آخر 10 مشاركات
261 - عروس الوقت الضائع - رينيه روزيل (الكاتـب : hAmAsAaAt - )           »          صراع الحب (32) للكاتبة الرائعة: زاهرة *كاملهـ[مميزة]ــ* (الكاتـب : واثقة الخطى - )           »          رواية ناسينها ... خلينا نساعدكم [ أستفساراتكم وطلباتكم ] (الكاتـب : × غرور × - )           »          215 - لعبة الحب والحياة - بيتانى كامبل - مكتبة مدبولى ( اعادة تنزيل ) (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          سيدة الشتاء (1) *مميزة* , *مكتملة*..سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          600 - مع الذكريات ( عدد جديد ) - ق.ع.د.ن*** (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          [تحميل] جبروت الشيخ وقلبي ، للكاتبة/ بنين الطائي "عراقية " ( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          الغريبه ... "مكتملة" (الكاتـب : tweety-14 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > منتدى قلوب أحلام غربية

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-02-13, 07:18 PM   #1

قلوب أحلام

نجم قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية قلوب أحلام

? العضوٌ??? » 266960
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 334
?  نُقآطِيْ » قلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond repute
:sss4: سيدة قصر الدوقية توسيكة (77)- ج3 عائلة ريتشي :أميرة الحب كتابة (كاملة)












تنويه: نظرا للشكايات بسبب تعدر بعضكم على متابعة الرواية مصممة نضع فصولها بين ايديكم مكتوبة لا نحلل نقلها لمنتدى آخر و شكرا














التعديل الأخير تم بواسطة أميرة الحب ; 18-10-20 الساعة 07:26 PM
قلوب أحلام غير متواجد حالياً  
التوقيع
13th year anniversary celebration- احتفالية تأسيس روايتي الـ13

رد مع اقتباس
قديم 13-02-13, 07:21 PM   #2

قلوب أحلام

نجم قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية قلوب أحلام

? العضوٌ??? » 266960
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 334
?  نُقآطِيْ » قلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond repute
افتراضي


المقدمة


أشار 'دراكو' بيده الى حراسه الشخصيين ليتوقفوا أمكنتهم و يمتنعوا عن ملاحقته، كانت الحراسة حوله مشددة مثل المعتاد لكنه يرغب ببعض الخصوصية في اللحظة القادمة... لا أحد من أعدائه الكثر سيحاول استهدافه في هذه المقبرة الصغيرة حيث تمت قبل قليل مراسم دفن حماه... العُزّاء بدأو بالانسحاب و لم يبقى أمام الصندوق المصقول في قلب الحفرة العميقة سواها... 'ديامانتي' ... ملكة روحه.
قامتها الهيفاء الرائعة ملفوفة في فستان طويل أسود و شعرها الغزيرالشديد الإشقرار مختفي تحت وشاح أسود من الدانتيل.
دفع بأصابعه بين خصلات شعره الحالكة الطويلة المعقودة في عصبة خلف رقبته قبل أن يلقي بنظراته الجليدية يمنة و يسرة... في إنذارات صامتة صارمة الى الأشخاص الذين تعمدوا البقاء لمواساة أميرته الشقراء... الكل لاذ بالفرار ما ان تعرفوا على هويته و أفسحوا المجال لخلوة خاصة، توقف على بعد خطوة منها، أغلق عينيه يستنشق عبير شعرها و بشرتها الفتية و إعترته نفس الرغبة المتوحشة ... نفس الرغبة البدائية في امتلاكها و سجنها وراء قضبان صدره كي لا يشكلان سوى شخص و روح واحدة...
لاشيء سيمنع انتمائهما الأبدي لبعضهما هذه المرة، لقد طال انتظاره ... 'ديامانتي' جعلته ينتظر و يحترق في شوقه المجنون و عشقه الامحدود... انه مجنون. بها و هي تعرف، عواطفه نحوها لم تمنعها من التحفظ نحوه و الانغلاق على نفسها مثل المحارة دون السماح له بملامسة أعماق روحها.
مرض والدها قيدها قرب سريره حتى مماته... رحيل هذا الأخير حررها... انها له بدون أعذار أو قيود هذه المرة.
وضع يده على كتفها وأغمض عينيه مستمتعا بهذا الإحساس العنيف و اللذيذ لملامستها... استدارت نحوه بغته... انعقد لسانه و اختفت ثقته ككل مرة تسقط عيناه عليها.
بشرة وجهها أشد كمالا من بتلات الأوركيديا البيضاء، عينيها اللتين تستعمران أكبر مساحة في وجهها الدائري بلون الؤلؤ الرمادي الراقي، رموشها الطويلة قاتمة مقارنة مع شعرها الذهبي الشديد الإشقرار و أنفها بخطوطه الأنيقة يقف شامخا بكبرياء فوق شفاه ممتلئة مرسومة بإثقان و اغراء.
مزيج من الإثارة و الأنوثة و الرقة و النشوة... حبه 'ديامانتي'... رغم نقمه وسخطه على والدها الا أنه يتفق معه في شيء واحد... معنى الإسم الذي منحه لإبنته... 'ديامانتي'... الماسة... معشوقته و معبودته تفوقت على الحجر الكريم بهاءا و نقاءا و جمالا.
***
إنسحب الدم من وجه 'ديامانتي' ما ان تعرفت على زائرها، كان أطول منها مما أضطرها لرفع عينيها للقاء نظراته الحالكة السواد، شعره الطويل المعقود خلف رقبته شديد السواد ايضا مثل قلبه المتحجر... كان يُبهر بملامح و جهه الملائكية لكنه مجرد قناع... هذا الرجل شيطان حقيقي في صورة ملاك الرحمة...
ماذا توقعت في النهاية؟؟ أن ينسى أمرها و يستسلم لرفضها المستمر له؟؟ أتى يُطالب بما وعدته به... وما وعدته يفوق طاقتها و تحملها، بأي معجزة ستنجح برمي هذا الرجل ذو سلطة و نفوذ خارج حياتها الى الأبد و تستمتع أخيرا بحريتها و حياتها كما كانت قبل زواجهما و حملها لقب أسلافه..؟ يده على كتفها تثير جنونها... مجرد ملامسته يدفعها لحافة الثوران العاطفي... لو كانت الكراهية سلاحا ملموسا لقتلته منذ زمن.
القت نظرات متفقدة سريعة حولها و اكتشفت بأنها بمفردها و تحت رحمته، الكل رحل ولم يبقى سوى دزينة من الحراس الشخصيين منتشرون في كل مكان مترقبين و متيقظين... مستعدين للتضحية بحياتهم من أجل حماية 'الأمير دراكو فالكون' و بالتأكيد... الأميرة زوجته.
' آسف لأنني لم أكن قربك عندما رحل...'
بقلب خافق تابعت أصابعه السمراء القوية بنظراتها تدنو من وجهها، تملكتها رغبة عنيفة بإبعاد وجهها و الهرب بعيدا... بدل تطبيق خططها تجمدت مكانها مثل المنحوتة، أطبقت جفنيها و تشنجت كل عضلة من وجهها بكراهية و اشمئزاز ما ان شعرت بلمسته على بشرتها.
' أعدك الا أتركك لحظة واحدة من الأن... سوف أعتني بك و أحميك الى آخر يوم في حياتي... '
يعتني بها و يحميها؟؟ عادت تفتح عينيها و أعمتها كثلة من الدموع... دموع العجز لا التأثر بكلماته... من سيعتني بها و يحميها منه هو؟؟ هل قدرها أن تبقى رهينته و سجينته الى آخر أيام حياتها...؟
' لا تبكي 'أموري ميو'... أكره رؤية دموعك...' وشوش دون أن تتوقف أصابعه على اعادة رسم خطوط فكها الدقيقة ' أعدك أن يتحسن مزاجك ما ان نطير بعد قليل الى صقلية '
تصلبت 'ديامنتي' و شعرت بأن القليل من الدم في شراينيها قد نفذ و إختفى، بهذه السرعة ستعود الى عرين الأسد و الى كابوسها؟؟ أية سياسة اقناع ستتبعها هذه المرة للنفاذ بجلدها؟ في الماضي اتخدت والدها كذريعة ماذا ستفعل الأن؟؟ دراكو لن يسمح لها بالفرار مجددا ... لن يحررها حتى وان بكت كل عبارات جسدها دما.
رغم التعابير المرتسمة في نظراته القاتمة أخدت نفسا عميقا قبل أن ترسم ابتسامة صغيرة في زاوية شفاهها و تهمس :
' ليس بهذه السرعة 'دراكو'...'
تبخرت وسامته و أخد مكانها تعبير قاسي بينما تصلبت شفاهه وهو يطبق على دقنها بإبهامه و سبابته و يهز وجهها نحوه، تمتم بصوت جليذي :
' برأيك لم أنتظر بما فيه الكفاية؟؟'
' بلى...' استجمعت شجاعتها وقالت ما جاء على لسانها ' أريد إمضاء ليلة أخيرة في منزل والدي، أجمع أغراض طفولتي وأودع ذكرياتي... ليلة أخيرة فقط دراكو... ليلة أخيرة و سأكون لك'
لم يجب، بقي تعبير مرعب يحفر قسماته السمراء الرجولية، نظراته السوداء تحاول اختراق روحها... هي نفسها لا تفهم سبب طلبها، فحتى و ان منحها دراكو فرصة ليلتين في روما، لن تهرب منه ولا من مصيرها القاتم.
' حسنا...'
لا تعرف بأي معجزة وافق، فقد كان واضحا معها في آخر مرة، ستعود الى قصره بصقلية ما ان تنقضي المهلة التي منحها الأطباء لوالدها بالعيش.
'
grazie'....
لكن أصابعه القوية أطبقت أكثر على دقنها و أجبرها على مواجهة عينيه، إرتبكت و توهمت أنه يقرأ خططها بشكل واضح.
' سوف أترك رجالي لحمايتك... '
' لا داعي فـ'نتاليا' ستسهر على راحتي ...' قاطعها ببرود:
' أنا لا أتفاوض ديامانتي ... رجالي أو لا شيء ...'
بلعت إعتراضاتها و تركت نظراتها الؤلؤية الرمادية مثبتتان عليه بثقة زائفة، انه ذكي في قراءة أفكار الأخرين وأي تهرب سيجعله يشك بها و يرفض بقائها.. تنهدت وهزت رأسها موافقة، رقت ملامح وجهه و غدت نظراته لطيفة فجأة، عاد الى الرجل الذي التقته ووقعت فورا في غرامه، اعتصر قلبها ألما لهذه الذكرى البعيدة، فهذا يُعلمها درسا قاسيا الا تثق أبدا بالمظاهر و الشكليات، لامس جبينها بشفاهه:
' تبدين مرهقة حبي... سوف أرافقك الى بيت والدك و أرحل بعدها '
مد ذراعه بجانبه كأمر صامت... أحد الرجال الضخام الجثة أسرع الى جلالته و وضع فوق ساعده معطف أسود من الكاشمير الراقي، دون أن يبعد نظراته القاتمة الجليدية عن وجهها الشاحب وضع المعطف النفيس على كتفيها و تبث الياقة العريضة حول رقبتها بحمائية و عاطفة صادقة :
' فلنمضي...'


***
لايمل أبدا من التطلع اليها، كانت مكورة كالجنين فوق سريرها بينما هو يجلس بالقرب منها، يده تمسد شعرها الأشقر المنساب كأنهار من الذهب فوق وسادة الريش... نعومته تكاد تًفقده رشده.
غطت في نوم عميق قبل لحظات ... ملاكه الصغير مرهقة للغاية بسبب أحداث اليوم،يُدرك بأن الوقت حان للرحيل من بيت والدها كما وعد، لكنه يريد استغلال بضع دقائق قيّمة أخرى بجانبها.
حبها لعنته و نقطة ضعفه، حبها مآساته و معاناته... فقط لو يعود الوضع كما كان عليه قبل ليلة زفافهما.
عندما سقطت عيناه عليها للمرة الأولى في مستعجلات المشفى الخاص بروما حيث تعمل كممرضة أدرك بأن حياته لن تكون أبدا كما كانت عليه من قبل.
فعل ما استطاع لإستمالتها و أسعده أن يكتشف بأنها منجذبة اليه بالمقابل... خرجا معا لبضع اسابيع قبل ان يطلب يدها، وافقت بسرعة دون ان تخفي حماستها لمستقبلهما معا... بالنسبة اليها آنذاك حبهما أقوى مما تمنت وهو يمثل الفارس الأسمر من العصور الوسطى الذي يأتي على حصانه ليأخدها بعيدا الى سعادة أبدية.
كل شيء انتهى ليلة زفافهما... حتى قبل أن يأخد برائتها الموعودة هربت في غفلة من الجميع.
عندما وجدها أخيرا لم تكن أبدا نفس الفتاة الحالمة و المغرمة التي تزوجها، طالبته بالطلاق كرد على تساؤلاته مما جعله يفقد سيطرته على نفسه و يكشف لها عن الجانب الاسود و اللعين في شخصه.
أدركت بأن لا مفر من استمرارهما معا شائت أم أبت... طلبت البقاء بالقرب من والدها الذي وصل سرطانه الى مراحله الأخيرة فوافق على مضض... مضت سبعة أشهر على زواجهما وللان لم يقربها بالرغم من أنه يموت رغبة بإتمام زواجهما.
انحنى و أطبق بشفاهه على وجنتها البيضاء الناعمة كبشرة الأطفال، لن يطول انتظاره... رحل من أقلق راحته و راحتها...و غدا، في قصر اسلافه بصقلية... سيجعلها امرأته... ستحمل أطفاله في أحشائها و سيجعلها تتخلى عن تحفظها مع الوقت.
القى نظرة أخيرة على رموشها الطويلة و الى الظلال المنعكسة على وجنتيها البارزة بشكل مليح قبل أن يغادر الغرفة و يغلق الباب خلفه بهدوء.
' ان هرَبتْ هي أو أخفقتَ أنت في حمايتها أو مُراقبتها سأفرغ رصاصات مسدسي في رأسك بدون ثانية تأخير...' بعد كلماته المقتضبة لأحد رجاله تبع سائقه و بضع حراسه الى الخارج حيث سيارة الليموزين بإنتظاره.
فتحت ديامانتي عينيها ما ان تأكدت من رحيله وإرتسمت تكشيرة كراهية على وجهها مشمئزة من عطره المثبل ... تسائلت لمرة لا تعرف عددها كيف وقعت ضحية هذا الرجل المريض الذي يناديه الكل بـ'الأمير دراكو 'بينما هو في الحقيقة أمير مافيا ايطاليا بكل ما للكلمة من معنى؟؟
لديها فرصة فرار أخيرة من جحيم زوجها اذا تمكنت من تنفيد خطتها بشكل مثقن.
قفزت من السرير و أسرعت نحو المكتب الصغير في الزاوية حيث قضت مراهقتها تكتب مذكراتها و أسرارها الحالمة.. آنذاك حلمت أن تتزوج أميرا وهي تندم بمرارة على حلمها الذي تحول الى حقيقة مرعبة.
فتحت الدرج و أخرجت جريدة في لمح البصر ووجدت مرادها، تهاوت على المقعد دون أن تفارق عينيها صورة الرجل الذي يطفح جاذبية في صفحة مشاهير و ناجحي رجال الأعمال في أروبا ' مارك أنطونيو ريتشي '
مضغت شفتها السُفلى و أدركت بأن لا خيار لها سواه، أخبرها والدها قبل أسبوع فقط حقيقة علاقتها بهذا الرجل، 'إمانويلا سانتو بينيديتو' ليست سوى عمتها شقيقة والدها الوحيدة... - امرأة لم ترى وجهها في حياتها - و هذا الوسيم في الجريدة ابنها من زواج أول بإيطالي من أصول صقلية... انه عائلتها الوحيدة المتبقية... ولا يوجد غيره من تستطيع الإلتجاء اليه.
عليها الوصول الى التوسكانا بأي طريقة و أي ثمن...
عليها لقاء إبن عمتها و الهرب الى غير رجعة من جحيم الأمير دراكو وهوسه بها.



قلوب أحلام غير متواجد حالياً  
التوقيع
13th year anniversary celebration- احتفالية تأسيس روايتي الـ13

رد مع اقتباس
قديم 13-02-13, 07:24 PM   #3

قلوب أحلام

نجم قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية قلوب أحلام

? العضوٌ??? » 266960
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 334
?  نُقآطِيْ » قلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الاول


 
تباطئت كرة اللهب بالإتفاع على أراضي "تيرا بيلا" المتراميه الأطراف على حدود البصر و لامست أشعتها الذهبية شرفات قصر الدوقية توسكيا حيث دبت الحركة في المطبخ منذ الخطوط الأولى للفجر.
صبت "سنيورا فيليبينا دورانو" فنجان قهوة آخر لزوجها دون أن تبعد نظراتها الصارمة على ابنها الجالس على المقعد و يمد ساعديه فوق طاولة الطعام مطأطأ الرأس.
" ستعود للعمل مع والدك وهذا آخر كلام 'دييغو' هل أنا واضحة؟؟"
" سي مّامّا..." رد دييغو وقد احمرت وجنتاه أمام نظرات زوجته المنذهلة و الخائبة.
هزت سنيورا فليبينا - والتي يناديها جميع الخدم ب"سنيورا بينا" عينيها السوداوين الى السماء قبل أن تتجول بنظراتها القاسية على أفراد اسرتها التي خدمت أسياد هذا القصر منذ سنوات، هي وزوجها السائس عملا لدى الدوق و زوجته الدوقة منذ أكثر من أربعين سنة، كانا يقيمان في منزل على حافة أراضي نوار الشمس وقد ترعرع أولادهم التسعة هناك، وأغلبهم عملوا كمساعدين في تربية الخيول الأصيلة التي كان الدوق يهتم بها بشدة.
انقضت السنوات و ازداد طموح اولادهما و هاجرو من "بيلا تيرا" أي "الأرض الجميلة" الى مدن اخرى من ايطاليا او خارج حدود البلاد، تعترف بأنها حاولت جاهدة ردعهم وتغيير رأيهم بالبقاء في التوسكانا بيد ان جهوذها بائت بالفشل، احلامهما هي وزوجها بالحصول على ارض خاص بهما و التخلي عن عملهما ذهبت أدراج الريح أيضا... لأن ما وفراه من مال منذ سنوات قام ابنهما دييغو بتضييعه على مشروع فاشل في المدينة مما أثار غضبها و استيائها، تعرف ان دييغو يرغب بالاستقلال المادي و المعنوي، تزوج قبل سنة من خادمة تنظيف عملت في القصر منذ سبعة أعوام وبسبب راتبهما المتواضع قررا العيش مع والديه الى أن يجد عملا آخر و يبحثا عن مسكن مستقل، زادت زوجة ابنها عليه الضغط مؤخرا بسبب حملها المفاجئ مما دفعه لاقناع والديه بمشروع صغير في مهنته الاصلية التي يعشقها و هي الميكانيك ووعد ان يرد المال بعد خمس سنوات، الكاراج الذي اشتراه و الآلات الخردة لم تنفعه بشيء و اضطر لبيع كل شيئ قبل 3 اشهر من بدء عمله.
زفر زوجها بشدة بعد أن أنهى قهوته و ترك فنجانه الفارغ على الطاولة قبل أن يلقي نظرة حادة الى ابنهما:
" أمضينا عمرنا بجمع تلك الأموال دييغو، رغم تحذيراتنا قمت بالارتماء في مشروع فاشل و بلا أدنى قيمة، لحسن حظنا أن المالك الجديد شديد السخاء و الانسانية... تركنا نرعى الخيول التي من الواضح انها لا تهمه شخصيا بشيء... برأيك ماذا لو قرر بعد شرائه لقصر الدوقية توسكيا التخلص من تلك المخلوقات و معها نحن أيضا؟ "
انحنى رأس دييغو أكثر بين كتفيه، بينما زوجته هربت بعينيها الممتلئتين بالدموع و استمرت بتجهيز طعام الإفطار لأسياد القصر،تكهرب الجو بشدة مما دفع مدبرة المنزل للتدخل، وضعت يدها الثخينة على كتف زوجها النحيلة ورمقته ببعض الحنان.
" اهدأ سلفاتور...لحسن الحظ ايظا أنه باع ذلك الجاراج في الوقت المناسب و أعاد إلينا نصف المال الذي اقرضناه إياه، لكنه سيسدد النصف الأخر من راتبه الشهري،أليس كذلك دييغو؟؟"
هز رأسه موافقا دون القدرة على مواجهة النظرات الغاضبة لوالديه، في هذه اللحظة إختارت زوجته التدخل وقد شحب وجهها الأسمر و انسالت الدموع من عينيها.
" انا لست موافقة..."
" اخرسي يا امرأة..." زمجر دييغو وهو يرمقها بنظرات قاتلة.
" آسفة يا زوجي، مع احترامي الشديد لسنيورا بينا و سنيور سلفاتور لكنني ارفض قطعا أن تتقاسم راتبك معهما لتسديد ما علينا... نحن بحاجة لكل قرش كي نسدد فواتيرنا بالإضافة الى أجرة الشقة و أغراض الطفل القادم و..."
وضعت سنيورا بينا قبضتيها على خاصرتيها الممتلئتين و تطلعت بحزم الى زوجة ابنها.
" عودا للعيش معنا إذن... المنزل يضم خمسة غرف اختاري ما ترينه مناسبا للطفل ريثما تسددان ما عليكما و تجدان عملا آخر يتناسب مع متطلباتكما...لست أنا من سيعلمك درسا قيما في الحياة جوليا...أحيانا علينا التضحية للوصول الى أهدافنا ..كابريشي؟ ( هل فهمتي)"
اللهجة التي استعملتها المرأة البدينة أخرست اعتراض الزوجين الذين اكتفيا بتبادل نظرات مستسلمة وعاجزة.
" فابيني (حسنا)...بما أننا نتفق على هذه النقطة فليذهب كل واحد منكم الى أشغاله... اليوم سيبدأ أفراد عائلة سيد القصر بالوصول و نملك ألف و ألف من الأمور للقيام بها، بعد غد الذكرى الخامسة للتوأمين تعرفون ما يعنيه ذلك من هرج و مرج رغم أن السيد يفضل أن تتكلف شركة تنظيم الحفلات بكل التفاصيل بيد أن هذا لايعني مطلقا أن الجميع في عطلة، علينا أن نكون جاهزين لتنفيد الأوامر و توفير اقامة سعيدة لنزلاء القصر..."
فُتح الباب الخاص بالخدم في هذه اللحظة و أفسح المجال لفتاة عسلية الشعر ببدلة مكونة من تنورة سوداء ضيقة و قميص أبيض بصدرية سوداء.
" صباح الخير ..."
إسترخت "سنيورا بينا" و تلاشى غضبها و إستيائها فورا، دخول حفيدتها المطبخ بابتسامتها الرقيقة المعهودة و عينيها الفيروزيتين اللمعتين بالأمل بمثابة شعاع الشمس الذي يخترق سماء ضبابية بعد شتاء طويل، لم يكن هذا فقط شعورها وحدها، اختفى التوتر في المطبخ و ابتسم الجميع لإيزابيلا وقد كسى الحنان نظراتهم.
" طلبت منك البقاء في سريرك اليوم بيلا..." اعترضت مدبرة المنزل بينما تطبع حفيدتها قبلة على وجنتها المستديرة و تفعل الشيء نفسه مع جدها الذي احتضن يدها برقة وتطلع اليها بحنان.
" كيف تشعرين اليوم يا شمس حياتي؟؟؟ هل اختفى الدوار؟؟"
" أشعر بتحسن كبير بعد ليلة ها...هانئـــ...ئة...." ردت بيلا بابتسامة قبل أن تتوجه الى آلة القهوة.
هذه التأتأة في الكلام ما يذكر الجميع بالمآساة التي ألمت بمحبوبة العائلة الصغيرة قبل أربع سنوات...موجة من الحنان زحفت الى صدر الجدة التي أخذت فنجان القهوة من يد حفيدتها و أشارت لها بدقنها الى المقعد.
" سوف أحضر لك الفطور عزيزتي وبعد دوخة أمس أرفض أن تشاركي اليوم بالخدمة..."
" "نونّا" أنا بخير...ومطلقا لن أتركك بمفـ...ردك مع جوليا -بوضــ...ـعها- في المطــ...ـــبخ"
تدخلت جوليا بإبتسامة رقيقة وهي تملىء كأسا من عصير البرتقال الطازج وتضعه أمامها.
" أنا في أشهري الأولى بيلا... بالكاد أشعر بالطفل..."لامست بطنها المسطحة و أضافت بجدية " لا يضايقني أبدا بقائك في السرير لهذا النهار،أنت بحاجة للراحة و أرى بأنك تقومين بعمل قاس يوميا... بالاظافة لن تتأخر ماريا و فاليريا بالوصول "
هزت بيلا كتفيها و كأن اعتراض الجميع لا يهمها.
" أريد أن أكون عنــ...ــــصرا فعلا خلال التحـ...ـــضيرات لحفل رالف و جو..."
هوسها بالتوأمين لا يخفى عن أحد، ابتلعت الجدة اعتراضاتها و القت نظرات محذرة للجميع كي يتوقفوا عن اصرارهم، بيلا ليست بحاجة لأن نذكرها بإعاقتها أو ضعفها، تحاول جاهدة التأقلم مع وضعها و تعمل ما بوسعها كي تكون مثل الجميع،قبل أربعة أعوام عاشت حياتها مثل جميع الفتيات بعمرها، كانت خارقة الذكاء و موهوبة جدا في المطبخ مما دفعها لترك ايطاليا و دراسة فنون الطبخ و الحلويات في باريس، المالك الجديد للقصر "سنيور مارك انطونيو ريتشي" كان سخيا لدرجة انه دفع ثمن دراستها للعام الأول في الجامعة الخاصة -عندما سمع نقاشهما الحاد ذلك المساء في المطبخ- بيلا رفضت فرصة من ذهب توفرت اليها للذهاب الى باريس بينما الجدة أصرت ايضا على أخد المال مما وفرته طيلة سنوات كي تتمم دراستها..
" ليس من حقي تلك النقود "نونّا" أنت و "نونّو" تحلمان منذ سنوات بإمتلاك قطعة أرض و بدأ حياة جديدة بعيدة عن خدمة الأسياد "
" إنسي أمر الأرض و أتركيني أدفع ثمن دراستك " قالت الجدة بإصرار " أنت موهوبة جدا بيلا، أرفض أن تضيعي هذه الفرصة في اعتراضاتك التافهة..."
هزت بيلا رأسها رافضة بقوة:
" و اذا أخفقت؟؟ كيف سأسدد هذه الديون 'نوناّ' ؟؟"
" لن تخفقي بيلا...أنا أثق بذكائك عزيزتي..." دنت منها و تطلعت الى وجهها الملائكي، نظراتها المترددة و القلقة أيقظت كل دفاعاتها عن فكرتها و عرضها "بدون شهادة ذات قيمة لن تحصلي على فرصة عمل براتب مهم يتماشى مع موهبتك، ولن يتحقق حلمك يوما بفتح مطعم في التوسكانا...هل تذكرين؟؟
حلم طفولتك سيتحقق ما ان تتركي عنادك جانبا و تقبلي مساعدتي "
" لا..." أخدت نفسا عميقا و امتلأت عينيها بالحزن " سأموت إن أخفقت و هدرت أموالك و ثقتك "نونّا" أرجوك أنسي الأمر..."
في الصباح طلب رب العمل حفيدتها الى مكتبه، وما ان انتهى الصيف حتى طارت الى باريس لتبدأ دروسها.
إخترقت أشعة الشمس شرفة المطبخ وسقطت على وجه بيلا و شعرها المشدود الى الخلف في تسريحة صارمة، نخر الألم صدر الجدة و مسحت يديها في مريولها ببعض العصبية، مستقبل حفيدتها توقف بعد الحادثة و تحطمت أحلامهما معا...لكنها تشكر الله على نجاتها.
طالما أرعبتها هوايتها في تسلق الجبال، منذ صغرها عشقت تسلق أشجار "بيلا تيرا" و الركض السريع مع مجموعة كلاب الحراسة الخاصة بالدوق "ماريو كارميناتي" في الحقول الخضراء الممتدة حتى حدود البصر ،كانت مليئة بالنشاط و تنير حياتهما هي وزوجها...هدية حقيقة من الله...
تركها إبنهما "ستيفانو" تحت رعايتهما عندما كانت في الخامسة من عمرها و بالكاد تتكلم اللغة الايطالية بعد عيشها عند عائلة والدتها في أستراليا.
الطلاق تم بين الأبوين بعد زواج فاشل ووجدت بيلا نفسها مشتتة بينهما وبين جديها من والدتها، حرب المحاكم دامت لأكثر من ثلاث سنوات وفازت عائلة الأب بحضانتها بعد أن تبين عدم مسؤولية الأم. لكن "بليندا"- والدة بيلا- لم تتخلى عن ابنتها و كانت تزورها مرة كل سنة، تزوجت من رجل آخر و انجبت أطفال آخرين و تعيش حياة مستقرة حاليا.
مطلقا لم تتخيل أن ينتهي حب حفيدتها للمغامرة الى إعاقة ذهنية، فقد زميل لها توازنه في احدى المغامرات و تسبب بسقوطها أيضا من ارتفاع مهم، الشاب توفي فورا بسبب الصخور المتراكمة عند المنحدر وأصيبت بيلا باصابة بليغة في الرأس تسببت بفقدانها الذاكرة و قدرتها على الكلام، استعادت بعض من ذاكرتها قبل سنة لكنها لم تتخلف عن الدروس الخاصة لإستعادة قدراتها الكلامية كليا...بيلا فتاة شديدة الجاذبية الروحانية و الجسدية،لم يكن لها أعداء يوما و أصدقائها كُثر، إنها فتاة مُسالمة تعشق "بيلا تيرا" و تعتبرها أرضها و تهتم بحيواناتها بكل اخلاص، تحول بنفس الوقت حبها وعشقها للطفلين الصغيرين الذين جاءا الى هذا القصر قبل أربعة أعوام، وقعت في غرامهما كجميع من في البيت واصبحا مركز حياتها بعد الحادثة...التوأمين يشاركانها هذا الحب... كانا رقيقين و صبورين أيضا معها و مع طريقة كلامها البطيئة.
إنصرف الرجلين الى الاصطبل و الى عملهما ووصل فريق التنظيف المكون من أربع نساء كفوءات ومُساعدتين في المطبخ بعد قليل دخل البستاني ليشرب قهوته الصباحية قبل أن يغادر ما ان انهى فنجانه، بدأت النسوة بالثرثرة المعهودة و صببن اهتمامهن على بيلا التي أشرق وجهها كالمعتاد... ابتسمت تلك الابتسامة المميزة بغمازتين في خديها...اعتصر قلب الجدة مجددا، بيلا لا تستحق عقابا مماثلا، انها رقيقة جدا و لطيفة...لكنها تخلت عن عيش حياتها و ابتعدت كليا عن مرافقة الشباب في سنها و الخروج معهم.
" لما رفضت الخروج مع جورجيو.. ؟؟" سألتها ذات مرة بينما ترفض دعوة ابن صاحب متجر البقالة في القرية الصغيرة.
" لقد دعــــ..ــاني الى المطـ..ـعم... ولا أريده أن يشــ..ــعر بالاحراج بينما يكتــ..ـشف عجزي أمام قــ..ــراءة لوحة الطعام..." ردت عليها بابتسامة هادئة دون التوقف عن وضع الصحون المستعملة في آلة الغسيل.
سبق وانهارت في البكاء بسبب الحادثة، لكنها لم تتمالك نفسها أكثر بسبب تعاسة بيلا و التي تحاول جاهده اخفائها وراء الابتسامات .. الضحكات ... النكت و المداعبات. اعتذرت من حفيدتها و تعدرت بالخروج الى مخزن الطعام وهناك افرغت دموعها وخففت من ضيق صدرها.
" لقد عاد السيد من رياضته الصباحية و يطلب طعام الافطار في الشرفة الجنوبية بعد نصف ساعة" سمعت صوت ماريا اختصاصية الحلويات تقول بصوتها الغليض وهي تعيد الانترفون الى مكانه.
" يجب تجنب زبدة الفسـ..ـتق في وجبة 'رالف' لأنها تسببت له أمس بحسـ..ـاسية مفاجئة " علقت بيلا ببعض القلق و هي تغادر مقعدها لتساعد في تحضير الأطباق المفضلة للسيد و أبنائه، الكل كان على علم بحساسية 'رالف' و الكل يتبع تعليمات مدبرة المنزل الصارمة في احترام أدق التفاصيل في الوجبات، لكن 'بيلا' لا تتوقف عن تكرار تحذيراتها بشأن التوأمين. " كان جلده محـ...ـمرا و حرارته مرتفعة...المسكين..." همست بعاطفة.
" لا تقلقي بيلا كل شيء سيكون على ما يرام..." تدخلت 'ماريا' و 'جوليا' بنفس الوقت.
" مارأيك أن تخدمي السيد بنفسك 'بيلا' وتتأكدي بأن حالة 'رالف' بخير؟؟" اقترحت فاليريا مساعدة المطبخ بلطف .
" أنا أتلـ..ـعثم كثيرا في ردودي على السيد مارك أنطونيو، وهذا سيفقده صــ...ـوابه..." ردت بيلا.
" أنت تتكلمين بطلاقة صدقيني..." قالت جوليا بصدق" لقد تطورت طريقة كلامك كثيرا مؤخرا بيلا، ومنذ أسابيع ترفضين المساهمة في خدمة الطاولة ...خصوصا عندما يكون السيد هنا ويشارك أطفاله الوجبات..."
" ليس صحيحا..." علقت بيلا وقد شحب وجهها و اتسعت عينيها بقلق " أنا فقط أحاول تجنـ..ـيبه ثقل لساني و أرفض أن يركز على ما أقوله بدل التركـ..ـيز على طعامه..."
" أتركنها و شأنها..." طلبت "سنيورا بينا" بهدوء و ألقت نظرة دافئة على حفيدتها.
" افعلي ما يريحك بيلا...ستقوم جوليا بخدمة الطاولة لا تهتمي عزيزتي..."
******************************
تسللت نسمات مثقلة بعبير الياسمين و الورود البرية بين خصلات شعره الذهبية و افلتت من تسريحته الأنيقة بعض الخيوط الناعمة التي استقرت بإغراء شديد على جبينه العريض، ترك مارك أنطونيو نظراته الزرقاء تتوه في الحقول الخضراء التي تمتد الى مالا نهاية، مطلقا لن يتعود على هذا الشعور القوي الذي يختلجه كلما غرق في حنايا هذه الجنة التي تحيط به، اشتهرت المنطقة بسحر طبيعتها الخلابة و هذا كان السبب لإختياره اياها في سبيل تربية اطفاله في جو صحي و محيط رائع، بعيدا عن العالم الذي كبر شخصيا فيه, يجد بأن 'رالف' و 'جو' يعشقان جمال التوسكانا و يعيشان طفولة سعيدة جدا...
تشكلت شفاهه في ابتسامة ممتلئة بالحنان بينما ملامح وجهيهما الجميلة ترتسم في مخيلته، إنه مستعد للتضحية بحياته في سبيل إسعادهما، مطلقا لم يشك يوما بقدرته على عشق أحد كما يعشقهما، 'رالف' بحدة طباعه و تصرفاته المتمردة و 'جو' بشخصيته الهادئة و الرزينة يشكلان مركز حياته... لن ينكر بأن السنوات الماضية لم تكن سهلة، رغم اصرار شقيقه جوشوا و كاثرين ووالده و تشديد الجميع على وجوب زواجه في سبيل التوأمين الا انه تحدى الكل و استطاع التوفيق بين الطفلين وعمله... حسنا لم يكن الأمر سهلا...ولم يكن مستحيلا أيضا...لحسن حظه أن الحاضنة الكفوءة ترافقه في جولاته مع طفليه، تهتم بهما بينما يكون في اجتماعات ... كان يرفض قطعا تركههما مع أناس غرباء في القصر و السفر بمفرده... لكن هذا النوع من الدلال انتهى للأسف، هذه السنة سيبلغ التوأمين عامهما الخامس و عليه إبقائهما في القصر بسبب الدراسة الإجبارية...
أعاد خصلاته المتهدلة الى الوراء و أخذ نفسا عميقا من الهواء النقي للمنطقة، لقد كان محظوظا في شراء هذه التحفة منذ سنوات، الوحيد الذي حصل على عقد البيع من الدوق"ماريو كارميناتي" والذي فقد كل ممتلكاته بسبب إدمانه القمار... رغم كل شيء أراد الدوق العثور على رجل يهتم لأمر حيواناته الأصيلة، مارك لا يهتم حقا بالخيول، لكنه لم يرفض هذا الشرط من طرف الدوق و ترك سائس الاصطبل يرعى الأحصنة النادرة و الأصلية التي تشارك في السباقات و في المباريات...يبدو أن "رالف" يهتم شخصيا بالخيول، سبب آخر كي يحافظ على تقاليد قصر الدوقية توسكيا.
" أبي... "
استدار ناحية الصوت و ما هي الا لحظات حتى كان الطفلين بين ذراعيه، اشتم رائحتهما الطفولية وغرز أنفه في شعريهما المعبقين برائحة طفولية لذيذة " لقد كبر طفلينا لينيتا ".
التوت معدته بلا رحمة، ضم الجسدين اليه بقوة الى أن تأوه 'جو'
" أبي سوف تخنقنا..."
" عفوا..." ضحك مخفيا موجة الحزن وتكشيرة العذاب و قبّل رأسيهما قبل أن يضعهما أرضا ويتوجه الجميع الى الطاولة التي تم تحضيرها لوجبة الإفطار.
" بعد الأفطار ستذهب معي الى الإصطبل؟؟ سنيور سلفتور توصّل بحصان عربي شديد الروعة و يقوم بتدريبه..." صوت 'رالف' المتحمس دفع الابتسامة في شفاهه تلقائيا.
" ما اسمه؟؟"
" سُلطان..." قال التوأمين معا قبل أن ينفجر والدهما في الضحك.
" أنا المالك هنا و أنا آخر من يعلم ..."
" لو إطلعت على تقرير السائس الأخير لأدركت بأن سُلطان في طريقه الى المزرعة..." قال جو بدبلوماسية " عندما سأكبر سأصبح مربي خيول و أهتم بها..."
هز مارك أنطونيو حاجبيه ورمق ابنه ببعض التسلية، بالتأكيد هو لا يجهل شيئا بشأن الخيول ويطلع على تقارير المربين بإستمرار لكنه نسي تماما إسم الحصان الجديد.
" لم أكن أعرف بأنك تهتم أيضا لأمر الخيول... سبق وأخبرتني برغبتك في أن تكون محاميا مثل جدك..."
" غيرت رأيي...أريد البقاء في 'بيلا تييرا'...أحب هذا المكان..." تمتم 'جو' وهو يضع على ركبتيه منديلا أبيض مطرز برمز القصر.
" لا أحب لندن بالمقابل..." وافق 'رالف' توأمه ووجه الى والده ابتسامة بريئة أدخلت الشك الى قلب مارك أنطونيو " نريد البقاء هنا...'بيلا تيرا' هي أرضنا و 'الدوقية توسكيا' منزلنا "
" مهلا أنتما الإثنان.." أشار لهما مارك انطونيو بإتهام "هل استطيع معرفة سبب هذا التأكيد على البقاء في 'بيلا تيرا'؟ لا أذكر بأنني تفوهت بكلمة تنم عن رغبتي بالعودة الى لندن"
تبادل التوأمان نظرات غامضة قبل أن يثبتاه بتعابير بريئة زادت من شكوكه،عندما يتطلعان اليه هذان الإثنان بهذه الطريقة يتوقف قلبه عن النبض، انهما بصدد التخطيط لشيئ ما.
" لا وجود لسانتا كلوز..." قال 'جو'فجأة و هو يلتقط قطعة خبز محمصة و يضعها في الصحن أمامه بطريقة أنيقة.
" انه موجود 'جو' لكن القبعة التي يضعها على رأسه تمنعه من سماع أمنياتنا بوضوح..." علق رالف ببعض السخرية مما جعل مارك ينفجر ضاحكا بعدم تصديق.
" لكن عما تتحذثان بحق السماء ... ؟؟"
عاد التوأمان يتبادلان نظرات ذات مغزى قبل أن يهز 'جو' كتفيه ويحذر توأمه
" سنخبره بعد غد..."
" تخبراني ماذا؟؟" سأل مارك وقد بدأ الفضول يقتله.
" بالأمنية التي يتجاهلها سانتا كلوز في أعياد الميلاد...قررنا طلبها في عيد مولدنا لعلها تتحقق..." علق 'رالف'.
فتح مارك فمه ثم أعاد غلقه وهز عينيه للسماء متضرعا، انهما شديدا الذكاء مقارنة بسنهما ولا يعرف ما سيكون عليه الوضع بعد عشرة أعوام؟
اقتحمت الخادمة خلوتهم وتقدمت ناحيته لتصب القهوة، اكتفى بعبارة شكر قبل أن ينتبه الى الأصابع الرقيقة والأضافر الناعمة التي تشبه بتلات الورود فورا هز نظراته اليها.
" مرحبا بيلا... " تكلم التوأمين بنفس الحماسة.
" مرحبا..." ردت بابتسامة مشرقة، نظراتها الفيروزية تنتقل بين التوأمين بعاطفة جياشة.
" تسعدني رؤيتك ايزابيلا.." قال مارك بلطف وهو يحرك السائل الأسود اللذيذ الرائحة بملعقة فضية وسط فنجان من البورسلان " كيف تشعرين؟..."
اقتحن وجهها وتراجعت خطوة الى الوراء، تركز بنظراتها المميزة اللون التوأمين و تتفادى بصعوبة النظر مباشرة في عينيه.
" جــ...جيدة سيدي..."
هذه التأتأة دفقت شلالات من الشفقة داخله و ذكرته بإعاقتها، كانت ايزابيلا فتاة طموحة رائعة الجمال و تمتلك روح نادرة الوجود في زمننا، لقد تحطمت حياتها قبل أربعة أعوام وأصبح مستقبلها أمام علامة استفهام كبيرة، كانت بنفس عمر شقيقته آنجلا... العمر الذي يعدنا بالكثير و الكثير... كانت إنسانة مسؤولة و تنبض بالحياة، من المؤسف أن يصاب دماغها و تتأثر قدرتها على الكلام و القراءة أيضا.
" المزيد من القهـ..ــوة سيدي؟؟"
ابتسم لها بلطف مما دفع وجنتيها للتورد تلقائيا، مازال عند رأيه الأول والذي يعود الى سنوات مضت، ايزابيلا تشبه بجعة رشيقة في أنوثتها ،تجسد معاني الحب و الجمال ويستحيل على المرء عدم ربط صداقة معها، كانت دائمة الفرح والابتهاج وجعلت صيفه الأول في قصر الدوقية توسكيا مميزا وربما هذا كان الدافع الأول لمنحها مساعدته في اكمال دراستها بباريس، انها تشبه زهرة القرنفل بجمالها و كبريائها، الصفتين اللتين دفعتاه لإحترامها أكثر وتقديرها بعد الحادثة التي لم تحطم من عزيمتها، بقيت مخلصة لنفسها ولطبيعتها رغم اعاقتها و فقدانها ذاكرتها ، عادت قبل سنة الى القصر بصورة دائمة بعد أن أكد مارك لمدبرة المنزل أن خدمتها في المطبخ لا تزعجه ووفر لها نفس الراتب كبقية العمال متجاهلا اعاقتها، كانت تتمتع بالشهامة و النخوة ولم تخيب أمله، قوة شخصيتها ساعدتها في تجاوز المحنة رويدا وأمام التحدي الذي رسمته لنفسها أصبحت تتكلم بعد أن أكد الاطباء استحالة ذلك... مع الوقت ستتمكن من التكلم بطلاقة و ستنجح في تعلم القراءة بفضل علاجاتها المستمرة.
" بكل سرور..." أجابها دون أن تفارق الإبتسامة شفتيه، يعترف بانها المرأة الوحيدة التي تشعره بالراحة و تخرجه من حالة التأهب المستمر التي يصاب بها في مُحيط نساء أخريات... ربما لأنها الوحيدة التي لا تنتظر منه شيئا.
" البارحة أراد 'باولو' اهدائك ورودا..." قال رالف فجأة موجها كلامه الى الخادمة مما جعل توأمه ينفجر ضحكا لسبب يجهله.
تورد وجه بيلا أكثر وقبل أن يتدخل مارك شرح 'جو' سبب ضحكه الهستيري:
' اختار باقة من 'الجلاديلياس' و 'الديزي' تحت تشجيع 'رالف له'...يقول أخي بأن له خبرة في الورود و جلب انتباه الفتيات..."
انتقل مارك بنظراته الثاقبة الى ابنه 'رالف' الذي احمر وجهه فجأة و بان الانزعاج على محياه..
" توقف فورا..."
لكن 'جو' تجاهله و تابع بصوت متسلي:
" لقد وجدناه أنا و 'باولو' بصدد تقبيل ابنة المُعلمة...هل تعلم أبي؟؟ ذلك النوع من القبلات الغير برئ بالمرة..." وجه بيلا أضحى بلون الطماطم " المهم أن 'باولو' أراد ان يتعلم من خبرة 'رالف' و الذي أسر له بأن يهدي باقة ورود 'الديزي' الى بيلا كي يحظى بقبلة منها...انه معجب بك بيلا..."
" استأمن باقته الثمينة الى طاولة خشبية قرب ساحة التدريب و قام سُلطان بإلتهامها...غضب 'باولو' وردد كل العبارات الكبيرة و التي ترفض أن نكررها... " انفجر الإثنان في ضحك هستيري، بيلا المحرجة أخذت الصحون الفارغة و غادرت المكان مهرولة، لم يمنع مارك نفسه من اللحاق بها بنظراته و الابتسام قبل ان يوجه كلامه الحازم الى ولديه:
" أرفض قطعا ان تتسببا بهذا الإحراج الى إيزابيلا... حتى وإن التهم الحصان باقة السائس الثمينة تستطيعان إعادة الموقف بوقاحة أقل..." ثم وجه نظره الى رالف "هل حقا قبّلت ابنة المعلمة؟؟"
" قبلة تًشبه قُبل السينما " علق 'جو' مما دفع مارك الى عض حنكه كي لا ينفجر ضاحكا أمام ملامح 'رالف'.
" أنت أخدت وقتك قبلي معها 'جو' "
هز مارك حاجبية بعدم تصديق وانتقل بعينيه بين ولديه المتشابهين كنقطتين من الماء:
" هل أنتما معجبان بنفس الفتاة... ؟؟ "
تحركت كتفا 'جو' الصغيرتين بعدم اهتمام و التمعت عيناه الزرقاوين بينما يرمق توأمه بسخرية، رمقه رالف بتحد و تمتم:
" انها بدينة...ولا تعجبني.."
"حسنا فهمت..." قال والدهما بهدوء " لا اريد ان نتكلم بهذا الموضوع مجددا ولا اريد ان تأتي والدتها بشكوى اخرى ضدكما، المرة السابقة حرمتكما من العابكما لأسبوع كامل وصدقاني... اذا تكرر الموضوع ستحرمان من جهاز التلفاز و العابكما الالكترونية وسأطلب من 'جوشوا' عدم توقيع لعبته الاخيرة اليكما..."
ردة فعل التوأمين أشعرته بالرضى، اعتدلا في جلستهما و اتمما طعامهما بكل تهذيب.



قلوب أحلام غير متواجد حالياً  
التوقيع
13th year anniversary celebration- احتفالية تأسيس روايتي الـ13

رد مع اقتباس
قديم 13-02-13, 07:33 PM   #4

قلوب أحلام

نجم قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية قلوب أحلام

? العضوٌ??? » 266960
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 334
?  نُقآطِيْ » قلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثاني


بدأأفراد عائلة 'سيد القصر' بالوصول بعد الظهر وشغلت جميع الغرف و الأجنحة،تضاعف العمل في المطبخ و خارجه بشكل خانق و بدا عمال القصر و كأنهم فيماراثون.
تفننت مدبرة المنزل بتجهيز وليمة ضخمة الأطباق التوسكانية المتنوعة كما طلب منها رب العمل.
الطاولة العملاقة التي تم نصبها في الحديقة تم تزينها بكل ما لذ و طاب من الأطعمة المتنوعة الفاخرة والراقية و المحلية...
تعالت قهقهات و ضحكات الكبار و اختلطت بصراخ الأطفال و حماستهم ... الطقسكان مثاليا و سماء توسكانا تلونت بألف لون ناري و أرجواني، الحميميةالحقيقية بين ادواردو ريتشي و عائلته تُشعر بيلا بالحنين لعائلتها، كان هذاالأخير يلاعب حفيدته الرائعة بجدائلها الذهبية بينما زوجته 'دونا كاثرين' بالقرب منه تمسك بيد الصغيرة و تحاورها بكلمات انجليزية رقيقة، "دون جوشوا" و 'دونا آنجلا' مثل المعتاد بعيدين الف ميل عما يدور حولهما، كانت يد هذاالأخير على بطن زوجته البارزة بينما كل اهتمامه مركز على ما تقوله .، بينمادون مارك انطونيو مع توأميه يستمع إليهما بصبره المعتاد و يشرق وجهه لقصصرالف و مغامراته اللامنتهية ، كان يجلس بين جدته و عمته 'دونا الينا' و زوجها'دون اندريا'...
" انه طبق مثالي..." تمتمت آنجلا - التي تتقيأ لأقل رائحة و طعم- بامتنانوهي تتطلع اليها " لا أشعر برغبة في الركض فورا الى الحمام ... مارك محظوظ)بشيف) مثلك بيلا... "
احمر وجه بيلا من الإطراء و الفرح:
" إستعـ..ـملت بهـ..ـارات فرنسـ..ـية خاصة في طعـ..ـامك سيدتي"
شرحت مبتسمة و بدأت بالتنقل مع 'ماريا' و 'فاليريا' بين الضيوف لخدمتهم


قلوب أحلام غير متواجد حالياً  
التوقيع
13th year anniversary celebration- احتفالية تأسيس روايتي الـ13

رد مع اقتباس
قديم 13-02-13, 07:34 PM   #5

قلوب أحلام

نجم قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية قلوب أحلام

? العضوٌ??? » 266960
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 334
?  نُقآطِيْ » قلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond repute
افتراضي

...الكل كان على علم بإعاقة بيلا و الكل كان لطيفا ومتفهما معها.
"
ما رأيك بأن تعملي لحسابي في لندن خلال فترة حملي؟؟؟ سأمنحك ضعف ما تتقاضينه هنا...مارك سأكون ممتنة ان وافقت...انها معجزة..."
القت بيلا نظرة قلقة الى رئيسها، كان يرمق شقيقته بعاطفة جعلتها تتوقعقبوله طلبها بلا ثانية تأخير، زوج هذه الأخيرة وشوش لها بشيء في أذنها قبلأن يحيط كتفيها بذراعه بكياسة ويقبل رأسها بحب:
"
أحب 'بيلا تيرا' " بدأت بيلا بحرج...
"
ونحن لن نستغني عنك هنا ايزابيلا... " إجابة رئيسها أشعرتها بالراحةوغمرتها بالسعادة التقت نظراتهما للحظة " شقيقتي تتدلل كثيرا في فترةحملها..."
"
من حقها التدلل كما تشاء مارك أنطونيو..." أجاب جوشوا دون أن تفارق نظراته زوجته الشابة "هل سبق ورأيت امرأة حامل بجمالها...؟؟"
لم يكن يتردد دون جوشوا بإغراق زوجته الشابة بكل أنواع الإطراءات، يستغل كلمناسبة ليعبر لها عما يشعره نحوها، بيلا تتساءل ان كان في يوم ما ستجد منيفعل الشيء ذاته معها... من النادر حقا العثور على توأم الروح، اكتشفت ذلكحتى قبل حادثتها و إعاقتها.
انتهت سهرة العائلة في وقت متأخر مما دفع بيلا الى استهلاك آخر لقواها،انفلت صحن البورسلان من يدها المهتزة من شدة الإرهاق بينما تقوم بوضعه فيآلة الغسيل، 'ماريا' و 'فاليريا' رحلتا عند العاشرة بسبب بُعد مسكنهما واستمرت و زوجة عمها جوليا بترتيب المطبخ قبل أن ترحل هذه الأخيرةبعد تقديم القهوة للأسياد مباشرة و أيضا بإصرار من بيلا.
ذهبت جدتها الى مخزن الطعام لتجلب ما سيحتاجه الأسياد لوجبة الصباح، واهتمت بيلا بغسل آخر الصحون وبفضل تعب النهار الحافل بالعمل شعرت بغشاوةتحجب عنها الرؤية لبضع ثوان.
"
هل أنت بخير؟"
انتصبت واقفة بذعر تعاني الرعب و الدهشة للتدخل المفاجئ لصوت 'دون ماركانطونيو'، تستطيع حساب عدد المرات التي زار فيها المطبخ على رؤوس الأصابع،ولا تعرف ما الذي يفعله هنا بينما أغلب الضيوف التحقوا بغرفهم، نظرات القلق والاهتمام في نظراته أعادتها الى أرض الواقع، جلست بسرعة على ركبتيها وبدأت بجمع القطع المحطمة من الصحن النفيس الذي انفلت من بين اصابعها بسببمفاجئة رئيسها لضعفها الجسدي، تكره أن يضبطها أحدهم في هذه الحالة الهشة.
"
آســ..ـفة سيدي على هذه الفـــوضى، سأدفع ثمن هذا الصـ...ـحن من راتبي...".
"
لا تلتقطي الحطام بيديك ايزابيلا ستؤذين نفسك..."
شعر بالشفقة بينما نظراته تسقط على أطرافها المرتجفة، بدون تفكير انحنىفوقها و أمسك برسغها ليوقفها مجددا على قدميها...برأيه ايزابيلا تبالغباختبار قوتها، عليها ألا تنسى اعاقتها و الا تعاند الآخرين في العملالشاق، لقد وافق أن تعمل في المطبخ نعم...لكن لنصف الدوام فقط.
"
هذا يكفي، عليك الذهاب الى غرفتك فورا والخلود الى الراحة، غدا لا أريد رؤيتك في المطبخ..."
التقت نظراتهما أخيرا عندما قررت بيلا رفع وجهها الملائكي نحوه، نسي فجأةما كان يريد قوله وتلاشى ما حوله بينما ترمقه بتعالٍ و تهز ذقنها بكبرياء.
"
أنا لسـ..ـت عاجزة سيدي...تــــــأتــأتي في الكـ..ـلام لا تعني اعاقة جسـ..ـد..جسد..جسـ..."
ساعدها مارك في نطق الكلمة:
"
جسدية؟؟"
هزت رأسها بالموافقة، لا...بالتأكيد هي لا تعاني من اعاقة جسدية، لكن هذهالكلمة الهبت الجو فجأة بينهما الى حد الاختناق، كانت يده ما تزال تطبق علىرسغها بقوة ، تأمل وجهها الزهري...عينيها اللامعتين... أنفاسها الثائرة التيتتسلل من بين شفتيها الممتلئة و المنفرجة... تُجسد الاثارة و الإغراءبملامحها الطفولية المشبعة بالبراءة.. وجهها الدائري أحاطته خصلات عسليةمتمردة ولم يبقى شيئا من تسريحتها الحازمة، وجهها الخالي من الزينة شديدالكمال و الجاذبية...تشنجت عضلاتها الرقيقة تحت ضغط يده مما أجبره للعودةالى الحاضر و ترك يدها معتذرا، راقبها تفرك رسغها دون أن تبتعد عنهبنظراتها الفيروزية...ما الذي يحدث بحق الجحيم؟؟ انه أمام طفلة صغيرة تعانيمن اعاقة ذهنية و تملك من السحر ما هو متوفر في أغلب النساء اللواتي مررنفي حياته، هل فقد عقله ليُعجب بحفيدة السائس و مدبرة منزله و بلون عينيهاوشكل شفتيها؟ هذا بالتأكيد نتيجة تجاهله لرغباته الجسدية... بيلا لا تغريهبالمرة... انها اصغر من أليكس شقيقه و مجرد طفلة فحسب... شفقته عليها تدفعهلتوهم الكثير.
"
أتيت لأطلب المزيد من القهوة بما أن لا أحد يجيب على الانترفون..." شرحبصوت جاف و اشاح بوجهه عنها عندما دخلت المطبخ مدبرة المنزل من باب الخدمالخاص..." سنيورا فليبينا"،عندما طلبتِ مني فرصة عمل لحفيدتك ما هي الشروطالتي تضمنها عقد العمل؟؟"
"
نصف الدوام سيدي ..." أجابت مدبرة المنزل معتذرة " انها ترفض البقاء بلا عمل"
"
أنا لسـ..ـتُ عاجـ..ـزة سيدي سبـ..ـق و كررتُ لك ذلك..." دافعت بيلا عن نفسها بغصة.
"
نصف الدوام ايزابيلا..." قاطعها بتهديد ناعم " ان صادفتك تعملين اوقاتا اضافية فسترحلين من هنا"
*********************
اتكأت 'بيلا 'بذراعيها على الأعمدة الأفقية التي تحيط ساحة تدريب الخيول،تتطلع بفم فاغر الى الفرس الشديد السواد وهو يركض برشاقة وكبرياء في الحلقةالمقفلة ويضرب الأرض بحوافره الأنيقة متسببا بتطاير حبات الرمل يمنة ويسرة.
كان العرض مغريا، لاسيما وأن أشعة الشمس العمودية تسقط على عضلات الفرس المفتولة وتعكس لمعان و بريق لونه الأسود المُذهل.
لطالما اعتبر الدوق 'ماريو كارميناتي' تربية الخيول واقتنائها والاهتمام بهامظهرا من مظاهر القوة و الجاه والسلطان، كان يميل الى الخيول العربية خاصة،بالرغم أن اقتناء هذا النوع من السلالات النادرة مكلف جدا بيد أن جل ثروتهصُرفت لهذا الغرض.
تلألأ وجهها عندما صبّ الحصان اهتمامه عليها، بخطوات مترددة اقترب نحوها.
"
مرحبا أيها الوسـ..ــيم...اسمك سُلـ..ـطان صحيح؟؟"
يبدو بأن تأتأتها لم تزعجه، مدت يدها نحو وجهه الصغير، ولامست ناصيتهالطويلة الناعمة برقة وحب دون أن تتوقف على ترديد عبارات تشجيعيه، كان ناعمالجلد خاليا من الوبر، مستقيم الأذنين واسع الشدق و العينين، انزلقتأصابعها على جبهته المسطحة و العريضة و المميزة بغرتها، خطمه الطويل القصبةناعم كبقية ملمسه، تلمست بإعجاب وسط منخريه الواسعتين و ضحكت عندما نفربقوة و هز رأسه ليتراقص عرفه الشديد السواد كشعر غجرية في نشوة رقصها علىايقاعات مجنونة، استرسلت الخصلات على عنقه الطويلة المتحررة من الالتصاقبالكتفين، دنى سلطان منها مرة أخرى و تمكنت من ملامسة عنقه المستقيمةمجددا، تتابع عروقه الظاهرة بأصابعها و تنزلق حتى حدود المذبح... هذاالحصان تحفة فنية و كنز حقيقي، حلم راقي لأمثال الدوق "ماريو كارميناتي" للأسف أن السيد الجديد للقصر لا يهتم اهتماما حقيقيا بها، تموت رغبةبامتطاء صهوته المقعرّة و تشعر بقوة عضلاته تحت جسمها بدون سرج أولجام...تريد قتل مللها بالركض و الركض و الركض في الحقول المجاورة، طالماكانت خيالة ماهرة،الدوق "ماريو كارميناتي" لم يمانع قط أن تمتطي خيولهالجميلة، ومُعلمها المحترف كان جدها.
ابتعد فجأة سلطان عنها و التمعت عيناه الحالكة قبل أن يضرب حوافره الأرض و يبدأ بالركض مجددا في حلقته المغلقة.
"
تشاوبيلا..."
فهمت ردة فعل الحصان عندما تعرفت على صوت 'باولو' ورائها، استدارت نحوه وأمسكت باليد التي مدها لمصافحتها، كانا بنفس الطول، لكنه يملك جمالاايطاليا وشعره شديد السواد يلمع تحت أشعة الشمس السخية لهذا الوقت منالنهار.
"
تشاو' باولو' ..." ردت بابتسامة رقيقة.
"
هذا مذهل..." تمتم وهو يقوم بالاستناد أيضا على الأعمدة.
"
ماذا؟؟"
"
سُلطان يكره أن يلمسه أحد...فلنقل بأنك حطمت حواجزه..."
ابتسمت بيلا وتذكرت فجأة ما قاله التوأمين أمس على باقة السائس الثمينة، عضت لسانها كي لا تضحك على الموقف الطريف.
"
انه حصان بالغ الجمال...أتمنى امتطائه..."
"
لا أظنها فكرة جيدة، أغلب المروضين ينتظرون تأقلمه مع مسكنه و بلادهالجديدة، لكن...ان أردت يمكننا القيام بنزهة معا بالخيول المُروضَة... علمتمن دييغو أنك لا تعملين اليوم سوى بضع ساعات..."
هزت رأسها موافقة، لقد عملت نصف الدوام و ما ان تم تقديم طعام الغذاء حتىطردتها جدتها بملعقة خشبية، ربما كان الموقف مسليا للبعض لكنها تشعر بالحزنلبقائها بمفردها مع ذكرياتها السيئة، لقد أمضت فترة طويلة من الوحدة فيذاكرتها الفارغة وترفض الابتعاد عن الرفقة و تعشق الثرثرة مع من حولها.
"
نعم..." تمتمت ببعض الحزن " لا يوجد ما أفعـ..ـله خارج مطبخ القصر...ربما جولة بالحـ..ـصان فكرة حسـ..ـنة..."
أشرق وجه 'باولو' مما أشعرها بالراحة، بعد أن دفع ثمنا باهظا لباقة الورود واستمتع سلطان بالتهامها، أقل ما يمكنها فعله لشكره هو قبول دعوته اللطيفة.
*******************

" 'سنيورا فليبينا' لحظة من فضلك..."
صوت 'كاثرين ريتشي' الموسيقي سمّر الحركة في المطبخ للحظة، القت نظرةترحيبية للجميع بينما تقدمت منها مدبرة المنزل البدينة تمسح يديها في منديلأبيض قبل أن تهجره على ظهر أحد المقاعد و تتبعها الى الخارج.
"
كما تعلمين ذهب السائق لجلب 'دونا آنا' خالة التوأمين من المطار..." بدأتدونا كاثرين بالشرح و توقعت سنيورا بينا بقية الطلب لأنها تحفظه عن ظهرقلب منذ سنوات " كالمعتاد جهزي الغرفة الملاصقة لجناح مارك أنطونيو، بينما'سنيورينا سالي' ستقيم في الغرفة اليسرى للجناح..."
"
أوامرك سيدتي.." ردت مدبرة المنزل بلهجة عملية.
أفراد الأسرة الكبيرة استعملوا حوض السباحة ليستمتعوا بشمس هذا النهارالحارة، و القصر يغرق في صمت و هدوء، القت كاثرين نظرة من حولها و كأنهاتتأكد بأنهما بمفردهما.
"
أعرف بأنه تصرف غير لائق لكنها الطريقة الوحيدة وأنت تعرفين... تعبت منالسفر من لندن الى هنا في سبيل امضاء الوقت مع التوأمين، على مارك أنطونيوالاختيار بين سيدتين جميلتين تهتمان لأمر التوأمين وأمره... سبق وأخبرتكبهذه الأمنية السنة الماضية و للاسف لم يعر اهتماما لاحداهن..."
"
أنت محقة سيدتي، السيد أب مسؤول ورائع لكن التوأمين بحاجة لأم ووجود أنثوي في حياتهما.."
زفرت كاثرين بارتياح وأشرق وجهها بابتسامة ممتنة.
"
سعيدة أن تشاركيني الرأي سنيورا فليبينا..."
***********************
عندما صدرت مدبرة المنزل الأمر للخادمة الخاصة بخدمات الغرف بتجهيزالغرفتين للسيدتين، انطلقت الثرثرة المعتادة في شؤون الأسياد، ماريا التيتعشق السيد من قلبها عبرت عن رأيها بميولها لتوأم أم الطفلين بسبب التشابه وأيضا كونها لم تتخلف يوما عن حفلة تخصهما و حضرت في جميع عطلهما سوءاالشتوية أو الصيفية، الأخريات فضلن الطبيبة سالي فيليبو، احتدم النقاش فجأةبين السيدات وقبل أن تطلب منهن التدخل في شؤونهن فتح باب الخدم و دخلتحفيدتها...راقبت ملامحها المتحمسة و نظراتها المشبعة بأحاسيسها الداخليةالمبتهجة، كان وجهها مرآة تعكس ما بروحها و مزاجها، وفي هذه اللحظة بينماتخرج من البراد قنينة ماء باردة، وجهها مورد و قميصها شبه مبلل عند الصدرأدركت أنها قامت بشيء مثير أسعدها.
"
عمن تتحدثون؟؟.." سألت ما ان روت عطشها واندفعت يدها تلقائيا الى جبينهاالمبلل تمسح قطراته الندية و تبعد خصلات شعرها الملتصقة به.
"
دونا كاثرين تقرب مجددا بين السيد و مدعواته...أحب سنيورا "آنا" أجدهامناسبة جدا لتأخد مكان توأمها..." علقت فاليريا بنفس الوقت هزت جولياعينيها الى السماء
"
بير لامور دي ديو" (حبا بالله)...الا تلاحظن بأنها متصنعة و مزيفة؟؟ تتصرف كالحمل الوديع فيحضور السيد و ما ان يدير هذا الاخير ظهره حتى تسترسل في القاء الأوامروكأنها سيدة القصر... أنا أبغضها و تسبب لي الكآبة كلما حلت ضيفة علينا"
"
القليل من الاحترام للأسياد رجاءا..." تدخلت مدبرة المنزل بلهجة جافة لكن هذا لم يحد من النقاش.
"
سنيورينا سالي لذيذة و رائعة..." علقت ماريا وهي تقشر حبات البطاطس ببعضالعصبية وكأن حياة السيّد العاطفية تهمها قلبيا " أفضل نسخة حبيبتهالسابقة، أنا سيدة في الخمسينات من عمري و منطقية بتفكري لو عاد الأمر ليلأقنعته بالارتباط بها... "
"
شخصـ..ـيا أحب كلتـ..ـيهما" علقت بيلا بإبتسامة وهي ترمي بقنينتهاالفارغة في القمامة" كلتـ..ـيهما تتميز بشخـ..ـصية فريدة و بجـ..ـمالباهر..."
"
السيد فاتن كتحفة فنية... يستحق تماما إمرأة تُبهر بجمالها.. لو كنت بعمرك بيلا لما خجلت من نسج أحلام مثيرة به..."
"
أنا أحلم بالسيد؟؟" انفجرت بيلا ضاحكة من قلبها وملأت الدعابة وجههاالجميل " الاعاقة تحكــ...ـمت بالجانب الأيسر لعقلي و حطـ..ـمت قدرات لسانيو ذاكــــرتي لكنها لم تتُلفه كليا كي أقترف خطأ الوقوع بحب رجلينتـــــــــمي الى عالم بعــــ..ــيد كليا عن أرض الواقع"
" '
بيلا ميا' مع فستان يزن ثروة خمسة آلاف يورو و يد مصفف شعر و تجميل ستفوقين جمالا على أميرة موناكو الراحلة..."
ملاحظة ماريا زادت من تسلية الفتاة التي وضعت يدها على كتفها لتنظر الى عينيها:
"....
صــدقا ماريا...هو الأميــر و أنا الغُــــــــراب مهما غيرت منمظهري... رجل لا يمــــتلك من مركزه الإجتــ..ــماعي ولا وسامتهالملفــ..ــتة شيئا لن يفكر بإمرأة تعـــ..ــــتمد على حبات العدس خلالعملية الحســـــــ..ــــاب مثلي... "
"
أنت لست بالغراب بيلا و تلك النسوة لن تمتلكن من روحك الطيبة و لا سخائهايوما..." تدخلت مدبرة المنزل وهي تدنو من حفيدتها و تعيد خصلاتها المتمردةخلف أذنها بحنان " لا تحطي من قدر نفسك و لا تهتمي لثرثرة ماريا، ما يميزتلك النسوة المتشبعات ماديا هو مظهرهن المتنمق الخادع، لكنك أنت... كنزحقيقي و ثمين، و الرجل المحظوظ الذي سيضع خاتم الزواج في أصبعك لن تكفيهأيام العمر ليشكر الله على نعمته..."
الملامح الجدية و النظرات الحنونة والتي تخفي بحرا من الحزن لامست قلببيلا، لكنها سبق وأقسمت الا يرثي أحد لحالها، أقسمت أن تعتمد على نفسها وترفض قطعا نظرات الشفقة...هي ليست عاجزة...وليست كاملة بالمقابل.
"
تريــ..ـدين التخلص مني'نوناّ'؟؟ لهذا تتكلــ..ــمين عن فارس الأحلام...؟؟" ابتسمت بعاطفة وضمتها الىصدرها مطمئنة " أعرف بأن رجل حيــــــاتي ينتـــ..ــظرني في مكان ما، أؤمنبالحب لكنني لا أؤمن بالأحلام المستحيلة...أعرف أن هذا الرجل موجود في مكانما و ستلتقي طريقينا..."
لكن متى؟؟ صرخ صوت معذب داخلها... هل تريد اقناع نفسها قبل جدتها؟؟ تكرهالتكلم بشأن الرجال و العلاقات الغرامية، تكره الغرق في أحلام اليقظةالرومانسية و ترفض قطعا تناسي حالتها و اعاقتها، ربما شكلها الخارجي يجذبالعيون الذكورية لكن السحر سرعان ما يتلاشى بمجرد تفوهها بكلمة و يتعذرالشاب بأي عذر ليختفي من محيطها، لم تعد تتقبل فكرة أن يجرحها أحد...شعرتفجأة بأن سعادتها التي ولدت جرّاء نزهتها فوق صهوة الحصان تلاشت و تبخرت،لكنها لم تسمح لنظراتها بالانكسار، لم تخن نفسها و استمرت بتوزيع الابتساماتوشعرت بالراحة لابتعاد زميلات المطبخ عن حياة السيّد العاطفية.
"
سأقوم بتحــ..ــضير وجــ..ــبة ' دونا آنجلا' قبل العــ..ــودة الى المنزل..."
*************************
كانت الشمس ترمي بأشعتها الأخيرة على قمم أشجار الصنوبر و داليات العنببينما نوار الشمس تنحني بأعناقها في توديع صامت ، انكبت الألوان الساخنة فيالفضاء الأزرق و توهجت بشكل مثير يسر العين، انعكس البرتقالي و الأحمر والذهبي على جدران قصر الدوقية توسكية، كما انعكست في نظرات مارك أنطونيوالذي كان يستشيط غضبا في هذه اللحظة و نفس ألوان الغروب المتوهجة في قلبالبركان الذي أنفجر في صدره بينما يكتشف نفسه سجينا -وللمرة الثانية في نفسمناسبة عيد مولد طفليه- بين امرأتين، من المسؤول عن هذه المصادفة الغريبةمن نوعها؟؟
وصلت "آنا دا ماتا" بعد الظهر بقليل، محملة بالهدايا كالمعتاد لأبناءشقيقتها الراحلة، سالي فيليبو وصلت قبل الغروب بساعة، وبينما يتساءل عمنقام بدعوتها الى منزله تلتقط أذناه موقع غرفتها الملاصقة تماما لجناحه... كاثرين وراء كل ما يحدث...منذ سنة يقوم الجميع بدفعه الى اختيار زوجة بينالإثنتين...حتى شقيقه جوشوا يميل الى الطبيبة التي لا تخفي مشاعرها اتجاههوأمنيتها بفتح عيادة في التوسكانا ان سنحت لها الفرصة لذلك.
لم يعد بمقدوره تحمل ضغط الجميع عليه، من حقه أن يعيش الحياة التي يريدها مادام طفليه سعيدين بدون أم بديلة.
"
هيه...رويدك مارك..."
تباطأت خطواته الواسعة والتقط انفاسا متتالية في سبيل اخماد غضبه، كانتكاثرين من لحق به خارج الحديقة الخاصة، الممر الذي سلكه محفوف بأشجارالصنوبر و يؤدي الى حقل نوار الشمس... طريقه المفضل في مزاولة رياضته كلصباح.
"
لا يوجد من يفهمك أكثر مني كاثي... وأعرف الأبعاد التي ترمين لها بدعوة سالي..."
وصلت اليه لاهثة، لم تغير ملابسها لوجبة العشاء التي ستُقدم بعد ساعة،ما تزال ببنطال الجينز و القميص الضيقة، جميلة، أصغر من سنها الحقيقي ونظراتها مشبعة بالحب و الحنان...فقط لو يملك حظ والده و يعثر على امرأةمثلها.... امرأة تنسيه لينيتا دا ماتا التي رحلت مع قلبه للأبد.
"
أكره رؤيتك وحيدا... سالي تعشقك مارك أنطونيو انها متيمة بك ولا تخفي ذلك، أخبرتني أنها مستعدة لترك حياتها في لندن والعيش هنا..."
"
كم من الوقت ...؟؟" كتف مارك ذراعيه فوق صدره وتطلع الى زوجه والده التيانعكست ألوان الغسق على وجهها و عينيها الرماديتين..." سوف أخبرك لماذافشلت علاقتنا في الجامعة، سالي انسانة طموحة جدا و تعشق عملها، لا أنكرأنها من نسب عريق و جميلة وسيدة مجتع راقية تناسب تماما مكانتيالاجتماعية...لكنها تبحث عن شيء لا أملكه... لا أستطيع أن أغرم بها أوأقودها الى المذبح"
"
مارك..." بدأت كاثي متوسلة وهي تمسك بذراعه " الحب لا يأتي اذا رفضنا الوقوع فيه..."
"
لا يهمني الحب بحد ذاته كاثي، ليست المشكلة سالي أو 'آنا' لكن الموضوعيتلخص في كوني عازف كليا عن الزواج... ضقت ذرعا بضغطكم و اصراركم..."
"
الدافع و راء ضغطنا مارك هو حبنا لك...نريدك سعيدا و نريد الأفضل للتوأمين..."
"
انظري حولك كاثي، مطلقا لم أكن سعيدا في لندن كما انا في "بيلا تيرا" والتوأمين أمس أعربا عن تشبثهما الكبير بهذا المكان و مكتفيان تمامابحياتهما دون زوجة أب... لا أريد الزواج.. لا اريد ان اردد العهود بالحب والإخلاص لإمرأة و أقوم بخذلانها... تماما كما فعل أبي معك بعد أشهر منزواجكما هجرتنا معا...لا أريد أن يُجرح أطفالي بسبب أفعالي"
هذا التصريح فاجأ كاثي التي تسلل الشحوب الى وجهها وتلعثمت:
"
لم أكن أقصد هجرك بالذات مارك..."
"
لكنني حملت نفسي مسؤولية اختفائك من حياتنا أنا و أبي... حملت حظي العاثرالمسؤولية، والدتي تركتني كخرقة بالية وبعدها أنت... تعذبت بسبب تأنيبالضمير كلما رأيت والدي يعاني الأرق ليلا و الوحدة..."
وضعت يدها على فمها و أعمت الدموع فجأة عينيها مما تسبب بإخماد غضب مارك:
"
آسف كاثي، هذه القصة مرت عليها سنوات عديدة..."
"
مطلقا لم أتصور أن تحمل نفسك مسؤولية رحيلي مارك، أنا حقا آسفة للتسبببالمعاناة لك في تلك السن الصغيرة... ادواردو استعملني و خذلني و غيرتيالعمياء من والدتك دفعتني للرحيل، كنت أنانية و لم أفكر بمشاعركخاصة...أغفر لي أرجوك..."
رق قلبه أمام ستارة الألم التي غطت ملامح وجهها الجميلة، أخد نفسا عميقا قبل أن يمسك ذراعها و يحضنها كإبن بار:
"
هذا لا يعني بأنك كنت زوجة أب سيئة، صدقا كاثي لو التقيت امرأة بمثل أخلاقك لما..."
وجد فجأة كلامه تافها وسخيفا...أتى اللحظة على القول بأنه عازف تماما عنالزواج... ستبدأ الشكوك تراود زوجة والده على صحة عقله...هز كتفيه وهويبعدها عنه ليتطلع الى عينيها المبللتين.
"
كيف ستسمح لإمرأة بأن تبرهن لك بأنها المناسبة اذا كنت ترفض قطعا فتحأبواب قلبك لها أو منحها فرصة؟ ... آه مارك.." لامست خده بحب " أنا قلقةلأجلك أريدك سعيدا... اذا كنت ترفض الزواج لأسبابك الخاصة يا بني فكر إذنفي طفليك ولا تتعامى اكثر..." امسكت بيده و عصرتها قبل أن تذكره بابتسامةشبه حزينة " كنتَ في عمرهما تقريبا عندما تزوجتُ من والدك...أسعدت بوجوديفي حياتك ، أرجوك لا تحرمهما من هذه السعادة بالمقابل... أعط لنفسك ولهمافرصة"
اختفت الأثار الأخيرة للشمس ولم يعد ينير الطريق سوى بقاياها الباهتةالذهبية، لا يعرف كم بقي في مكانه شاردا أو كم مر من الوقت على رحيل كاثي،تحركت ساقيه في رحلة العودة، حذائه يرتطم بالحجارة الترابية الموزعة هنا وهناك، أدلف يديه في جيوب بنطاله و التقطت عيناه هيئة حورية بشعر طويليتلألأ كالذهب الأحمر على جسدها الأنثوي الكامل، رمش بقوة ليعود الى أرضالواقع...لقد سرح بعقله قليلا هذا كل شيء، لا وجود للحوريات في "بيلا تيرا"
مجددا سقطت عينيه عليها و تباطأت خطواته بينما الحورية التي التقطها مجالبصره قبل لحظات لم تكن سوى حفيدة مدبرة المنزل تدفع دراجة هوائية قديمةالطراز، أقطب حاجبيه قليلا بينما تتجول نظراته عليها، رغم المسافة بينهمايستطيع تمييز الملامح الشديدة الكمال، مطلقا لم يرى شعرها حرا قبل اليوم،تعقفه وراء رأسها بتسريحة صارمة كلما كانت تحت الخدمة، اختفت الملابسالرسمية و حلت محلها أخرى بغاية البساطة جينز بسيط ضيق لا يخفي التدويرةالأنثوية لوركيها وساقيها الطويلتين، قميصها الأبيض الشديد التحفظ تفصيلهبعيد كليا على جذب الانتباه لكنه لم يخفي مطلقا روعة جيدها و لا نحافةخصرها.
"
مســـ..ــاء سعيد ' دون مارك أنطونيو' ..." ألقت التحية بإبتسامة رسميةما ان أضحت على بعد خطوة منه... انتبه فورا الى أنها تتعمد البقاء علىحافة الطريق الضيقة لتضع أكبر مسافة ممكنة بينهما.
"
مساء سعيد ايزابيلا...ماذا لديك في السلة؟؟ أرى شيئا يتحرك هناك..." ارتاح عندما وجد سببا وجيها يثنيها على الرحيل بسرعة، لديه معزة خاصة لهذهالفتاة الشجاعة، وقصتها تثير شجنه دوما، وبالأمس تصرف معها بقسوة فقط لأنهاأثارت غرائزة و استجاب جسده... بيلا مميزة جدا وحده الرجل المحظوظ منسيمتلك قلب طيب كقلبها... حسنا... هي ليست مسؤولة عن انجذابه لها و هذايُحرجه... ربما تلقائيتها تذكره بلينيتا... لينيتا حبيبته و أم طفليه.
نعم بيلا حفيدة مدبرة البيت و السائس، نعم تعاني اعاقة ذهنية مما يتسبب فيتلعثمها و تباطئها في الكلام... و نعم هي تملك أجمل ابتسامة رآها في حياته.
أنارت الابتسامة وجهها، وحسب مارك أن الشمس لم ترحل ومازالت تدلل قلبالسماء بأشعتها الدافئة، أبعدت غطاءا صغيرا على المخلوق الغريب المكور فيقلب سلة دراجتها.
"
ما هذا الشيء؟؟"
"
قُنـــــفذ" شرحت بيلا وغمر الحنان وجهها " وجدته في قلب الطريقالرئيـــ..ــسية عرضة لخطر دهسه بالســ..ــيارات... قررت أخده الى مكان آمنبعد أن أريته للتوأمين..."
ارتسمت التسلية في عيني مارك الزرقاوين وتخيل ردة فعل طفليه أمام هذه الكرةمن الشوك و ابتسم لها تلك الابتسامة التي تدفع بالدم الى خديها.
"
و بالطبع حاول 'رالف' الإحتفاظ به.."
ضحكت بيلا من قلبها مما أعاد احساس مارك بأن الشمس لم تغرب حقا.
"
لم أقبل رغم اغراءاته و توســـــــلاته..." ردت بيلا وهي تعيد الغطاء علىالقنفذ الصغير" ما ان سقطت عيناه على الحيـــ..ــــوان حتى لمعت بخبث..."
انه يعرف جيدا طفلاه، يعرفهما تماما كما تعرفهما ايزابيلا، لقد فهمت بأنرالف يخطط لمكيدة ما ان سقطت عيناه على وسيلته، تماما كما فكر هو عندماأخبرته بأنها مرت بالقنفذ على التوأمين.
"
لا أعرف من الضحــــ..ــــية التي حددها في عقله لكنني قررت انهاءأحــ..ـــلامه الشريرة و آخد الحيـــــ..ـــوان معي..." علقت بيلا ضاحكة.
شاركها الضحك وشعر بأن مزاجه يتحسن بعد حمم الغضب الذي كادت تُفجّر صدره قبل قليل وأن سخطه تلاشى كليا.
"
ذلك الصغير خطر محدق..."
"
انه رائع، يتمــ..ــتع بحس الفكاهة و يعشق الاستمــ..ــتاع بوقته هذا كل شيء."
علقت بلكنة صادقة و لمعت عينيها بينما تعود لتمسك بمقود دراجتها و تتأهبللرحيل، هز رأسه قليلا وشعر ببعض الخيبة للعودة مجددا الى واقع حبسه بينغرفتي امرأتين، لا يشبع أبدا من ثرثرته مع بيلا، انها طفلة جميلة و مرحةولا تشبه في شيء نوع النساء الذي يخرج معه عادة.
"
أسرعي الى بيتك ايزابيلا بعد قليل سيغرق المكان في الظلام..."
****************************
تجمدت بيلا مكانها ما ان سقطت عيناها على شبح الرجل الواقف في الشرفة الخارجية لبيت جدتها.
بلعت ريقها بصعوبة بينما عقلها يستوعب ببطء شديد حقيقة الوضع، عندما مرتعدة لحظات و أدركت بأنها لا تهذي ولا تحلم تركت دراجتها القديمة تسقط قربقدميها و ركضت بدون تفكير بإتجاه القامة المميزة.
تخلت عن اللباقة و عن البروتوكول ولم تحلم سوى برمي نفسها بين ذراعيه... رغماعنها شعرت بالدموع تزحف الى عينيها... كانت تعرف بأنه طويل القامة، لكنليس الى هذا الحد... بالكاد رأسها يصل الى كتفه.
مرغت وجهها في صدره و شدت نفسها اليه للحظات قبل أن تستوعب فظاعة ما قامت به.
صدمة رؤيته مجددا -و أيضا واقف على قدميه- سلبتها اي تعقل ... التهبت وجنتيها و هزت رأسها نحوه بملامح مرتبكة:
"
دون أليكسندر..."
"
آه كلا..." أعاد رأسه الى الوراء و انفجر ضاحكا، تغلغلت ضحكته حتى اعماقها الى أن أثملتها، عضت على شفتها تمنع نفسها من الإبتسام.
عاد الى جديته وتطلع اليها بعينيه الساحرتين ثم لامس برقة وجنتها:
"
بالنسبة اليك أنا أليكس فحسب..." داعبت شفاهه ابتسامة رائعة " افتقدتكبيلا... لكن الانتظار كان موفقا... تعمدت العودة على قدمين وليس كرسيمتحرك..."
"
انها مفاجئة رائعة... لم تخبرني..."
وضع أصبعا على شفاهها ليمنعها من الكلام:
"
قبل سنة أخبرتني بأن التنزه في حقول نوار الشمس ببيلا تيرا أجمل تجربةقمتي بها... لم تكن العملية تعد بأكثر من تجربة كسالفاتها لكنني خضتها... العلاج لم يكن سهلا بالمقابل طيلة هذا الوقت... ما أزال أعتمد على العصا لكنني قادر على المشي... نستطيع التنزه متى شئت..."
ابتسم لها مجددا و ظهرت غمازتين رائعتين في زاويتي فمه، شعرت بيلا بأنالأرض تحت قدمها تتحرك و تهدد توازنها.... التقيا في فترة صعبة لكليهما وربما نجحت معاناتهما بتقريبهما بشكل أو بآخر... أصبح صديقها رغم انها علىدراية تامة بتحفظ الطبقة الأرستقراطية بأي نوع من العلاقات مع الخدم.
كان يرفض أن تدفع كرسيه بينما يقصدان الاصطبل خلال زياراته النادرة لقصرالدوقية توسكيا، و ينزعج من محاولاتها لمساعدته عندما تعلق عجلات كرسيهالمتحرك في مكان ما، لكنها تشعر بأنها مميزة عن غيرها لأنها كانت الشخصالوحيد الذي يبتسم لها بتلك الطريقة الطفولية.. نعم ... ربما هي مميزةلأنها استطاعت اقناعه بمحاولة الخضوع لعملية أخرى وقد فعل... و نجح.
"
أنت طــــويل جدا..." علقت ضاحكة و هي تمسك بيديه بدفء
"
و أنت تتكلمين بشكل أفضل من السابق..."
ملاحظته أسعدتها بقوة و دفء لذيذ تدفق في شرايينها مثل الأشعة الأولى للشمسفي فصل الشتاء، شعرت بأنها تذوب تحت نظراته قبل أن تعود الحقيقة ساطعة ومشعة في عقلها... هي حفيدة السائس وهو وريث آل ريتشي العظيم.... رباه ما الذيتفعله قريبا جدا من شقيق رئيسها؟
وضعت بينهما مسافة دون أن تتوقف عن الابتسام... ربما ما يشعره اليكساتجاهها هو صداقة وعاطفة أخوية، لكنها تشك في صحة مشاعرها اتجاهه في كلمرة... تعرف بأنه من المستحيل أن تتطور علاقتهما لشيء أعمق من مجرد تبادلالأسرار و النكات و غيرها، تعرف بأن وضعهما ما قربها... و تعرف بأنها لمتخلق لتكون لرجل بمقام ألكسندر ريتشي.
"
يجب أن تعـــ..ــود الى القصر... سيــــ...ـــقدم العشاء قريبا"
"
بيلا..." أطبق بيده على رسغها ليمنعها من الابتعاد " ما الأمر؟؟"
شعرت بغصة عنيفة تطبق على حلقها، هزت ذقنها الصغير و ابتسمت برقة:
"
لا يجب أن يــــــراك أحد هنا... مكانــــك في القصر"
لم يرد أليكس و اكتفى بجذبها مرة ثانية بين ذراعيه، هزت نحوه عينينمتسائلتين و جف حلقها بينما يمسك بذقنها و يحني رأسه باتجاهها ليأخد شفاههافي قبلة متملكة.
************

لمحمارك انطونيو سيارة الأجرة التي توقفت أمام بوابة قصر الدوقية بملامحمقتضبة، يديه في جيوب بنطاله تابع تقدمه نحو البوابة التي لم يسمح حارسهاالأمني للسيارة بالدخول، من القادم مجددا؟؟ مرشحة جديدة من طرف كاثي؟؟ وصلالى مستوى السيارة في نفس الوقت الذي خرجت منها امرأة طويلة القامة متشحةبالسواد.
هذه الأخيرة لم تنتبه اليه و تقدمت نحو الحارس تحاوره بلهجة ايطالية سريعة،النسمات الأولى لليل جلبت الى مسامعه بضع كلمات منها 'الموضوع عاجل... وقريبة السيد'
استقام الحارس ما ان دخل مارك في مجاله البصري و اشار نحوه للزائرة
"
السيد هنا يا آنسه"
استدارت المرأة نحوه و سمرته عيناها الرماديتين مكانه... كانتا تحجزان أكبر مساحة ممكنة في وجهها برموش تبدو خيالية.
"

ديو ميو غرازيا(شكرا يالهي)" سمعها تردد صلاتها بخفت قبل أن تنير ابتسامة رائعة بقية ملامح وجهها الرائعة الجمال.
"
أدعى ديامانتي ... ديامانتيسانتو بينيديتو"
سانتو بينيديتو... اليس هذا شهرة والدته قبل زواجها من والده و أيضا قبل أن تصبح السيدة فرنانديز؟؟
قبل أن تتعقد الأمور أكثر في عقله الذي لا يحتمل تشابكا أو غموض آخر، دنتمنه المرأة التي تضع على رأسها وشاح أسود و تتطلع اليه ببعض التوسل و اليأسبعينيها الكبيرتين:
"
و أنت... عائلتي الوحيدة المتبقية"


قلوب أحلام غير متواجد حالياً  
التوقيع
13th year anniversary celebration- احتفالية تأسيس روايتي الـ13

رد مع اقتباس
قديم 13-02-13, 07:37 PM   #6

قلوب أحلام

نجم قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية قلوب أحلام

? العضوٌ??? » 266960
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 334
?  نُقآطِيْ » قلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثالث


حملقت ديامانتي حولها ببعض الفضول و التقدير، قريبها تركها بمفردها في حجرة مكتبه التي أقل ما يقال عنها مذهلة، جذران عملاقة تستند عليها كتب نفيسة من كل لون و نوع، كنبات فاخرة وثيرة بلون الشكولا الساخن على سجاد راقي بالأزرق الملكي، كان هناك لوحة زيتية للقصر في القرون الماضية، رفعت دقنها نحو الثرايا الكريستالية البهية حيث تتلألأ بألف لون و تنهدت لكل هذا الترف، لامست بأصابعها سطح المكتب المصقول تتحسس نعومته قبل أن تنتبه للإطارات الذهبية الثلاثة، صبيين توأمين رائعين في سنتهما الأولى تقريبا، ثم قريبها مع نفس الصبيين لكن في سن أكبر، ابتسمت تلقائيا لملامح التسلية على الوجوه الثلاثة و الشقاوة في نظرات التوأمين الزرقاء... الشبه صاعق بينهم.
التقطت الإطار الثالث الذي يضم وجه امرأة شابة سمراء بشعر حالك... أقطبت ديامانتي وهي تقرب الصورة اكثر الى عينيها... المرأة الفائقة الجمال في الصورة تنظر مباشرة اليها و كأنها تريد ابلاغ رسالة عاجلة... اقشعرت ديامانتي لا اراديا ... احيانا حدسها و حاستها السادسة تلعب بعقلها و توهمها بأشياء غريبة، هذه هي والدة التوأمين بالتأكيد و اذا تذكر جيدا ما قرأته عن حياة مارك انطونيو في الصحف بأنها ميتة منذ زمن.
" آسف لتأخري... "
هجرت ديامانتي الإطار الذهبي في موضعه و إستدارت نحو صوت قريبها و مضيفها الدافئ، لم يكن بمفرده، شاب طويل القامة على قدر ساحق من الوسامة برفقته، ضمت ذراعيها اليها وشعرت ببعض الارتباك تحت نظرات هذا الأخير الخضراء المتفحصة.
قبل قليل بينما تسترسل في كلام بنص سبق و حفظته عن ظهر قلب وهي تترك روما - و بالتأكيد غضب داركو ورائها- و تركب القطار الى التوسكانا، لم يقاطعها مارك أنطونيو و لم يعلق على كلامها بالمرة، لكنه لم يكن باردا أو غير مبال كما توهمت قبل لقائه، بل دافئ و لطيف، الكلمة الوحيدة التي خرجت من بين شفاهه التي لا تهجرها الإبتسامة ' سعيد بمعرفتك ' بعد ذلك طلب منها الإنتظار و عاد برفقة هذا الرجل الذي لا يبدو مطلقا تلقائيا مثل مضيفها... بل حذرا و مشككا.
" أقدم لك جوشوا دانته ديكاتريس... نصف شقيقي وهو بالمقابل ابن امانويلا سانتو بينيديتو..."
إحتبست أنفاسها في صدرها من هول المفاجئة، الم يخبرها والدها بأن لعمتها ابن واحد يدعى مارك انطونيو ريتشي؟
" جوش أقدم لك ديامانتي سانتو بينيديتو... ابنة خالنا..."
غير قادرة على النبس بأقل كلمة تركت المجال للعنصر الجديد في عائلتها بالتعليق، هذا الأخير تفحصها ببطئ شديد بنظرات حادة الذكاء قبل أن يمد يده و يلامس بالكاد يدها:
" لم تأتي امانويلا يوما على ذكر عائلتها... "
ماذا يُفترض أن ترد على هذه الملاحظة؟ هي بالمقابل لم تعرف بأمر عمتها سوى حديثا.
" أظن... أظن بأن علاقتها بأبي كانت مهتزة ..." قاطعها جوشوا متهكما
" لايوجد في الكون من علاقته طبيعية مع امانويلا سانتو بينيديتو. "
" جوش... 'بيرفافوري' ( أرجوك)" تدخل مارك أنطوينو بصوت حازم، لكن يبدو بأنها تتسبب بالغضب بشكل او بآخر لصاحب النظرات الخضراء الذي يتطلع اليها بتحفظ و بعض الإشمئزاز:
" لا أفهم خطوتك المتأخرة لإحياء الرحم ... هل ارسلتك امانويلا؟"
مرة أخرى يناديها بإمانويلا بدل أمي، لكن ما الذي يحدث هنا بحق الله؟
" جوش... 'باسطا' (توقف) " منحها مضيفها ظهره ليواجه شقيقه و كأنه يحميها منه، استرخت قليلا ديامانتي لكنها سرعان ما عادت للتشنج عندما استرسل هذا الأخير في كلام محتدم بلغة تجهلها تماما.
" بحق الجحيم مالذي يصيبك؟ هل فقدت صوابك و جن عقلك لتعاملها بهذا التنازل و الاحتقار؟؟"
فتح جوشوا فمه ليتكلم وعاد لإغلاقه بينما يرى عاصفة الغضب بين طيات كلمات شقيقه بالبرتغالية، كيف يستطيع شرح ما يختلجه لهذا الأخير دون أن يجرحه.؟ من السهل القول و ببساطة أحاول حمايتك من المرأة التي قتلت حبيبتك... ربما والدتهما وراء مجيئ هذه الفاتنة بغية التجسس و جس النبض.
منذ سنوات تعلم الا يأتي على ذكر سيرة لينيتا دا ماتا، الذكريات الأليمة التي يتسبب بها الماضي تترك مارك في كل حالاته.
قبل قليل أتى شقيقه الى الحديقة بوجه عاصف بالمشاعر، مارك لديه نقط ضعف غريبة اتجاه عائلته و أقاربه، بينما يهدهد جوشوا ابنته بين ذراعيه ليهدئ من صراخها العالي أعرب له هذا الاخير عن رغبته بلإنفراد به، أعاد جوشوا ابنته الى آنجلا قبل أن يرافقه الى الداخل... في طريقهما لخص له ما يحدث.
امرأة تفوقت في ملامحها على الجمال العادي متشحة بالسواد من كانت وراء حماسة شقيقه، لا يوجد أدنى شك بقرابتهم هم الثلاثة... ديامانتي سانتو بينيديتو أخدت كل مقومات الجمال من عمتها و توارث الملامح بينها و بين مارك انطونيو صارخ.
" لم أهذف لإغضابك... " رد جوشوا بنفس اللغة لكن مارك رمقه بنظرة سوداء.
" لستُ من يستحق الإعتذار بل هذه المسكينة، أين العيب في زيارتها؟ يجب أن تسعدك خطوتها... أن يفرحك بأنه لدينا عائلة في ايطاليا... فمهما تعددت مساوء امانويلا فهذا لن يدفعني لقطع صلتي بأقاربي من طرفها..."
زم جوشوا شفتيه و تطلع الى المرأة الشاحبة خلف شقيقه، الوشاح الأسود انزلق من رأسها ليكشف عن خصلات ذهبية في غاية الروعة، بدت هشة و صغيرة و تعبير تائه مرتسم في عمق بحر عينيها الحوراء... كانت فاثنة بشكل مرعب و هذا لا يشعره بالراحة.
" آسف لسلوكي ... " تكلم بالإيطالية بهدوء " ليس لدينا أي أخبار عن عمتك اذا كان هذا هو سبب زيارتك المفاجئة ..."
تنقلت حبتي الؤلؤ في قعر عينيها بينه و بين مارك وبان الحزن على وجهها الدائري و تمتمت بخيبة :
" تمنيت لو تكون هنا..."
هذه المرة مارك هو من تكلم بلطفه المعتاد:
" امانويلا لا تعيش هنا آسف لتخييب آمالك..."
هزت رأسها متفهمة و استرسلت في الشرح ببعض التوثر:
" كنت... كنت مثلكما جاهلة بأمر قرابتنا... حتى انني كبرت مع فكرة كون أبي وحيد والديه، قبل أن يموت هذا الأخير أطلعني عن الموضوع و طلب مني أن أجدها لتزور قبره من الفينة و الأخرى... بأنه آسف لأن علاقتهما لم تكن طبيعية كأي شقيقين"
بدت نبرتها صادقة لدرجة دفعت جوشوا ليتخلى عن حذره، ارتخت كتفاه و قاوم بعنف الا يخبر هذه المسكينة بأن المرأة التي تتكلم عنها بكل هذا التقدير لن تأسف لرحيل والدها.
" لا أملك أحدا بعد رحيله... حسبت بأن قدومي الى هنا خطوة ايجابية قد تجعله مرتاحا في قبره"
دنى مارك منها ووضع كلتا يديه على كتفيها، جوشوا يعرف جيدا هذه النظرات، نفسها ما اشعرته بالطمأنينة في ريو دي جينيرو بينما يتكلمان للمرة الأولى كشقيقين.
فلتسعد ديامانتي سانتو بينيديتو صارت تحت حماية مارك أنطونيو الكُلية.
" نحن سعيدين بقدومك و هذا منزلك... ابقي هنا ما شئت فأنت مرحب بك"
ابتسامة مشرقة زادت من روعة ملامحها الأنثوية.
" هذا كرم منك سيدي..."
" ناديني مارك... اهلا بك في قصر الدوقية توسكيا..."
دنى من المكتب و ضغط على بعض الأزرار ثم تابع يقول بعملية:
" تبدين مرهقة أقترح أن تصعدي الى غرفتك وترتاحي، سوف تجلب لك الخادمة طعام العشاء، و غدا... سوف أعرفك على باقي أفراد العائلة"
ظهرت الخادمة في عتبة باب المكتب وبعد تعليمات مارك انطونيو تبعتها ديامانتي تضم حقيبتها الصغيرة اليها.
" لا حدود لكرمك و طيبتك مارك"
" آه توقف عن التهكم و اسمعني... لست غبيا ولم أولد البارحة كي لا أفهم سبب ثورانك على ديامانتي... لكنني كبير كفاية لأحمي نفسي من أي خداع 'كابريشي'(مفهوم)؟ تلك الفتاة أتت على فقدان والدها و تحتاج للدعم... منزلي ملاذها متى شائت دعها تعيش حدادها بسلام أخي... وتوقف عن هوسك بحمايتي " ثم جلس خلف مكتبه على المقعد الوثير، ضرب قليلا بأصبعه على دقنه مفكرا:" أتحرق لإستجواب ادواردو ريتشي بشأن الخال الذي لم يشر اليه ولو مرة واحدة في حياتي... لا يتوقف أبي عن ابهاري بأسراره"

*****
" رباه أشعر بعاصفة عاتية قادمة تهدد بسلب السلام الذي نعيش فيه... والدي لم يكن بالمرة طبيعيا بعدما انفرد بمارك في مكتبه بعد العشاء"
فركت آنجلا صدغيها بتعب، ملامح وجه والدها العاصفة ستكون السبب في كوابيسها لهذه الليلة هي تعرف . عادت ترمق الغرفة الفكتورية الفسيحة التي تناقض تماما صورة الرجل الذي يقف في وسطها بين ذراعيه طفلة تمص ابهمها و تتشبث به بقوة كي لا يهجرها ما ان يغالبها النوم. في العصر الذي تمت فيه تشييد هذا القصر و هذه الغرفة لم يكن الرجال من يتولوا أمور أطفالهم بل المربيات و الخدم، ربما هذا يعود لعصرنا الحالي الطبقة الارستقراطية تترك شؤون اطفالها لمربيات متمرسات الى ان يبلغوا سن محددة يتم ارسالهم الى مدارس خاصة، جوشوا مجنون بإبنته... ليليان أو ليلي كما يناديها الكل، يرفض ان تهتم مربية بها طوال الوقت، يردد في كل مناسبة بأنه ليس نبيلا و لا ارستقراطيا و انما كبر في أشد أحياء البرازيل خطورة، ما يربطه بمكانته الاجتماعية المخملية اسمه و لقبه الذي سيرثه لاحقا.
'ليلي' بين ذراعي والدها تمثل تناقضا لذيذا جدا ببشرتها الناصعة البياض وجدائلها الشقراء، تريح رأسها الصغير على صدر والدها المكشوف الشديد السمرة، تبدو هشة و دقيقة بينما عضلات ذراعيه المفتولة تتحرك بصرامة تحت بشرته الذهبية، أخذت نشوة عارمة بمراقبتهما... ليلي تعشق والدها ترفض النوم بدون حضوره، كما كانت هي مع والدها في طفولتها...
كم هو فاثن زوجي... فكرت وهي تراقبه يقبل الرأس الصغير و يدلف أنفه للحظات بين خصلاتها الذهبية قبل أن يضع الجسم المسترخي بكل كياسة في المهد القريب من السرير الذي يتقاسمه مع زوجته، بعد لحظات جلس بالقرب منها و تطلع اليها بإهتمام و بعض القلق:
" هل أنت بخير؟ تبدين مرهقة و مضطربة؟ مارأيك بفنجان من البابونج أو ربما شاي بالأعشاب قد..."
" جوش توقف..." قاطعته برقة و التقطت يده بين يديها " عندما تتطلع الي بهذه الطريقه أشعر و كأنني مصنوعة من زجاج ...أنا بخير توقف عن القلق... الفيكونت الصغير في بطني ساكن و مسترخي للغاية... وجبة بيلا الليلة أراحت كلينا وصنعت المعجزة... "
" سعيد بسماع ذلك أميرتي الشقراء... لا تشغلي بالك بموضوع والدك و مارك... قد ينفجر كل منهما في غضب محتدم لكنهما لا يلبثا أن يتفقا و يزول غضبهما كما بدأ... ادواردو محق بالتحفظ اتجاه زيارة قريبتنا... لكن أجد وجهة نظر مارك معقولة ايضا... انه كبير كفاية ليدرك نوايا هذه الأخيرة و أهدافها..."
" كيف تبدو؟؟ يكاد الفضول أن يقتلني..."
" امرأة ككل النساء..." تجنب بكل حذر الإشارة لجاذبيتها المميزة.
أقطبت آنجلا و تطلعت اليه ببرود وكما توقع اجابته المختصرة لم ترقها المرة:
" أتكلم عما تخفيه نظراتها..."
نعم هو يفهم بالتأكيد الى ما تشير... منذ حملها تعتبر كل النساء منافسات لها.
" نظرات طفل وديع زجع فقد لتوه والده... سوف تتفقين معها و تحبينها "
و كانت الحقيقة، روح طفلة مجردة تماما من التجرية مسجونة في جسد امرأة فائقة الإثارة وهذا استنتاجه الأخير ويوافق شقيقه برأيه، تحركت في مكانها بعدم ارتياح، خنق جوشوا اعتراضه في حلقه و استمر بالتحديق اليها بجدية، قضمت شفتها السفلى بعصبية قبل أن تسأل نفس السؤال الذي يحفظه عن ظهر قلب:
" الم تسأمني بعد ببطن مكورة مثل كرة السلة ووجه منتفخ و جسد يشبه الحوت..."
يأس من هذا السناريو الامنتهي...
" نسيتِ مزاج سيء طوال الوقت..." اضاف ببعض التسلية متهربا من أي نوع من الاستفزازات العاطفيه، لا يريدها ان تنفجر في احدى موجات غضبها السوداء و تغرقه في اتهامات لا محدودة.
لكنها لم تبتسم لمداعبته، لرؤيته دموع مفاجئة ملأت عينيها الرائعتين، اختفى كل اثر للتسلية من وجهه و أخد وجهها بين يديه:
" آنجلا..."
" أشعر بنفسي بشعة بينما أنت... أنت تشع وسامة و تثير اهتمام النساء اينما ذهبت... " لم تتمم عبارتها، هجرت السرير و أسرعت قدر المستطاع الى الحمام، دون ان يسمح لها بغلق الباب كما آلفت خلال أزمات اكتئابها جلس على ركبتيه بالقرب منها بينما تفرغ ما في معدتها خارجا.
غسل وجهها المحمر و نظف المكان قبل أن يأخدها بين ذراعيه مطولا الى ان انتهت من موجة البكاء الحاد.
" ما الذي يحدث حبي؟؟"
" لم تغفل عني نظرات 'آنا' طيلة العشاء... أكره أن تأتي الى هنا..."
" لم تلقي نحوي 'آنا' نظرة واحدة... كل اهتمامها انصب على مارك انطونيو..."
" كيف عرفت اذن؟؟؟ أمضيت وقتك بمراقبتها؟؟" صرخت به بإتهام وهي ترمقه بنظرات سوداء.
" رباه... كل من على طاولة العشاء انتبه لملاحقاتها الصامتة... آنجلا بليسيما ميا... أعشقك كما أنت و كيفما تكونين، نحيفة أو سمينة بسبب حملك لا يهمني شكلك بقدر ما يهمني ما يختبئ هنا..." وضع يده على صدرها في جهة قلبها الذي يخفق بعنف، ثم بيده الثانية لامس بطنها المكورة بحنان " من المستحيل أن يخفق قلبي لأمرأة غيرك... انت ملكته و تتربعين على عرشه"
تراجعت عن هجموها رويدا امام اعترافاته الرقيقة، قبل أن تتراكم العديد من المشاعر في طيات ملامح وجهها الجميل:
" تتعمد إثارة غيرتي... لا تعد الكرة جوشوا... اشعر بأنني أموت كلما تكلمت عن إمرأة..."
بوهن اعترض مدافعا عن نفسه:
" تلك المرأة هي قريبتي آنجلا... من المستحيل أن تفكري في خيانة محتملة معها أيضا؟؟ حبيبتي تمضين حملك في توهم الأسوء نحوي... عندما كنت حامل بليليان اتهمتني بإنني على علاقة بسكرتيرتي، و أصريتي على طردها ووضع رجل مكانها .."
" لأنني كنت أتلقى رسائل لا تعد و لا تحصى من شخص مجهول و أنت تعرف..." سقط غضبها وزحف الضعف الى وجهها : " أعرف بأن هذه الزائرة هي قريبتكما أنت و مارك... إعذر غيرتي الحمقاء... أما بالنسبة لآنا..." قاطعها بحنو:
" سوف نرحل بعد عيد مولد التوأمين مباشرة، لن نرى آنا مجددا الا اذا جمعتنا صدفة مماثلة السنة المقبلة ... رالف و جو أبناء شقيقتها لا حق لنا بلإعتراض على وجودها... "
وضعها في السرير كما فعل قبل دقائق مع ليليان ووضع حولها الأغطية قبل أن يقبل راسها برقة:" اصر على أن تشربي شاي بالأعشاب كي يساعد أعصابك على الإسترخاء"
شدت فجأة يد آنجلا على يده بتملك يشبه اليأس، أظافرها المقلمة انغرست في بشرته السمراء بطريقة مؤلمة لكنه لم يقاطع هذا العقاب الذي يعكس اضطراب نفسيتها الحالية، رمقته بنظرات شرسة بينما اضحى لون عينيها شفافا:
" لا تتأخر..."
نذبات حمراء تركتها أصابعها التي استرجعتها و دستها تحت الغطاء، أبعدت وجهها عنه و معه نظراتها المشتعلة بالغيرة:
" لن التحق ب'آنا' أو غيرها في سريرها " بلع باقي كلماته مع الغضب الذي تشعله دوما ازاء ثقتها القليلة فيه... ضاق ذرعا بهرموناتها ووضعها , يجاهذ ما استطاع ليحافظ عن برودة اعاصبه و يبرهن لها في كل ثانية عن ولائه و عشقه لها... نفس الوضع يتكرر، في حملها بليليان كادت ان تفقده رشده بشكوكها و ازمات غيرتها لكن الوضع تغير ما ان وضعت ابنتهما، وعادت لطبيعة المرأة التي تزوجها.
كم بقي لتضع ابنهما؟؟ شهرين؟؟ سيتسلح بالصبر و القوة الى أن ينتهي هذا الكابوس، وبعدها... لا يرغب بحمل ثالث.
" لا تنزل الى المطبخ بهذا الشكل جوشوا... القصر يعج بالنساء"
" أعرف حبيبتي، لن أغادر الغرفة شبه عاري فلا تقلقي..."

*****
برفق أغلقت ديامانتي باب الغرفة خلفها وضمت روبها الحريري حولها، الرواق الا منتهي غارق في صمت تام، الانارة الطفيفية للمصابيح الفضية الجانبية تزيد الطابع الفكتوري للمكان هبة تسلب الالباب، بدل استعمال المصعد نزلت السلم الشاسع المغطى بسجاد أحمر وثير يخنق صوت خطواتها الرشيقة، الباحة الرخامية مهجورة تماما... تلذذت بهذه الحميمية لتروي عطش فضولها.
قبل ساعات قليلة حلت ظيفة على سيد القصر الذي فاق استقباله أشد توقعاتها جنونا، برودة قريبها الأخر لم تزعزع راحتها و لا نشوتها، كانت تشعر بالانتصار على دراكو... فرارها تكلل بالنجاح و أصبحت حرة الأن
بينما تقودها الخادمة قبل ساعات الى غرفتها توقعت ديامانتي ان تكون هذه الأخيرة فاخرة كباقي ما شهدته عينيها من البدخ من حولها، لكن ما ان فتحت الباب و دعتها للدحول حتى ترددت بتلبية الدعوة و القت نظرة اسف على حذائها المغبر الذي سيدوس السجاجيد النفيسة المنتشرة على الأرض الرخامية، اذا كانت غرفة الظيوف تشبه قصص ألف ليلة و ليلة بروعتها فكيف ستكون عليها الأجنحة الرئيسية التي يستعملها سادة المكان؟
غرفتها - التي تفوق مساحتها منزل والدها - مفروشة و مطلية بألوان زاهية تسر العين، سريرها بشراشفه الحريرية الياقوتية و أعمدته الخشبية و ستائره اللينة و الشفافة يخص أكثر الأميرات الإيطاليات في القرون الماضية، جذران مطلية باللون الذهبي المرمري و موبيليا فكتورية منقوشة تشهد تاريخ سيدات قصر الدوقية لا يفتقد المكان بلوحاته الزيتية ولا منحوتاته الرخامية الى المزايا الملكية، بكل تردد تقدمت الى الغرفة، تدور بنظراتها بكل افتتان الى ماحولها، تتفقد كل التفاصيل الكبيرة و الصغيرة التي تعكس تماما وزن صاحبه و مكانته.
توقفت بخجل تقريبا أمام الجذار الزجاجي الذي يطل على أجمل ما تفنن به الخالق في منطقة التوسكانا، انفرجت شفاهها ولم تمنع تنهيدة اعجاب بالانفلاث منهما.
بعد ذلك جاء دور الحمام، تمنت لو يكون أقل بدخ لتتمكن من الاغتسال فيه دون ان يصيبها الهلع، بينما تقوم الخادمة بتوجيهها الى مكان المناشف الاسفنجية حيث خاتم القصر واضح المعالم نظراتها الحالمة ضمت العمودين الرخاميين بالبيج و الأسود يضمان بينهما حمام جاكوزي دائري الشكل تقوم اليه ثلاث درجات نصف دائرية من الرخام باللون البيج، هزت نظراتها الى السقيفة المتطابقة الهندسة مع سقف الحمام الرئيسي، مقعر في الوسط، أنوار ذهبية تتلألأ في قلبه و كأنها النجوم وسط سماء في وقت الغروب.
" سأعود بصينية العشاء بعد أن تستحمي سيدتي، هل تأمرين بإعداد طاولة عشائك في الشرفة؟؟"
لما لا في الحمام؟ بأرضه الرخامية المزركشة بالبيج و الاسود و أعمدته الفخورة و ستائره الذهبية الملكية و مناشفه الموقعة برمز قصر الدوقية يتفوق على أرقى المطاعم التي سبق و سقطت عيناها عليها.
فكرة تناول عشائها في الشرفة إغراء لا مثيل له، لكنها لم تتعود بعد على عالمها الجديد ولا تريد أن يلمحها فرد من عائلة سيد القصر الذي فضل تأجيل لقائها بهم الى الغد ابتسمت بلطف للخادمة:
" سأتناول العشاء في الغرفة شكرا لك..."
لن تتجرأ مطلقا على قول غرفتي، من المستحيل ان تستعمل كلمة مماثلة بينما تطوف فوق سحب النشوة و عدم التصديق.
عندما رحلت الخادمة تخلصت هي من حذائها المغبر و تمنت لو ترميه في سلة المهملات...لا... حتى صندوق الحاجيات المستعملة لا يليق به هذا الاسم المذل... كان ذهبيا لماعا و تفوح منه رائحة الورود البرية بدل الأوساخ.
بحذر شديد لامست الستائر حول سريرها، كانت ناعمة الملمس رومانسية المنحنيات، ثم انزلقت اصابعها الى الشراشف من الستان اللؤلؤي و اتسعت ابتسامتها كطفلة اتت على تذوق حلوى للمرة الأولى في حياتها، جلست على طرف السرير ولم تقاوم إغراءاته و دعواته فاستلقت على ظهرها بسعادة و أغمضت عينيها بنشوة متلذذة براحة الفراش الفخم تحت عضلات ظهرها المتشنجة من السفر و الإجهاذ.
رغم ارهاقها و دعوة الفراش و الشراشف للنوم، أخذت أغراضها المتواضعة و استعملت الحمام، بالتأكيد لم تطأ قدميها الدرجات الثلاث الرخامية التي تقود الى الجاكوزي، بل وقفت تحت الدوش و تخلصت من ارهاقها بفضل مياهه النفاثة.
الخادمة عادت في الوقت الذي خرجت منه من الحمام ترتدي روب أبيض و تلف شعرها في منشفة، شعرت ببعض الإحراج لكن يبدو أن هذه الأخيرة معتادة على خدمة أسيادها بهذا الشكل.
" ان احتاجت السيدة لأي شيء فلتضغط على الزر رقم 1 في الهاتف... هذا الرقم خاص بالمطبخ..."
غصة بحجم التفاحة في حلقها شكرت الخادمة بهزة من رأسها، هذه الأخيرة اختفت بهدوء كما وصلت... لكن الوقت تأخر جدا بينما تشعر بالعطش، ولن تجرؤ على تركيب الرقم 1 وهي تعرف بان الكل أكمل عمله و التجأ الى سريره.
رغم عتمة المكان الطفيفة , روعة الهندسة و الموبيليا الفاخرة و الكنبات المصممة خصيصا لتتناغم مع هندسة المكان.. تخطف انفاسها تسائلت ألف مرة عن نوع الحياه التي يعيشها الأثرياء عندما عرفت بهوية دراكو و نبل سلالته، في بداية تعارفهما عندما كان مريضا مميزا في المستشفى حيث تعمل، أخبروها بأنه يزن ثروة و أنه يملك طائرة خاصة، آنذاك لم تصدق الأشاعات التي تحوم حوله، اذا كان الوسيم الأسمر المتطلب و الغاضب في سريره الطبي ثريا فلماذا يهتم بممرضة مثلها؟ كان وجهه يتغير و يتبخر غضبه عندما تأتيه شخصيا، لم يكن يتكلم كثيرا لكنه يمضي وقته بالتهامها بنظراته السوداء الى أن يفقدها شجاعتها و يصيبها بلإرتباك.
في يومه الأخير في المستشفى عندما أتت لتوقيع الكشف الأخير بعد زيارة الطبيب، تكلم معها للمرة الأولى... ليس كمريض بل كرجل قرر اغراء امرأة.
كان قد أغلق باب الغرفة ما ان دخلت، قبل أن تفهم جيدا لعبته أمسك بمعصمها و جذبها الى صدره قبل أن يقبلها قبلة عاطفية جعلت اعتراضاتها تختفي كما مقاومتها، عندما ابتعد عنها نظراته السوداء توهجت مثل حجر كريم قاتم وتمتم بصوت منخفض و مهتز من الاثارة:
" سيناسبني ان تشتكي لإدارة المستشفى تصرفي، ستكون فرصتي لأقر بإعجابي بفرد من طاقمها الطبي و أيضا رغبتي بالخروج معك لتناول العشاء غدا مساءا..."
كالمسحورة وافقت و تركته يفتنها و يسيطر على عواطفها في الأيام التي تلت، كان ثريا كما قالوا في المستشفى و صدقت الإشاعات، لكنه لم يكن مهتما بمكانته النبيلة ولا بنفوذه... كان مجرد شاب خفيف الظل و رائع ينجح بإضحاكها و اسعادها.
اكتشفت نوع العالم الذي يعيش فيه عندما دعاها للعشاء في فيلته الفاخرة في قلب روما، بذخ ما رأته ذلك المساء أشعرها بعدم الارتياح و تمنت العودة سريعا لبيت والدها، لكن لدراكو خطط أخرى سرعان ما كشف عنها عندما طلبت منه العودة.
" ظننت بأننا سنمضي الليلة معا..."
رغما عنها شعرت بالإهانة، تعرف بأن الفتيات في سنها تجاوزوا المرحلة من سنوات لكن لديها مبادئها و ترفض تغييرها حتى و ان كان قلبها يخفق من أجله.
" لم أتقاسم الحب مع رجل و لن أفعل خارج نطاق الروابط المقدسة..."
كلامها الجاف لم يزعجه و لم يتذمر لتشبثها بتقاليد قديمة، بل انشرح وجهه و لمعت عيناه ببريق فخور و راضي:
" عذراء بجمالك لا أنكر بأن هذا لم يخطر ببالي... نساؤنا أصبحن متحررات "
" أسفة لتخييب ظنك... فلتقل بأني رجعية العقل هذا لا يهمني..."
" لم تخيبي ظني بالعكس... أنت تذهلينني في كل مرة 'كوري ميو'..." بكل كياسة و رقة و كأنه يخاف على جعلها تفر منه لامس وجهها المشتعل بأطراف أصابعه السمراء :" فلنتزوج اذن..."
المفاجئة ألجمت لسانها، تطلعت اليه بعدم تصديق قبل أن تهمس :
" بالكاد نعرف بعضنا..."
" أحبك... آه أنسي هذه الكلمة سخيفة " بإبتسامة عريضة مسح تعبيرها المتجهم " أنا لا أحبك بل اعشقك بكل كياني، معرفتي بأن لا رجل قبلي لمسك يملأني بالفخر و الغرور... أريدك زوجتي و سأجعلك سعيدة الى ماتبقى من عمري"
كادت السعادة أن تفقدها رشدها، رغم تحفظ والدها عن تسرعهما الا أنها سايرت جنون خطط داركو و بعد أيام قليلة تزوجا.
بمرارة أبعدت هذه الذكريات المؤلمة من عقلها، لم تسنح لها الفرصة لزيارة قصره في صقيلية، الكل يتكلم عن المكان و كأنه أحد عجائب الدنيا السبع، لن تتمكن من المقارنة بين قصر الدوقية توسكية و بلازو دي فالكون، ولا تريد ان تعرف يوما شيئا عن ممتلكات زوجها... لا يهمها و لم تعد تحبه و الإشمئزاز هو الشعور الذي يتملكها عندما تكون بقربه.
ضمت مجددا طرفي روبها اليها و تسائلت باي معجزة ستجد المطبخ أمام شساعة غرف الجلوس التي تتوالى الواحدة بعد الأخرى.
حدسها دفعها الى الجهة الشمالية لرواق آخر لا يقل روعة عما سقطت عليه عيناها الى الأن خنقت صرخة دهشة بينما تصطدم بجدار آدمي في نهاية الرواق الذي يطل على باحة جديدة كالمتحف بتماثيلها و لوحاتها.
" سكوزة مي ( إعذرني)..." ماتت الكلمات بين شفتيها عندما أمسكت عفويا يد الرجل برسغها كي يساعدها على استعادة توازنها و يجنبها الوقوع:
" بير لاموري دي ديو كي فاي كوي؟؟ ( حبا بالله مالذي تصنعينه هنا..؟؟)"
مرة ثانية... لقاء غير مرغوب به بقريبها صاحب النظرات الخضراء التي ترمقها ببرود و استهجان.
" أبحث عن المطبخ... أنا عطشى..." شرحت له بإرتباك و قد احمر وجهها امام نظراته الصارمة حررها من قبضة صلبة، استمر للحظات بدراستها قبل أن يضع اكبر مسافة بينهما و يشير اليها لتتبعه:
" أنا أيضا ذاهب اليه... من هنا رجاءا"
*****
ما تفعله سيء، الله وحده يعلم كم تشعر بالتوثر لتسللها من غرفتها الواقعة في الجناح الخاص بغرف الخدم لتلتقي بأليكس ما ان وصلتها رسالته في هاتفها الخلوي، كان من الممكن جدا أن تتجاهل رسالته هي تعرف، لكن الفضول و الشوق دفعاها لهذا النوع من المغامرات الذي لم تألفه يوما، كما أن الوقت متأخر جدا و القصر شبه مهجور... الا من الحراسة الأمنية المنتشرة في حدود ممتلكات القصر.
دخلت المطبخ وما لبثت ذراعين قويتين بضم خصرها و جذبها الى كثلة من العضلات القوية، أغمضت عينيها و تركت نفسها تؤرجح لثوان قبل ان تستعيد القليل من العقل الذي لم تتلفه حقا الحادثة:
" اليكس ما نفعلـــ...ـــه جنون..."
" من أخبرك بأنني أملك ذرة تعقل واحدة؟" تجولت شفاهه المتلهفة على خصلات شعرها قبل أن تحرر أصابعه الشريط الذي يأسره و يتهدل شلال الذهب الناعم على كتفيها...
" لا يجدر بي التواجـــــ...ــــد هنا في هذا الــــ...ــــوقت..." تمتمت بصوت بالكاد تعرفت عليه، أدارها بين ذراعيه ليواجه عينيها القلقتين، رغم المكان الشبه مظلم أذابت ابتسامته عظامها و شعرت بالخواء في ركبتيها.
التقط وجهها بينن يديه القويتين و التهمتها نظراته الزرقاء المتوهجة مثل شعلة من نار:
" لما أتيت اذن؟"
سؤال وجيه، فكرت بيلا وهي تزدرد ريقها بصعوبة، لا تحب المخاطر و لا المغامرة منذ أن كادت تفقد حياتها بسبب ذلك... ويبدو انها ستفقد عملها و جديها عملهما ايضا ان اكتشف احدهم لقائها هذا.
" أتيت لأخبــــ...ــــرك بأن ما حدث في بيت جدتي ســـــ...ـــيء وعلينا عدم تكــــــ...ــــراره..."
هز اليكس حاجبية بتسلية دون أن تبتعد يداه عن وجهها ولا إبهامه عن مداعبة بشرتها المخملية... حركة طفيفة تكاد أن تفقدها رشدها و تجعل مشاعرها تتراقص بعنف نار في قلب مدفئة.
" نكرر ماذا؟؟؟"
" ايه.. أنت تعرف ما أقصده..." إحمر وجهها أمام تعبيره لكن خجلها لم يدفعها للهرب من ملامسة يديه على وجهها... من سجن نظراته المغرية... من التسلية في عمقهما.
" تقصدين هذا؟؟"
قبل أن تعترض وصل الى شفاهها و أطبق عليهما في قبلة حارة، نسيت مكان تواجدهما... الفارق الشاسع بينها و بينه... نسيت انه اليكسندر ريتشي و انها حفيدة السائس ولم يتبق سوى الحمم البركانية التي تنساب في شرايينها و تشل مقاومتها و أيضا عقلها -المتضرر- من التفكير.
تركت قبلتهما تتحول الى ما هو أعمق مما سبق و تشاركاه أمام منزل جدتها، لفت عنقه بذراعيها و تنهدت بسعادة بينما يديه تنزلقان على ظهرها لتسجنان خصرها و يضمها اليه بشكل أقوى.
انه اليكسندر ريتشي أيتها الغبية استفيقي من جنونك و ضعي مسافة بينكما... صوت ضعيف جاء ليفسد سعادة ما تشعر به، لكنه أضعف مما تعيشه من غرام في هذه اللحظة... مطلقا لم تشعر بنفسها أنثى كاملة كما تحس اللحظة... منذ الحادثة تجاهلها الشبان و كأنها مرض معدي، وقبل الحادثة لم تلتق برجل مثل اليكس... لم يقبلها أحد بهذه الطريقة التي تجعل ألعاب نارية تتفجر في رأسها بشكل متوالي... لم تشعر بأنها مرغوبة و...
" آه...عفوا..."
صدى الصوت وصل متأخرا الى عقلها، في البداية وجدت رنة صوت اليكس مختلفة عن المعتاد، عينيها استجابا لرغبتها في الإنفتاح بعد ثانية كاملة... عندما استقبلها نور قوي للمكان تسائلت متى أشعل هذا الأخير الانارة... لكنها فهمت متأخرة الوضع الحقيقي عندما شعرت بتشنج عضلات ذراعيه على خصرها... وضعت يديها على صدره و التفتت نحو الباب... تمنت الموت على رؤية جوشوا ديكاتريس
" آه... ديو..." تمتمت بصوت من حكم عليه الموت لتوه.
بلا ثانية تأخير دفعت أليكس الذي حاول الامساك برسغها ليمنعها من الهرب بلا جدوى.
ملأت الدموع عينيها وهي تسرع الى الباب الفاصل بين جناح الخادمات و المطبخ.
انتهى كل شيء... غدا سيتم طردهم جميعا.


قلوب أحلام غير متواجد حالياً  
التوقيع
13th year anniversary celebration- احتفالية تأسيس روايتي الـ13

رد مع اقتباس
قديم 13-02-13, 07:49 PM   #7

قلوب أحلام

نجم قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية قلوب أحلام

? العضوٌ??? » 266960
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 334
?  نُقآطِيْ » قلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الرابع


كانت مثيرة كما عادتها بشعرها الشديد السواد و بشرتها السمراء التي تبرز أصولها الاثينية، جسدها الممشوق يناديه بإغراء من بين ثنيات الدانتيل لقميص نومها الكرزي اللون... دنت منه دون أن تفارق الابتسامة شفاهها المغرية ولامست وجنته بطرف أصابعها الطويلة ... لمسة حانية لم يشعر بها ... طالبا لعاطفة أكبر مد يده نحوها في حركة يائسة ... يفتقد دفئها و يكاد الشوق أن يفقده صوابه، عندما نجح بدلف أنفه بين خصلات شعرها الغجري رائحة الدم النتنة ما ألهبت رئتيه و ليس عطرها الشذي.
بحث عن تفسير في الجسد الملتصق به ووجد ملابسه ملوثة بدماء غزيرة... بسط راحتيه أمامه ووجدهما غارقتين في السائل الأحمر القاني، هز عينيه نحوها... الإبتسامة فارقت وجهها الجميل الذي أصبح خاليا من أي تعبير... جسدها النحيل مشوه بثقوب غائرة في جهة الصدر و البطن... هي من تنزف... وهي مصدر سيول الدماء التي ترفض التوقف ... إنتبه إلى أنها بدأت بالإبتعاد إلى الخلف دون أن تتحرك ساقيها حقا... في نظراتها عذاب و خيبة أمل... عتاب و ملامة... في نظراتها رصاصات من التبكيت و الخزي.
رفض أن تختفي رغم بشاعة منظرها ... هو لا يهابها... يريدها أن تبقى فحسب ليداوي جراحها و يطلب غفرانها على خذلانه لها.
لكنها لم تستجب لتوسلاته بالإنتظار و استمرت بالإبتعاد... و قبل ان يلفها الظلام خلفها همست له بإتهام:
" أنت قتلتني..."
" لا..."
جلس مارك أنطونيو على سريره بينما جسمه متعرق و كل عضلة من كيانه تهتز بعنف... أنفاسه ثائرة...لاهثة و كأنه ركض أميالا.
جالت عينيه الجزعتين حوله لبضع ثوان في العتمة يبحث عنها قبل أن يفهم أنه في غرفته و سريره... شعاع ضئيل من الهلال ما كان يتسرب من الشرفة لينير بضوئه الشاحب المكان.
مد يدا مرتجفة الى مصباح الشوفيه و أناره... يكره الظلام... نفس الظلام الذي حام حول حياته منذ أن قرر الموت اللعين أخدها منه و الحكم عليه بالمعاناة و العذاب الى آخر أيامه.
بعصبية مرر بيده على وجهه المبلل... إن كان العرق أم الدموع هو لا يعرف، لكن الكآبة و اليأس اللذين يشلانه في هذه اللحظة أكثر ما يشعر به.
إنه يفتقدها...
يشعر بأنه سيموت من شدة محنته و شقائه اللذان لم يخفا طيلة الخمس سنوات ونصف.
إلتقط الإطار الفضي قرب مصباح الشوفيه وانزلق قلبه من بين ضلوعه و هوى بلا رحمة بين قدميه... حب حياته تبتسم ببراءة و عاطفة، تنظر نحوه و كأنها تتأهب للهرب إن قرر الركض إليها لدغدغتها في أية لحظة، لكنه إستغل حسن مزاجها آنذاك و التقط لها الصورة... في رحلتهما لجزيرة سبيوس اليونانية الخاصة بصديقه نيوس... الرحلة الوحيدة التي قاما بها عندما كانا معا... الوحيدة و الأخيرة.
إختفت ملامحها الحبيبة خلف غيمة دموعه الكثيفة ، و تأوه بعذاب ثم أطبقت أصابعه على الاطار الى أن إبيضت مفاصلها، و أسند رأسه الضبابي على الزجاج البارد يحن لملمس حقيقي لبشرتها الناعمة... تملكته رغبة للنحيب مطولا على كتفها مثل طفل صغير كما لم يفعل يوما أمامها... يريدها أن تعرف كم هو ضعيف و بدون أي فائدة من دونها... يريد أن يبكي بين ذراعيها مرارة و ألم السنوات الماضية... يريد أخيرا عيش حداده.
" أشعر بالتعب... التعب و الإرهاق من دونك..."
بقي للحظات يسند جبينه على جبينها و شعر ببعض المواساة عندما أصبح الزجاج دافئ... و كأنها هنا... تحيطه بذراعيها و تغمره بحبها كما آلفت.
" أريد شراء أخطائي لينيتا... لا أعرف كيف سأعيش السعادة مجددا بدون هذا الثقل الرهيب في صدري..." أبعد جبينه ليتمكن من النظر مباشرة في عينيها الرماديتين، مسحت أصابعه السطح الندي بأنفاسه و عبراته لتتوضح له ملامحها بشكل أفضل" لما رحلتي؟؟ كل سنة... أجبر نفسي على الاحتفال لطفلينا... أجبر نفسي على تصنع السعادة بينما ذكرى مولدهما يوازي ذكرى موتك... لما تركتني لتعاستي... لما حكمتي علي بالموت البطيء و المؤلم..."
ذكرى خاطفة للقائهما الأول إخترقت أبواب ذاكرته و أبعدته فجأة عن العينان الباسمتان في الصورة:
" آنسة؟؟"
" لينيتا دا ماتا سيدي..."
" آنسة دا ماتا، تم توظيفك لدينا منذ ستة أشهر و أجد أن خبراتك محدودة لتلبية متطلبات فندق فاخر مثل فندقنا.."

" المدير أحب عملي .."
" يؤسفني الا أتقاسم ذوق المدير...الجمال يكمن في البساطة يا آنسة ألم تتعلمي ذلك في دراستك الفنية؟"
للمرة الأولى يواجهها وينظر مباشرة في عينيها. يعرف الآن لما تم توظيفها...
إسترخى في مكانه يتفحصها بإهتمام، كانت برازيليه حتى النخاع بداية من الجسم الغَلم الممشوق تحت السترة الرمادية الضيقة والبنطال الأسود البسيط التفصيل، إلى شعرها الحالك السواد مثل الليل وعينيها الكبيرتين تحت حاجبين سوداوين مقوسين. مقلتيها الرماديتين تتطلعان إليه بقلق وببعض الإزدراء، لون وردي طفيف بدأ بالتسلل إلى وجنتيها جراء نظراته المتفحصة، كانت فاتنة بكل ما للكلمة من معنى...
" الم تجدي أنه من الغريب جدا تعيينك كمديرة فنية رغم خبرتك الضعيفة؟"
" خبرتي ليست ضعيفة سيدي..." أجابته بصوت هادئ" وبالنسبة لتعييني كمديرة فنية فيجب أن تلقي السؤال على المدير نفسه سيدي "



ابتسم مارك بشقاء وهو يتذكر عنادها و التحدي في كلماتها:
" آنسة دا ماتا...أنا لست المدير، أحتاج الى أكثر من حذاء عالي الكعبين وعيون جميلة لأقتنع، بتفصيل عميق فقط تستطعين الأحتفاظ بعملك ..."
الرقبة الطويلة الذهبية اللون تحركت بصعوبة في عملية بلع مؤلمة، مارك يريد أن يكتشف حقا ما تملكه هذه الفتاة غير وجه متوحش الجمال و عينان معبرتان؟
" يسعدني أن أوضح لك تفاصيل عملي إذا وافقت على مرافقتي إلى مكتبي..."
" دعيني أقدم لك نصيحة...اذا كانت لديك شكوك حول إمكانية إقناعي بخبرتك في المجال فلاتضيعي وقتي الثمين.."
لامس ملامحها من خلال الزجاج دون أن تتوقف ذاكرته عن العمل:
" حالتك الشخصية في ملفك الخاص تشير إلى كونك عازبة.."

" أنا أرملة سيدي.." أجابت بهدوء
" في سنك؟؟"
" لا نتابحث الأسباب مع الله ولا نتذمرمن القدر سيدي.."
" كان يكفي أن تشيري الى ذلك؟؟"
" أغلبهم يتخد المسألة كلعنة أو سوء حظ وأفضل تجاوز الإشارة إلى ذلك سيدي.."
" الجميع لا يملك عقلية رجعية.."
" الجميع ليس مثلك سيدي.."
" هذا يكفي لاتناديني سيدي مرة ثانية..." أمرها فجأة بصوت خشن مما جعل الدهشة تغزو ملامحها الجميلة. تجاهل أنذاك ما يختلج صدره من شعور مبهم وعاد إلى هدوئه
.


إزدادت إبتسامته إتساعا عندما تذكر سلسلة اإاهانات في حقه بينما يزور بيت والدته و يصادف الجميلة البرازيليه هناك تتحدث عنهإلى توأمها بحقد:
"

سمعته تسبقه وكأنها إنذار لعاصفة هوجاء قادمة، يحب التأثير على الكل ويستمتع بممارسة سلطته على الضعفاء من العمال... يملك سحر شيطاني لكنني لا أحب الرجال الشقر...لكن إلى جانب ذلك السحر الهائل فهو بارد، عديم الإحساس، متعجرف،غير إجتماعي وبغيض، يسير في الفندق كطاووس وسط الدواجن، منتفخ الصدر وفخور بنفسه... منذ وصوله أمس والفندق في حالة فوضى وهياج، وكأن رئيس البلاد بنفسه من حط رحاله لدينا...هناك إشاعة بأن المدير تم طرده والكل يفعل ما بجهذه كي لا يلقى نفس المصير...الثري المدلل طبق خبراته التحقيرية علي شخصيا الثري المزهو بنفسه يعتقدني أقل قدرا من ذوقه الفني الرفيع، واستغل سلطته في الفندق ليتدخل في أموري الخاصة
"




إقتربت شفاهه من جبينها و طبع قبلة طويلة، أنفاسه ترتطم بالزجاج... أنفاس عاشق مجروح الفؤاد ومحطم الروح... فقط لو تعود لدقيقة واحدة كي يروي هذا العطش و هذا الشوق:
" للتعامل معي أحب النزاهة آنستي، النفاق من السمات الذميمة جدا وبما أنك امرأة فمن الطبيعي أن يتكون مع جيناتك كباقي السلبيات الأخرى، رأيك بي أحترمه في اطار العمل، أما من الناحية الشخصية فلا أخفيكي أنك أخر وجه مرغوب به أمامي في هذه اللحظة..."
ببطئ أرجع ما بين أصابعه الى المكان الذي احتله منذ سنوات بكل كياسة ... أثقل الماضي صدره و احتدمت مشاعره أكثر و أكثر... بصعوبة أزاح نظراته عن وجهها الحبيب و إبتسامتها المشرقة، نظر حوله بلا هدف و ازداد ضغط وحدته و تعاسته عليه إلى أن سحق صدره بلا رحمة... سريره خالي منذ رحيلها... يملك رغبات كغيره من الرجال لكنه لا يريد امرأة أخرى ... يريدها هي فقط... لكن يعرف بأن نجوم السماء أقرب ليديه على لمس وجهها مرة أخرى... تقبيل شفاهها و مقاسمتها الغرام كما فعلا العديد من المرات.
" أنت عائلتي الوحيدة"
عاد صوتها قويا من الماضي بين جدران رأسه، غادر السرير و ذرع الغرفة بخطوات عصبية بينما تتخلل أصابعه شعر رأسه المنفوش.
" هل تحلم بأطفال ذات يوم؟؟"

إنزلقت أصابعه من شعره لتمسح على وجهه، عاد صوتها ملحا في كيانه هذه المرة:
" أرتعب من فكرة أن تتركني يوما..."
أعاد رأسه للوراء و خرجت أنفاسه متتالية من رئتيه المحمومتين... تعالى صوته الأجش فجأة و كأنه يكلمها:
" أنتِ من تركني في النهاية و حيدا و تعيسا... "
أطبق جفنيه بتعب، وأبقى للحظات رأسه الى الوراء، دقنه نحو السقف و أصابعه متشابكة خلف رقبته المتشنجة العضلات، ذكريات كثيرة تمر كفيلم و بصور بطيئة في عقله المرهق... الليل موعده الطويل مع أشباحه و شياطينه... يتجاهل التفكير في لينيتا و يقاوم عطشه و شوقه لها... لكنها أتته الليلة مجددا في أحلامه ... تنزف دما و تتهمه بقتلها...
" أريد أن أشكرك على كل السعادة التي منحتها و تمنحها لي... عندما وافقت على المجيئ معك الى لندن لم أدرك أنني أقطع تذكرتي الى الجنة..."
هذه الذكرى دفعت دموع أخرى خلف جفنيه المغلقة، فقط لو كان الأمر صحيحا... بدل إسعادها جاء بها ليقتلها.
" كنتُ شبح امرأة قبل أن ألتقيك... بفضلك أستعدت ثقتي بنفسي، جعلت مني امرأة تطفح أنوثة و أملا...."
إرتخت أصابعه المتشابكة خلف رقبته، وفتح عينيه مستسلما لإحباطه... مالجديد في هذه الحالة؟؟ غدا عيد مولد التوأمين و بعد غد... ذكرة وفاة حبيبته و أم طفليه... من الطبيعي أن تهب ذاخله عواصف العذاب و كأن الفراق كان البارحة وليس قبل خمس سنوات و نصف... عموما فقد أفسدت ليلته.
ترك ذراعيه تسقطان إلى جانبيه وبعد تعوده على الضوء الحالم لمصباح الشوفيه و عتمة الغرفة وجد مبتغاه في البراد المختفي خلف لوحة زيتية. شراب قوي مزدوج سيخلصه من شؤم أفكاره وسوادها... النوم فشل في جلب الراحة اليه بكوابيسه الفضيعة.
إنهال بثقل جسده على الكنبة الفخمة و المريحة ، إرتشف عدة جرعات من شرابه الذهبي قبل أن يلقي برأسه الى الوراء و يغمض عينيه المحمرتين و المرهقتين... التخدير اللذيذ الذي جرى بنشوة في شراينه لم يمنع صورة لينيتا بالعودة بكل قوة وإالحاح خلف شاشة جفنيه... الماضي يضرب له موعدا حارا الليلة و هو هنا كي لا يخيب ظنه... هز كأسه بطريقة مسرحية و كأنه يشرب بصحة ما ينتظره الليلة من عذاب الذكريات.
*****
مثل المعتاد أليكس ينجح بإخفاء مشاعر خلف قناع خال من أي تعبير، ورث بالتأكيد هذه الصفة من قائد العائلة ادواردو ريتشي، حل محل الغضب الذي لمحه جوشوا لوهلة يعبر نظراته الزرقاء بينما يقتحم خلوته و حفيدة السائس تعبير محايد بارد كالجليد، ركز بإهتمامه على ديامانتي التي كانت تحملق به بنفس الفضول الطفولي الذي رمقته به في المكتبة، إستند قليلا على عصاه و خطا نحوهما دون أن تفارق عيناه الفتاة.
" هل تتنزه عادة في الليل مع الملائكة جوشوا؟"
إحمر وجه ديامانتي، دون أن ينتظر رده إلتقط يد هذه الأخيرة و طبع قبلة عليها:
" أسمي اليكسندر ريتشي و أنت...؟"
" ديامانتي سانتو بينيديتو..."
" ديامانتي..." ظهرت إبتسامة مُلغزة يعرفها جوشوا جيدا " أسم إستثنائي ينطبق تماما على جمال إستثنائي... هل سبق و أخبرك أحد بأن عيناك رائعتين ..."
تدخل جوشوا بهدوء لإنقاذ قريبته التي بدت ضائعة أمام العنصر الجديد في عائلتهم:
" أليكس... ديامانتي هي إبنة شقيق والدتنا أنا و مارك انطونيو و هي ضيفته بالمقابل ... "
بدى اليكس و كأنه نسي تماما وجوده، دون أن تفارق الابتسامة شفاهه حرر يدها.
" لا تطيلي السهر مع قريبك فزوجته غيورة جدا..."
دون أن يلقي ادنى إلتفاتة نحوه خطى نحو الباب، كاد ان يختنق عندما سمع ملاحظة هذا الأخير قبل رحيله:
" مؤخرة رائعة..."
ألقى نظرة إعتذار نحوها لكن هذه الاخيرة بدت مأخوذة بماحولها أكثر من الملاحظة الوقحة التي تعمدها اليكس باإانجليزية... مع القليل من الحظ لا يبدو أنها تفهم اللغة أو تتكلمها.
" المياه في البراد..." بادر جوشوا عندما أخذت قريبته وقتا في البحث عن مبتغاها الذي أنزلها في وقت متأخر من غرفة نومها، ضغط على زر تشغيل غلاية المياه قبل أن يفتح جارور خشبي و يخرج علبة تحوي أكياس الشاي بالأعشاب، سمع باب البراد يفتح ثم يغلق بهدوء، خطوات هامسة لخفيها ضربت مثل رفرفات الفراشات علىى الأرض الرخامية قبل أن تتوقف...
" أعرف بأن وجودي يزعجك سيدي..."
دون أن يستدير نحوها التقط الغلاية التي أصدرت صفيرا رفيعا و صب المياه فوق الكيس في قلب كوب مصنوع من البورسلان.
" هذا ليس بيتي..."
تلى الصمت المطلق كلماته الجافة، لوهلة أعتقد بأنها رحلت رغم أن رائحة عطرها الذي يشبه بودرة الاطفال مازل عالقا في أنفه.
" عندما كلمني أبي عن عمتي امانويلا و..."
التقط جوشوا الكوب الحار واستدار نحوها ليرمقها بصرامة:
" لا أعرف إن كان لك إلمام بالصحف لكن امانويلا آخر شخص مرغوب به في هذه العائلة..."
إنسحب الدم من وجهها، عينيها الكبيرتين غرقتا في حيرة و عدم فهم، تفحصها جوشوا لنصف ثانية ... صدق وصف اليكس لهذه المخلوقة، تنقصها أجنحة لتصير ملكا حقيقيا.
" تصبحين على خير..."
إستوقفه صوتها الرقيق قرب باب المطبخ.
" أتيت بغرض كسب عائلة لا أعداء سيدي... لست هنا لإستغلال كرم شقيقك ... "
" أنا لا أحاكمك..."
" بل تفعل... أشعر بنفورك و كراهيتك نحوي كما أشعرها نحوعمتي كلما أتيت على ذكرها... آسفة ان أسأت لكما أنت و دون مارك أنطونيو لكن لا ذنب لي "
رغم صلابة كلماتها بيد أن غصة في حلقها بدت واضحة، قرر لعب اوراق الصراحة معها...
أراح اصابعه من ثقل كوب الشاي الساخن فوق طاولة دائرية قبل أن يواجهها و يدلف هذه الأخيرة في بنطال سرواله الجينز... بعض التعاسة المطلة من مقلتيها الكبيرتين أنسته لوهلة ببداية كلامه.
" مارك انطونيو إنسان بالغ يستطيع التصرف كيفما يحلو له و يدعو تحت سقف بيته من يحلو له، لكن هذا الرجل المضياف جدا الكريم و الرائع جدا تعذب كثيرا في السنوات الأخيرة... ما لا أحبه هو الغموض الذي يلفك ديامانتي... يعرف مارك كيف يدافع عن نفسه في الوقت المناسب و صدقيني لديه مخالب نمر شرس بدل إبتسامة ملاك التي يرسمها لمن لا يشكلون خطرا عليه... أخبريني... امرأة متفوقة الجمال مثلك تأتي الى التوسكانا الى قصر بعيد كليا عن حضارة روما الشهيرة... تدعي بأنها وحيدة في العالم بعد رحيل والدها... لا تشير الى رجل في حياتها ...لا ...لا تقاطعيني و دعيني اخبرك رأيي... لن أصدق بأن امرأة بمثل حسنك بملامح أميرة رومانية عازبة إلى الأن... ولا أحشر أنفي في أمورك سوى لهدف واحد يهمني ... لا تجلبي المشاكل إلى شقيقي، مهما كانت أهداف زيارتك إلى هذا المكان أمنعك من إقلاق راحة أو هناء سكانه..."
أخبريه هيا... ربما إن علم بسرك قد يساعدك بالهرب إلى أي مكان كي توفري عناء من نوع آخر للقريب الذي عاملك بلطف و حسنى.
مشلولة خلف نظراتها التائهة فضلت الإحتفاظ بالصمت كمتهم آثم أمام قاضي المحكمة، لن تجرؤ أبدا على قول مالديها، لن يصدقها في كل الأحوال... هي نفسها لا تصدق الشرك الذي سقطت فيه إلا في ليلة زفافها، عندما سمعت دراكو يصدر أمرا في هاتفه لتصفية أحدهم.
هاجمها العذاب الذي عانته طوال أشهر زواجها السبع، قدومها إلى هنا ليس بسبب إحياء الرحم فحسب و جوشوا ديكاتريس أستطاع سبر غورها و قراءة أسرارها الدفينة، تعترف بأن لقدومها أبعاد أخرى و هي تشعر بالعار لذلك، لكنها تكبدت مشقة الهروب من عرين الأسد و نجحت بأعجوبة، لن تترك هذا الرجل الذي يخيفها بذكائه و دهائه بإفساد كل شيء.
" أي غموض..؟"
" هذا..." أشار إلى عينيها و قست ملامحه، إبتسامة مريرة هزت زاوية شفاهه " هذه النظرات نفسها ما كانت ترمقني بها عمتك منذ طفولتي و توهمني بأشياء... "
توقف فجأة كما بدأ و كأنه يرفض أن يكشف لها عن المزيد.
" سوف أرحل سريعا من هنا ... ما أن أتمم حدادي أعدك"
ضمت أصابعها القنينة الباردة دون الإحساس ببرودتها، أنتظرت تعليق على كلامها لكنها لم تتلقى أدنى إجابة، تفحصها ببرود قبلأن يدير لها ظهره العريض و يعود إلى فنجان البورسلان المهجور فوق الطاولة.
" جوش ...."
لم يكن صوتها ما رن في هذه اللحظة بل شابة شقراء في عمرها ببطن مستدير و عينان زرقاوين مشتعلتان من الغضب، هذه الأخيرة ثبتتها بنفس الشعلة الزرقاء الملتهبة تدرسها بتعبير شبه مشدوه.
تكاد أنجلا لاتصدق عينيها،شكت بأن وراء تأخر زوجها "آنا" التي لا تتوانى عن ملاحقة كل من يرتدي بنطال في هذا البيت، لكنها تواجه امرأة أخرى... امرأة تجرأ هو على وصفها ب"امرأة ككل النساء" كاذب فاشل.
هل هذه هي التي وصف نظراتها ب "نظرات طفل وديع رجع فقد لتوه والده؟؟"... حولت عينيها إلى زوجها الذي لم يستطع منع لون وجهه بالتحول الى الأحمر القاني ثم عادت تتفرس بملامح القريبة الظريفة... أول ما تبادر إلى ذهنها سؤال ملح سخيف... هل رموشها حقيقية أم مستعارة؟؟ كانت ساحقة الجمال لدرجة جعلت غيرتها تتفاقم و بركان فاقد السيطرة ينفجر في صدرها.
" ديامانتي اقدم لك زوجتي آنجلا... هي ومارك انطونيو نصف شقيقان..."
أشرق وجه الفتاة و تقدمت نحوها تمد يدها بعفوية
" سعيدة جدا بالتعرف عليك... أنت فاتنة"
هل تسخر منها؟؟؟ هي فاتنة ببطنها الكبيرة ووجهها المنتفخ و المريع؟ لوهلة قررت تجاهل اليد الممدودة و الرحيل، تصرفها سيكونأغبى و أبشع مما تشعر به نحو نفسها منذ حملها... بالكاد لامست البشرة الشديدة النعومة للأصابع الطويلة و غمغمت ببرود:
" أنت أيضا لا بأس بك... مالذي تفعلينه هنا في هذا الوقت المتأخر؟"
أشارت ديامانتي إلى قنينة الماء دون أن تفارق إبتسامتها الطفولية ثغرها:
" كنت عطشى .. لولا السيد جوشوا ماكنت عثرت على المطبخ في هذا البيت الكبير..."
هزت أنجلا حاجبيها و كثفت ذراعيها فوق صدرها:
" زوجي يهب دوما سريعا لإنقاذ النساء العالقات في مآزق..."ثم حولت إهتمامها إلى زوجها" ألم تخبر قريبتك أن كل غرف هذا البيت يتوفر على براد خاص به كل ما تحتاجه ليلا..."
" صحيح؟؟" تدخلت ديامانتي بعفويتها المعهودة " لابد أن المرأة التي خدمتني نسيت الإشارة لذلك..."
" المرأة التي خدمتك تستحق الفصل فورا..."
لم تخف إزدرائها مما مسح تدريجيا إبتسامة الفتاة و بدت منزعجة من هجوم آنجلا الغير مبرر.
" أنا مرهقة و أريد النوم..." قذفت آنجلا دون ان تنسى رمقها بعداوة.
" فلنمضي حبيبتي..." دون ان يستدير نحو ديامنتي تمنى لها ليلة سعيدة للمرة الثانية.
لم تبادله آنجلا كلمة واحدة منذ أن عادا أدراجهما إلى غرفتهما، متجاهلة إياه تماما و ثقل بطنها أخذت تسرع دون توقف في خطواتهاإلى أن خطا عتبة الغرفة، بينما يضع الكوب على طاولة الزينة تفاجأ بها تخرج بطانية ووسادة من الخزانة المزخرفة و تضعهما بين ذراعيه:
" أمضي ليلتك خارجا ايها الكاذب..."
" أنت لست جادة..."
وضعت سبابتها على شفاهها كعلامة الصمت قبل أن تقول بصوت منخفض من بين أسنانها
" لا تتجرأ على إيقاظ ليلي... أخرج فورا من هنا لا أحتمل رؤية وجهك..."
" أخبريني سبب هذا الحكم القاسي..."
" امرأة ككل النساء" قلدت صوته بإشمئزاز" تلك المرأة لا تشبه النساء العاديات في شيء إنها قنبلة من الإثارة و الجمال و لهفتك لرؤيتها دفعتك للهروب من سريري متخذا هذا الشاي اللعين كذريعة لرؤية عيناها الجميلتين... "
" حبيبتي ..." قاطعته بضربة عنيفة على صدره، دفعته نحو الباب إلى أن أصبح خارجا ثم أغلقت الباب خلفه بحركة جافة.
تنهد جوشوا بإستسلام عندما مرت لحظات الدهشة الأولى و تجاهلت آنجلا طرقاته الخفيفة على باب الغرفة، جمع البطانية و الوسادة ووضعهما تحت ذراعه قبل أن يأخد الممر مبتعدا... لا يريد إثارة إنتباه أحد المقيمين في الغرف الجانبية...قضي الأمر... عليه إيجاد مكان للمبيت لهذه الليلة المشئومة.
*****
أغلق ادواردو باب الجناح الذي يتقاسمه مع كاثي بهدوء كي لا يثير إنتباه جوشوا و يحرجه بمشاهدته للموقف الذي حصل للتو، تقطيبته و ملامح وجهه أثارا تساؤل زوجته التي ضربت على السرير قربها ليلتحق بها.
" آنجلا طردت المسكين من الغرفة... أظن أن ابنتي تبالغ بإختبار صبر جوشوا..."
هزت كاثي كتفيها بإستهجان.
" حملها صعب جدا من الناحية النفسية وجوش سبق وعاش هذا الجحيم في المرة الأولى لا تقلق... لم يتبقى سوى شهرين لتضع مولودها..."
إندس بالقرب منها ووضع ذراعه خلف كتفيها لتريح رأسها على صدره، بقيا للحظات صامتين كل منهما غرق في أفكاره قبل أن تقطع الصمت فجأة.
" مالذي يقلقك حبيبي؟؟ لا أظن بأن نفسية إبنتنا المتعبة ما يمنع النوم عنك... أو حتى ما دار بينكما و مارك انطونيو بشأن خاله المتوفاة..."
لامست أصابعه ذراعها المكشوفة برقة قبل أن يغرس أنفه بين خصلات شعرها المعطرة و يستنشقها بعمق.
" روبيرتو مريض جدا..."
إبتعدت عن حضنه لتتطلع مباشرة إلى عيناه، بالأمس تكلمت هاتفيا مع شقيقتها فرجينيا التي تعيش جحيما بسبب قرار زوجها المفاجئ بالعودة إلى إيطاليا و العيش في مسقط رأسه بصقيلية... فلور تساند والدها لسبب تجهله هذه الأخيرة، أخبرتها بأن حياتهم طيلة الأربع و عشرون سنة من الزواج في الولايات المتحدة و ليس صقيلية... أعمال زوجها ستنهار بالتأكيد.
" مريض؟؟ لهذا يريد العودة الى صقيلية؟؟"
هز رأسه موافقا، أطلت التعاسة من عينيه قبل أن يثور رمي قنبلته...
" عندما تزوجت آنجلا و جوش... أخبرني شقيقي بأنه قبل بضعة أشهر تم إكتشاف سرطان في أمعائه لكنه لحسن حظه كان في بدايته وتم القضاء عليه... يبدو بأن أمعائه عاد يغزوها المرض... أخبره الأطباء بأن أمامه أقل من أربعة أشهر للعيش...."
هزت كاثي رأسها بعدم تصديق وقد إنسحب الدم من وجهها، كانت تتمنى رؤية أي مؤشر يكذب إعترافات هذا الأخير الذي يعرف جيدا كيف يحتفض بالأسرار، حلت محل الدهشة الغضب...الغضب العارم و الأسود... كيف يجرؤ على إخفاء هذا الأمر المهم و الخطر عليها... رمقته بإتهام.
" كان مريضا قبل أربع سنوات ولم تخبرني أو حتى يخبر هو زوجته؟؟ ادواردو أنت و شقيقك مشبعان بالغطرسة و الأنانية بشكل يفوق التصور..."
رمقته بنظرة سوداء قبل أن تقفز من السرير لتذرع أرض الغرفة بخطوات عصبية، هذا ما يخفيه ادواردو اذن عن فرجينيا؟؟ يريد الموت بسلام في مسقط رأسه... فلور تعرف بالتأكيد و تستمر بالتستر عن مرض والدها و دعمه بكل الحب و الولاء اللذان تحملهما له.
" صدقني أتحرق لرميك ببطانية ووسادة خارج هذا المكان كما فعلت آنجلا مع جوشوا قبل قليل..."
" إهدئي بليسما... لم أقصد جرحك بتكتمي لكنني وعدت روبيرتو" بعد أقل من ثانية كان بالقرب منها، ذراعيه تحيطانها بحنان.
إستندت برأسها على صدره الدافئ و أغمضت عينيها، عذاب حي و عنيف تسلل إلى صدرها بالكاد تركها تلتقط أنفاسها بطبيعية... روبيرتو مريض؟؟ أي كارثة هذه... فرجينيا تعاند كما آلفت طيلة حياتها مع زوجها و ترفض قطعا العيش بعيدا عن المكان الذي تعرف على مواهبها و أحبها... تتحدى زوج مريض لم يتبقى له سوى بضع أشهر يعيشها.
" عليه إخبار فرجينيا... آه ادواردو... عليهإاخبار شقيقتي بمرضه"
" أعرف... لكنك تعرفين مشاعره نحوها، لا يريدها أن تتعذب معه الأشهر القليلة القادمة... "
هزت رأسها ترفض بعنف وجهة نظر شقيق زوجها.
" إنها تعيش كابوسا في كل الأحوال... فقط لو سمعت صوتها التعس... إنها لا تفهم سبب إبتعاد زوجها عنها مؤخرا ولا تصرفاتإبنتها الغريبة... من حق فرجينيا معرفة حقيقة وضعه لا فلور..."
فلور... فلور...
هذا هو سره الثاني الذي يرفض إخبار كاثي به، سوف يترك الدور لفرجينيا لأن روبيرتو قرر قول الحقيقة كاملة لإبنته... وهذا بالتأكيد لن يروق لزوجته الشرسة.
هو نفسه شك بالموضوع في الماضي، لكن شقيقه تكتم إلى أن قرر المرض دفعه لإخراج أسراره و البوح بها.
" سوف يعودان هو و فلور إلى المزرعة الأسبوع القادم... ديفيد سيبقى مع فرجينيا لأنه هو من يدير الأعمال بغياب والده"
إبتسامة رقيقة حزينة داعبت شفاه كاثي، تنهدت بحرقة:
" طالما كان ديفيد مسؤولا... من كان يظن بأن ثروة عائلته ستزدهر بفضل ذكائه و جهده و كفاحه..."
إنزلقت الدموع من عينيها ترفض قطعا تصديق ما يحدث لصديقها و زوج شقيقتها.
روبيرتو... نور عائلة ريتشي.
سوف يرحل بهذه السرعة؟؟ لماذا؟؟ طالما كان إنسانا رائعا و لطيفا... طالما كان زوجا و أبا مثاليا.
لا تريد التفكير في ردة فعل فرجينيا ... ستموت من القهر إن عرفت الحقيقة.
لاسيما وهي تعامله بقسوة مؤخرا بسبب قراره بالعودة إلى مسقط رأسه.
" يجب أن تعرف شقيقتي بمرضه..."
أستمر بهدهدتها كما فعل خلال سنوات زواجهما الطويلة، وأقر بصرامة:
" أنت محقة... عليه إخبارها "
****
صوت حطام الزجاج أخرج مارك أنطونيو من غفوته اللذيذة، الكحول نجح بفك أعصابه المتعبة و أغرقه في نشوة طفيفة، بدل رؤية لينيتا غرقة في بركة من الدماء، إستعادت حواسه المتعطشة لحظاتهما الحميمية... إسترجع نعومة بشرتها تحت أصابعه... طعم قبلاتها... تنهداتها و كلمات الحب المحتدمة.
إنحنى على قطع الزجاج للكأس الفارغ الذي انفلت من بين أصابعه و تكسر إلى أكثر من شظية حادة.
العودة إلى الواقع صعبة و محبطة.
لن يهنأ بلينيتا مرة ثانية... وحميمة ما جمعهما سيبقى في ماضيهما فحسب.
ترددت إلى مسامعه طرقات خجولة على باب الجناح قبل أن يفتح هذا الأخير.
ظل امرأة طويل وصل إلى الكنبة حيث يجلس، كان من الصعب التعرف على هوية من على عتبة بابه، النور الخافت للرواق من خلفها يخلق هالة غريبة حولها.
إستوى في جلسته ببطئ... رمش بقوة ليتخلص من التخدير الذي يشل حواسه تقريبا... يريد إستعادة رشده ليتاكد بأنه لا يهذي، و أن المرأة التي تتسبب له بكل هذا المد و الجزر من المشاعر في غرفته.
كالمسحور وقف من مكانه بإنتظارها بينما خطواتها المترددة تدنو نحوه بعد ان أغلقت الباب خلفها.
تجول بسرعة بنظراته على جسدها... قميص نومها الشبه محتشم لا يخفي شيئا من مفاتنها، على كتفيها أنسدلت خصلات شعرها الحالكة الرائعة... كل منحنياتها الأنثوية هنا... بلا ثقوب غائرة أو دماء برائحة نتنة.
" سمعت صوت تحطم زجاج... هل أنت بخير..."
إنزلقت عيناه على وجهها، نظراتها الرمادية تعكس ببهجة النور الحالم للامبا، شفاهها المغرية منفرجة قليلا كدعوة ملحة، خطوط فكها ناعمة، وبشرة رقبتها رقيقة كما ملمسها... كانت رائعة كعادتها... جميلة و مرغوبة.
" أنا بخير لأنك هنا..."
بحركة متخبطة تعوزها البراعة لامس وجنتها، راقب ستارة رموشها ترتجف لوهلة، بدت و كأنها متفاجئة و ترغب بقول شيء، وكأنها تحاول التراجع... تماما كما تفعل في كوابيسه... تتهمه بقتلها قبل أن يبتلعها الظلام.
" لا ترحلي... لين "
شعر بتشنج عضلات فكها تحت أصابعه ما حثه أكثر على إغرائها بالبقاء، إنفرجت رموشها لتسمح له برؤية عينيها اللامعتين من الإثارة، بدت الرؤية حقيقية لدرجة أثملته... لينيتا هنا أخيرا... في متناول يديه.
إنه يرغبها بكل ذرة من جسده... يرغبها بقوة مؤلمة كسرت حواجز مقاومته الضئيلة للصوت الضعيف الذي ينذره بأن هناك خطأ ما.
بصوت نابض بعاطفة قويه قال" أعرف بأن مايحدث من نسج خيالي... لكنني تحت السحر تماما... ولا أملك سوى رغبة واحدة... أخدك بين ذراعي وأمتلاكك مرة ... مرتين و ألف "
أخد وجهها بين يديه و أخد شفاهه في قبلة عاطفية محتدمة، تجاوبت معه بحمى و بطريقة مختلفة عن الماضي لكنها موفقة لتشعل النار في سائر جسده.
أكثر بكثير من الكلمات أعربت له عن شوقها المضاعف له، تسللت يديها الدافئتين إلى صدره، تستكشف منحنيات عضلاته البارزة تتأخر أكثر على البشرة الحساسة لأضلاعه... أغمض عينيه و أعاد رأسه للوراء عندما أخذت شفاهها مكان يديها... أستسلم للمشاعر التي تغزوه، جرأة قبلاتها وشهوانيتها تحدث صدى عنيف في جميع أوصاله، وضع يديه على خاصرتيها و حملها إليه و كأنها لا تزن شيئا، عقدت ساقيها الطويلتين حول خصره و انزلقت خصلات شعرها حول وجهها المشتعل، حدقت به بنظرات مغرية قبل أن تدنو من شفاهه بلا ثانية تأخير و تقبلهما بعاطفة.
" أحبك..."
عقب هذه الكلمة التي تجمع كل ما يشعر به طرقات خفيفة على باب الغرفة، أنغرزت أظافرها الطويلة في كتفيه لتمنعه من الإستجابة، تنهدت قرب شفاهه:
" أرغب بك بشدة مارك..."
شيئ ما في صوتها جعله يتشنج بعنف،عادت الطرقات ملحة قبل أن ينفتح الباب دون أن ينتظر الطارق الرد أقتحم خلوتهما.
أنزلقت ذراعيه من حولها مما أجبرها على تحريره لكن ليس تماما.. أصابعها ماتزال تطبق على كتفيه بحركة متملكة.
" سالي...؟؟" سمع صوتها وكأنه قادم من بعيد.
" 'آنا'...؟؟" رد صوت مستهزء مما دفعه لإستعادة رشده و الأبتعاد بعنف عن ملامسة الجسد الذي أيقظ رغباته.
التخدير الذي ساهم في هذه المصيبة أختفى كليا و الغشاوة انقضت لتتضح له الرؤية.
رباه مالذي كان بصدد فعله؟؟
أختنقت أنفاسه في صدره عندماأكتشف نتيجة لمساته على شعرها و هندامها، شفاهها متورمة و أنفاسها لاهثة... عينيها التين كانتا تلمعان بإغراء قبل لحظات كساهما تعبير شرير و وحشي تقريبا، لو كانت نظراتها رصاصا لقتلت سالي في هذه اللحظة.
" بحق الجحيم مالذي تفعلينه هنا؟؟" صرخت بالدخيلة التي أتت على أنقاذه من غلطة لم يمكن ليسامح نفسه اذا أرتكبها.
" لكن أنظري إلى نفسك تصرخين كزوجة غيورة..."
البركان الذي أنفجر في حواسه قبل لحظات عاد ينفجر هذه المرة في رأسه، سيدتين جميلتين بقميص نوم مثير في غرفة نومه تتجادلان بسببه... أنتبه إلى أن سالي كانت تحمل قنينة شامبانيا و كأسين، هل أتت إلى غرفته تنوي الأحتفال بشيء ما أم لإغرائه... يتمنى أن تكون كاثي راضية على الوضع.
" توقفا..." وضع نفسه بينهما و أمسك بكتفي نسيبته الفاقدة لبسيطرة على نفسها " أرجوك أذهبي إلى غرفتك..."
تطلعت إليه بنفس نظرات حبيبته الراحلة مما جعل حلقه يجف، هذا الشبه سيفقده عقله بلا أدنى شك.
" أنت لست جادا مارك..." همست له بصوت شبه مجروح " كنا على وشك الــ..."
قاطعها رافضا بعنف أن تتمم العبارة التي تشعره بالخجل:
" لا... إنسي ما حدث... كانت مجرد لحظة ضعف... يكفي أن أشرب أكثر من المعتاد و ان تزور غرفتي النسخة المشابهة لها... كي أفقد السيطرة... أرجوك أعذري حماقتي..."
لم تكن بمثل حماسته لتناسي ما حدث، حاولت ردعه مما أشعل غيرة سالي التي أمسكت بذراعه ليواجهها، تخلت الطبيبة التي طالما عرفها بالسيطرة على مشاعرها عن التحضر و طلبت منه طردها:
" لدي الكثير لأخبرك به أنطونيو... أرجوك أطلب منها الرحيل..."
قبل أن يجيبها طالبت 'آنا' بإهتمامه، ثم جاء دور سالي مما جعل صبره ينفذ، في النهاية تركهما بعد أن يئس من الحصول على خصوصية مع نفسه و فتح خزانة ملابسه قبل أن يرتدي كنزة و بنطال فوق سرواله القصير.
" الى أين تذهب؟؟"
سألتاه بصوت واحد مما دفعهما للمواجهة مجددا كعدوتين، بلا ضغط هذه المرة وصل إلى باب الغرفة قائلا بصوت أجوف:
" عندما تنتهيان من تصفية الحساب مع بعضكما أخليا الغرفة..."
عندما أصبح أخيرا في الرواق تنهد بحرية متسائلا عن المكان الذي يلتجئ إليه في هذه الليلة المشؤومة.
****
أشعل جوشوا سيكار كلومبي من المجموعة الفاخرة التي يحتفض بها مارك انكونيو في مكتبه لضيوفه و مد رجليه الطويلتين على المكتب قبل أن يلقي رأسه للوراء و ينفث الدخان في الهواء بنشوة عارمة.
لا يعرف كم من الوقت عليه الأنتظار قبل العودة إلى سرير زوجته، بالطبع بعد أن تستغرق هذه الأخيرة في النوم... ليلي تستيقظمرتين في الليل تطالب به إلى جانبها بالاضافة إلى زجاجة الحليب أو مصاصة السيليكون... عليه إن يكون إلى جانبها قبل أن تزعج نوم آنجلا و مزاجها القلق.
بإنتظار ذلك سيستمتع ببعض الوحدة... و يـعد الأسباب الحسنة التي تدفعه لإستحمال معاملة زوجته القاسية... فليكن صريحا مع نفسه، إنه يعشقها حتى و إن رمت بملابسه من النافذة و تسببت له بإحراج علني... منحته طفلة رائعة و سعادة لا توصف بأبوته، و هي الآن حامل بإبن ذكر... فخره و فخر أندريس ديكاتريس.
قبل أن يسحب نفسا آخر من السيكار فتح باب المكتب على مصرعيه و ظهر مارك أنطونيو... هائجا كالثور.
أعاد جوشوا ساقيه اليه بينما تلتقي نظراتهما في تساؤل صامت.
أغلق مارك الباب ووضع يديه على خاصرتيه.
" مالذي تفعله هنا في هذا الوقت؟؟"
" نفس السؤال أطرحه عليك... أخي"
أقطب مارك قبل أن يخطو بخطواته الواسعة بإتجاه النافدة و يفتحها على مصرعيها، لا يطيق رائحة الدخان الفاخر جوشوا يعرف ذلك... أخد انفاسا من الهواء المنعش النقي و سمح لأعصابه بالإسترخاء، سمعه جوشوا يتمتم بعبارة تشبه " كدت أغوي نسيبتي" مما جعله يخنق ضحكة هستيرية في حلقه، عند غياب رده استدار نحوه مارك مقطب الجبين:
" و أنت؟؟"
" طردتني آنجلا من الغرفة..." أحمر وجهه أمام نظرات التسلية التي اخفت غضب الدقائق المنصرمة.
" مالذي فعلته لها لتستحق هذا العقاب؟"
" تجرأت على وصف ديامانتي بالمرأة العادية بينما هي في الحقيقية... كما تعرف... " هز كتفيه قبل أن يتابع " رآتها شقيقتك و انفجرت غيرتها..."
هز دقنه نحو البطانية و الوسادة المهملة على الكنبة، تبع مارك نظراته قبل أن تتسع ابتسامته.
" على الأقل قلقت لراحتك..."
" و أنت؟؟"
لخص مارك ما حدث مما جعل مقاومة جوشوا تضعف، إنفجر فجأة ضاحكا و شاركه مارك بعد ثانية أنتظار واحدة.
سقط على الكنبة بثقله و مرر يديه في شعره عدة مرات كي يسترجع جديته بعد أن هدأت عاصفة ضحكهما... ما حدث قبل قليل بعيد على أن يكون مضحكا أو مسليا... لولا تدخل سالي لكان بصدد...
تنهد و اغمض عينيه بشدة، مقاومته تضعف في كل لحظة أمام وحدته القاتلة و شوقه للينيتا.
أطفأ جوشوا سيكاره في مرمدة كرستالية قبل أن يترك مقعده خلف المكتب و يجلس بالقرب من شقيقه، وضع يده على ركبته بطريقة مواسية.
" بما أن كلينا لا يسمح له بالعودة قريبا إلى غرفته ما رأيك بمبارة في الشطرنج؟؟"
تركت أصابع مارك شعره و داعبت غبتسامة ساخرة شفتيه وهو يتطلع اليه بتحد:
" كنت بطل البلاد في هذه اللعبة في عمر العاشرة... "
هز جوشوا حاجبيه بإنبهار ساخر قبل أن يضرب بخفة على ركبته مجددا:
" كم عمرك الأن؟؟؟ ستة و ثلاثون؟؟ أنقضى ستة و عشرون سنة على مجدك... سوف أصرخ "تشيك مات" قبل أن تطلب الرحمة..."
" أنت مغرور وفخور... "
ضحك جوشوا مجددا و أخد لوحة البيادق العاجية قبل أن يضعها فوق المائدة الزجاجية:
" أريني ما لديك أخي... أمامنا كل الليل"
***
castello di falcone
أعيد تشيده المعماري من طرف المهندس 'ريكاردو لانتيلي' بعد التغيرات المورفولوجية بسبب ثوران بركان إثنا سنة 1699 والزلزال الذي وقع سنة 1693، أصبح القصر بعيدا بمئة متر جنوبا على مياه ميناء مدينة 'كاتانيا'... بدأ بنائه بين 1239-1240 واستمر عشر سنوات، هندسته الصارمة عائدة إلى العصر الأموي العربي، فناء مربع مركزي مع أربع أبراج أسطوانية في زوايا القلعة.
الترميم الذي تم في الثلاثينيات اضاف سحرا على القلعة التي تجلب اهتمام السياح بنوافدها و أبراجها و أبوابها و أقواسها العربية الرائعة.
في الداخل كان الصمت يعم المكان عكس كاميرات تصوير السياح و شهقات الإعجاب في الخارج.
المكتب الذي يحجز جناح بالكامل في الردهة السفلية غارق في الصمت إلا من أنفاس دراكو الثائرة.
كان يجلس خلف مكتبه العملاق، بملابسه السوداء و شعره الطويل الأسود المعقود خلف رقبته يناسب تماما جو هذا المكان القاتم بأثاثه العائد لعصر فريديرك الثاني... كنز بملايين اليورو مدفون في هذه الغرفة منذ عصور مضت.
أصابع دراكو السمراء لامست الزمردة النادرة التي لازمت أسلافه منذ أكثر من اربع عقود.
أيادي خبيرة قامت بتعديل هذه التحفة الرائحة كي تناسب أصبع ديامانتي... زوجته التي لاذت بالفرار مجددا بعد أن باعت خاتمأسلافه لأحد المتاجر الرخيصة بثمن بخس.
عاد الغضب إلى شرايين رأسه الى أن شعر به ينقسم الى نصفين، مساعده الأيمن و صديق طفولته تململ بإنزعاج في مقعده
" أعرف كم تحبها..."
" أحبها؟؟"
زمجر دراكو بحقد و اضحت عيناه السوداوين حمروات من شدة الضغط و الغضب.
" لو عثرت عليها كنت لويت عنقها ... لم تخلق بعد من تذل دراكو فالكون..."
وقف من مكانه بحركة جافة، جسده الضخم أخفى تماما النافدى العملاقة المطلة على أمواج بحر كاتانيا و بركانها.
" بالأمس فقط... تم تحضير هذه القلعة اللعينة و تجهيزها لإستقبال عروسي... كل الجزيرة تهافتت لرؤية من حملت اسمي منذ سبعةأشهر... المرأة المحظوظة التي أثارت أهتمامي ووضعت هذا الخاتم اللعين في أصبعها... خاتم اسلافي الذي وجدته عند بائعي مجوهرات رخيص... لحسن الحظ أنه عرفني من خلال الأسم المحفور منذ عقود عليه و اتصل بك"
" دراكو... زوجتك ماتزال تحت صدمة فقدانها لأبيها... تصرفها الغير مسؤول لا..."
ضرب براحتيه على سطح المكتب بقوة اخرسته... إنحنى إلى الأمام كي ينظر مباشرة في عيني صديقه، من بين أسنانه تمتم بصوت كالجليد:
" جد لي تلك الساقطة... سوف أجعل أيامها بسواد هذه الليلة... سوف أذلها و أنتقم منها كما أذلتني أمام كل فرد من سكان الجزيرة... سوف أدفعها ثمن كل كلمة أستهزاء قيلت في حقي... "



 



طرقة صارمة على باب المكتب قطعت كلامه، أنصبت نظراته و نظرات مساعده فرانكو على الباب الذي دخلته دوقة 'سانتا مورغو ديل ماريا'، حلم الطبقة المخملية الصقلية و الإيطالية... المرأة التي يجدر بدراكو الزواج بها بدل الشابة العادية التي أقترن بها على غفلة من الجميع.

تهجمت ملامح دراكو و قست نظراته أكثر، بينما فرانكو هرب بعينيه بعيدا و لم يجرؤ حتى التفكير بما سيعقب هذا اللقاء.
" تأمر بشيء آخر سيدي..؟؟"
" أغلق الباب خلفك..." المرأة السمراء من أمرته بصوت جليدي بينما تعقد ذراعيها فوق صدرها و تواجه الوحش أمامها دون أن ترمش.
سعيد بالرحيل أخيرا من هذا المكان البارد الذي يرسل قشعريره رعب في أوصاله، أغلق فرانكو الباب خلفه دون أن يلقي نظرة واحدة على رئيسه.
" من سمح لك بالدخول الى هنا..."
" والدتك المتجرعة بالمرارة و الخائبة الأمل..."
السهم أصاب المبتغى و الهدف، هزت فكتوريا كتفيها لتسقط الفرو الأبيض الفاخر الذي يغطي القسم العلوي لفستان السهرة الأرجواني الذي ترتديه، ثم أزالت قفازيها الأنيقين قبل ان تتأكد من تسريحة شعرها و تنظر اليه من علو:
" لقد حطمت قلبك كما حطمت قلبي..." إبتسامة باردة ارتسمت على وجهها الارستقراطي " أذليتني علنا ففعلت بك الشيء ذاته"
" أرحلي قبل أن أنسى بأنك امراة فكتوريا"
أرجعت رأسها الى الوراء قبل أن تنفجر في الضحك الخصب، دون أن يفقد برودة أعصابه انتظر أن تنهي عرضها.
" منذ زمن نسيت بأنني امرأة دراكو... " ثم عادت تتفقد تسريحتها قبل أن تقرر قطع المسافة بينهما و تنظر مباشرة في عينيه الباردتين:" لكن كل شيء إنتهى الأن... أميرة قلعة فلاكون تخلت عنك و عن واجبها و مسؤولية لقبها، اعترف دراكو... اللقب الذي منحته لها لم تستحقه، بغض النظر عما تفكر به و ما حصل أنا و أنت خلقنا لبعضنا... كنت عشيقتك منذ أزيد من ست سنوات... ظهرنا أمام المجتمع الراقي كخطيبين و بدأنا بالتفكير بحفل زفاف ملكي يليق بمكانتينا قبل أن تلغي فجأة كل شيء و ترمي بقنبلتك في وجهي ووجه عائلتك... تتزوج سريا مثل الهارب و تلحق العار بنفسك قبل الجميع..."
" أرحلي... " تمتم بصوت جليدي دون أن يرمش أو تهتز ذرة واحدة من جسده المتشح بالسواد." فورا..."
بعيدة عن الإستسلام أبتسمت تلك الإبتسامة المدروسة و الباردة. لامست فكه بأصابعها السمراء...
" لا تكن فظا... أنت بحاجتي..."
هذه الثقة بالنفس تشعل غضبه ووحشيته، قد يكون نبيلا منذ مجيئه إلى هذه الدنيا، لكنه يستهجن تماما هذا البرتوكول و اللباقة التي تعم الطبقة التي ينتمي اليها، ربما هذا ما دفعه ليتزوج من امرأة بعيدة عن عالمه... امرأة سخرت منه في النهاية و يقسم ان يذيقها العذاب قريبا.
انحنى على فكتوريا و اتسعت عينيها ببعض الإنتصار و كأنها توقعت إستسلامه... دنى من أذنها وهمس ببرود:
" في حياتي لم أحتاج لإمرأة... لاسيما عاهرة من الطبقة المخملية..."

 


قلوب أحلام غير متواجد حالياً  
التوقيع
13th year anniversary celebration- احتفالية تأسيس روايتي الـ13

رد مع اقتباس
قديم 13-02-13, 07:53 PM   #8

قلوب أحلام

نجم قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية قلوب أحلام

? العضوٌ??? » 266960
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 334
?  نُقآطِيْ » قلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الخامس

كان النهار بهيجا، الشمس ساطعة في قلب سماء خالية من الغيوم، و المنطقة الخضراء تتوهج بسحرها الاستثنائي و تغرق مدعوي حفل عيد ميلاد التوأمين في نشوة لا مثيل لها، كانت الحفلة الناجحه و التي اقيمت في الحديقة في أوجها عندما وجه رالف لكمة مؤلمة لطفل بدين في عمره، بيلا التي جاهدت ما استطاعت لتبقى في أركان منزوية بعيدة عن نظرات جوشوا الباردة و ملاحقة أليكس الامنتهية كانت الشاهدة الوحيدة على المشادة العنيفة بين الطفلين، بكل ما أوتيت من قوة أبعدت رالف الذي يفوق عمره قوة عن عدوه المصاب والذي ينزف بقوة من أنفه.
رالف الفاقد السيطرة على نفسه رفسها بعنف و حاول الانقضاض على غريمه الذي كان يرتجف رعبا و خوفا، لحسن حظها أن مارك أنطونيو انتبه الى الجلبة ووصل في الوقت المناسب ليوقف ابنه و يتفقد الأخسار بعين قاسية:
" مالذي يحذث هنا؟؟"
" لقد كسر أنفي..." قال الطفل البدين باكيا بينما والدته تسرع نحوه و تلفه بذراعيها و ترمق رالف بإتهام.
" أنت من بدأ..." هذه المرة تدخل 'جو' بصوت مهتز من الغضب.
" هذا يكفي..." صرخ مارك أنطونيو بلكنة جمدت التوأمين مكانهما كما تجمد الدم في عروق بيلا التي لم يسبق لها رؤية هذه النظرات الهمجية في عينيه اللتين طالما كانتا دافئتين... حول اهتمامه الى الطفل المصاب و تمتم معتذرا لوالدته:
" سوف أتصل بالطبيب فورا سيدة ماكنزي..."
قاطعته هذه الأخيرة ببرود:
" سوف آخده بنفسي..." دون أن تنتظر ردا منه أمسكت بيد ابنها و ادارت لهم ضهرها.
شعرت بكتفي رالف تتشنج تحت يديها اللتين تشدان عليه بقوة عندما حول رئيسها اهتمامه اليه، تأمل الخدوش على جبينه، ثم الى سترته الجميلة الممزقة من الصدر قبل أن يقول بغضب:
" فورا الى غرفتك... "
" لكن..." اعترض جو مدافعا عن توأمه
" أنت أيضا جوزيف... فورا الى غرفتكما قبل أن أبرح مؤخرتكما ضربا الى أن يستحيل عليكما الجلوس لمدة أسبوع..."
تخلص رالف من يديها على كتفيه قبل أن يهز رأسه و يرمق والده بعداء:
" أكرهك "
ثم ركض مبتعدا نحو مدخل القصر، أمسك جو بيد بيلا التي منحتها اليه لمرافقته، مارك الذي تأثر لكلام رالف انطفئ غضبه قليلا و أعاد اهتمامه لجو بعد ان اختفى رالف من ناضره :
" لم نشأ مطلقا أن تدعو ذلك البدين الى حفلتنا..."
" جو هل تدرك خطورة تصرفاتكما..." جاء صوته أقل صرامة، و كأنه يخشى أن يقذفه جو بنفس الكلام القاسي قبل أن يرحل.
" أنت لا تفهم..." شدت بيلا على يد الصغير و شجعته لا اراديا بالاستمرار في الدفاع عن نفسه و عن توأمه، انتبهت لمضايقة الطفل البدين لهما منذ وصوله، رالف لا يفقد اعصابه بسهولة، هناك شيء خطر حذث ليدفع به الى حدود صبره: " لقد أساء... أساء الى جدتي يدعي بأنها قاتلة والدتنا... حاولت منعه من ترديد التفاهات لأنني أدرك حساسية 'رالف' ازاء اي موضوع متعلق بأمي... لكنه تعمد افساد حفل ميلادنا بالسخرية من رالف ... اقسم بأنه سمع ثرثرة والديه بشأن الواقعة... و أيضا... بأن كل المنطقة على معرفة بالأمر"
هزت عينيها برعب الى رئيسها الذي اختفى الدم من وجهه و أبقى فمه مطبقا يتطلع الى الصغير و كأنه يراه للمرة الأولى.
أحست بيلا بغصة مؤلمة في حلقها و عطفت لرالف و جو، بالتأكيد كل المنطقة و البلاد على معرفة بماضي رئيسها لأن الصحافة كررت الواقعة و تكررها الى يومنا هذا، حتى في الكيوبيديا الخاصة به نجد اسم 'لينيتا دا ماتا' و سيرتها القصيرة و نهايتها المؤلمة.
" اذهب الى غرفتك جو... بيلا سوف تهتم بخدوشك..."
" تعال الى هنا يا صغيري..." خاطبته بيلا برقة و هي تضغط بحنان على يده الصغيرة و تبتسم له بإشراق " سوف نستمتع بوقتنا أعدك"
استوى مارك في وقفته و راقب جو بجسده الصغير يبتعد بخطوات فحسب عنه قبل أن يستدير فجأة و يركض نحوه بعينان غارقتان في الدموع:
" قل بأن كلام جاكومو باطل... بأن موت أمي لا علاقة له بجدتي أرجوك"
أشاحت بيلا بوجهها بعيدا لتخفي دموعها و ابتعدت عنهما ببضع خطوات لتترك لهما بعض الحميمة.
****
دفعت ديامانتي باب غرفتها و اغلقته بعنف قبل ان تستنذ عليه بضهرها و تغمض عينيها الممتلئتين بالدموع لتسمح للعبارات الحارة بالنزول على طول و جنتيها المحمومة.
الان تفهم سبب برود الجميع اتجاهها.
بالتأكيد تفهم النظرات القاتلة التي توجهها اليها 'آنا' و 'سالي'، تفهم الاحتقار في نظرات آنجلا و الجليذ في تصرفات جوشوا.
اذا كان ادواردو و كاثي ريتشي يعاملانها برقة و دفئ أكبر فهذا لم يزح عنها الشعور بالانزعاج من عدوانية الآخرين نحوها.
عليها الرحيل من هنا...
آه نعم... عليها الاختفاء كما ظهرت و الله وحده يعلم كم يكلفها هذا الرحيل... لأنها و ببساطة لا تملك مكان ثاني تذهب اليه.
انزلقت ببطئ على الارض و جلست على الرخام البارد دون ان تشعر به.
اي متاهة هذه دخلتها؟؟ ولماذا يصر القدر على محاكمة غبائها؟؟
في البداية ارتمت في زواج متسرع من رجل خطر و زعيم مافيا و الان... تأتي بكل بساطة الى هذا القصر الذي يشبه قصص الخيال للأطفال و تتوهم انها في الجنة لتستيقض على واقع مرير و قاس... نعم... مصيبة زواجها أقل مما فعلته عمتها بمارك أنطونيو.
قبل قليل بينما تنتهي الحفلة المثالية و الموفقة التي اقامها قريبها لطفليه و التحق أغلب أفراد العائلة الى داخل القصر، المرأة التي عرفها بها مضيفها كتوأم حبيبته الراحلة أخبرتها رأيها الصريح جدا في وجودها الغير لائق في القصر... أخبرتها ما تكتم عليه الجميع.
" عمتك الغالية قتلت توأمي ولا أفهم وقحاتك بالمجيئ الى هنا .." كلماتها كانت بمثابة السهم المسموم أصابتها في الصميم.
آه نعم... تفهم لماذا جوشوا ينادي والدته بإسمها بدل أمي.
شعرت بالعار و الخجل... شعرت بأن وجودها وقح و غير مرحب به كما أفهمتها 'آنا دا ماتا'.
لكن الى اين الرحيل.؟؟ الى أين؟؟
اذا تجاوزت اسوار القصر فسيعثر عليها دراكو... و اذا عثر عليها... الله وحده يدرك بالعقوبة التي ينوي معاقبتها بها.
اذا وقعت في يديه هذه المرة فليس نتاليا من سيخلصها كما فعلت في المرة السابقة، نتاليا التي اخفتها في صندوق سيارة ابنها الذي رافقها الى محطة القطار... نتاليا... ملاكها الحارس.
بقلب مثقل من الألم غادرت مكانها على الأرض العارية و توجهت الى خزانة الملابس التي تضم حاجياتها المزرية و التي لا تتناسب مطلقا مع فخامة المكان.
فلترحل و ليكن الله في عونها.
****
" لقد أرهقتها الحفلة..."
استدار جوشوا فورا اتجاه مصدر الصوت، زوجته التي تعمدت تجاهله طيلة النهار تأتي نحوه في النهاية بوجه مشتعل و خدود محمرة، يعرف متى تشعر بالسوء من نفسها و يعرف أيضا بالمجهوذ الذي تقوم به لقطع الخطوة بنفسها، 'ليلي' نامت منهكة بين ذراعيه، بعد ساعتين سيغادران ايطاليا نحو لندن كما قررا البارحة، عموما لا وقت له بيوم عطلة اضافي، أعماله لا تسمح بذلك و الكونت لم يكن سعيدا ابدا مؤخرا بإنقطاعاته المتكررة في سبيل ارضاء زوجته المتطلبة... تأجيل رحلته الى الألكسا بسبب عيد مولد التوأمين تسببت بمشادة كلامية بينهما
أخبره الكونت و بكل صراحة رايه ازاء تدليله لزوجته.
" النساء عامة لا ينفع معهن هذا النوع من الدلال...سوف تنقلب ضدك ذات يوم وتتهمك بالضعف ..."
لو أدرك بعمق الثوثر في زواجه لإتهمه بالتساهل و استرسل في دروسه التي لا تنتهي في علاقاته السابقة بالنساء.
" هل امتعتنا جاهزة؟؟" سألها وهو يعيد اهتمامه الى ليلي التي تمص ابهمها، وجهها الجميل مسترخي و ناعم.
" قامت الخادمة بحزم جميع الأغراض... كل شيء جاهز." عقب الصمت، اختفى مارك أنطونيو قبل مدة من الزمن ولا يتمكن من رؤيته، الأطفال الذين تمت دعوتهم رحلوا قبل ساعة و لم يبقى في الحديقة حيث نصبت الخيام و تكبيرات الصوت سوى عمال الشركة التي تم استخدامها و اللذين يقومون بازالة ما تم نصبه.
" جوش..." عاد ينظر الى عينيها التي لمعت بتعبير يعرفه جيدا تريد الاعتذار لكنها لا تجد ما تقوله كالمعتاد.
" لا ... آنجلا... "
" لقد بالغت بالأمس... أعرف" بلعت ريقها ووضعت يدها على كتفه ببعض التردد
" تبالغين في كل مرة..."
" أحبك بشدة و هذا يرهقني... " لولا الغضب الذي رافقه طيلة ليلة أمس و ترك اثاره واضحة اليوم لإبتسم وسامحها كما يفعل في كل مره
" أنا أيضا مرهق ... أفضل أن نترك بعض المسافة بيننا اذا كنت أثير أعصابك الى هذه الدرجة... "
تجمد وجهها لثوان و حملقت اليه بغير تصديق، تابع دون أن تتغير لهجته الجليذية:
" أحبك أيضا بشدة و أدرك بأن هرموناتك السبب في تغيرات مزاجك، أملك من العمل الكثير ما سيجعلني غائب جدا في الأيام القادمة... أريدك أن تعيشي أشهر حملك المتبقية بسلام بعيد كليا عن كل توثر... "
" حبيبي أنت لا ثوثرني..." لوت شفتها ببعض الاستياء و رمقته بطفولية " انسى ما فعلته أمس أعدك ألا يتكرر..."
هز رأسه بالنفي قطعا... لا لن يضعف هذه المرة.
" سأضع ليلي في سريرها و أبحث عن شقيقي لأعلمه برحيلنا..."
قبل أن يدير لها ظهره استوقفته بتمتمة متوسلة، لكن هذا لم يفلح بإنزال غضبه و لا مرارته
" غيرتك ستحطم زواجنا آنجلا... عندما تثقين بي أكثر سوف نتكلم"
****
طرق مارك انطونيو طرقة خفيفة على باب غرفة 'رالف' قبل أن يفتحه و يدخل.
كما توقع الصغير لم يستدر نحوه او يمنحه أدنى التفاثة، كان يجلس على الأرض أمام جهاز التلفاز العملاق، يعقد ساقيه أمامه بينما عيناه متبثتان على الشاشة، أصابعه تتحرك بخبرة و سرعة على جهاز البلاستيشن... كل اهتمامه منصب على لعبة المتاهة أمامه...آخر اختراعات جوشوا... الذكاء مفتاح الفوز في اللعبة... بها ثلاثون مرحلة، لكن طفليه لم يستطيعان تجاوز الخامسة لصعوبتها.
هز حاجبيه عندما عرض على الشاشة المرحلة السابعة، على الأقل غضب 'رالف' مكنه من الفوز بالمرحلة السادسة في اللعبة.
الهدايا الكثيرة على سريره لم يتم فتحها، اشارة سيئة جدا... 'رالف' يعشق الهدايا.
تأمله لثوان و شعر بعاطفة قوية تهز كيانه.
بعد رحيل لينيتا رافقته فكرة مواجهة الحقيقة خلال السنوات المنصرمة، الحقيقة المؤلمة التي يعرفها العالم و التي يأمل حماية طفليه منها، تساءل عن الطريقة التي سيشرح فيها اسباب وفاة والدتهما عندما يكبرا... لم يتصور ان يبدأو بطرح هذه الاسئلة في هذا العمر... ست سنوات حاول ما استطاع لتجنب هذا الوضع القاسي...
لكن عندما غرق 'جو' في دموعه و توسله ان ينفي اسباب رحيل والدتهما، أدرك بأنه أمام موقف صعب... صعب جدا و مزر.
لا... هذا هو الرد الذي أعاد الاشراق لوجه طفله الصغير... لا... البعيدة عن الواقع.
لكنه مستعد لنقش الحقيقة في سبيل اسعادهما.
لا... هو لم يكذب حقيقة، لم تكن امانويلا من قتل لينيتا مباشرة، لكنها فعلت عبر قناص محترف.
التوت معدته كما تفعل كلما تذكر الماضي، كان يأمل حفل ميلاد أجمل من هذا، مطلقا لم يتمنى أن تظهر الحقيقة في هذا النهار ولا في عمرهما الصغير.
لكنهما ولداه... انهما من الريتشي، كل الاعين و الاهتمام منصب عليهما اينما ضهرا، و بالتأكيد كانا ليعرفا هذه الحقيقة عاجلا أم آجلا.
" لم تفتح هداياك؟؟؟" تلفض بأول ما جاء على لسانه، لم ينجح بإثارة اهتمام 'رالف' كما يجب،لدهشته وصل ابنه للمرحلة الثامنة في اللعبة الالكترونية... عصبيته حقا تفوق الحدود " هدية جدك ستثير اعجابك بالتأكيد"
" تستطيع رميها كلها في القمامة لا تهمني..." رد 'رالف' ببرود دون أن يبعد عينيه على الشاشه.
" حسنا هذا يكفي..." قال مارك بحزم قبل أن يدنو من الجهاز و يغلقه مما سمح له بتلقي نظرة عداء من الصغير.
" يجب أن نتكلم رالف... كرجلين"
" صحيح؟؟ كرجلين حقيقين؟؟ مالذي جعلك تقرر فجأة ؟؟ لما انتظرت أن نعرف الحقيقة من سخيف بدين كجاكومو..."
غادر الارض التي كان يجلس عليها ليسرع الى الشرفة و يتطلع منها.
" لا يمكننا حتى زيارة قبرها، بالتأكيد لأنها مدفونة في الجهة الاخرى من العالم، لم تأخدنا يوما الى هناك... لم تتزوج و لم تفكر بأننا ربما نعاني من الوحدة بسبب غيابها.... " استدار نحوه، عيناه غارقتان في بركة من الدموع " تماما كما تعاني أنت..."
شعر مارك بأن قلبه يتحطم الى الف قطعة... رباه انه بصدد اتعاس طفليه بدل اسعادهما
" أنا لست وحيدا... أنتما معي" قطع المسافة بينهما و جلس على المقعد المخملي الازرق المتطابق مع ديكور الغرفة لطفل في سنه، أمسك بيديه و عصرهما بقوة بين يديه ليشعر بدفئهما و يوصل اليه عاطفته " أنتما أجمل ما حذث في حياتي... و أعرف... بأنك لا تكرهني، ما قلته سابقا نتيجة غضبك من كلام جاكومو..."
ازدادت دموعه غزارة و بان الألم على وجهه الجميل، كان يشبه لينيتا في هذه اللحظه، بعيناه اللتين مالتا للرمادي و بشرته القمحية و خصلاته الغامقة مع رحيل أشعة الشمس.
" أحببت والدتك، قراري بدفنها في مسقط رأسها نابع من احترامي وولائي لها، لم أهذف بهذا لإبعاد قبرها عنكما بالعكس... فكرت بسكينة روحها... ما قاله جاكومو عن موتها ليس... ليس صحيحا... رجل مسلح من استهذفها و ليس جدتك... وهذا الرجل يقضي عقوبته في السجن..."
وضع أصابعه على وجنتيه المبللتين و مسحهما بكل رقة قبل أن يغمز له بعين متواطئة و يقول بتسلية
" جاكومو يستحق كسر أنفه على اسائته لجدتك..."
تنفس الصعداء عندما حل محل الالم ابتسامة خجولة مترددة، مسد على شعره الحريري ثم انزلقت يده الى ذراعيه قبل أن يشد عليها مستكشفا:
" لم أدرك انك تملك عضلات قوية الى هذه الدرجة..."
احمر وجه رالف و هز على كميه قائلا:
" نعم املك منها الكثير..."
هز مارك حاجبيه متصنعا الدهشة وصفر بإعجاب:
" تفوقت على والدك في سن السادسة، كنتُ هزيلا و متجردا من عضلات مماثلة... لكن عدني الا تكرر ما فعلته بذلك الطفل مهما اساء اليك... لا نحل مشاكلنا بالعنف رالف... "
ابتسم رالف و ارتمى فجأة على عنقه يضمه بقوة:
" أنا لا أكرهك أبي"
" أعرف يا بُني... أعدك أن نزور قبر والدتك في نهاية الموسم الدراسي، سوف أخدكما الى 'ريو دي جينيرو' و ستتعرفان على مدينتها و شعبها... " ثم قبل رأسه بحنان قبل أن ينظر مباشرة في عينيه " افتح هداياك رالف و أخبرني رأيك بما اقتنيته من أجلك"
بان التردد مجددا على وجه الصغير ثم قال بصوت منخفض:
" لن نفتح هدايانا أنا وجو تواعدنا على ذلك... لن نفتح هدايانا قبل أن تحقق أمنيتنا "
أقطب مارك وبادر بالسؤال سريعا
" ترغبان بشيء محدد مني؟ لما لم تخبران قبل عيد مولدكما"
اشرق وجه رالف و لمعت عيناه الواسعتين :
" سوف تفعل؟؟ ستحقق أمنيتنا الغالية؟؟"
" لم أتخلف يوما بتحقيق أي شيء لكما..."
اتسعت ابتسامته و قال بحماس
" سوف استدعي جو... لنخبرك معا برغبتنا... كلما أسرعت بالموافقة كلما اسرعنا نحن بفتح هدايانا..."
غادر رالف بسرعة البرق الغرفة، تقطيبة مارك لم تختفي و بدأ الضباب يتلاشى من أمام عينيه، رباه... لا تدفعني لتخييب أملهما...اجعل من أمنيتهما سهلة التحقيق... اجعل من امنيتها أي شيء عدا ما يفكر به.
فتح الشرفة على مصرعيها، الشمس تركت الخطوط الأخيرة من أشعتها الذهبية، الغروب على المنطقة مختلف وخيالي في كل مرة، وضع يديه على الدرابيزن العالي و تطلع الى الحقول الممتدة أمامه الى مالانهاية، لكن أعصابه المرهقة تحول بينه و بين هذا المنظر الرائع... انه يعيش جحيم الست سنوات المنصرمة و كأن لينيتا رحلت البارحة فقط.
تنهد و القى بنظرة أخيرة على الجنة من حوله، قبل أن يعود الى الداخل أثارت انتباهه حركة في أحد الممرات الملتوية التي تقود الى بوابة القصر.
امرأة متشحة بالسواد تضع تحت ابطها صرة سوداء و تهرول بإتجاه البوابه، خصلات شديدة الشقرة انفلثت من الوشاح لتكشف عن هويتها، لا يوجد امرأة في القصر تملك بهاء هذا اللون المميز غير...
" ديامانتي..."
تمتم مارك غير مصدق بينما يتابعها بنظراته الحائرة تسرع الخطوات و كأنها بصدد الهروب، حتى و ان استوقفها بأعلى صوته فلن تسمعه من هنا، و لن ينجح سوى بإثارة فضول من حوله.
ترك الشرفة على عجل في الوقت نفسه الذي فتح فيه باب الغرفة و ظهر جو و رالف و بيلا، الاثارة على وجه رالف اختفت ما ان انتبه الى عجلته:
" سوف أعود من فوري فلا تتحركوا من هنا... بيلا أرجوك ابقي معهما"
" لكن..." اعترض رالف لكن مارك كان قد خرج و أغلق الباب خلفه.
****
" ترحلين بسرعة سيدتي..."
ابتسمت ديامانتي لحارس الامن الذي فتح لها البوابة، كان نفسه من منعها من الدخول أمس، وهاهو يتطلع اليها بنظرات تنم عن خيبته برحيلها السريع، آلفت هذا التأثير على الرجال، أحيانا كثيرة يجلب لها المتاعب و المشاكل.
" هل سأجد سيارة أجرة متوفرة في هذا المكان؟؟"
" عليك السير مسافة طويلة سيدتي " خرجت ديامانتي من البوابة و اعاد غلقها الحارس قبل أن يقترح " انتظري لحظة كي استدعي سيارة اجرة لك سيدتي"
نظرت حولها لسكون الطبيعة الهادئة، وللظلمة التي بدأت تزحف بلطف لتخفي آخر آثار الشمس و ألوانها الدافئة.. ابتسمت للحارس بإمتنان
" سوف أجد طريقي ... وداعا"
رغم ملامح وجهه المعترضة لم يقل شيئا، أخدت حفنة من ثوب ثنورتها الطويلة بين أصابعها و شقت طريقها بين حقول نوار الشمس و داليات العنب.
اختفت ملامحها الحيادية تذريجيا و اختفى ما حولها وراء غيمة من الدموع الكثيفه، يؤلمها الا تودع مارك أنطونيو و تشكره على رقته و كرمه ، يؤلمها الا تقبل وجنة كاثي و تخبرها كم أحبت مساندتها هذا النهار بينما الجميع يرمقها و كأنها كائن من كوكب آخر.
مسحت دموعها بعصبية و اخدت نفسا عميقا، رحيلها من القصر و من حياة قريبها خير للجميع... لوادركت ولو للحظة بما فعلته عمتها بعائلتها لما فكرت بالمجيء... والان... تجد نفسها في نقطة البداية.
الى اين المفر؟؟
هزت دقنها نحو صرير المكابح الذي تردد غير بعيد منها، ابتعدت عن وسط الطريق المتعرج لتسمح للسيارة الفاخرة بالمرور، لدهشتها هذه الاخيرة توقفت على بعد قدم منها، فتح الباب و ظهر رجل بملامح صقلية صارمة.
في البداية ضنت بأنها تهلوس، خوفها من دراكو يجعلها تتوهم وجود رجاله في كل مكان..
صفق باب السيارة خلف القامة الطويلة و تطلعت الى الملامح الجليذية كي تتضح الحقيقة أمامها
" فرانكو..."
" برنسيبيسا ديامانتي... نحمد الرب لأنك بخير، الأمير قلق جدا عليك "
تجمد الدم في شرايينها و انقضت ثوان توهمت خلالها بأن قلبها توقف عن النبض، رغم الرعب الذي يهدد بسلبها وعيها تمتمت بصوت هامس:
" كيف وجدتني..."
" لدينا أحبابنا في كل مكان 'برنسبيسا ميا' ( أميرتي)... " أخرج ورقة من جيبه نشرها أمام وجهها و تعرفت بسرعة على صورة مارك انطونيو التي كانت تحتفض بها في جارور غرفة نومها بمنزل والدها " و أيضا... نسيت دلائل خلفك... "
بلعت ريقها بصعوبة، شدت على صرة ملابسها تحت ابطها عندما شعرت بها تنزلق وهزت عينيها الى فرانكو القاسي الملامح طالما... ارعبها هذا الرجل... تكاد ان تقسم بأنه من يقوم بالاعمال الوسخة لدراكو.
" وماذي تريد مني بعد ان وجدتني "
" ياله من سؤال... فلنقل أن الأمير... غاضب قليلا من تصرفك"
غاضب جدا و فاقد السيطرة هذا ما اخبرتها به عيناه، شعرت بالخوف يزحف الى ركبتيها لكنها هزت كتفيها مدعية الامبالاة
" لدي رسالة الى أميرك دون فرانكو... أريد الطلاق و بسرعة، لن أعود اليه و لن اذهب معك الى أي مكان... "
ابتسامة ظهرت في زاوية شفته، تطلع اليها و كأنها تسليه بكلماتها:
" سأتجاهل ما قلته لتوك برنسبيسا و لن أنبس ببنت شفه ... لا أحد يلقي اوامره على الأمير دراكو اظن بأنه كان متساهلا معك الى الأن... انت لا تعرفين اي نوع من الرجال هو زوجك..."
" بل أعرف جيدا اي نوع من الرجال ... أخبر أميرك بأنني أفضل الموت على العودة اليه"
تقسم بأنه يكاد يتثائب من تهديداتها، كان يتعمد الضغط على أعصابها و التقليل من قوتها، دراكو يملك نفوذا شاسعا هي تعرف... كما تعرف بأن فرانكو هنا بأمر جلبها الى صقلية شائت أم أبت...
" اصعدي الى السيارة" اللهجة الأمرة نجحت بهزهزة القليل من الثقة المتبقية لها " برنسبيسا" أضاف هذا اللقب الذي تكرهه من قلبها كتأكيد على انتمائها الى دراكو..
" أبدا"
" سوف أسدي لك نصيحة " قال فرانكو بلهجة باردة " عندما نصل الى صقلية و الى القصر، حاولي اختلاق اي نوع من القصص ازاء هروبك ... قصة قد تشفع لك أمام الأمير ... لأنه في الحالة المناقضة... شياطين الجحيم بنفسها لن تتحمل القصاص الذي ينتضرك"
ارتجف ذقنها عندما فتحت فمها لتتكلم لكن لم يتجاوز شفاهها اي صوت سوى تنهيذة تشبه زفرات الموت، من فوق كتفه رأت حارسين شخصيين ينتظران أي أمر لينقضا عليها، تراجعت الى الوراء عندما امتدت يد فرانكو نحوها، بصوت نافذ الصبر قال
" برنسبيسا؟؟"
" لا... لن أذهب معك..."
" ليس خيارك للأسف... أنت تضيعين وقتي ووقتك و تزيدين وضعك صعوبة "
أطبقت اصابعه كالفلاذ على رسغها، صرة ملابسها انزلقت لتستقر على الأرض المغبرة... هل هذه النهاية؟؟ سوف تعود الى دراكو و الى جحيمه؟ تكبدت عناء لاشيء ...
" اتركني"
قاومت بعنف اليد الحديدية التي تطبق عليها لدرجة تمنع سري الدم في شرايين ذراعها للاسف، فرانكو أقوى منها ولا يبدو متأثرا باللكمات الصغيرة التي توجهها ليده التي تسجنها.
" الم تسمع ما قالته لك؟؟ أتركها..."
توقف قلبها كما تصلبت ملامح فرانكو و تشنجت أمام الصوت الأمر و اللهجة القاسية المتسلطة، استدارا بنفس الوقت نحو مصدر الصوت.
فجأة عادت كلمات جوشوا ليلة أمس الى رأسها عالية و مجلجلة:'
يعرف مارك كيف يدافع عن نفسه في الوقت المناسب و صدقيني لديه مخالب نمر شرس بدل ابتسامة ملاك التي يرسمها لمن لا يشكلون خطرا عليه'
النظرة الشرسة و الوجه المكفهر و القاسي مثل الجرانيت لمارك انطونيو ذكرها بدراكو، الهالة الملائكية حوله اختفت و بدى كاسرا مستعدا للانقضاض على خصمه في اية لحظة تراجعت عفويا في مكانها عندما نجح قريبها بفك حصارها و تحريرها دون اللجوء الى القوة ضد فرانكو الذي هز دقنه بتحد و قال ببرود.
" هذه المرأة تخص رجلا ذو نفوذ 'دون ريتشي' ... ليس من صالح احد اختلاق المشاكل فالحرب قد تكون اضرارها وخيمه"


" وجودك على ممتلكاتي الخاصه ما سيكون له أضرارا وخيمة ان لم تأخد رجالك فورا و ترحل من هنا..." دنى منها و أحاط كتفيها بحركة حمائية مما دفع الدموع تلقائيا الى عينيها، استكانت لدفئه و شعرت بأنها ليست بمفردها أمام وحوش زوجها و العالم بأسره .
" أنت لا تعرف من يكون دراكو فلاكون..." قال فرانكو محذرا لكن مارك انطونيو لم يترك نفسه يتأثر بلهجته ولا بصرامة نظراته.
" و أنت لا تعرفني بالمقابل، قريبتي ترفض الرحيل معك... وهي لا تخص رجلا لا تريده، بلغ رسالتي الى رئيسك... و الان... غادر ممتلكاتي قبل أن أستدعي حراسي و لن تروقك طريقتهم صدقني..."
تواجه الرجلين للحظات كعدوين الى ان خشيت تشابكا بالايادي و ربما اخراج الاسلحة مثل الافلام التي تراها لكن كل هذا لم يحذث، بدت نظرات فرانكو التي القاها نحوها قبل ان يعود الى السيارة نظرات شفقة... يشفق عليها من ردة فعل دراكو بعد ان تصله رسالة قريبها.
كانت ترتجف تحت ذراعه بينما سيارة المرسيدس الفاخرة تعود ادراجها، عاد الهدوء و السكينة الى المكان عندما اختفى هديرها القوى و اختفت كثلة المعدن عن الانظار، كان يجب أن تقول شيئا بينما يطول الصمت بينهما، تعرف بأن وقت الحقيقة حان وعليها شرح الموقف و تبرير صمتها... بللت شفاهها الجافة و بصوت يفتقد الاتزان تمتمت متجنبة النظر الى عينيه
" أنا و دراكو..."
" لا...' شد بلطف على كتفها و اجبرها على مواجهة نظراته " لست مضطرة للشرح و لست مجبرة لتبرير شيء لي... فقط اعلمي بأني ادعمك و سـأدعمك الى النهاية... "
" آه مارك...لا استحق كل هذا " الحزن الذي اطبق على وجهها الجميل كان كفيلا ليعكس بنفس الوقت معاناتها ...وحدتها...امتنانها ... دون ثانية تأخير ارتمت بين ذراعيه " انا اسفة لأنني فررت كاللصوص دون ان اودعك او اخبرك كم كنت رائعا معي... لكن 'آنا' محقة... مافعلته عمتي شنيع ووجودي هنا في غير محله"
" نسيبتي لا حق لها بإنتقاض ضيوفي وصدقيني سيكون لي معها كلاما لاحقا... أما الأن فما أطلبه منك هو ثقتك بي... عندما تواجهك أية مشكلة... أخبريني..." بجدية وصرامة تطلع الى عينيها المبللتين و مسح على وجنتيها الشاحبتين بإبهمي يديه اللتين التقطتا وجهها بينهما" لست مسؤولة على تصرفات امانويلا في الماضي توقفي عن الشعور بالذنب و عيشي حدادك بهناء... أما فيما يخص المدعو دراكو فالكوني فأتركي أمره لي"
***
"سوف تغادران بسرعة..."
ابتسم جوشوا لحماته التي تشع جمالا كالمعتاد، صوتها الرقيق كنسمة هادفئة وسط النار التي تتآكله منذ أمس، كان السائق بصدد وضع الحقائب في صندوق سيارة الليموزين الخاصه بالقصر، بحث بعينيه على زوجته، وجدها حيث تركها قبل بضع دقائق في الأريكة بالقرب من ليلي التي ماتزال تغط في نوم عميق.
" تعرفين قريبك و هوسه بالأعمال..." رد بلطف على كاثي التي لامست ذراعه قبل أن تتأبطها.
" طالما كان أندريس مهووسا بالأعمال و الأرقام... هل نستطيع التنزه قليلا ريثما يعود مارك أنطونيو و ينتهي السائق من حقائبكما؟؟"
هز جوشوا رأسه موافقا، ست سنوات تقريبا أصبح صهر آل ريتشي، يحفض عن ضهر قلب تصرفات حماته و يعرف تماما متى تريد الاعتذار مكان طفلتها المدللة...
تمشيا لبضع أمتار قبل أن تقرر هذه الأخيرة الكلام و خوض الموضوع مباشرة " شعرت ببعض الوجوم بينكما أنت و آنجلا أم أنني مخطئة؟؟"
بعض الوجوم؟؟ كاد ينفجر من الضحك... اذا كانت زوجته قد تجاهلته طيلة النهار و أوضحت حتى للاغبياء بأن ثمة خلل في علاقتهما.
" كاثي لا يخفى عنك مزاج ابنتك خلال الحمل... المسكينة تعاني مع ضغوطات هرموناتها، أرجوك اعذريها اذا شعرت بثمة وجوم..."
توقفت كاثي و عصرت برقة على ذراعه ثم تطلعت اليه بقلق:
" لا تدافع عنها جوش..."
" بالتأكيد أدافع عنها انها زوجتي و انا أعشقها من قلبي و طفلي من تحمل في أحشائها، فلنقل بأنني المسؤول بشكل أو بآخر عن اكتئابها... اسمعي لا تقلقي بشأني، سوف أساندها الى النهاية.."
تنهدت كاثي و استمرت بدراسة ملامحه التي احتفظ بها محايدة، ابتسمت تلك الابتسامة المشجعة التي يحفضها:
" ان احتجت للكلام يوما..."
" لن أجد أفضل منك لأسر له همومي كاثي... " ربث على أصابعها الطويلة التي تمسك بذراعه بلطف " شكرا لأنك حماتي..."
ازدادت ابتسامة كاثي اتساعا و لمعت عيناها
" شكرا لأنك صهري... و لأنك تعشق آنجلا رغم كل عيوبها... و الأن تعالى الى هنا"
أخدته بين ذراعيها و ضمته كما تفعل مع مارك أنطونيو و أليكس..
" لا تنسى، سأكون دوما الى جانبك ان احتجت للفضفضه ذات يوم" قبلت وجنته بحنان و حدقت اليه بجدية في عينيه " آنجلا تحبك من قلبها لا تنسى هذا أبدا عزيزي..."
***
تركت بيلا الستائر تعود الى مكانها في شرفة غرفة رالف ما ان افتح الباب و ظهر رئيسها التوأمين غادرا لعبتهما الالكترونية ما ان لمحا والدهما، هذا الأخير حملهما معا بين ذراعيه و كأنهما لا يزنا شيئا، ابتسمت عندما ترددت ضحكاتهما عاليا بينما يرميهما على السرير و يجلس على حافته قائلا:
" كما وعدت... عدت سريعا، أظن بأن هناك ماتريدان قوله لي..."
" سوف أخرج الأن..." قالت بيلا وهي تتوجه الى الباب " ان احتجتني سيدي سأكون في المطبخ ... وداعا رالف و جو"
ما ان أغلقت الباب خلفها حتى شعرت بأنها ليست بمفردها... شيء ما هزهز سكينتها... شيء يشبه المشاعر التي تهاجمها كلما كان اليكس في الجوار.
بلأمس أمضت ليلة جهنمية بسبب مفاجئة جوشوا لهما في وضع حميمي، و اليوم بينما تستيقض على فكرة تواجدها في القصر منتهي و رحيلها القريب محتوم تدرك بأن هذا الأخير احتفظ بما رآى لنفسه، و دون مارك أنطونيو يجهل حماقتها مع شقيقه الأصغر.
نعم حماقة ... في أشد أحلامها جنونا لم تتخيل أن تتخد صداقتها بأليكس هذا المنحى... أليكس... اليكسندر ريتشي سيء السمعة، اذا كان رئيسها متحفضا جدا في علاقاته العاطفية فشقيقه الذي يدرك مدى جاذبيته لا يتسم بنفس الصفة، انه لعوب... مغواء و سمعته سوداء فيما يتعلق بالنساء.
كيف لها ان تنسى هذا بينما تنساق وراء رغباتها؟؟ متى احتدمت عاطفتها اتجاهه و صارت بركانا ثائرا؟ انها لا شيئ بالنسبة اليه او اي رجل... عقلها متضرر وهي... شبه امرأة وخيالها.
انقطع حبل أفكارها عندما فُتح فجأة باب الجناح الأخير في الرواق... الجناح الذي يقيم فيه اليكس كلما زار القصر.
احتبست انفاسها في صدرها و تسلل الهلع اليها بينما تحسب المسافة المتبقية للوصول الى المصعد دون ان يلمحها هذا الأخير اذا حالفها الحظ و نجحت.
" يال حظي..." ببطئ القت نظرة على مصدر الصوت المتهكم، كان يستند على عصاه، وجهه الجميل خالي من التعبير بدى و كأنه يستعد للرحيل أيضا من القصر" بعد أن تجاهلتني منذ ليلة أمس أجدك أمام باب غرفتي و أجد فرصة التكلم معك أخيرا..."
" لا يوجد ما يقال دون اليكسندر... "
" آه بلى هناك الكثير 'بيليسما ميا' (جميلتي) ... هل تريدين أن ننقاش الموضوع هنا في الرواق كي يتمكن شقيقي العزيز من سماعنا أم تدخلي للحظة الى غرفتي؟؟؟"
طفح الكيل، اذا كان الوضع يسلي هذا العملاق أمامها فهو يتسبب لها بالذعر و الهلع، القت نظرة حولها لتتأكد بأن باب غرفة 'رالف' ماتزال موصدة قبل أن تعود بإهتمامها اليه:
" لا أدخل غرف الأسياد "
" عزيزتي لا اشكك بنبل أخلاقك..." بحزم أمسك بذراعها و جذبها الى الداخل و اغلق الباب، تسارعت أنفاسها كما ضربات قلبها، تعرف هذا الجناح عن ضهر قلب لكن وجود اليكس و اغراضه فيها يجعلها غريبة عنها، التوثر تسلل الى كل خلية من جسدها و شنج أعصابها بطريقة مؤلمة، بللت شفتيها الجافتين و اردفت:
" سوف تتســـبب بطردي اذا اكتشــــ....ــــفني احدهم هنا..."
أقطب جبينه و أجاب بجدية:
" ربما هذا أفضل ... لم تخلقي لتكوني خادمة أحد بيلا..."
نفخت على خصلة متهدلة أمام وجهها، اليكس كان قريبا لدرجة تمنعها من التحرك بحرية دون ملامسته، لمحت حقيبة سفره على السرير الكبير و شعرت بالخواء يسكنها فجأة... زيارته الى قصر الدوقية نادرة و اذا رحل لن تراه قريبا :
" سوف أرحل الليلة..." بدأ و كأنه قرأ في أفكارها " سوف أبقى في ايطاليا لأربعة ايام أخرى، اشتريت مطعم جديد في البندقية و يجب أن أرتب أموره قبل أن أطير الى الولايات المتحدة... "
الولايات المتحدة... حيث أتمم دراسته و بدأ أعماله بعيدا عن عائلته في لندن، حظ ال ريتشي في الاعمال متوارث يكفي أن يضع فرد منهم يده على شيء كي يتحول الى ذهب، مطاعم اليكس على لائحة المطاعم الطيبة السمعة، ابتدأ منذ أربعة سنوات فقط في الميدان وهاهو يحقق نجاحا و يلمع كما النجوم في سماء حالكة.
" اسمعي بيلا... سأساعدك بإتمام دراستك في باريس تماما كما فعل مارك أنطونيو معك قبل الحاذثة، أؤمن بقوتك و أعرف بأنك ستتجاوزين هذه الإعاقة الضئيلة التي بالكاد يلمحها أحد..."
الصدمة شلتها و تطلعت اليه و كأن رأسا آخر نبث له:
" لا أريدك أن تمضي بقية عمرك في هذا المكان أنت انسانة موهوبة و ذكيه و تملك كل خصال سيدة أعمال ناجحة، سأدفع تكلفة دراستك في أرقى المدارس كي تعملي لحسابي بعد ذلك... بالتأكيد هذا اذا راقك فأنا أبحث عن كل جديد في الميدان، و بما أنك نجحت مع شقيقتي الصعبة المراس كما لم ينجح رئيس الطباخين في بيتها أعرف بأن لديك الكثير لتمنحيه لعالم الطبخ..."
" أنت... أنت تسخـــ...ــــر مني..." شهقت بعدم تصديق.
بدى اليكس مندهشا لردها، ابتسامة رقيقة رسمت الخطوط الحسية لشفاهه، مد يده ليبعد خصلة من الشعر عن وجهها و يضعها وراء أدنها قبل أن يلامس وجنتها بضهر يده:
" ثقي بنفسك بيلا... أنت امرأة كاملة و رائعة..."
" لست كامـــ...ـــلة اليكس و أنت تــــ...ــــعرف هذا أكثر مني... لن أنجح في أي ميـــــ...ــدان لاسيما الطبــــــخ الذي يحتاج الى تركيز كبير... أنا فاشلة"
" ... امنحي فرصة لنفسك... دعيني اساعدك..."
دعيني أساعدك... هذه الكلمات نجحت بردع مقاومتها، من اسرع بمد يده اليها بعد الحاذثة غير عائلتها؟؟؟ كل الشباب في عمرها فروا منها و كأنها الطاعون... كانت وحيدة مع مأساتها.
" لما... تفعـــــل ذلك معـــــي؟؟ "
" ربما لأنك تهمينني أكثر مما تتخيلي..." أجاب ببساطه.
لا... لا تريد تصديق عيناه... لاتريد تصديق نظراته... لا تريد هذا الاحساس الجديد في أعماقها، الوقوع في حب اليكسندر ريتشي أسوء من تسلق ذلك الجبل اللعين الذي غير حياتها.
" .... أنــــا لا شــــــيء "
بدى معترضا على حكمها القاسي اتجاه نفسها:
" أنت المرأة التي اقنعتني بخوض الحرب ضد عجزي و جعلتني مؤمنا بنجاح أكد الاطباء انه مستحيلا..."
لا... لا تريد أن تغرق في هذه النشوة اللذيذة التي بدأت بالزحف الى أوصال روحها، لا تريد أن تصدق وهما... اليكس الغامض... اليكس المظلم الذي لا يعري عن مشاعره الحقيقية ابدا... الحقيقة معه صعبة و معقدة.
" لا أستطــــيع..." تمتمت بخفث... "ربما... لست المــــرأة التي..."
قاطعها و هو يلتقط وجهها بين يديه ليجبرها على مواجهته و النظر مباشرة في عينيه الزرقاوين:
" المرأة التي تعجبني..؟؟ "
" لا تســــ...ــــتطيع الاعجاب بي..." انكرت بعنف " تبادلــــنا بضع قبلات .. هذا لا يعني اعجابك بي..."
" تعالي معي بيلا..." تجاهل كلامها كما تجاهل التعليق عليه " أريدك معي في البندقية، اريد آرائك بالنسبة لمطعمي الجديد و أفكارك أيضا... ربما بهذا سأثبت لك كم انا جاد في عرضي و كلامي"
" هذا يكفي... دعني أذهب من هنا.. أتركني "
مقاومتها لقبضته بائت بالفشل، لا يبدو مستعدا للاستسلام ولا للتراجع، أغمضت عينيها ووضعت رأسها على صدره عندما ضمها بين ذراعيه و احتفظ بها طويلا و كأنها أثمن شيء على وجه الأرض... كان صديقها منذ زمن... تبادلت معه اسرار و مخاوف ما لم تقدر على البوح به لجدتها ولا لوالدها او والدتها... كان اول شخص لم يفر رعبا منها عندما تكلما للمرة الاولى... أخد لعتمتها بشكل طبيعي و عاملها كالبشر لا كمتأخرة ذهنيا... امتنانها له عميق و قوي.
" أعرف بأنك في عطلة بعد عيد مولد التوأمين... تعالي الى البندقية ستجدين في المطار بطاقة سفرك جاهزة... لن يعرف أحد بلقائنا اذا كان هذا ما يقلقك..."
" تعرف بأنني لن أتي... أليكس عالـــ...ـــمك بعيد عن عالـــــمي.." صمتت مجبرة عندما انحنى على و جهها و التقط شفاهها في قبلة حارة بخرت مقاومتها و مخاوفها.
***
تشنج مارك انطونيو بينما أزوج الاعين الزرقاء المفعمة بالأمل تتطلع اليه و كأن العالم متوقف فحسب على اجابته.
بحق الجحيم مالذي يستطيع الاجابة به دون جرحهما؟؟
الان يفهم لما سانتاكلوز لم يستمع لرغبتهما و امنيتهما الغالية، لأنه شخصيا كان ليدق عنقه لو طلب منه نفس الامنية.
" اذن؟؟"
استعجله رالف بنفاذ صبر.
" لا أجد ما أقول..." رد مارك ببعض الانزعاج
" اشارة موفقة ابي..." رد جو بحماسة.
أخد مارك نفسا عميقا و قرر اخد الموضوع بتسلية اقل، ولديه يبدوان مقتنعين بإختيارهما لدرجة مزعجة...
" اذا فهمت جيدا طلبكما ... تطلبان مني الزواج، و المرشحة المناسبة هي ايزابيلا..." هز التوأمين رأسهما بالموافقة القطعية.
" ربما بيلا مغرمة بشخص آخر...ايه.. ذلك الشاب... السائس ما اسمه "
" باولو؟؟ لا هي ليست مغرمة به... " اجزم رالف قطعا مما زاد من ازعاج مارك.
" انا لست مغرما ببيلا..." قال لتنبيههما.
" لكنك تستلطفها و نحن ايضا" اجابة جو راقت رالف الذي اتسعت ابتسامته.
كان ضحية مؤامرتهما هو يعرف.
منذ زمن يرتبان لهذا، مطلقا لم يناقشا يوما معه موضوع زواجه ولم ينتقضا و حدتهما...
" لا أستطيع الزواج من خادمة أنا آسف يا طفلاي، العالم الحقيقي بعيد جدا عن قصص ساندريلا... بيلا لطيفة و رقيقة ولا أنكر بانني أستلطفها، لكنها تملك اعاقة و هذه الاعاقة لا تناسب رجل أعمال في مكانتي و الذي يحتاج الى مظيفة بجانبه تتكلم بدبلوماسية و طلاقة مع ناس المجتمع الذي ينتمي اليه"
" و نحن لا نريد 'سالي' كزوجه لك... " تدخل رالف مقطب الجبين " عاجلا ام آجلا ستجبرك على ترك 'تيرا بيلا' للعودة الى لندن حيث تنتمي هي"
" ولا نريد خالتي 'آنا' ... انها فضة مع الخدم و قاسية..." تابع جو متنهذا.
عقب الصمت، مارك لا يصدق بأنه بصدد مناقشة حياته الخاصة مع توأميه، لقد كبرا... كبرا حقا وهما يدفعانه لاختيار زوجة و أم لهما... أم مكان لينيتا تحبهما و تعزهما كما كانت لتفعل حبيبته.
نريد أما... لقد قالاها بكل وضوح قبل أن يكشفان عن هويه هذه الام البديلة التي يريدانها... ايزابيلا، حفيدة السائس... الحورية التي تشرق الشمس و تغرب في خصلات شعرها و عينيها.
" قل بأنك ستفكر أرجوك... تعرف بأن بيلا تشفى رويدا و لن تبقى معاقة كل عمرها، انها تجاهذ في سبيل ذلك... " توسل اليه رالف .
انقبض قلب مارك بطريقة سيئة و شعر برغبة عنيفة بالغثيان... هو يتزوج؟؟ لو طلبا امرا آخرا مهما كان مستحيلا ربما استطاع تنفيذه... لكن ان يتزوج؟ ان يجد نفسه امام المذبح يردد عهودا و... و... لا، يرفض التفكير في الامر.
" أبي..." همس جو بنفس اللهجة المتوسلة و المتدرعة " نحب بيلا و نجدها مناسبة لك... امنحها فرصة... ستكون أجمل بفستان أنيق بدل بدلة الخدم..."
ما لا يعرفانه انها أكثر اثارة أيضا في بنطال الجينز و قميص ضيقة و خصلات ذهبية متحررة تكاد تلامس خصرها.
" اسمعا... هناك اشياء تخص البالغين يستحيل على طفلين بعمركما فهمها..." هو نفسه لا يعرف اين يريد الوصول بكلامه اخد نفسا و حاول تجاهل النظرات المتضرعة للطفلين" أحببت والدتكما"
" لكنك لم تتزوجها بالمقابل" ملاحظة رالف جمدت الدم في عروقه، بحق الججيم من اين يحصل هذا الصغير على معلوماته؟؟
" ربما نفهم اكثر مما تعتقد" قال جو.
بدأ عقله يدور امام هذا التواطئ بين التوأمين، لا يريد ان يقطع وعدا و لا يريد ان يجرحهما عليه الانفراد بنفسه فحسب.. حاليا عليه الابتعاد عن هذا الابتزاز العاطفي.
" أنتما ذكيان جدا و ستتفهمان الـ..." توقف أمام الاهتمام الجلي على وجهيهما، رباه ... كانا يتابعان كل كلمة تخرج من فمه و كل حركة وتعبير في وجهه، أدرك بأنه أمام باب مغلق، بأن الوسيلة الوحيدة للهروب من هنا هو " حسنا... أعدكما بالتفكير..."
" ببيلا؟؟" سألاه بصوت واحد مما جعل اي مناورة منه فاشلة سلفا.
" نعم... سأفكر بعرضكما و... ببيلا "
كان مارك مايزال تحت تأثير الكلام المتبادل بينه و بين التوأمين عندما انضم للجميع قرب الليموزين لتوديع شقيقته و زوجها، مثل المعتاد جوشوا حساس جدا اتجاهه ، يشعر بتوثره على بعد أميال...
" لن نرى بعضنا قريبا، سوف تذهب الى الالسكا..." قال مارك الذي انفرد به بعيدا عن البقية الذين اهتموا اكثر بليلي و آنجلا.
" رحلة اجلتها مرتين..." رد جوشوا وهو يهز كتفيه " الكونت مهتم جدا بشراء فندق آخر في العاصمة، يريد مني تقريرا مفصلا بشأن الصفقة، يهتم بتوسيع اعماله في المنطقة "
" الكونت عبقري في الأعمال اعترف بموهبته..." اردف مارك بعقل شارد..
" ما الأمر مارك؟؟ أراك متوثرا و منزعجا... اذا كان الموضوع متعلق بـ'سالي' و 'آنا ' أنصحك بــ..."
قاطعه مارك وهو يهز يده بالامبالاة:
" الأمر لا يتعلق بهما وسوف ترحلان غدا لحسن حظي... انهما التوأمين... لقد كبرا طفلاي جوش " و لأنهما مقربان جدا في تبادل اسرارهما لم يجد مارك داعيا لاخفاء رغبة طفليه، توقع أن يسلي الامر جوشوا كما عادته، هذا الأخير تجهم وجهه و القى نظرة من حوله ليتأكد بأنه لا يوجد من يتجسس على كلامهما.
" بيلا حفيدة السائس؟؟؟ اسمع أخي... حاول اقناع طفليك بأي طريقة لينسيا أمرها... أظنها مهتمة بأليكس... بلأمس كانا في موقف حميمي جدا في المطبخ مما لا يترك ادنى شك بنوع العلاقة التي تجمعهما"



التعديل الأخير تم بواسطة أميرة الحب ; 13-02-13 الساعة 08:33 PM
قلوب أحلام غير متواجد حالياً  
التوقيع
13th year anniversary celebration- احتفالية تأسيس روايتي الـ13

رد مع اقتباس
قديم 13-02-13, 08:09 PM   #9

قلوب أحلام

نجم قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية قلوب أحلام

? العضوٌ??? » 266960
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 334
?  نُقآطِيْ » قلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السادس

ترك اليكس باب جناحه مفتوحا عندما وجد والده وراء الطرقات الحازمة التي ترددت في خواء المكان الذي تركته خلفها بيلا بعد أن رحلت...
من حسن حظه أن يقرر هذا الاخير زيارة المكان بعد رحيل فتاته بفترة، دنى من السرير و جلس على حافته ليريح ساقيه المتعبتين بينما والده يغلق الباب خلفه ويقف بقامته الطويلة أمامه، يتطلع إليه بتعبير المحامي الصارم الذي يكرهه.
عموما فقد أنتظر هذه المواجهة، أعلن والده عن رغبته بمكالمته بعد الظهر قبل رحيله إلى البندقيه، علاقتهما لم تكن يوما طبيعية... ثقة هذا الأخير الضئيلة في شخصه تؤلمه حتى الأعماق.
" لم نرى بعضنا منذ ستة أشهر ... تمنيت لو تفاجئ والدتك المسكينة بزيارة مفاجئة في لندن"
والدته المسكينة، التعبير يتعمده مرارا ليشعره بذنب شيء لم يقترفه.
يعترف بأن حماية والدته الزائدة تخنقه، قبل خوضه للعملية و عندما كان معتمدا على كرسي متحرك قلبت حياته جحيما.
زياراتها المفاجئة في كل مكان يذهبه بمفرده و تدخلها في كل صغيرة وكبيرة في حياته الخاصة أثرت سلبيا على ثقته في نفسه... لبعض الوقت ظن بأن حياته لا شيء دون مساندتها.
لكن كل شيء أنتهى، بينما يعود للشعور مجددا بساقيه و بالتأكيد... يستطيع ممارسة حياته الجنسية بطبيعية شعر بحرية أخد زمام أموره بنفسه دون تدخل أحد.
" لا أملك الوقت لدي الكثير من الأعمال..." رد اليكس ببرود دون أن يبتعد للحظة عن تثبيت والده.
" لكنك وجدت الوقت لتأتي إلى التوسكانا..."
" تعرف بالتأكيد لما أنا هنا أبي... فأنت تراقب كل تحركاتي بحذر شديد... أعرف بأن محامي أعمالي يمدك بكل المعلومات رغم أن القانون يمنعه من ذلك... تعرف أن وجودي في إيطاليا متعلق بالمطعم الجديد في البندقية "
لم يحاول الإانكار، هز كتفيه و كأن الأمر برمته مسألة عادية:
" ... من حقي الأطمئنان على أعمال ابني"
" لا تريد لأاطمئنان على أعمالي، فأنت لم تثق يوما بكفائاتي، منذ الحادثة تعاملني كمعاق حقيقي و لن أنسى الرعب الذي أصابك عندما طلبت من أمي المال لشراء أول مطعم لي، سمعت كلماتك الجارحة، أخبرتها بأن النقود التي تنوي استثمارها مفقودة سلفا... لكنك رأيت بنفسك... أستطعت تسديد آخر قرش لها... و كبرت مشاريعي..."
" أي نوع من الأباء سأكون اذا لم أفخر بنجاح إبني؟؟... " زم اليكس شفتيه ولم يخفي ضيقه ولا إنزعاجه، يكره عندما يتلاعب والده بالكلمات و يحولها لصالحه "أثبت أنك انسان مسئول منذ زمن اليكس"
هز عينيه إلى السماء و قال متهكما:
" أي معجزة هذه بسماع كلمات مماثلة منك 'دون ريتشي العظيم' "
" تعرف ما هي مشكلتك؟؟" تابع أدواردو متجاهلا سخريته " تصر على تصديق أوهامك... أنا لا أكرهك و لم أكرهك يوما... لقد كنت مراهقا صعبا و تسببت بالكثير من المصاعب لنا... موت اليسيا ..."
وقف اليكس من مكانه وقد أنسحب الدم من وجهه شعر و كأن الغرفة تدنو منه بجدرانها بطريقة خطرة و تهدد بسحقه، لا يريد سماع أسمها... يرفض تذكرها.
" توقف..." صرخ به بعنف " أمنعك من التكلم عنها..."
" لا أنوي إتهامك بشيء..." رد ادواردو بصلابة أقل بينما يلاحظ الرعب الذي زحف إلى وجه ابنه و شحوبه المقلق.
" قل ما لديك بعيدا عن موضوعها... تتهمني بإهمال والدتي؟؟ حسنا... سوف أناقش هذا الأمر مع المعنية بالأمر، الأن إذا أنتهيت أريد الرحيل إلى البندقية"
أستمر ادواردو بمراقبة أليكس الذي خرج من شخصه الزائف الذي يخفي ورائه ضعفه و مخاوفه، كان خبيرا جدا في التمثيل و السخرية، خبير جدا في أبقاء حقيقته وراء جدار من الجليد... لكنه في هذه اللحظة تعرى من زيفه... بدى كطفل صغير خائف و مرتعب... كان يعرف بأنه يشعر بالذنب من موت اليسيا لكن... ليس لهذه الدرجة.
لقد مرت ست سنوات على موتها، تمكن من خداع طبيبه النفسي الذي عالجه في الثلاث السنوات الأولى بعد غيبوبته... اليكس لم يشفى... مايزال مريضا من اليسيا.
" أنا آسف..." تمتم ادواردو مما زاد من سخط أليكس.
" لا تعتذر فهذا يشعرني بالسوء أكثر..." توقف عن الكلام و ازداد شحوب وجهه، فهم ادواردو فورا نوع الإعتراف الذي أتى على قوله اللحظة ابنه... صمت حرج عقب لثوان قبل أن يتابع اليكس بصوت جليدي" أنت لا تعرفني... ، طالما كنت مقربا من مارك أنطونيو، طالما اهتممت بآنجلا و دللتها..."
" اوه 'بير ديو' ( حبا بالله)... ليس صحيحا" أنكر ادواردو وهو يشعر بإتهاماته تصيبه في أعماق روحه.
" نعم... أنا أهلوس مثل المعتاد..." إبتسم إبتسامة خالية من أي تعبير... عاد يختبئ وراء قناعه اللعين ... شخصه الآخر الذي يحفظه ادواره عن ظهر قلب " آسف أن أقطع هذا التبادل المحتدم و الشيق أبي، لكنني سأبحث عن أمي لتوديعها"
" اليكس ولو لمرة أتمنى أن نتكلم كبالغين..." تدخل ادواردو بإمتعاض.
" عندما تتوقف عن النظر لي كطفل غير مسؤول و مدلل سنتمكن من ذلك..." رد اليكس بلامبالاة و كأن حصول هذه المعجزة لا تداعب خياله " عن إذنك أبي"
***
راقبت آنجلا من خلال أهدابها زوجها ينغمس في الأرقام على شاشة حاسوبه ما أن أصبحت الطائرة في الجو و أضحى بإمكانهما فك أحزمة الأمان.
أستغل نوم 'ليلي' في الكابين بمؤخرة الطائرة لينفذ تهديداته بتركها و شأنها.
متى أفلتت زمام الأمور من يديها؟؟ زفرت ببعض الضيق و أشاحت بوجهها إلى النافذة الصغيرة تتطلع إلى الغسق بعقل شارد..
تعرف بأنها و حدها الملامه عن الجحيم الذي تعيشه في هذه اللحظة، طالما كان جوشوا رائعا معها... وفي بالوعد الذي قطعه عليها ليلة زواجهما في البندقية... أسعدها و أحبها الى أن أثملها.
لكن هي... هل وفيت بوعدها؟؟... تركت غيرتها تأخذ كل جزء من عقلها و تتحكم بها، شددت الحصار على فارسها لحد الإختناق و بالتأكيد... أتى الوقت لينفجر... فالضغط بالتأكيد يولد الإنفجار.
لكن... بأي طريقة امرأة تفتقد فجأة للثقة في نفسها أن تثق برجل؟؟ لاسيما إن كان هذا الرجل مالك قلبها و سيده، يملك من السحر ما يجعله عرضة ملاحقات نسائية على الدوام؟
كيف تستطيع شرح الجحيم الذي تعيشه بإستمرار أمام رعبها من فكره أن يسأم منها ذات يوم و يتركها كما سبق و فعل مع زوجته السابقة؟؟
حسنا... ربما الوضع مختلف بينها و بين 'آنا'... ربما زواجهما جاء نتيحة قصه حب شغوفة ... لكنها هي من طلبت يده في البندقية و ليس العكس.
لكنها تعترف بأن المنافسة قوية جدا... تشعر بأن كل النساء بإنتظار فرصة الحصول على مكانها بجانب جوشوا ديكاتريس... وريث الإمبراطورية الأكثر وزنا في البلاد.
ركل الجنين في أحشائها في هذه اللحظة ليعيدها إلى الواقع، وضعت يدها على بطنها قبل أن تلاحق جوشوا مجددا بنظراتها... مازال في نفس الوضع الذي تركته فيه قبل أن تبتعد بأفكارها... حالم النظرات على الشاشة و كأنها لا توجد بتاتا في محيطه.
" جوش..." بدأت وهي تبلل شفتيها الجافتين.
" أمممم..." رد دون اهتمام حقيقي كان يركز على الشاشة اللعينة و كأنها مسألة حياة او موت.
إلتقطت نفسا عميقا إلى أن نفخت رئتيها... تستحق هذا الوجوم.
" فكرت... فكرت في الإقامة ببيت والداي خلال رحلتك الى السكا..."
هذه المرة نجحت بإبعاد أهتمامه عن الشاشة، التقت نظراتهما لثوان قبل أن يستفسر بهدوء
" لماذا؟"
لأنني أكره البقاء بمفردي بينا صورا كثيرة و مرعبة تلاحقني باستمرار... لكنها تجاهلت قول ما يحرق لسانها كي لا يتهمها مثل المعتاد بالغيرة.
" ولما لا؟"
في وقت آخر كان زوجها ليدنو منها، يأخذها بين ذراعيه ليذكرها بأنها سيدة ستارهاووس، بأن الكونت أندريس لا يطيق إبعاد ليلي عن البيت و عليها البقاء إلى جانبه، لكنه لم يفعل... هز كتفيه قبل أن يغوص مجددا في الأرقام المعقدة أمامه على الشاشة:
" أفعلي ما يحلو لك آنجلا..."
زمت شفتيها بقهر، يرفض لأاهتمام أكثر بكلامها، يرفض السقوط في شرك تحريضها..لكن كيف ستثيره كي يتكلمان أخيرا كسابق عهدهما دون هذا البرود الذي يثير أعصابها ...
" عمي روبيرتو و ابنته فلور سوف يقيمان في المزرعة لبعض الوقت... سوف أذهب إلى هناك ما أن يصلا..."
" لما لا... المزرعة مكان رائع و سيفيدك جوها الريفي..." رد عليها دون النظر نحوها.
أخفقت... لم تنجح محاولاتها لإخراجه من قوقعته.
تلذذت للحظات بدراسة خطوط فكه المرسومة بإثقان، بظلال رموشه على وجنتيه البارزتين بينما ينحني بجفنيه على شاشة الحاسوب... وسيما و رائعا بكل ما للكلمة من معنى... تحسست بطنها قليلا بينما يعود جنينها برفسها مجددا... هل سيشبه والده هذا الطفل الذي يطفح نشاطا و يرهقها؟؟؟
فجأة خطرت لها فكرة... نعم... وجدت السبيل لإثارة أهتمام زوجها و أخراج مخالبه.
" فاشن ومن ..."
كما توقعت قبل أن تنهي جملتها تبثها جوشوا بنظرات مظلمة وقد اغلق حاسوبه بحركه جافة.
لعبة القط و الفأر التي تلعبها آنجلا معه منذ بعض الوقت بدأت حقا بإزعاجه وإفقاده صبره... إنه يعرفها، يعرفها أكثر مما تعتقد... و الأشارة إلى دار الأزياء الراقية الخاصة بالحوامل ' فاشن وامن' لإثارة حنقه فحسب... لأن عروضهم شخصيا لم تهمها.
في حملها بليلي المنافسة بين دور الازياء للحوامل كانت محتدمة، كل دار أزياء تتمنى الحصول على عقد مع وريثة ريتشي لكنه أعترض و رفض قطعا أي مناورة لدفعه للموافقة.
بدأت أغراءات دور الأزياء منذ أعلان حملها الثاني... دار أزياء بشكل خاص لا تنفك عن ملاحقة زوجته ' فاشن ومن' تمادت لتطلب أيضا عقد عمل لطفلته كي تعرض أزياء اطفال... ظن بأنهما أنتهيا من هذا الموضوع و أغلقاه للأبد... تتعمد العودة إليه لإغاظته.
" لا أجد الفكرة سيئة..." راقبها بحذر تهز كتفيها، وجنتيها توردتا عندما ألتقت نظراتهما، إنها تتلاعب به... تتلاعب بأعصابه و تأمل نتيجة إيجابية لصالحها إزاء تحريضاتها التي لم تنقطع منذ ركوبهما الطائرة.
" الفكرة ليست سيئة أنت محقة... لما لا ملابس داخلية للحوامل أيضا فلا بد أن كل معجبيك من الرجال يتمنون رؤية شكلك الداخلي ببطن بارزة و بملابس أقل " قال ببرود وهو يقف من مكانه " أفعلي ما تشائين حبيبتي... فقط لا تقحمي إبنتي في مشاريعك "أانسحب الدم من وجهها لكنها أنكمشت في مكانها و لم ترد على كلامه القاسي.
حظيت ليلي بإهتمام المربية التي أسرعت إليها ما أن تردد صدى صوت هذه الأخيرة في مؤخرة الطائرة، وجدها بصدد إطعامها...
" بابا..."
" سوف أهتم بها شكرا لك... "
بعد ان أصبح بمفرده مع ليليان التي أشرق وجهها ما أن سقطت عيناها و تعالت صرخات البهجة منها... أستعمل المقعد الذي كانت تجلس عليه المربية و أخذ المعلقة و صحن عصيدة الفواكه.
" بابا..."
" أنا هنا يا قلبي" همس لإبنته وهو يثبت وجهها الحبيب بعينيه ويضع المعلقة بين شفتيها " والدتك سوف تصيبني بذبحة قلبية بإثارتها غيرتي بإستمرار... "
" ماما تحمل بيبي... " ردت ليلي بكلماتها المتقطعة وهي تبلع عصيدتها." أندريس جينيور"
من فرط ما كرر الكونت أسم الفيكونت الصغير لحفيدته ألتصق أسم المولود القادم في عقلها ولا تنفك عن مناداته به في كل مناسبة.
" نعم... ' أندريس جينيور' ... ستكونان مقربان جدا و تستطيعان تشارك الكثير من الأمور عندما تكبران كما هو الحال معي و مع عمك مارك أنطونيو..."
" أحب 'رالف' و'جو'..."
" وهما يحبانك أيضا ..."
أبتسم جوشوا و نظف شفتيها ووجهها بمنديل مبلل و معطر بعقل شارد... طفل لن تتأخر دور الازياء بترشيحه للبس ماركاتها و محاولة التجارة به... لكنه لن يسمح لأحد بالاقتراب من طفليه حتى آنجلا التي يعشقها و التي تتعمد إغضابه فحسب... يعرف كم تعبد ليلي وكم تخاف عليها من التهديدات الخارجية... يتذكر الرعب الهستيري الذي أصابها قبل سنة ونصف عندما حاول مجهولين أختطاف الصغيرة... لحسن حظ الجميع أن رئيس الأمن الخاص بعائلة الديكاتريس محارب و عضو قديم في المخابرات البريطانية... كان كفوءا بشكل مذهل و الكونت يثق به.
" عديني ألا تهتمي لهذه التراهات يوما... " تأمل وجهها الدائري، عينيها الواسعتين الخضراوين وملامحها الطفولية التي تطفح جمالا ... تنذر بأنثى كاملة مستقبلا بالتأكيد لكن هذا لا يضعف عزيمته، ببعض لأاصرار خاطبها وهو يلامس خصلات شعرها الذهبية" والدك لا يريدك عارضة ازياء ... هوليوود عالم مرعب و زائف ... سوف تكونين عالمة فيزياء مميزة ... أريد أن يزن دماغك وزن النجوم في السماء... لا أن تكوني ضمن قائمة الحسناوات بعقل عصفور..."
ضحكت ليلي بسعادة عندما وصلت أصابعه إلى بطنها و دغدغها برقة:
" ستكونين من يفك ألغاز هذا الكون الشاسع... أعدك"
" أعدك..." كررت كلمته مرارا و كأنها تقصدها مما أنعش قلبه.
***
لا تعبير واضح... لا عضلة صغيرة في مكان ما من وجهه تفضح حقيقة مشاعره... نظراته وفية للجليد الذي يكسو ملامحه الأرستقراطية المظلمة.
لم يأخذ وقتا طويلا للأطلاع على المعلومات في الورقة أمامه، عاد يثبته بعينان صلبتان كالرخام... متشح بالسواد كالمعتاد، شعره الحالك الطويل معقود بتسريحة صارمة خلف عنقه... ألسنة اللهب التي تم إشعالها في الساعات الأولى من الصباح تتراقص في قلب المدفئة و تعكس بظلالها الذهبية على مقلتيه و فكه الخشن.
" أعرف عمه... روبيرتو ريتشي... " قال فرانكو ليقطع الصمت الذي أطبق في هذه الغرفة الداكنة و التي يكره المكوث فيها لأكثر من وقت وجيز، راقب دراكو يسترخي في مقعده العملاق و يتابعه بلاإهتمام" والده دون انطونيو ريتشي كان..."
" من أثرياء صقلية أعرف..." أجاب بصوت هادئ ." لا أحتاج لمعلوماتك للتعرف عن تاريخ آل ريتشي... إنهم أغنياء عن التعريف..."
" ماذا تنوي أن تفعل؟؟"
الصمت عقب سؤاله، مثل المعتاد فشل في فك رموز تعابير الرجل المتشح بالسواد أمام مكتبه.
" شيء واحد فقط يحيرني..." تمتم دراكو بلهجة متباعدة جوفاء " لما قبلت الزواج بي لتهجرني ليلة زفافنا؟؟ فقط لو أعرف ما دفعها لتغيير رأيها ب 360 درجه؟؟" بدى و كأنه يفكر بصوت عالي ولا ينتظر إجابته، غادر مقعده ليواجه البحر النائم في هذه الساعة من الصباح من خلال الواجهة الزجاجية.
تريد الطلاق...؟؟... عاصفة غضب هوجاء أكتسحت جسده وضببت الروئية أمام عينيه .. أختفت الأمواج الثائرة للبحر وراء الحقد الذي أعماه.
سوف تحصل عليه... يقسم أن يرضيها بعد أن يسترد منها حق و يشفي غليله.
" كسبنا عدو جديد فرانكو..." ألتفت نحو الرجل الذي بدى مندهشا نوعا ما.
" لا تنوي حقا محاربته؟؟ سمعته طيبة و هو طفل إيطاليا المدلل لا تنسى ذلك... لما لا تقابله لتحزم معه أمر زوجتك ..."
" أنا لا أحزم أمر زوجتي مع أحد فرانكو... " رد دراكو بهدوء... وفيا لنفسه لا يترك أدنى مشاعره بالغنعكاس على صفحة وجهه، عاد يجلس في مقعده بكل هدوء " لا أعرف نوع القرابة بين تلك الساقطة و حفيد انطونيو ريتشي الذي إنهارت أعمال والدي في الماضي بسبب جده المحتال... فكما رأيت بنفسك... ديامنتي تسيل لعاب أي رجل ويريدها لنفسه فحسب... لكنني سأدفعهما الثمن... ربما طرحت الفرصة نفسها لأعلم طفل إيطاليا المدلل درسا جديا في الحياة"
أحتبست انفاس فرانكو في صدره بينما يتابع دراكو بلهجة جوفاء:
" أريد تقريرا كاملا على نشاطات هذا الأخير... أظنه يهتم بالبورصة و ال****ات الراقية... ماذا أيضا؟؟"
بان الأمتعاض على وجه صديقه و تردد قبل أن يقول رأيه:
" دراكو لا أظن بأن مهاجمة مارك انطونيو ريتشي في أعماله سيفيد بشئ... إنه ذكي جدا رجل أعمال بحق... والده ادواردو ريتشي تزوج من وريثه ديكاتريس... ثروتهما..."
" بضخامة ثروتي..." قاطعه دراكو وهو يرمقه بنظرات سوداء " أريد تقريرا عن كل أعمال ذلك السافل إذا أستمررت بالتملص فسأجد من يقوم بهذا العمل و أعتبر نفسك مفصولا..."
عقب الصمت هذه الكلمات، أستعاد فرانكو مهنيته و هز رأسه موافقا
" أوامرك... سيكون التقرير عندك في المساء"
" ليس المساء... أريده بعد ساعة... ساعتين كأبعد تقدير..." وقف فرانكو من مكانه متأهبا للرحيل لكن رئيسه أستوقفه قبل أن يتحرك مبتعدا:
" أتصل بمونيكا لتجهز نفسها... ضع سيارة الليموزين تحت تصرفها و أعلمها بوصولي هذا المساء إلى روما ..."
" أمرك سيدي..."
تركه يخطو إلى الباب وقبل أن يدير قبضته الفضية الثقيلة:
" جد لي سانتوس و ليأتي فورا إلى القصر... أريد الطلاق بشروط.. فلنقل شروط غير متداولة عادة "
أغلق الباب خلف فرانكو أخيرا ليترك رئيسه مع شياطينه و جحيمه.
فتح دراكو حاسوبه و ضغط على بضعة أزرار لتضهر له معلومات مقتضبة على غريمه.
تأمل ملامح وجهه على الصورة معترفا بجاذبيته...
إذن ديامانتي تفضل الرجال الشقر؟؟
تريد الطلاق لتعيش حياتها هانئة مع قريبها الذي سقط من السماء فجأة و لم يسمع عنه من قبل؟
لا بأس... سوف يحررها منه.
بأكبر أضرار ممكنة يقسم بذلك.
أغلق الحاسوب بعنف و ترك العنان للسخط الذي يكاد يدمر كل خلية من جسده... إنتقامه سيكون عسيرا.
يريد بعض الهواء... سيقود في طرقات كاتانيا الضيقة إلى أن يستعيد هدوئه.
***
"هل أنت متأكد بأنك ستكون بخير أبي؟؟"
لا تريد أن تكون لحوحة ولا أن يبلغ خوفها حدود كلماتها فهذا بالضبط ما لا ينتظره منها والدها، أن تعامله كعاجز من الأن بينما ما يزال يتمتع بحيويته و يتغلب عن سرطانه.
" يومين بين يدي صديقي الطبيب لن تضر بي أبدا فلور... سوف نكون معا ما أن تنتهي فحوصاتي"
" لما لا تريد أن أرافقك إلى المستشفى بالعاصمة؟؟"
" لأنني و بكل بساطة أرغب ببعض الحميمية..." أمسكها من كتفيها و أدارها نحو الشرفة الواسعة التي تطل على جنة من أشجار الزيتون و اللوز و الليمون، تنتهي أطرافها إلى البحر الأيوني حيث قمة بركان أثينا يزفر ببعض الغضب مستعدا للأنفجار قريبا بين أمواج البحر.
" نحن في صقلية فلور... أستمتعي بما حولك و أسعدي يا ابنتي... تجولي بين الطرقات و أستنشقي عبير هذا الهواء الذي لا يوجد سوى في هذا المكان..."
كان يتكلم ببعض الحسرة و الألم، أرتجف ذقنها بعذاب و بطاقة تفوق البشر منعت الدموع من التسلل إلى عينيها.
لقد غير رأيه بشأن لندن ما أن امتطيا الطائرة من لوس أنجلوس، أخبرها بأنه يرغب بالهبوط في صقليه، يريد بعض العزلة في أراضي طفولته... وصلوا قبل موعدهما بأيام... والدها لا يشعر برغبة بتضييع لحظاته المتبقيه بعيدا عن أرض أحلامه.
شعرت بشفتيه بين خصلات شعرها، أحتضنها للحظات طويلة قبل أن يقرر تركها
" أنا آسف حبيبتي"
أستدارت نحوه مقطبة الجبين، لم تكن المرة الأولى التي يعتذر منها عن شيء تجهله... أحيانا تصيبها الحيرة أمام تصرفاته الغريبة... أم أن هذا راجع لمرضه فحسب؟؟
" يجب أن أذهب... لا بد أن صديقي الطبيب في الأسفل قد فقد صبره..." قبل جبينها طويلا و تطلع إليها برقة " عندما أعود سوف نتمشى مطولا في الحقول و سأريك أين كنت أختبئ من عقاب والدي عندما أفتعل مشكلة..."
" حسنا..." لمعت عينيها بدموع دقيقة وهمست برقة وصدق " أحبك أبي"
" أنا أيضا أحبك..."
شعرت فلور بالفراغ يكسحها بينما تراقب سيارة والدها تغادر ممتلكات الفيلا البيضاء في ضواحي كاتانيا. أنغلقت البواب الحديدية خلفه كما فعلت أبواب قلبها أمام أي أمل.
تركت الشرفة وعادت إلى الغرفة ... غرفة نوم والدها.
سمحت للدموع بالإنهمار كما قاومت منذ مصارحة والدها لها بحقيقة وضعه... الثقل كان ساحقا على صدرها... سحقا ورهيب.
تمنت لو تتفهم والدتها وضعه أو ربما وجهة نظره بينما يعلن عن رغبته بالمجيء إلى صقلية، وحدها الملامة إذا رفض الكشف عن معاناته لها، العالم يدور على شخصها فحسب... ووالدها يهيم بها و لا ينوي إقلاقها... صدقا.
إقلاقها... يزعجه البوح لها بمرضه بينما يعيش آخر أيامه و من حقها أن تشاركه معها؟؟؟
من حقه ألا يعيش وحيدا في أيامه الأخيرة...
جلست على حافة السرير... مهما كان قرار والدها بالتكتم فهي الأن عالقة في صقلية مع هذا الثقل الرهيب بفقدانه... ولا تجرؤ على تخيل ردة فعل والدتها عندما تعرف بالحقيقة.
بالتأكيد سوف تلومها هي بالتستر قبل والدها.
لكن لا خيار لها... رغبته كانت واضحةن يريد إمضاء بعض الوقت معها قبل أن يعلن المفاجأة لأفراد العائلة.
أنكمشت فوق السرير حيث عطره المسكي عالق بين شراشف السرير و تعلقت أصابعها بحواشي وسادة الدانتيل... كم تكره هذا العجز الذي يتملكها... هذا العجز المهدد و المؤلم أمام واقع مرير.
طالما أحبت والدها، كان مثاليا معها و مع دافيد ووفيا لعائلته... ربما يتملكها أحساس غريب أحيانا بأن والدتها تكن له المودة أكثر من الحب الذي يكنه هو لها، لكم حكمها هذا تحتفظ به لنفسها... من بين أنجح زيجات هوليود كانا على القائمة منذ سنوات، ربما أيضا حكمها عائد لشغفها بوالدها و حبها له.
رغم حماقاتها السابقة حاول فهمها بطريقة رقيقة، مرت السنوات ونضجت و حقق معها حلمها بتصميم مجوهرات راقية لنوعية خاصة من الزبائن.
كان فخورا بها و سعيد بنجاحها... كل شيء كان يسير بشكل جيد... أضحت سيدة أعمال ناجحة مخطوبة لرجل أعمال محترم و لامع.
يانيس جونس كان كل شيء عدا محترما... أسفاره المتعددة لماليزيا و دبي و في الأقطار الأربع للأرض أخفت عنها لأشهر أي نوع من السفلة هو...
قبل أسبوعين انفجرت قنبلتين في وجهها... يانيس لا ينفط عن خيانتها مع كل النساء اللواتي يلتقيهن ووالدها مصاب بالسرطان.
لو لم يكن شقيقها دافيد من فضح حقيقة خطيبها لما أكتشفت يوما أي نوع من الرجال تريد الأقتران به.
قلبها تحطم للأمرين... وجدت في عرضه للسفر معه الى صقلية الخلاص... تكره العودة إلى لوس انجلوس أو رؤية يانيس مرة ثانية.
أنزلقت أصابعها تحت الوسادة و أصتدمت بجسم صلب، أخدت بضع ثوان لتعود إلى الواقع من بين أمواج اليأس التي غرقت بينها... أقطبت جبينها وهي تسحب ما ألتقطته أصابعها رويدا من أسفل الوسادة.
استوت على السرير و أنزلق شعرها الكستنائي على جانبها بينما تحملق إلى الكتاب الذي اصتدته أصابعها بدون قصد...
كان مغلفا بالجلد الأحمر الفاخر، يضم ربما أكثر من الف ورقة لؤلؤية اللون، الولوج إلى محتواه سهل بسبب تعطل مفتاح الأمن الذهبي... قلبت الورقات بسرعة بين أصابعها متحاشية إلتقاط أي كلمة بعينيها... هذا الكتاب يخص والدها ليس من حقها الأاطلاع على محتواه.
عندماأنتهت من تقليب الصفحات و عزمت على غلقه و إعادته مكانه إنزلقت من الصفحات الأخيرة ورقة مصقولة سقطت على ظهرها لتبرز محتواها بكل وضوح... فتحت شفاهها مشدوهة وهي تتعرف على والدتها بعمرها تقريبا مع... أندريس ديكاتريس..؟؟؟
***
" أهدئي جينا..." طلبت كاثي متوسلة شقيقتها التي تصرخ في الجهة الأخرى من الهاتف.
" لقد رحل دون أن يقول كلمة وداع... إنه غريب الأطوار منذ بعض الوقت و يقحم ابنتنا في تغيرات مزاجه" قالت جينا بغضب.
بحثت كاثي عن ادواردو بعينيها بلا جدوى، هذا الأخير اختفى مع مارك انطونيو ولم يعودا بعد... ما فهمته من هستيرية شقيقتها أن روبيرتو هاجر من أمريكا قبل الوقت المحدد بكثير، تجد حقا من السخف أن تجهل هذه الأخير ما يدور حولها ... عموما سيغادران قصر الدوقية اليوم بدورهما بعد أن أعلن ادواردو فجأة رغبته بالعودة إلى لندن بسبب موعد هام مع أحدهم... لكن ربما سيتأجل كل هذا إذا تبث بأن روبيرتو في صقلية.
" فلور تملك من الهموم ما يكفيها... أنفصلت عن يانيس و قلبها محطم، وجودها مع والدها في هذا الوقت بالذات يثير حنقي... يانيس يريد رؤيتها و مناقشة سوء الفهم الذي تسبب بإنهاء خطوبتهما"
قاطعتها كاثي ببعض الحدة:
" قلت بالأمس بأنه يخونها..."
بعض التردد لاح في صوتها وهي تقول:
" يريد فرصة الدفاع عن نفسه ... يبدو أن دافيد فهم وضعه مع تلك الشقراء في ماليزيا بشكل خاطئ"
رفعت كاثي عينيها للسماء، جينا لا يهمها يانيس أو غيره، كل همها في هذه اللحظة ألا تبتعد إبنتها عن بيتها و رعايتها.
" لما لا تسهلين الوضع على كليهما و تأخذين الطائرة إلى لندن؟؟؟"
عقب الصمت ثم زفرت جينا معترفة فجأة:
" أنا في لندن منذ أمس... أمضيت ليلتي في 'ستارهاووس' "
قوست كاثي حاجبيها بعدم تصديق، فرجينيا في بيت أندريس؟؟؟ أي معجزة هذه...؟؟ الإثنان لا يطيقان بعضهما لأكثر من ثلاث ثوان. و كأن شقيقتها قرأت في أفكارها تمتمت شارحة:
" أندريس مسافر... كان من الرائع رؤية ليلي و آنجلا... لم أرفض دعوة جوشوا لاسيما و أن والده في فرنسا"
" أسمعي فرجينيا.." زمت شفتيها تقاوم بعنف الدفاع عن تصرفات روبيرتو و الأعتراف لها بكل شيء، لكن ليس هي من يتوجب عليه أعلامها و القيام بهذا الدور..." أظن بأن روبيرتو ترك كل شيء في الماضي ليرضيك و ربما حان الوقت لترضيه بدورك..."7
" لن أعيش في جزيرة بدائية فقط لأنه قرر ذلك فجأة..."
" ربما لديه مبرراته... "
" أي مبررات كاثي؟؟ أي مبررات ستدفعه فجأة للتخلي عن أعماله، عائلته و الهرب مع إبنتي كاللصوص؟؟" الغضب أحتدم في كلماتها الأخيرة." لا أجدهما في أي مكان و كأن الأرض أنشقت و بلعتهما... أتصلت في الفيلا بصقلية و أخبروني أن لا أحد هناك... سوف أفقد عقلي"
" إهدئي عزيزتي... سوف أخبر ادواردو بالموضوع و أرى ما يمكنه فعلا"
" أريدها ان تعود..." غصة خذلت كلماتها الغاضبة بدت يائسة بشكل لا يحتمل " يجب أن أعثر على فلور قبل أن... قبل أن..."
الإجابة التي أنتظرتها كاثي لم تأتي وعقب الصمت من الجهة الثانية، شعرت بشقيقتها تخنق شهقاتها بعنف، أنزلق قلبها بين ضلوعها بطريقة مؤلمة و للمرة الثانية تحرقت لإخبارها الحقيقة
" لما يرعبك بقاء فلور بمفردها مع روبيرتو؟؟ إنها راشدة و هي مع والدها..."
" آه كاثي أنت لا تفهمين ..." هذه المرة لم تفلح بكتم يأسها و أنفجرت في بكاء رقيق في الجهة الأخرى " يجب أن أعثر على ابنتي... ليس لأنني لا أثق بروبيرتو، فهو إنسان رائع و يعشقها... لكنه غريب الأطوار مؤخرا و تصرفاته ترعبني... إبنتي لديها حياتها في لوس انجلوس.. عملها الذي تحبه و خطيبها..."
" يانيس لم يعد خطيبها..." ذكرتها كاثي برقة.
" رباه... فليكن... فليذهب ذلك السافل إلى الجحيم، ما أريده هو العثور على طفلتي قبل أن أفقد صوابي"
***

السبت 22 آذار
( تزوج أخيرا... و لست من يتأبط ذراعه في هذه اللحظة ولا من تتأهب لحمل أسمه الى الأبد.
أدركت بأن زواجه سيؤلمني بشكل او بآخر...لكن... لم أكن مستعدة لهذا العذاب الساحق و المرعب الذي هدد بحرقي حية... هذا العذاب الذي يدمي قلبي و يمزقه ببطئ شديد.
أتنفس الموت و أتجرع زفراتها الحارقه... فقدتك للأبد.
أندريس...
حبيبي... فقدنا بعضنا في النهاية و الله وحده يعلم كم هذا مؤلم و قاسي)
آهات...
كلمات روح متئلمة و قلب محطم...
خيبات أمل و متاهة عشق... رنين أعماق شجنة و مكسورة.
تأوهت فلور و أبعدت عينيها عن الأوراق الباكية بين يديها لتغوص بروحها في البحر اليوني الذي يحوي بسخاء كرة اللهب التي تحول لونها الى الأحمر القاني.
لا تعرف كم من الوقت أمضته على هذه الصخرة غارقة بين أوراق هذا الكتاب الذي يحوي ماضي قلب مكسور و حزين.
ربما في البداية أفزعها أكتشاف مذكرات والدتها تحت وسادة والدها.
أفجعها و صدمها أن يطلع على أسرار الحب الضائع لوالدتها... بأي حق يفعل ذلك؟؟ أي زوج يرغب بقراءة الدموع بين طيات كلمات متوجعة و متألمة لزوجته من أجل رجل أخر.
لكن فضولها غلبها و دفعها لإحتواء الكتاب مرة ثانية بعد ان تكرر أسمها مرارا من خلال شكاوي قلب والدتها المكسور.
غادرت الفيلا بعد أن ضاقت الدنيا بها... كانت بحاجة ماسة للهواء... للمساحة.
بعد أن وجدت مكانا حميما يطل على أجمل المناظر المطلة على بحر فيروزي مترابط الأمواج برمال بيضاء عادت لتغوص بلا ثانية تأخير في ذكريات والدتها.
أرتجفت أصابعها وعادت تقلب الأوراق عشوائيا... تحتاج لسنوات عدة كي تقرأ كل صفحة على حدة... سيرة والدتها الذاتية طويلة جدا... وآلامها تتسبب بهروبها بين الصفحات آملة ألا تحرقها حتى الأعماق.
الثلاثاء 14 شباط
( عيد الحب... نعمة على العشاق، نقمة مستمرة على قلبي... أتقمس شخصية المغرمة المحبة و أغوص فيها... أعترف بالحظ الذي وهبه الخالق لي بزوج محب و طفلين رائعين... لكنه هنا... في هذا القلب الخائن الذي يأبى نسيانه)
وضعت يدها على فمها لمرة لا تعرف عددها كي تمنع نفسها من البكاء... هل قرأ والدها حقا هذه المذكرات؟؟ لا بد أن عمق مشاعر والدتها للكونت اندريس مزق أحشائه و دمره.
كيف أستطاعت العيش مع زوج لا تكن له سوى المودة طيلة سنوات بينما قلبها يتمزق من أجل رجل آخر.
كيف أستطاعت فعل ذلك به؟؟؟
تنهدت بحرقة وقلبت الأوراق مجددا بسرعة متجنبة معاتبه ضميرها و سخرية مبادئها منها... توقف قلبها عندما سقطت عيناها على أسمها و ركزت نظراتها الخضراء المبللة على الخط الأنيق لوالدتها:
الخميس 26 أغسطس.
( ثمانية عشر سنة.. كيف يعقل أن يمر الوقت بهذه السرعة؟؟؟ فلور تحتفل بعامها الثامن عشر، كلما تطلعت اليها كلما أثلجت ألسنة النار التي تتآكل هذا القلب منذ أمد... أراه من خلالها... أشعر به معي بالرغم من السنوات التي حالت دون ان يرى أحدنا الأخر... ورتث عيناه و إبتسامته... ورثت منه غروره و كبريائه.
لكنه لا يعرف و لن يعرف أبدا... أن قطعة منه تنمو إلى جانبي يوما بعد يوم )
فتحت فلور فمها بعدم تصديق وقد وجد الشك سريعا طريقه إلى صدرها بعد أن تخلصت من الصدمة التي ضببت العالم من حولها.
قطعه منه؟؟؟
بحق الجحيم مالذي تعنيه بكلماتها الغامضة؟؟
قلبت الأوراق بعجل و أصتدمت مجددا بكلمات يثقلها الشوق و الحنين دون أن تجد جوابا حقيقا لتلميحات والدتها الخطرة.
الظلمة التي زحفت للسماء جعلت رؤية الكلمات مستعصية.
كانت ترتجف بحدة بينما تقف مجددا على قدميها لتغادر المكان، عليها إيجاد مفتاح هذا اللغز الذي قلب سريعا موازينها.
قطعه منه؟؟ هي قطعة من الكونت أندريس؟؟
من هو غذن الرجل الذي نادته والدي كل عمرها؟؟ هل يعقل أنها عاشت كذبة كل حياتها؟؟
" آه لا... لا ربي لا تفعل هذا بي..."
تلقائيا عادت صورة الكونت إلى عقلها، وجهه الأرستقراطي و عيناه الخضراوين القاسيتين... نعم... عينان خضراوين ... مثل عينيها؟
هزت رأسها برعب لتلقي بهذه الأفكار السخيفة من عقلها وهي تهبط بحذر من الصخور الوعرة إلى الطريق الحجري الذي يقود إلى الفيلا.
تشنجت أصابعها على الجلد القاسي للكتاب في يدها بينما عقلها تلفه نفس الظلمة التي غلفت سماء صقلية الصافية.
' أنا آسف '
صوت والدها أو الرجل الذي طالما نادته أبي تردد قويا في رأسها الفارغ، أعتذاراته الغير مبررة تكررت مؤخرا كثيرا، أعادت تعاطفه لمحنتها العاطفية... لعلاقتها الفاشلة مع يانيس الذي خذلها.
لا... إنها تهدي.
بالتأكيد لا تقصد والدتها أنها ابنة الكونت ديكاتريس، ربما تذكرها عينيها به أو شيئا من هذا القبيل... هي من الريتشي، هي إبنة روبيرتو ريتشي و ليست فلور ديكاتريس... حتى أن لقب الكونت لا يناسب اسمها.
لا بد أنها فكت غموض الكلمات بشكل خاطئ.
لن تحكم على أمر خطر مماثل بتسرع، يجب ان تسأل والدتها... نعم... يجب ان تسألها حتى و غن كان الموضوع برمته سخيف جدا و خيالي.
فرامل سيارة جاف أعادها إلى العالم الواقعي، أعمتها الأضواء القوية ووضعت يدها على عينيها لتحميهما.
" هل فقدتي عقلك؟؟؟"
صوت خشن زمجر ببعض الوحشية مما دفعها للتراجع قليلا، فقط عندما حركت ركبتيها للأبتعاد شعرت بالألم لحركتها، بحق الله متى لامستها هذه السيارة؟؟ حتى أنها لم تشعر مطلقا بالإصتدام.
سمعت باب السيارة يغلق بعنف و بشبح رجل عملاق يتقدم نحوها، ألمها في هذه اللحظة غطى عن حذرها من رجل غريب في عتمة صارت كلية في هذه اللحظة.
" مالذي تصنعينه وسط طريق عام هل تخططين للأنتحار؟؟؟"
اللهجة التي أستعملها أغاظتها، هزت عينيها الغاضبتين نحوه ... فعلا هذا ما ينقصها في هذا اليوم البائس واللعين، أن يتطاول عليها صقلي بدائي كريه.
" أنا وسط طريق خاص في ممتلكات خاصة و أنت الدخيل هنا..."
" متى أصبحت الطريق العام ضمن الخصوصية؟؟"
بضيق حولت عينيها عن الأضواء القوية التي تعميها تماما و أكتشفت ببعض الانزعاج أن الصقلي محق، متى أنحرفت عن الممر الترابي الذي يصل الفيلا بالبحر ووصلت إلى هنا؟؟ هل شردت بأفكارها إلى هذه الدرجة؟؟
" هل أصبت؟؟"
القامة المهيبة أنحنت فجاة عليها، غطى بكتفيه أنوار السيارة و بجرأة وضع يده الكبيرة على ركبتها المتألمة، بدا لها ضخما مما نجح بإقلاقها... إنها في بلاد غريبة أمام رجل يزن مرتين وزنها في مكان منعزل و شبه منار.
" أنا بخير..." قالت بسرعة و هي تبعد ركبتها عن لمسة يده.
معطفه الصوفي الأسود الطويل والذي يكاد يلامس كعبيه يزيد من هبة شخصه بطريقة مثيرة للرعب و الإعجاب أيضا.
أستوى في وقفته... كانت طويلة القامة، في الكثير من الأحيان وعندما تخرج مع رجل ما ترتدي حذاء بكعب متوسط كي لا تتفوق بطولها عن رفيقها... لكن... وللمرة الأولى في حياتها تجد نفسها في مقاس علو كتف أحدهم... حتى بحذاء ذو كعب يفوق الخمس عشر سنتمتر لن تنظر مباشرة إلى عيني هذا الرجل أمامها.
في هذه اللحظة أختفت الأضواء المزعجة للسيارة خلف كتفيه العريضين، تستطيع إستراق النظر إلى ملامح جسدت وجوه تماثيل محاربين الرومان القدامى... محاربون إعتادو العنف وتجردوا من الرحمة.
بالرغم من ذلك، كان فاتنا بشكل ضارب وملفت، رجوليا و صقليا حتى الجذور... مرعبا و غامضا ...
أرتجفت لا أراديا و أبتعدت مما دفعها لتعرج بركبتها المصابة، كان يتفحصها بإصرار و يتوقف عند كل زاوية من وجهها مما أزعجها و أنذرها بالخطر...
" سوف آخذك إلى المستشفى..."
" لا..." أعترضت بقوة وقلبها يخفق بعنف، عليها الهرب من هنا... لا تشعر بالأمان في محيط هذا الغريب.
" أنت تعرجين... سوف تلتهب ركبتك ان لم تري فورا طبيبا..." كان يتكلم كرجل آلف إلقاء الأوامر، رغم أنزعاجها من المغناطيسية الشديدة التي يسلطها عليها وجدت في كلامه بعض المنطق... الألم يزداد حدة.
" فرانكو؟؟" صوته الجليدي أرتفع ليدفع مجددا بجسدها للأرتجاف مجددا.
رجل طويل خرج بدوره من السيارة و تقدم نحوهما، هذه المرة شعرت برعبها يكاد يخترق الحدود... هل سقطت في يدي عصابة؟؟
سمعت الكثير من القصص المرعبة المتعلقة بمافيا صقلية، وهذان الرجلان المُرشحان المناسبان لإثارة رعب أي مخلوق...
" نعم أيها الأمير؟"
"أتصل بالمستشفى في باليرمو ليستقبلونا بعد نصف ساعة... سوف نأخذ الأنسة لنطمئن على ركبتها... " فتحت فمها لتتكلم لكنه سبقها بصوت هادئ:" نحن لا نهمل مطلقا سياح جزيرتنا"
عند هذا فقط أنتبهت فلور إلى أن كل الكلام الذي دار بينهما كان بالأنجليزية و ليس الإيطالية.


قلوب أحلام غير متواجد حالياً  
التوقيع
13th year anniversary celebration- احتفالية تأسيس روايتي الـ13

رد مع اقتباس
قديم 13-02-13, 08:12 PM   #10

قلوب أحلام

نجم قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية قلوب أحلام

? العضوٌ??? » 266960
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 334
?  نُقآطِيْ » قلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond reputeقلوب أحلام has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السابع

تاحشته منذ أمس و مازالت تتحاشى الاتقاء بنظراته، كانت شفافة و تبدو هشة و سريعة العطب مثل الزجاج.
أن يعرف من جوشوا بأن اليكس يرمي بشباكه عليها يجعله متخبط في فوهة بركان ثائر و غاضب... كيف سيحميها منه؟؟ اليكس سوف يدمرها...
وضعت فنجانين من القهوة السوداء القوية على مكتبه، التقط والده فنجانه بينما استمر مارك انطونيو بدراسة هذا الوجه الفاثن و البريء... رغم ملابس الخدم و تسريحتها الصارمة بدت تشبه الملاك.
توردت وجنتيها أكثر من الازم و لكنها ابقت نظراته منخفضة بينما تقول بصوت مبحوح و متلعثم:
" هل يأمر الســـيد بشيء آخـــــر؟؟"
نعم... احذري اليكس لأنه سيحطم قلبك و اختفي من حياته قبل فوات الأوان.
" شكرا ايزابيلا..." رد ببعض الجفاف مما أجفلها.
تجرأت أخيرا على رفع عينيها الفيروزيتين نحوه... بدت حقا ضائعة و هشة أكثر مما يحب.
سيقتل اليكس ان آذاها... سيقتله و يقسم بأن يتلذذ بقتله.
" هذا كل شيء..."
ادارت له ضهرها الصغير، وانزلقت عيناه لا اراديا الى المنحنيات الانثوية الرقيقة... كانت فاثنة بكل ما للكلمة من معنى... فاثنة و خالية من التجربة مما سيجعلها هذف سهل لشقيقه الذي امتهن اصطياد النساء منذ نجاح عمليته و المشي مجددا... فثى عابث مع أشد الفتيات برائة... معادلة غير عادلة اطلاقا.
بعد ان اغلق الباب استعاد احساسه بالواقع، وجد والده يحملق اليه ببعض السخرية
" هل انت معجب بها؟؟"
امتعض لملاحظته المتهكمة و تمتم بصوت أجش
" في عمري لا أفكر بنساء بالكاد خرجن من المراهقة..."
" انت محق... بيلا لا تناسب من هو في مكانتك مارك... انها فتاة تثير الشفقة بأنوتها الطاغية و شفافيتها أكثر مما تثير الاعجاب..."
" اجد ملاحظتك قاسية... بيلا ليست معاقة أبي... تستحق رجلا يعاملها بتنازل اقل من حكمك"
" انا واقعي..." رد ادواردو ببرود وهو يعيد فنجانه الفارغ في مكانه قبل أن يستطرد " ولم أطلب مكالمتك على انفراد لأناقشك بشأن حفيدة السائس... هناك ما يثير قلقي اكثر منها أعرف بأنك أشد عقلانية من ان ترتكب حماقة الوقوع بغرامها..."
لم يرد مارك، مذاق القهوة في فمه فقد كل نكهته و اصبح بطعم التراب... زم شفتيه و بلع مرغما ما في فمه قبل أن يعيد الفنجان الى مكانه... كيف ستكون ردة فعل هذا الرجل الفخور اذا ادرك بأن ابنه الصغير زير النساء المتمرس يحوم حول جفيدة السائس؟؟ ضربة مبرحة لغروره و بالتأكيد لآمال كاثي التي تتمنى رؤيته متزوجا بأجمل و أنبل وريثات الطبقة الراقية البريطانيه.
لن يقع بغرام بيلا... ولن يؤكد لوالده هذا الكلام الغير مجدي... من أخدت قلبه الى الأبد ترقد تحت الأرض منذ ست سنوات تقريبا... و يفتقدها بشدة.
" عمك روبيرتو يعيش آخر أيام حياته..."
قالها ببعض الجفاف... اطلق قنبلته السامة بهدوئه المريع قبل أن يغادر المقعد و يمشي بخطوات تشبه النمر نحو الحائط الزجاجي الذي يطل على اول خطوط شمس التوساكانا... عمه يحتضر؟؟؟
" هل عاوده المرض؟؟"
كان يعلم بمرضه عندما تزوج جوشوا و آنجلا... تقربه من هذا الاخير لم يمنعه من الاعتراف له بسره المريع...
" للاسف نعم... بدل الطيران الى المزرعة بأوكسفورد اتى رأسا الى صقلية... يجب ان اراه لأحثه على مصراحة الجميع... من الانانية ان يعيش ايامه الاخيرة بمفرده و بعزلة عن الجميع..."
اكتفى بالتحديق الى قامة والده الطويلة، صداقته القوية مع شقيقه يعرفها و يدرك أن خلف هذا القناع رجل محطم الفؤاد...
" أنا آسف أبي"
" و أنا أيضا... روبيرتو لا يستحق نهاية مماثلة"
تنهد مارك ببعض الضيق، استيقض مع شبح لينيا مجددا اليوم عيد ميلاد رحيلها ... ليلته كانت مليئة بالكوابيس و يصادف ان يعرف اليوم بالدات حقيقة مرض عمه الذي يحبه بقوة... مقدر على هذا اليوم ان يبقى النقطة السوداء في حياته.
" يجب أن أطير الى كاتانيا اليوم لرؤيته..." تابع والده بصوت اجش دون ان يلتفت نحوه " اكتفى بارسال رسالة نصيه هذا الصباح... يقول بأنه بخير ولايريد ان يزعجه احد"
" هل زوجته معه على الأقل؟؟"
" فرجينيا لا تدري بمرضه البتة... ولا اظنها حقا ستهتم ان يلقى حتفه قريبا"
بصدمة رمق مارك انطونيو والده و صرخ باستنكار
" لكن كيف تقول هذا عن فرجينيا؟؟ انها تعشق زوجها بجوارحها"
استدار نحوه ادواردو و تطلع نحوه بغضب:
" من همها و منذ الأزل كان و يبقى الكونت أندريس..." هز كتفيه بإمتعاض و بصق بكره"لا أدري لما أقحمت شقيقي في حياتها بينما تحمل طفل رجل آخر في أحشائها..."
غادر الدم وجه مارك بينما يستوعب ببطئ معنى كلام والده، ترك مقعده و توجه نحوه ليتمكن من قرائة ملامحه التي عادت للانغلاق مجددا... يبدو متوترا للاعتراف الذي اتى على التفوه به للحظة
" الى ماذا تلمح بحق الله؟؟"
" فلور ليست ابنة روبيرتو ... طالما شككت بالامر... زواجهما كان سريعا جدا عقدا قرانهما في لوس انجلس بدون عائلة او اصدقاء... فرجينيا كانت تحمل فلور في احشائها و لانني اعرف تماما نوع الكراهية التي تحملها لوالد طفلها فقد فضلت العيش مع رجل آخر و الزواج به على الاعتراف بأبوة اندريس لابنتها... بالتأكيد الكونت كان ليجبرها على الزواج به لو ادرك بأن الطفل من صلبه... وهذا بالتأكيد ما دفعها للتصرف بطريقة انانية"
" رباه..." تأوه مارك و شعر و كأن قنطار من المطارق الثقيلة يسقط على رأسه و يجعله يترنح في مكانه... كان مصدوما... تائها و يأبي تصديق هذه المصيبة الجديدة في عائلته... " ما فعلته خالتي شيء لا يغتفر... ان ادرك الكونت بقرابته لفلور"
" سيسلخ جلدها أعرف... " اكمل ادواردو بمرارة " لكنني اعترف بأنهما الثنائي الاشد غرابة التقيتهما في حياتي... حبهما كان معقد و غريب و شاذ... انهما غريبا الاطوار و مهووسان بتعديب احدهما للآخر... فليرحم الله جينا بعد ان تعرف فلور او اندريس الحقيقة"
***
( اسميتها فلورانس نسبة للمدينة التي تكونت فيها في أحشائي... آتى كعادته، يطالب بحقوقه على قلبي... يصر على انني لم اخلق لرجل اخر... بأنني فاشلة بالعيش بدونه... كان متهكما و ساخرا... قاسيا و مستبدا... نتبادل الاهانات و العتاب... يؤلم أحدنا الآخر و يعذبه... كوني امرأة يتوقع مني التنازل و الرضوخ، و كوني امرأة أدرك أي نوع من الرجال هو... ان تنازلت فسأخسره في اية حال... ربما يحبني... ربما يكرهني... لكن مشاداتنا العنيفة و الضارية تنتهي بنفس النتيجة و ككل مرة... في السرير.
ذلك المساء تركها في أحشائي و رحل... أجمل ما يمكن أن يتركه الرجل للمرأة التي تعشقه بجوارحها... طفل يحمل جيناته و يذكرها و يربطها به كل الوقت)
يذكرها و يربطها به كل الوقت؟؟ اغلقت فلور الكتاب بعنف و القته بجانب السرير.
عاشت كذبة طول عمرها و ليست متأكدة ان تغفر يوما لوالدتها... في ضرف اربع و عشرين ساعة تغيرت موازين حياتها...
كم حسدت سعادة والديها... كيف استطاعت فرجينيا ديكاتريس التظاهر و التمثيل؟؟ هل ترى في والدها وجه الكونت أندريس؟؟
كل حياتها كذبة لعينة... سعادة والديها مجرد زيف فحسب... لقد حسدت سرابا.
حاولت مغادرت السرير لكن ركبتها المتألمة رفضت الانصياع لأوامرها... شتمت و لعنت بينما سحابة الدموع تقف بينها و بين ما يحيطها... كم تكرهها... كم تكره والدتها و الكونت أندريس لما فعلاه بها... بوالدها.
أخفت وجهها خلف يديها و انفجرت باكية... كانت متألمة و ناقمة... كيف يعقل أن تكون شقيقة جوشوا الذي تغزلت بوسامته في الماضي بدون خجل أو حتى تردد؟؟ ديفيد... فخرها و شقيقها الغالي... ليس سوى وهم من اوهام عدة حامت حول حياتها منذ طفولتها.
لما فعل الجميع بها هذا؟؟
هل جلبها والدها الى هنا لتدرك الحقيقية و ترك عن عمد مذكرات والدتها خلفه؟؟؟؟ بالتأكيد يرفض جلب سره المريع معه الى القبر...
لقد قلبت و قرأت المئات من الأسرار المدفونة منذ سنوات في هذه المذكرات... رغم المسكنات التي تركها لها الطبيب لم تستطع النوم و أمضت ليلتها في التقلب على جمر ماضي والدتها... والدتها... من أي شيء صنعت تلك المرأة؟؟؟ ان تعشق رجلا بكل جوارحها و تعمل كل ما في استطاعته لابعاده و الانتقام منه بأبشع الطرق... اخفاء طفل من صلبه جريمة لا تغتفر... مكانها ما كانت لترتكب جرما بشعا بإخفاء طفلها عن والده مهما تعددت الاسباب او العوائق.
أبعدت أخيرا يديها عن وجهها المبلل بعد أن هدأت موجه كآبتها و خفت قليلا، الدموع لن تغير من الحقيقة شيئ أليس كذلك؟؟ عليها فحسب رؤية تلك العاشقة المريضة بغرام شبح من الماضي و مواجهتها ... تريد فقط أن تسألها... لماذا؟؟
طالما افتخرت بإسم ريتشي، طالما أحبت أن تكون ابنة روبيرتو ريتشي و فعلت ما استطاعت ليفخر بها... منذ متى يعرف بأن الدم الذي يجري في شرايينها ليس دمه؟؟ هل كان يعرف قبل أم بعد زواجه من والدتها؟؟
موجة من الحقد و الغضب هاجمتها و تركتها متقطعة الأنفاس... عليها مغادرة هذا السرير اللعين الذي تقيدت به منذ أمس.
منذ أن صدمها ذلك الصقلي البدائي في الطريق العام... هزت عينيها الى السماء بطريقة متعبة و منهكة بينما تتحامل على نفسها بوضع رجلها المصابة بعيدا عن السرير، عضت على شفتها متألمة عندما لامست قدمها الأرض و ادركت بأن التحرك بطبيعية بعيد المنال... رباه يجب أن تغادر غرفة نومها، سوف تفقد رشدها ان بقيت لحظة واحدة أخرى قرب هذه المذكرات اللعينة.
طرقات حازمة على الباب أتت بوقتها لإنقادها، سنيورا باولا مدبرة المنزل من دخلت في هذه اللحظة تحمل صينية الفطور...
" ساعديني بالخروج من هنا..." تمتمت فلور بعصبية بعد أن فشلت مجددا بإستخبار طاقتها.
" الطبيب في الأسفل على كل حال سنيورينا... لا اظنها فكرة حسنة بمغادرة سريرك الأن..."
أقطبت فلور لثوان قبل أن تثبت المرأة النحيفة بعينيها الخضراوين
" لا أتذكر بانني أستدعيت الطبيب..."
" انه من طرف دون دراكو فالكوني..."
شعرت برعدة مرعبة و مخيفة تتسلل الى أوصالها و تجمدها تقريبا، هذا الرجل... هذا الرجل الذي أرسلته أمس الى الجحيم و رفضت أخدها الى مستشفى باليرمو يتجرأ على ملاحقتها و فرض مساعدته البائسة.
" أطرديه فورا..."
تبدلت ملامح وجه مدبرة منزل و بدت وكأنها تصارع الموت أمام طلبها:
" انه من طرف دون دراكو سنيورينا...."
" دون دراكو و طبيبه فليحترقا في جهنم، أخبري ذلك السيد أنني بغنى عن فحصه و ان طبيبي الخاص في طريقه الى هنا..."
قلق المرأة بدأ يزعجها حقا
" من اللطف حقا من الأمير أن يهتم لأمرك سنيورينا"
لم تكن المرة الأولى التي ينادي بها أحدهم ذلك الوحش الأدمي المتشح بالسواد بالأمير، بالأمس وضعته في مكانه بطريقة ربما لم و لن تروق لمتغطرس مغرور مثله، متسم بوهم العضمة بأن ترسله الى الجحيم و تعود الى منزلها لتطلب طبيبها الخاص... بالتأكيد المتعالي و المتجبر لم يتقبل مطلقا ردة فعل مماثلة... النساء الايطاليات يغضن البصر أمام الرجال مثل دراكو فالكوني و يكتفين بتقبل كل أمر يصدر منه... وهو من النوع الذي يشل تفكير كل امرأة في وجوده.
لكنها تعبه من لعب لعبة الاغراء و الاغواء، لعبة لعبتها و حفظت فنونها منذ أن بدأت آنجلا بخطف الأضواء منها، ليست فخورة جدا بماضيها تعترف بذلك لكنها كبرت و نضجت و تعبت من الرجال.
" اطردي ذلك الطبيب من هنا و اطلبي من البستاني او السائق او اي مخلوق يملك عضلات بمساعدتي للنزول الى الحديقه... سوف أتناول فطوري هناك..."
" كما تشائين سنيورينا فلورانس..."
تجمدت ملامحها و زمجرت بغضب بينما شحب وجهها الجميل:
" اسمي فلور... لا تناديني مجددا فلورانس هل هذا مفهوم؟؟"
***
تعرف سنيورا بينا متى تخفي حفيذتها عنها أشياءا، بالتأكيد لا ترغب بخنقها و تقييدها قربها مدى الحياة بسبب خوفها الشديد عليها و تأمل بشدة ان تعيش حياتها بطبيعية ككل الفتيات بعمرها، لكنها تمتعض و بشدة لفكرتها المفاجئة بالسفر خلال عطلتها القصيرة خارج حدود التوسكانا.
" لم يسبق أن تكلمت عن هذه الصديقة بيلا؟؟ هل أعرفها؟؟"
حمرة شديدة تسللت الى وجنتي حفيذتها التي كانت ترتب الصحون النضيفة في الجوارير الحائطية، هزت كتفيها النحيلتين و قالت بثبات:
" لا تعرفيـــ...ـــنها جدتي... لم يســــ...ــــبق أن حذتثــــــ....ــــك عنها لأن الفــــ...الفـــــرصة لم تسنح، وقد سنحت الأن..."
لما لا تشعر بالاقتناع لكلامها؟؟ فقط لو يتوقف حدسها عن تعذيبها... تعرف بيلا منذ نعومة اظافرها و تقسم بأنها لا تقول الحقيقه.
" لا بأس..." قالت مدبرة المنزل بصوت أجش وهي تتجاهل نظرات زوجة ابنها الفضولية " اتركي رقم هاتف هذه الفتاة كي أطمئن عليك من وقت لأخر"
" كطـــ...ــــفلة تحت وصــــايـــــــة أهلــــ...ـــها؟؟ لا شكرا..." قالت بيلا بغضب وهي تغلق الجارور الذي وضعت في قلبه السكاكين و الشوكات بعنف " لن أســـــ...ـــــافر جدتي ان كان هذا يريـــــ...ــــحك..."
" بيلا..." اعترضت الجدة بوهن
" فليـــــ...ــــتوقف الجمـــــــيع عن معاملتـــــي كالمــ...ـــــعاقة ضـــــقت ذرعا..." واجهت جدتها بحزم وهي تهز ذراعيها في الهواء " أريد عيـــــ...ـــش حياتي كما يحــــ...ـــلو لي جدتي" غادرت المطبخ كالعاصفة و تركت المرأة تتخبط في مرارتها.
" 'بير ديو' سنيورا بينا هل كان من داع معاملتها كطفلة غير مسؤولة؟؟" تدخلت ماريا التي انتهت من تجهيز طعام الإفطار لأسياد القصر " ماذا لو كان لديها حبيب في الخفاء و ترفض اخبارنا به؟؟؟"
" حبيب في الخفاء؟؟ بدأت تهلوسين ماريا " اعترضت جوليا بإستنكار وهي تتابع تلميع أواني الفضة ببعض العصبية.
" انها غريبة منذ بعض الوقت ربما تحتاج فحسب الابتعاد عن خدمة الاسياد و عيش بعض الحرية " تدخلت فاليريا بعقلانية.
" انها في الثانية و العشرين مكانها ليس في هذا المطبخ و لا أمام الأفران..." أجفلت مدبرة المنزل أمام ملاحظة جوليا وواجهتها بلاثانية تأخير تثبتها بنظرات قاسية
" أعرف العاطفة التي تحملها كل منكن لبيلا لذلك لن اطلب منكن التدخل في شؤونكن الخاصة، ما لا يجب ان تنسيه يا زوجة ابني بأن حفيذتي مريضة... ماتزال ضعيفة رغم تضاهرها بالصلابة و القوة و علينا الاهتمام بها، اذا صادف ان كنت وراء زج هذا النوع من الافكار في رأسها ..."
شحب وجه جوليا و تلعثمت مقاطعة حماتها:
" لم أزج رأسها بأي كلام 'سنيورا بينا'... قــ...قــ...قلت رأئي فحسب"
" احتفظي برأيك لنفسك اذن... مكانها وفي حالتها الهشة هو هنا... أمام الأفران أو بعيدا عنها المهم أن تبقى بجانبي... كابريشي؟؟( مفهوم)"
تبادلت 'ماريا' و 'فاليريا' نظرات دات مغزى بينما جوليا بلعت ريقها بصعوبة و هزت رأسها موافقة.
" اتممي تلميع هذه الاواني قبل أن أحطمها فوق رأسك جوليا..." ثم استدارت نحو ماريا و فاليريا " و أنت قومي بجلب طعام الإفطار الى الحديقة كما طلبت 'دونا كاثرين' بدل الثرثرة و التفوه بالحماقات... فاليريا تفقدي عمل خادمات الغرف و أن صادف ان وجدت تجعيدة واحدة في أي سرير من الأسرة لا تترددي بدفعهم للبدء مجددا... أما أنا فسأتفقد صغيرتي "
***
ثلاث نساء مميزات تتقاسمن نفس المكانة الراقية و الجمال المخملي شديدات الاناقة في هذا الوقت من الصباح، تجلس كل منهن بطريقة تبرز اصلها و ثقافتها العالية أمام طاولة الطعام في الحديقة... وكـن العالم بأسره توقف عندهن فقط... دونا كاثرين بطاقمها الأزرق الشاحب و تسريحة شعرها الرومانية تبدو اصغر بكثير من عمرها الحقيقي، الدكتورة سالي تشع أنوثة في فستانها القطني الأبيض، بينما البرازيلية سليطة اللسان تشبه زهور الرمان في بنطالها المقلم الفيروزي و قميصها الكريمي الذي يتناسق مع منحنيات جسدها الرائع.
نظرت 'ديامانتي' الى فستانها الأسود البسيط و شعرت بثقتها تتقلص الى ادنى درجة، كيف ستواجه آنا دا ماتا بهذا الشكل الهش بعد مهاجمتها الشرسة لها أمس؟؟ لم يكن بمقدورها الإختفاء أكثر بين جذران غرفتها لاسيما و أن زوجة والد قريبها قد أرسلت بطلبها لتنظم اليهن على طاولة الفطور.
احد التوأمين كان أول من انتبه لوجودها، لا تفرق بين الإثنين ولا تعرف ان كان 'جوزيف ادواردو' أو 'رافاييل أنطونيو' من يثبتها بنظرات باردة و ممتعضة بعض الشيء.
جيد... حتى ابن قريبها لا يبدو عليه الحماسة لوجودها ولا يبدو بأنه يحمل لها أدنى مودة.
رسمت ابتسامة مترددة صغيرة اليه لكنه تجاهلها و عاد بإهتمامه لتوأمه الذي همس اليه بشيء ما... رباه... مالذي فعلته لينبدها الكل بهذه الطريقة؟؟
" آه... عزيزتي اتيت أخيرا" غمرتها الراحة للابتسامة الدافئة التي استقبلتها بها دونا كاثرين، اشارت الى المقعد قربها " تعالي بالقرب مني..."
" صباح الخير..." تمتمت وهي تأخد مكانها بالقرب من كاثي التي باشرت بصب القهوة بنفسها اليها.
" صباح الخير..." ردت سالي بإبتسامة عريضة و اهتزت خصلات شعرها الناعم بطريقة بهية وهي تقول:" كنا نتكلم عنك... أخبرتنا كاثي بأنك ممرضة"
" كنت ممرضة عامة... أخدت اجازة غير محدودة بسبب مرض والدي" شرحت ديامانتي بهدوء مصطنع، حذرة من لطف الطبيبة التي رمقتها ببرود طيلة ليلة أمس، مدت يدها الى قطعة خبز محمصة و دهنتها بالزبدة النباتية بينما يخترق مجالها السمعي صوت "آنا" المتمنق.
" تتكلمين عن عملك بصيغة الماضي... الا تنوين مزاولته بعد وفاة والدك؟؟"
العودة الى المشفى الخاص بروما؟؟ مواجهة كل من حسدتها من الطبيبات و الممرضات على زوج الأحلام دراكو فالكوني؟؟ لا... لا تريد أي نوع من الروابط ليربطها بماضيها المخزي.
تريد اخراج الأمير من عقلها و حياتها مرة الى الأبد... تريد عيش حياتها بطبيعة، بالتأكيد لن تسجن نفسها بين جذران قصر الدوقية الى مالانهاية لكن اليوم الذي سترحل فيه لتبدأ بداية جديدة قريب جدا... هي تشعر به.
" ... لست مستعدة بعد...."
" أنا آسفة عزيزتي..." تدخلت كاثي بحنانها المعهود و ربتث برقة على يدها وهي تتابع" من الصعب أن نفقد شخصا نكون مقربين جدا منه... عيشي حدادك يا صغيرتي العمل يستطيع الإنتظار"
ابتسامة كاثي كانت صادقة لدرجة دفعت الدموع عفويا الى عينيها، بادلتها الابتسام هامسة بدفء
" شكرا لك دونا كاثرين..."
" ناديني كاثي كما يفعل الجميع... ففي النهاية أنت من العائلة..."
" ايه بالتأكيد لهذا رغبت حقا بتقديم المساعدة" تدخلت مجددا سالي فيليبو بنفس الابتسامة اللطيفة و النظرات الدافئة و المختلفة تماما عن أمس " أحيانا... تغيير مكان الاقامة و نمط الحياة يكون مناسبا لبدء حياه جديدة... لذا فكرت... بما أنك قريبة مارك الذي يمتلك مكانة كبيرة في قلبي و بالتأكيد في قلب جميع من يعرفه، يسعدني ان اقدم المساعدة... كما تعرفين انا طبيبة نسائية في لندن و ممرضتي المساعدة ستدهب في اجازة امومة لستة اشهر... يسعدني ان تحلي محلها ..."
كادت ديامانتي ان تبتلع خبزها المحمص بطريقة خاطئة و تختنق حتى الموت.
" أنا؟؟"
" سالي..." ارتفع صوت 'آنا' المبتسم " فكرة رائعة جدا"
التوأمين تبادلا نظرة خاطفة دات مغزى، كانت نظرات أحدهما متهكمة تقريبا مما دفع الدماء رويدا الى زجنتيها، هل يعقل أن تكون محدودة الذكاء مقارنة بولدين في السادسة من العمر؟؟؟ انها لا تفهم كرم و سخاء هذه المرة التي انقلبت تصرفاتها 180 درجة منذ أمس... هل حقا تريد الذهاب الى لندن و بدء حياة جديدة بعيدا عن ايطاليا؟؟
لندن؟؟؟ أرض الألغام و لن يتأخر دراكو بمحاصرتها بكل سهولة... لا ... هي بحاجة ماسة الى مكان بعيد جدا لبدء حياة جديدة رغم اغراء عرض الدكتورة الا أنه لا يسيل لعابها الى درجة نسيان الخطر المحدق الذي يمثله لها زوجها الصقلي الغاضب.
" أنا لا أتكلم الانجليزيه..." وجدت العذر المناسب للتملص بلباقة.
" لغة بغاية السهولة و ستتعلمينها في ظرف ثلاثة اشهر..." تدخلت 'آنا' مما دفعها للتشنج في مقعدها، من خلال رموشها تأملت التوأمين أمامها، من خلال تعابير وجهيهما ستفهم بالتأكيد نوع اللعبة التي تلعبها 'آنا' و سالي فيليبو، هز أحدهما عينيه الى السماء ببعض الملل و الإزدراء مما لم يترك لديها ادنى شك... المرأتين تسعيان للتخلص منها و تفعلان ما استطاعتا كي لا يتركانها في قصر الدوقية بعد رحيلهما... هل حقا يضنان بأنها تهتم لأمر مارك أنطونيو؟؟؟ بغض النضر عن القرابة بينهما... انها تميل للرجال السمر... تماما مثل دراكو.
دراكو الذي خيب أملها و حطم أحلامها.
" شكرا لعرضك سنيورينا سالي هذا لطف منك... لكنني أفضل البقاء في بيت قريبي الى أن أقرر متى يناسبني الرحيل و بدأ عمل جديد"
انفلتث ضحكة صغيرة من أحد التوأمين، هزت عينيها نحو الطفل نفسه الذي لم يتوقف عن اصدار ردود متهكمة منذ بعض الوقت، كان ينظر اليها بطريقة مختلفة... ربما لمحت بعض التقدير في عينيه الزرقاوين؟؟ السخط شوه وجه 'آنا' لكن سالي هزت كتفيها بحركة هادئة و استمرت بالابتسام لها بلطف
" كما تشائين عزيزتي... عموما سعدت جدا بلقائك... بما أن طائرتي في المساء فكرت بأن نتبضع معا ... يروقني جدا دوق الايطاليات الراقي... ستكونين مرشدة مميزة"
رمقتها ببعض التحدي، كانت تعرف ديامانتي بأنها كل شيء في هذه اللحظة الا أنقية... فستانها البسيط الأسود يناسب متشردة أكثر.
" لا أدري..."
" لما لا قريبتي؟؟؟ " تدخل صوت رجولي و ارتاحت عندما ضمت عيناها قامة مارك أنطونيو الطويلة الذي وصل لتوه برفقة والده المهيب في بدلة كحلية صارمة، جلس هذا الأخير قرب زوجته التي باشرت بصب القهوة في فنجانه بينما كسر مارك توقعاتها و بدل الجلوس قرب توأميه استعمر المقعد قربها" التبضع و انفاق بعض الأموال ما تحتاجينه في حالتك... لا يناسبك اللون الأسود"
" أتيت على فقدان والدي مارك..." دكرته ببعض الحزن
" الحداد الحقيقي في القلب و ليس الهندام ديامانتي..." ردت كاثي بحنو" مارك محق... لا يناسبك أبدا اللون السود... أنت امرأة فاثنة جدا و شابة... عيشي حياتك و اعلمي بأن أحبتنا المفقودين يرغبون بأن نعيش بسلام و نتذكرهم بخير فحسب..."
" سوف نبدأ بتعريفك على الإصطبلات و الأحصنة... والدي يمتلك الكثير من السلالات الأصيلة دون أن يتعرف عليها حقا" قال الولد شقي النظرات بإبتسامة واسعة مما غرز حفرة عميقة في خده الأيسر... كان رائعا بكل ماللكلمة من معنى.
" رالف... صدقا أنت تعطي صورة سيئة لقريبتي" رد مارك ضاحكا.
رالف؟؟ رافاييل أنطونيو... هو من كان يتابع أقل حركة أو اجابة منها بذكاء حاد، اذن الولد الثاني الذي اكتفى بالتحديق اليها بفضول هو جوزيف؟؟؟.
" سيسعدني كثيرا التعرف على أحصنة القصر..."
" صدقيني ديام... نحن من يسعده وجودك..." رد رالف بصوت شعرت به يحمل بعض الغموض، ضرب بكوعه توأمه فجأة " أليس كذلك جو؟؟"
" نعم.. بالتأكيد..." رد جو بإبتسامة مترددة.
فهمت مقلب رالف عندما تدخلت خالته بصوت خائب:
" يسعدك وجود قريبة والدك بينما تتجاهلني وشقيقك كل فترة وجودي..."
" 'آنا' بالتأكيد لم يقصد الصغير ذلك..." تدخل مارك بإمتعاض
" هذا الصغير يملك عقلا و لسانا سليطين... لقد قطعت مسافة طويلة جدا من 'ريو دي جينيرو' لحضور عيد مولدكما... لكنك ناكر الجميل مثل المعتاد رالف... بالتأكيد لم تأخد هذه الخصلة من والدتك لأنها كانت أنسانة رائعة..."
غادرت الطاولة كالعاصفة، رمق مارك أنطونيو ابنه بحزم بينما استرخت ملامح هذا الأخير ببرائة.
" لا أتذكر بأنني كنت يوما وقحا بالمقابل... بالتأكيد ورتث هذه الخصلة من أحد أسلافك.."
" الى ما تلمح بحق الله؟؟" تدخل ادواردو مما دفع التوأمين لتبادل نظرة أخرى متواطئة، رالف تحكم في نفسه بينما جو بدى على و شك الإنفجار في الضحك.
" هذا يكفي..." قالت كاثي بصرامة " اذهب الى خالتك و قل ما يطيب خاطرها فورا رالف... و أنت أيضا جو. "
بعد تردد توجه رالف و جو نحو القصر ربما كانا مطأطئي الراس لكن أدني ديامانتي التقطا ضحكات مختنقة.
***
" مالذي تصنعينه في غرفتي؟؟؟"
تركت فرجينيا الشرفة و معها الستائر الثقيلة لتعود الى مكانها... توقعت كل شيء عدا هذه المواجهة الفريدة من نوعها مع أندريس.
الم يخبرها جوشوا بأنه في فرنسا و لن يعود قبل المساء؟؟ ربما هذا ما دفعها للتسلل الى جناحه الخاص في ستارهاووس لتستعيد مثل المعتاد ذكريات قديمة و لت و انقضت.
لكنها مرهقة، مرهقة وغير مستعدة لمشادة عنيفة تشبه تلك المشاجرات الامنهية و التي تحفضها عن ضهر قلب... تطلعت الى الرجل أمامها و الذي نجح الزمن بجعله أكثر وسامة و هبة فحسب... كان رائعا وسط طاقم أرماني الذي يرتديه، شعره الحالك السواد الذي تتخلله بضع شعيرات بيضاء مصفف الى الوراء، بينما ملامحه الارستقراطية باردة و نظراته الخضراء صلبة كالرخام.
" مرحبا أندريس..."
" طرحت عليك سؤالا... مالذي تفعلينه في غرفتي و في ستارهاووس عامة؟؟"
" هنا تعيش آنجلا و ليلي... استطيع المجيء وقتما يحلو لي... لن تمنعني..." يبدو أن صوتها المتعب و الخالي من الغضب اثار اهتمام الرجل أمامها و الذي يتوقع كالمعتاد أن تخرج مخالبها و تحاربه كنمرة شرسة.
" نعم بالتأكيد... لكنك في هذه اللحظة في غرفتي وليس غرفة آنجلا أو ليلي..."
رمى بمعطفه الصوفي الأسود الطويل فوق الصوفا الذهبية و الملكية التصميم، راقبت حركاته الرجولية مفثونة، مالذي ستجيبه به؟؟ بأنها هنا بدافع فضولها؟؟ بأنها تتقاتل مع رغبتها في ترك رسالة مختصرة عن الرابط بينه و بين فلور؟؟
فقط لو تخرجها ابنتها من هذا اليأس الذي عيشتها فيه منذ أيام، تعرف بأنها في صقلية، بعد اتصال هذا الصباح تكاد تقسم بأنها سمعتها تأمر مدبرة المنزل بنفي وجودها في المنزل أو حتى الجزيرة...
الشك قطع أنفاسها و بدون تفكير و جدت نفسها تبحث عن ملاذ أندريس و تستغل غيابه، كان بإمكانها ركوب اول طائرة و مواجهة فلور... لكنها مرعوبة و لا تملك الجرأة.
ماذا لو أخبرها روبيرتو الحقيقة؟؟؟ مالذي ستقوله لإبنتها اذا هاجمتها و قذفت الحقيقة بوجهها... هل ستجرؤ على الكذب عليها كما عاهدت كذبها على نفسها؟؟؟
انسحب الدم من وجهها و شعرت برغبة عارمة في الموت... ليس فقط فرجينيا من عليها مواجهتها لكنها ترفض تخيل ردة فعل هذا الرجل المتشبع بالغطرسة اذا أدرك سرها.
" هل أنت بخير؟؟" القلق الذي غلف صوته جعل شجنها يتفاقم أكثر... في حياتها لم تبكي أمام هذا الحبيب العدو الذي قاتلته بشراسة لسنوات و سنوات، لكنها تضعر بالضعف الشديد في هذه اللحظة و كأن أحدهم يقوم بتقطيع قلبها و تمزيقه بآلهة حادة و بدون رحمة.
" متى كنت بخير بدونك؟؟" لكنها لم تتفوه بهذه العبارات التي تحرق روحها قبل لسانها، هزت راسها المثقل بالعذاب و تمتمت بهمس:
" أنا آسفة لتسللي الى هنا اندريس... سوف أرحل لن ترى وجهي قريبا..."
" انتظري جينا..."
أمسك بذراعها في نفس الوقت الذي مرت بالقرب منه هاربة، شيء ما في لمسته أعادتها للقائهما في فلورانس... كانت كالمشلولة أمام سحره الذي من الصعب انكاره أو تجاهله، حاولت وضع حد لكلامهما، كانت الصديقة الحالية لروبيرتو ريتشي و أندريس مثل المعتاد أخد عناء السفر الى ايطاليا... الى فلورانس ليخبرها رايه بمغامرتها مع شقيق عدوه آنذاك.
" أنت لا تعرفني..." صرخت به آنذاك حانقة و ناقمة، كان من حقها عيش حياة جديدة... حب و مشاعر جديدة.
ترفض البقاء مقيدة بهذا الحب اللعين لرجل لا يستحقها و لا يعرف قيمتها.
" بالتأكيد أعرفك فرجينيا... لست سوى ساقطة لا تنفك عن التنقل في اسرة الرجال كي تثبت لي و لعقلها الصغير بأننا متعادلين..."
كلامه جرحها... رباه كم تكره احاسيسها التي تغدو مرهفة و حساسة في وجوده، اذا خرجت مرة أو مرتين مع روبيرتو فليس لإثارة غيرة أندريس حقا... روبيرتو كان مجرد صديق ...
بل لأن روبيرتو يفهمها كما لم ينجح رجل من قبله... حتى هذا الوحش الكاسر الذي عرفها على الحب و جنانه قبل أن يذيقها مرارته و عذابه، الصفعة التي وجهتها الى وجهه دفعت بجنون غيرته الى الحدود، لكن كيف كانت لتتمكن من مقاومته بينما كل جسدها المشتاق يطالب به و يريده؟؟ رغم ضعفها و مهاجمته الشرسة على مشاعرها و جسدها حاولت التراجع و الاعتراض عما يحذث...
" سوف أتزوج ... و سوف أنساك أندريس" قذفت به ما ان تمكنت من التخلص من ضغط شفاهه التي لفتها بقسوة و شوق.
" تزوجي من تشائين جينا و املئي عقلك بالأكاذيب الزائفة لكنكني الوحيد هنا" وضع يده على صدرها،تماما جهة قلبها، غطرسته ملأتها بالغضب و الحقد و زادت كراهيتها نحوه، حاولت دفعه و رفسه دون جدوى لأنه عاد يلتقط شفاهها في قبلة جعلت مقاومتها تتبخر رويدا و تستسلم بكل روحها.
لم تشك و لو للحظة بأن فلور... ابنتها فلور... ستكون ضيفة رحمها لتسعة أشهر قادمة.
عادت الى الواقع و سحبت بهدوء ذراعها من يد اندريس:
" تعبت من هذه الحرب بيننا أندريس... اتوسل اليك احتفض بما تريد قوله لنفسك..."
دون انتظار رده غادرت المكان.
***
" نزلت الأسهم بنسبة عشرة في المئة لكن مالذي يصيبك مارك لتصرح بتصريح خطر هل هي زلة لسان غبية؟؟؟"
أبعد مارك الهاتف عن ادنه ليسترجع القليل من هدوئه، منذ بعد الظهر يعيش كابوسا حقيقا، أحدهم كشف عن نهاية عقده مع رجل الأعمال الفرنسي فيوليت بيري مما جعل اسهم مشروعه الذي تطلب كل امواله و جهذه في الجنوب الشرقي لفرنسا تتقلص.
لكن من وراء هذا التسريب؟؟ فيوليث بيري بالتاكيد ليس من النوع الذي يشي بأسرار عمله في الانترنيت، ثم بينهما عقد بالتزام الصمت الى نهاية مشروعه...
أعاد السماعة الى ادنه و أكد لصوت نيوس الغاضب في الجهة الاخرى من الهاتف
" أحدهم يريد الاقاع بي فحسب نيوس... اهدأ..."
" هل هناك واشي تحت سقف بيتك؟؟ لا اظن بأن المعلومات تتسرب بمفردها..."
" انا لم اخبر أحدا بهذا الأمر حتى جوشوا لا يعرف... لا أعرف من وراء هذا الموضوع لا أملك أدنى فكرة"
تنهد نيوس بعصبية و أخد بعض الوقت للتفكير قبل أن يقول
" اسمعني جيدا مارك أنطونيو، لدي ثروة ضخمة أيضا في المشروع ولا أريد مطلقا أن تستمر الأسهم بالنزول لأن كلينا سيخسر الكثير... لدي اجتماع بعد نصف ساعة ما رايك أن تأخد الطائرة و نلتقي في جينيف؟؟؟"
" لا أستطيع السفر الأن والا سيصبح تكذيب المعلومة صعبا..."
" أنت محق... اسمعني اذن.." تبادل بضع كلمات سريعة باليونانية مع مساعدته قبل أن يعود اليه " سوف آتي أنا اليك ما ان انهي اشغالي... علينا ايجاد حل سريع جدا لهذه الكارثة"
ثم أغلق الخط في الوقت نفسه الذي دخل فيه مساعد مارك الذي وضع الأوراق أمامه قائلا ببعض الانتصار:
" الهجوم أتى من ايطاليا 'دون مارك انطونيو'..."
بهدوء التقط مارك الأوراق و قلبها بمهل واخدا وقته بقراءة كل سطر على حدى ثم تمتم ببرود
" قريبا سوف تتم تصفية جميع الحسابات فلا تقلق... " ثم هجر الأوراق فوق مكتبه " أبلغ مدبرة المنزل أن تهيء جناح الردهة الشرقية، و أن تتوفر وجبة العشاء على أطباق يونانية... لدينا ضيف صعب الرضى"
***
أظلمت سماء صقليه، فقدت فلور احساسها بالوقت بينما تجلس في الكرسي الطويل أمام المسبح و تمضي جل وقتها بين اوراق مذكرات والدتها... لا تعرف ان شعرت بالحقد و الغضب من شخص كما تشعر به اتجاهها.
اتصلت هذا الصباح لتتأكد من وجودها في البيت و أمرت مدبرة البيت لتنكر مجيئها، ربما آلمتها قساوتها في البداية لكن بعد ذلك شعرت بالراحة لعدم التكلم معها أو امكانية مجيئها الى صقلية في اية لحظة... راحة تحولت الى جحيم في الساعات الاحقة... نعم... ما تكتشفه من اسرار عنها يؤلمها و ينخر روحها
" هكذا اذن، تفضلين البقاء بمفردك في هذه العتمة على قبول دعوتي؟؟"
أجفلت فلور بعنف مما دفع بكتاب المذكرات للانزلاق راسا الى مساه المسبح...
" سحقا... آه... سحقا"
لم تكن سريعة كفاية لإلتقاط الكتاب و انقاذه من التبلل كما فعل زائرها الغير مرغوب به، الم تكن واضحة مع الرجل الغريب الذي أرسله اليها بعد الظهر؟؟ عموما توقعت مناورة ثانية بعد ان أرسلت الطبيب هذا الصباح و معه رسالة لبقة، المدعة فرانكو يقول بأن رئيسه يدعوها لتناول العشاء في يخته، كادت تنفجر من الضحك، فقط لو يدرك هذا الوسيم الشبيه بمحاربي الرومان القدامى بأنها في هذه اللحظات تفضل الموت بعد اكتشافها اسرار مؤلمة على عشاء رومانسي لعين... لم تتوقع أن يكون بهذا العناد و ياتي بنفسه حتى قلب حديقة منزلها لمعاتبتها على رفضها دعوته.
أمسكت الكتاب منه دون شكر و بادرت بتجفيفه ببعض العصبية متجاهلة النظر الى ملامحه الجميلة الشيطانية ولا الى جدعه الشبه مكشوف وراء طبقة قميصه الأسود المقلم.
" كنت وقحا في لقائنا الأول سنيورينا ريتشي..." قال بنبرة معسولة جعلت أحاسيسها تلتهب مرغمة، رباه مالذي يحذث لها عندما تتواجد في محيط هذا الغريب المخيف و الفاثن بنفس الوقت؟؟ اضطرت لهز عينيها الى وجهه الغير بعيد عنها، كان يجلس القرفصاء بالقرب من كرسيها الطويل، احتفض بهذه الوضعية التي زادت من عرض كتيفه و وهبة جسده الرياضي " فلنبدأ مجددا..."
مد يده الكبيرة نحوها، ابتسامة رائعة تكشف عن أسنان ناصعة البياض و مصففة... ابتسامة رجل يريد اغراء امرأة.
" اسمع... لا علاقة لك برفضي عروضك سنيور فالكوني" قالت ببعض الاحراج وهي تمد يدها لتلامس يده و تنتزعها فورا " أنا لست بمزاج جيد و..."
" و انا هنا لحسن مزاجك فلور... هل يمكنني منادتك فلور؟؟ اسم جميل و موسيقي..."
اسم لقيطة.
تبادرت الصفة لذهنها و شعرت كصعقة كهربائية بألفي فوت تحرقها، نعم... هذا ما عليه حقا.
لقيطة.
غادرت كرسيها مما سمح لدراكو بالتخلص من وضعيته الغير مريحة و الوقوف، كم هو طويل... نسيت كم هو طويل و كم تشعر بالهشاشة بينما تقف أمامه لتواجهه.
" هذا لطف منك سنيور فلاكوني..."
" ناديني دراكو...هل تحتاجين مني ان اسندك ؟؟"
هو يسندنها؟؟ يلفها بذراعيه القاسيتين و يقربها من جسده القوي؟؟ تفضل الركض بركبتها المصابة و التألم حتى النخاع على المخاطرة برجاحة عقلها.
" أنا لا أتألم كثيرا... أخبرني الطبيب بأنها متورمة قليلا و سأمشي بطبيعة بعد يومين أو ثلاثة"
" أشعر بالذنب حقا..." لكن نظراته النهمة لا تعكس أي نوع من الشعور بالذنب، كان بصدد التهامها حية، نظراته السوداء تتأخر عند ملامحها و زوايا وجهها " يرضيك حقا ان أمضي وقتي بالتحسر على ركبتك المصابة بسببي بدل ان تبرهني لي غفرانك بقبولك دعوتي؟؟"
رغما عنها شعرت بالتسلية لهذا التبادل الغير واقعي.
" أنا سامحتك... "
" لكن لن أسامح نفسي ان لم اقوم بدور مضيف الجزيرة جيدا و أهتم بك... لاسيما بحالتك التي تسببت بها"
ضجة و صوت كعب نسائي عالي قكع التبادل المسلي بينهما، استدارت فلور نحو مصدر الصوت و انسحب الدم من وجهها بينما تسقط أنفا بأنف مع والدتها التي تبدو في أقصى حدود غضبها و ثورانها:
" أمي؟؟"
" بحق الجحيم لما تمنعين الخدم أو اي شخص بإخباري مكان تواجدك؟؟ مالذي يحذث معكما أنت ووالدك؟؟"
فرجينيا ريتشي، اي حظ هذا.
بين ليلة وضحاها يجد نفسه بين أفراد عائلة ريتشي ... ابتسم دراكو بسخرية في داخلة و هو ينتقل بنظراته بين فلور و فرجينيا.
كانتا متشابهتين في الملامح بعض الشيئ، لكنهما تمتلكان نفس الطبيعه النارية، نفس العينان الواسعتين- مع اختلاف اللون - المشتعلتان في هذه اللحظة بلهيب خطر مدقع.
تواجهت المرأتين كعدوتين، الطبيعة الشرسة و النارية لفلور ما اثرت تحفضه أمس، بدت كنمرة متوحشة تدافع عن حقها... وعندما اكتشف أنها من الريتشي، فثنته فكرة ترويضها بنفسه.
انها ابنة عم ذلك الحقير مارك أنطونيو... لما لا يتسلى أيضا مع قريبته بينما يسلط عليه لعنته في الأعمال؟؟ ففي النهاية... لا يستطيع البقاء طويلا دون رفقه نسائية... و فلور ريتشي تمثل كل المحرمات التي تسيل لعابه.
سوف يلعب بها قليلا و يخبرهها برايه في النساء أمثالها و الحثالة امثال قريبها.
" لما تختبئين مني؟؟" عاد صوت فرجينيا محطما هذه المرة، راقب فلور تنحني على الكتاب الأحمر الغلاف و الذي انقده من البلل قبل قليل و تضعه بين يدي والدتها " لا أريد رؤية وجهك في حياتي... فرجينيا"
شعر بلإمتعاض للطريقة القاسية و الخالية من الرقة التي تعامل بها الفتاة والدتها، شعر بإشمئزازه يتفاقهم أكثر نحو هذا الجمال المتوحش و العينان الخضراوين، فلور تستحق درسا لحقارتها.
" و الأن... أنا مدعوة " ثم استدارت نحوه و تطلعت اليه بتحدي" هل نمضي دراكو؟؟"
" فلور.." تمتمت فرجينيا الذي أضحى وجهها بلون الرماد، لا اراديا ترك دراكو المرأة فرصة الدفاع عن نفسها أمام الغضب الذي يجهل سببه و يغلي في صدر الابنة... لكن اللبوءة الخضراء العينين تجاهلت الاستعطاف في صوت والدتها و تأبطت ذراعه.
" فلنمضي..."
***
" ظننت بأنك لن تأتي..."
تركت بيلا حقيبة سفرها الصغيرة تسقط أمام مدخل باب شقة اليكس الأنيقة و أسرعت الى أحضانه.
أغمضت عينيها متلذذة بدفئه و رائحته الذكورية، تسارعت ضربات قلبها عندما شدها اليه بكلتا ذراعيه و سمعت صوت عصاه يرتطم بالأرض الرخامية القاسية.
" لكننـــي هنا..." تنهدت بيلا وهي تشعر بشفاهه على شعرها و بذراعيه تضمانها الى صدره أكثر و اكثر.
لا تريد التفكير سوى في هذه اللحظة... وفي هذا المكان الدافئ بين ذراعي هذا الرجل الذي ترفض الوقوع بحبه مهما أغوى قلبها ذلك.
لا تريد أن تشعر بتأنيب الضمير ولا أن يتملكها الرعب لقدومها الى البندقية في الخفاء و ضرب عرض الحائط كل التنبيهات التي تردد في شريط عقلها.
بعد رحيل أليكس بالأمس اضحت التوسكانا موحشة كما قلبها تماما، بالتاكيد في البداية كانت مقتنعة تماما بانها لن تقبل دعوته... لا.
ولما تفعل؟؟
سيجلب لها و لقلبها الشقاء الاهتمام برجل صارخ الداذبية و الثراء مثل أليكسندر ريتشي، تعرف بانه لن يهتم يوما بها كإمراة حقيقة و أن مايشعره اتجاهها شعور سرعان ما سيتلاشى قريبا.
لكنها ترفض تضييع فرصة أن تكتشف نفسها في مغامرة ولو عابرة مع رجل مثله، لا تعرف ان كانت وعوده بشأن العمل أو الدراسة جادة لكنها واثقة بعمق الجاذبية بينهما... تعرف بانه يريدها و يرغبها كما تريده هي و أكثر.
كذبت على جدتها و كم اشعرها كذبها بالخجل، بيد ان فكرة لقاء أليكس... الانفراد مع أليكس أغوتها مثل وعود شيطانية لذيذة و مثيرة.
" بيلا ميا ' جميلتي'..."
سقطت شفاهه على جبينها بدل شفتيها مما صدمها لوهلة، تشنجت بين ذراعيه و ابعدها قليلا عنهن ابتسامة لطيفة على شفاهه"
" أنا سعيد جدا لأنك هنا... يجب أن أعرفك على شخص ما..."
ابتعد قليلا عنها و انتبهت للمرة الأولى الى فتاة في قمة سحرها تراقب المشهد ببعض الامتعاض و السخرية، جف حلق بيلا و تراجعت الى الخلف وقد شحب وجهها:
" ساندي اقتربي من فضلك و اعطيني العصا..." أبقت بيلا فمها فاغرا بينما تتأمل الجسم النحيل و الشعر الأحمر الطويل و العينان الزرقاوين تتوهجان كالياقوت القاسي:" هذه هي بيلا... ايزابيلا التي كلمتك عنها... انها صديقتي المقربة و الوفية... بيلا اقدم لك ساندي، حبيبتي"
" كلمني اليكس عنك مطولا و عن اعاقتك الذهنيه... تبدين طبيعيه"
التقطت الازدراء و السخرية بين كلمات الشابة، وأبعدت عينيها الممتلئتين بالعذاب نحو اليكس الذي لا يبدو منتبها لتجريح الصهباء لها.
" انها طبيعية..." قال اليكس وهو يجدبها من ذراعها الى الداخل، يتطأ ثارة عليها و ثارة على عكازه...
رباه... مالذي تفعله هنا؟؟
هذا ما أوصلتها اليه أوهامها الحمقاء بشأنه... لطالما اعتبرها مجرد صديقة تحتاج للدعم... منذ متة وثقت بعقلها المرض؟؟؟ هذه المرأة اصابت بوصفها بالمعاقة لأنها كذلك... لو لم تطن معاقة ذهنيا لما قبلت دعوة اليكس و كذبت على جدتها و أتتها فكرة تجربة الجنس للمرة الأولى مع رجل بحلته و صنفه.
صدقت أوهاما و كم تشعر بالعار لنبد أليكس لها... تتمنى لو تنشق الأرض و تبتلعها بدل الجلوس على هذه الكنبة المريحة و التطلع الى ساندي كالبلهاء.
" أخبرني أليكس بأنك طاهية مميزة... و أنه ينوي ضمك الى نخبة موضفيه..."
بطاقة تفوق طاقة البشر ابتسمت تلك الابتسامة التي تخفي كل عذابها و همست بإمتنان"
" انه يثق بي... و أتمنى الا أخذله..."
" لن تخذليني بيلا..." لامس خدها برقة متناهية وقال فجأة" حجزت لك في فندق قريب من القناة... مارأيك لو نتعشى ثلاثتنا قبل أن نرافقك هناك؟؟"
توهمت أن تتقاسم سريره هذا المساء، لم تتوقع وهي تركب تلك الطائرة اللعينة أن صهباء بنظرات باردة من تملك هذا الحق.
هل فهمت ملاحقة اليكس بالخطأ لهذا الحد؟؟؟ ظنته يرغبها و يغازلها... اعاقتها تعود لتسيطر عليها بالتأكيد لأنها بدأت بدمج المفاهيم.
" هل... هل أستـــــطيع استــــعمال الحمام؟؟"
" بالتأكيد... ستجدينه في اخر الرواق على اليمين..." رد اليكس بلطف وهو يقف من مكانه عند وقوفها.
بعد أن اختفت بيلا و اصبح بمفرده مع ساندي سقطت الأقنعه، واجه هذه الأخيرة بنظرات قاسية و غاضبة
" كرري كلمة معاقة ذهنيا مرة ثانية كي لا تحصلي على قرش واحد"
" فعلت ما طلبته مني اليكس، قلت لي أن أتعمد القسوة"
" لا الاهانة... اسمعي بيلا رقيقة جدا فلا تتجاوزي الحدود "
تنهدت ساندي ببعض الضيق ثم قالت بصراحة:
" رأيت كيف احتضنتها و راقبت وجهك و عيناك... انت تريدها، دعوتها لهذف محدد لما تغير رايك؟؟؟"
" يكفي أن المس شيء حتى يذبل أو يموت... أخطأت بعرضي و مجيئها دليل على مسايرتها جنوني... أريدك أن تلعبي دور العشيقة بشكل جيد الى أن تقرر بيلا العودة الى التوسكانا... ان تعمدت مجددا جرحها فلن تحصلي على نقودك..."



التعديل الأخير تم بواسطة أميرة الحب ; 13-02-13 الساعة 08:34 PM
قلوب أحلام غير متواجد حالياً  
التوقيع
13th year anniversary celebration- احتفالية تأسيس روايتي الـ13

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:45 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.