزة بالنسبة إليه، سيقطعها إربًا و يدمرها حتى النخاع في سبيل الحصول على وريثه، كيف ستدفعه للشك بشأن إبوته؟ إنه محق... لو كان حملها من دراكو لما هربت منه و ما تكبدت كل هذه المشقة. دفعت يدها إلى بطنها تتحسس قساوته بخذلان، أين المفر من كل هذه الفوضى؟ لم تعد تملك لا الصبر و لا القوة لتحمل كل هذا الضغط فلترحمها السماء مما هو آتٍ.
نيوس ليونيداس متجرد من الإنسانية، إنه مجرد آلة بلا أحاسيس و لا مشاعر، لقد عرى على شخصيته القاسية و الخالية من الرحمة في أكثر من مناسبة، و أذلها بشتى الطرق، تعرف بأنه لا يحمل لها أدنى مشاعر، و تعرف بأنها خذلته و أعطته فرصة للاقتصاص منها، و لا تعرف بأي طريقة ستحل هذه المسألة بأقل أضرار ممكنة.
" إرحل"
سمعت نفسها تتمتم بصوت ليس صوتها، هزت نحوه عينيها الكبيرتين ممتلئتين بدموع العجز، أثقل العذاب نظراتها الفيروزية كما لسانها المتنمل بالكراهية و الغيظ، رباه كم تكره قوته و استبداده، كم تكره موقفها الضعيف وسط رجلين قويين يتصارعان في سبيل تحطيمها و الإنتقام منها .
"أنا أكرهك نيوس"
لم تتحرك عضلة من وجهه، و لم تعصف بوجهه أي مشاعر، كانت كمن تكلم الجدران التي تهدد بخنقها في هذه اللحظة، تحتاج للهواء و المسافة، صدرها يحرقها و قلبها يقفز مهددًا و كأنه سينفجر كقنبلة مدوية.
" أريدك خارج حياتي مرة وإلى الأبد"
لعنت لأن مسدسها في غرفتها كان ليسعدها أن تفرغه في رأسه المتعالي وترديه ميتًا، لقد تعذبت كفاية بسببه، أخطأت بحبه، أخطأت بتقاسم الحب معه، أخطأت و أخطأت و ستدفع ثمن هذا الخطأ لما تبقى لها من العمر.
" لا تكسبيني عدوًا ديامنتي"
جاء صوته كفحيح أفعى، ارتدت خطوة للوراء و تمكن من الإمساك بذراعها بدون رقة، أصابعه السمراء على بشرتها مثل بصمة حديد، اتسعت عينيها المبللتين بينما يدنو من وجهها و تجمدها نظراته القاتمة:
" سوف أخرج من حياتك ما إن أحصل على هذا الطفل الذي في أحشائك... "
" لن تحصل مني على شيء نيوس... لن تقترب من طفلي و لا مني و لا من حياتي"
بصق بكلمات خالية من الرقة:
" تكونين غبية لو تكهنت للحظة أن إصراري له علاقة بك"
كانت المرة الأولى التي يتجرأ على لمس بطنها، ارتدت للوراء كأرنب مذعور، قست بطنها أكثر تحت هذه الأصابع الطويلة التي تتابع اكتشافها بنفاذ صبر، هذا التواصل المفاجئ راق الطفل الذي اختار هذه اللحظة ليعبر عن سعادته بركلة قوية، التقت نظراتهما في الوقت نفسه الذي سحب يده و كأنه صعق بمسٍ كهربائي. كانت اللحظة غنية عن أي تعليق أو كلام، لمحت لنصف ثانية تعبير مألوف يبعثر حائط الجليد في عينيه، لو كانت الظروف مختلفة لأسعدها أن تخبره الحقيقة، أن تحثه على مقاضاة ذلك الطبيب الذي أكد له استحالة حصوله على وريث في يومٍ ما.
" لن تسعك الأرض للهرب مني ديامنتي"
*********
" ميا؟؟"
كان سؤالًا ويقينًا بنفس الوقت، ابتسمت ميا لابنة عمها آنجلا التي أتت لاستقبالها في صالون 'ستار هاووس'، كانت هذه الأخيرة تحمل ابنها بين ذراعيها بينما ليليان تتعقبها و كأنها ظلها، ابتسمت ميا لهذا التواطئ الرائع في حياة آنجلا، كانت تملك عائلة متحدة و سعيدة، بالرغم من كل الظروف التي مرت بها مع جوشوا بيد أنهما ملتحمين و لا يقبلان التجزئة.
" مرحبا آنجلا... آسفة لعدم اتصالي قبل القدوم"
قبلت وجنتها بلطف قبل أن تأخذ منها الصغير و تضمه إلى صدرها بحنان:
" لقد كبر.. و يشبه والده كثيرًا"
ابتسمت آنجلا بفخر و داعبت شعره الغزير معلقة:
" لكنه نمس حقيقي لا تغرك المظاهر... لا ينفك عن تكسير كل ما يسقط تحت يديه"
لم تخفي آنجلا مفاجئتها من رؤية ابنة عمتها التي من المفترض أنها غارقة حتى أذنيها في تجهيز عرسها بجنوب فرنسا، دعتها للجلوس قبل أن تطلب لهما شيئًا لشربه، تفحصت توترها بعينٍ ناقضة و لمع خاتم خطوبتها بينما تفرك أصابعها بعصبية، لكن قبل أن تطرح أسئلتها الكثيرة ظهرت فجأة فرچينيا، مشرقة كالعادة في طاقم زهري أنيق:
" ميا"
" مرحبًا خالتي"
" لكن ما هذه المفاجأة السعيدة؟؟"
علقت فرچينيا دون أن تخفي تفاجؤها، و آنجلا تتفهمها، نادرًا ما تتردد ميا على ستار هاووس، علاقة فرچينيا و طليقها معقدة لدرجة أن ميا الحساسة لا تريد جرح أحد و تبقى على الحياد.
" كنت أرغب برؤية آنجلا.."
" بالتأكيد عزيزتي"
ثم انحنت على أندريس چينيور لتحمله بين ذراعيها بينما مدت يدها باتجاه ليليان التي التقطتها بسعادة:
" هيا أيها الشقييان سنتنزه قليلًا في الحديقة"
تابعتها نظرات ميا إلى أن اختفت، و حولت اهتمامها لآنجلا مبتسمة:
" هل خاضت عملية تجميل؟؟"
" لا عزيزتي إنه الحب..."
علقت آنجلا ضاحكة و هي تلتقط عصيرها:
" كونت أندريس هو جراحُها"
" جينا امرأة قوية"
هل تتخيل أم أنها التقطت نبرة الحسد في صوتها، نعم خالتها امرأة قوية، بالرغم من علاقتها المهتزة مع أولادها و طليقها رفضت الاستسلام و عاشت الحب الذي نبذته طويلًا، و لا تنكر أنها سعيدة جدًا في زواجها مع كونت أندريس، إنهما أشد نشاطًا منهما نفسهما هي و جوشوا، هزت آنجلا حاجبيها مستفسرة:
" ما الأمر ميا؟؟ لا تبدين بخير..."
ابتسمت ابتسامة بلا تعبير، هجرت مكانها فجأة و كأن مجرد الجلوس و التظاهر بالهدوء فوق طاقة احتمالها، فجأة لمعت فكرة في رأس آنجلا قذفتها بلا تردد:
" هل تشاجرتِ مع خطيبك؟؟"
تطلعت إليها ميا باستغراب و علقت بسخرية:
" فقط لو كنا نملك من التواطئ ما يدفعنا للتشاجر مثل باقي المحبين عزيزتي... نحن لا نتشارك شيء عدا هوسنا بالعمل و حبنا للعطور... "
"ميا..."
" 'الدوق إيثان لويس لامبر' لا يحرك مشاعري آنجلا... لا أشعر معه بنفس الشغف الذي يجمعك بجوشوا و لا حب فرچينييا للكونت أندريس و لا رومانسية نظرات عمي إدواردو لأمك... لا ينظر لي بنفس نظرة مارك أنطونيو للينيتا."
احتقن و جهها و تابعت بعصبية أمام حيرة و قلق آنجلا التي تعتبر هذه الاعترافات نادرة منها:
" حتى حب أليكس لحفيدة السائس أشد قوة و التهابًا من علاقتي بإيثان"
لم تجد آنجلا ما تقول، ميا المتزنة دومًا، التي تنتظر بشوق ليلة عرسها لتمنح نفسها إلى الرجل الذي حملت نفسه، كانت دومًا مختلفة عنها و عن فلور، حتى في دراساتها و اختياراتها المهنية، لم تلتقي كثيرًا بالدوق الفرنسي لكنه إنسان ذو مكانة عالية و شخصية نفاذة، هذه القريبة التي تبدو في حالة انهيار نفسي مزرٍ لم تعدها أبدًا هكذا.. بهذا الاضطراب و الحزن:
" ربما هذا التوتر عائد لزفافك القريب"
" لا..."
نفت ميا بجفاء و فركت صدغيها بقوة و كأن صداع عنيف ألم بها، رباه و ماذا بعد؟ مالذي يحدث معها بالضبط أي حالة تيهان تلم بها و تتركها بهذا الضعف و الألم؟ غادرت آنجلا مكانها لتقترب من قريبتها و تضع يدها على كتفها في محاولة لمواساتها:
" أظنه مغرم بأخرى"
أظلمت نظرات آنجلا بعدم تصديق، لابد أن توتر ميا مع اقتراب موعد عرسها يدفعها لتخيل التفاهات، لن تجزم أن إيثان يهيم بميا لكن لو كان هناك شك في علاقتهما لما انتظرا كل هذا الوقت معًا و لما قاما بتجهيزات العرس؟؟ راقبتها تأخذ نفسًا عميقًا و تتمتم بصوت هامس بالكاد مسموع:
" أنا أيضًا مغرمة... بشخصٍ أخر"
" حبًا بالله ميا..."
صرخت آنجلا باستنكار و تراجعت خطوة للوراء كي تتمكن من التدقيق في تعابير و جهها المتضاربة، تعترف بأنه لم يعد بمقدورها استيعاب شيء مما تتفوه به قريبتها، كما تقر بأنها مؤخرًا صارت بطيئة الفهم لكل ما يدور بها. حتى في علاقتها مع جوشوا صارت تشبه إعصار تسونامي . و فقدت التحكم بأحداثها لأنه و بكل بساطة نزع الأوراق من يدها و لم يترك لها أي خيار.
" أرفض الزواج من غير حب آنجلا..."
" رباه... العمة إلينا ستموت إن وصلها الخبر..."
علقت بحيرة
" لقد وصلها "
همست ميا ببعض الحزن و امتلأت عيناها بدموع الأسى مما دفع قريبتها بأخذها بين ذراعيها تهدهدها كما كانت تفعل قبل قليل من أندريس جينيور.
" مالذي ستفعيلنه الآن؟؟"
سألتها آنجلا بحنو و هما تعودان للجلوس على الكنبة، يديهما ملتصقتان و أصابعهما متشابكتين, تنهدت ميا باستسلام، بشرتها الموردة عادة شاحبة، عيناها الزرقاوين منتفختان و جيوبهما داكنة، كانت شبح نفسها، التعاسة المرسومة على ملامحها مزقت آنجلا:
" من هو؟"
" لا يهم.."
علقت ميا وهي تستعيد أصابعها و تفركهما مرةً ثانية بعصبية:
" عمومًا لن يكون هناك شيء بيننا لأنه ينتمي لعالم مختلف تمامًا عن عالمي"
لاحقًا وافقت قريبتها لاستضافتها في ستار هاووس، عمومًا لم يكن لها مكان تلتجئ إليه و ما فهمته أنها تتحاشى لقاء والدتها إلينا أو أي فرد من الريتشي... كانت تحتاج بشدة الانفراد بنفسها و تركها و شأنها طلبت لها آنجلا العشاء لغرفتها لتوفر عليها لقاء أفراد ديكاتريس على طاولة العشاء.
انتبه جوشوا فورًا لهدوء و جمود زوجته خلال العشاء، كانت تهتم بإطعام طفليهما دون أن تلمس حقًا صحنها، أخذ منها أندريس چينيور ليهتم بإطعامه بنفسه و أمرها بأكل شيء لكنها رفضت ببرود.
" مالذي يحدث معك؟"
كان قد لحق بها في غرفة ليليان، استند على إطار باب الحمام يراقبها تنهي حمام الصغيرة و تنشف شعرها بحنو بمنشفة زهرية قبل أن ترمي هذه الأخيرة في سلة الملابس المتسخة.
" لاشيء"
لكنه اعترض طريقها عندما حاولت تجاوزه، أخذ ليليان من ذراعيها ليلبسها بنفسه بيچامتها لم تعترض و تركته يفعل، جلست على حافة سرير ابنتها تتابع حركات يديه الخبيرة بينما يغلق سحاب الثوب القطني و يقبل وجنتها الطفولية بحب.
" إلى السرير أيتها الشقية..."
بدل التوجه إلى سريرها ارتمت بين أحضانها تضمها بقوة، كم افتقدت هذه التفاصيل الصغيرة خلال خلافهما هي وجوشوا، صحيح أنها لم تسامحه بعد وأن الجمود يلف علاقتهما لكنه أقام الدنيا دون أن يقعدها كي لا تتركه مرةً ثانية. و هي تعترف بأنها لا تنوي تركه أيضًا و لا أطفالهما و لا نية لها بالدخول في عذاب القلب ولا حرب هي الخاسرة فيها... إنها تعشق زوجها مهما يكون نذلًا و جارحًا.
" تعالا إلى جانبي قليلًا"
ترجتهما ليليان بقوة و بعد قليل كانا ممددين معها على السرير، والدها إلى يسارها ووالدتها إلى جانبها، السعادة التي اعترتها دفعتهما للابتسام تلقائيًا، أمسكت بيديهما بقبضتيها الصغيرتين و ماهي إلا لحظات حتى غطت في نومٍ هادئ.
الغرفة تسبح في ضوء خافت و الموسيقى هادئة، احتفظ كل منهما بصمته و غرق كليهما في أفكاره الخاصة، سحبت يدها من قبضة ابنتها ولامست خصلات شعرها المتموجة برقة.
" ما الأمر آنجلا؟"
هزت عينيها نحوه، لم تكن تملك حتى الرغبة في مشاكسته، منذ ماحدث ذلك اليوم تتفاداه، وهو بالتأكيد يغرق نفسه بالعمل كي لا يراها كثيرًا، و في الليل لكل منهما غرفته. ماتزال الأمور مبهمة بينهما و الجراح مفتوحة و تنزف بقوة.
" إنها ميا"
سمعت نفسها تقول بخفوت كي لا توقظ ليليان التي ترفض ترك يد والدها..
" تريد إلغاء زفافها..."
رأته يهز حاجبيه متفاجئًا، فتابعت شارحة بخفوت:
" تقول إنها مغرمة برجلٍ أخر"
" هاكان يحبها بالمقابل..."
الاعتراف كان كالماء البارد على رأسها، يالها من صدمة،آخر شخص يمكن أن تفكر فيه كالعشيق السري لميا هو ذلك الهندي البارد النظرات و المريب.
" ميا و هاكان؟ هل يُعقل؟ إنهما مختلفين جدًا"
ابتسم جوشوا بسخرية و راقبت الألوان تتغير داخل مقلتيه كما تفعل بغرفة ليليان في هذه اللحظة:
" حصل نفس الشيء معنا آنجلا هل نسيتي... كنت الوريثة الأكثر شعبية في البلاد و أنا العابث الذي هرب من أشد أحياء البرازيل حقارة"
" أنت جوشوا دانته ديكاتريس لا مقارنة بينكما..."
" لكن هل كنت على دراية بالحقيقة عندما وقعتي بحبي و استسلمتي لي روحًا و جسدًا؟"
أمام صمتها أضاف بهدوء:
" لا بالطبع... "
انحنى يقبل ليليان و يسحب يده بكل هدوء من يدها، تململت بانزعاج لكن لحسن حظ الجميع لم تستيقظ، بكل كياسة و حذر غادرا سريرها على رؤوس الأصابع و عندما أصبحا خارجًا تنهدت آنجلا الصعداء و قالت له متهمة:
" بسببك فقط تعودت ليلى على هذه العادات السيئة"
" لا أعتبر بقائي بجانبها عادة سيئة"
مد يده ليبعد خصلة شقراء متهدلة على وجهها بإغراء:
" اذهبي لترتاحي آنجلا سأعمل قليلًا مع الكونت في المكتب"
" افعل ما تشاء و لا تظن أنني أنتظر عودتك بفارغ الصبر "
أضاءت وجهه ابتسامة عريضة و ضرب أرنبة أنفها بأصبعه مداعبًا:
" أعرف بأنك تموتين رغبةً بي كما أموت أنا حبيبتي..."
أبعدت وجهها عن متناول يده، رغم العتمة الخفيفة في الرواق يستطيع لمح الغضب في نظراتها الزرقاء ..
" في هذه اللحظة -على سبيل المثال- إن قمتِ بتقبيلي فسأنسى أن الكونت بصدد انتظاري في مكتبه"
" اذهب إلى الجحيم جوشوا"
****
" تعبت... لم يعد بمقدوري"
تذمرت لينيتا أمام الجدران الهائلة التي تحول بينها و بين ذاكرتها، ألقت ساقيها خارج الصوفا التي تتمدد عليها بينما الطبيبة النفسية أزاحت نظارتها الطبية متنهدةً ببعض الحسرة:
" كنا على وشك اكتشاف شيء جديد"
" أنت لا تفهمين..."
بأصابعها ضغطت على صدغيها اللذان يحرقانها بشدة و كأنهما سينفجران في أية لحظة:
" لم يعد بمقدوري بذل مجهود أكثر... صرت أكره فشلي في كل مرة..."
" حسنًا..."
علقت الطبيبة بمهنية و بدأت بجمع أغراضها القليلة.
" لا أحد يستطيع الفهم"
زمجرت لينيتا و بدأت تذرع غرفة نومها بخطوات متوترة و فاقدة الثقة:
" مللت هذه الجلسات الطويلة و الاهتمام الكبير بذاكرة لعينة ترفض العودة إلى السطح... ماذا إن لم تعود؟ ماذا إن أردتها أنا ألَّا تعود؟"
توقفت فجأة عن المشي و التقت نظراتها بنظرات الطبيبة التي تأخذ مرتبًا ضخمًا من مارك أنطونيو كي تأتي بنفسها إلى قصر الدوقية و توفر العناء لمريضتها.
" أنت من يحيل بينه و بين الماضي لينيتا"
خلاصة الطبيبة دفعت الشحوب تلقائيًاإالى وجنتيها، بحب الله من يهتم باكتشاف الماضي و خباياه و أسراره؟ لما لا يفهم أحدهم بأن مجرد تذكر تفاصيل ما حدث معها يرعبها؟ هناك فوضى عارمة بداخلها، صراع ضارٍ يجعلها تائهة لا تعرف أين المفر.
" ربما الماضي لايهمني بقدر ما يهم الجميع..."
وضعت يدها على صدرها و أخذت أنفاسًا متتالية قبل أن تقول بحزم:
" أريد أن أعيش ... "
قادتها قدميها أتوماتيكيًا إلى الجدار الزجاجي، الشمس ساطعة في الخارج وظلمة حالكة في صدرها
إذا انحرفت بنظرك قليلًا إلى الجنوب فستسلب ألبابك حقول نوار الشمس الذهبية و تخطف أبصارك داليات العنب شمالًا... وإن حالفك الحظ و شاهدت غروب الشمس على قصر الدوقية توسكيا فاعلم أن روحك ستبصم إلى الأبد....
تسللت نسمات صيفية... كأطياف أميرات رومانية... تهمس لي وعودًا، تداعب شعري بأصابع خفية، توشوش بخواطر و قصائد روحانية، ترتطم بزوايا الأعمدة الرخامية و تسترق النظر لخيالي و خيالها في المرايا بإطاراتها الذهبية...
لمحته فجأة في الباحة الأمامية عائدًا من تمارين الصباح و ضرب الجوع كل خلاياها الأنثوية، دمرتها الحاجة و الشوق... لامسته أصابعها دون أن يدري، كان يسمع بانتباه إلى ما تقوله طبيبتها التي أتت على طردها بلباقة، و تنهدت بينما تسترسل في أحلامها الضارية.
و هنا يعيش سيد القصر... سرقت الشمس من خصلات شعره الذهبية و السماء من زرقة عينيه، و سرق قلبي منذ دهر و أمد بعيدين حتى أضحى الحب أغنية الألم التي تعزفها أوتار الروح الشجنة.
أنا سيدة قصر الدوقية توسكية...
أنا مصدر حسد كل النساء... و أنا... شبح المرأة التي أحبها سيد القصر.
أنا عبدة الرجل الذي سجن قلبه في قلعة أبوابها من حديد و استأمن المستحيل على مفاتيحها.
هز رأسه ناحية شرفتها في هذه اللحظة و تبعثرت كأوراق شجر الخريف... لم تبعد عنه عينيها... نعم أيها الحبيب فقد سمعتها جيدًا... لا أريد استرجاع ذاكرتي... تلك الذاكرة التي تضع كل هذه المسافة بيننا و تجعلنا حبيبين فارغين من الداخل... لا أريد استرجاع ما قد يبعدني عنك.
تركت الستائر تعود مكانها في الوقت نفسه الذي لمحته يتسلل إلى الداخل بخطوات رشيقة، و انتظرت و كأن مسافة سنوات بين الطابق السفلي و العلوي... تعرف ما سيقول و ترفض قطعًا مناقشة الأمر.
استنشقت عطر جسده حتى قبل أن يقتحم باب غرفتهما، أطبقت جفنيها لوهلة تسمح للإحساس اللذيذ... لهذا الشعور الرائع بالتغلغل كالمخدر إليها، وعندما تهادت خطواته إلى مسامعها رسمت أجمل ابتساماتها و استدارت نحوه، من المستحيل أن يكون ما تشعره نحو هذا الرجل حبًا... إنه كيان بإسم و أبعاد أخرى:
" مرحبًا أيتها الحياة.."
نعم... إنه كذلك بالنسبة إليها... بهذه الطلة المغايرة لهندام رجل الأعمال الاعتيادي، إنه الحياة بقطرات العرق الملتصقة بجبينه و العالقة على كنزته الرياضية، إنه الحياة بخصلات شعره المتمردة من تمرينه و حتى الأتربة العالقة أسفل حذائه.
وضع يديه على خاصرتيه و تطلع إليها بتلك النظرات المميزة التي تفقدها عقلها، وقفت على أصابع قدميها و حطت شفاهها عليه مستمتعة بدفئهما و ملوحتهما.
" أنا مُقرف عزيزتي"
لم تستسلم لمحاولته إبعادها كما ينجح عادة.
" أنت مثير عزيزي "
أدلفت يدها تحت الطبقة الرقيقة للتي-شرت الرطب من العرق و أطبقت راحتها على عضلات بطنه القاسية دون أن تفارق عينيها ملامح وجهه الجميلة، تحب أن تكون ملكه... أن تتمرد أحاسيسه عندما تكون في محيطه، أن يذوب هذا الجليد الغير مرئي بينهما... تريد أن تتحطم هذه الجدران العملاقة التي بنتها سنوات من الفراق و الضياع... شعرت بأنفاسه تتسارع بينما أصابعها تنزلق لتتحسس عضلات صدره القوية، وضع يده على يدها ليمنعها من المتابعة و مال برأسه قليلًا ليهمس بتسلية:
" سوف تفقديني صوابي"
" أنت أفقدتني إياه منذ سنوات..."
اقتربت من اليد التي تشل حركتها ووضعت عليها شفاهها بتقدير قبل أن يمنعها بأخذها بين ذراعيه:
" لا تفعلي"
" أنت القلب الذي ينبض وراء قضبان صدري مارك... أنت زوجي و حبيبي و سيدي"
أحاطت خصره بذراعيها و ضمته إلى قلبها بقوة و تملك، أسعدها لحن ضربات قلبه تحت أذنها:
" لا أهمية للماضي ما دمت معك و أحمل اسمك..."
شعرت به يتشنج تحت ذراعيها و كما توقعت انسحب بنعومة و أمسك بوجهها بين يديه يحملق إليها بجدية:
" هذا الماضي مهم لنستمر قدمًا عزيزتي و الطبيبة ستعود ما إن تشعرين باستعدادك لذلك..."
و تبخر سحر اللحظة عندما قبل رأسها و تركها متوجهًا نحو الحمام:
" لدي اجتماع خلال ساعة حبيبتي... عليك تفقد لائحة الطعام مع مدبرة المنزل و رؤية ما يلزم لأمسية السبت القادم..."
"مارك..؟"
"أحبك يا عمري"
انتهى الموضوع... وهرب بلباقة كما ينجح كل مرة


أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 22-11-18, 11:16 PM   #59

أميرة الحب

مشرفة وكاتبة في قلوب أحلام وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضوة في فريق الترجمة

alkap ~
 
الصورة الرمزية أميرة الحب

? العضوٌ??? » 53637
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 14,442
?  مُ?إني » فرنسا ايطاليا
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond reputeأميرة الحب has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك fox
?? ??? ~
https://www.facebook.com/الكاتبة-أميرة-الحب-princesse-de-lamour-305138130092638/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

قراءة ممتعة و الردود في الموضوع الثاني

أميرة الحب غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 27-11-18, 10:58 AM   #60

الأسيرة بأفكارها

مشرفة سابقة بمنتدى قلوب أحلام وافتح قلبك، نجم روايتي، حارسة وأسطورة سراديب الحكايات

alkap ~
 
الصورة الرمزية الأسيرة بأفكارها

? العضوٌ??? » 336028
?  التسِجيلٌ » Jan 2015
? مشَارَ?اتْي » 23,577
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » الأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
افتراضي


الفصل الثلاثون

تجهم وجهه ذو العضلات القوية من شدة إنهاكه في العمل و اعتبر اقتحام فرانكو لخلوته كمباركة ربناية، يعترف للمرة المليون أن نيوس ليونيداس قوي العزيمة و الشخصية، و كل تيقظه لا يكفيه لتفادي ضربات هذا الأخير.
ضرب بخفة بقلمه الذهبي فوق أوراقه و أطل الشر من نظراته بينما يقرأ تعابير مساعده القلقة:
" أنجبت ديامنتي؟"
ازداد جمود فرانكو، لن يتفقا أبدًا بشأن ديامنتي، يشعر بنفسه حاميها رغم وفائه لرئيسه، راقبه بحدة يهز رأسه للإيجاب فقفز على قدميه بخفة:
" جيد جدًا فلنذهب للتهنئة إذا"
" سبقنا إليها ليونيداس"
بدأ فرانكو ببعض الجفاف و أمام التعابير العاصفة التي كست وجه الأمير سارع بالشرح:
" لقد هربت منه في الليلة نفسها"
" وأين هي الآن؟"
" في بيت والدها.. أنجبت في بيتها وحدها بعد ذلك أتت الإسعاف لأخذها إلى المستشفى لأنها و الصغير كانا بحاجة للعناية"
" تمامًا مثل كلبة متشردة"
و ظهرت أسنانه البيضاء في ابتسامة حقيقية:
" أنجبت وحدها في بيت والدي كقطط شوارع... لكن"
ثم بانت الجدية في نظراته:
" أتسائل لما هربت من ليونيداس ؟؟... كان من الممكن أن يوفر لهما الحماية هي و الصغير"
ثم تابع و كأن رد فرانكو لا يهمه:
" أم أنه يريد الاحتفاظ فحسب بالصغير؟"
لوى شفته ببعض الاستياء:
" لم تسر خططها كما يجب... تكبدت عناء لا شيء في النهاية و ليونيداس لن يتردد بسلبها ما تتقاتل لأجله... "
" و لن يتأخر اليوناني بإيجادها"
ذكره فرانكو بحكمة..
" إذن فلنمنح الرجل ما يعود له كما سبق ووعدته في لندن... و لتعود الأميرة إلى قصرها و بين أحضان أميرها "
التقط معطفه الأسود و أعاد تثبيت عصبة شعره الحالك الطويل خلف رقبته، كان متشحًا بالسواد من أعلاه لأسفله، منذرًا بالشر ملامحه تنم عن الأذى و شفاهه مزمومة بالخطر، هز حاجبًا كثًا أمام فرانكو الذي سد عليه الطريق:
" ... لا تسلبها صغيرها... اقتص منها بطرق أخرى لرد اعتبارك لكن اترك صغيرها بين أحضانها "
" تتكلم مثل امرأة عاشقة بربك... لقد انتظرت هذه اللحظة فرانكو فافعل ما آمرك به أو اعتبر نفسك مفصولًا..."
رماه بنظرات مثل الرصاص قبل أن يعود فرانكو لشخصية المساعد الذي لا يرفض طلبا، بخطواتٍ واثقة توجه إلى خزانته السرية، و أخرج المسدس قبل أن يشحنه بالرصاص و يضعه تحت حزامه.
" قد يتحول اللقاء إلى مجزرة لاسيما إن صادفنا لونيداس هناك، فرجاله معه أينما تحرك وَأْمُر الجميع بالتيقظ و الاستعداد للمغادرة خلال عشرون دقيقة"
لحسن الحظ أن منزل ديامنتي أقرب من الجزيرة سردينيا... مسافة ساعة فحسب و ينتهي كابوسه
****
هذا الإرهاق و التعب المفاجئين و الرغبة في النوم يمنعها من التركيز على رسوماتها، ألقت فلور نظرة خاطفة للصغير النائم في سريره المتنقل، هل شفي هو لتمرض هي؟
فركت جبينها مجتازة رغبةً عارمة في الغثيان، إنها على هذا الحال منذ أيام و لا تفهم ما يحدث لها بالضبط.
انفتح باب معملها الصغير بعد أن ترددت طرقات على بابه و ظهرت الحاضنة.
" طلبتني آنستي!!"
" خذي الصغير لسريره و اطلبي من الخادمة فنجان من الزعتر البري، معدتي تؤلمني"
لاحقًا أفرغت فلور كل ما في جوفها و للمرة الأولى منذ ولادته تترك الصغير في رعاية الحاضنة و تلتجئ إلى غرفتها طلبًا للراحة، فلتكن واقعية لقد أنهكت نفسها مؤخرًا عاطفيًا و جسديًا.
في النهار تظل متيقظة و على حساب أعصابها أما الليل فذلك قصة أخرى... ما تنفك أن تستسلم للنوم حتى يوقظها كابوس مرعب... قصة حرمانها من ابنها تتكرر كل ليلة.
أصبحت تعيش مع أعصاب منهارة و نفسية ممزقة، عليها أن تعيش بسلام و تبعد دراكو من عقلها...
ارتدت قميص نومها القصير و أخذت حبتين أسبرين قبل أن تندس تحت الأغطية الحريرية متلذذة بنعومتها...
لكنها و كالمعتاد تقلبت بانزعاج... إحساس غريب بعدم الأمان ينتابها طيلة الوقت... رباه ستجن إن استمرت على هذا المنوال.
رن هاتفها و استجابت ما إن تعرفت على اسم شقيقها:
" نعم ديف؟"
" انا على بعد شارعين، اشتقت للصغير و فكرت إن كنت بمفردك إمضاء الليلة في شقتك"
مسدت وجهها و أقرَّت أنها فكرة حسنة، داڤيد مجنون بنيكولاي حتى أنه أصبح عرابه بعد أن تنازع مع مارك أنطونيو على ذلك، و كلما عاد إلى نيويورك من بعد أسفاره يفضل استغلال الوقت عندها.
" بالطبع تستطيع المرور عزيزي... لكن أنبهك من الآن بأنني ربما مصابة بالرشح ستتكفل بنيكولاي كعراب حقيقي"
سمعت قهقهته من الجهة الأخرى و ابتسمت عفويًا و قد كسحتها راحة عارمة، عندما يكون شقيقها معها تحس بالأمان و تواجه كوابيسها بكل ضراوة.
وبدل العودة الى السرير غيرت ملابسها و عادت إلى الصالون تنتظره بفارغ الصبر.
*****
تأوَّهت ديامانتي متألمة عندما رمت بقدميها الحافيتين بعيدًا عن السرير الطبي الذي احتجزت فيه تقريبًا منذ أمس.
بشرة وجهها مصفرة بشكل يدفع الشفقة، فقدت الكثير من دمها و كادت الولادة أن تودي بحياتها لولا تدخل القدر في اللحظة الأخيرة... و في هذه اللحظة تتسائل عما تفعله في هذه الحياة القاسية التي لم تكل أبدًا من قهرها و اتعاسها.
مالذي حدث منذ مواجهتها مع نيوس؟؟
هي نفسها لم تعد تفقه تفاصيل شيء، أضحت تسابق الزمن و خبرتها بالهرب صارت بالدم في شرايينها... لم يعد يتسعها هذا العالم للهروب من نيوس ولا دراكو، ضاق الخناق و ترى نفسها بلا حول و لا قوة... في قعر جحيم آتٍ لا محالة.
ضربت على الجرس لتظهر الممرضة بعد لحظات بابتسامة لطيفة:
" أريد ابني"
" ما تزالين ضعيفة و الطبيب يقول..."
صرخت ديامانتي بقوة أدهشتهما معًا:
" أريد ابني و فورًا... لن أبقى هنا..."
وضعت يدها على بطنها، تشعر بالدوار يهدد بجرفها فورًا رغم الضباب الذي بدأ يزحف إلى عينيها المتعبتين أشارت للممرضة مهددة:
" أخبري ذلك الطبيب أن يمنحني تصريحًا بالخروج ... نحن لسنا بآمان في هذا المكان"
" أنت تهذين"
بدت الممرضة قلقة وهي تدنو منها لتمسك بمرفقها قبل أن تخور قواها بين ذراعيها، تأوهت ديامانتي بألم ولم تقوى على دفعها عندما أعادتها بحزم لكن برقة إلى السرير و حثتها على التمدد قبل أن تضع الغطاء عليها و تدفع بخصلاتها الشقراء بعيدًا عن جبينها المحموم.
" أنت محمومة أيتها المسكينة..."
ثم ضغطت على الزر تطلب المساعدة من ممرضات أخريات. بين الوعي و اللاوعي شعرت بأيادي تتحسس وجهها، بطنها، صوت من مكان ما قال بأنها تنزف، من خلال الضباب رأت وجوهًا كثيرة، سمعت صوت بعيد جدًا لطبيب يسألها إن كانت تسمعه، يجس نبضها، يأمر هنا و هناك، أحست بوخز في ذراعها، عضت على شفتها و قاومت عدم الانجراف في دوامة اللاوعي... وجدت أخيرًا يد الطبيب الذي لا تميز حقًا وجهها إلَّا من لباسه الأبيض..
" أريد ابني"
" سوف نأتيك به ما إن يعود ضغطك لطبيعته..."
هذا آخر ما سمعته قبل أن تجرفها الظلمة.
الحر أعادها إلى أيامها الصعبة في صحارى تونس... إلى هجوم نسوة مخيم الغجر عليها لتشويه وجهها بعد أن أصابتهن الغيرة من جمالها... رأت نفسها تركض بقوة و كأن لا وزن لبطنها... البطن الذي اختفى ما إن عادت لجزيرة القمر، بين ذراعي نيوس... نيوس الذي تخلى عنها بينما كانت بأمس الحاجة له.
لقد جاء إلى سردينيا... ينفث سمومه و يهدد بسلبها ما يعود لها... أحكم حصاره عليها لكن الهروب لعبة تتقنها، و تفوقت عليه بالرحيل إلى بيت والدها... المكان الوحيد الذي لن يفكر أحد بالبحث عنها فيه.
لكن السفر نال حقه منها، شعرت بالمخاض في الساعات الأولى للفجر، و ارتعبت لفكرة طلب سيارة الإسعاف و تعريض نفسها للتشهير بهويتها.
أخطأت بفعل ذلك... كادت تفقد صغيرها... كان الألم أقوى من أن يتحمله بشر، كونها ممرضة تعرف كيف تخلص نفسها بمساعدة من الرب، الطفل هجر بطنها بعد عذاب ساعات، لكن رحمها رفض قذف المشيمة و الباقي، لفت الطفل في ملابسها و زحفت بصعوبة إلى هاتفها لتطلب المساعدة.
كانت تنزف عندما وصلوا... لم تكن تعي شيء سوى لهذا الطفل الجميل جدًا بين ذراعيها تميل به و تدندن أغنية لا تتذكرها، فقدانها للدم و تعبها أدخلاها في حالة هذيان و شراسة، عندما حاول أحدهم أخذ الطفل للاهتمام به هاجمته و دخلت في هستيرية عصبية لا تتذكر بعدها شيء إلَّا وهي بغرفة العمليات...
تقسم بأنها رأت والدها بجانبها، كالمعتاد يمدها بالقوة، تمنت لو يبقى معها و يساندها، أن يحميها منهما و يحمي ابنها... آريوس... ورث سمرة والده، نظراتها الفيروزية، جمال تقاطيع وجهها. أريوس... إله الحرب عند الإغريق... لقد حارب معها كثيرًا و عانى الأمرين... كان رفيقها في دروب الظلام و خليلها... تشارك حزنها و عذابها... إنه قطعة من روحها، منحته الحياة كما منحها الصلابة... آريوس ليونيداس... مطلقًا لن يحصل عليه دكتاتور امبراطورية ليونيداس... سيبقى بالنسبة إليه حلمه البعيد فحسب.
" إنه هنا..."
ابتسمت ديامانتي من خلال دموعها، بدأ الضباب بالتلاشي و الظلمة بالانزياح، و التقت عيناها بأروع عيون رأتها في حياتها... رباه لقد أنجبت ملاكًا حقيقيًا.
" لا لا تأخذيه أنت ضعيفة، سأتركه هنا قربك في هذا السرير الصغير..."
كانت الممرضة لطيفة جدًا معها، بشفاه مرتجفة طبعت قبلة على جبين ابنها الناعم، و كأن شفاهها غاصت في حفنة قطن.
" متى سنرحل؟!!"
سألت ديامنتي بوهن، يكفي النظر إلى هذا المخلوق المعجزة ليزحف الرعب و القلق إليها... عليها ألَّا تنسى أنهما متعقبان... مهما تكون هوية من الزائر التالي فسيلحق بهما الأذى.
" لا أعرف آنستي... "
قالت الممرضة و هي تتفقد ضغطها:
" عندما أتو بك كنت بحالة مأساوية و المشيمة متيبسة ... هذا الشيء أضعف رحمك و يسبب النزيف من فينة لأخرى و هذا ما يجعلك بهذه الهشاشة و الضعف..."
تنهدت و رمقتها بلوم:
" احمدي الرب لأنك لم تتعرضي لسوء و أن الصغير على قيد الحياة... لقد خاطرتي كثيرًا و مهما كانت أسبابك و دوافعك تصرفك تجرد من المسؤولية، كان من الممكن أن يعقب تعقيدات لهذه الولادة الغريبة من نوعها... خاصة أن الصبي قوي البنية و وزنه كبير أيضًا"
بالكاد تبتعد بنظراتها عن الصغير، إنه قوي البنية نعم، هذا ما لاحظته بنفسها ما إن قذفه رحمها، و بالتأكيد كانت لتخسره بسبب تهورها... لكنهما على قيد الحياة، رغم أنف حظها العاثر و الحياة القاسية هما بخير.
لامست يده بأصبعها فسجنته أصابعه بقوة دفعت الابتسامة تلقائيًا إلى وجهها و أنارته... رباه كم تعشقه.
إنه رجل حياتها... فارسها المغوار و لن يفرقهما أحد و ستقاتل من أجله حتى آخر نبض.
****
لمحه أندريس ما إن اجتازت قدميه عتبة مقبرة العائلة، البرد صقيعًا و السماء سوداء تنذر بعاصفة قريبة، لكن كالمعتاد أليكسندر ريتشي لا يتخلف عن زياراته الروتينية لقبر إليسيا، لم تكن المرة الأولى التي يراه هنا، و هذا الإخلاص لذكرى إليسيا- لا ينكر- يصيبه بالدهشة، خصوصًا من 'دون جوان' مثله..
شد ياقة معطفه حول رقبته و تابع خطواته باتجاه القامة الطويلة المستندة على عكاز، الرياح تقتص من بشرة وجهه المكشوفة، لن يتأخر الثلج بالهبوط و هذا الشاب أمامه لا يرتدي حتى معطف واقٍ أو ملابس مناسبة لهذا الطقس الرديء، لا يبدو حتى أنه يشعر ببرودة الجو.
" أليكس.."
تشنج الجسد أمامه، و ترك له بعض الوقت ليستعيد رشده، عندما استدار أخيرًا نحوه واجهته عينان متورمتان، غير هذا التفصيل الصغير الذي يشير إلى أنه كان يبكي قبل قليل لا يوجد ضعف واحد في طيات هذه الملامح الوسيمة و المرسومة بدقة... و ما الجديد في ذلك؟ إنه من الريتشي لا يعربون مطلقًا عن مشاعرهم... مثلهم مثل القطط يسقطون دومًا على قوائمهم.
" كونت أندريس"
يعرف أندريس بأن نقطة ضعف أليكس هي تلك الحادثة المشؤومة و موت إليسيا، لم يعش يومًا حداده، أخبرته كاترين ذات مرة أن تأنيب الضمير يحول بينه و بين حياة طبيعية، و برأيه هذا الشاب المحطم داخليًا الصلب خارجيًا عليه أن يترك الماضي يرحل ليستطيع العيش بسلام.
" سوف تمرض في هذا الجو بملابسك هذه، أنت لم تشفى بعد من عملية الرأس التي أجريتها و هذا لا يلائمك"
" تركت معطفي في السيارة... لم أفكر و أنا أعرج إلى هنا .. تبعت خطواتي فحسب"
ذهبت كلماته الخفيضة أدراج الرياح التي ارتفعت أكثر من حولهما و بدأت تلعب بعصبية بأغصان الأشجار التي تحيط المكان، العزلة في هذا المكان رهيبة أندريس يعترف، و لا يبدو ابن صديقه مهتمًا للريح و لا للبرد و لا للحياة نفسها، عاد أندريس يعدل ياقة معطفه بينما ابتعد الشاب باتجاه الصورة على اللوحة الرخامية لقبر إليسيا... كانت آخر الصور التي التقطتها قبل الحادث، ابتسامة عريضة و براءة طفلة في السابعة عشر من عمرها.
" كان من الأفضل لو اختارني الموت بدلًا عنها..."
سمعه يقول:
" منذ خروجي من تلك الغيبوبة اللعينة و أنا لا أنفك عن إيلام من حولي... "
" لا تكن قاسيًا مع نفسك"
تأمل أندريس قبر إليسيا ثم والديه الكونت و الكونتيسة ديكارتيس ، ثم قبر والد كاثرين أليكسندر ريتشي العظيم مؤسس كل شيء إلى جانبه زوجته.
" لو مت أليكس لكان قبر كاثي إلى جانب قبرك... مطلقًا لم تكن لتتحمل ذلك"
وكانت هذه حقيقة لا عودة فيها و لا مناقشة أيضًا..
" لا تكن سوداويًا أيها الشاب و انظر إلى ما تملكه و من يهمهم أمرك أكثر من همهم الحياة نفسها"
أظلمت نظرات أليكس التي كانت شفافة قبل قليل، يعرف الكونت بأنه لامس وترًا حساسًا و أذاه دون أن يدري، فجأة تغير موقفه، و تحجرت ملامحه و كأن الشيطان في أعقابه، بدى نادمًا على لحظات ضعفه، نظر حوله و كأنه يتسائل عن سبب وجوده في هذا المكان. لوهلة لمح بعض الحنان و هو يلامس وجه إليسيا للمرة الأخيرة قبل أن ينغلق على نفسه كالمحارة و يفر هاربًا متمتمًا بكلمات مهذبة في طريقه.
" إلى اللقاء كونت أندريس"
عندما عاد أليكس إلى السيارة كان السائق مايزال بانتظاره، كيف يعقل أنه لا يستطيع التنفس بحرية في هذا المكان حيث الهواء أنظف من أي مكان أخر!! ألقى نظرة مترددة إلى السيارة و إلى السائق الذي فتح له بابها منتظرًا أوامره، إلى أين المفر من أفكاره السوداوية و ضيقه؟ مالذي غيرته هذه العملية اللعينة و ما معنى هذه الحياة بعيدًا عن ايزابيلا؟
" أعطني معطفي و ارحل إلى أن أطلبك"
الطريق الذي سلكها طويل محفوف بالأشجار التي تهتز بلا رحمة أمام رياح صارت عاتية، إنه لا يملك أحلامًا للعودة إليها فلتجرفه هذه الرياح اللعينة إن شاءت فلن تتأخر باكتشاف السواد بداخله...
أخبره الكونت أندريس بأنه يملك كل شيء... بأن هناك من يهمه أمره أكثر من الحياة نفسها.
نعم هو يملك كل شيء يملك المال.. الكثير من المال.. يستطيع الحصول عل كل الامتيازات، تنحني الرؤوس إليه لأنه مميز جدًا... من لا يرتعب أمام اسم ديكاتريس و ريتشي؟ كيف لا يفرش الناس الورود أمامه يدوسها بغير اكتراث ولا يجد متعة ولا إثارة؟ العودة إلى لندن في كنف عائلته من أحسن القرارات التي اتخذها، دعم والدته له بكنوز الدنيا لو بقي في أمريكا لجن بالتأكيد من شدة تعاسته و فراغه.
الفراغ الذي خلفته إيزابيلا... حبيبته بيلا... حفيدة السائس.
كيف وصفها شقيقه ذات يوم؟ بشمس التوسكانا؟ لا هو مخطئ بالتأكيد... إنها شمس الحياة و روعتها. و بفضله هربت إلى الجهة الأخرى من العالم.
مؤخرًا يجد السلوى في صوتها... لا يستطيع الرد على الهاتف و الله وحده يعلم كم يكلفه ذلك من جهد... يريد فحسب أن يسمع رنين صوتها العذب... أن يموت بين نغماته من الشوق...
ثم ماذا بعد؟ صفعته الرياح بشدة وضم وشاحه القاتم قتامة السماء في هذا الوقت... لا حق له بالانحراف وراء أحاسيسه و عشقه لها و الجثو على قدميها كي تمنحه فرصة أخرى... وعد أن يسافر إليها في الوقت المناسب... عندما يتخلص من عقده اللعينة و يخرج ذلك الوحش الكاسر بداخله مرة وإلى الأبد.
وحش من الأنانية و اللامبالاة... الوحش الذي دفعها للتفكير في وضع حدٍ لحياتها.
ارتجف لهذه الأفكار، فقط لو تعرف حفيدة السائس أن ولائه لنفسه انعدم و تبخر و أصبح أقل مستوى من حذائها... بعد تحجيمها له أمام كل خدم قصر التوسكية استيقظ غضبه و كبريائه، لأنه آلف ألَّا يقول له أحد لا... أن يجثو الجميع على قدميه، اعتقد باعترافه بأنها ستكون ممتنة مدى الحياة و ستسقط بين ذراعيه دون إلقاء نظرة على الأذى الذي تسبب به لها... بدل ذلك أمرته أن يتنحى من حياتها.
ألقى نظرة فارغة إلى السماء، رذاذ المطر علق بمعطفه و خصلات شعره، لمح في مكان غير بعيد مقهى صغير بألوان حميمية جذبته فورًا.
من المستحسن إراحة ساقيه المتعبتين فلا يعرف كم تمشى من الوقت و رأسه بدأ بإيلامه، ما إن أخذ مكانه في طاولة منزوية غير بعيد عن مدفئة متراقصة النيران بإغراء حتى رن هاتفه النقال و كانت كاثرين:
" أين أنت بحق السماء ؟؟لقد عاد السائق من دونك وفي هذا الجو السيء؟؟"
هز عينيه للسماء لكن هل تفقه والدته لتصرفاتها؟ هل لاحظت نضجه مؤخرًا أم مازالت تراه في عمر الخامسة؟؟
" أنا بخير أمي... احتجت فحسب لبعض العزلة."
عقب الصمت، لائحة الطعام أمامه تعرض مقبلات إيطالية، تذكر بيلا، تناقش رأيه بشأن مطعمه في البندقية... بيلا تبتسم و تتوهج مثل الجوهرة، بيلا تتنهد بين ذراعيه و تشبه نجمات السماء البعيدات... بيلا في كل حالاتها، على دراجتها الهوائية بالتوسكانا، على صهوة حصان، تلعب الغميضة مع توأمي شقيقه، بمريول الخادمات و تسريحة صارمة، ببنطال الجينز و كنزة بسيطة، بيلا الرائعة... حبيبته بيلا.
" سأرحل إلى إيطاليا هذا المساء "
سمع أمه تقول بامتعاض:
" سيقيم مارك أنطونيو حفل استقبال ليلة السبت و يحتاج دعمي بشدة... إنه أول حفل استقبال منذ عودة زوجته... هل تأتي معي؟؟"
إلى إيطاليا؟؟ البلد الذي يذكره بشدة بحبيبته؟؟ قصر الدوقية الذي فقد جماله منذ رحيلها..؟؟ لا شكرًا.
" أنا غارق في العمل عزيزتي"
همس لها برقة ليتفادى أي تعليق.
" مسألة يومين و نعود أليكس..."
توسلته ملحة:
" إدواردو لن يأتي معي لأنه عالق في قضياه كما أنك تستطيع العمل من هناك طالما أحببت التوسكانا و التغيير سيكون مفيدًا لصحتك"
" ... لم يعد معنى لجمال التوسكانا برحيلها أماه... "
لا يعرف متى خرجت هذه الكلمات المثيرة للشفقة، سخر من شفاهه و مشاعره الغبية فقد تأخر كثيرًا لإصلاح الأمور أليس كذلك؟ لكن والدته لم تعد تتذمر من سماع سيرتها كالسابق، يبدو أنها استسلمت أمام الواقع كما استسلم هو و تخلى عن أسلحته... بحق الجحيم أين المتعة بالاستمرار في الحياة و منافقة نفسه و الكذب عمن حوله مع هذه الوحدة و التعاسة اللتين تحيطانه ؟؟... إنه يفتقدها بشدة... بُعدها يسحقه بلا رحمة.
" شقيقك بحاجة للدعم ... عمومًا سنقلع في التاسعة، حِطني علمًا إن غيرت رأيك عزيزي... أحبك"
******
الملل يكاد يقتل جوشوا و التسكع مثل الطيف بين هذه الجدران المبجلة صار مثير للسخرية .. أضحى ستار هاووس خاويًا من جديد و اختفت ضحكات طفليه، تمكنت آنجلا بالهرب معهما إلى التوسكانا محتجة بدعوة مارك شقيقهما المهمة و الغير قابلة للرفض... مثل المعتاد الكونت و زوجته لا ينفكان عن استغلال كل وقت فراغ ليسافرا أو يستقلا ببعضهما في حميمية. وهو... لا يعرف لما رفض مرافقة زوجته إلى إيطاليا متعللًا بالعمل المكثف..
اقتص من آلة الركض قبل قليل إلى أن خارت قواه، أفكاره مشتتة و يحتاج لبعض العزلة ليتفقد الأضرار التي تعرض لها زواجه بفضله هو فقط، و مالذي استفاده من هذ الرحلات الطويلة للمكسيك؟؟ لقائه مع والدته بحلتها الجديدة زاد فحسب من تعقيد الأمور و اشتباكها في رأسه، لم يستطع مصارحة مارك أنطونيو... دومًا يشعر بنفسه مسؤولًا عن تصرفاتها، و بالتأكيد إن عرى على مكانها لوالده أو حماه فسينتهي الأمر بحمام دم.
الانكسار داخله لا يعرفه سواه، ذات يوم بينما يعود إلى لندن لتحدي الكونت أندريس لم يكن يدرك أن حياته ستتغير بشكل جذري... بأن دخوله هذا العالم البراق سيحرق قلوبًا من الغيرة و يصنع له أعداءا... رحلته كانت شائكة وسط عالم من التناقضات و التحديات... تراه في نهاية المطاف أم في بدايته فحسب؟
ضجيج في ركن ما أثار انتباهه، تيقظ فجأة و تفقد المكان الشاسع و المهجور، من المستحيل أن يتواجد أحدهم معه هنا، و نسبة تواجد فضولي في المكان ضئيلة لأن ستار هاووس محمي بشكل خانق و تتكفل بتأمينه أكبر شركات الأمن في البلاد... الكونت يعرف كيف يحمي خصوصياته و عائلته.
شبح متشح بالأسود قفز أمامه برشاقة، استوعب جوشوا خطورة الموقف عندما تجاوز بأعجوبة سكين رمادي التمع بشدة تحت أنوار الثرايا الشاحبة، لحسن حظه أنه مُقاتل محترف أيضًا وردوده كانت بنفس سرعة النينجا الذي أخفق في غرز سكينه في المكان المطلوب، تفادى مجددًا جوشوا لكمة لفكه و نجح بإحكام قبضته على ساعد الرجل ثم ذراعه، لم يكن يظهر من قناعه سوى عينان تقدحان بالشرر، لم يكن أبدًا المهاجم ينتظر مقاومة عنيفة أو يتوقع قوة خصمه، نجح أخيرًا بحكم قبضته عليه، لوى ساعده خلف ظهره و أحاط رقبته بالذراع الثانية و تمتم قرب أذنه بينما يسجنه بجسده القوي:
" من أنت و ماذا تريد مني؟"
في محاولة لنزع قناعه، تمكن المهاجم بضرب ساقه مما أجفل جوشوا و أفلته، للمرة الثانية يحدد النينجا صدره بسلاحه، هذه المرة الإصابه كانت لكليهما، أمسك السكين بيده مما أصابه كما أصاب الرجل الذي حاول استعادة سلاحة بضراوة و أصاب ساعده، ضجة كبيرة في مدخل الصالون الفسيح فاجأتهما معًا، يبدو أن الأمن انتبهوا أخيرًا أنه يتعرض للهجوم، بعد أن أدرك خطورة الموقف اختفى النينجا كما ظهر، ركض ورائه بعض رجال الأمن بينما البقية توجهت إليه رأسًا بنظراتٍ قلقة:
" هل أنت بخير؟؟"
" بحق كل ما هو عظيم في هذا الكون أين كنتم بينما أكاد أقتل؟ "
قبل أن يردد الرجل دفاعاته زمجر جوشوا و هو يمسك يده المصابة ليسد جرحه:
" ماذا لو كان والدي أو زوجتي أو أي فرد أخر مكاني..؟؟ "
" تم التلاعب بكاميرات المراقبة... "
تدخل رئيس الأمن:
" الشرطة في طريقها الينا"
هز رأسه بتهكم و جحظت عيناه الخضراوين أكثر بالطبع... التلاعب بكاميرات المراقبة... من يستطيع فعل ذلك أمام فريق خبير و متمرس؟؟ الجاني قريب منه و عندما أخبر آنجلا بأنه يشك بنصف أخيه فقد كانت الحقيقة المحضة... لسوء حظه أن ويليام لا يشبه مارك أنطونيو في شيء... فبينما هذا الأخير يغدق عليه بالحنان و يضع قرابتهما فوق أي اعتبار يقوم ويليام بالبحث عن كل السبل للتخلص منه و من حياته... لقد تدمرت خططه بينما يعود هو إلى حضن أبيه و يتقاسم أعماله و أمواله... لكن ماذا إن عرف ويليام أنه ليس فقط من سيتقاسم ثروة الكونت ولكن هناك فلور أيضًا في القائمة؟ هل سيعرضها كشف السر للخطر أيضًا؟
اكتظ فجأة المكان لحد الإنفجار ووضع ستار هاووس تحت المجهر و لم يستغرب جوشوا عندما أكدوا له أن الجاني اختفى و كأن الأرض انشقت و ابتلعته، لا أحد خرج من القصر لأن المحاصرة اشتدت و بالتأكيد لا أحد استطاع الخروج... أين النينجا إذن؟
" تحتاج لخياطة"
لاحظ مفتش الشرطة الذي يعرفه جوشوا معرفة وطيدة فهو المكلف بقضية لينيتا دا ماتا و اختفائها و أيضًا محاولة قتله في ألالسكا.
كان يجلس على الأريكة، رأسه أمامه، مرفقيه على ركبتيه يحاول تثبيت الشاش على يده النازفة، بينما أفراد الشرطة منتشرة هنا و هناك، يبحثون عن أقل دليل لمعرفة هوية المهاجم.
" لا يجب إقلاق الكونت بهذا الموضوع"
قال جوشوا فجأة و كأن مسألة جرح يده الخائر آخر اهتماماته:
" لديه ما يكفيه من الأمور المعقدة و أرفض أيضًا أن يكلف حارسًا يراقبني حتى و أنا في الحمام"
" سيدي المفتش..."
تدخل أحدهم مما دفع جوشوا لرفع رأسه نحو الشرطي الذي يحمل بعض معدات التقنية:
" حصلنا على دم الجاني... كما قال السيد ديكاتريس لقد تقاتلا و جرح كليهما... "
ثم هز رأسه نحو الممر المؤدي إلى المكتبة، نظر جوشوا إلى نفس الاتجاه الذي أشار إليه ..
" تفقدنا آثار دمه إذ اختفت فجأة في مكتب الكونت أندريس"
قطب جوشوا وسمع نفسه يقول مع المفتش بنفس الوقت:
" هناك ممرٌ سري إذن !!"
لهذا لم يخرج أحد من القصر و تبخر كليًا مهاجمه في العدم، وقف جوشوا و بان عليه الاهتمام، هذا القصر يعود لقرون بعيدة مرت و في القديم كانو يعتبرون الممرات السرية أمر في غاية الأهمية و تكون في أغلب القلاع و الحصون، اقشعر بدنه... رباه... إنه فرد من عائلته... إنه ويليام بلا أدنى شك، لا يوجد غيره من يكن له الحقد و الكراهية و ينوي به شرًا.
وكأنهما يتقاسمان نفس التفكير، توجه في خطاه مع المفتش إلى غرفة المكتب، دار بعينيه في جدرانها المصفوفة بالكتب، بلوحات أسلافه الزيتية، شعر و كأنه للمرة الأولى يرى هذا المكان المحفوف بانتصارات عائلة ديكاتريس في الأعمال و تكشف عن تاريخ مشرف و نبيل...
حبًا بالله أين يمكن أن يكون هذا الممر السري في هذه الغرفة العملاقة؟ لكن هذا عمله حقيقةً... إنه سيد اللعب الغامضة و التحديات المستحيلة... لقد حقق نجاحًا في هذا المجال و عليه الآن أن يستعمل كل ذكائه للعثور على ما سيكشف له حقيقة الجاني الحقيقي.
بينما الجميع يتفقد المكان ليجد الدخول إلى هذا المكان السري بقي هو وسط الغرفة، الدم توقف أثره على بعد خطوتين من يساره، أي أنه بعيد عن الجدار بمسافة ثلاثة أمتار... لا المعبر السري ليس من الجدران... إنه...
أحنى رأسه إلى قدميه... السجاد التركي الوثير دائري الشكل، يغطي فحسب جزء صغير من أرضية المكتبة اللامعة، أرضية مصنوعة من الخشب المصقول، انحنى ليبعد السجادة بحركة واحدة، ابتسم برضى عندما اكتشف أن لون أحد الألواح مغاير للبقية... ليس بالشكل الملفت للانتباه لكنه هو شديد الملاحظة.
السؤال هو كيف يتم فتح هذا الشيء لأنه من المستحيل أن يفتح باليد المجردة... المفتش الذي كان يراقبه دنى منه معلقًا:
" إذن؟"
تفقد جوشوا الجدران المزينة بآلاف الكتب القيمة.. لا... لايمكن أن يكون المفتاح بعيدًا عن هنا... لأن الهارب اختفى بلمحة بصر إذًا المفتاح بمتناول اليد و غير بعيد... لكن أي الأشياء قريبة من فتحة الممر؟
طاولة عتيقة حيث مزهرية مسنة.. صوفا... و...
" إنه هنا"
تمتم بتأكيد ما إن لمح التمثال الذي يجسد ستار هاووس في تأسيسه منذ قرون، طالما وَجدَ أن هذا المجسد لا يناسب ديكور المكان و رقيه، تفحص المجسم... المفتش على أعقابه، تفحص بدقة بروجه، مدخله الإغريقي الهندسة، جدرانه أعمدته و قببه، كل شيء ثابت في مكانه، وضع يده على المجسد و أزاحه فجأة يمينًا... ثم يسارًا و طل الانتصار من عينيه عندما تردد صوت طقطقة صغيرة... اللوح الأرضي انفرج حواشيه... ألقى نظرة تسلية على المفتش الذي لا يكاد يصدق نفسه:
" هل أنت متأكد بأنك لم تعرف بالموضوع قبل اليوم؟؟"
" غيور من ذكائي؟؟"
اتسعت ابتسامته بينما تطل السخرية من نظرات مفتش الشرطة:
" إعترف بأنني قمت بعملك... اللعب التي أخترعها أشد تعقيدًا ألف مرة من هذا...'"
" لماذا لا تعمل شرطيًا؟ كنت وفرت علينا الكثير من الوقت لحل كثير من العقد و الصعاب... أنت عبقري'"
تجمهروا أمام اللوح المنفرج، و عندما انحنى عليه ليزيحه ظهر أمامهم سلالم حجرية تضيع في ظلام حالك.
الحماسة تلاشت بعد تنقيب الشرطة الحريص و الدقيق، شعر بأن أمله يتلاشى بمرور الوقت و بشعور سيء يلوي معدته، الممر السري الطويل يؤدي إلى الغابة الخلفية للقصر... لا أثر لمهاجمه.
******
انفرجت رموشها الكثيفة ببطء وهي تخرج رويدًا من سباتها الهانئ بفضل المهدئات، رائحة الأدوية و المطهرات ما تزال عالقة في أنفها و هذا الجسد... آخ... هذا الجسد التعب وكأن قطار سريع مر فوق كل إنش منه ليكسر الضلوع الواحدة تلو الأخرى، عضت على شفتيها متألمة غارزة أسنانها البيضاء المصففة في القشرة الجافة التي نتجت عن حرارتها أمس.. اندفعت يديها تلقائيًا إلى عينيها تحميهما من ضوء الصباح الذي ينير غرفتها الطبية معلنًا عن نهارٍ مشمس في الخارج، إحساس بعدم الأمان اكتسحها بنفس السرعة الذي دب الرعب في نفس السائل الذي يجري في شرايينها... كل عرق نابض بداخلها تيقظ و انتبه، توضحت الرؤية، آريوس لم يكن في سريره، وهي لم تكن بمفردها، وقف الشعر على جلدة رأسها وصوت كريه يتسلل كالمسامير في أذنيها:
" صباح الخير يا أميرتي"
الخوف و الهلع نجحا بإخراسها، الصدمة شلتها و تسائلت إن كان قلبها مايزال ينبض في هذا الصدر الذي ضاق فجأة و انسحب الهواء منه مهددًا إياها بسلب وعيها في هذه اللحظة... اتسعت عينيها الفيروزية و جحظت، وتابعت بترقب و حذر دندنته الطفولية - الموجهة للصغير بين ذراعيه- و يده الكبيره تداعب ظهره بحنو يكاد يكون حقيقيًا ... رباه... إنه كابوس...
صمَّت ضربات قلبها الهستيرية أذنيها فيما نظراتها متعلقة على الملاك الصغير النائم على كتف فارس كوابيسها و شيطانها.. كان يتلاعب بأعصابها و يحرقها بتمهل بهدوئه الشيطاني المدروس... لم تعد تقوى على تحمل المزيد من عواصف الخوف المدمرة على أعصابها المتعبة سلفًا، تمتمت متوسلةً بصوتٍ مبحوح:
" لا تؤذي ابني أتوسل إليك"
" شششت.." وضع سبابته على شفاهه كعلامة سكوت و هو برأسه نحو الرضيع:
" سوف توقظينه..."
انسالت الدموع على وجهها بحرقة وبحثت من حولها عن مخرج لمصيبتها دون جدوى، عاد الرجل المتشح بالسواد يثير انتباهها بمسده ظهر الرضيع بأطراف أصابعه السمراء القوية ليبرهن لها مرة ثانية بأنهما تحت رحمته:
" آريوس... "
سمعته يردد اسم رضيعها بتفكير عميق خادع:
" ماذا يعني هذا الاسم في الحضارة الإغريقية؟؟"
" إله الحرب..."
همست بوهن متجاهلةً الغشاوة القاتمة أمام عينيها و التي تحول بينها و بين الواقع... ليس الوقت المناسب ليُغمى عليها، تضرعت لله بأن يمنحها القوة و الشجاعة فتابعت بغصةٍ في حلقها:
" سأفعل ما تريده أعدك ... لكن ..أتوسل إليك اترك آريوس و شأنه... لا ذنب له ... "
" من تحسبيني بحق آريوس كي ألحق الأذى بطفل رضيع...؟؟"
التهكم الواضح في صوته زاد من هلعها ورعبها... خوفها يسليه، يمتعه... يعشق رؤية نظراتها المتكسرة و شفتيها المهتزتين... يتلذذ بروحها الجاثية على قدميه في هذه اللحظة:
" أتمنى أن يكون هذا الصغير على مستوى اسمه العظيم و يتحمل مشقة السفر .."
هوى قلبها بين ركبتيها و شعرت بحياتها تُرمى أمامها لكنها لم تملك رفاهية الوقت لتتمعن أكثر في كلامه و لا في التفكير بحل فوري لمأزقها فقد دنى أكثر منها لينظر مباشرةً إلى وجهها بعينين أخفق الجليد أن يكون ببرودتهما:
" تريدين صغيرك و أنا أريدك ... الحل الوحيد لنحقق ذلك هو أن يكون ثلاثتنا معًا..."
عندما عاد يستوي في وقفته بدا لها أضخم من قبل و أكثر عجرفة و سيطرة، حياتهما هي و ابنها بين يديه و هو يتلذذ بهذا الانتصار... عرت حاشية معطفه الكاشميري الأنيق عن مجسم فولاذي دفعها للجفل فورًا، المسدس تحت حزامه إنذار خفي أجبرها على بلع أي اعتراض أو حتى محاولة التفكير في الاعتراض... لا... لم يصل دراكو معها يومًا للتهديد بالأسلحة، لسانه المتسلط و يديه كانتا كافيتان لدب الرعب فيها، لكنه اليوم أتى معلنًا حرب و ينوي الخروج رابحًا منها, أتى و بنيته ارتكاب جريمة:
" سوف آتي معك"
" أعرف حبيبتي..."
هز رأسه بثقة و أعاد الطفل لها ببعض الود الخادع قبل أن ينحني نحوها و يهمس قرب أذنيها:
" أعرف لا تستطيعين العيش من دوني كما لا أستطيع أنا فأنت هوسي..."
انزلقت الدموع على وجنتها بعجز، فالتقطها دراكو مقطبًا بقلقٍ زائف:
" شششششت... لا دموع بعد الآن..."
وأمسك ذقنها ليجبرها على النظر مباشرةً في عينيه القاتمتين... رباه... هذه العيون القاتلة الآتية رأسها من الجحيم، مطلقًا لن تنسى هذا الازدراء في عمقهما و لا هذه الكراهية إنه هنا لينتقم منها... وهي تحت رحمته:
" أعرف أنه من السهل جدًا إخفاء جسدك و جسد هذا الملاك الصغير في أي حفرة لن يتم بعدها العثور عليكما"
" أتوسل إليك"
تمتمت باكية مترجيةً مستسلمة.
" لكنني لن أفعل ما دمتِ... متعاونةً و لطيفة"
" لا تؤذيه أتوسل إليك أتوسل إليك سأفعل كل ما تريد أقسم أنني سأفعل كل ما تريد..."
تسللت أصابعه لوجنتها المبللة يبحث عن دموعها ببعض اللهفة، غرق في نظراتها الفيروية المعذبة قبل أن ينزلق على استقامة أنفها، شفاهها المنتفخة الشبيهة بفاكهة محرمة، هذا الجمال المتوحش الذي سلبه لبه و أفقده صوابه،علقت عيناه عليهما مطولا و انحنى نحوها فجأة و كأنه ينوي تقبيلها قبل أن يتوقف على بعدٍ وهمي، أنفاسه تحرقها بينما يتمتم باشمئزاز :
" تفوح منك رائحة القذارة..."
أفلتها ثم استقام مكانه ، ضمت ابنها إليها بحماية ترتجف من شدة قهرها، كان يتطلع إليهما بعلياء، و كأن المنظر أمامه يقرفه و يثير اشمئزازه، صرخ فجأة مما جعل الجسد الصغير يهتز بين ذراعيها:
" فرانكو"
تغيرت ملامح الصغير و بدا و كأنه على وشك البكاء، قربت وجهه من وجهها و همست له بكلمات رقيقة لتهدئته، عندما دخل هذا الأخير لم تفتها نظرة الشفقة التي رماهما بها قبل أن يعود باهتمامه لرئيسه.
" هل أنهيت إجراءات الخروج؟"
" كل شيء جاهز أيها الأمير..."
" جيد جدًا... خذ الصغير إذن"
" لا..."
صرخت ديامنتي فجأة و هي تجاهد في إيجاد مخرج لضائقتها، شلتها الرهبة أمام الواقع وضمت إليها الطفل لدرجة خنقه، عاد إليها دراكو مهددًا و متوعدًا، أخرج بغتة مسدسه الناري و وضعه على صدغ صغيرها قائلًا بابتسامة ناعمة:
" هذا الطفل يشبه الدمى بكماله ...من المؤسف تفجير رأسه الجميل ألا تعتقدين؟؟"
لم تجبه... الخوف جمدها، بحق الجحيم أين عمال هذا المستشفى؟؟ لا أحد تدخل و كأن جيشًا اقتحم المكان وحاصره:
" هل تذكرين ذلك اليوم؟ عندما اعترفت لي أنك هربت مني ليلة زفافنا لأن شكوكًا راودتك بشأني؟"
لم تجبه أيضًا... مخدرة... مُهلكة و مُقيدة بعدائه.
" لم تخطئي حبيبتي... أقوم حقًا بتصفية من يعترض طريقي و يقلق راحتي... و أنت بالغتِ بإقلاقها..."
أغمضت عينيها لتتفادى هذه النظرات المرعبة، وانتحبت بصمتٍ و سالت مرةً ثانية الدموع حافرة خنادقًا على وجهها الشاحب، شعرت به يبتعد و بخطوات أخرى مغايرة الوقع تدنو منها، صوت فرانكو أتى رقيقًا:
" أعطني الطفل أيتها الأميرة... لن نرحل بدونك فلا تقلقي"
دراكو كان قد غادر بالفعل الغرفة، و امرأة من لباسها تبدو ممرضة من يقف وراء فرانكو في هذه اللحظة.
" أرجوك ساعدني"
همست بخفوت... بروح متألمة تتوسله ما استطاعت و تتعلق بساعده و كأنه طوق نجاتها.
" تعرفين بأنني عاجز عن المساعدة... أخطئت بالهروب من ليونيداس... فلترحمك السماء"
هزت رأسها معترضة، وعندما نزع منها آريوس شعرت بعالمها ينهار وبقلبها ينفجر في صدرها كقنبلة مدوية، واقعها أصبح حقيقة... ستعود إلى عرين الأسد بقدميها.
" ستساعدك الممرضة بتغيير الملابس و ترتيب حاجياتك.."
****
انتهى الفصل...
قراءة ممتعة للجميع...



الأسيرة بأفكارها غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:30 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.