آخر 10 مشاركات
هل يصفح القلب؟-قلوب شرقية(33)-[حصرياً]للكاتبة:: Asma Ahmed(كاملة)*مميزة* (الكاتـب : Asmaa Ahmad - )           »          ستظل .. عذرائي الأخيرة / للكاتبة ياسمين عادل ، مصرية (الكاتـب : لامارا - )           »          كوابيس قلـب وإرهاب حـب *مميزة و ومكتملة* (الكاتـب : دنيازادة - )           »          إلى مغتصبي...بعد التحية! *مميزة ومكتملة *(2) .. سلسلة بتائل مدنسة (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          على أوتار الماضي عُزف لحن شتاتي (الكاتـب : نبض اسوود - )           »          [تحميل]رواية قل متى ستحبني؟!!/ للكاتبة شيماءمحمد ShiMoOo، مصرية (الكاتـب : Just Faith - )           »          16- انت وحدك - ناتالى فوكس . حصريا" (الكاتـب : فرح - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          إمرأتي و البحر (1) "مميزة و مكتملة " .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          عروس راميريز(34)للكاتبة:Emma Darcy(الجزء الأول من سلسلة عرائس راميريز)*كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

Like Tree49Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-05-13, 06:04 PM   #1

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25 دمعات قلب / للكاتبة رباب فؤاد ، فصحى مكتملة






بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نقدم لكم رواية باللغة العربية الفصحى بعنوان

دمعات قلب

للكاتبة / رباب فؤاد



إهداء من الكاتبة
إلى البطلة التي لا أعرف اسمها...
إلى المرأة التي طالما عانت في حياتها...
إلى صـاحـبة الـقـصـة الـحـقـيـقــيـة...
قـلـوبـنا مـعـك, كان الـله في عونك...
وخـالـص تحـيـاتـي إلـيـك.
رباب

ندى تدى likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 11-10-13 الساعة 04:14 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-13, 03:27 PM   #2

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

الدمعة الأولى


1-

وقفت في منتصف ردهة شقتها تتأمل أركانها في صمت, وذكرياتها تتدفق بسرعة البرق عبر عقلها منذ ارتبطت بزوجها وحتى رحيله.
فالطبيعي أن يحمل كل ركن من أركان المنزل ذكرى لها مع زوجها على مر سني زواجهما العشر, إلا أنها اعتادت أن تكون جميع أحدث حياتها غير طبيعية.
منذ صغرها وهي مختلفة, ليس لسواد عينيها الغامض ولا للشلال الحريري الفاحم الذي يتوج رأسها ولا لجمالها البريء ورقتها ولا حتى لأصلها الطيب.
ولكنها كانت مختلفة..فقط مختلفة.

حتى ارتباطها بزوجها كان مختلفاً..

صحيح أنه كان "زواج صالونات" كما يطلق عليه إلا انه كان مختلفاً عما عهدته في زواج مثيلاتها.
وحياتها مع زوجها كذلك كانت مختلفة..

لقد عاشت معه عشر سنوات في إحدى دول الخليج حيث كان يعمل مهندساً بشركة بترول,
عشر سنوات لم تزر فيها أمها سوى مرات قليلة صادفت مواعيد ولاداتها لأطفالها الثلاثة. وفي هذه المرات كان زوجها يعد شقتهم ويجهزها لانتقالهم إليها.
ونسيت أن أقول أنها, بحكم كونها مختلفة, تزوجت دون أن يكون لديها شقة..
لقد اشترى زوجها الشقة ولم يبدأ في تأثيثها إلا بعد أن تزوج وأنجب ولدين واكتشف حمل زوجته للمرة الثالثة.
وهكذا فعلى عكس أي زوجة تدخل عشها لأول مرة مع زوجها مرتدية ثوب الزفاف الأبيض, دخلت هي شقتها برفقة أطفالها وأمها مرتدية السواد حداداً على زوجها الراحل.

لم لا وقد اعتادت أن تكون مختلفة!!!

ومن أعماقها انطلقت زفرة ملتهبة حملت بعضاً من حزنها وخوفها وتوترها, وأقول بعضاً لأن زفرة واحدة مهما بلغت قوتها لن تستطع حمل أكثر من عُشر ما يعتمل في نفسها.
ولهذا لم تشعر بالراحة إلا عندما قفزت دمعاتها السريعة إلى عينيها الجميلتين وفرت خارجهما لتغرق وجهها الحزين.

كان من الصعب عليها أن تُفاجأ بوفاة زوجها وعودتها إلى مصر في منتصف العام الدراسي وما ترتب على ذلك من مشاكل لا حصر لها واجهتها, كعادتها, وحدها في الغربة بحكم اختلافها عن سائر بنات حواء. اختلافها الذي لم تختره ولم تسعد به يوماً.

فقد ذاقت مرارة اليُتم وهي بعد برعمة صغيرة تتفتح للحياة, وحُكم عليها أن تعيش التجربة مرة ثانية وهي ترى أولادها يجرعون من نفس الكأس التي لم تفارق مرارتها حلق أمهم بعد.

فرغم صغر سنها وجمالها الهاديء,رفضت (أم هالة) أن تُحضر رجلاً غريباً ليحتل مكان ومكانة زوجها الراحل ويتحكم في مصير ابنتها الوحيدة, وقضت أحلى سني عمرها راهبة في محراب ابنتها لا يهمها سوى سعادتها.
وعندما وضحت معالم الأنوثة على وجه(هالة) تقدم الكثيرون لخطب ودها ويدها في ذات الوقت إلا أنها رفضتهم جميعاً لأن هدفها كان أسمى من ذلك بكثير.
كان هدفها هو أن تسعد أمها,التي طالما شقت من أجلها, برؤيتها طالبة في الجامعة ثم معيدة ثم دكتورة جامعية...
هكذا كان حلمها.
وفي سنتها الأخيرة بكلية التربية أعلنتها ساكنة الشقة المواجهة لشقتهم بالخبر الذي تسعد لسماعه أي فتاه.."لدي العريس المناسب لك يا (هالة) ".

وتخضب وجه الفتاه يومها في شدة وفرت مع حيائها إلى غرفتها,

ولكن ذلك لم يمنعها من أن تسمع والدتها تستفسر عن أخلاق العريس وعائلته وغيرها من تلك الأمور, بل وسمعتها تحدد موعداً مع جارتها بعد أن أكدت لها هذه الأخيرة طيب أصله وأنه شاب تتمناه أي فتاه, وختمت قولها بأنها لم تكن لتفرط فيه لو كان لديها ابنة, وأن (هالة) هي ابنتها التي لم تنجبها.

وفي حضور خالها حضر العريس بصحبة والده ' العمدة المهيب' الذي شملها بنظرة فاحصة أعادت إلى ذهنها جميع المشاهد السينمائية التي وصفت حزم وشدة العمدة رغم أن هيئة الرجل لم تكن تدل على مهنته,
فعدا طول قامته الواضح كان أنيقاً في السترة الكاملة..
كان نموذج العمدة المعدل.. 'العمدة العصري', ولا عجب في ذلك إذ كان يعمل محامياً قبل أن يرث المنصب عن والده.
وبلمحة سريعة للعريس أدركت (هالة) أنه نسخة مصغرة من والده..طول القامة الواضح, ملامح الوجه, لون العينين الأسود الذي ينافس سواد شعره, حتى الوقار والحزم, وهو ما جعل (هالة) تقول لنفسها' حقاً لكل أمريء من اسمه نصيب, صدق من أسماه (حازم)'
وبعد أن تبادلا الحديث قليلاً, وبعد أن أعملت (هالة) فكرها طويلاً وترددت كثيراً وافقت أخيراً على الارتباط بـ(حازم) وقلبها يتمزق لأنها ستترك أمها وحيدة, إلا أن أمها أقنعتها بأنها ستقيم مع أخيها ولن تكون وحدها, وأن ما يسعدها حقاً هو رؤية ابنتها الوحيدة تعيش في سعادة.
وفي غضون أسبوعين تمت الخطبة وعاد(حازم) إلى عمله في الخليج على أن يعود فيما بعد ليتزوجا.
ولكنه لم يعد,
لقد رفض رئيسه السماح له بالنزول فما كان منه إلا أن أرسل لوالده توكيلاً عقد به على (هالة)... ألم أقل أنها مختلفة؟

وبدلاً من أن ترتدي ثوب الزفاف وتجلس إلى جوار عريسها وسط الأهل والأحباب في حفل زفافها, ارتدته وجلست على مقعد في الطائرة المتجهة إلى حيث زوجها وسط أناس لم ترهم من قبل.
وهكذا بدأت حياتها الجديدة في بلد لا تعرفه ولا تعرف أهله ولا عاداتهم.
صحيح أن (حازم) كان معها إلا أنه....


"هل ستظلين واقفة هكذا يا(هالة)؟"
انتبهت (هالة) لصوت أمها الهاديء فمسحت دموعها سريعاً وهي تقول بصوت لم تفارقه الدموع ـ"هل نام الأولاد؟"
تنهدت أمها في عمق قائلة ـ"نعم, بعد جهد جهيد...إلا أنهم في انتظار قبلتك المعتادة."
هزت ابنتها رأسها في هدوء واتجهت ببطء إلى حجرة أبنائها لتقبلهم, وعندما عادت جلست إلى جوار أمها على الأريكة وشردت ببصرها بعيداً إلا أن أمها بادرتها قائلة بحنان ـ"لابد وأن تتماسكي جيداً يا حبيبتي, فأولادك بحاجة إليك."
تنهدت(هالة) في عمق وهي تقول ـ"الأمر ليس بهذه السهولة.. لقد حدث كل شيء فجأة."
ربتت أمها على كتفها في حنو قائلة ـ"إنه قدره يا ابنتي, وقدرك أنت الأخرى."
قالت بصوت يحمل نبرة ضيق وحنق ـ"قدره؟! قولي عادته, فهو دوماً يفعل ما يشاء وقتما يشاء."
قالت أمها في سرعة ـ" 'وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت', استغفري لربك ولا ترددي هذا القول ثانية."
عادت دموع(هالة) للانهمار ثانية وهي تستغفر الله قبل أن تقول في حنق ـ"ولكنه كان يعلم أن عمله خطير وأنه من الممكن أن يموت في أي لحظة."
سألتها أمها في حيرة ـ"وماذا أردته أن يفعل؟ أن يترك عمله وأن يجلس إلى جوارك؟ لو أنني وغيري اتبعنا منطقك هذا لكان أباك وآلاف الشهداء على قيد الحياة ولما تحررت سيناء. أهذا ما تريدينه؟"
ازداد انهمار دموعها وهي تقول بصوت مختنق ـ"على الأقل كان يتوخى الحرص, لقد أخبرني قبل وفاته أن حفار النفط الذي يعمل عليه ليس على ما يرام وأنه أخبر المسئولين في الشركة بذلك إلا أن الشركة لم تحرك ساكناً, والنتيجة انفجار الموقع بأكمله ومصرع ثلثي العاملين به. والأدهى أن مدير الشركة يتهم عمال ومهندسي الموقع بالإهمال حتى يتهرب من دفع قيمة التأمين على حياتهم."
ربتت أمها على كتفها ثانية قائلة بحنان ـ"يا حبيبتي أنت لست بحاجة لقيمة التأمين مهما بلغت."
قالت(هالة) بعناد ـ"إنها ليست لي, إنها لأبنائه مهما بلغت حتى لو كانت خمسة قروش, لقد حرمتهم هذه الشركة من أبيهم ويعلم الله كم طفلاً أخر فقد والده بسبب هذه الذمم الخربة. لذا لن أتوقف عن مقاضاتهم, ووالد(حازم) معي في هذا الأمر."
استسلمت والدتها لإصرارها واكتفت بهز رأسها وهي تسأل ابنتها في اهتمام ـ"وهل ستعملين مدرسة كما أخبرت حماك؟"
أومأت (هالة)برأسها إيجابا وهي تجيب أمها في ثقة قائلة ـ"نعم, لقد اتفقت مع مديرة مدرسة الأولاد الجديدة على أن أعمل معها مدرسة علوم لطلبة الإعدادي, وسأعمل حتى نهاية الفصل الدراسي تحت الاختبار إلى أن يتم تعييني مع بداية العام الدراسي الجديد. فأنت تعلمين أنني لم أتسلم تعييني الحكومي وبالتالي فقدته"
مطت أمها شفتيها قائلة بعدم اقتناع ـ"مازلت غير مقتنعة بمسألة عملك تلك..فـ.."
قاطعتها ابنتها في هدوء قائلة ـ"يا أمي يا حبيبتي...لو أنفقت على أولادي من ميراث أبيهم لن يبق منه شيء عند تخرجهم, تكفينا مصروفات المدرسة الخاصة التي قبلت أبنائي بها في منتصف العام الدراسي. وجود راتبي سيخفف الحمل قليلاً ولولا بعد نظر حماي ما حصلت على معاش(حازم). يبدو أنه كان يشعر بما سيحدث يوماً ما عندما أشرك(حازم) في التأمينات الاجتماعية, وهكذا سيمكننا العيش في مستوى قريب من مستوى معيشتنا السابق."
أضافت أمها في حنان ـ"لقد نسيت معاشي أنا الأخرى و...."
قاطعتها(هالة) قائلة في سرعة ـ"أمي...يكفيك ما قاسيته من أجلي منذ وفاة أبي'رحمه الله' وحان الوقت لأرد إليك بعضاً من أفضالك...معاشك خاص بك وبأدويتك و..."
قاطعتها أمها بدورها قائلة باستنكار ـ"هل تدفعين لي ثمن إقامتي معك؟"
اغرورقت عينا(هالة) وقالت وهي تحتضن والدتهاـ"معاذ الله...أنا بحاجة إليك يا أمي, بحاجة شديدة إليك."
مسدت الأم شعر ابنتها قائلة بعد تنهيدة طويلة ـ"أعلم ذلك يا بنيتي...أعلم ذلك."


*******************


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-13, 03:29 PM   #3

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

الدمعة الثانية



2-

ساعدت(هالة) ابنها الصغير في ارتداء ملابسه وتأكدت من أناقته هو وشقيقه الأكبر قبل أن تصحبهما إلى الردهة حيث كان عمهما جالساً برفقة أمها, والذي ما أن لمح اقترابهم حتى نهض وهو يسمع أرملة أخيه تقول بحرج ـ" آسفة لتعطيلك يا دكتور(طارق). لولا مرض(هند) المفاجيء كنت أحضرتهما بنفسي إلى عمي, و أخشى ما أخشاه هو أن يغضبا جدهما بألعابهما الشقية."
ربت(طارق) على شعر الطفلين بحنان وهو يقول بابتسامة عذبة ـ"من رابع المستحيلات أن يغضب أبي من أبناء(حازم) ' رحمه الله', كما أنهما ليسا بهذا القدر من الشقاوة كما تصفيهما."
همت بقول شيء ما عندما أسرع الصغير(هاني) يقول ـ"أرأيت؟! عمي(طارق) في صفنا وسيأخذنا إلى جدنا كل مرة."
ابتسمت وهي تلوح بإصبعها محذرة قائلة ـ"لا تعتمد على هذا كثيراً, عمك سيصحبكما هذه المرة فقط, وفيما بعد ستذهب مع أشقائك بصحبتي."
مط الصغير شفتيه بامتعاض قائلاً ـ" (هند)كثيرة البكاء, ليتها لا تحضر معنا أبداً كيلا تزعجنا."
عقدت حاجبيها وهي تهتف به ـ" ولد!"
اختفى(هاني) ليحتمي خلف عمه الذي ابتسم قائلاً ـ"دعك منه, أعط لـ(هند) الدواء الذي أحضرته لك وستتحسن بإذن الله."
شكرته وهي تودعهم لدى الباب ـ" أشكرك يا دكتور, سأنتظر عودتكم في الغد إن شاء الله."
ثم وجهت حديثها الحازم لابنيها قائلة ـ"(هيثم) اعتن بأخيك ولا تغضبا جدكما أو عمكما لأني سأعرف كل ما تفعلانه."
أومأ الصبيان برأسيهما في أدب وهما يقبلان أمهما قبل أن ينصرفا برفقة عمهما.
وما أن أغلقت(هالة) الباب خلفهم حتى خلعت غطاء رأسها وهي تقول لأمهاـ"الجو حار للغاية."
هزت أمها كتفيها قائلة ـ"إننا في منتصف أغسطس, ومن الطبيعي أن ترتفع الحرارة هكذا."
اقتربت(هالة) من النافذة وهي تراقب ركوب ابنيها سيارة عمهما من خلف الستائر قائلة في قلق ـ"وهذا ما يقلقني, سيلعب الأولاد في الشمس كعادتهم."
هونت أمها من قلقها بقولهاـ"لا تقلقي هكذا, عمهما وجدهما لن يتركاهما دون رقابة."
ثم تابعت في اهتمام حنون قائلةـ"أتعلمين؟ لقد عوضهما(طارق) حنان الأب, إنه حتى يبدو أكثر حناناً من(حازم) ' رحمه الله'."
تنهدت في عمق وعيناها تتابعان ابتعاد سيارة(طارق) قبل أن تقول لأمهاـ"(حازم) كان شبيهاً بأبيه في الشكل و الطباع, أما(طارق) فيشبه والدته أكثر, وقد ورث عنها حنانها."
هزت الأم رأسها قائلةـ"إنه ابن حلال."
أسدلت(هالة) ستارة النافذة وهي تؤمن على كلام أمها قائلةـ"إنه كذلك بالفعل, ويستحق كل خير."



****************


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-13, 03:32 PM   #4

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

الدمعة الثالثة

3-


استجابت(هالة) لرنين جرس الباب وفتحته لتجد حماها أمامها فقالت بترحاب صادق ـ"عمي؟! يالها من مفاجأة سارة. تفضل بالدخول."
دلف حموها للداخل في حين سألته هي في حيرة ـ"ولكن أين الأولاد؟ لقد ظننت أنهم في صحبتك."
أجابها الرجل في هدوء يحمل الكثير من الوقار في داخله ـ"لقد صحبهم(طارق) إلى الملاهي ولن يعودوا الآن."
دعته للجلوس وهي تقول بابتسامة هادئة ـ"أرجو ألا يكونا تسببا في الإزعاج لك أو لعمهما."
قال بنفس هدوءه الحازم ـ"إنهما ليسا بمثل شقاوة والدهما'رحمه الله' حين كان في مثل عمريهما."
ثم تابع بنبرة اهتمام ـ" كيف حال(هند) الآن؟"
أجابته في سرعة ـ"بخير والحمد لله, لقد تحسنت بعد تناول الدواء الذي أحضره لها عمها. يبدو أن لها مَعَزة خاصة عند جدها ليقطع كل هذه المسافة من أجلها."
لاحت نبرة حنان غريبة في صوته وهو يقول ـ"أنا لم أنجب بنات, لذا عوضني الله بـ(هند). أين هي؟"
نهضت قائلة ـ"نائمة بالداخل مع أمي, سأوقظها حالاً و..."
قاطعها بإشارة من يده قائلاً ـ"لا داعي لإيقاظ الصغيرة, ولكن إذا كانت والدتك متيقظة فأرجو أن تشاركنا الحديث."
عقدت حاجبيها للحظة أو أقل قبل أن تقول في سرعة ـ"بالطبع. سأستدعيها حالاً."


وبعد التحيات التقليدية ابتدر الرجل والدة(هالة) قائلاً بجدية ـ"لقد تقدمت إليك أنا وابني الراحل منذ عشر سنوات لخطبة ابنتك (هالة) بعد أن سمعنا عن أدبها وجمالها وأصلها الطيب, وطيلة هذه السنوات أثبتت كل ذلك عملياً وما زالت تثبته في تربيتها الممتازة لأبنائها رغم كل الظروف السيئة المحيطة بها."
قالت(هالة) في حيرة ـ"ظروفنا ليست بهذا السوء يا عماه. الحمد لله, نحن أفضل من غيرنا. صحيح أنني فقدت الزوج وأولادي فقدوا الأب لكننا لسنا وحدنا, جدهم وجدتهم وعمهم معهم بعد الله سبحانه وتعالى. إنهم بالتأكيد أفضل حظاً من كثير من الأطفال الأيتام."
وافقها قائلاً ـ"في الوقت الحالي كلامك صحيح, ولكن ماذا عن المستقبل؟ أنا لن أخلد في هذه الدنيا."
قالت في سرعة ـ"الأعمار بيد الله يا عمي, أطال الله عمرك."
رفع كفه في حزم قائلاً ـ"هاأنت قلتها, الأعمار بيد الله. والله وحده أعلم بمن سيموت الآن ومن سيموت فيما بعد, لذا أريد أن أطمئن على مستقبل أحفادي من بعدي."
تبادلت(هالة) نظرة حائرة مع أمها قبل أن تقول بحزم مماثل ـ"مستقبلهم بين يدي الله يا عمي. وبشهادة حضرتك فإن تربيتي لأبنائي مثالية والحمد لله, كما أن أمي معي ولا تنس أنها وحدها قامت بتربيتي, وأنا بإذن الله قادرة على فعل المثل."
تنهد الرجل في عمق قبل أن يقول ـ"لقد تغير الزمن يا ابنتي ومسئولياتك أكبر من مسئولية والدتك حينها كما أنك جميلة ومازلت صغيرة السن و..."
قاطعته بلهجة بدت حادة رغماً عنها قائلة ـ"لقد كانت أمي أجمل وأصغر سناً مني الآن ومع ذلك لم تفكر في الزواج ولو للحظة, وأنا لست بأقل منها."
تابع وكأنه لم يسمعهاـ"وإن لم يجذب جمالك الرجال, سيفعل ما ورثته عن زوجك."
احتقن وجه(هالة) في شدة في حين قالت أمها في سرعة ـ"لقد تنازلت ابنتي عن ميراثها في ممتلكات(حازم) وكذلك عن نصيبها في التعويض لصالح أبنائها."
وجه حديثه إلى الأم قائلاً بثبات ـ"هذا ما نعرفه أنا وأنت وليس العالم كله."
مالت(هالة) إلى الأمام وقالت في تحفز ـ"وأنا لست عديمة الشخصية لأن أستجيب لإغراء أي رجل مهما كان."
تراجع حموها للخلف في سرعة قائلاً ـ"معاذ الله أن تكونين هكذا أو أن أصفك أنا بذلك, ولكن في بعض الأحيان قد تشعرين بأنك وحدك في هذا العالم, ومن هذا المُنطَلَق قد توافقين على الزواج برجل ظناً منك أنه الشخص المناسب لك ولكنه ليس كذلك."
ازداد احتقان وجه(هالة) وعصبيتها التي جعلتها تغرس أظفارها في راحة يدها قبل أن تتمالك أعصابها لتقول في ثقة ـ"أنا على أتم الاستعداد لأن أقسم لك الآن بأنني لن أتزوج ثانية ولن أسمح لأي رجل بأخذ مكان(حازم) في بيته ولن..."
قاطعها بإشارة من يده قائلاً في هدوء ـ"رويدك يا بنيتي, أنا لم أطلب منك ذلك ولن أفعل أبداً. على العكس من ذلك, أنا هنا لأقنعك بالشخص المناسب."
اتسعت عينا(هالة) في شدة وهي تحدق في وجه حميها بذهول, حتى أن صوتها حين بارح حلقها كان متحشرجا من فرط دهشتها وهي تهب من مقعدها هاتفة ـ"ماذا؟!"


مالت(هالة) إلى الأمام وقالت في تحفز ـ"وأنا لست عديمة الشخصية لأن أستجيب لإغراء أي رجل مهما كان."

تراجع حموها للخلف في سرعة قائلاً ـ"معاذ الله أن تكونين هكذا أو أن أصفك أنا بذلك, ولكن في بعض الأحيان قد تشعرين بأنك وحدك في هذا العالم, ومن هذا المُنطَلَق قد توافقين على الزواج برجل ظناً منك أنه الشخص المناسب لك ولكنه ليس كذلك."

ازداد احتقان وجه(هالة) وعصبيتها التي جعلتها تغرس أظفارها في راحة يدها قبل أن تتمالك أعصابها لتقول في ثقة ـ"أنا على أتم الاستعداد لأن أقسم لك الآن بأنني لن أتزوج ثانية ولن أسمح لأي رجل بأخذ مكان(حازم) في بيته ولن..."

قاطعها بإشارة من يده قائلاً في هدوء ـ"رويدك يا بنيتي, أنا لم أطلب منك ذلك ولن أفعل أبداً. على العكس من ذلك, أنا هنا لأقنعك بالشخص المناسب."

اتسعت عينا(هالة) في شدة وهي تحدق في وجه حميها بذهول, حتى أن صوتها حين بارح حلقها كان متحشرجا من فرط دهشتها وهي تهب من مقعدها هاتفة ـ"ماذا؟!"

أما والدتها فقد لاحت رنة الغضب في صوتها وهي تقول ـ"ماذا تعني بقولك هذا يا حاج؟ بل ماذا تظن بابنتي من الأساس؟"

وَجَه حديثه إلى الأم ثانية قائلاً بنفس الهدوء ـ"صدقيني يا سيدتي, أنا أهدف من وراء ذلك إلى تأمين مستقبل ابنتك وأحفادي. ولولا احترامي لكما ما أتيت بعرضي هذا."

قالت الأم بحزم ـ"أي عرض تقصده يا حاج؟ لقد مرت ستة أشهر فقط على وفاة ابنك الأكبر وأنت تطلب من أرملته الزواج؟ أهذا معقول؟"

تنهد الرجل في ألم قائلاً ـ"لم يحزن أحد على(حازم) قدر حزني عليه. لقد كان أول أبنائي وأشبههم بي في الشكل والطباع, وكانت صدمة فقدي له قوية. أنت تعرفين بالطبع أنني أصبت بعد وفاة (حازم) بذبحة صدرية ما زلت أعاني من آثارها حتى الآن, وليس أصعب على نفسي من أن أطلب من أرملة ابني أن تسمح لرجل آخر بأن يحل محل(حازم), لكن هذا الرجل لا يختلف كثيراً عنه, فلكليهما نفس المَعَزة في قلبي لأن كلاهما ابني."

التفتت(هالة) إليه بحركة حادة عكست رفضها واستنكارها للأمر خاصة حين تابع حموها قائلاً بهدوء ما زال مشوباً برنة ألم ـ"أنا أعرض عليك الزواج من ابني الدكتور(طارق)."

و كانت مفاجأة قاسية ل(هالة).


**************************


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-13, 03:35 PM   #5

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

الدمعة الرابعة



4- "لا وألف لا...مستحيل."



هتفت(هالة) بهذه العبارة في إصرار بعد انصراف حميها وهي تذرع الغرفة جيئة وذهاباً قائلة بثورة مكتومة ـ"هل أصبحت حكراً على هذه العائلة؟ أيظنوني جزءاً من ميراث ابنهم؟ وكيف..."


قاطعتها أمها قائلة بهدوء ـ"اجلسي لنتحدث بهدوء يا ابنتي."


التفتت(هالة) إليها هاتفة بانفعال ـ"هدوء؟ إن دمي يغلي منذ سمعت عرض حماي العزيز. آه لو رأيت(طارق) الآن لـ..."


قاطعتها أمها في حزم هذه المرة قائلة ـ"قلت اجلسي, إنك تثيرين أعصابي بحركاتك المتوترة تلك."


أطاعتها(هالة) وملامحها تشي بتبرمها الشديد, في حين تابعت والدتها في حنان قائلة ـ"ما وجه اعتراضك على(طارق)؟ لقد قلت بنفسك أنه ابن حلال وحنون, وأبلغ دليل على ذلك هو حب أولادك له وتعلقهم به."


أجابتها(هالة) في حدة قائلةـ"حب أولادي له لا يعني بالتبعية الزواج منه, وإلا انتظرت عرض بالزواج من كل من يقدم لهم قطعة شيكولاتة."


ربتت أمها على كتفها في حنان قائلةـ"حبيبتي...(طارق) إنسان متميز وحموك يهدف إلى..."


قاطعتها(هالة) هذه المرة هاتفةـ"أنا لست ساذجة لأصدق ما قاله, حماي يهدف إلى فرض وصاية دائمة علينا بصفتنا جزء لا يتجزأ من تركة ابنه الراحل, وإذا كان ولا بد من زواجي, فلأتزوج ابنه الثاني وأنفق ميراثي عليه باعتباره أولى من الغريب."


رمقتها أمها بنظرة صارمة وهي تقول بحزم ـ"لن أواصل الحديث معك وأنت بهذه العصبية. أنت الآن ميئوس منك بالمرة."


قالتها وهي تنهض متجهة إلى غرفتها مغمغمة في حيرة ـ"إنك لم تكوني أبداً بمثل هذه العصبية والفظاظة, لقد تغيرت."


اغرورقت عينا(هالة) بدموع ساخنة, وهي تخفي وجهها بين كفيها بعد ابتعاد أمها, وكيانها يصرخ ألماً نعم تغيرت...منذ ارتبطت بهذه الأسرة وأنا في تغير مستمر,
تعلمت أن أعاشر زوجاً عمله هو أهم ما في حياته,
تعلمت أن الحب ليس أساس كل شيء و...
ولكنني تحملت المسئولية وحدي, وهاأنذا حائرة بين ما أؤمن به وبين ما تعودت عليه مع زوجي.
هل أجعل الحب أساساً لحياتي و حياة أبنائي,
أم أمشي على نهج زوجي؟
والأدهى موضوع شقيقه هذا...
كيف أجرع من ذات الكأس مرتين؟
صحيح أن(طارق) على طرفي نقيض من شقيقه, إلا أنه كما يقولون 'العرق دساس'.
ثم كيف تتحول علاقتي ب(طارق) من كونه أخ لزوجي الراحل وعم لأبنائي إلى زوج مثله مثل أخيه؟"



إنها بالفعل لم تفكر في الزواج, ولن تفعل بعد ما عانته في زواجها السابق, لكن مع إصرار أمها وحميها...
أمها تحاول إقناعها بأن الأمر مدعاة لفخرها, خاصة بعد أن قال حميها أنه لن يجد زوجة لابنه أفضل منها, وتشدد على أن الزمن تغير وأنها وحيدة في هذا العالم دون أخ أو أخت, وحملها أثقل من أن تحمله وحدها.



ولكن كيف ستواجه الناس بزواجها قبل انقضاء عام على وفاة زوجها, ناهيك عن أن الزوج الجديد هو شقيق الزوج الراحل.
يقولون في الأرياف إنها التقاليد, ولكنها ليست في الأرياف. إنها في العاصمة, في قاهرة المعز حيث لا يعرف أحداً ما يجري للمحيطين به إما لانشغاله أو لعدم اهتمامه.



قد تكون هذه نقطة في صالح زواجها من(طارق), ولكن ماذا عنها هي؟
ماذا عن حالتها النفسية؟
كيف ستغير نظرتها إليه من أخ وصديق إلى زوج؟

"يا الهي!!! إن جسدي يقشعر لمجرد تصور الفكرة."
همست بهذه العبارة لنفسها سراً وهي تسترجع في ذهنها كل الأفلام العربية التي تزوج فيها البطل من أرملة شقيقه مرغماً.
نعم مغرماً, لقد صارحها حموها بقوله أن ابنه لم يعتد رفض طلبات أو أوامر والده.
إذاً حاله ليس أفضل من حالها, فكلاهما في الهم سواء.
لذا ستنتظره حين يعود وتواجهه و...
وأخذت تخطط لما ستقوله.


*********************************



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-13, 03:37 PM   #6

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25



الدمعة الخامسة


5-


استجابت (هالة) لرنين الهاتف ورفعت سماعته ليبادرها صوت أنثوي تفتقده يهتف بمرح ـ"لقد عدنا".

لم تكد (هالة) تتعرف على صاحبة الصوت حتى هتفت كالغريق الذي ينتظر العون قائلة بلهفة ـ"(نهى)!! حمداً لله على سلامتكم..متى عدتم"؟

أجابتها (نهى) بنفس المرح ـ"عدنا فجر اليوم...افتقدتك يا (هالة) كثيراً، وأبنائي لم يتأقلموا بعد على سفر (هيثم) و(هاني)".

اختنق صوت (هالة) بالعبرات وهي تقول لصديقتها ـ"وأنا أيضاً افتقدتك...بل إنني أحتاجك اليوم أكثر من أي وقت مضى يا(نهى)".

تسلل القلق إلى صوت (نهى) وهي تسألها ـ"ماذا بك يا حبيبتي؟ لقد كنت بخير حتى آخر اتصال بيننا منذ شهر تقريباً".

سالت دمعة متهورة على وجه (هالة) التي لم تحاول منعها وهي تقول بألم ـ"بخير؟ لقد نسيت هذه الكلمة".

تصاعد القلق في صوت صديقتها الوحيدة وجارتها في الخليج طيلة عشر سنوات، فسألتها بلهفة ـ"أريحي قلبي أولاً...هل والدتك وأبنائك بخير"؟

مسحت (هالة) دمعة أخرى حاولت اللحاق بسابقتها وهي تهز رأسها قائلة ـ"لا تخافي...كلنا بخير جسدياً، لكني أنا المنهكة نفسياً".

لم ترتح (نهى) لنبرة (هالة) ولا لكلماتها المتألمة فهتفت بها ـ"لقد أثرت فضولي...سأطلب من (عمر) زوجي أن يقلني إليك فوراً، فهي المرة الأولى التي أزورك فيها في مصر. (هالة) إياك أن تؤذي نفسك".

ابتسمت (هالة) رغماً عنها وهي تطمئن صديقتها وتنهي المكالمة قائلةـ"لا تخافي...أنا يائسة ولكن ليس إلى هذا الحد. في انتظارك".

وبالفعل لم تكد تمر ساعة حتى كانت (نهى) تطرق باب صديقتها مرتدية عباءتها السوداء الفضفاضة التي اعتادت ارتدائها منذ سفرها إلى الخليج مع زوجها قبل اثنا عشر عاماً.
كانت (نهى) أكبر عمراً من (هالة) بنحو عامين، متوسطة القامة وملامحها الهادئة تشي بطيبة قلب وحنان لا حدود لهما، وإن كانت عيناها اللامعتان تنمان دوماً عن روح مرحة وخفة ظل تجعل من يعرفها لا ينساها بسهولة. زوجها (عمر) مهندس في نفس الشركة التي كان يعمل بها (حازم)، وكان يقطن في الشقة المواجهة للعريسين (حازم) و(هالة) التي كانت بحاجة إلى صديقة جديدة، وكانت (نهى) هي تلك الصديقة، ونعم الصديقة التي وقفت إلى جوارها منذ بداية زواجها وحتى نهايته بوفاة (حازم) المفاجئة. حتى بعد عودة (هالة) إلى مصر قبل ستة أشهر لم تنقطع الصلة بينهما، وظلتا على اتصال بين الحين والآخر، و...

قطع (هاني) سيل ذكرياتها وهو يفتح الباب ويصرخ في سعادة ـ"طنط (نهى)...أين (عبد الله) و(عبد الرحمن)"؟

انحنت (نهى) تحتضن الصغير بشوق، فقد كانت تفتقد شقاوته وخفة ظله، وقبلت رأسه قائلة ـ"لا يزالا نائمين...لقد أتيت اليوم وحدي ولكني سأحضر بهما في المرة القادمة إن شاء الله. أين أمك"؟

أتاها صوت (هالة) المنهك وهي تقول بابتسامة باهتة ـ"ها أنذا...حمداً لله على سلامتك يا (نهى)".

التفتت (نهى) إلى صديقتها وراعها الشحوب على وجهها الذي طالما عرفته نضراً، حتى ابتسامتها العذبة كانت شاحبة بشكل أثار قلقها وهي تحتضن صديقتها قائلة ـ"(هالة)؟ ماذا ألم بك؟ ماذا حدث"؟

احتضنتها (هالة) بكل ما تبقى لديها من قوة قبل أن تصحبها إلى الداخل قائلة ـ"سأخبرك بكل شيء...تفضلي إلى الداخل أولاً".

صحبتها في هدوء إلى غرفة الاستقبال الأنيقة، بينما هرع (هيثم) هو الآخر ليعانق والدة أصدقائه في شوق بعد غياب ستة أشهر، فقبلت رأسه قبل أن تداعب شعره الأسود الناعم قائلة في حنان ـ"ما شاء الله تبارك الله. لقد صرت رجلاً يا (هيثم)..حماك الله يا ولدي".

ثم تلفتت حولها متسائلة ـ"أين والدتك يا (هالة)؟ وأين (هند)؟ لقد أوحشتني تلك المزعجة".

تنهدت (هالة) وهي تشير لصديقتها بالجلوس قائلة ـ"أمي تزور خالي...إنه يمر بوعكة خفيفة. أما (هند) فنائمة كالعادة...متعبة هذه البنت، تنام ونحن يقظى وتستيقظ ونحن نستعد للنوم".

جلست (نهى) على الأريكة إلى جوار صديقتها وهي تضحك قائلة ـ"والله أنا راضية أن أظل طول الليل مستيقظة...المهم أنجب بنت...ربنا يهدي (عمر) ويوافق أن ننجب ثانية".

ضحكت (هالة) نفس الضحكة الباهتة ولم تعقب، بينما تابعت (نهى) قائلة ـ"بارك الله لك فيها وأشقائها، وألف سلامة لخالك".

ثم مالبثت الجدية أن غلفت صوتها وهي تسألها باهتمام ـ"والآن ما سر هذا الذبول؟ إنها المرة الأولى التي أراك فيها هكذا، حتى بعد وفاة(حازم) رحمه الله".

تنهدت (هالة) في ألم وأسبلت جفنيها قليلاً قبل أن تفتحهما وتشير إلى (هيثم) قائلة ـ"(هيثم) حبيبي، أحضر العصير من الثلاجة وخذ أخيك للداخل".

أطاعها ابنها البكر في هدوء بينما وقف المشاكس الصغير وعقد ذراعيه أمام صدره قائلاً ـ"أريد أن أظل مع طنط (نهى)".

رمقته أمه بنظرة صارمة لا تتناسب وضعفها الحالي وهي تقول بحزم ـ"اذهب إلى غرفتك وحينما ننهي حديثنا سأسمح لك بالجلوس معها..هيا".

أطاعها الصغير بتبرم وخرج من الغرفة في الوقت الذي دخل فيه (هيثم) حاملاً صينية أنيقة وعليها كوبين من العصير المثلج وضعها أمامها ثم خرج وأغلق الباب خلفه في هدوء ورصانة. حينها التفتت (نهى) إلى صديقتها قائلة ـ"ما شاء الله تبارك الله...لقد صار (هيثم) رجلاً بتصرفاته رغم ملامحه الطفولية...لقد نضجت قبل الأوان يا صغيري".

تنهدت (هالة) ثانية وهي تهز رأسها قائلة ـ"كلنا تغيرنا يا (نهى). أنا أيضاً لم أعد كما كنت. لقد تغيرت حينما تزوجت (حازم)، وتغيرت ثانية حينما توفى فجأة. وربما أتغير من جديد، والمشكلة أنني لم أستسغ هذه التغيرات بعد".

ربتت (نهى) على كفها لتشجعها على الحديث قائلة ـ"(هالة) كفى تلاعباً بأعصابي...أخبريني ماذا حدث".

خللت (هالة) شعرها الأسود بأصابعها للحظات قبل أن تعتدل وتقدم العصير إلى صديقتها قائلة بلهجة محايدة ـ"حماي العزيز حضرة العمدة".

عقدت (نهى) حاجبيها قائلة بفضول ـ"ماذا به؟ هل يضايقك"؟

هزت (هالة) كتفيها قائلة ـ"لا أدري بم أصف ما يحدث...حماي العزيز يريدني أن أتزوج".

توقفت (نهى) عن شرب العصير الذي شعرت به يخنقها فسعلت في قوة وهي تضع الكوب على الطاولة أمامها ثانية قائلة ـ"ماذا؟ تتزوجي"؟

هزت (هالة) رأسها في ألم قائلة ـ"نعم، المهم أنه يريد مني أن أتزوج (طارق) شقيق (حازم) رحمه الله".

سألتها في حيرة ـ"أليس متزوجاً"؟

هزت (هالة) رأسها نفياً فتابعت (نهى) ـ"وهل يشبه أخيه"؟

تنهدت (هالة) في عمق وهي تقول ـ"مختلف تماماً قلباً وقالباً. مختلف في الشكل والطباع وكل شيء. ولكن ليس هذا ما يضايقني".

عقدت (نهى) حاجبيها ثانية في انتظار (هالة) التي تابعت قائلة بإحباط ـ"هل أصبحت حكراً على أبناء حضرة العمدة؟ يتوفى الكبير فأتزوج الصغير"؟

سألتها رفيقتها في حيرة ـ"وما مبرر حميك لهذا الزواج؟ هل لا يزال يؤمن بالتقاليد الريفية القديمة"؟

هزت (هالة) رأسها في صمت، فتابعت (نهى) باهتمام ـ"وما هو موقف (طارق)"؟

مطت (هالة) شفتيها قائلة ـ"برود وصمت مطبق...إنه لم يتحدث معي في شيء، ولا أظنه يستطيع الوقوف في وجه والده".

عقدت (نهى) حاجبيها ثانية وهي تقول ـ"هل يعني هذا أنه مجبر على الزواج منك؟ ألا يزال هناك آباء بهذه القوة وأبناء بهذا الاحترام"؟

هتفت بها صديقتها في ضيق ـ"(نهى) لا أريد تحليلاً...أريد الخروج من هذا المأزق..أنا لا أريد الزواج من (طارق) أو غيره. لقد انتهت حياتي بوفاة (حازم) رحمه الله ونذرت حياتي لأبنائنا. كما أنني لا أريد أن أظلم (طارق) بزيجة كهذه..إنه طبيب شاب ووسيم ويستحق من هي أفضل مني، فلماذا أظلمه بزوجة مستهلكة وأم لثلاثة أطفال"؟

شعرت (نهى) بقبضة باردة تعتصر قلبها مع وصف صديقتها لنفسها بأنها "مستهلكة" فهتفت بها ـ"لا تقولي ذلك...أنت لا زلت صغيرة ولا زالت هناك فتيات في عمرك وأكبر منك لم يتزوجن بعد و...".

سالت دموع (هالة) وهي تقاطعها قائلة ـ"فلماذا لا يتزوج أي منهن إذا؟ لماذا يربط نفسه بي"؟

ربتت (نهى) على كف صديقتها قائلة بهدوء ـ"إما لأنه لا يحب في الوقت الحالي، أو لأنه لا يعترف بالحب، أو لأنه يشعر بالمسؤولية الملقاة على عاتقه بعد وفاة شقيقه".

وكأنها ضغطت زراً فجر ذكريات كامنة في عقل وقلب (هالة) التي انتفضت في غضب قائلة ـ"لا يعترف بالحب؟ هل انتهيت من (حازم) وجمود مشاعره لأقع في نسخة ثانية منه"؟

فوجئت (نهى) بارتجافة صديقتها فاحتضنتها في حنان لتمتص انفعالها قائلة ـ"(هالة)..ماذا بك؟ إنك تحيرينني...أترفضين الزواج أم ترفضين الشخص أم ترفضين المشاعر"؟

ازداد انهمار دموعها على كتف صديقتها وهي تجيب بصوت مختنق ـ"لم أعد أعلم ماذا أريد وما لا أريد...لقد فقدت تركيزي وفقدت القدرة على التمييز و...".

ربتت (نهى) على ظهرها لتحاول تخفيف توترها قائلة ـ"لا داعي لهذا كله...اهدئي قليلاً حتى نستطيع التفكير بشكل عقلاني".

قالتها وهي تبعد صديقتها عنها قليلاً وتلتقط كوب العصير الثاني وتعطيه لها قائلة ـ"اشربي العصير يا حبيبتي...سيهدئ أعصابك".

التقطت (هالة) الكوب بأصابع مرتجفة وارتشفت منه قليلاً قبل أن تعيده إلى الطاولة وتدفن وجهها بين كفيها الباردين من الانفعال. وحينها قطعت (نهى) حبل الصمت الذي امتد لدقيقة أو يزيد قائلة بلهجة من يفكر بصوت مرتفع ـ"حموك يريد أن يضمن وجود من يهتم بالأولاد ويعتني بهم دون أن يثير وجوده الأقاويل...فلماذا لا يتزوج من والدتك ويقيم معكم هنا أو تنتقلوا أنتم إلى حيث يقيم و..".

قاطعتها (هالة) حينما رفعت وجهها عن كفيها في حدة ورمقتها بنظرة مستنكرة قبل أن تنفجر في الضحك بشكل يتناقض ودموعها التي لا تزال تغرق وجهها، فعقدت (نهى) حاجبيها قائلة ـ"ما الذي يضحك في كلامي"؟

استمرت (هالة) في الضحك وهي تنظر إلى صديقتها وقالت من بين ضحكاتها ـ"أعانك الله يا (عمر)...لقد أذابت شمس الخليج مخ زوجتك".

لكزتها (نهى) في كتفها قائلة بحنق ـ"يا سخيفة...أهذا جزائي لأني أفكر معك"؟

مسحت (هالة) وجهها من أثر الدموع قائلة ـ"بل جزائك لأنك لا تفكرين بشكل منطقي...فالسبب الذي دفع حماي إلى اقتراحه هو أنه أُصيب بذبحة صدرية حينما علم بوفاة (حازم) رحمه الله، وبالتالي فصحته لم تعد كما كانت، وهو يريد بزواجي من (طارق) أن يضمن وجود من يهتم بنا حتى بعد وفاته. وتعلمين جيداً أن أمي رفضت الزواج بعد أبي رحمه الله واستطاعت تربيتي والتكفل بي وحدها حتى الآن و..".

قاطعتها (نهى) قائلة في حيرة ممزوجة بالسخريةـ"ما دمت تتمتعين بهذا العقل المتفتح وتدركين الهدف من الزيجة، فلماذا ترفضينها؟ هل تعتقدين يا سوبر وومان أنك قادرة على تكرار نموذج والدتك؟ هل تعتقدين أنك قادرة على تربية ثلاثة أطفال في عصرنا هذا وحدك"؟

همت (هالة) بالاعتراض حينما تابعت (نهى) قائلة بهدوءـ"لقد كانت والدتك مسئولة عن طفلة واحدة وكان إلى جوارها شقيقها، وربما شجعها ذلك على عدم الزواج ثانية...ولكن انظري إلى وضعك...أرملة وحيدة ومعها ثلاثة أطفال في زمن قلما يساعد فيه الشقيق شقيقه، فممن تنتظرين المساعدة؟ من خالك المريض؟ أم والدتك التي لم تنس معاناتها السابقة كأرملة، أم تتوقعين أن يترك أبناء خالك مصالحهم وزوجاتهم من أجلك؟ هل لك أن تجيبي"؟

اتسعت عينا (هالة) وهي تنظر إلى صديقتها التي صدمتها بالحقائق كلها كمدفع رشاش سريع الطلقات، فظلت تتأملها للحظات في صمت قبل أن تقول بتخاذل ـ"(نهى)..أنا..".

استحثتها (نهى) على الحديث قائلة ـ"أنت ماذا؟ أنت لا تزالين مضطربة المشاعر، وكما قلت بلسانك فاقدة للتركيز والتمييز...لكني أرى أن هذه الزيجة قد تكون التعويض الذي أرسله الله إليك بعد معاناتك مع (حازم)...معاناتك التي لم تخبري بها والدتك، والتي لولا صداقتنا وجيرتنا ما عرفت بها...استخيري يا (هالة) وحينها سيرتاح قلبك".

لمعت عينا (هالة) فجأة وكأنها تذكرت شيئاً، فعاد العناد إلى صوتها وهي تقول ـ"وماذا عن معاش (حازم) رحمه الله؟ إذا تزوجت فسيُلغى نصيبي من المعاش و...".

قاطعتها صديقتها في سخرية قائلة ـ"هل تريدين إقناعي بأن معاش التقاعد يكفيكم؟ حتى وإن تعدى الألف جنيه فلن يفيدك في شيء، ولن يكفي لفتح بيتك. إذاً فلن تتأثر حياتك بضياع بضعة جنيهات من المعاش يا (هالة)...العبي غيرها".

اعترضت بعناد جعلها تبدو أشبه بصغيرها (هاني) وهي تقول ـ"ولكني مصرة على أنني أستطيع العناية بأبنائي وحدي دون مساعدة خارجية".

أحاطت (نهى) رأسها بكفيها هاتفة ـ"يا ربي...لقد سببت لي صداعاً بعنادك يا (هالة)...اسمعي...ما رأيك أن تراهني نفسك"؟

بدا الحماس في عيني (هالة) وهي تنصت باهتمام إلى صديقتها التي قالت ـ"راهني نفسك قبل الذهاب إلى أي مصلحة حكومية لإنهاء أي شيء يتعلق بأبنائك والمجلس الحسبي، فإذا استطعت إنهاء ما تريدينه دون مساعدة حميك أو (طارق) ارفضي الزيجة...أما إذا فشلت فلا يوجد أمامك سوى القبول بالزواج".

اتسعت عينا (هالة) وهي تسأل صديقتها بذهول ـ"(نهى) ماذا تقولين"؟

نفضت (نهى) كفيها قائلة بحزم ـ"هذا هو الحل الوحيد...استخيري ثم راهني نفسك، ولن أفتح فمي أياً كان قرارك بعدها".

وكان إختباراً قاسياً.


*************************************





التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 17-05-13 الساعة 03:53 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-13, 03:55 PM   #7

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

الدمعة السادسة


6 -

ظلت(هالة) على موقفها الرافض للزواج بشكل عام, ومن شقيق زوجها بصفة خاصة, وبدا أنها ستنتصر وأن 'حضرة العمدة' قد اقتنع بوجهة نظرها.
ولكن جاءت اللحظة الحاسمة التي كانت تخشاها، واضطرت إلى الذهاب إلى مصلحة حكومية لإنهاء بعض الأوراق لتحويل معاشها ومعاش أبنائها إلى البنك بدلاً من وزارة التأمينات.

يومها تنقلت من مكتب إلى مكتب ومن طابق إلى طابق ومن موظف إلى موظف حتى أوشكت على الانهيار...
وحينها، حينها فقط استسلمت وأخرجت هاتفها المحمول من حقيبتها لتتصل ب(طارق) بصوت مختنق تطلب منه المساعدة.

والشيء الغريب أن مجرد وجود (طارق) إلى جانبها في هذا اليوم منحها نوعاً من الثقة في وجه الموظفين الذين يتعاملون ببرود اكتسبوه من طول تعاملهم مع الجمهور.
ولكن ظلت غصة ما تخنقها كلما نظرت إليه ووجدته يتعامل بابتسامة واثقة مع الجميع وروح مرحة أجبرتهم على إنهاء ما يريده من أوراق في وقت قياسي.
غصة مبعثها شعورها بخسارة الرهان...رهانها مع نفسها ضد الجميع.
وحينما أنهى (طارق) الأوراق صحب (هالة) إلى سيارته، وما أن جلس هو خلف المقود حتى فوجئ بدموعها تغرق وجهها فهتف بها في قلق ـ"(هالة)...ماذا بك؟ لماذا تبكين"؟

لم تستطع الإجابة، وإن ازداد انهمار دموعها وازداد قلقه معها فتابع ـ"(هالة) لا توتري أعصابي...ماذا حدث؟ هل ضايقك أحد الموظفين؟ أدري أنهم يتعاملون ببرود ولكن...".

قاطعته حينما وجدت صوتها أخيراً، وقالت بانكسار يعكس شعورها بالهزيمة ـ"(طارق)...أنا موافقة على الزواج".

قالتها دون أن تنظر إلى عينيه، ودون أن تستمع إلى ما قاله بعدها...
فما كانت تشعر به وقتها هو أنها وقعت للتو شهادة وفاة حريتها بعيداً عن أبناء الحاج حفني، وأنها عادت بقدميها إلى هذه الأسرة.


وبعد مرور أول ذكرى سنوية لوفاة زوجها, عقد(طارق) قرانه عليها وانتقل ليقيم معها ومع أبنائها.
ولدهشتها فقد كانت سعادة الأولاد بوجود عمهم معهم لا توصف, حتى أنهم وافقوا مرغمين على النوم بعد منتصف الليل كي لا يتركوه.
وحين تبعته إلى غرفتهما وجدته واقفاً أمام الشرفة يحدق في هدوء ليل الشتاء صامتاً فتنحنحت قائلة في حرج ـ"أي من جانبي الفراش تفضل؟"

استدار إليها في هدوء وهو ينقل بصره بين وجهها والفراش في بطء قبل أن يسألهاـ"على أي جانب تنامين؟"

مطت شفتيها قائلةـ" الأيمن, لكن لو..."

قاطعها بإشارة من يده قائلاً بلا مبالاة ـ" سأنام على الجانب الآخر إذاً."

ثم تابع بنفس اللامبالاة قائلاًـ" يمكنك النوم الآن لو أردت, فأنت ترهقين نفسك كثيراً في المدرسة والبيت, وسأقف قليلاً في الشرفة إذا لم يكن لديك مانع."

هزت كتفيها قائلةـ" كلا, ليس لدي أي مانع, فقط تأكد من ثقل ملابسك, فالجو يزداد برودة في المساء."

أومأ برأسه في صمت قبل أن يدلف إلى الشرفة ويغلقها خلفه تاركاً(هالة) وحيدة في غرفتها التي ملأها الهواء البارد لحظة أن فتح(طارق) زجاج الشرفة.

قاومت(هالة) شعورها بالاختناق وجلست على طرف الفراش وقبضة باردة تعتصر قلبها, لقد صدق حدسها, لقد وافق مرغماً مثلها تماماً, فقط كي يرضي أبيه وكي يعتني بأبناء أخيه.
وللحظة غالبها شعور صبياني بالضيق لأنها لم تخبره بسخرية أن شقيقه لم يضع جانبه على هذا الفراش, فعضت على شفتيها في غيظ, ثم ما لبثت أن هزت رأسها وتنهدت في عمق قبل أن تتمدد على فراشها وتتدثر بالغطاء متظاهرة بالنوم.

أما(طارق) فظل واقفاً في الشرفة يدخن السيجارة تلو الأخرى حتى شعر بشفتيه ترتجفان من البرد حول مبسم السيجارة الرابعة أو الخامسة فألقى نظرة سريعة على ساعة يده ليجدها تجاوزت الثانية صباحاً.
كانت لسعة البرد شديدة وجسده بأكمله تقريباً يرتجف إلا أنه كان عاجزاً عن تصور فكرة مبيته مع(هالة) في غرفة واحدة, ناهيك عن نفس الفراش.

إنه لم يعتد رفض أي أمر من أبيه وهو ما جعله يشعر دوماً بالسلبية. حتى حينما حاول الاعتراض هذه المرة وقف لسانه عاجزاً ولم يجرؤ على النطق, وهذا ما عدّه والده موافقة ضمنية.

إنه يحب والده كثيراً ويدرك جيداً حالته الصحية والنفسية منذ وفاة ابنه البكر, وأنه أصبح أمله الوحيد وأي خلاف ينشأ بينهما قد يودي بحياة الأب. وربما كان هذا هو السبب الرئيسي لعدم اعتراضه على الزواج من(هالة).
السبب الآخر هو أبناء أخيه الذين يعشقهم كم لو كانوا أبنائه من صلبه, فهو يدرك مشاعرهم بافتقاد الأب, هو نفسه عانى_وهو الرجل_ حينما توفيت أمه وهو طالب بكلية الطب.
ولكن كل هذا لا يبرر هجره لأحلامه في أن تكون له زوجة خاصة به وحده تعيش معه في بيته الذي جهزه بكل ما يحباه سوياً.

هنا سيشعر بخيال(حازم) في كل ركن, رغم ثقته بأن شقيقه لم يسكن الشقة يوماً, ولكن كل أرجاء الشقة تذكره بالراحل.
إنه لا يطمع في أن يحتل مكان شقيقه في منزله، ولا أن يفرض نفسه على (هالة), ففي هذه النقطة بالذات يجب أن تكون له شخصيته المستقلة.
كل ما يستطيع فعله هو أن يحتوي أبناء أخيه بحنانه و بإمكانه إبقاء هذا الزواج بشكل صوري يتيح له دخول المنزل دون إثارة الأقاويل وفي الوقت ذاته يرفع عنه وعن(هالة) الحرج.

تنهد عند هذا الحد وارتجافة جسده تتزايد فاستدار في بطء يراقب(هالة) من وراء الزجاج ليتأكد من استغراقها في النوم قبل أن يعود للغرفة في خفة ويغلق بابها خلفه في هدوء.
و كانت أطول ليلة في حياتيهما.

فقد ظلت(هالة) تتظاهر بالنوم حتى قرب آذان الفجر عندما غفت عيناها أخيراً.
أما هو فلم يحاول التظاهر بالنوم, بل ظل جالساً يحدق في ظلام الغرفة سانداً رأسه إلى ظهر الفراش وذراعاه معقودان أمام صدره, وبين الحين والأخر يراقب ****ب ساعته التي بدت كسلحفاة تمشي الهوينى.

وأخيراً بزغ الضياء معلناً بدء يوم جديد.
ومع ذلك لم يطرف جفنا(طارق) طلباً للنوم.
وقبل أن تعلن ساعته تمام الثامنة كانت(هالة) تفتح عينيها في كسل وعلى وجهها أجمل ابتسامة, فقد كانت عادة لديها أن تستقبل الصباح الجديد بابتسامة, ويبدو أنها فعلت ذلك متوقعة ألا يراها أحد.
لكن(طارق) رآها وبادرها بقوله ـ"صباح الخير."

لحظتها شعرت بأن هذه الابتسامة لا مكان لها, أو أن هذا ليس هو الوقت المناسب أو...
هي نفسها لا تدري لم نضت الابتسامة عن وجهها وهي ترد في هدوء ـ"صباح الخير."

ربما ظنت أن ابتسامتها تلك تعني موافقتها على الزواج, أو موافقتها على ما فعله معها, ولكنها...
قطع انسياب أفكارها صوت(طارق) الودود يقول ـ"لم أرد إيقاظك لعلمي بأنك مرهقة, لقد استيقظت قبلك بقليل."

نهضت من الفراش في سرعة وهي تغمغم في سخرية ـ"وهل نمت من الأساس؟ لقد ظللت جالساً حتى الفجر, وربما حتى الآن."

شعر بحرج بالغ وهو يسمعها, إذاً فهي الأخرى لم تنم إلا متأخراً وبالتالي أدركت أنه لم ينم و...
قطع صوتها إحراجه وهي تتابع بهدوء ـ"بعض الناس لا يتكيفون سريعاً مع تغيير فراشهم."

بدت عبارتها وكأنها طوق النجاة من الحرج الذي يكتنفه فأسرع يقول موافقاًـ"بالفعل هذا ما حدث."

ارتسمت ابتسامة ساخرة أخرى على شفتيها تؤكد عدم تصديقها له قبل أن تسأله بهدوءـ"ما هي الأطعمة التي تحب تناولها في كل وجبة كي أعدها لك؟"

ارتفع حاجباه في دهشة قبل أن يقول ـ"لاشيء محدد, فأنا أحب كل شيء. سآكل مما تأكلون منه."

هزت رأسها وهي تتجه نحو الباب قائلةـ"حسناً, سأذهب لأعد الإفطار."

استوقفها وهو ينهض مسرعاً من الفراش قائلاًـ"ريثما تعدين الإفطار, أيكون الأولاد مستيقظين الآن؟"

ألقت نظرة سريعة على الساعة المجاورة للفراش قبل أن تقول ـ"عادة ينامون لما بعد الآن يوم الجمعة, ولكن مع وجودك فلا أشك في أنهم استيقظوا في ميعاد المدرسة."

وقد كان حدسها صحيحاً, فـ(هيثم) و(هاني) كانا منهمكين في ألعاب الفيديو, إلا أنهما هرعا إلى عمهما بمجرد أن سمعا صوته وارتميا بين ذراعيه في حب حقيقي بادلهما إياه(طارق) حين احتضنهما بحنان أبوي دافق وقبّل رأسيهما بحب قائلاًـ"صباح الخير يا أحبائي. أين(هند)؟"

انبرى(هاني)يقول في سرعةـ"الحمد لله أنها ما زالت نائمة. لقد ظلت تبكي طوال الليل وجدتي تحاول إسكاتها دون جدوى حتى نامت أخيراً في الفجر."

وتابع وهو يغوص في أحضان عمه قائلاًـ"هذا أفضل كي أحظى بنصيبها من العناق."

ابتسم(طارق) في حنان وهو يداعب شعر(هاني) قائلاًـ"لا تخف, نصيبك من العناق محفوظ تماماً."

تابعت(هالة) بعينيها حوار طفليها الباسم مع عمهما الذي عاد إلى شخصيته الطبيعية دون تحفظ وملأت الابتسامة وجهه الوسيم.
وفي هدوء اتجهت إلى المطبخ لتعد الإفطار مع أمها التي رمقتها بنظرة تعرف(هالة) معناها جيداً فقالت لتجيب عن نظراتها المتسائلة ـ"لقد ظل يدخن في الشرفة حتى الثانية صباحاً ولم ينم حتى الآن."

ولم تزد عن ذلك رغم الدهشة التي ارتسمت على ملامح أمها.

وعلى مائدة الإفطار اقترح(طارق) أن يخرجوا جميعاً في نزهة خلوية, وبدا الاقتراح مناسباً جداً للطفلين اللذين صاحا في سعادة معلنين موافقتهما.
أما(هالة) فبدت متحفظة قليلاً للخروج معه إلى العالم في ثاني أيام زواجهما مباشرة, إلا أنه قال وابتسامته تضيء وجهه ـ"أنا رجل ديمقراطي, سنأخذ بالأصوات. أنا و(هيثم) و(هاني)و(هند) نوافق على الخروج سوياً. بقى أنت وأمي,إذاً نحن أغلبية وستأتون معنا شئتم أم أبيتم."

ويبدو أن لهجته راقت لـ(هيثم)و(هاني) فقد طفقا يصفقان ويضحكان في جذل شاركتهم فيه شقيقتهم الصغرى رغم أنها لا تفهم شيئاً.

ومر اليوم الثاني بسلام.



************************************************


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-13, 03:58 PM   #8

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

الدمعة السابعة



7 -

جلس (طارق) في مكتبه بالمستشفى ساهماً وهو يدق بطرف قلمه على سطح المكتب بشرود، ولم ينتبه لدخول فاتنة ممشوقة القوام في أواخر العشرينات، ذات شعر بني ناعم يصل إلى منتصف ظهرها وعينين عسليتين ناعمتين وشفتين رقيقتين تختفيان خلف طلاء وردي لامع، وعلى محياها الرقيق ارتسمت ملامح متباينة وهي تتأمل شروده قبل أن تحاول أن تبث قدراً من السخرية في صوتها وهي تقول ـ"ما للعريس شارداً؟ أتفكر في العروس؟"


انتفض (طارق) للحظة وهو يخرج عن شروده وينظر إليها بعينين خاويتين، قبل أن تتحول نظرته إلى نظرة تحمل حنان العالم وهو يهمس ـ"(سمر)؟"


اقتربت (سمر) لتجلس على المقعد المواجه لمكتبه وتلتقط القلم من بين أصابعه في دلال وهي تمط شفتيها قائلة ـ"أجل (سمر) التي نسيتها بسبب عروسك".


قاوم رغبة ملحة اجتاحته في أن يحتضن كفيها وهو يلتقط نفساً عميقاً ويحتويها بعينيه قائلاً بصدق ـ"بل (سمر) التي أتنفسها، ولا يمكن أن أتخيل حياتي بدونها".


تخضب وجهها حياءً وهي تخفض عينيها أرضاً للحظات قبل أن ترفعهما إليه ثانية وهي تقول بضيق مصطنع ـ"بدليل أنك لم تكلمني طيلة اليومين الماضيين".


منحها ابتسامة حانية وهو يقول ـ"لكن صورتك لم تفارق مخيلتي لحظة...لقد أوحشتني".


داعبت أصابعه بطرف القلم وهي تسأله في غيرة واضحة ـ"فيم كنت تفكر؟ إنك لم تجب سؤالي".


تأمل عينيها الجميلتين وتاه فيهما للحظات قبل أن يجيبها بحب ـ"من غيرك أفكر فيه؟"


مطت شفتيها بعدم اقتناع وهي تقول ـ"ربما كنت تفكر بعروسك".


ضحك من غيرتها وهو يقول ـ"(سمر)...كيف تغارين وأنت صاحبة الفكرة؟ ألم تشجعيني على الزواج منها من أجل الأطفال؟"


هزت كتفيها وهي تقول بضيق ـ"نعم شجعتك، وألوم نفسي ألف مرة على هذا الاقتراح...فهي أكيد جميلة وشابة و...".


قاطعها بضحكة ثانية وهو يقول ـ"ولكنني لا أرى غيرك...أنت فقط ملكت قلبي".


قالت في عناد طفولي ـ"لا تنكر أنها جميلة، وأنها كفيلة بإدارة الرؤوس".


تأملها بعينين ضاحكتين وهو يقول ـ"الأنثى هي الأنثى مهما درست وارتقت في المناصب...قلت لك أنني لا أرى غيرك...كما أن (هالة) و(حازم) رحمه الله كانا متحابين، ولن تسمح لرجل آخر بأن يحل محله في قلبها. ولا تنسي أن (هالة) مجبرة على هذه الزيجة مثلي تماماً. ألم أخبرك أنها أبلغتني بموافقتها على الزواج وهي تبكي؟".


سألته في شك ـ"وهل لا تزال على موقفها الرافض للزيجة؟"


اقترب بوجهه منها عبر المكتب وهو يهمس ـ"أيكفيك أنها لا تزال ترتدي حجابها كاملاً أمامي؟"


برقت عيناها للحظات قبل أن تباغته بالسؤال ـ"ومتى تنوي إذاً إخبار والدك بشأننا؟"


منحها ابتسامة واسعة وهو يقول ـ"انتظري شهراً أو شهرين...حينها سأخبر والدي أنني لا أرى (هالة) سوى كأختي، وأنني تزوجتها لإرضائه فقط، وأطلب منه أن أتزوج من اختارها قلبي".


عاد الشك إلى صوتها وهي تسأله بترقب ـ"أتظن أنه سيوافق؟"


لاحت نظرة قلق في عينيه لجزء من الثانية قبل أن يحاول ضخ أكبر قدر من الثقة في صوته وهو يقول ـ"ما دمت حققت له طلبه بالزواج من (هالة) والاهتمام بأبناء (حازم) رحمه الله، فلا أظنه سيمانع".


ثم تابع في سرعة وكأنه يحاول إقناع نفسه قبل أن يقنع (سمر) قائلاً ـ"أعتقد أن أبي لم يكن ليمانع زواجنا إذا أخبرته قبل وفاة (حازم) رحمه الله، ولكنه قدرنا أن يأتينا نبأ وفاته في نفس اليوم الذي قررت فيه الحديث مع أبي بشأنك".


تنهدت في عمق ولاح الضيق للحظات في عينيها قبل أن تسأله بتردد ـ"(طارق)...هل يعلم أي من زملائنا أو أصدقائك بزواجك من (هالة)؟"


هز رأسه نفياً فتابعت ببطء ـ"ولا حتى (سامي)؟"


ابتسم ليطمئنها قائلاً ـ"ولا حتى (سامي) صديقي الوحيد".


حركت أصابعها بقلق قائلة ـ"ولكنه من نفس قريتكم...إذا لم يعرف منك بأمر زواجك قد يعرف إذا سافر إلى القرية..وحينها...".


قاطعها بهدوء قائلاً ـ"لا تخشين شيئاً...(سامي) لم يعد يسافر إلى القرية منذ وفاة والديه، وجميع إخوته يقيمون في المدينة وتقريباً قطعوا صلتهم بالقرية...وحتى إذا علم بزواجي من (هالة)، فالغرض من الزيجة معروف، وأنا لم أٌقم احتفالاً ولم أدعه لحضوره كي يتضايق..إنه زواج صوري لا يعلمه إلا المقربين. أما حينما نتزوج أنا وأنت، فلابد وأن أعلن زواجنا أمام الجميع".


هزت كتفيها قائلة برقة ـ"إذا كان الأمر كذلك، فأنت أدرى يا حبيبي".


أغلق عينيه باستمتاع وهو يردد ـ"حبيبي...يالها من كلمة...أعيديها على مسامعي ثانية".


تخضب وجهها خجلاً وهي تقول بدلال ـ"لا تعتد على ذلك...حينما أصبح زوجتك ستمل من سماعها...أما الآن فهي ليست من حقك أو حقي".


عض شفتيه وهو يهمس بحب ـ"هل سأنتظر حتى زواجنا؟ على الأقل أطربي سمعي بكلماتك الرقيقة حتى تروي ظمأ قلبي قليلاً".


ضحكت في خجل وهي تستدير لتغادر مكتبه قائلة ـ"عجل بزواجنا إذاً حتى لا يطول ظمأك".


وخرجت كما الفراشة الرقيقة، ليعود وحيداً يداعب قلمه بنفس الشرود.


*******************



Msamo likes this.

لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-13, 04:00 PM   #9

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

الدمعة الثامنة

8 -


انهمكت(هالة) في تصحيح اختبارات تلاميذها حتى أنها لم تنتبه لـ(طارق) الذي اقترب منها وجلس قبالتها يراقبها في هدوء قبل أن يتنحنح ليلفت انتباهها إليه, ولقد نجح في ذلك, إذ أنها رفعت رأسها إليه في تساؤل شجعه ليقول بهدوءـ"(هالة)...كنت أريد التحدث معك بأمر هام."

عقدت حاجبيها للحظة قبل أن تخلع نظارتها الطبية الرقيقة لتقول بابتسامة هادئةـ"خيراً إن شاء الله."

تنحنح ثانية واعتدل في جلسته قبل أن يقول ـ"لقد طرأ الموضوع على عقلي فجأة وأردت أن أحادثك بخصوصه...إنه عملك."

عقدت حاجبيها طويلاً هذه المرة وهي تقول في حيرةـ"عملي؟ ماذا به؟"

قال بنفس الهدوءـ"لاشيء, لقد لاحظت أنك ترهقين نفسك في العمل بالمدرسة دون داع."

شبكت أصابع كفيها قائلةـ"بدون داع؟ وما الداعي المقنع في نظرك؟"

هز كتفيه قائلاً في ثقةـ"أن تكوني بحاجة إلى المال وهو ما ليس متوافراً في حالتك."

رمقته بنظرة طويلة قبل أن تقول بثقة هي الأخرىـ"على العكس تماماً, فكما أخبرت والدك من قبل, فأنا أعمل ليساعد راتبي مع معاش(حازم) رحمه الله في تربية أبنائي لأنني لا أنوي أن أنفق عليهم من مدخرات والدهم."

أومأ برأسه قائلاً ـ"أعلم هذا, ولكنك الآن متزوجة مني وأنا ملزم بالإنفاق عليك وعلى أبنائك."

تابعت وكأنها لم تسمعه ـ"وإذا لم تكن لاحظت, فزواجي منك اقتطع نصيبي من معاش(حازم) وبالتالي فراتبي سيعوض هذا النقص إلى حد ما."

قال بإصرارـ"قلت لك أنني ملزم بالإنفاق علي..."

قاطعته قائلةـ"على أبناء أخيك لأنهم من دمك أما أنا فلا."

هتف بها في حنق ـ"أنت زوجتي."

ارتدت نظارتها بهدوء وهي تقول بلامبالاة ـ"حقاً؟!"

احتقن وجهه في شدة قبل أن يضغط فكيه في غيظ وينهض تاركاً الغرفة لها في غضب واضح.




ولثوان حاولت(هالة)التركيز في عملها إلا أنها فشلت فعادت تخلع نظارتها في عصبية وذكرى مزعجة تطاردها.
تذكرت موقفاً مشابهاً قبل أكثر من عشر سنوات.
موقفاً تعرضت له مع زوجها السابق...شقيقه.




حينها كانت لا تزال عروساً لم يمض على زفافها سوى شهر أو يزيد، وكانت علاقتها بجارتها (نهى) قد توطدت كثيراً بحكم أن كلتيهما وحيدة.
كانت (هالة) تقضي أغلب وقتها في صحبة (نهى) التي لم تكن أنجبت ابنها البكر (عبد الله) بعد.
ولكن مع اقتراب العام الدراسي، انتبهت (هالة) إلى أن صديقتها ستعود إلى عملها في تدريس اللغة الإنجليزية للأطفال في مدرسة مجاورة، وحينها ستعود هي إلى الجلوس وحيدة دون أنيس.
وحينما عرضت (نهى) عليها العمل معها في المدرسة التي تحتاج إلى معلمات جدد، كادت (هالة) تطير من السعادة.
فقد أتتها الفرصة التي كانت تحلم بها...
أن تهرب من الفراغ القاتل الذي يحيطها في غياب زوجها وانشغال رفيقتها الجديدة.
ولأنها لم تكن تعلم بطباع زوجها جيداً...فقد توقعت منه ترحيباً وموافقة فورية على اقتراح العمل، خاصة وأن المدرسة كانت قريبة للغاية من المنزل.
لكنها فوجئت بوجه غريب تراه لأول مرة...
فقد رمقها بنظرة حادة قبل أن يشيح بوجهه بعيداً ويتظاهر بقراءة الجريدة قائلاً بجفاف ـ"انسي هذا الموضوع...فزوجتي لا تعمل".
أدهشها رد فعله وألجم لسانها للحظات قبل أن تقترب منه بوجهها وتلمس ذراعه بدلال قائلة ـ"حبيبي أرجوك...الملل يقتلني في غيابك..وبعد قليل ستعود (نهى) إلى عملها وأعود أنا إلى الفراغ الرهيب وحدي...و..".
قاطعها وهو لا يزال يقرأ الجريدة قائلاً ـ"قلت انسي هذا الموضوع...فأنا لا أتراجع في رأيي".
لم يثنها تجاهله عن محاولة استعطافه ثانية فتابعت بدلال أكثر ـ"حبيبي أنا خريجة كلية التربية، والمدرسة المجاورة بحاجة إلى معلمات جدد، و(نهى)...".
قاطعها بغضب هادر هذه المرة وهو يلتفت إليها ويلقي الجريدة على طول ذراعه هاتفاً ـ"يووووووه (نهى)... (نهى) الله يخر...".
قطع كلمته التي خرجت رغماً عنه وزفر في عمق قبل أن يستغفر ربه ويقول من بين أسنانه ـ" قلت إنني لا أتراجع في رأيي، ولا أحب أن أقول الكلمة مرتين. أنا لا أحب أن تعمل زوجتي خارج المنزل لأنني لا أقبل أن يُقال إنني أتركها تعمل لأقبض راتبها".
اتسعت عيناها في ذهول واستنكار وهي تستمع إليه وترى عصبيته الشديدة ومفهومه عن عمل المرأة، وقبل أن تفتح فمها للاعتراض تابع هو موضحاً ـ" ولا تقارني بين وضعنا ووضع (عمر) وزوجته...فهو مسؤول عن تزويج شقيقاته وعن إعالتهن بعد وفاة والده، ولهذا سمح لزوجته بالعمل حتى تساعده قليلاً في ترتيب حياتهما الخاصة. أما أنا فأعمل هنا لنفسي وحياتي، ويكفيني ما أجنيه من عملي".
اغرورقت عيناها بدموع الصدمة من عصبيته وهي تقول بصوت مختنق ـ"ولكنك لم تجهز شقتنا في مصر حتى الآن".
منحها ابتسامة ساخرة وهو يقول بتهكم ـ"وهل تعتقدين أنني سأتركك تعملين حتى يُقال أن زوجتي ساهمت في شراء الشقة؟ أنا لم أشتر شقة وأجهزها لأنني لم أستقر على مكان إقامتنا حتى الآن...كنت في انتظار معرفة رأي زوجتي وأين تحب أن تسكن".
قاومت دموعها التي أثرت على صوتها فخرج متهدجاً وهي تقول ـ"أنا لا أريد العمل لأنني بحاجة إلى المال...أريد أن أعمل كي أثبت ذاتي...كي أفيد الآخرين مما تعلمته...كي..".
قاطعها في سخرية قائلاً ـ"اسمعيني جيداً...أنا رجل شرقي، ولا أحب أن تُثار الأقاويل عني أو عن زوجتي لأي سبب. وكيلا أطيل عليك، فأنا لا أقتنع بالثرثرة التافهة عن حقوق المرأة وعمل المرأة ومجلس المرأة".
ثم تابع قائلاً بنظرة تجسد معنى اسمه ـ"فحقوق المرأة عندي محفوظة لدى زوجها، وعملها هو الاهتمام به وبأبنائه".
عجزت عن كبت دموعها التي تمردت واندفعت تغرق وجنتيها دون قصد، وقد تحطم حلمها على صخرة أفكاره المتشددة.
ورغم ذلك استجمعت شجاعتها وهي تراقبه يستعيد الجريدة ويرتب أوراقها المبعثرة وتقول في حيرة ـ"من هؤلاء الذين تخشى من أقاويلهم علينا؟ من هؤلاء الذين تهتم بهم أكثر مني؟"
لم يجبها بشكل مباشر وإنما قال بلهجة من أنهى الحديث ـ"(هالة)...أنا رجل البيت وكلمتي هي الأولى والأخيرة، ولا أريد مزيداً من المناقشة. وإذا أردت الهروب من الملل فأنجبي طفلاً. وقتها لن تجدي أي وقت فراغ".






عادت من ذكرياتها القديمة إلى أرض الواقع وهي تشعر بغصة مؤلمة في حلقها لم تهدأ حتى أفرجت مقلتيها عن دمعتين ساخنتين وهي تقارن في عقلها بين موقف (حازم) رحمه الله وموقف (طارق) قبل لحظات.


يا إلهي...إلى هذا الحد يختلفان وكأنهما نقيضان كالليل والنهار؟
فالاختلاف لا يقتصر على الشكل الخارجي فقط، وإنما يتعداه إلى الأسلوب أيضاً.

ولوهلة تخيلت (طارق) ثائراً مثل شقيقه ويتحدث بنفس الصرامة والحزم، ولكنها ابتسمت رغماً عنها لأنها موقنة أن الصرامة و(طارق) لا يجتمعان.

وفي هدوء، مسحت دمعتيها عن وجهها ووضعت النظارة من يدها فوق أوراق الإختبارات، قبل أن تنهض وتخرج من الغرفة لتبحث عنه في أرجاء الشقة حتى وجدته في شرفة غرفتهما واقفاً يدخن في عصبية فاقتربت منه في هدوء قائلةـ"أتدخن هكذا كلما كنت عصبياً؟"

التفت إليها في حدة للحظات قبل أن يعود بوجهه إلى حيث كان ينظر؛ فمطت(هالة)شفتيها قبل أن تقول ـ"ألا تعلم أن التدخين ضار جداً بالصحة؟!"

نفث دخان سيجارته في قوة أشعرتها بمدى ضيقه فقالت بخفوت ـ"أنا آسفة, لم أستطع توضيح وجهة نظري بالطريقة الصحيحة."

قال بسخرية و وجهه مازال معلقاً بالأفق ـ"حقاً؟! أهناك ما هو أوضح مما قلتِ؟"

تنهدت في عمق قبل أن تقول ـ"(طارق)...الطريق لا يزال طويلاً ونحن مازلنا في بدايته. يجب أن نحتمل بعضنا البعض كي تسير بنا الحياة. أعلم أن كلينا يشعر في قرارة نفسه بأنه مجبر على هذه الحياة بشكل أو بآخر. ونظراً لأننا لم نعتد هذه الحياة بعد فسيحدث بيننا العديد من الصدامات في البداية والتي أرجو أن تختفي فوراً من حياتنا. الغرض الأساسي من زيجتنا هذه هو تربية أبنائي وأثق تماماً في أنني لن أجد لهم أباً أفضل منك. وفي الوقت نفسه, أرجوك لا تضغط علي في قبول أي شيء خاصة مسألة الإنفاق هذه حتى أعتاد على هذه الأمور."

ألقى بما تبقى من سيجارته بعيداً وهو يستدير إليها قائلا ًـ"وحتى تعتادي الأمور, هل سيظل شعرك مغطى بالحجاب كما لو كنت رجلاً غريباً عنك؟"

تصاعدت الدماء سريعة إلى وجهها وهي لا تدري أهي دماء الخجل أم الحرج قبل أن تقول في ارتباك لتغير الموضوع ـ"لقد نسيت وأنا أوضح وجهة نظري أن أخبرك بأهم سبب لعملي."

سألها في هدوء ـ"وما هو؟"

ازدردت لعاباً وهمياً وهي تكرر ما قالته يوماً لشقيقه ـ"أنا أعمل كي أثبت ذاتي, وكي أستفيد من دراستي الماضية, ولكنني إذا شعرت بتعارض عملي مع واجباتي الأسرية سأتفرغ لبيتي فوراً."

منحها ابتسامة صافية شجعتها على أن تواصل قائلة ـ"أعدك بذلك مقابل أن تعدني بالتوقف عن التدخين."

فوجيء بمطلبها واضطر أن يقول بارتباك ـ"أنا أدخن فقط حين أشعر بالضيق والتوتر أو أكون عصبياً."

قالت بإصرار ـ"عدني."

رفع كتفيه في استسلام قائلا ًـ"أمري لله...أعدك."


***********************************


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-13, 05:30 PM   #10

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

الدمعة التاسعة

9-



دلفت (هالة) إلى شقتها في هدوء وهي تمني نفسها بقضاء بعض الوقت في سكينة قبل وصول ولديها العاصف،
ولكنها ما أن تقدمت خطوتين إلى الداخل حتى وجدت أمها وزوجها بل وحميها أيضاً جالسين في الردهة والصمت يلفهم.
لوهلة انقبض قلبها إلا أنها سارعت برسم ابتسامة ترحيب على وجهها لم تنجح في محو القلق من صوتها وهي تقول ـ"مرحباً بك يا عماه..يالها من مفاجأة سارة."

ثم ما لبث قلقها أن تغلب عليها فقالت في سرعة ـ"ماذا هناك؟ لماذا انتم صامتين هكذا؟ هل حدث شيء لـ(هند)؟ أين هي؟"

وبفزع قلب الأم هرعت إلى غرفة الصغيرة لتجدها نائمة في هدوء وحرارتها عادية فتنهدت في عمق وارتياح قبل أن تعود إلى الردهة ثانية وتقول بابتسامة مرتبكة ـ"آسفة لانفعالي...لقد قلقت على(هند)."

ثم ما لبثت أن قالت لحميها ـ"كيف حالك يا عماه..لم نرك منذ فترة."

تنهد الرجل قائلاً ـ"عندما لم تأت جئت أنا."

جلست إلى جوار أمها قائلة ـ"إنها المشاغل يا عماه..فأنا في العمل صباحاً وبعد الظهر أراجع مع الأولاد دروسهم وهي مسئولية مرهقة للغاية كما تعلم، لذا ما أن ينام الأولاد حتى أنام أنا الأخرى فوراً، حتى أنني في بعض الأوقات لا أرى الفراش من شدة التعب."

قال بتهكم ـ"واضح."

عقدت حاجبيها للحظات ولم تعقب في حين تابع هو بنفس اللهجة التهكمية ـ"لقد ظننت أن هناك سبباً أكثر أهمية يمنعك من زيارة البلدة، كان يكون ركوب السيارة لمسافات طويلة خطراً عليك."

سألته في دهشة ـ"وما الذي يجعل ركوب السيارة خطراً عليّ؟ أنا لا أعاني من دوار المركبات وصحتي, والحمد لله, على ما يرام."

قال الرجل بخبث ريفي ـ"إذاً فلا يوجد شيء في الطريق."

انتبهت فجأة لمغزى حديثه فقالت بابتسامة مرتبكة وهي تتبادل النظرات مع أمهاـ"لا, لم يأذن المولى بعد."

اقترب بوجهه منها قائلاً بتهكم ـ"طبعاً لا يوجد شيء لأنه لا يأتي باللاسلكي."

احتقن وجهها بدماء الحرج وشعرت بحرارة فائقة تلهب جسمها كله وهي تسمع حميها يقول هذا, وأغاظها صمت زوجها الذي أحنى رأسه أرضاً, فالتفتت إلى أمها تطلب منها العون؛ ولم يكن حال الأم بأفضل من حال ابنتها, لذا هبت(هالة) واقفة وهي ترتجف من الانفعال قائلة ـ"ماذا تعني يا عمي؟"

وضحت نبرة العزم في صوت حميها وهو يقول ـ"أعني أنه ما من زوجة صالحة تتمنع عن زوجها مهما كانت الأسباب."

أدارت عينيها إلى زوجها في حدة إلا أن وجهه كان لا يزال أرضاً, وشعرت بجفاف حلقها فقالت مدافعة عن نفسها ـ"أأخبرك هو بذلك؟"

زاد الحزم في صوت حميها وهو يقول ـ"أخبرني أو لم يفعل ليس هو المهم, المهم هو أنني أعرف بالفعل؛ كما أنني لست أعمى. (طارق) ابني تتمناه ألف فتاة لم يسبق لها الزواج بعد, ومع ذلك وافق على الزواج منك, ولا أعتقد أن هذه طريقة سويّة لرد الجميل."

شعرت(هالة) بالأرض تميد تحت قدميها فجلست على أقرب مقعد ذاهلة وعيناها لا تفارقان وجه(طارق) في حين اعترضت أمها قائلة ـ"يا حاج(حفني), هذا الكلام لا داعي له؛ كلانا يعلم ظروف الزواج وليس لنا أن نتدخل في حياتهما."

التفت إليها قائلا ـ"أتعنين أنك على علم بما تفعله ابنتك مع ابني؟"

أجابته بثقة ـ"هذه أسرار شخصية ولا يحق لمخلوق سواهما معرفتها, حتى أنا وأنت."

سألها بحدة ـ"أتقصدين أن الخطأ يقع الآن على ابني لأنه باح لي بمكنونات صدره؟ لأنه شاركني همومه؟"

همت بالرد عليه عندما هتفت(هالة) بـ(طارق) بصوت مبحوح قائلة ـ"قل الحقيقة, قل أنني بريئة من هذا الاتهام."

إلا أن القول لم يأت من بين شفتي زوجها الذي أحاط رأسه بكفيه وكأنه يسد أذنيه عن صوتها.

القول أتى من حميها, العمدة, فقد قال في غلظة ـ"الحقيقة هي أنك إن لم تعدلي عن أفعالك غير المسئولة تلك فسأزوجه من أجمل بنات مصر. أتفهمين؟"

قالها ونهض مغادراً الشقة لينهي المناقشة بأوامره كالمعتاد.

وساد صمت مطبق للحظات قطعه صوت(هالة) المنفعل وهي تهتف بزوجها قائلة ـ"لماذا لم تعترف؟ بل لماذا كذبت من الأساس؟ أنا تمنعت عليك؟ لماذا لم تخبره أنك قضيت ليلة زواجنا في الشرفة؟ لماذا لم تخبره بأنك غيرت نوباتك في المستشفى لتقضي الليل بطوله هناك وتنام هنا فترة وجودي بالمدرسة؟ لماذا لم تخبره بالحقيقة؟"

وأخرجت غيظها في الحجاب الذي نزعته عن رأسها في حدة وألقته بعيداً قبل أن تسمح لدموعها بالانهمار على وجهها في سرعة.

وظل(طارق) على وضعه للحظات أخرى قبل أن يقول بصوت خفيض ـ"آسف يا(هالة), لقد حدث سوء تفاهم."

هتفت من بين دموعها قائلة ـ"سوء تفاهم؟! أبعد كل هذا تقول سوء تفاهم؟ ألم يلحظ والدك أنك لا ترتدي دبلة في إصبعك؟ ألم يلحظ أن زواجنا مقصور فقط على العائلة ولا يعلمه أي من أصدقائك أو زملائك؟"

فتح فمه ليجيبها عندما بادرته قائلة ـ"وحتى لو أنني ابتعدت عنك, فكيف تخبر والدك بأسرار زواجنا؟ أمي نفسها, والتي تقيم معنا تحت نفس السقف لا تدري شيئاً عن هذا, وأنت تخبر أبيك بالأكاذيب عني؟ لماذا لم تخبره بأنك أنت بدأت بالابتعاد؟"

هتف بها بارتباك قائلاً ـ"(هالة)! أنا لم أخبره أياً مما قال."

ثم استدار يستنجد بأم زوجته قائلاً ـ"صدقيني يا أمي, أنا لست صغيراً إلى هذا الحد."

مسحت(هالة) دموعها في عصبية ونهضت قائلة ـ"صغيراً أو كبيراً, لا فارق. يكفي أن تخبر أباك أنك مكره على هذا الزواج. ليس هذا فحسب, فأفعالك هذه لا تصدر عن رجل مكره على الزواج فقط, بل عن رجل يحب ويخشى أن يخون حبيبته."

اتسعت عيناه في دهشة وارتجفت شفتاه للحظات قبل أن يلتقط مفاتيح سيارته ويسرع مغادراً المنزل.


*****************************


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
دمعات

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:06 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.