آخر 10 مشاركات
رهينة حمّيته (الكاتـب : فاطمة بنت الوليد - )           »          الوصــــــيِّــــــة * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : البارونة - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          طلب مساعدة لاشراف وحي الاعضاء (نرجو وضع تنبيه بنزول الفصول الجديدة للروايات) (الكاتـب : قصص من وحي الاعضاء - )           »          دانبو ...بقايا مشاعر (الكاتـب : ahlem ahlem - )           »          وأذاب الندى صقيع أوتاري *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : سعاد (أمواج أرجوانية) - )           »          سمراء الغجرى..تكتبها مايا مختار "متميزة" , " مكتملة " (الكاتـب : مايا مختار - )           »          دين العذراء (158) للكاتبة : Abby Green .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          و آن أوان قطافك * مميزة **مكتملة* (الكاتـب : ahlem ahlem - )           »          العشيقة البريئة(82)للكاتبة كارول موتيمور(الجزء الثالث من سلسلة لعنة جامبرلي) كاملـــه (الكاتـب : *ايمي* - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-03-13, 02:39 PM   #1

درة الاحساء

نجم روايتي ومشرفة سابقةومصممه

 
الصورة الرمزية درة الاحساء

? العضوٌ??? » 213582
?  التسِجيلٌ » Dec 2011
? مشَارَ?اتْي » 6,499
?  نُقآطِيْ » درة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond repute
Rewitysmile25 امجد و ميادة / د.حالد ابوشامات ، مكتملة





بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

رواية امجد وميادة

بقلم د.حالد ابو شامات




بسم الله الرحمن الرحيم
كتبت هذه القصة
منذ أمد بعيد ..
وجرى عليها التعديل ..
بما يناسبها من إحساس وكلمات ..
إليكم قصة
كتبتها بالدم ..
بأقوى إحساس في حياتي كلها ..
قصة قد لا أبالغ حين أقول أنها أكثر قصة وأعلاها إحساساً كتبتها قط
صببت فيها كل الشعور وصهرته حتى أخرج بعمل مثل هذا أصنفه عندي
في أعلى المراتب
وربما اخترت هذا التوقيت بالذات .. لأسباب معينة .. من أجلكم والله ..
ونصيحتي من كل القلب بلا مبالغة ..
ألا تقرأها إن كنت تريد أن تذاكر بعدها ..
وقد تراني في هذه الكلمات أتصنع .. ولكنها في (نظري على الأقل ) الحقيقة ..
وإن قررت القراءة .. فهذه القصة لا تقرأ إلا كاملة .. دون أي مقاطعة ..
ورغم انها أربعة أجزاء .. إلا أني سأضعها كاملة .. لأنها لا بد أن تقرأ كاملة دفعة واحدة ..
وإلا لن تكون هناك أي متعة في القراءة ..
استحضر كوباً من العصير البارد ..
واجلس .. وأقفل باب الغرفة ..
وإن شئت .. أطفيء الأنوار ..
واسترخي
واقرأ
إليكم
أمجد وميادة



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 16-10-13 الساعة 01:26 PM
درة الاحساء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-03-13, 02:40 PM   #2

درة الاحساء

نجم روايتي ومشرفة سابقةومصممه

 
الصورة الرمزية درة الاحساء

? العضوٌ??? » 213582
?  التسِجيلٌ » Dec 2011
? مشَارَ?اتْي » 6,499
?  نُقآطِيْ » درة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond repute
افتراضي

,


( المقـدمة)



هل تعتقد يوماً أنك قد وصلت إلى مرحلة الكآبة؟
إن كنت واحداً من الذين أنعم الله عليهم بفقدان عقله ..فاحمد الله لأنك لن تصل إليها ..
أما إن كنت طالباً في كلية الطب .. فلا داعي لأن تقرأ الباقي .. لأنك نلت نصيباً وافراً ..
وقسطاً لا بأس به ..
وإن كنت على استعداد لأن تقرأ قصتي ..
فاقبل أولاً أن تصل إلى نهاية هذه القصة ..
بكآبة فريدة من نوعها ..
وأمنية خالصة من القلب أن يكون اللحد هو مرقدك القادم ..
وأن ترى السم شراباً منعشاً يروي شهوة الراحة الأبدية..
وإن لازلت مكملاً .. واستهوتك تعابيري في الأعلى ..
فعليك أن لا تقرأ القصة إن لازلت تعتبر القصة طرفة أو نادرة تتسلى بها ..
بل أن تعي وتدرك كل كلمة في القصة بإحساسها الكامل ..
وإن كنت تقرأها كي تكون وجبة دسمة لنقد الإحساس ..
أو شعوراً لتحديٍ تظن أني أعرضه ..
أو حتى لتبرهن لنفسك أنها مبالغات لفظية..
فارم القصة جانباً .. فأنت لا تستحق أن تقرأ قصة مماثلة ..
واعذرني على كلماتي إن كنت تراها وقحة ..
لكنها حقيقية ..
فهذه قصة لا يفهمها إلا أصحاب الإحساس..
هم الذين يتألمون .. ويفرحون .. ويبكون ..
هم أناس لهم قلوب من لحم ودم ..
لا قلوباً من جلمود أسود ..
هم بني البشر..


___


( الجــزء الأول )



مضت أربعة أيام على العزاء ..
لا زلت لا أصدق أن أمجد قد توفي ..
لقد كنت معه قبل أسبوع .. خرجنا فيها سوية .. كان يومها أمجد حانقاً وغاضباً ..
وهي مرات قليلة للغاية التي أراه فيها هكذا .. فالعامة الذين يعرفونه ..
لم يروا غضبه أو حنى وجومه .. وإن كان بذلك يحاول التظاهر ..
إلى الآن وأنا أكتب هذه الكلمات لا أصدق أنه مات ..
كنت مخدع أسراره التي لا يعرف الكثير عنها شيئاً ..
لم يكن يهنأ لي بال إلا إن علمت ما يشغل باله من أفكار مجنونة التي يضحك منها العوام ..
ويفكر فيها المتأملون ..
كان أفضل أصدقائي بلا منازع ..
بل إنه لي معلماً في كثير من أمور الحياة.. التي لا يفهمها الطغاة..
تعلمت منه كيف أعيش إنساناً ذا روح وحس ..
تعلمت منه معنى أن تتعاطف مع أحزان الناس وهمومهم .. وأن أستمع إليهم ..
تعلمت منه كيف أتفاءل حين تتجهم الدنيا..
تعلمت منه ..ما لن يعلمني إياه شخص آخر ..
عندما أخبرت الجامعة بأمر وفاته _ رحمه الله _ تفشى الخبر جلياً وسريعاً ..
وتناقلته أوساط الطلاب على نطاق كبير ..
لأن أمجد كان مشهوراً بابتسامته العريضة التي يقابل بها كل الناس ..
كان ببعض معروفاً ببعض ملخصاته التي استفادت منها شريحة جيدة من الطلاب ..
وفي اليومين الذين تليا الخبر .. تحدث عنه الدكاترة ..
كثير منهم من ذكره بعطر اللسان .. والبعض حقيقة لم يتذكره ..
لكنه حزن .. ولا أدري ما سبب الحزن .. إلا أن يكون بروتوكولاً اجتماعياً منافقاً ..
ومن ناحية أخرى ذكره البعض بكلام سخيف ..
من دكاترة وطلبة ..
أولائك الذين يرون في دعاباتهم الخرقاء الظهور بمظهر القوة ..
بل اتخذه البعض موضعاً للنكات الغبية ..
إلا أن هناك بعضاً منهم لم يصدق أنه مات .. ومنهم أنا ..
صاحبه : يزيد
لكن أتعلمون حقاً .. ما هو سبب وفاة أمجد ؟؟

لقد قالها لي يوماً :
يزيد .. أنا إن مت .. فقد قبض الله روحي .. لكن صدق أن السبب الدنيوي سيكون الطب والدراسة

ولقد كان ما تنبأ به أمجد ..
مات أمجد وهو يقود سيارته متجهاً إلى الجامعة ..
بعد أن كان شبه نائم .. بعد أن أمضى ليلته فوق الكتاب ..
في اختبارات نصف السنة
جلس يذاكر لتلك المادة أسبوعاً كاملاً ..
رغم أنه ذاكرها قبل ذلك ..
وحتى إذا ما جاءت ليلة الاختبار .. جلس يراجع كل ما ذاكره في ذلك الأسبوع ..
لأن المعلومات وبلا شك قد طارت ..
وأنى لها أن تبقى ..
فقاد السيارة إلى اختباره .. وهو في حالة من الإرهاق ..
كان يسير بعين مفتوحة والأخرى مغلقة .. حتى انتهى به الأمر إلى حادث أودى بحياته ..
وإن توقفنا هنا .. فلا يغدو الأمر مشكلة ..
هذا أمر مألوف يحدث في كل السنوات لطلاب الطب..
لكن المشكلة الحقيقة .. هي أن السبب في كل هذا الجهد من أمجد ..
السبب الذي جعله يرهق إلى هذا الحد ..

ببساطة .. لقد كان ذلك الدكتور الأخرق من قسم الطب الباطني بما يسمونه الــ medicine
ذلك الدكتور الذي قرر أن يرسب أمجد .. في السنة الماضية ..
ولقد كان السبب ببساطة أن أمجد
قد استنكر أن تكون الأسئلة في نهاية العام .. بلا مرجع ..
واستنكر التصحيح وطلب بمراجعة ورقته .. فلم يوافق الدكتور .. حتى دفع أمجد الآلاف الخمسة .. لتتغير النتيجة .. فينجح أمجد في الاختبار النظري .. ولكن ..
ليرسب بعدها في الاختبار العملي على يد هذا الإنسان الذي افترض أن يكون إنساناً ..
وأن يكون مربياً..
ولم يكتفي الدكتور بذلك ..
بل دخل في نقاش مع أمجد أكثر من مرة .. ليقلل من قدره .. ووصل به الأمر بسب أمجد أمام الكل ..
فكيف لطالب غر صغير وجاهل .. أن يطالب بإعادة تصحيح الورقة؟!
كيف يطالب مجرد إنسان .. بحقوقه ؟!
كيف يجرد الدكتور من سلطته وهيبته ؟!
ذلك ما لم يقبله هذا الظالم .. المتعجرف .. صاحب شهادة مزخرفة أتى بها من الخارج ..
حين يستضعف طائفة من البشر لا حول لهم ولا قوة ..
وأعاد أمجد سنة كاملة من حياته .. بسبب حقد تربى في عقل طفل كبير ..
وظن أمجد أن الموضوع قد انتهى ..
لكن أمجد لما قابله على بداية السنة ارتسمت على شفتي الدكتور ابتسامة باردة .. فضحت معانيها سريعاً بالامتحانات المفاجئة للدكتور مع بداية العام .. الأمر الذي لم يحدث قبلاً ..
والوحيد الذي نال الدرجات الأقل .. هو أمجد ..
ولم تجدي المحاولات المضنية .. والوساطات المشفقة ..
لم تجدي حتى اعتذارته للظالم ..
فقط كان يريد هذا الأخرق .. أن يفرد عضلاته ..
حتى رئيس قسم الطب الباطني .. قال بأن هذه المادة .. هي أم الطب ..
ولا بأس أن يرسب الناس فيها .. ولا بأس أن يفصلوا من الطب ..
إن لم يستطيعوا أن يجتازوا اختبارها ..
الاختبار الذي تحصل فيه العجائب .. بنجاح الأوائل على الكلية بدرجات منخفضة ..
ونجاح الراسبين في بقية المواد بدرجات عالية بدون سبب ..
الاختبار الذي لن يكفي قسمي له بأنه أشبه بلعبة حظ .. قد تخسر فيها بدون سبب ..
إلا بسبب الحظ ..
ووصل أمجد إلى الساعة الثامنة صباحاً .. وقد أرهقه التعب ..
وبدأ الألم يستشري في جميع أركانه ..
لم يستطع تحمل الضغط النفسي والجسدي ..
ولكنه قاد سيارته .. وهو يحاول أن يخرج الرمق الأخير .. حتى يفعل كل ما يجب عليه أن يفعله .. ليجتاز هذه المادة ..
وفي النهاية ..
مات أمجد ..
مات صاحب لي بألف صاحب .. مات إنسان يحمل من معاني الإنسانية
ما لا يمكن أن تجده إلا قليلاً في غابة الوحوش التي نعيش بها ..
صدق أن أمجد قد قضى حياته بين الجامعة .. و .. بين كتبه والملخصات ..
وأنه استهلك حياته الخاصة كلها في الجامعة ..
ضيع حياته الشخصية كلها بسبب المذاكرة ..
لقد كان يتمنى أن يموت سريعاً .. تمنى لو يصاب على الأقل بغيبوبة تمنعه من المذاكرة ..
فهو ولسوء الحظ من ذوي الضمير الحي في المذاكرة ..
بل إنه يلوم نفسه على دقائق الراحة أيام الدراسة ..
وقد يقول البعض .. لم يحمل نفسه كل هذا العناء ..
والجواب بسيط ..
إنه يكره الطب .. يكرهه مذ عرفه ..
يكرهه من الصف الرابع الابتدائي .. مذ تعلم الدورة الدموية ..
وإنه لمن الصعب أن تحفظ وأن تذاكر وتفهم ما لا تحب ..
إذا لماذا دخل الطب ؟؟
والجواب هنا يعرفه كل من تخرج من الثانوية العامة .. وكانت نسبته تؤهله لدخول كلية الطب ..
فإنه لن يتركك شخص .. إلا وأفتى لك بما لا يفقه ..
وقال ما قال .. مما قد سمعه من ذاك وذاك ..
لم يتركه شخص إلا ويقول : ادخل كلية الطب ..
بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ..
كلية الطب مركز اجتماعي ..
كلية الطب جاه ..
كلية الطب مال ..
حتى يكون وقتها من حدد هدفاً غير الطب مغفلاً .. لا يدرك مصلحته ..
وحتى يكون الذي يحب أي شيء غير الطب غراً ساذجاً
ولعلك تقول في نفسك الشيء ذاته ..
ولم يصاحب أمجد الكثيرين ..
كان الفتى له أمنية أن يسافر إلى الخارج كي يتعلم ..
في مكان تستطيع أن تحتار بنفسك طريق حياتك ..
وأن تقرر بهدوء ما تريد .. لا ما يريد أن يحقق الناس من أهداف فيك ..
أرهقه كثيراً الظلم ..
لم يتمكن من أن يعيش في مكان يظل فيه مروراً .. متواضعاً لأحط الناس أخلاقاً
_ وإن كان أعلاهم علماً _ ..
لم يستطع أن يتحمل أن يبقى في مكان لا ينفض عنه أحد آلامه ولا يضمد له جراحه ..
ويجبر له حقه المغتصب ..

مات أمجد وترك رسالة ..
وقال مازحاً :
هذه رسالة لكل من تسول له نفسه الدخول في كلية الطب ..
وإني هنا أحذرك .. إن كنت أحد طلاب كلية الطب ..
أو لا زلت طالباً في الثانوية العامة وكنت مقدماً على الانتساب في كلية الطب من أن تقرأها ..
وإني أعني فعلاً ما أقول .. بل أنصحك أن تقرأ الفصل الثاني مباشرة ..
وإني هنا أحذرك مرة أخرى .. وأنت الملام ..
وكانت هذه هي الرسالة ..والتي هي موجهة إلى ميادة..




درة الاحساء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-03-13, 02:47 PM   #3

درة الاحساء

نجم روايتي ومشرفة سابقةومصممه

 
الصورة الرمزية درة الاحساء

? العضوٌ??? » 213582
?  التسِجيلٌ » Dec 2011
? مشَارَ?اتْي » 6,499
?  نُقآطِيْ » درة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond repute
افتراضي



( الجزء الثاني )



بسم الله الرحمن الرحيم
هاهي رسالتي المتقطعة .. من سواد القلب الكالح .. تتدفق بسخونة ما بعد الاحتراق ..
رسالة كبقية الرسائل .. مملوءة بالآلام والأحزان .. مطعمة بالأوجاع .. مرصعة بالبؤس ..
مزركشة بالأشجان ..مصفدة بالتعب والإرهاق..
رسالة من حلكة الأثقال .. تخترقها سهام اللامبالاة والإهمال .. فتلقي بها جثة ماتت قبل أن تموت ..
هاهي رسالتي من بيت الموتى .. كما راق لأديب روسي أن يسمي مُبدعته ..
واسمحي لي يا ميادة أن أقول .. أن ما بي قد طمس بمادة كاوية كل أفراحي ..
فما استطاع تفكيري في أن أكتب إليك من أن ينسيني .. أو يزيل غمامة الحزن الجاثمة فوق أنفاسي ..
اعذريني يا حبيبتي على ذلك .. فللموت في شفتي الآن طعم أحلى من السكر .. ونكهة أروع من الليمون ..
وسأبدأ لأسرد لك سلاسل الألم التي تقيدني بحلقاتها الملعونة ..
إنها سلاسل الطب ..
ما كان الطب طريقي يا حبيبتي ..
ما كان أبداً ..
الطب دوامة فائقة .. تنتشلك من كيانك .. حتى لتكاد تحس بعمودك الفقري يخرج من القفص الصدري ..
الطب هو يوم لا يبدأ حتى ينتهي ..
يبدأ بافتراض أن تذاكر بعد صلاة الفجر ..
وهو الأمر الغير ممكن .. لا بسبب ال**ل .. وإنما كي لا تستنزف طاقتك
التي تتلاشى تحت وطأة التفكير شيئاً فشيئاً ..
ثم تنطلق إلى الجامعة .. حيث تقوم بجمع ما تجمع من مواضيع للمذاكرة .. وابتياع المذكرات .. والأوراق الخارجية ..
لينتهي نصف يومك تقريباً ..
فلا تلبث بعد عودتك أن تنام ما لا يكفي أن يعيد تركيزك إلى قدرته على الاستمرار ..
أو حتى لأن تكون واعياً لما يجري في الكون ..
وبعد هذا كله .. تبدأ بممارسة حياتك كطالب أو كطالبة ..طب ..
تبدأ بالبحث عما أُخبرت عنه في محاضرتك .. ثم تباشر الحفظ .. ذلك النوع من الحفظ
الذي لا يلبث أن يزول كما تزول كثبان الرمل مع عاصفة هوجاء ..
صدقي حتى وقت فراغك لا تهنأين به .. تحسين بوخز الضمير الفاتك .. وصوت يصرخ في كيانك .. يزلزل أركانك .. أن هذه الوقت ليس ملكك .. بل ملك كتبك .. ملك المذاكرة .. ملك الطب ..
ليس هذا فحسب .. بل إنك تحاسبين نفسك أيام الأجازات ..
فما عاد الأربعاء أربعاءً .. ولا عاد للخميس نكهة ولا رونق ..
صدقي أني أتعب كثيراً .. نفسياً وصحياً ..ورغم ذلك لا أحس بالرضا عن نفسي ..
أحس أنه ينبغي أن أعمل أكثر ..أرى الكثيرين ممن يعملون بجهد أكبر
.. فأحس أني أريد أن .. أبكي بقهر ..
أن أبكي كعجز .. واستسلام ..
وتحسين وقتها بطعم مر وحامض في لسانك .. وتمتليء الدماء في وجهك ..
وتسكبين تنهيدة أخيرة بعد الدموع .. يخرج مع لظاها بخار الدم المحترق ..
ثم ..
و ببطء ..
تذوبين رويداً رويداً .. كشمعة تنزف كيانها حتى يفنى ..
وتعودين كل يوم .. فتجمعين ما بقي من شمعة متحللة .. وتشعلينها مع أول صفحة تذاكرينها في كتاب الطب العظيم .. لتذوب مرة أخرى .. وأنت كل مرة تضعين فتيل الطموح .. وفتيل الإصرار ..
وفتيل الرغبة في النجاح .. وفتيل المحاولة .. وفتيل الحلم والأماني ..
أما علمت يا حبيبتي أن هذه الحلقات .. هي إحدى سلاسل الجحيم ..
أما أحست أن لها حسك يقطر منه السم ..
صدقي أن أنفاسك تتقطع .. وأنك تختنقين وأنت تتنفسين أرقى العطور ..
ها أنا أضع صدري على طاولتي ..على مذبح رهيب .. تناثرت على جنباته وسائل التعذيب بأنواعها ..
كتب .. أقلام .. دفاتر .. ورسوم بيانية .. ومحددات .. وأوراق لاصقة ..
ونفس كئيب .. وجو مكتوم .. ورائحة مشبعة بالمهام الغير منجزة .. تنتظر دورها في طابور المذاكرة ..
حتى كلماتي هذه محسوبة علي .. حتى رسالتي هذه .. تمنعني الدراسة من كتابتها
.. لا لأنها تأخذ وقتاً ..
فأنا أستطيع أن أكتبها في عشر دقائق الراحة التي أجعلها بين ساعات المذاكرة ..
وإنما لأنها متخمة بالرسائل السلبية كما يروق لأساتذة البرمجة اللغوية العصبية أن يسموها ..
مليئة بالإشارات التي لا تمت للإيجابية بصلة أو منطق ..
أتمنى أن أموت .. كي أتخلص من الأوجاع .. فلا أنا بحي .. ولا أنا بميت ..
كل يوم أبدأ بعزم وصدق ..لكني أنتهي بألم يعصرني في نهايته ..
إما لأن الحياة النصف آدمية التي أحياها .. لا تتحمل جدولي القاتل .. المليء بمشاريع المذاكرة وتفاصيلها ..
وإما لأن الوقت الذي أخصصه لعمل ما .. لا يكفي .. فيطغى على بقية الأعمال ..
رغم أني يا حبيبتي أحاول أن أقدر كل شيء بحجمه ..
لا أدري كم سأستمر على الصمود .. فجدران قلعتي قد امتلأت بالشقوق ..
وقد تهدم الكثير من زواياها ..
وقد عم الخراب ببابها وأسوارها ..
هاهو الحمض بدأ بالصعود إلى فمي .. بعد أن ملأ أحشائي ..
وهاهي يداي ترتعد في مرض ..
وهاهي عيناي تفتحان على اتساعهما من الألم .. لترى الدنيا باهتة .. غير واضحة المعالم ..
وتفكير ينشل .. فلا أغدو دارياً عن الوجود من حولي ..
نغم حزين .. وصوت آهات تردد صداها الموحش في تجويف صدري .. وصور لأشخاص أعرفهم ..
تمر في ذهن متعب .. مكدود .. مملوء بالهموم .. صور محروقة الأطراف
.. مهترئة .. باهتة الملامح .. لا تلبث أن تختفي حالما تظهر ..
تحسين أن الناس يتحركون من حولك بالحركة البطيئة .. تسمعين وتحللين ..
فتفهمين كل كلمة على حدى .. لكنك لا تستطيعين ربط الكلمات ببعضها لتعطي جملة واحدة ..
قد شرعت في كتابتي .. رغم أني حاولت ألا أكتب إليك .. فكلما بدأت لا أنتهي .. بل أصل إلى منتصف الطرق .. لم أستطع أن أكمل رسالة واحدة أصف لكِ فيها حالي .. فعندما أبدأ .. يبدأ عداد زمني قصير .. معلنا نقطة الانصهار .. فتُنثر شظاياي في كل مكان .. فأجمع حطامي لأبد من الصفر مرة أخرى ..
سأصمت عند هذا الحد .. فالكلام هو الكلام .. مهما اختلفت الصيغة .. أو تغير الإعراب ..
ولا يبقى لي شيء .. سوى أن أطلب منك أن تدعي لي ..
بأن يرحمني الله ..
أمجد
وطبعاً هذه الرسالة لم تصل لميادة ..


درة الاحساء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-03-13, 02:48 PM   #4

درة الاحساء

نجم روايتي ومشرفة سابقةومصممه

 
الصورة الرمزية درة الاحساء

? العضوٌ??? » 213582
?  التسِجيلٌ » Dec 2011
? مشَارَ?اتْي » 6,499
?  نُقآطِيْ » درة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond repute
افتراضي











( الجزء الثالث )




مازلت أيها السدة أحدثكم عن الفقيد الغالي أمجد..
أمجد الذي مات في ليالي .. لرب هي كم ليالي فلسطين التي يحس الإنسان أن مخرزاً
اخترق أذنه في شكل كلمات ..
لقد طلبت من أختي أن تذهب إلى ميادة ..
أتعرفون من هي ميادة ؟؟
إنها حبيبة أمجد ..
إنها حبيبة صاحبي ..
وما ستقرؤونه هو ما سمعته من أختي بالحرف ..
قالت أختي :
دخلتُ منزلها .. والذي كان على طراز تقليدي بسيط .. السجادة هاهنا .
والمجلات وبعض الجرائد فوق الطاولة .. رائحة طيبة..
لابد أنها رائحة المعطر التي وضعته أم ميادة قبل دخولي ..
جاءت أم ميادة وقالت : أهلا يا ابنتي ..
رمقتني في فضول لحظة ثم قالت :
أرى أنك أول مرة تأتين إلى ميادة .. هل هي زميلتك في الجامعة ؟؟
ارتبكت ولم أعرف بم أرد
فلقد جئت على طلب من أخي .. أن أذهب إلى ميادة .. أواسيها .. وأرى إن كانت تحتاج إلى شيء ..
ولم ينقذني من ذلك إلا مجيء الخادمة لتقدم لي كوب العصير ..
تناولت العصير وأنا مرتبكة ..
فقلت لها بارتباك : أجل ..
لا أدري لم َ لمْ تهتم كثيراً بإجابتي ..
لكني عرفت لاحقاً..
وقفت أم ميادة .. وقالت : سوف تأتي ميادة بعد لحظات ..
مضت الدقائق بطيئة ثقيلة .. مغلفة بصمت رهيب..
وبعد دقائق جاءت ميادة ..
والحقيقة أن ميادة لم تأتي .. بل شبح آدمي إ، جاز لي الوصف ..
فذلك الجسد الضامر الناحل الذي إن صح سميناه هزيلاً ..
وتلك البشرة الصفراء ..
تلك الخدود الذابلة ..
تلك العيون التي لم يبق فيها إلا العيون من الشكل ..
قد نمت تحتها هالة سوداء من الحزن ..
شفاه بيضاء .. كأنها غصن لم يمس الماء فقارب على الرماد ..
إنها وببساطة لا ترقى حتى إلى مستوى إنسانة ..
قابلتني بفستان أزرق داكن ..
اقتربت مني وصافحتني ..
فصافحتها بأقل ما يمكن .. فقد خشيت أن تتهشم أصابعها تحت يدي ..
ابتسمت لها ابتسامة صغيرة ..
فبادلتني بابتسامة تميت القلب حزنا وعطفاً عليها ..
أحسست أني لا أعرف بما أتكلم .. ووقفت هي تنظر إلي بعيون ميتة ..
قلت بصوت متحشرج ..
أنا ..أنا أخت يزيد .. صاحب أمجد ..
لا أدري هل هو تيار مسها أم ماذا ؟!
لقد انتفض جسمها من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها .. وانقبض يداها ..وقالت وكأنها تتذكره :
أمجد ! .............
ابتعلت ريقي في ارتباك وقلت : حقيقة .. لقد طلب مني يزيد أن أزورك علي أساعدك في أي شيء ..
نظرت إلي وأغمضت عينيها وقال :
مساعدة ؟؟ مساعدة في ماذا ؟
ثم تنهدت وقالت : إذن علك تجاوبينني على السؤال الذي كلما سألت أحداً لم يجب ..
ثم حدقت في بعينيها .. ورحت أرى في داخلها جنوناً .. وراحت تشتعل تلك الحدقات .. ثم قالت :
متى يعود أمجد ؟
ارتبكت بشدة .. ولم أعرف كيف أرد .. يبدو أن الفتاة مصابة بلوثة في عقلها ..
ويبدو أنها قد جُنت فعلاً .. لقد وضعت نفسي في مأزق _ سامحك الله يا يزيد_ ..
ثم قالت بصوت خفيض .. حتى إنه ليبدو مهزوزاً غير واضح :
ما رأيك أن أريك غرفتي ..
فأومأت لها موافقة ..
ذهبنا إلى غرفتها .. غرفة نظيفة مرتبة .. وإن تناثرت بعض أغراضها الخاصة على سطح مكتبها ..
ولكن الغريب .. أنها لم تكن كأي بنت .. فلم أرى تسريحة .. ولم أرى علب المكياج والاكسسورات التي تملأ غرف البنات في العادة ..
جلستْ فوق سريرها .. وجلستُ أنا على كرسي ..
جلستْ وأنا خائفة أن يحصل لها شيء .. صمتت ولم تتكلم ..
ثم قالت بشبه ابتسامة : أنا آسفة .. إنني لا أعرف ماذا أقول .. أعرف أنك تظنينني مجنونة .. ولكنني ..
ثم راحت عيناها تذوب في الأرض وهي تتحدث ..والغصة تكاد تقتلها :
إنك لا تعرفين ..
أمجد هنا .. لم يذهب بالتأكد .. كيف يتركني ويذهب ؟؟
ثم أخذت تتطلع في أنحاء الغرفة :
هواءه ما زال في صدري .. صورته ماتزال مرسومة على قلبي .. صوته .. كل شيء مازلت أذكره ..
ولن أزال أتذكره ..
ثم ابتسمت ابتسامة مخنوقة وهي تقول : أنا آسفة يبدو أني أهذي .. أنا لا أحب أن أضايق أحداً ..
أرجو منك المعذرة ..
ثم ابتسمت ابتسامة مغتصبة مرة أخوى ..
قسماً برب رحيم .. إن حالتها تدمع لها الضواري والكواسر ..
ثم قالت : هل أنت متزوجة ؟
وكانت بذلك تغير الموضوع ..
فقلت لها بعد لحظة صمت : هل تحبين أن تتحدثي عن أمجد ..
إني بالفعل أود أن أستمع ..
صمتت برهة .. ثم نظرت في الجدار لبرهة .. ولوهلة .. ظننت أن خدها قد تورد احمراراً ..
جمعت أنفاسها .. ثم راحت تلعب بأصابعها لتقول : كان يحبني .. أجل كان يحبني ..
ثم ازداد تورد خديها .. فبدت كشجرة يابسة قد أزهرت .. وقالت :
كان لي كل الحياة .. فبقية حياتي : لم تكن تعني تعتبر شيئاً ..
فهو الهواء وهو الماء ..
هو الشجر واخضراره ..هو الرياح بجميل هبوبها..
هو المتعة والضحك .. هو البكاء .. هو الحزن والفرح ..
هو باختصار كل شيء ..
صدقيني كان كالبلسم .. تضعينه على الموت ليحيا ..
كان ولا يزال .. طيفاً ينسيني كل همومي .. حتى لو لم تحل ..
ولن أكذب عليك إن قلت لك إن أيامي في هذه الدنيا لم تعد إلا معه ..
ثم أخذت تبتسم وهي تقول :
تعلمين لقد بدأت أصلي وقتها .. قبلها .. لم تكن الصلاة لها أي وزن في حياتي ..
حياتي لم تعرف الإشراق إلا على يديه ..
لابد أن يزيد أخبرك عنه .. أعلم انه كان صديقه العزيز..
وقفت .. ثم ذهبت إلى درج مكتبها .. وأخرجت منه صورة في برواز خشبي صغير ..
ثم جاءت وقالت : انظري ..
كانت صورة جميلة .. لفتاة بديعة القوام .. لها ابتسامة خلابة.. ويبدو أن الصورة قد التقطت في ..........
وفجأة كأنما انطلقت شرارة في رأسي ..
ما هذا ؟؟
مستحيل !!!!!
هذه ميادة !!!
يا للهول ..
أي فرق شاسع ها هنا .. بل أي فرق .. حتى إنه لا يكاد وجه الشبه أن يكون موجوداً ..
إن هذه الفتاة في هذه الصورة لهي حورية تغار منها الأنوار .. وتحترق منها الشموس وتستحي منها الأقمار..
استحالة أن تكون هذه هي ميادة التي تقف أمامي ..
إنها _ وإن كانت بالفعل هذه صورتها _ قبل موت أمجد كانت نيلوفراً قد كلله الندى بمشهد يخطف الأبصار ..
ويسبي العقول ..
رحت أناقل نظري بين الصورة وبين ميادة ..
تراها ما تكون الآن ؟
قد نستطيع أن نقول عنها أنها ما تبقى من وردة قد احترقت ..
قالت بسخرية : هذا ما كان يحسدني عليه الكل .. هذا السخف .. هذا الذي ما عدت أهتم له أبداً .. هذا الذي كنت أتباهى به وأتفاخر ..
هذا الذي علمني أمجد كيف أجمله بالتواضع .. هذا الذي دفن في داخلي ولن يعود أبداً ..
أبداً إلا ..
إلا إن عاد أمجد ..
قلت بعد صمت مغيرة دفة الكلام : في أي قسم أنت بالجامعة ؟
حدقت في بحقد .. حتى خلتها تريد قتلي ..
بل ظننت أن حالة الجنون قد بدأت الآن .. فارتبكت .. وقلت بسرعة : أنا لم أقصد ..
فقالت وكأنها لم تسمعني .. وقد نظرت إلى صورتها وأمسكت بها بكلتي يديها في قوة حتى سمعت صوت صرير البرواز :
لعنها الله . . وأحرقها على أهلها..
إنها السبب .. إنها قاتلة أمجد ..
وأخذت تضرب السرير وتقول : إنها قاتلة أمجد ..
ثم انخرطت في بكاء حار ..
لو كانت الأرض تحس لارتفعت ومسحت لها دمعاتها .. لو كانت الدموع يمكن أن تكون أكثر حرارة .. لأحرقت سجاد الأرض ..
لو كانت الأشياء تبكي لأمدت طوفاناً يغرق المنزل ..
اقتربت منها مشفقة .. بل شد مشفقة .. واحتضنتها بين يدي ..
فأخذت تبكي كطفل رضيع ..
ثم بدأت تسكن .. توقفت عن البكاء ..
فجلبت لها منديلاً .. فمسحت به وجهها ودموعها وأنفها الدقيق الذي احمر من البكاء ..
ثم قالت بعد برهة وهي تنظر إلى الأرض :
حقيقة لا أعرف كيف أعتذر منك .. فأنا في حالة سيئة للغاية
لربما تودين المغادرة فأنا أعرف أني ....
فقاطعتها قائلة : لا .. أرجوك.. أنا لا أريد أن أغادر ..
صمتت قليلاً ..
فقلت لها وأنا أرتجي أن تهدأ قليلاً بتذكرها لما كان جميلاً في حياتها : وكيف كان طبع أمجد ؟
قالت ميادة :
كان أمجد إنساناً طيباً .. هادئاً هدوء المياه الراكدة .. ما كان يغضب كثيراً ..
ولكن .. ولكن في الفترة الأخيرة .. ازدادت عصبيته .. صار حار الطباع .. يفكر كثيراً ..
بدا كمرجل يحترق .. ويصعد الدخان منه آهات وتأففات ..
كنت عندما أسأله لا يجاوب ..
ولم يبح لي إلا في نهاية الأمر عن موضوع الجامعة ..
صدقيني يا آنسة .. وإن لم أعرف إلى الآن اسمك ..
فقلت لها بسرعة : راوية ..
نظرت في للحظات .. كأنها تستوعب الاسم .. ثم قالت : صدقي يا رواية أني لم أكره
شيئاً في حياتي كره الجامعة ..
صدقي أن كلية الطب هي صورة بريئة لحيوان سادي متوحش ينتزع الأحشاء ..
ثم صرخت ميادة قائلة :
سحقاً لكل الذين يقولون أنتِ تبالغين ..
عليهم اللعنة للذين يقولون : يجب أن تتحملوا ..
وليذهب إلى الجحيم كل القائلين : كل الناس مشوا فلم لا تمشي أنت ..
أحرق الله كل مختل عقلياً يقول : أنت واحد من آلاف .. بل من ملايين مثلك يعانون نفس المعاناة .. سحقاً لهم جميعاً ..
صمتت قليلاً . .
وأرسلت دموعها تنساب على خديها قائلة :
لقد كنا نحلم .. لقد وعدني أمجد بالزواج بعد السنة السادسة ..
لم يكن باقياً سوى سنة ونصف ..سنة ونصف فقط ..
ثم تطلعت إلي وقالت بابتسامة سخرية :
هل تعلمين بم أصبت ؟؟
لقد أصبت بالقلب .. وارتفاع ضغط الدم .. هل ترينني ؟؟
ما أنا ؟
أنا لا شيء ..
جسد بلا روح .. لقد ماتت روحي .. لم يبق منها شيء ..
كل شيء ذهب .. لم يعد يهم أي شيء .. لم يعد يهم ..
أنا الآن فأنتظر مصيري المحتوم ..
فإما أن يأتي أمجد ..
وإما أن ..
توقفت ثم بلعت ريقها وقالت :
وإما أن أذهب إليه ..
لم أعرف بم أنطق .. ظلت الكلمات محتبسة في حلقي ..
أأقول لها أنه لا يجوز أن تتمنى الموت ؟؟
لم أعرف بم أنطق ..
ولكنها قالت بعد برهة :
أستغفر الله .. أستغفر الله ..
وهنا قالت بانكسار مؤلم :
لم يبق لي سوى أن أدعو له في صلاتي كل يوم ..
سأجعل هذا هو هدف حياتي ..
ثم رفعت يديها إلى السماء .. الدموع تغرق مقلتيها وأخذت تدعو ..
اللهم اغفر لأمجد .. اللهم صبرني في محنتي ..
اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها ..
اللهم إني بعت نفسي إليك وزهدت فيها إليك ..
سأكون ناسكة في محراب عبادتك ..
وستكون غرفتي صومعة .. أتعبدك فيها ..
وأدعوك فيها أن تغفر لأمجد ..
قلت لها بصوت خفيض :
ألهاذا الحد تحبين أمجد ؟؟
قالت والعينان الذابلتان تتلألأ :
أمجد يا راوية ..
هو النور التي تفتقت عنه دروب المستقبل في أرضي ..
أمجد يا صاحبتي قتله أن قال كلمة حق ورد احترامه .. في زمن يعتبر من يفعل ذلك مجرماً وقحاً ..
وغبياً .. لأنه لم يعرف كيف تُدار اللعبة ..
أمجد مات فقط لأنه أرادني أن أكون ملكة عالمه .. في قصر تحفه الورود والبساتين ..
أمجد كان طائر السلام وغصن الزيتون ..
أمجد .. أمجد ما كان سكيراً ولا خميراً ولا زير نساء ..
أمجد ما يكن يفعل المعاصي بقلب مملوء بالرضا أبداً ..
أمجد كان طيباً وحنوناً ..
ثم صمتت وتلاحقت أنفاسها وقالت :
ولكنه مات !
لم يعد قلبه الدافئ ينبض ..
ولم يعد يهم هاهنا شيء .. لم يعد يهم أي شيء ..
وهنا خرجت بعدها من بيت ميادة بقلب مشفق يرثي حال إنسانة مكسورة ..
من بيت حبيبة لم تنس الحب الصادق ..
ها أنا ذا يزيد مرة أخرى ..
رحمك الله يا امجد وصبركِ يا ميادة ..
أمجد ذاك الذي مات صبيحة اختبار الطب الباطني الكريه ..
سقط قتيل كلية الطب..




درة الاحساء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-03-13, 02:50 PM   #5

درة الاحساء

نجم روايتي ومشرفة سابقةومصممه

 
الصورة الرمزية درة الاحساء

? العضوٌ??? » 213582
?  التسِجيلٌ » Dec 2011
? مشَارَ?اتْي » 6,499
?  نُقآطِيْ » درة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond repute
افتراضي


( الجزء الرابع)


مضت الآن فترة طويلة على وفاة أمجد ..
صدقوني أنها لم تتعد شهراً ونصف ..
ولكني أحس بها أكثر من سنين ..
صدقوا أن الوقت لدي أسوأ من أن يحتمل ..
لازلت لا أنسى نظرات أبي أمجد في العزاء ..
نظرات تقول لي أرجوك دلني على طريقة أرجع بها أمجد بأي طريقة ..
بكل ما أمتلك حتى حياتي ..
أما أختي فقد قابلت والدته .. والدته التي أصابتها صدمة أقعدتها في المستشفي يومين ..
أمجد .. أين أنت يا صاحبي العزيز ؟؟
كنت أتضايق كثيراً من نصائحك التي كنت أحس أنك بها وصي علي ..
كنت لا أحبذها ..
تعال الآن وقل ما تشاء .. صدقني أني مستعد أن أكون منصتاً ..
صدقني أني مستعد لأن أنصت لكل كلامك ..
فقط عد .
هل أخبركم عما حصل قبل أسبوع ؟؟
لقد اتصلت ميادة بأختي ..
وطلبت منها أنه إن كان بالإمكان أن تحضر لها حقيبة أمجد الخاصة ..
التي سماها أمجد بالحقيبة الذهبية ..
هذه الحقيبة التي كلما جاءت مناسبة .. أخرج أمجد منها ورقة ألقاها على مسامع ميادة ..
كلمات أبت أن تكون من أحرف عادية .. من أن كون تراكيب طبيعية ..
هي الشيء الوحيد التي لم يرض أمجد أن يعطيه لميادة ..
لأنه أراد أن يبقى لديه كلمات يهديها لها في الأوقات المميزة لتكتمل روعتها ..
وهي نفس الحقيبة التي أصريت أن آخذها من أمجد لتكون عندي أحفظها له ..
بعد أن عرفت أن أمجد لا يحبذ أن يعرف أهله بما يكتب لميادة ابنة عمته من إعجاب
يعرفه الكثير من أفراد العائلة .. حتى صاروا يقولون دوماً .. أمجد لميادة .. وميادة لأمجد ..
وأنا منذ أعطاني إياها .. قبل أربعة أشهر .. لم أفتحها أبداً..
والآن وبعد موت أمجد بقيت ميادة هي الوحيدة التي لها كل الحق أن تأخذ الحقيبة ..
ذهبت إلى أختي .. وطلبت منها أن توصل الحقيبة لها ..
ترددت أختي .. بل رفضت .. وقالت :
يزيد .. أرجوك أعفني من هذه المسألة بالذات ..
بصراحة .. لم أعرف بم أرد عليها ..
فما حصل في اللقاء السابق أظنه أكثر من أن تتحمله ..
ولكني قلت في النهاية :
إنه أمر إنساني بحت .. وهو يعود أولاً وأخيراً إليك .. لكني أتمنى أن تسدي هذه الخدمة إلى ميادة .. أرجوك ..
ترددت أختي كثيراً قبل أن تقبل ..
ولما رجعت .. تركت لها القلم ليصف الذي حصل :
هاهو المنزل .. وإن بدا مضاءً من الخارج .. إلا أن الكآبة لا تريد أن تريح كاهل هذه القواعد الضخمة ..
دخلت من الباب .. فانبعث منه صرير . أحسست أنه لمقبرة فرعونية لم تُفتح من قرون ..
اجتزت الحديقة التي ذبلت أوراقها من قلة الاعتناء بها ..
لقد شاهدتها آخر مرة وقد شارفت على الموت .. أما هي الآن فقد لقيت مصرعها ..
صعدت درج المنزل .. ثم طرقت الباب .. وبعد دقائق .. بدت أياماً .. فُتح الباب لي ببطء ..
ومن خلفه ظهر نصف وجه .. ثم فتح الباب كله ..
ولقد كانت ميادة ..
ولكنها كانت في أسوأ حال ..
أين ذهبت ملامحها ؟؟
إن هذه الفتاة غير حية بالتأكيد ..
بل إننا لو بالغنا لقلنا شبه حية ..
لقد نحلت جداً .. وبرزت عظام وجنتيها .. وحلق السواد بعينيها ..
وتطاير شعرها مشعثاً ..
نظرت لها برهة .. ثم أغلق أنا عيناي في ألم .. ولا أدري لم لكن ..امتلأت بالدموع ..
فأمسكت يدها .. وقلت لها : ارحمي نفسك .. هذا لا يجوز ..
فكادت الفتاة المسكينة تسقط بين يدي ..
فأخذتها .. وكنت قد عرفت أين غرفتها فذهبت بها إليها ..
ودخلتها .. ولم أزل أكاد أحملها .. حتى أجلستها على الكرسي .. ثم أخذت طرحتي ..
وأخذت أروح لها بها .. فقد تسارعت أنفاسها ..
إنها هالكة لا محالة .. بل إنها ستموت بين يدي ..
كله من يزيد .. سامحك الله ..
استعادت وعيها .. ثم قالت بابتسامة .. بشفاه .. لم يبق منها إلا اسمها :
كيف حالك ؟
أتمنى أن تكوني بصحة جيدة ..
قلت وأنا أجلس.. وقد روعني خاطرٌ بأن يحصل لها شيء بين يدي : بخير والحمد لله ..
انتظرت برهة .. ثم قالت :
هل جلبت الحقيبة معك ؟
قلت : نعم .. لقد تركتها عند الباب عندما أسندتك ..
هنا قامت ميادة بكل ما بقي لها من قوة .. وذهبت لإحضار الحقيبة ..
جلست أتطلع في الغرفة في استغراب ..
لقد قلبت هذه الفتاة هذه الغرفة إلى صومعة حقيقية .. لقد اعتقدت أن الفتاة تهذر في المرة الفائتة ..
فهاهنا سجادة .. المسبحة ملقاة عليها في إهمال .. والقرآن موضوع على حامل ..
ولم تزد الغرفة إلا على سرير أبيض .. ومكتب ملقى عليه بعض الكتب الدينية ..
وبعض الأشرطة الملقاة في إهمال للشيخ هاني الرفاعي ..
وبعد قليل جاءت ميادة .. وهي تحمل الحقيبة ..
وقالت : أنا آسفة أني تركتك .. فعندما تذكرت الحقيبة .. لم أرى في الوجود سواها ..
فهي الشيء الأخير الذي بقي لي من ..من أمجد ..
لقد ارتجفت شفتاها حين نطقت أمجد ..
وضعت الحقيبة بيني وبينها .. ثم أطالت النظر فيها ..ثم قالت في حماس .. كطفل وجد حلوته المفضلة : أتريدين أن تفتحيها معي ؟
لا بأس أن تري ما فيها ..
وفي الحقيقة .. لقد كدت أنا ( رواية ) أن أفتح الحقيبة لأرى ما بداخلها .. فلقد أثارت فضولي كله ..
اقتربت يداها في حذر .. وفتحت الحقيبة ببطء ..
ومع فتح الحقيبة .. انفتح معها جرح دامي بقلب ميادة التي لا أعتقد أنه يحتمل أكثر ..
وانطلقت تنهيدة .. بل هي آهة ألم تكاد تخرق الآذان بعد أن تخترق القلوب ..
وفتحت الحقيبة على مصراعيها ..
ويا الله ..
أوراق.. حمراء .. ووردية .. وصفراء ..
ظروف .. ورسائل .. قلوب صغيرة ..
دفاتر كثيرة ..
قطعة منديل مكتوب عليها بعض كلمات الحب ..
أقلام ..
وهنا امتلأت عيني ميادة بالدموع .. وراحت تسقط .. كأنها أحماض من الكبريت ..
دموع بلا صوت .. دموع .. بتنهيدات أشبه بزلزال أخذت تدك الأرض دكاً ..
أخذت تلمس الأوراق كأنها تخشى أن تخدشها بأنامل كانت ذات يوم أشد رقة من الورد ..
أخذت تمرر أصابعها بين أطراف الأوراق .. والدموع تمطر.. لتصنع خطاً مائياً متصلاً..
دموع هي أشد سخونة من حرارة شمس مكة وقت الظهيرة في الصيف ..
رفعت ورقة بيضاء إلى عينيها .. منقوش عليها خطوط رفيعة بقلم وردي .. ثم قالت :
هذه أول رسالة أبعث بها إليه ..
ثم أخذت الورقة .. وضمتها إلى صدرها وأغمضت عينيها بقوة كأنها تعصرها لتنزل الدموع حراقة ..
أأقول لها هوني عليك ؟؟
لا أعتقد أن أي كلمة يمكن أن تفر من فمي ..
فمع هذا المنظر لا أستطيع إلا أن ألوذ بالصمت .. مسحت دموعها ..
ثم أخذت تبحث هنا وهناك .. وأخذت تضع الأوراق على سريرها بحرص شديد ..
وأخذت تقلب الأوراق ..
ثم قالت بخفوت : ما فائدتها ؟؟ لقد مات أمجد .. وماتت كلماته معه ..
مات كل إحساس صادق معه .. لم يعد يفيد ..
قلت بعد صمت .. وتردد جم : هل .. هل تسمحين أن أرى الأوراق ؟
فلقد كنت أود ذلك بشدة ..
نظرت في طويلاً ..فأصابني حرج شديد ..وقلت : عذراً أنا آسفة ..لم أكن ..
قاطعتني وقالت بابتسامة مريرة : لو كان أمجد حياً ..
لغرت أن تمس أناملك هذه الأوراق التي مسها بيديه ..ولكنه ..
وأغمضت عيناها بقوة هائلة وهي تقبض يدها : منهم لله .. منهم لله ..
ثم قالت بعد أن فتحت عيناها :
سأذهب لأحضر لك شيئاً .. أنا آسفة لقد انشغلت بالأوراق عن ضيافتك ..
لحظات وآتي .. وقامت ..
ثم نظرت في الأوراق في لا مبالاة ..
واقرأي كما تريدين .. الحقيبة بين يديك ..
ذهبت وأغلقت الباب بهدوء .. ينم أنها حتى لم تعد تهتم ..
لم تعد تبالي بما يحدث .. لم تعد تعير كل هذا أي اهتمام ..
أخذت أنظر إلى الأوراق .. أيها أقرأ ..إنها صفائح من عالم حب رائع ..
ولست أنكر أني أحسست برعشة ورجفة لما لمست إحدى تلك الأوراق ..
أحسست أن تياراً محدوداً قد سرى بجسمي للحظات ..
وجلست أقرأ..
إنها كلمات صادقة .. أحاسيس صافية .. خالية من الشوائب .. تسير في الأسطر كالأنهار الهادئة ..
إنها كلمات من قلب حانٍ .. من قلب صادق ..
هذه الورقة .. كانت ستهدى لميادة العيد القادم ؟؟
ميدالية مكتوب فيها اسمه واسمها ..
وهذا .. علية مخملية صغيرة ..
فتحتها .. يا الله .. خاتم رائع من الذهب الأبيض ..جميل أيما جمال ..
أعتقد أن هذا الخاتم هدية قريبة ..
ولكن يا للأسف .. أشياء كثيرة في هذه الحقيبة .. إنها تحمل أكبر من حجمها ..
تحمل حباً جنونيا .. تحمل شوقاً ملتهباً .. غراماُ صُرع قبل فرحته الكبرى بالزواج ..
بعدها بلحظات .. قدمت ميادة ..
وكانت هذه المرة نظرتي لها غير ..
فلقد حزنت عليها قبل ذلك لحالها ..
أما الآن فأنا حزينة لأنها فقدت بالفعل محباً مخلصاً .. عاش حياته كلها على أمل هي عنوانه
.. ميادة ..
عرفت بالفعل أي حزن يتجسد في نظراتها .. وأي فاجعة قد حلت بها ..
من كان لها حبيب كأمجد .. حُق لها أن تبكي طويلاً وكثيراً ..
تخيل فعلاً أن هناك من يكن لك كل هذا الحب ..
بكل فصوله ومشاعره الفياضة ..
تخيل كل الرسائل التي تصل إليك .. وكل الجنون والهوس بك ..
ثم وفي لحظة يفارق الحياة ..
يفارق الحياة من كنت أنت حياته كلها .. وربيع أيامه ..
يفارق الحياة من كنت حياته ..
بل هو إن دققنا .. فارقك أنت .. ولم يهتم إن فارق الحياة ..
وضعت ميادة كأس العصير على الطاولة وجلست ..
نظرت في عينيها كثيراً ثم تنهدت ..
ثم قالت : هل يمكنني أن أتكلم معك عن أمجد ..
إني ..إني أريد أن أخبر كل الناس عنه ..
فأومأت موافقة ..
فقالت : أمجد .. واحر قلباه عليك ..
أمجد .. سار في مسار شيطاني ..
أمجد واحد من الذين لم يرض أن يتنازل عن مبادئه ..
واحد من الذين ينعتونهم الناس بالسذج ..الذين يتخيلون أن الحياة تسير في صالح الفضيلة والأخلاق ..
ربما كان هذا عيباً عند كل الناس ..
ربما قال البعض أن هذا سبب عقدته ..وهذا سبب موته ..
لكن ما أحقر الإنسان الذي يدوس على كرامته من أجل أن يسير حياته ..
ما أوضع الإنسان الذي تخلى عن مبادئه .. متملقاً بذلك الكبير والصغير .. من أجل فتات ..
ثم أخذت تضحك بمرارة شديدة وقالت : لقد مات على كل حال .. إن لم يمت كمداً .. مات قتلاً ..مات ..
ثم التفتت لي بعنف وأمسكت يدي بقوة وقالت :
هل جربت الحب يوماً ؟؟
ارتبكت من مبادرتها السريعة وقلت :
في الواقع .. لم أجرب .. ولكن ...
قاطعتني قائلة : إذا فلا تجربيه أبداً .. ولا تفكري في ذلك ..
فقلت بصوت لا يكاد يسمع : لماذا؟
قالت وهي تنظر إلى الأعلى .. بنظرة لم أصدق يوماً أن أراها في عينيها أبداً ..
نظرة أعادت فيها الحياة لوجهها ..
نظرت أحيت فيها إنسانيتها الميتة ..
حتى أحسست أن هالة من الورود قد ملأت أرجاء الغرفة وقالت :
لأن الحب جعلني في يوم من الأيام سيدة الكون ..
لأنه ذات يوم أوصلني إلى جنة الأحلام .. التي لم أفكر أبداً في الوصول إليها ..
جعلني أنتشي كالسكارى ..
جعلني أهيم حباً بالحياة ..
جعلني أحس أن الكون أحل بملايين المرات من ذي قبل ..
جعلني أحس بمتعة تكاد تتفتق عنها روحي وجوانحي ..
جعلني أسعد مخلوقة على وجه الأرض ..
ثم صمتت .. وخبت الحياة تماماً في تلك البقعة من هذا الكوكب ..
وعادت نظراتها أكثر بؤساً ويأساً ..
تكفي لأن تقتلك .. بل لتحويلك تمثالا من الحجر الصلد .. تجعلك تحزن ألف مرة من شدة حزنها ..
وقالت : لكن الحب وإن لم يكتمل .. إن لم ينتهي بثوب الزفاف الأبيض ..
إن لم ينتهي بالنهابة الأزلية التي كتبها لها الشرع والإسلام والأعراف ..
أو حتى إن حال بين حدوث ذلك أي شيء ..صدقيني ..لن تجدي سوى الأحزان تستبيح أيامك ..
ستصيرين مثلي ..
لا كتب الله عليك موت حبيب .. ولا جعلك تشعرين بما أشعر به أنا ..
أعلم الآن أي حزن يتملكك .. هذا وأنت لم يمت حبيبك .. فكيف بي ..
من مات حبيبي .. هل تستطيع تخيل مقدار الألم ..
لا أظن ..
صمتت مدة طويلة قبل أن تقول : هل تعلمين ما جزاء من يسعى للحياة السعيدة ..
إن جزاؤه .. مثل جزاء أمجد ..
أن تتركي أحلى أوقاتك وأسعد لحظات شبابك .. لتعتكفي في غرفتك كأنك لا تعرفين في الدنيا سوى مابين يديك ..
رغم أنك تكرهينه .. رغم أنك تحقدين على الذي طالبوا بتعليم مالا فائدة منه سوى الحشو الفارغ ..
ورغم كل هذا .. تقرأين كلامه وتحفظينه ..
بل توبخين نفسك إن لم تتذكري كلماته الخرقاء
سوف ...
ثم أخذت ميادة تكح في عنف .. فوضعت كفها على فمها .. حتى ظننت أنها ستموت ..
ارتعدت من رأسي لأخمص قدمي ..
قلت لها وأنا أقوم : سوف أذهب لأنادي لك والدتك ..
فأمسكت بيدي وأوقفتني .. وقالت : لا عليك .. إن هذا يحدث كثيراً ..
وأنا أتناول العلاج لهذا ..
ثم قامت وقالت : آسفة .. لقد نسيت أن آخذ دواء القلب ..
ذهبت إلى منضدتها وتناولت بعض الأقراص .. وشربت قليلاً من الماء ..
ثم اقتربت مني وجلست وقالت :
أشكرك من أعماق قلبي ..
أشكرك كثيراً .. فما من أحد فعل لي مثلما فعلت ..
ما من أحد استمع لي .. وتحملني .. ما من أحد حمل معي الهم إلا أنت ..
شكراً جزيلاً ..
شكراً ..
وبعدها خرجت من مقبرة ستدفن فيها ميادة بالتأكيد .. ولا أعتقد أنها بعد مدة طويلة ..


درة الاحساء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-03-13, 02:51 PM   #6

درة الاحساء

نجم روايتي ومشرفة سابقةومصممه

 
الصورة الرمزية درة الاحساء

? العضوٌ??? » 213582
?  التسِجيلٌ » Dec 2011
? مشَارَ?اتْي » 6,499
?  نُقآطِيْ » درة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond repute
افتراضي



( الجزء الرابع)




مضت الآن فترة طويلة على وفاة أمجد ..
صدقوني أنها لم تتعد شهراً ونصف ..
ولكني أحس بها أكثر من سنين ..
صدقوا أن الوقت لدي أسوأ من أن يحتمل ..
لازلت لا أنسى نظرات أبي أمجد في العزاء ..
نظرات تقول لي أرجوك دلني على طريقة أرجع بها أمجد بأي طريقة .. بكل ما أمتلك حتى حياتي ..
أما أختي فقد قابلت والدته .. والدته التي أصابتها صدمة أقعدتها في المستشفي يومين ..
أمجد .. أين أنت يا صاحبي العزيز ؟؟
كنت أتضايق كثيراً من نصائحك التي كنت أحس أنك بها وصي علي ..
كنت لا أحبذها ..
تعال الآن وقل ما تشاء .. صدقني أني مستعد أن أكون منصتاً .. صدقني أني مستعد لأن أنصت لكل كلامك ..
فقط عد .
هل أخبركم عما حصل قبل أسبوع ؟؟
لقد اتصلت ميادة بأختي ..
وطلبت منها أنه إن كان بالإمكان أن تحضر لها حقيبة أمجد الخاصة ..
التي سماها أمجد بالحقيبة الذهبية ..
هذه الحقيبة التي كلما جاءت مناسبة .. أخرج أمجد منها ورقة ألقاها على مسامع ميادة ..
كلمات أبت أن تكون من أحرف عادية .. من أن كون تراكيب طبيعية ..
هي الشيء الوحيد التي لم يرض أمجد أن يعطيه لميادة .. لأنه أراد أن يبقى لديه كلمات يهديها لها في الأوقات المميزة لتكتمل روعتها ..
وهي نفس الحقيبة التي أصريت أن آخذها من أمجد لتكون عندي أحفظها له ..
بعد أن عرفت أن أمجد لا يحبذ أن يعرف أهله بما يكتب لميادة ابنة عمته من إعجاب يعرفه الكثير من أفراد العائلة .. حتى صاروا يقولون دوماً .. أمجد لميادة .. وميادة لأمجد ..
وأنا منذ أعطاني إياها .. قبل أربعة أشهر .. لم أفتحها أبداً..
والآن وبعد موت أمجد بقيت ميادة هي الوحيدة التي لها كل الحق أن تأخذ الحقيبة ..
ذهبت إلى أختي .. وطلبت منها أن توصل الحقيبة لها ..
ترددت أختي .. بل رفضت .. وقالت :
يزيد .. أرجوك أعفني من هذه المسألة بالذات ..
بصراحة .. لم أعرف بم أرد عليها ..
فما حصل في اللقاء السابق أظنه أكثر من أن تتحمله ..
ولكني قلت في النهاية :
إنه أمر إنساني بحت .. وهو يعود أولاً وأخيراً إليك .. لكني أتمنى أن تسدي هذه الخدمة إلى ميادة .. أرجوك ..
ترددت أختي كثيراً قبل أن تقبل ..
ولما رجعت .. تركت لها القلم ليصف الذي حصل :
هاهو المنزل .. وإن بدا مضاءً من الخارج .. إلا أن الكآبة لا تريد أن تريح كاهل هذه القواعد الضخمة ..
دخلت من الباب .. فانبعث منه صرير . أحسست أنه لمقبرة فرعونية لم تُفتح من قرون ..
اجتزت الحديقة التي ذبلت أوراقها من قلة الاعتناء بها ..
لقد شاهدتها آخر مرة وقد شارفت على الموت .. أما هي الآن فقد لقيت مصرعها ..
صعدت درج المنزل .. ثم طرقت الباب .. وبعد دقائق .. بدت أياماً .. فُتح الباب لي ببطء ..
ومن خلفه ظهر نصف وجه .. ثم فتح الباب كله ..
ولقد كانت ميادة ..
ولكنها كانت في أسوأ حال ..
أين ذهبت ملامحها ؟؟
إن هذه الفتاة غير حية بالتأكيد ..
بل إننا لو بالغنا لقلنا شبه حية ..
لقد نحلت جداً .. وبرزت عظام وجنتيها .. وحلق السواد بعينيها ..
وتطاير شعرها مشعثاً ..
نظرت لها برهة .. ثم أغلق أنا عيناي في ألم .. ولا أدري لم لكن ..امتلأت بالدموع ..
فأمسكت يدها .. وقلت لها : ارحمي نفسك .. هذا لا يجوز ..
فكادت الفتاة المسكينة تسقط بين يدي ..
فأخذتها .. وكنت قد عرفت أين غرفتها فذهبت بها إليها ..
ودخلتها .. ولم أزل أكاد أحملها .. حتى أجلستها على الكرسي .. ثم أخذت طرحتي ..
وأخذت أروح لها بها .. فقد تسارعت أنفاسها ..
إنها هالكة لا محالة .. بل إنها ستموت بين يدي ..
كله من يزيد .. سامحك الله ..
استعادت وعيها .. ثم قالت بابتسامة .. بشفاه .. لم يبق منها إلا اسمها :
كيف حالك ؟
أتمنى أن تكوني بصحة جيدة ..
قلت وأنا أجلس.. وقد روعني خاطرٌ بأن يحصل لها شيء بين يدي : بخير والحمد لله ..
انتظرت برهة .. ثم قالت :
هل جلبت الحقيبة معك ؟
قلت : نعم .. لقد تركتها عند الباب عندما أسندتك ..
هنا قامت ميادة بكل ما بقي لها من قوة .. وذهبت لإحضار الحقيبة ..
جلست أتطلع في الغرفة في استغراب ..
لقد قلبت هذه الفتاة هذه الغرفة إلى صومعة حقيقية .. لقد اعتقدت أن الفتاة تهذر في المرة الفائتة ..
فهاهنا سجادة .. المسبحة ملقاة عليها في إهمال .. والقرآن موضوع على حامل ..
ولم تزد الغرفة إلا على سرير أبيض .. ومكتب ملقى عليه بعض الكتب الدينية ..
وبعض الأشرطة الملقاة في إهمال للشيخ هاني الرفاعي ..
وبعد قليل جاءت ميادة .. وهي تحمل الحقيبة ..
وقالت : أنا آسفة أني تركتك .. فعندما تذكرت الحقيبة .. لم أرى في الوجود سواها ..
فهي الشيء الأخير الذي بقي لي من ..من أمجد ..
لقد ارتجفت شفتاها حين نطقت أمجد ..
وضعت الحقيبة بيني وبينها .. ثم أطالت النظر فيها ..ثم قالت في حماس .. كطفل وجد حلوته المفضلة : أتريدين أن تفتحيها معي ؟
لا بأس أن تري ما فيها ..
وفي الحقيقة .. لقد كدت أنا ( رواية ) أن أفتح الحقيبة لأرى ما بداخلها .. فلقد أثارت فضولي كله ..
اقتربت يداها في حذر .. وفتحت الحقيبة ببطء ..
ومع فتح الحقيبة .. انفتح معها جرح دامي بقلب ميادة التي لا أعتقد أنه يحتمل أكثر ..
وانطلقت تنهيدة .. بل هي آهة ألم تكاد تخرق الآذان بعد أن تخترق القلوب ..
وفتحت الحقيبة على مصراعيها ..
ويا الله ..
أوراق.. حمراء .. ووردية .. وصفراء ..
ظروف .. ورسائل .. قلوب صغيرة ..
دفاتر كثيرة ..
قطعة منديل مكتوب عليها بعض كلمات الحب ..
أقلام ..
وهنا امتلأت عيني ميادة بالدموع .. وراحت تسقط .. كأنها أحماض من الكبريت ..
دموع بلا صوت .. دموع .. بتنهيدات أشبه بزلزال أخذت تدك الأرض دكاً ..
أخذت تلمس الأوراق كأنها تخشى أن تخدشها بأنامل كانت ذات يوم أشد رقة من الورد ..
أخذت تمرر أصابعها بين أطراف الأوراق .. والدموع تمطر.. لتصنع خطاً مائياً متصلاً..
دموع هي أشد سخونة من حرارة شمس مكة وقت الظهيرة في الصيف ..
رفعت ورقة بيضاء إلى عينيها .. منقوش عليها خطوط رفيعة بقلم وردي .. ثم قالت :
هذه أول رسالة أبعث بها إليه ..
ثم أخذت الورقة .. وضمتها إلى صدرها وأغمضت عينيها بقوة كأنها تعصرها لتنزل الدموع حراقة ..
أأقول لها هوني عليك ؟؟
لا أعتقد أن أي كلمة يمكن أن تفر من فمي ..
فمع هذا المنظر لا أستطيع إلا أن ألوذ بالصمت .. مسحت دموعها ..
ثم أخذت تبحث هنا وهناك .. وأخذت تضع الأوراق على سريرها بحرص شديد .. وأخذت تقلب الأوراق ..
ثم قالت بخفوت : ما فائدتها ؟؟ لقد مات أمجد .. وماتت كلماته معه ..
مات كل إحساس صادق معه .. لم يعد يفيد ..
قلت بعد صمت .. وتردد جم : هل .. هل تسمحين أن أرى الأوراق ؟
فلقد كنت أود ذلك بشدة ..
نظرت في طويلاً ..فأصابني حرج شديد ..وقلت : عذراً أنا آسفة ..لم أكن ..
قاطعتني وقالت بابتسامة مريرة : لو كان أمجد حياً .. لغرت أن تمس أناملك هذه الأوراق التي مسها بيديه ..ولكنه ..
وأغمضت عيناها بقوة هائلة وهي تقبض يدها : منهم لله .. منهم لله ..
ثم قالت بعد أن فتحت عيناها :
سأذهب لأحضر لك شيئاً .. أنا آسفة لقد انشغلت بالأوراق عن ضيافتك ..
لحظات وآتي .. وقامت ..
ثم نظرت في الأوراق في لا مبالاة ..
واقرأي كما تريدين .. الحقيبة بين يديك ..
ذهبت وأغلقت الباب بهدوء .. ينم أنها حتى لم تعد تهتم ..
لم تعد تبالي بما يحدث .. لم تعد تعير كل هذا أي اهتمام ..
أخذت أنظر إلى الأوراق .. أيها أقرأ ..إنها صفائح من عالم حب رائع ..
ولست أنكر أني أحسست برعشة ورجفة لما لمست إحدى تلك الأوراق .. أحسست أن تياراً محدوداً قد سرى بجسمي للحظات ..
وجلست أقرأ..
إنها كلمات صادقة .. أحاسيس صافية .. خالية من الشوائب .. تسير في الأسطر كالأنهار الهادئة ..
إنها كلمات من قلب حانٍ .. من قلب صادق ..
هذه الورقة .. كانت ستهدى لميادة العيد القادم ؟؟
ميدالية مكتوب فيها اسمه واسمها ..
وهذا .. علية مخملية صغيرة ..
فتحتها .. يا الله .. خاتم رائع من الذهب الأبيض ..جميل أيما جمال ..
أعتقد أن هذا الخاتم هدية قريبة ..
ولكن يا للأسف .. أشياء كثيرة في هذه الحقيبة .. إنها تحمل أكبر من حجمها ..
تحمل حباً جنونيا .. تحمل شوقاً ملتهباً .. غراماُ صُرع قبل فرحته الكبرى بالزواج ..
بعدها بلحظات .. قدمت ميادة ..
وكانت هذه المرة نظرتي لها غير ..
فلقد حزنت عليها قبل ذلك لحالها ..
أما الآن فأنا حزينة لأنها فقدت بالفعل محباً مخلصاً .. عاش حياته كلها على أمل هي عنوانه .. ميادة ..
عرفت بالفعل أي حزن يتجسد في نظراتها .. وأي فاجعة قد حلت بها ..
من كان لها حبيب كأمجد .. حُق لها أن تبكي طويلاً وكثيراً ..
تخيل فعلاً أن هناك من يكن لك كل هذا الحب ..
بكل فصوله ومشاعره الفياضة ..
تخيل كل الرسائل التي تصل إليك .. وكل الجنون والهوس بك ..
ثم وفي لحظة يفارق الحياة ..
يفارق الحياة من كنت أنت حياته كلها .. وربيع أيامه ..
يفارق الحياة من كنت حياته ..
بل هو إن دققنا .. فارقك أنت .. ولم يهتم إن فارق الحياة ..
وضعت ميادة كأس العصير على الطاولة وجلست ..
نظرت في عينيها كثيراً ثم تنهدت ..
ثم قالت : هل يمكنني أن أتكلم معك عن أمجد ..
إني ..إني أريد أن أخبر كل الناس عنه ..
فأومأت موافقة ..
فقالت : أمجد .. واحر قلباه عليك ..
أمجد .. سار في مسار شيطاني ..
أمجد واحد من الذين لم يرض أن يتنازل عن مبادئه ..
واحد من الذين ينعتونهم الناس بالسذج ..الذين يتخيلون أن الحياة تسير في صالح الفضيلة والأخلاق ..
ربما كان هذا عيباً عند كل الناس ..
ربما قال البعض أن هذا سبب عقدته ..وهذا سبب موته ..
لكن ما أحقر الإنسان الذي يدوس على كرامته من أجل أن يسير حياته ..
ما أوضع الإنسان الذي تخلى عن مبادئه .. متملقاً بذلك الكبير والصغير .. من أجل فتات ..
ثم أخذت تضحك بمرارة شديدة وقالت : لقد مات على كل حال .. إن لم يمت كمداً .. مات قتلاً ..مات ..
ثم التفتت لي بعنف وأمسكت يدي بقوة وقالت :
هل جربت الحب يوماً ؟؟
ارتبكت من مبادرتها السريعة وقلت :
في الواقع .. لم أجرب .. ولكن ...
قاطعتني قائلة : إذا فلا تجربيه أبداً .. ولا تفكري في ذلك ..
فقلت بصوت لا يكاد يسمع : لماذا؟
قالت وهي تنظر إلى الأعلى .. بنظرة لم أصدق يوماً أن أراها في عينيها أبداً ..
نظرة أعادت فيها الحياة لوجهها ..
نظرت أحيت فيها إنسانيتها الميتة ..
حتى أحسست أن هالة من الورود قد ملأت أرجاء الغرفة وقالت :
لأن الحب جعلني في يوم من الأيام سيدة الكون ..
لأنه ذات يوم أوصلني إلى جنة الأحلام .. التي لم أفكر أبداً في الوصول إليها ..
جعلني أنتشي كالسكارى ..
جعلني أهيم حباً بالحياة ..
جعلني أحس أن الكون أحل بملايين المرات من ذي قبل ..
جعلني أحس بمتعة تكاد تتفتق عنها روحي وجوانحي ..
جعلني أسعد مخلوقة على وجه الأرض ..
ثم صمتت .. وخبت الحياة تماماً في تلك البقعة من هذا الكوكب ..
وعادت نظراتها أكثر بؤساً ويأساً ..
تكفي لأن تقتلك .. بل لتحويلك تمثالا من الحجر الصلد .. تجعلك تحزن ألف مرة من شدة حزنها ..
وقالت :
لكن الحب وإن لم يكتمل .. إن لم ينتهي بثوب الزفاف الأبيض ..
إن لم ينتهي بالنهابة الأزلية التي كتبها لها الشرع والإسلام والأعراف ..
أو حتى إن حال بين حدوث ذلك أي شيء ..صدقيني ..لن تجدي سوى الأحزان تستبيح أيامك ..
ستصيرين مثلي ..
لا كتب الله عليك موت حبيب .. ولا جعلك تشعرين بما أشعر به أنا ..
أعلم الآن أي حزن يتملكك .. هذا وأنت لم يمت حبيبك .. فكيف بي ..من مات حبيبي .. هل تستطيع تخيل مقدار الألم ..
لا أظن ..
صمتت مدة طويلة قبل أن تقول : هل تعلمين ما جزاء من يسعى للحياة السعيدة ..
إن جزاؤه .. مثل جزاء أمجد ..
أن تتركي أحلى أوقاتك وأسعد لحظات شبابك .. لتعتكفي في غرفتك كأنك لا تعرفين في الدنيا سوى مابين يديك ..
رغم أنك تكرهينه .. رغم أنك تحقدين على الذي طالبوا بتعليم مالا فائدة منه سوى الحشو الفارغ ..
ورغم كل هذا .. تقرأين كلامه وتحفظينه ..
بل توبخين نفسك إن لم تتذكري كلماته الخرقاء
سوف ...
ثم أخذت ميادة تكح في عنف .. فوضعت كفها على فمها .. حتى ظننت أنها ستموت ..
ارتعدت من رأسي لأخمص قدمي ..
قلت لها وأنا أقوم : سوف أذهب لأنادي لك والدتك ..
فأمسكت بيدي وأوقفتني .. وقالت : لا عليك .. إن هذا يحدث كثيراً ..
وأنا أتناول العلاج لهذا ..
ثم قامت وقالت : آسفة .. لقد نسيت أن آخذ دواء القلب ..
ذهبت إلى منضدتها وتناولت بعض الأقراص .. وشربت قليلاً من الماء ..
ثم اقتربت مني وجلست وقالت :
أشكرك من أعماق قلبي ..
أشكرك كثيراً .. فما من أحد فعل لي مثلما فعلت ..
ما من أحد استمع لي .. وتحملني .. ما من أحد حمل معي الهم إلا أنت ..
شكراً جزيلاً ..
شكراً ..
وبعدها خرجت من مقبرة ستدفن فيها ميادة بالتأكيد .. ولا أعتقد أنها بعد مدة طويلة ..



------------------

( الجزء الخامس )


لعلي لا أجد مكاناً أفضل من الأوراق .. لأصب فيها صهارة قلبي المشبعة بالأبخرة السوداء ..
لعلي لا أجد إلا الكتابة سبيلاً وحيداً كي تخرج من جسدي المشحون كل هذه الأحاسيس والمرارات ..والآلام والأفكار..
فأنا كل يوم أتذكر أمجد ..كل يوم أعيد على عقلي قصته بكل حذافيرها
كأنها فلم سينمائي .. حاز من عقلي على كل جوائز الأوسكار للتراجيديا ..
إنها مأساة .. مأساة مشاعر ..مأساة شباب قد ضاع ..
بل مأساة أجيال تضيع .. مأساة مسئولين غير مسئولين ..
مأساة الحياة الغابرة القادمة ..
مأساة المستقبل الذي وضعه ماضيه في نعش قبل أن يولد ..
لن أتحدث عما لم تره عيناي ..فأختي هي التي سمعت ورأت بأم عينيها ..
هي التي كانت قرب ميادة .. هي التي كانت في قرب الموت متجسداً في إنسانة ..ما بقي منها إلا هيكلها الدعامي ..
أنا (راوية ) أخت يزيد ..
أنا .. ماذا يمكن أن أقول عما أصابني ؟؟
ماذا أقول وبأي وجه أخبركم عن المأساة والكارثة الإنسانية ..
وفي الوقت الذي تزامن مع الضربة الموجة لأمريكا ..
لم يهتم من عرف بقصة أمجد وميادة بأمرهم .. ولكن راح يتعلق بالأخبار التي تملأ شاشات التلفاز ..
و الجرائد البلهاء .. وسخافات المحللين السياسيين ..
أو من يسمون أنفسهم محللين .. وهم في الأساس أبر ع من باع الكلام ..
أما أنا فقد كنت عندها قبل أربعة أيام..فبعد آخر لقاء لي بها .. لم أستطع أن أمسح صورتها من بؤبؤ عيني .. لم أستطع أن أنساها.. تلك المسكينة ..
فكرت البارحة في زيارتها ..فاتصلت على والدتها ..
التي لم تسأل حتى : لم أهتم أنا لأمر ميادة وأهتم رغم أني لا أعرفها ..
فقلت لها : هل يمكنني يا خالة أن أزور ميادة ؟
فقالت : يا بنيتي لا تتعبي نفسك ..
فقلت : أتمنى يا خالتي ألا ترفضي لي رجائي ..
فقالت : كما ترغبين .. تفضلي في أي وقت تشائين ..
وذهبت لها .. وأوصلني يزيد بسيارته .. وحاولت أن أضفي على نفسي جواً من المرح ..
لكني لم أستطع أن أتفوه بأي كلمة ..قلت له أني سوف اتصل به ليأخذني ..
دخلت من الباب .. التي تحول إلى بوابة لبيت الوحوش كما في الأفلام المرعبة ..بذلك السواد القاتم ..
خطوت على الأرض .. فاحتكت قدماي بالتراب .. بذلك الصوت الذي ينم عن إهمال في النظافة ..
نظرت إلى ذلك المنزل .. ولم أرى سوى غرفة واحدة مضاءة ..
الظلام يغلف البيت في حزن عميق ..كأنه قد أحس بالكارثة التي أصابت ساكنيه ..




درة الاحساء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-03-13, 02:52 PM   #7

درة الاحساء

نجم روايتي ومشرفة سابقةومصممه

 
الصورة الرمزية درة الاحساء

? العضوٌ??? » 213582
?  التسِجيلٌ » Dec 2011
? مشَارَ?اتْي » 6,499
?  نُقآطِيْ » درة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond repute
افتراضي


الأغصان التي ماتت أوراقها .. والتي قد شاهدتها آخر مرة .. قد زالت .. ولم يبق سوى التراب ..
كأنها صحراء قاحلة جرباء ..
جفت من أي معنىً للحياة .. جفت من أي قطرة ماء .. حتى بدت التشققات واضحة جلية ..
صعدت الدرج ودققت الجرس ..كأنه ناقوس يدق في مآتم المسيحيين ..
دق قلبي بعنف .. فها أنا ذا مرة أخرى سأقابل أتعس مخلوقة في تاريخ الأرض ..ميادة ..
بعد لحظات .. فُتح الباب .. وظهر على عتبته .. والدة ميادة ..
قبلتها .. ثم دعتني للدخول ..
دخلت معها .. فقالت : انتظري لأنادي لك ميادة .. فأنا لم أخبرها أنك قادمة ..
صمتت قليلاً قبل أن أقول :
خالتي هل يمكن أن أتحدث معك قليلاً ؟؟
نظرت إلي وقالت : بالطبع .. تفضلي بالجلوس ..
فجلست .. ثم جاءت الخادمة بعدها بقليل وأحضرت كوباً من العصير ..
نظرت إلي وكأنها تقول : ماذا تريدين أن تقولي؟
فقلت بارتباك : كيف حال ميادة الآن ؟؟
صمتت ثم قالت : إنها تنتظر ..
فقلت : تنتظر ماذا ؟؟
قالت بحسرة تملأ القلب : تنتظر أن تذهب إلى أمجد ..
ارتبكت أكثر .. فتنحنحت وقلت :
ألم تعرضوها على طبيب أو قارئ ؟؟
فقالت : الكثير جداً يا ابنتي ..
الطبيب قال : إنها صدمة عصبية حادة .. وطلب منا أن نغير مكان إقامتنا ..
وهو الأمر الذي يعمل عليه أبو ميادة ..
وحتى القراء ..لكن دون جدوى ..
وإن كانت قد أظهر تحسناً ملحوظاً ..
تأتي وتذكر الله .. وتستغفر وتحتسب .. لكنها ما إن تلبث تذكر أمجد .. فتعود لحالتها ..
كأنها لم تسمع شيئاً ..
قسماً يا ابنتي .. لو كنت أعلم أن كل هذا سوف يحدث ..
لكنت زوجته إياها وصرفت عليهما من دمي ..
أمجد كان شاباً طيباً .. ولكني وأبو ميادة .. قلنا له .. بأننا سنزوجها إياك حباً وكرامة ..
بعد أن تنتهي من السنة السادسة .. حتى يستطيع أن ينزلها في حياة كريمة ..
حتى أمه وأبوه يقولون هذا الكلام ..
ولم يعارض هو .. بل عمل بكل جهده .. حتى أتت هذه الفاجعة يا ابنتي ..
عندما مات .. لم تتكلم ليوم كامل ..
وعندما نطقت .. صرخت صرخة .. خرجت معها نياط قلبي .. وأفزعت روحي ..
أنت لم تعلمي بم حدث لها .. لقد أغمي عليها لثلاثة أيام متواصلة ..
وأبوها يتنقل بها من مستشفى إلى مستشفى..
وفي النهاية استيقظت لتبدأ نوبة بكاء لم تبكي عليها والدة أمجد مثلها ..
وما أوقفها من هذا إلا المهدئات والحقن ..
والله .. لم أستطع حتى أن أنهرها عن هذا كله ..
لقد بكيت من أجلها ..كأني قد فقدتها ..
فقد كانت على شفا اللحاق به ..
لم يستطع والدها أن يقول لها أن ما تفعله عيب .. ولا يصح ..
لأنه لم يتصور يوماً أن ميادة يمكن أن تصل لهذه الدرجة من التدهور ..
لعلها هي مرة واحدة حاولت أن أفعل ..
إني لا أستطيع أن أنسى تلك النظرات التي انبعثت من عينيها .. كأنها من قلب البرزخ ..
وهي تقول : لقد ضاع .. ضاع ..ذهب ولن يعود ..ذهب ..
ونزلت بعدها في بكاء حاد ..
أنت لم تري عينيها ..لم تريها تذبل يوماً بعد يوم ..
كل يوم تظهر ملامح في وجهها أخذ تغيرها شيئاً فشيئاً ..
حتى لم نكد نعرف .. هل هي ابنتنا أم لا ..
لم تري الحمى التي لازمتها أياماً ولياليٍ ..
لم تري حالات الهذيان ..
لم تري .. ولم تحسي أن ابنتك تموت كل يوم آلاف المرات ..تتجرع فيه كل آلام الموت ..
فلا هي تعيش ..
ولا هي تموت ..
كل يوم تنتظر يوماً آخر من سكرات الموت ..
يا ابنتي .. إن كل ما أتمناه .. وأدعوه في صلاتي .. أن تعيش ميادة ..
وأغروقت عيناها بالدموع ..
كان منظراً لا يسر أحداً ..
امرأة في مثل سنها تبكي.. وتمسح دموعها..
وصوتها الذي بدأ يرتعش .. صوتها الذي اختلطت معه التشنجات ..
لم أعرف ما أقول ..
ولكني أطرقت .. ووجهت بصري إلى كفاي ..
مسحت أم ميادة دموعها .. وصمتت قليلاً .. ثم قالت :
سأنادي لك ميادة حالاً ..
وبقيت وحدي في الصالة بعد ذهابها ..
صحيح أن الأنوار كلها مضاءة .. والألوان زاهية في أنحاء الصالة ..
وليست كالأفلام الرخيصة .. التي تخبو فيها الأنوار حتى تشعرك بالحزن ..
حتى رائحة العطر .. تعبق في الجو ..
إلا أني أحسست أني في عالم آخر ..
فكأنما هذه الأنوار لا تبدد الظلمة التي تكسو الملامح ..
ذلك الثوب الأسود الذي يطغى على الأحاسيس ..
تلك التقاسيم التي لا تعكس سوى حالة البؤس في أعلى درجاته ..
وكأنما رائحة العطر .. هي رائحة الكافور الذي يكفن به الموتى ..
تنهدت بعنف وأنا أتذكر كلام أخي يزيد ..
"نحن مطالبون في كلية الطب بالتفوق في كل شيء .. حتى فيما نكره ..
وأن نتعلم ونتحدث ونحفظ ونكتب بغير أن نفهم أو نقتنع ..
أحياناً كلاماً خطأً ً .. وأحياناً غير مفهوم ..
المهم أنه يؤدى ..
وعندما ينتهي الاختبار .. نسحقه .. ونلقيه في أقرب حاوية قذرة للمهملات ..
لنحصل بد هذا كله .. على ما يحسن به الدكاترة إلينا ..
بنظرات المن تلك ..
وعلامات الاستكبار والازدراء..
بأننا مجرد طلاب بلهاء .. لا نعلم ما يعلمه هؤلاء ..
صحيح أن هذا لا ينطبق على الكل ..
لكن يكفيك .. نظرات الإذلال تلك.. لتطغى على جميع الحواس الأخرى .. وعلى كل مشاعرك ..
حتى إن كنت حيواناً.."
وبعدها بقليل جاءت ميادة ..
جاءت بمفاجأة .. سقط لها قلبي .. وارتعشت لها مفاصلي ..
وأصابتني بقشعريرة باردة كالجليد ..
حتى أنني لم أستطع أن أقوم من مقعدي ..
فقد جاءت ..
جاءت على كرسي متحرك ..
تجمدت ملامحي .. وتصلبت أطرافي .. وأصبحت عيناي .. كرتان زجاجيتان ..
تكاد تخرج من محجريهما ..
ثم .. سكبت عيناي دموعاً صادقة ..
وتقدمت لها في تؤدة .. وصافحتها بيد مرتجفة ..
ثم جلست على ركبتاي .. أنظر لها ..
فلم أستطع أن أتحمل أكثر من ذلك ..
فاحتضنتها .. وتركت نفسي أبكي ..
أبكي عليها بكل حرقة ..
بكل عنف .. ومرت في بالي صور لها في كل مرة كنت قد قابلتها ..
إلى أن جاءت صورتها التي أراها بها الآن ..
فقالت ميادة بهدوء : لا عليك ..
مسحتُ دموعي .. ثم أمسكت رأسها .. وقبلت جبينها .. الذي نبتت فيه الشعيرات البيضاء ..
وكأنها امرأة في الستين من عمرها ..
بنت .. قد شابت قبل أن يكتمل شبابها ..
فتاة عجوز .. مع أنها بكر .. لم تبلغ حتى العشرين من عمرها ..
قفزت فجأة .. قفزةً مذهلة .. ومرة واحدة .. أربعين سنة عمراً وروحاً..
والسبب كلية طب أمجد..
أقصد المتوفى أمجد ..
لعلي لو كنت مسئولة .. في يدي القدرة على أن أقرر قراراً واحداً ..
لكان أن ألغي نظام الدراسة الجامعية من كوكب الأرض ..
وأعلم أنه قرار غير صائب على الإطلاق ..
لكن هذه الفاجعة الإنسانية .. هي منافية بالتأكيد لكل القوانين .. ابتداءً بالدينية ..
وانتهاءً بأعراف الأحياء الشعبية النائية ..
إنها كارثة بشرية .. وهذه حادثة واحدة فقط .. وإني أعلم أن هناك آلاف القصص ..
تخر لها طيور السماء ..
وتئن لها بحار الأرض ..
قالت ميادة : كيف حالك ؟؟ إن شاء الله بخير ..
تجمدت الكلمات في فمي .. ولم أعرف بم أنطق .. ففي حلقي غصة رهيبة ..
وفي صدري بركان دموع يريد أن يزف حممه على خدي ..
ولكني اغتصبت كلمات معدودات : ماذا حدث لك ؟
فقالت بابتسامة تنم عن عدم المبالاة : لا عليك .. أنا على الأقل لم أمت ..
بل هي بسبب قلبي وضغطي المرتفع .. نصحني الطبيب أن لا أبذل أي جهد ..
ثم قالت : هل لك أن تدفعي لي الكرسي إلى غرفتي كي نتحدث ؟.. فأنا أحب الحديث معك كثيراً ..
انتظرت برهة قبل أن أنفض عني كل مشاعر الحزن والشفقة ..
ودفعتها إلى غرفتها ..
أغلقت الباب .. وجلست على كرسي بجوار ميادة .. التي قالت :
كيف حالك ؟
فلم أرد .. فقالت : ما بك ؟
قلت بعد صمت .. وصوت الحقد في كلماتي يكاد يجعلها تخرج أحرفاً بارزة : لعن الله كلية الطب ..
نظرت في ميادة لحظة قبل أن تمتليء عيناها _ التي كان لها اسم العينان _ بمياه مالحة ..
مليئة بالمرارة .. مليئة بالملوحة .. مليئة بالحزن ..
ثم تنهدت تنهيدة طويلة وقالت : آمين ..
نظرت لي بابتسامة حاولت أن تجعلها عذبة : هل تعلمين .. لقد بعثت مقالاً لجريدة عكاظ ..
ثم ضحكت بسخرية وقالت : ولكني لا أعتقد أنهم يجرؤون على نشره أبداً
قلت هلا : ولماذا ؟
هل امتلأت بألفاظ جارحة .. وسباب ؟؟
قالت بسرعة : لا ..
قالت بتنهيدة : لقد علمني أمجد .. ألا أسب أحداً أبداً مهما حصل ..
علمني أن أعذر وأسامح ..
علمني كيف أحب .. وأنساني كيف أكره ..
ولكنهم .. ولكنهم قتلوه ..
أغمضت عيناها .. وكأنها تحفظ دموعها هناك وإلى الأبد .. قلت لها : وأين المقال ؟؟
فقالت : هل تريدين قراءته حقاً ؟
قلت لها : إن لم يكن هذا ليضايقك .. لأني سأحاول بطريقتي أن أنشره ..
فقالت : ليس هذا ما أقصده .. لأنني فعلاً أخشى عليك ..
فقلت بتساؤل : ومم؟
قالت بهدوء : لأنك بعد قراءته ستكتئبين .. وتصابين بالإحباط..
قلت : ولمه ؟
قالت : لأنها رسالة من قلب فتاة .. رسالة من قلبي .. وهي رسالة لا يحس بها إلا إنسان ..
وإني حين أنشر مقالتي .. لن يحس بها من أخاطبهم .. لأنهم ليسوا بشراً من لحم ودم ..
لا روح لديهم ولا رحمة ..
بل يحس بها فقط الآدميون ..
وأنا أعلم أن لك قلباً وستألمين ..
ولكنها قالت كأنها تمسح كل كلامها السابق :
افتحي درجي .. ستجدين فيها كتاباً أحمراً .. بداخله المقال ..
أما أنا فسأذهب .. لآخذ الدواء ..
فشرعت أساعدها في دفع كرسيها ..
فقالت : لا عليك ستأتي الخادمة وتساعدني .. ثم أخذت تنادي على خادمتها ..
و بعد لحظات .. وخرجت من الغرفة ..
توجهت إلى مكتبها .. وفتحت درجها .. فرأيت الكتاب الأحمر الذي يميل إلى السواد قليلاً ..
وهو في الواقع ليس كتاباً بل مجلد .. للمذكرات .. قلبت صفحاته ..
إلى أن وجدت بداخله تلك الأوراق ..
فتحتها وقرأت ..

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الدكتور / ع . ف وأمثاله من الدكاترة
أحرق الله قلبه .. وأسكنه جهنم مخلد فيها
وغضب الله عليه وأعد له عذاباً عظيماً
من ميادة ..
أبعث لك بمقال أنشره على الملأ ..
على مرأى آلاف البشر والشهود العيان .. أبعث لك بلا معروض .. وبرتوكولات فارغة ..
وأساليب فيها من النفاق والاستعطاف .. ما يثير الاشمئزاز ..
أبعث لك بكلام صادق .. ولا يهمني أبداً إن لم يعجبك .. أو لم يعجب أمثالك ..
ولا يهمني حتى إن نقدني ناقد أو حاقد أو منافق كذاب .. يجري ورائكم يجمع فتات أحذيتكم ..
فالكثيرون قد كتبوا عنك وعن أمثالك بكل احترام وتقدير ..
فما اهتميتم ولا أعرتموهم من وقتكم الفارغ الذي تجلسون فيه فوق أبراجكم العاجية ..
إلا الوقت الذي تسطرون فيه بإهمال ردوداً جوفاء .. في مجلس جامعي غير مبالي ..
إنك أيها الآدمي الضعيف مسئول أمام الله الجبار العزيز المنتقم ..
عن كل ما سيؤول إليه مصير الطلاب تحت يديك ..
كل مظلمة لدى طالب .. لم يسطع أن ينتزعها منك في هذه الحياة الفانية ..
سيجتزها من جسدك .. يوم تزل الأقدام .. يوم يشيب الولدان ..
وهناك لن يتركك أحد دون أن يجتث حقه منك ..
يقول صلى الله عليه وسلم ( في ما معنى حديثه ) :
(اللهم من ولي شيئاً على أمتي فشق عليهم .. اللهم فاشقق عليه )
وهذه دعوة من رسول رب العالمين
إني لست في هذا الخطاب استعطفك .. لست في هذه الأسطر إلا أذكرك .. أن مالك الذي تجمعه ..
سيسألك رب العزة كم أين اكتسبته ؟؟
فبم ستجيب ربك أيها العبد الفقير ؟؟
قل لي بربك : أما تخجل من نفسك .. كل يوم .. تزيد على من هم المفروض أبناؤك المتاعب ..
تأخذ أجراً دون مقابل .. دون أن تهتم بتعليمهم ..
طبعاً ما دامت الأموال تسخرها لشراء حاجياتك ..
جرب أن تسأل الناس يوماً ما رأيهم فيك ؟؟ رأيهم الحقيقي .. الموجود في قلوبهم ..
حينها ستعرف قدرك ..
أيها التافه .. إن المهنة التي أنت ملزم بها .. لا بد يوماً أن تلفظك يوماً .. لأنها تتقزز منك ..مهنة إنسانية .. ولكنك لست من بني البشر .. بل لست من المخلوقات الحية التي أودع الله فيها القلب ..
وبعدها لن يكون لك منصب تحتمي به .. ستشاهد الوجوه الحقيقة .. التي غطيتها أنت بتلك الأقنعة الباسمة .. التي تخفي ورائها حقداً دفيناً ..
وكرهاً من الأعماق .. وأمنية عاجلة لك بالمرض .. وتمتمة تدعو لك بالموت ..
ماذا ؟؟ هل تريد أن أزيد ؟؟ هل تريدني أن أفرغ شحنة الحقد في بقية السطور .. أنا مستعدة ..
إذن اسمع أيها المختبيء خلف مركزك .. وتحت سلطتك ..
اسمع صوتاً يهتف بالحق ليخرق أذنك الصماء .. فصدقني لن تحميك جدرانك المجوفة من دعوات طلابك .. التي لا أعتقد أنها تنقطع إلا نادراً..
وقرب أذنيك مني .. فلسوف أخاطبك بلهجة أقسى من كل الذي قلته سابقاً ..
فأنا سأدعو عليك من قلب المظلوم الذي لا ترد له دعوة ..
أحرق الله قلبك .. وحرمك متعة حياتك .. وأزال عنك نعمة البصر ..
أفقدك الله عافيتك .. وجعلك تلهث مثل الشحاذين بفقر مدقع .. لا تجد ما يسد رمقك من الجوع ..
اللهم شل عليه أركانه الأربعة .. اللهم انسف له كل ما يملك من مال وجاه وسلطان ..
وصدقني أيها الضعيف أمام جبروت العزيز .. لربما لم أدع على يهودي هكذا ..
فأنت قد كنت سبباً في وهن عافيتي ودمرت علي حياتي ..
منك لله يا ظالم ..
منك لله يا ظالم
منك لله
طويت الخطاب .. وأمسكت فيه بيدي طويلاً .. ابتسمت ابتسامة ساخرة ..
إن ما كتبته هذه الفتاة .. لا يمكن أن ينشر في أي مكان ..
ولا يمكن أن ينشره شخص مهما بلغ من جرأة ..
أخذت الورقة ثم وضعتها في وسط المجلد .. وأغلقته ..
انتظرت للحظات .. بعدها أتت ميادة .. وقالت بابتسامة تخفي ورائها صومعة الحزن الأزلية :
ما رأيك جنون .. أليس كذلك ؟؟
لكنه ما عاد يهم .. إن نشر أو لم ينشر ..
وصدقيني لربما إن قابلت هذا الدكتور فلن أقول له شيئاً ..
فحتى لو قتلته .. فهل سيعيد ذلك لي أمجد ؟؟
قولي لي ..
إن أنت ضمنت لي ذلك .. سيكون هذا تاريخ مولدي الجديد .. وشطبٌ لشهادة وفاتي ..
أمجد .. آه يا أمجد ..
لقد ضعت .. لقد رحلت وتركتني ..
ثم تراخت قواها .. وتركت رأسها بتيه في الهم ..
لم أعرف ماذا أقول لها .. سوى أني خرجت .. فلم أستطع مرة أخرى أن أتحمل كل هذا القدر من المشاعر ..
ولربما لن تصدقوا إن قلت لكم .. لم يمضي أكثر من يومين على هذه المقابلة حين وصلني الخبر الذي كنت أنتظره ..
وصلني نعيها ..
نعي فتاة أحبت حباً صادقاً من قلبها ..
وطبعاً لن تستطيع الكلمات أن تصف ما حصل لي عندما ذهبت لأعزي أهلها ..والدتها التي لم تتوقف الدموع عن تقبيل خديها ..
وتلك الرجفة التي أصابت يدها ..
أما أم أمجد .. فقد تجمدت .. وصارت تمثالاً من الشمع ..
وعندما رأتني أم ميادة .. أسرعت إلي واحتضنتني بألم .. احتضانة أم فقدت ابنة في عمر الزهور ..
وصارت تصرخ .. ماتت حبيبتي ..
أحسست أني أختنق .. ولكني سلمت نفسي لها ..
فالموت كان أهون علي من أن أترك هذه المرأة المسكينة بهذه الحالة التي يُرثى لها ..
دون أن أقدم لها أطرافي لتضخ فيها دموعها ..
أنها قصة واقعية من قسوة الحياة .. خُتم على نهايتها .. وبارك على خاتمتها كلية الطب ودكتور متعجرف حقير..كلية صارت أكثر إيلاماً ورعباً من بيت الشيطان ..
كلما رأيت الجامعة أو سمعت عن كلية الطب من أخي .. تذكرت مأساة أمجد وميادة
.. وصدقوني .. لن يغدو أمجد وميادة سوى رقم في سجل الوفيات ..
لن يقال عنهم إلا .. مات شاب وفتاة ..
ولعلك أنت أيها القارئ تقول في نفسك ..
لم تكن أول فتاة تموت .. ولم يكن أول شاب يموت ..
لكنك لم تقدر حينها أن هذا كان شاباً صالحاً .. لم يكن عربيداً ولا سكيراً و لا زير نساء ..
في زمن ظهر فيه الفساد في البر والبحر ..
وأن هذه الفتاة .. كانت في يوم من أيام فتنة .. مليئة بالحيوية والسعادة ..
في طور تنتشي فيه أزهار الفل والياسمين ..
وأنها كانت صادقة .. ولم تكذب .. وفية لم تخن ..
لكني عزائي الوحيد أني سأدعو لهما عل الله يجمعهما في الجنة ..
إنها قصة بائسة .. لكنها معبرة عن واقع مؤلم .. لا يتغير مهما حصل ..
وإن كانت قصة أمجد وميادة لم تحرك في أجساد القائمين على مصير مستقبلنا من الدكاترة ..
فهو مؤشر ليس بالجديد .. على الاستمرار في الصعود نحو الهاوية ..
بل السباق في الوصول إليها ..
إنها قصة إنسانية .. تعطي درساً ساخناً للمسوخ البشرية .. الذين نسوا معنى الرحمة والإنسانية ..
قصة مشاعر وأحاسيس لفتاة أخلصت في حبها ..
فماتت.
تمت
د.خالد أبوالشامات






أنتهت روايـه أو مـآسـاة أمجد و ميادة
بصراحة أكبر مأساة لطلاب الطب
و مافي اللي يحس بحرقه ميـادة هم طلاب الطب فقط !!
قريت هذي الروايـه فوق المليون مرة و انا أبكي بحرقه
لأني درست الطب سنـه و طلعت بعد سنه و ماقدرت أكمل حلمي
و أبارك اللي وصلـوه المستوى الثالث و الخامس و ايضاً الأمتيـاز
و انتهت روايه أمجد و ميـادة
و راح أنزل لكم خـبير في البنـات



درة الاحساء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-03-22, 08:38 PM   #8

المهابة

? العضوٌ??? » 493835
?  التسِجيلٌ » Oct 2021
? مشَارَ?اتْي » 150
?  نُقآطِيْ » المهابة is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية


المهابة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
امجد ، ميادة، خالد ،ابوشامات

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:08 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.