شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   روايات عبير المكتوبة (https://www.rewity.com/forum/f202/)
-   -   9- الرحلة- للكاتبة اَن ويل (كتابة/كاملة)تم إضافة الروابط (https://www.rewity.com/forum/t284721.html)

مغربيةوأفتخر 28-05-13 10:20 AM

9- الرحلة- للكاتبة اَن ويل (كتابة/كاملة)تم إضافة الروابط
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه اول رواية أحطها بالمنتدى
راح أكتب لكم الملخص واذا عجبتكم
أكتبها كلها


الرحلة

لم يصدقوا أن قريبتهم الهادئة تفكر بالسفر مسافة ثمانية اَلاف ميل لتفحص بيتا متداعيا تركه لها عجوز غريب الأطوار و ذو سمعة مشبوهة أدهشهم أكثر تصميمها على التمسك بمشاريعها حيال اعتراضاتهم.
وهاهي الاَن مستلقية في مقصورة الطائرة وقد فقدت فرصتها الأخيرة لتغير رأيها فالرحلة ابتدأت ولا مجال للتراجع...
أما هو فقد اقترف غلطة في الماضي ويخشى الوقوع في أخرى... صدمه الحب وأبعده عن فكرة الزواج الى الأبد.


الروابط

يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفييجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفييجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفييجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي


أتمنى تعجبكم وما تكون مكررة

مغربيةوأفتخر 29-05-13 12:00 PM

جائت الفرصة أخيرا.فعرابها توفي تاركا لها ارثا في الطرف الاخر من العالم. الجميع حذرها من جنون الرحلة ومخاطرها. ولكن عنادا كامنا جعلها تتمسك بقرارها بقوة.

فيما فيفيان تثبت حزام الامان حول خصرها الرقيق لاحظت ان يديها ترتعشان. وللحظة انتابتها رغبة حامحة في الاندفاع من مقعدها الى الباب لكن المحركات انطلقت انذاك واخذت الطائرة الضخمة تتقدم ببطء نحو المدرج الرئيسي.
أدركت بشيء من الذعر انها فقدت فرصتها الاخيرة لتغير رئيها فالرحلة قد بدأت ولا مجال للتراجع.
ازاحت الستار وتطلعت من كوة الطائرة لتهدئ من روعها. الزجاج يغشاه المطر ولم يكن هناك ما يرى عدا انوار مباني المطار وراء المدرج المظلم حيث تعصف الريح.
لم تكن فكرة الطيران هي التي هزتها برهة بل ادراكها بانها ستكون وحيدة من الان فصاعدا فمهما تعقدت الامور التي تنتظرها عليها ان تواجهها بنفسها من دون ان تجد من تلجأ اليه للنصح اوالمساعدة.
الجميع حذرها من جنون هذه الرحلة ومخاطرها وطبلوا اذنيها خلال الاسابيع الخمس الاخيرة بكل المفاجاَت الممكنة وكادت ان تستسلم مرات عدة استعملوا معها كل الوسائل من الدعابة الى التهديدات المبطنة لثنيها عن السفر ولكن عنادا كامنا جعلها تتمسك بقرارها بقوة والان تلاشى توترها فجأة وشعرت بانتعاش لان المغامرة قد بدأت بالفعل ولأنها اصبحت حرة للمرة الاولى منذاثني عشر عاما
بدأت المحركات تهدر بقوة هائلة وانطلقت الطائرة بسرعة متزايدة حتى ابتلعت الظلمة اخر ضوء يرسم الحدود كان الاقلاع ناعما الى حد ان فيفيان لم تدرك انهم اصبحوا في الجو حتى انطفأت اشارة منع التدخين فوق مقعدها.
-ها من مانع أن أدخن؟
مرت ثوان قبل ان تكتشف ان السؤال موجه اليها.
قالت في عجل
-لا ابدا
منذ صعودها الى الطائرة كانت منهكة بافكارها فلم تنتبه الى الرجل في المقعد المجاور اما الان وربما لانهما سيترافقان خلال الايام والليالي الثلاث المقبلة اخذت تراقبه على غفلة منه.
بسبب طوله فبالكاد يتسع مجال الجلوس لساقيه انه ذو سمرة غدرية وشعر أسودقصير وصورة جانبية يبرز فيها حاجبان كثيفان وأنف معقوف وفك بالغ القسوة وكا ان اشعل لفافته حتى استرخى في جلسة مريحة وفتح كتابا بدا لها انه كتاب دراسات اذ رأت رسما بيانيا معقدا على الصفحة اليمنى من تلويح الشمس لبشرته رجحت انه عائد الى الشرق الاوسط او الاقصى ولان قامته وعرض كتفيه اوحيا اليها بانه يقوم بعمل يتطلب جهدا خيل اليها انه لابد ان يكون مهندسا او مزارعا من نوع خاص كان يرتدي بزة انيقة وربطة عنق داكنة ولكن بدا وكأنما يكون أكثر ارتياحا في قميص للأدغال وشورت كاكي.
تجهم وجهها حزنا اذ تذكرت الجو العدائي الذي خيم على رحيلها ليتها سمعت شخصا واحدا يتمنى لها التوفيق حتى روجر الذي تعتبره ألطف اقربائها ودعها بجفاء افهمها انها خسرت حسن ظنه فيها.
-ماذا تتناولين سيدتي؟
ظهور المضيف مع عربة المشروبات انتزعها من أفكارها.
وفيما كانت ترتشف مشروبها تأكد لها انه لا جدوى من التحسر على رحيلها الكئيب ومن الماضي السحيق عاودها صدى كادت تنساه ورأت عبر السنين مايكل كونيل جالسا الى رأس الطاولة في فيلا على حوض البحر الأبيض المتوسط مرددا كعادته "لا أسف على شيء".
وهكذا بعد اثني عشر عاما على وفاته جائت ذكرى شعاره المفضل لتمنحها مزيدا من الشجاعة. عاد المضيف ليثبت الصواني الخشبية على مساند المقاعد وتبعته المضيفة بصحون حساء الفطر الساخنة لكن جارها لاسمر الذي وضع كتابه جانبا خلال تناول الوجبة بقي صامتا ولم تتجرأ فيفيان على فتح حوار بعد العشاء ذهبت الى غرفة السيدات وحين وقف ليفسح لها الطريق لاحظت ان زرقة عينيه الزاهية تتناقض بغرابة مع وجهه الداكن وشعره الأسود الاجعد. بامكانها الان اشباع توقها للثياب الانيقة فمنذ غادرت المدرسة لم ترتدي سوى ثياب التويد الخرقاء وفساتين الحرير المزرية التي كانت الخالة كونستانس تعتبرها تناسب السيدات لكن هذا الذوق لم يكن لينسجم مطلقا مع فيفيان المرهفة الشخصية ولونها غير الاعتيادي شعرها المشدود الى الوراء كان بشقرة العسل التي قلما تتجاوز الطفولة ورثت عن امها وجهها الناعم اما فمها الجذاب وعيناها اللوزيتان الرماديتان المائلتنا الى الاخضر وحاجبيها المنسابان فقد ورثتها عن أبيها.
ما ان وصلت الى مقعدها حتى تعرضت الطائرة الى هزة مريعة وكأنما يد عملاقة أخرجتها عن طريقها حاولت فيفيان ان تلتقط ظهر أقرب مقعد لكنها أخطأته ووقعت بين ذراعي جارها الصامت.
أحمر وجهها ارتباكا وحاولت جاهدة أن تستعيد وقفتها لتجد انه يحيط خصرها بحزم.
-هل أذيت نفسك؟
تكلم بهدوء وكأنما من عادة الفتيات الغريبات ان يقعن في حضنه.
قالت في ارتباك
-كلا ... انما ... اَسفة جدا. لم اكن اتوقع هذا.
استفسرت المضيفة التي جاءت مسرعة
-ها انت بخير انسة كونيل؟
فأكدت لها وهي تشعر بالحرج
-نعم شكرا.
-من حسن حضك انك وقعت على الدكتور سترانسوم. يبدو أننا اصطدمنا بفجوة هواء كبيرة ولكن ليس هناك ما يقلق. يجب أن اربط حزامك لفترة خوفا من تكرار الارتطام.
تأكيد لنصيحتها اضيئت اشارة ربط الأحزمة وابتعدت المضيفة لتطمئن الركاب بأن الارتجاج طارئ عرضي. قالت فيفيان بعد أن جلست في مقعدها وقد ربطت حزام الامان
-أرجو ألا أكون قد أزعجتك؟
بدا الدكتور سترانسوم ضاحكا من احساسها بالذنب
-لست بالضبط من الوزن الثقيل. خذي لفافة لتهدئة أعصابك ففجوات الهواء هذه تثير الاضطراب في رحلة الطيران الاولى.
-لا شكرا. لا أذخن. كيف عرفت انها رحلتي الأولى؟
-كنت تنتظرين الاقلاع وكأنك تواجهين فرقة الاعدام.
احمر وجهها. هل كان اضطرابها باديا بهذا الوضوح؟ وتابع قائلا
-لاعليك. كلنا نشعر بالخوف في المرة الأولى.
وقبل أن تتمكن من متابعة الموضوع التقط كتابه الذي أوقعه بسقوطها المفاجئ وبدأ يقلب الصفحات بحثا عن المكان الذي وصل اليه.
ليس بحاجة لأن يظهر عدم رغبته في الكلام الى هذه الدرجة. كم انه فظ...
بعد منتصف الليل بقليل هبطت الطائرة في مطار روما حيث كانت تنتظرهم القهوة الساخنة ووجبة طعام خفيفة معظم السيدات ومعهن فيفيان اصطففن امام اكشاك التذكارات حيث تباع مناديل الحرير وكنزات الكشمير وزينة الفسيفساء الايطالية.
في الطائرة جلس المسافرون لقضاء ما تبقى من الليل كانت المقصورة مريحة في ظل الانوار الخافتة نزعت فيفيان حذائها والتحفت بالغطاء الخفيف الذي زودتها به المضيفة تمنت الا تكون تنورتها مدعوكة كثيرا في الصباح ثم تذكرت انهم سيصلون الى ساحل لبنان المشمس وانه باستطاعتها ان تلبس فستانها الصيفي المطوي في حقيبة يدها.
كانت البارحة تتقلب على سريرها الضيق في البيت... لم يكن بيت خالتها بيتها فعلا فقد وصلته في العاشرة من عمرها ومذ ذاك لم يزل استغرابها اذ كانت دخيلة ودائما غريبة ومدركة بأنها قريبة فقيرة.
لقد ولدت في الريفيرا وأولى ذكرياتها تحمل زرقة السماء ونور الشمس وعبير الازهار متدفقا من الهضبة التي تعلو الفيلا البيضاء كانت طفولتها حرة تماما فمايكل وايموجين كونيل المتحابان كانا بمثابة أخ وأخت لها وعندما بلغت العائرة من العمر قتلا في حادث سيارة مروع وقبل ان تستفيق من تأثير خسارتها الفظيعة جاءت خالتها السيدة كونستانس سينكلير وهي امرأة انكليزية بغيضة متوسطة العمر الى الفيلا وانتزعت فيفيان لترميها في كاَلة انكلترا الرمادية الرطبة في منتصف الشتاء.
ومنذ ذلك الحين تغير كل شيء حيث عقص شعرها المتمرد العسلي في جديلتين واستبدل الشورت وحذاء الرياضة ببزة رياضة بحرية قبيحة وبحذاء متين للسير وأرسلت الى مدرسة داخلية شهيرة حيث تقيم جوديت ومارغريت ابنتا خالتها. بعد الحرية المطلقة التي عرفتها أصبحت حياة النظام الصارم الجماعية عاملا مطهرا فتحولت من عفريت صغير ضاحك يضج بالحياة الى بائسة صغيرة شاحبة الوجه معقودة اللسان. أما أيام الاعياد فكانت أسوأ. فبنتا خالتها تعذبانها دون رحمة بينما السيدة سينكلير تؤنبها باستمرار لمختلف المخالفات غير المقصودة. وجائت الضربة الاخيرة حيت قيل لها اباها الرائع وهو وغد ومبذر وفق مقاييس سينكلير وعندما هبت فيفيان للدفاع عنه منعتها خالتها من ذكر اسمه.
قالت لابنة اختها بقساوة
-أتمنى ان نتمكن يوما القضاء على الخصال المؤسفة التي قد ترثينها عنه الان اذهبي الى غرفتك وحاولي الا تكرري مثل هذه التصرفات المعيبة.
وسرعان ما ادركت فيفيان انه لا جدوى من مقاومة ارادة خالتها الصلبة. عندما غادرت المدرسة كان الرضوخ قد أصبح أمرا اعتياديا بحيث لم تعترض على تجاوز الخالة كونستانس لاقتراحها التدرب على مهنة ما وقبلت ان تتعلم ان تتعلم قيادة السيارات والطباعة على الالة الكاتبة والعمل كسكرتيرة للسيدة سنكلير لكنها تحت مظهرها الهادئ المطيع كانت تتوق ضمنا لليوم الذي ستتمكن فيه من التخلص من سيطرة خالتها.
عندما جائت الفرصة أخيرا في شكل رسالة من محام كادت لا تصدق فعرابها جون كاننغهام الذي لم تره منذ كانت في السابعة توفي تاركا لها مبلغا محترما من المال وارثا في الطرف الاخر من العالم.
ولدى اعلان فيفيان قرارها بزيارة ملكيتها ظنت عائلة سينكلير انها تمزح وعندما ادركوا انها جادة دهشوا ولم يصدقوا ان تفكر قريبتهم الهادئة الخنوعة بالسفر مسافة ثمانية الاف ميل لتفحص بيتا متداعيا تركه لها عجوز غريب الاطوار وذو سمعة مشبوهة وقد ادهشهم اكثر التصميم الذي ابدته في التمسك بمشاريعها حيال اعتراضاتهم.
اخيرا اصدرت الخالة كونستانس انذارا واعلنت
-اذا استمريت بمشروعك المجنون هذا يا فيفيان احذرك بانني لن استمر في اعالتك. انا مندهشة للطريقة الانانية التي تهزئين بها من رغبتي. اذا رحلت الان فلا مجال للعودة.
وبالتهور الذي كان من خصائص والدها المؤسفة اجابتها فيفيان
-حسنا خالتي يؤسفني ان يكون هذا هو شعورك لكني سأذهب الى الملايو بالرغم مما سيحدث.
الان وهي مستلقية في المقصورة المطفأة وقد انجزت الجزء الاول من رحلتها الطويلة تسائلت عما اذا كان تمردها على خالتها ضربا من الجنون فجزء كبير من المال الذي تركه عرابها انفق على تذكرة سفرها الى سنغافورة وما تبقى منه لن يكفيها الى الابد بامكانها ان تبيع الملكية ولكن ربما كانت قيمتها قليلة وفي هذه الحال ستضطر للعودة الى انكلترا وايجاد طرق لتأمين معيشتها امر واحد يبقى اكيدا وهو انها لن تلجأ ابدا لعائلة سينكلير لمساعدتها . كانت تعرف انها مدينة لهم لاستقبالها في بيتهم ولكن مع انهم اطعموها وكسوها وعلموها فلم يحبوها يوما او حتى استلطفوها.
وفيما النعاس يتملكها فكرت ان ما تقوم به هو مقامرة مجنونة سوف تخسرها على الارجح لكن مايكل كان مقامرا وكان يقول دوما اذا لم تغامر ابدا فلن تربح ابدا اتسائل لماذا ترك لي العراب جون البيت؟ ربما لم يكن هناك احد غيري.
استيقظت على نور الصباح الباهت يتسلل عبر الستار جلست بتلهف وازاحت الستار جانبا.
حركة ورائها جعلتها تلتفت فرأت الدكتور سترانسوم يستيقظ خمنت عمره بخمسة وثلاثين او ستة وثلاثين عاما ولكنه بدا اصغر حين ابتسم ومع انه مدخن مدمن فقد بدت اسنانه ناصعة البياض بالمقارنة مع لون بشرته.
في غرفة السيدات غسلت وجهها واستبدلت ملابسها بفستان من الكتان البيج ولما خرجت الى الممر رأت معظم الركاب الاخرين يستيقظون نساء قليلات نزعن تبرجهن الليل الفائت لذلك بدون كالحات الوجوه فشعرت فيفيان بالامتنان لان وجهها جميل بطبيعته.
الذكتور سترانسوم عاد الى مقعده ونزع الجاكيت ورفع كميه فاشتمت نفحة خفيفة من صابون الحلاقة بعد الفطور بقليل بدأت الطائرة تهبط تمهيدا للنزول في بيروت ولدى اجتيازهم المسافة المكشوفة في ضوء الشمس الساطع بدا من غير المعقول انهم كانوا منذ اقل من اثني عشر ساعة يرتعشون بردا في رطوبة مساء انكليزي من امسيات كانون الثاني (يناير).
بالنسبة لفيفيان بدا النهار والليل التاليين مسلسلا من المناظر المتغيرة والازياء الغريبة واللغات المجهولة استمروا في الطيران فوق الخليج العربي وعبر قارة الهند اللامحدودة واخيرا وصلوا الى بورما ومدينة رانغون الخضراء عشية اليوم الثالث بينما قبعة معبد شوي داغو المطلية بالذهب تتوهج في اشعة الشمس الغاربة.
بعد ثماني واربعين ساعة من الطيران احس الركاب بالحر والانهاك وبحاجة ماسة الى حمام والى تغيير ثيابهم. معظمهم كانوا لا يزالون في ثيابهم الشتوية يتعرقون بشكل مزعج في القيظ الشديد. حتى قميص الدكتور سترانسوم التصق بظهره من العرق مبرزا كتفين قويين وخصرا نحيلا.
الفندق الذي يقضون فيه ليلة واسع وارضه من الرخام وتتدلى من سقوفه مراوح كهربائية ضخمة. بعد التوقيع على سجل النزلاء تبعت فيفيان حمالا هنديا الى غرفتها التي كانت عبارة عن شقة فخمة تطل نوافذها العالية على فناء مغلق كان السرير مغلقا بناموسية بيضاء فوق اطار خشبي وتحت النافذة اريكة مريحة من الخيزران. ادار الحمال المروحة وقبل بقشسشها بتحية صامتة ورحل وقدماه الحافيتان تنزلقان انزلاقا على الارض. تنهدت فيفيان الصعداء وخلعت ثيابها الضيقة ووقفت تحت المروحة تتمتع بتيار الهواء على جلدها الحار ثم ارتدت رداء وذهبت تبحث عن الحمامات لدي اقترابها من نهاية الممر هب شاب هندي يرتدي قميصا داخليا وشورتا كاكيا وقال مبتسما بتودد
-هل تريد انستي حماما؟
أومأت بالايجاب ففتح الشاب بابا ورافقها الى حمام فسيح وفتح الماء الباردة والساخنة ثم وضع منضدة خشبية قرب المغطس وقام بحركة انيقة مفادها انه يقدم لها ارقى سبل الاستحمام في كل بورما وخرج.
أقفلت الباب وخلعت حذائها كان الماء بلون الصدأ لكن صوت تدفقه انعشها وشوقها الى سرعة الاستحمام. لكنها ما ان خلعت ردائها حتى صرخت ذعرا اذ رأت أضخم صرصار رأته في حياتها يطل من تحت المغطس ويزحف باتجاه قدميها الحافيتين.
ظلت نصف دقيقة مسمرة في مكانها قرفا ثم عاد الصرصار فجأة الى مخبأه. ساورتها الاستغاثة بالشاب المسؤول عن الحمامات ليقتله ثم أدركت انه حتى لو فهم ما تريد سيعتبرها في غاية السخف لتخاف من حشرة لابد انها شائعة هنا. فاذا كانت تريد الاقامة في المناطق الاستوائية عليها ان تعود نفسها على الزواحف وقد تلتقي حتى ببعض الافاعي.
فكرة مواجهة الثعابين جعلتها تتسلق المغطس وبما انه من المحتمل ان يقرر الصرصار ان يصعد على جانب المغطس عدلت عن التنعم بالاغتسال وبدلا من ذلك استحمت واقفة وعينيها تراقب بحذر حافة المغطس تحسبا لظهوره من جديد.
بعد ساعة نزلت الدرج وهي ترتدي قميصا وتنورة قطنية ولدى اجتيازها المقصف رأت طاقم الطائرة يرتاح. كانت المضيفة قد ارتدت فستانا باهتا وبدت أكثر تألقا.
توقفت عند عتبة الردهة كان الدكتور سترانسوم والبروفسور لينتون وهو عالم بأصول الانسان نحيل أشيب تحدثت اليه فقترة في كالكوتا جالسين قرب الباب وأمامهما كأسان طويلان من الشراب المثلج.
قال البروفيسور مبتسما
-اَه انسة كونيل. هل تنضمين الينا؟ (وقرب كرسيا ثالثا).
شكرته فيفيان وتطلعت الى الدكتور كان قد انتصب واقفا لكن وجهه بدا خاليا من كا تعبير ولم تتأكد من ترحيبه بجيئها لانه لم يوجه لها الكلام طيلة اليوم.
-ماذا تريدين أن تشربي؟ اني انصح بعصير الليمون لاأحد يضاهي البورميين بصنع الليمون الطازج.
نادى البروفيسور نادل المقهى وقال بعد أن طلب الشراب
-في مثل هذا الوقت غذا نصل الى وجهتنا لا أستطيع القول بأنني أتمتع بالسفر جوا لا شك انه يوفر الكثير من الوقت لكنني أتسائل أحيانا اذا كانت الرغبة العصرية في السرعة قوة مدمرة أكثر منها بناءة. أظن انني قديم الطراز بتفكيري.
سألته فيفيان
-ما الذي يأخذك الى الملايو يا بروفسور؟
-انني أجري دراسة عن بعض القبائل المجهولة الأصل. لقد حدثني الدكتور سترانسوم عن عدد من الرحلات الاستكشافية غاية في الأهمية قام بها في الداخل. انك تعمل في موبينغ يا سترانسوم اي في ولاية براك الشمالية أليس كذلك؟
قالت فيفيان باندفاع
-موبينغ؟ انا ذاهبة الى هناك
علق الطبيب بجفاء
-أحقا؟
فمات فيض الأسئلة على شفتيها من الواضح ان الدكتور سترانسوم لا يريد التحدث معها عن موبينغ.
سألها البروفيسور عما اذا كانت زيارتها ستطول وهو غير مدرك للتحفظ القائم بين رفيقيه فأجابت
-لست أدري كم من الوقت سأمكث. لكن ذلك يتوقف على مدى انسجامي.
لكن الطبيب ظل جامدا ولم تتعرف اذا كان فهم قصدها.
-ستتمتعين بالاقامة يا انسة كونيل فسكان الملايو عرق مبهج. ومع ان الطقس مرهق فالمناظر الطبيعية خلابة... خلابة جدا. اذا انهيت شرابك اقترح ان ننتقل الى غرفة الطعام.
أخذوا أمكنتهم حول طاولة في قاعة الطعام المبردة فتابع قائلا
-أعترف بأنني أتطلع الى نوم مريح من الصعب النوم عميقا في الطائرة لمن هم في سني الا أنني أظنك تريدين رؤية المدينة قبل النوم انسة كونيل؟
-نعم أرغب في زيارة المعبد.
قال البروفيسور وهو يركز نظارتيه لدراسة قائمة الطعام
-أعتقد أن من الحكمة أن تصطحبي أحدا.
-لن أذهب سيرا على الاقدام سأستقل احدى العربات. هناك صف منها عند المدخل.
فقال الطبيب
-البروفيسور لينتون يعرف الشرق أكثر مما تعرفينه يا انسة كونيل. من غير المستحسن ان تخرج امرأة انكليزية بمفردها ليلا. أعتقد أنك لا تتكلمين اللغة؟
-كلا لا أتكلمها لكنني قادرة على العناية بنفسي يا دكتور سترانسوم.
-لاشك... في مدينتك في الزطن. هذه اسيا.
-الا تبالغ في التخوف؟
تفحصها بنظرته ثم قال
-انها ازمنة مضطربة لو اختبرتشعبا اسيويا يا انسة كونيل لما كنت بهذه الثقة الروايات والافلام تعطي صورة في غاية الرومنطيقية عن الشرق.
فردت بشكل لاذع
-لست تلميذة
فتدخل البروفيسور
-يا سيدتي الفتية أني متاكد من أن الدكتور سترانسوم لم يقصد اطلاقا بأنك تلميذة
ذاب انزعاج فيفيان ازاء لطافته فقالت
-أعتذر ان بدوت فظة في الواقع أظن أنني سأنام باكرا. لم أدرك كم ان الحر مرهق وقد اتمكن من رؤية المعبد عند عودتي.
بعد ان اكدت للبروفيسور انها غيرت رأيها فعلا استدرجته الى التحدث عن ابحاثه ومر باقي الوقت في جوودي على الرغم من عدم اشتراك الدكتور سترانسوم في الحديث مرة او مرتين رأته يراقبها بتعبير ساخر.
في الواقع فقد زاد نصحه الابوي في تصميمها على رءية المزار الشهير.
بعد العشاء عادوا الى الردهة لتناول القهوة وعندما تمنى لها البروفيسور ليلة هانئة ادعت انها ذاهبة الى غرفتها وبعد ان صعدت الى الطابق الاول نزلت الى الدرج وانسلت بحذر عبر البهو ثم استوقفت احدى العربات.
فيما كانت تعبر الشوارع في العربة الصغيرة الرثة والمريحة في ان وقميص السائق تخفق في نسيم الليل وقدماه تنزلقان على الدواستين شعرت فيفيان بشجاعة ممتعة فعلى الرغم من ان لا سلطة للدكتور سترانسوم تخوله منعها من زيارة المعبد بمفردها فان ممانعته اضفت على النزهة نكهة اضافية غذا ستخبره بأنها قامت بها وتضيف ملاحظة مقتضبة عن اهتمامه غير الضروري.
بعد رحلة بدت قصيرة جدا انزلها سائق العربة عند مدخل المعبد واذ رأت امرأة بورمية تخلع خفيها حذت حذوها وتركت حذائها مع بائع زهور ابتاعت منه باقة من الياسمين.
بدأت تتسلق السلم الضخم بدرجاته الدافئة والناعمة تحت أخمص قدميها الحافيتين على جانبي الطلعة منصات لبيع الازهار والاجراس وحلى صغيرة وشمسيات بيضاء صغيرة تهدى لبوذا. كان الباعة ينظرون اليها لدى مرورها ولكنهم لم يظهروا اهتماما زائدا بوجودها ولا عداوة بالتأكيد.
في أعلى الدرج وقفت على سطح مكشوف والقبب الذهبية الضخمة شاهقة فوق رأسها. كان السطح يتوهج بنور مئات الفتائل العائمة في صحون زيت صغيرة وتفوح في الهواء رائحة ازهار الياسمين واللوطس. ثم رأت فتاة بورمية رائعة امام صورة ضخمة مطلية بالذهب ورأسها الأنيق محني بخشوع.
انتهت من استكشاف المعبد بردهاته الكثيرة المظللة في الساعة التاسعة والنصف ولما استرجعت حذائها من بائع الازهار الودود قررت ان تعود الى الفندق سيرا على الاقدام كان الليل رائعا بملايين النجوم المتألقة في سماء مخملية سوداء فبدأت تدرك معنى سحر المدار الاستوائي. في مثل هذه الساعة تبدو المدن الانكليزية مقفرة وغامضة اما هنا في رانغون فالشوارع تبدو اكثر حركة منها في النهار فالناس يجلسون القرفصاء في الشوارع يدخنون ويثرثرون والاطفال يعدون في الازقة في مكان ما يصدح غراموفون وصوت بائع متجول يغني ترويجا لبضاعته.
كانت فيفيان مأخوذة بهذا النشاط الليلي فلم تعر اهتماما للطريق بدا لها ان الرحلة الى المعبد قد استغرقت عشر دقائق وتخللها انعطافان الى اليسار اذن السير يجب ان يستغرق نصف ساعة بانعطافين الى اليمين وفيما كانت تتبع مجموعة عربات انعطفت الى اليمين وقطعت مسافة قبل ان تدرك ان الشارع اكثر هدوءا من الشوارع السابقة عند الزاوية انعطفت ثانية الى اليمين ووجدت نفسها في طريق ضيقة ومظلمة.
فيما تنبهت بأنها ضلت طريقها قررت ان تتابع سيرها فبد ان تطل طريق رئيسية تستدل بواسطتها الى طريق العودة مضت عشر دقائق ولم يظهر امامها اي شارع عام فشعرت بوخزة انزعاج. فالحي الذي دخلته خطأ هو من الشوارع الخلفية ذات الازقة المسدودة اما البيوت فصغيرة وكان الناس الجالسون عند مداخلها يصمتون لدى مرورها ويراقبونها بتركيز مثير للأعصاب.
ثم رأت امراة عجوزا تقترب باتجاهها وعندما أصبحت قبالتها ترددت فيفيان وقالت
-فندق ستراند؟ ستراند.
نظرت المرأ بعينين جامدتين وتابعت طريقها.
-أرجوك لا تذهبي... ( ومدت فيفيان يدها ولمست ذراعها) ستراند فندق ستراند.
هزت المرأة رأسها بازدراء وفجأة تجمهر حولها شلة من المتفرجين ولعدم اعتيادها على الطريقة السحرية التي يتجمهر بها الاسيويون فجأة حول اي شيء سواء اكان حادث سيارة او شجار محلي شعرت بالذعر اذ وجدت نفسها مطوقة بجمهور متعاظم من المتفرجين وبدأت العجوز تبربر بأعلى صوتها وفي كل مرة تتوقف لتأخذ نفسا تجري همهمة بين الجمهور. وفي محاولة لاسكات رعبها قالت بصوت متوتر
-أريد الذهاب الى فندق ستراند. لابد ان احدكم يعرف اين يقع فندق ستراند.
ابتسموا لها بسخرية ورأت شابا مجدر الوجه على جبينه ندب جرح هميق يحدق الى حقيبتها.
تحققت انهم لا يستطيعون او لعلهم لا يريدون مساعدتها فاستجمعت قواها وهمت باجتياز الجمهور ولكن بدلا من التنحي جانبا وقفوا ثابتين فخشيت ان تفتح طريقها بالقوة لئلا ينقلبوا عليها. أطبقت أسنانها بمرارة نادمة على غرورها السخيف الذي قادها الى هذا الوضع لا جدوى من الاستغاثة في حي كهذا ربما اذا اعطتهم المال القليل الذي تحمله...؟
فجأة تبدد الجمهور مثلما قد تجمع حولها بسرعة لا تصدق. حتى المرأة العجوز أسرعت بالرحيل تتمتم لنفسها.
شعرت بارتياح خالطته حيرة لانفضاضهم المفاجئ بحثث في جيبها عن منديل كانت قطرات العرق تتساقط على وجنتيها ويداها مبتلتين.
-انسة كونيل؟ هل كنت تعززين العلاقات الانكليزية-البورمية ام انك وجدت اهتمامات اصدقائنا غير مرغوب فيها؟
ترنح قلب فيفيان وبلمحة فهمت ما حصل وقبل ان تراهواقفا في الطريق على بعد امتار منها عرفت ان ذلك الصوت البارد الساخر لا يمكن ان يكون غير صوت الدكتور سترانسوم.
راقبته وقد ابكمها الخزي يسير نحوها ويده في جيبه وقت لوت فمه ابتسامة بغيضة.
سألته بصوت مرتج
-ماذا كنت تفعل هنا؟
-أقترح ان نناقش الامر فيما بعد تعالي.
أمسك بمرفقها ودفعها بقوة الى الشارع.
-هذا المكان ليش أفضل جزء في المدينة وسكانه غير معتادين على الضيوف الاجانب لا سيما في مثل هذه الساعة.
كان دافع فيفيان الغريزي ان تحرر نفسها من قبضته لكنها ادركت انها ستضيف بذلك زيتا على سخريته وتزيد من سخف موقفها. رضخت للأمر الواقع وفي دقائق معدودة كانا قد وصلا الى احدى الشوارع الرئيسية.
أوقف الطبيب عربة وساعدها على الصعود اليها وعندما جلس الى جانبها اكتشفت ان هذه الناقلات قد صممت لأناس أصغر حجما من الاوروبيين فعلى الرغم من انها حشرت نفسها في اقصى زاويتها فانها لم تتمكن من تجنب ضغط كتفه على كتفها.
قالت بمرارة عند انطلاقهم
-لابد ان ما حصل يسرك كثيرا.
-كل كنت أفضلان امضي السهرة في المطالعة لكنني كنت شبه متأكد من انك ستضلين الطريق او تقعين في قناة الامطار.
غمرت الحمرة وجهها وحمدت ربها لان ظلال فطاء العربة تخفيها عنه سألته بصوت مسحوق
-كيف صادف وجودك هنا في تلك اللحظة؟
اشعل لفافة وعلى ضوء الولاعة رأت أنه كان لا يزال مستمتعا
-رأيتك تنسلين من الفندق.
-تعني انك تبعتني طيلة المساء؟
-نعم
-هل تمارس هواية ملاحقة الناس يا دكتور سترانسوم؟
أجاب بنعومة
-فقط عندما يصرون على الوقوع في المشاكل.
فصاحت بغضب
-أعتقد أنك تجاوزت الحد الأقصى فبأي حق تتعقبني في المدينة وتظن انني غير قادرة على الاهتمام بنفسي؟
فسألها بلطف
-هل انت قادرة؟
-كوني دخلت المنعطف الاخر ولم استطع التفاهم مع هؤلاء الناس لا يعني بالضرورة اني كنت معرضة للسرقة او القتل.
-بالتأكيد لا ومن المرجح انك كنت ستخافين كثيرا... حتى اكثر مما انت خائفة.
سألته بسخط
-ما الذي يجعلك تعتقد اني كنت خائفة؟
فمد يده وأخذ رسغها وقال باقتضاب
-نبضك المسرع
-اَه اعترف بأني خفت أرجو ان يرضيك ذلك كثيرا.
-على الاطلاق فقلد حذرتك من تعريض نفسك لمثل هذا الموقف. هل من عادتك تجاهل النصح دائما ام فعلت ذلك لأنني أنا نصحتك بذلك؟
قالت بعصبية
-لا يمكنك أن تتوقع مني شعورا بالود تجاهك.
-لم لا؟
لم تجب.
مرت هنيهة ثم قال
-تقصدين أنني لم اعرك اهتماما خلال الرحلة؟ لأنني لم ابدي حماسا خاصا لجلوسي قرب الفتاة الجذابة الوحيدة في الطائرة؟
لكم كان ذلك قريبا جدا وبعيدا جدا في الوقت نفسه عن الحقيقة بحيث لم تجد شيئا ترد به.
سألها بجفاء
-أهذا ما اعتدت عليه؟ اهتمام الرجال بك؟
-كلا هذا ليس ما قصدت.
-هلا شرحت اذن ماذا قصدتيه فعلا؟
فقالت بسأم
-أني... اه. لاشيء. لايهم.
أحست فجأة بأنها مرهقة فالحادث بحد ذاته وتوبيخات الطبيب المهينة أرهقت أعصابها أكثر مما تصورت فتاقت الى الانفراد بنفسها كي تنهي هذه المساجلة الكلامية المزعجة.
انعطفا حول زاوية وتوقفا أمام الفندق فقفز سترانسوم من العربة ومد يده لمساعدتها لكنها تجاهلتها ونزلت مثقلة من التعب ومصممة على ألا تسمح له بأن يكتشف مدى تعبها. رمى بقطعة نقدية للصبي وصعدا الدرج الى البهو. قال
-يجب أن تغسلي قدميك بمطهر قبل أن تدخلي غرفتك. لا أظنك تريدين الوصول الى الملايو وأنت مصابة بمرض جلدي.
أومأت فيفيان بالقبول فمهما كرهت أن تكون مدينة له أحست أن عليها واجب الاعتذار منه.
قالت بهدوء
-اسفة يا دكتور سترانسوم لأنني انفعلت. انني ممتنة لمساعدتك ولن اسبب لك ازعاجا في المستقبل.
-من الأفضل ألا تفعلي. فليس من عادتي ان اكون حارسا في المرة المقبلة عليك ان تنقذي نفسك بنفسك ان وقعت في مأزق. تصبحين على خير.
وقبل ان تتمكن من الرد انحنى امامها باحترام وابتعد عنها.
صبيحة اليوم التالي بدأوا الشوط الاخير من الرحلة متوقفين ساعة في بانكوك عاصمة سيام المتألقة الى ان وصلوا الى سنغافورة بعيد الظهر حافظت فيفيان على صمت رصين طيلة المرحلة الاخيرة من الطيران لكنها شعرت رغما عنها بخيبة لان الدكتور سترانسوم لم يودعها لدى هبوطهم.
في قاعة الاستقبال التقاها روبرت ادمز محامي عرابها وهو اسكتلندي أشيب انيس الوجه يرتدي بزة قطنية بيضاء وقبعة بنامية الشكل وحال اخراج امتعتها قادها ادمز الى فندق رافلز لا شك انه توقع ان تكون اكبر سنا او مختلفة بشكل ما ولم يتوقف عن التمعن فيها كما لو انها اوقعته في حيرة.
قال لها وهما يتناولان الشاي في الردهة
-الظائرة الى موبينغ تقلع غذا في الحادية عشر يا انسة كونيل. لقد اوعزت لخادم عرابك الراحل ان يلاقيك. اسمه تشن وهو يجيد الانكليزية. من جهتي ساتي الى المنطقة خلال ثلاثة اسابيع وستكونين عندئذ قد كونت فكرة عن موضوع الارث.
وبعد ان تباحثا في الامر سألته فيفيان عرضا
-هل تعرف أحدا يدعى دكتور سترانسوم في موبينغ يا سيد.
-بكل تأكيد. كان صديقا حميما للسيد كاننغهام ومستفيدا من الوصية. لا شك أن عرابك قد ذكر الطبيب في رسائله اليك.
هزت فيفيان رأسها بالنفي. كان عرابها يراسلها مرتين سنويا بمناسبة عيد ميلادها وعيد الميلاد ولم يحدثها مطلقا عن اي من مواطنيه.
اخذ ادمز يقلب غليونه بعصبية ثم قال بارتباك
-أظن ان من واجبي أن أخبرك يا انسة كونيل ان عرابك كان ناسكا الى حد ما لم يكن لديه متسع من الوقت لمواطنيه وقد استعدى البعض وحسب معرفتي فقد كان الدكتور سترانسوم صديقه الحميم الوحيد فان وجدت نفسك في مأزق انصحك باللجوء اليه.
كبتت فيفيان ضحكة وتسائلت عما سيقوله ادمز لو عرف انها قد التقت الطبيب وانه تنصل منها.
سألها ادمز
-هل هناك شيء اخر تريدين الاستفهام عنه لقد توقعت ان تكوني اكبر سنا طبعا هذا لا يغير شيئا والانسات الشابات اعتدن السفر بمفردهن هذه الايام.
ابتسمت فيفيان ليته يعرف كم كانت حياتها محاصرة لأيام خلت.
-سيد ادمز... قد يبدو سؤالي غريبا لكن هل تعرف لماذا ترك لي عرابي ملكيته؟ اذ لم تكن هناك صلة دم بيننا ولم اره لسنوات عديدة. كنا غريبين في الواقع.
نظر اليها المحامي متأملا وقال بعد تريث
-نعم انه سؤال غريب من عدة أوجه لكن جون كاننغهام كان رجلا غريبا. لقد وضع وصيته قبل وفاته بأشهر معدودة أعتقد انه كان يشعر بأن شيئا ما سيحدث... وفي ذلك الحين قلت له أن وصيته غير عملية. فالأمر الطبيعي هو بيع الملكية والتوصية لك بالربح لكنه أصر على ان ترثي الملكية كما هي.
فسألته بسرعة
-اذا فقد تعمد ان اتي الى هنا؟
-نعم كان يأمل ذلك وسبب عدم ايضاح ذلك في الوصية نتج عن رغبته في الا تعتبري ذلك واجبا عليك. لقد فكر انك ربما كنت مرتبطة وتنوين الزواج او ان لديك مهمة لا تستطيعين قطعها.
فهمست لنفسها
-اذا كنت محقة.
ثم أردفت بصوت مرتفع
-هذا ما اعتقدته لدى تسلمي لرسالتك ولكن ذلك بدا غامضا بشكل ما. ظننت لفترة انني مخطئة ويريحني أن أعرف أنني كنت محقة.
-هل لي أن أسئلك سؤالا شخصيا يا انسة كونيل؟
-بالطبع.
-هل كنت سعيدة مع اولئك الاقارب الذين عشت معهم؟
نظرت اليه وقالت بصراحة
-كلا لم اكن سعيدة. لقد احسنوا الي وانا اكن لهم امتنانا لانهم استضافوني لكنني لم اكن سعيدة ابدا.
قال باقتضاب
-هذا ما تكهن به عرابك.
-كيف حدس ذلك وهو لا يعرفهم؟
أفرغ ادمز غليونه وملأه من محفظة قديمة. مرت دقائق قبل ان ينجز العملية بشكل يرضيه ثم بحث في جيوبه عن ثقاب. وعندما اشعل الغليون اعتدل في جلسته وقال بتمهل
-ربما وجب ألا أخبرك بهذا لكنني اعتقد ان ذلك سيساعدك على رؤية طريقك بوضوح اكثر. عندما توفي والداك كان جون كاننغهام في الصين وحالما عرف بما حصل توجه الى بريطانيا لرؤية خالتك كان يريد ان يتبناك لكنها رفضت الافتراق عنك وقبلت بالمقابل عرضه بأن يسدد اجور تعليمك ومصاريفك الاخرى.
استقامت الى الامام وهي تحدق فيه مذهولة
-ماذا؟... لم تكن لدي اية فكرة. خالتي لم تذكر ابدا امرا كهذا.
قال بجفاء
-لا... خيل الي انها لم تفعل لذلك ترين ان الصلة بينك وبين عرابك كانت اقوى مما ظننت.
أذهلتها هذه الاخبار فقالت بعد صمت طويل
-اذن في الوقت الذي كنت اعتقد انه يجب علي ان اعترف لخالتي بفضلها علي كان عرابي هو الذي يعيلني فعليا.
-نعم هذا ما حصل فعلا.
-اذا كان عرابي يريد ان يتبناني لماذا رفضت خالتي؟ فهي لم تحبني ابدا.
-قلما تكون دوافع الناس واضحة ارجو ان لا اكون اقلقتك يا عزيزتي باطلاعك على هذه الوقائع لكنني كنت اكن محبة واحتراما كبيرين لجون كاننغهام واعتقد انه يجب ان تعرفي الحقيقة فقد يؤثر ذلك على قرارك بالنسبة الى مستقبل الارث.
اجابت بهدوء
-انا مسرورة جدا لانك اخبرتني يا سيد ادمز ليتني عرفت ذلك منذ فترة طويلة هذا يفسر اشياء كثيرة عجزت عن فهمها.
لم يكن ادمز رجلا يعبر عن عواطفه كان عازبا يتضايق من سلوك الفتيات العصريات بتبرجهن وحركاتهن غير المتكلفة اما الان ولأول مرة منذ سنوات طويلة شعر بحنان غريب نحو هذه الفتاة الصغيرة ذات العينين الصافيتين والنظرات الحائرة ولدهشته رأى نفسه يربت على يدها ويقول بلطف
-يجب ان ترتاحي الان لقد اجتزت مسافة طويلة واماك اكثير لتفعليه عندما تصلين الى موبينغ ستجدين تشن الذي سيهتم بك. ساتي لزيارتك بعد اسوبع او اسبوعين في هذه الاثناء بامكانك الاتصال بي هاتفيا في مكتبي تشن يعرف الرقم اتمنى لك حظا سعيد يا عزيزتي واذا جاز التعبير اعتقد ان عرابك قد ترك ارضه بأيد أمينة.
عندما استأذن وخرج جلست فيفيان تعيد التفكير بما كشفه لها لقد غال عنها في البداية سبب رفض خالتها ان يتبناها عرابها ثم بدأت الدوافع تتراءى لها تدريجيا.
جون كاننغهام كان اقرب صديق لوالدها ومن المرجح انهما كانا متشابهين وبرفضها التنازل عن وصاية ابنة اختها ربما شعرت السيدة سنكلير انها كانت تنتقم من مايكل كونيل الذي كانت تبغضه بطريقة غامضة وملتوية ومع ذلك فقد قبلت المالة لاعالة فيفيان.
احست بموجة قرف أثلجت أطرافها وفكرت بحماسة "لن اعود ابدا... ابدا".
لم تدرك انها غرقت في افكارها لاكثر من ساعة سألها نادل المطعم الصيني عما اذا كانت ترغب في تناول شراب قبل العشاء ابتسمت له وهزت رأسها نفيا وذهبت الى غرفتها حيث أخرجت حاجاتها لقضاء الليل. ثم توجهت الى مكتب الاستقبال وأملت برقية مقتضبة لعائلة سينكلير تبلغهم بأنها وصلت بهير. كما تأكدت من ساعة اقراع الطائرة الى موبينغ صباح اليوم التالي وحجزت سيارة لتنقلها الى المطار.
سارت نحو قاعة الطعام وهي تتسائل كيف ستمضي المساء حين سمعت صوتا يقول
-عفوا هل سمعتك تقولين انك ذاهبة الى موبينغ؟
ورأت رجلا نحيفا أشقر الشعر يرتدي سروالا قطنيا ناصع البياض وقميصا مفتوحا عند العنق يقف الى جانبها.
-أرجوك اعذريني لتحدثي اليك بهذه الطريقة ولكن هناك نحو ثلاتين اوروبيا في موبينغ فقط وعندما نسمع بوصول شخص جديد تنتصب اذاننا تلقائيا.
ثم ابتسم ليسترضيها فبدت أسنانه ناصعة البياض اردف قائلا
-ادعى باركلي. جوليان باركلي. اني عائد بطائرة الصباح ايضا لذلك يمكنني ان اعرف عن نفسي يا انسة...
فقدمت فيفيان نفسها
-ارجو ان لا تكوني غاضبة يا انسة كونيل؟
سألته بتعجب
-كلا ولماذا أغضب؟
قال بضحكة خفيفة
-الفتيات الجميلات يحذرن دائما من التحدث الى رجال غرباء اليس كذلك؟ ويفترض في سنغافورة ان تعج بذوي الاخلاق المنحلة. اسمعي لماذا لا نتقاسم غروب الشمس معا واحدثك كل شيء عن موبينغ؟ ام ان عائلتك ترافقك؟
-كلا انا هنا بمفردي.
-حسنا هل نتوجه اذن الى البهو؟ الجو ابرد هناك ولن يزدحم قبل فترة.
بينما كان مضيفها يطلب الشراب القت عليه فيفيان نظرة فاحصة. بدا في السابعة والعشرين وغير متكلف تبادر لها انه نقيض الدكتور سترانسوم والسلوك معا.
سألته لدى وصول الشراب
-كم من الزمن امضيت في الملايو يا سيد باركلي؟
-ستة اشهر للأسف "واخرج علبة سكائر ذهبية قدمها لها" انني رجل مغترب يعيش من اموال الوطن. فعائلتي رأت أنني لا أحمل الحياة محمل الجد فأرسلتني الى هنا لاعاني قسوة الحياة لفترة ما. كان بالامكان ان يكون الوضع اسوء. ما الذي جاء بك؟ لا تبدين مرشدة اجتماعية وانا متاكد انك لست بمبشرة ايضا.
قالت فيفيان بتهرب
-اه... الاعمال فقط.
اعجبها جوليان باركلي للوهلة الاولى ولكن بعد الذي سمعته من المحامي عن وجود خصوم عرابها في بعض المناطق شعرت انه من غير الحكمة ان تأتمنه على اسرارها قبل ان تتعرف اليه عن كثب.
ان كنت ستتوجهين الى فندق الاستراحة فسوف تحتاجين الى قناع واقي من الغاز فهذا موسم الدوريان.
-موسم ماذا؟
-الدوريان. انها فاكهة استوائية لذيذة لكن رائحتها كالبيض الفاسد اثناء الموسم تعبق المدينة بأسرها برائحتها وفندق الاستراحة يقع مقابل سوق الفاكهة.
-الامر سيان فانا لن انزل هناك.
ضحكت لمرأى الفضول يرتسم على وجهه فسألته
-هل موبينغ مدينة كبيرة؟
استند جوليان الى مسند كرسيه ومدد ساقيه فلاحظت انه ينتعل حذاءا مصنوعا باليد علبة سكائره وولاعته من الذهب وكذلك ساته دون ريب. يبدو انه شاب ذو امكانيات. قال
-انها متوسطة الحجم. هناك ناد للسباحة وقاعتان للسينما ومخزن اوروبي اجتماعيا هي ميتة. الجميع يعرف الجميع وليس هناك ما يفعلونه سوى الاكل والشرب والنوم والثرثرة. وبعد ان توفي رجل الاسرار اصبح سوق الفضائح راكدا.
-رجل الاسرار؟ من هو؟
-رجل عازب كبير السن غريب الاطوار عاش بمفرده في قصر ضخم على حدود المدينة ورفض التعاطي معنا جميعا. كان ينتقل في سيارة رولز-رويس قديمة وعلى سطحها شعار علم بريطانيا كان مجنونا بالطبع وكنا نتسلى بالتحدث عن تصرفاته الغريبة.
تذكرت ما قاله لها ادمز في وقت سابق فسألته
-الم يكن يدعى كاننغهام؟
-بلى. اذا انت سمعت عنه؟
لم يعد لديها خيار الان الا ان تكشف الامر فقالت له بهدوء
-لقد كان عرابي.
فارتفع حاجباه وقال بارتباك مثير للضحك
-يا الهي. انني متأسف للغاية. طبعا لم تكن لدي اية فكرة... هذا سيجعل الالسنةتدندن. أتقصدين أنك ستعيشين في ذلك الضريح الضخم؟ اه يا الهي لم اقصد ذلك. اقصد انهم بقولون انه قصر حقيقي من الداخل اسبه بقصر حكاية الاميرة النائمة ويحيط به حاجز من الادغال.
قبلت فيفيان اعتذاراته المتدفقة واقرت له بأنها ستقيم في منزل عرابها مدة من الزمن.
فقال
-من الافضل ان تهيئي نفسك لأن تكوني الموضوع الرئيسي لثرثرة موبينغ لمدة اسابيع. فالجميع سيريد رؤيتك... اتسائل كيف ستكون ردة فعل الدكتور سترانسوم؟
-الدكتور سترانسوم؟ لقد التقيته في الرحلة من لندن.
-حقا؟ اه نعم الان ادركت لقد ذهب الى بريطانيا بعد وفاة كاننغهام عرابك لالقاء محاضرة كيف وجدتيه؟
-بالكاد عرفته. لماذا تتوقع منه انطباعا مختلفا؟
قال جوليان بشيء من التلذذ وكأنه يتوقع موقفا مثيرا
-لأنه الاوروبي الوحيد الذي كان على علاقة بعرابك ولانه من النوع الذي لا يأبه للنساء اعتقد انه لم يعرف من تكونين حقيقة؟
-كلا لا اعتقد.
-اه يا انسة كونيل اتوقع ان تصبح الحياة اكثر حيوية بعد مجيئك اننا بحاجة لما يبعد عنا الملل واذا لم اكن مخطئا فان وصولك سيثير ضجة.
قالت بحرج
-ارجو الا يحصل ذلك. لا اريد ان اكون محط اهتمام.
-انت اول فتاة اجدها عازفة عن ذلك. فمعظم الفتيات يثيرهن الاهتمام.
-لابد انني مختلفة عنهن فانا افضل الهدوء والسكون سيد باركلي اتسائل ان كنت لا تمانع في عدم ذكر التقائك بي؟ فاذا كنت سأكون مدار حديث فانا احتاج الى يوم او يومين لأستقر اولا.
فقهفه ضاحكا وقال
-اسف ولكن من الواضح انه ليس لديك فكرة عن مدينة صغيرة في الملايو اولا ان سكان البلاد سيهتمون بك بقدر ما سيهتم بك الجمهور الانكليزي ثم لا امل لديك باجتياز المدينة من دون ان يلاحظك احد.
واضاف
-لاتقلقي يا فتاتي العزيزة فقليل من الكلام لا يضر احدا وهو سيتوقف عندما يرون انك كائن بشري فالثرثرة تحتاج الى شيء تقتات به وانت تبدين لي طبيعية وساحرة للغاية.
ثم رمقها بابتسامة معينة لم يكن هناك مجال للخطأفالاعجاب واضح في عينيه الفرحتين البنيتين شعرت فيفيان باحمرار ينسل من حلقها الى وجهها ثم قال
-ها تتناولين العشاء معي؟ لا يمكنك ان تمضي اول مساء في سنغافورة وحيدة. كذلك اريد ان ابحث معك في هذا الوضع المثير. ارجوك قولي نعم.
حاولت فيفيان ان تتصور رد فعل عائلة سنكلير لو استطاعت رئيتها تجالس شابا غريبا ودعاها لتناول العشاء انهم سيصدمون حتما ويعارضون. الدكتور سترانسوم سيعارض ايضا وحدست بانه سيعتبر جوليان شخصا يعوزه التهذيب.
قال جوليان مستفزا
-تبدين شديدة الشك. هل تريدينني ان انادي المدير ليطمئنك بانني مواطن محترم ملتزم بالقانون؟
ضحكت معجبة بطريقته المتهورة في معالجة الحياة وبسهولة تودده.
واجابت برزانة
-شكرا يا سيد باركلي سيسرني تناول العشاء معك.

نهاية الفصل الاول

اللوتس_99 30-05-13 03:11 AM

تسلم الأيـادي

والله يعطيك العافية :eh_s(7):

ناعومي 31-05-13 04:23 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

مغربيةوأفتخر 05-06-13 12:29 PM

شكرا لكن على المرور نورتوا

مغربيةوأفتخر 05-06-13 12:38 PM

الفصل الثاني


2- أخدها الهلع امام منظر الطريق الوعرة المهملة. لا يعقل ان يكون هذا مدخل قصر فخم. وبخوف متزايد خطر لها ان تشن لا بد ان يكون محتالا.

-هاهي موبينغ... قلب الشرق الغامض.
وابتسم جوليان باركلي بسخرية وهو يشير الى مجموعة سطوح تتلألأ في شمس المغيب.
ولتوقها الى رؤية المحطة الاخيرة في رحلتها انحنت فيفيان الى الامام وتفحصت المناظر الحوية من هذا الارتفاع ومن هذه المسافة بدت موبينغ اكبر بقليل من قرية منتشرة.
-ما هذه القبب البيضاء؟
تطلع جوليان من فوق كتفها
-اه هذا قصر السلطان والقبة الكبرى تشير الى الحريم حيث يقفل على نسائه الجميلات.
-حقا؟
أخذت الطائرة تهبط واصبح بامكانها ان ترى طريقا واسعة يجللها العشب ودروبا خاصة وحدائق فسيحة على جانبيها.
قال لها جوليان
-هذا هو شارع غوبنغ حيث يقيم الصينيون الاغنياء ومعظم الاوروبيين اما نادي السباحة فابعد بقليل... طبعا لديك حوضك الخاص لذا لست مضطرة الى القدوم الا اذا اردت ذلك.
-حوضي الخاص؟
-ألم تعلمي ان السيد كاننغهام بنى حوضا لدى شرائه البيت؟ لم يره احد منا لكن الشائعة تقول انه يليق بهوليود.
-لم تكن لدي اي فكرة ارسل لي المحامون بعض التفاصيل عن المنزل واضافوا انه توجد حديقة كبيرة وعدة اطيان من الممتلكات الصغيرة.
رفع جوليان حاجبا ساخرا
-ممتلكات صغيرة هه؟ انه لكلام متواضع حقا في الملكية ما يشكل عمليا قرية لقد جعل عرابك هوايته اعادة تأهيل سجناء محليين باعطائهم قطع ارض للحرائة لا تقلقي فحسب معلوماتي ليس بينهم مجرمون خطيرون.
فقالت بصوت منزعج
-يا الهي لم اعلم باحتمال وجود مستأجرين أين تقع الأملاك؟ هل يمكنني رؤيتها من هنا؟
أشار بالنفي
-انها في الطرف الاخر من المدينة دعيني اتي الى البيت لأطمئن الى استقرارك بسلام ففكرة انتزاعك الى المجهول بمفردك لا تروق لي.
بدأت الطائرة تحط وفيما كانا يشدان حزام الامان قالت فيفيان
-هذا لطف بالغ منك يا جوليان لكني افضل الذهاب بمفردي. الخادم يجيد الانكليزية وسأكون على اتم ما يرام.
حمل جوليان حقيبتها بيد وتأبط ذراعها باليد الاخرى وتوجها معا الى الجمارك. وفيما كانت تنظر الى ضابط الجمارك وهو يفحص حقيبتها بشكل الي لمس جوليان يدها عندما استدارت وجدت صينيا قصيرا ونحيفا يقف بجانبهما كان يرتدي بدلة قطنية ناصعة البياض ويمسك بقبعة بنامية وعلى كمه شريطة سوداء عمره صعب التحديد يتراوح ما بين الاربعين والستين عاما ووجهه خال من اي تعبير.
قال بصوت ناعم ورفيع
-أهلا وسهلا في موبينغ يا انسة كونيل انا تشن خادم المرحوم السيد كاننغهام الاول انني انتظر تعليماتك.
قالت فيفيان
-كيف حالك تشن؟
ثم تسائلت عما اذا كان هظا الرد يصلح لاستقباله المتقيد بالرسميات مدت يدها تلقائيا لكن الصيني انحنى امامها ثانية وقال
-السيارة بانتظارك عندما تصبحين جاهزة.
وقف جانبا واشار الى صبي صغير يحمل الحقيبة.
واذ فاجأ هذا اللقاء فيفيان استدارت لتودع جوليان ولمحت غمزة خفيفة فاقترح قائلا
-ما رأيك في الذهاب الى النادي هذه الليلة؟ لا يمكنك قضاء سهرتك الاولى وحيدة فان جئت في حوالي الثامنة سيكون لديك الوقت لتتعرفي على الوضع ويمكنني ان اعرفك الى بعض المقيمين البريطانيين.
-اذن سأكون جاهزة في الثامنة.
احتفظ بيدها اكثر مما يجب فبعث وميض عينيه احمرارا في وجنتيها.
قادها تشن الى الموقف حيث شاهدت سيارة رولز رويس قديمة الطراز.
وفكرت فيفيان حين اوصلها الى المقعد الخلفي الوثير
-يا للسماء ما هذا الغنى
في البداية جلست مستقيمة وتواقة الى رؤية كل شيء لكن عندما وصلا الى المدية لاحظت ان السيارة كانت تلفت الانظار فانكفأت الى زاوية بعيدا عن العيون السوداء الفضولية التي كانت تحدق فيها. ثم اضطر تشن الى السير ببطء لأن المارة كانوا يتجولون في الشارع غير عابئين بالسيارات المقبلة وتوقف في مكان ما للسماح لصف طويل من اطفال المدارس الصينيين بالعبور ورأت فيفيان امرأتين انكليزيتين تسيران على الرصيف. ولدى محاذاتهما الرولز رأتهما تسمرتا في مكانهما محدقتين فيها وكأنها شبح.
بعد اجتيازهما المدينة زاد تشن سرعته. ثم تركا الطريق العام وسلكا طريقا أضيق تتخللها من جانب منحدرات تكسوها الأشجار ومن الجانب الاخر نهر بطيء.
أخذها الهلع امام منظر الطريق الوعرة المهملة. لا يعقل ان يكون هذا مدخل قصر فخم وبخوف متزايد خطر لفيفيان أن تشن لابد ان يكون محتالا أمسكت بطرف المقعد وهي تتسائل عما اذا كانت ستتجرأ على القفز من السيارة والعودة الى الطريق على امل اللقاء بسائق اخر. ليتها قبلت عرض جوليان بمرافقتها.
لكن حين مدت يدها لتفتح الباب مالت السيارة في انعطاف مفاجئ تنهدت ارتياحا واستلقت الى الوراء على الجلد المنجد.
كان تحولا مذهلا منذ لحظة بدا وكأنهما يدخلان غابة اما الان فالطريق ممهدة بالحصى الناعم وتحيط بها جنائن خضراء تتخللها شجيرات منسقة ثم انعطفا مرة ثانية ولأول مرة رأت فيفيان ارثها بيت الينابيع السبعة.
البيت طويل ومنخفض تعلوه أفاريز صينية معقوفة فيها مصاريع نوافذه الخضراء مفتوحة على الجدران البيضاء كانت هناك شرفة فسيحة تمتد على طول الواجهة ونباتات مزهرة تلتف حول الأعمدة الرشيقة التي تسند السقف كالعرائش.
انتزعها همس تشن المهذب من تمتعها العميق وبدون ان تتفوه بكلمة تبعته الى الشرفة عبر بوابة ضخمة من الخشب الى بهو معتم ومبرد بمراوح عالية.
والتقت عيناها بستى أزواج من العيون البنية.
فقال تشن
-هؤلاء هم خدمك يا انسة كونيل.
انحنت ست رؤوس ملساء احتراما ثم أطلق تشن ستة أسماء اسيوية وكأنه قائد وحدة عسكرية يقدم جنوده للتفتيش وفي الأخير قدم فتاة صينية كاللعبة ترتدي بدلة قطنية وسروالا واسع الساقين كانت تدعى كيم.
قال تشن بانكليزية خالية من الاخطاء
-لم يكن لدى السيد كاننغهام نساء هنا انما لدى سماعي بمجيئك أخذت المبادرة بتوضيف وصيفة لك.
-شكرا تشن كان ذلك في غاية الاهتمام.
ثم ابتسمت لكيم وحصلت في المقابل على انحناءة خجولة.
وسأل تشن
-هل ترغبين أن تقودك الى غرفتك؟
-نعم أرجو ذلك كان الجو حارا جدا في الطائرة وأود الاستحمام.
-حسنا سأطلب الشاي بعد ان تتناولي الطعام وترتاحي سأريك البيت.
ثم صفق فاختفى الخدم باستثناء كيم. كلمها تشن بالصينية ثم التفت نحو فيفيان قائلا
-انها لا تتقن الانكليزية جيدا. فاذا وجدت صعوبة في افهامها رغباتك اقرعي الجرس وسأحضر.
فتحت الوصيفة بابا واشارت لفيفيان بأن تتبعها. اجتازتا حجرة انتظار ودخلتا شقة أوسع بكثير من الاولى حسث الجو منعشا.
واكتشفت فيفيان فيما بعد ان هذا الجزء من البيت مكيف. كانت النوافذ محجوبة بستائر حديدية مستقيمة تتخللها الشمس بتألق ذهبي جميل. في مواجهتها سرسر ضخم تعلوه لوحة مرصعة بعرق اللؤلؤ ويغطيه دثار من الحرير العاجي مطرز بأزهار قرمزية. ويتشكل الأثاث الأساسي من أريكة منخفضة تراكمت فوقها طراريح مطرزة وخزانة خشبية ضخمة محفورة ومكتب قرمزي. اما الارضية فكانت مبلطة ببلاط فستقي وتكسوها عدة سجادات أنيقة من صنع بخاري. وفيما كانت فيفيان تستحم سمعت ادخال حقيبتها الى الغرفة المجاورة ولما دخلت الغرفة كانت كيم قد جهزت لها ثيابا نظيفة.
بعدما ارتدت ثيابها ومشطلت شعرها قادتها الوصيفة الى الشرفة حيث جهزت عربة الشاي قرب مقعد من الخيزران. وعلى الرغم من عدم اعتيادها على نكهة الحليب المعلب شربت كوبين من الشاي وتناولت عدة سندويشات رقيقة.
لم تكد تنتهي حتى ظهر تشن وسألها
-هل ترغبين الان في رؤية المنزل؟
فقفزت واقفة وقالت
-بالتأكيد (وأضافت) تشن هل كان السيد كاننغهام يشغل الغرفة التي أشغلها الان؟
-كلا يا سيدتي فان غرفته تقع في الطرف الاخر من الباحة الداخلية.
شعرت بأنها لن تنسى مدى الحياة هذه الجولة الاولى في المنزل.
فكل غرفة تبدو أكثر روعة من سابقتها. شرح لها تشن ان المنزل بني على شكل مستطيل يحيط بفناء داخلي بحيث تتمتع كل غرفة بنوافذ على جهتين في الايام الحارة من النهار تكون الستائر مغلقة والنور الخافت يظل مريحا للبصر.
لدى وصولهما الى قاعة الاستقبال شهقت فرحا فكل شيء هنا مصمم على شكل تموجات رمادية مختلفة بدءا من الجدران وانتهاء بأغطية الكتان الرمادية الغامقة التي تغطي الكراسي والأرائك. ان مثل هذا التصميم مثير للقشعريرة وللكابة في بلد كانكلترا اما هنا في الخط الاستوائي فانه يوحي ببرودة معتدلة وباتساع المكان.
قال تشن وهو يقودها نحو خزانة واسعة ملأى بالأوعية الغريبة الأشكال وبالثناثيل الصغيرة المنحوثة.
-هذه هي مجموعة الجاد الشهيرة انها غنية جدا استغرق جمعها سنين عديدة.
لفتت انتباهها لوحة معلقة في فجوة في الجدار. كانت تمثل بيتا ابيض يطل على شاطئ. وفجأة أحست احساسا غامضا بأنها تعرفها. اقتربت أكثر ورأت في الزاوية اليسرى توقيع م. كونيل. فهنا على حائط غرفة الاستقبال يوجد تذكار لجنة طفولتها المفقودة.
-هل تشعر سيدتي بتوعك؟
-لا لا أنا بخير يا تشن.
وكبتت الدموع المفاجئة التي لسعت جفنيها ثم قالت بنعومة
-هذه صورة البيت الذي ولدت فيه. رسمها أبي. وقد توفي منذ سنوات عديدة.
لم يبدي الصيني أي تعليق لكن تعبيرا غريبا تأرجح في عينيه السوداوين. وبعد قليل سألها
-هل ترغبين في رؤية الفناء؟
-نعم بكل تأكيد.
تقدمته عبر الباب وقد بهرها سطوع الشمس الذي لم يتضاءل ووجدت نفسها في حديقة مسورة. ولدهشتها رأت شجرة ياسمين كبيرة تحمل كمية كثيفة من الأزهار البيضاء وتحتها أريكة هزازة مظللة ووراء الشجر حوض منخفض يحيط بتمثال حجري.
ابتعد تشن ولمس مفتاحا كهربائيا على جدار البيت فانبعثت هسهسة خفيفة وفجأة انطلق ستار من الماء فوق الحوض فانتفضت فيفيان وصاحت
-اه بالطبع الينابيع.
سبعة نوافير بالفعل اعلاها يخرج من رأس التمثال بينما تتدفق الست الأخريات على الجوانب كبتلات زهرية رائعة متألقة.
وصاحت
-ما أجملها ان خريرها كالموسيقى.
وكطفل مستمتع مدت يديها ليتساقط عليهما رذاذ الماء الناعم.
كانت كل قطرة تلمع كالبلور. وعندما استدارت لتكلم تشن كان قد ذهب.
جلست في الفناء تراقب النوافير وبين حين واخر تسقط بتلة من اغصان الشجرة ومرت فراشة زمردية الجناحين فوق كتفها. كان خرير الينابيع مهدئا للغاية فاستلقت على الأريكة الهزازة وشعرت بالنوم يتسلل اليها تسللا.
عندما استيقظت كان نور الشمس قد خف وكيم تقف الى جانبها مبتسمة وهي تحمل كوبا كبيرا من العصير. قالت برضى
-لقد نامت سيدتي جيدا.
أخذت فيفيان تشف العصير وتطلعت الى ساعتها. انها السادسة والنصف تسائلت في أي وقت ينوب تشن تقديم العشاء وجاء الجواب على تساؤلها بظهور صبيين صغيرين من الخدم يحملان طاولة وضعاها بجانبها وشرعا في وضع الصحون.
عندئذ خرج تشن وقال
-كان من عادة السيد كاننغهام تناول العشاء هنا لكن اذا كانت سيدتي لا ترغب في ذلك...
-بل أرغب في ذلك اذ لا يمكنني ان افكر في مكان اجمل منه لتناول الطعام.
فقال تشن وهو يقرب شوكة ويصحح مكان الابريق
-الليلة ستذهب سيدتي الى النادي مع السيد باركلي لذلك طلبت العشاء ساعة قبل الموعد المحدد.
كادت فيفيان ان تسأله كيف عرف انها ذاهبة الى النادي حين تذكرت انه كان يقف الى جانبها عندما وجه اليها جوليان الدعوة الى ذلك. وعلى الرغم من ان وجهه يشكل لغزا الا انها بدأت تكتشف الكثير عن الخادم الاول لعرابها بطرق غير مباشرة. لم يكن خادما عاديا كما بدا واضحا. وملامح السلطة وتالفه مع كل قطعة من مجموعة الجاد كانت تشير الى انه كان على علاقة وثيقة بعرابها.
تسائلت عما شعر به ازاء مجيئها. هل استاء في سره؟ هل يشك في امرها؟ هل ادرك انها ستبقى هنا فترة قصيرة؟ مهما تكن الاجوبة على اسئلتها فقد باتت لديها قناعة راسخة بأنه من المهم جدا ان تكون على علاقة ودية مع تشن.
كان العشاء ممتازا. قرص من العجة خفيف كالريشة تبعه قريدس بالتوابل ثم فاكهة أناناس مع القشوة.
قبل ان تدق الساعة الثامنة بثوان نعدودات سمعت فيفيان هدير سيارة تصعد الطريق وبعد برهة لفت سيارة مكشوفة الغطاء المنعطف الاخير وتوقفت مثيرة هبة من الحصى. ولما قفز جوليان من مقعد القيادة بادرها وهو يصعد الى الشرفة ويرفع يدها ليقبلها
-مرحبا تبدين في غاية الانتعاش والجمال. (وأضاف) بالمناسبة لقد انتشر نبأ وصولك النار في الهشيم. كنت امل أن أدخل بك النادي لأراقب وجوههم وانا أعرف عنك. ولكن يبدو أن ثرثارتين راتاك تعبرين المدينة في سيارة كاننغهام وتكفلتا باذاعة الخبر فورا.
فقالت مترددة
-نعم رأيتهما. لقد بدتا في غاية الذهول. اني أخشى مقابلة الجميع.
-لاتقلقي. سأهتم بك. كان يجب ان تحملي معطفا فالطقس بارد فيما بعد.
فكرت فيفيان بحرج ان المعطف الوحيد الذي تملكه هو عبارة عن سترة صفراء من الصوف المحبوك. وفيما توقفت مترددة ظهرت كيم في المدخل وهي تحمل على ذراعها شالا من الحرير الأبيض.
قالت
-الليل قارس جدا. خذي سيدتي هذا.
فسألها جوليان
-أي نوع من الرجال يمثل خادمك الأول؟ ففكرة قضائك الليل بمفردك لا تروقني.
فقالت بثقة
-سأكون في امان كلي في البيت. فتشن يبدو كفؤا وكيم في غاية اللطف.
-لا يمكنك مطلقا ان تطمئني الى الصينيين. فقد ينحنون احتراما امامك لسنوات ثم يقطعون عنقك بدون رحمة اذا كان ذلك يناسب مصالحهم.
وحين رأى نظرتها المشدوهة أضاف بسرعة
-هذا لا يعني انك قد تتعرضين شخصيا لخطر كهذا. فعرابك كان على اتفاق معهم. من الضروري أن تريهم بأنك الرئيس والا استغلوك بطرق ملتوية.
تركته يقودها عبر غرفة الانتظار الى القاعة الرئيسية بتوتر يبعثه خوف الظهور على المسرح ولكن مع ابتسامة توحي بالرزانة وما ان عبرا العتبة حتى لف الصمت القاعة بأسرها. لم يستغرق ذلك عشر ثوان عاد بعدها طنين الحديث لكن فيفيان شعرت خلالها ان اربعين عينا اخذت تتفحصها من قمة رأسها الى أخمص قدميها. ولولا يد جوليان على ذراعها لأسرعت هاربة.
بدت المسافة القصيرة الى المقصف وكأنها مائة متر. وعندما ساعدها جوليان على الجلوس على احد المقاعد العالية وجلس الى جانبها شعرت وكأنها بذلت جدها عضليا عظيما.
-ماذا تتناولين؟
-عصير اذا سمحت.
-لابد ان تأخذي شيئا أقوى من العصير ما رأيك؟
-أفضل تناول مرطب خفيف.
-كما تشائين.
أخذت فيفيان تراقب اخوانها الاوروبيين خلسة. معظمهم كانوا متوسطي العمر باستثناء مجموعة من الضباط الشبان في احدى الزوايا وامرأة شقراء تجالس بعض الرجال الماجنين قرب النوافذ.
قال جوليان وقد تبع نظراتها
-الرجال ذوو العيون المحتقنة بالدم مزارعون يممضون اجازتهم الاسبوعية اما الشقراء الجميلة فزوجة ضابط يقضي معظم وقته في الادغال. انها تشغل نفسها في غيابه كما ترين.
-ألا تعتقد انها تصيغ الامور بطريقة مشوهة للسمعة؟
-ليس تماما فلا احد يهتم هنا بهذه الامور الصغيرة فالزواج المبارك سرعان ما يصبح مملا في الشرق وجميعنا متحررو الافكار.
انعكس امتعاضها على وجهها فتلاشت ابتسامته الساخرة وسألها سريعا
-ما بك؟ هل العصير حامض؟
اشارت بالنفي لم يكن الوقت مناسبا لتناقشه حول المناقب وسيعتقد انها ساذجة جدا لو باحت له بأنها ليست متحررة الافكار كمواطنيها. وبرغم بغضها للطريقة المستهترة التي تحدث بها عن تسليات السيدة الشقراء لم تشأ ان تنفد دعمه عند هذا الحد.
وفجأة انبعث صوت
-جوليان يا لك من شقي لماذا لم تحضر الحفلة التي اقمتها يوم الجمعة؟
واقتربت امرأة قصيرة بدينة ذات عينين سوداوين براقتين وتسريحة معقدة مصبوغة بالأزرق وهي تنظر الى جوليان بمزيج من العتاب والغنج.
فقال وهو يقبل اناملها البدينة بحركة مسرحية
-مرحيا يا مادج. اسف بخصوص الحفلة فقد انشغلت تلك الليلة ألم تقرأي رسالتي؟
فقالت بخبث وهي تلكمه بمروحتها مداعبة
-عمل؟ لا اصدق ذلك. اعتقد انه كانت لديك مهمة اكثر اثارة مع احدى جميلاتك الصينيات يا ماكر.
فسعل جوليان وبدا عليه الارتباك. ثم قال بشيء من التسرع
-مادج اعرفك الى الانسة فيفيان كونيل. فيفيان... السيدة كارشلتون.
فقال السيدة كارشلتون وعيناها تتفحصان وجه الفتاة وقامتها بسرعة وشمولية
-أهلا بك في موبينغ يا عزيزتي اذن السيد كاننغهام كان عرابك لقد صدمنا جميعا نبأ وفاته كان رجلا رائعا.
فسألتها فيفيان
-هل عرفته جيدا؟
-ليس بشكل حميم طبعا كان متحفظا كالعديد من الرجال اللامعين لكنني كنت شديدة الاعجاب به واذا كان بامكاني مساعدتك بأي مجال فيجي أن تطلعينني على ذلك فورا.
-هذا لطف منك.
-هراء سيكون من دواعي سروري اعتقد انك في غاية الشجاعة لتأتي الى هنا بمفردك كيف وجدت البيت؟
-لم تسنح لي الفرصة بعد لاستكشافه بدقة.
-اقدر ذلك جوليان لماذا لا تاتي بالانسة كونيل الى طاولتنا؟ الجميع متشوقون للتعرف اليها.
خلال ساعة واحدة وجدت فيفيان نفسها تتعرف الى سلسلة من الغرباء الذين تحدثوا عن المرحوم جون كاننغهام بعبارات ودودة بحيث يصعب عليها التصديق بأن عرابها كان ناسكا مشاكسا وعلى خصام مع مواطنيه الاوروبيين. الا ان جوليان نفسه قد اكد لها من قبل اقوال السيد ادمز.
كانت تصغي الى فكاهة طويلة يرويها رجل ممتلئ الوجه ذو شارب احمر عندما بدأت السيدة كارشلتون فجأة تلوح لقادم جديد.
فتطلعت فيفيان حولها ورأت فتاة في عمرها تقريبا تقف عند الباب.
وهتفت السيدة كارلشتون.
-حبيبتي كارا تعالي واجلسي معنا.
وبعد تردد بسيط تقدمت الفتاة نحوهم.
حتى لم لم تتمتع كارا ميتلاند بقامة متناسقة وملامح كلاسيكية لكانت استرعت الانتباه فألوانها تركيبة نادرة من الشعر الاسود والعينين الزرقاوين والبشرة البيضاء العاجية يبرز مفاتنها فستان مفصل كثوب اغريقي تاركا كتفا عاريا مشدودا عند الخصر فيما اظافرها الطويلة مطلية بطلاء احمر فاقع.
لم تبتسم كارا وكانت في صوتها نبرة سخرية او عداء. احست فيفيان بمدى انعدام اللون في شعرها الاشقر وفستانها الباهت ازاء جمال كارا المفعم بالالوان.
بعد ان جلست كارا الى جانبهم قالت السيدة كارشلتون لفيفيان
-ياعزيزتي لابد انك وكارا في العمر ذاته؟
فسألتها فيفيان
-هل تقيمين في الملايو منذ مدة طويلة؟
اجابت الفتاة الاخرى
-منذ ستة اشهر امضيت معظم حياتي في الترحال. بعد فترة يكتشف المرء ان كل الاماكن تتشابه كثيرا... وفي النهاية يصبح الامر مملا.
نظرت السيدة كارشلتون الى كارا وقالت
-يفترض في سنك ان تكون الحياة مغامرة مليئة بالفرص والتجارب.
فنظرت اليها كارا بازدراء وقالت ببرودة
-انت دائما مثالية يا مادج.
فقالت السيدة كارشلتون ببعد نظر
-ستغيرين رأيك عندما تعرفين الحب.
فلفت كارا ساقيها واخذت تراقب حذائها الفضي وسألت بتهكم
-ولمن تقترحين ان امنح قلبي الفتي؟ لأحد مرؤوسي والدي المندفعين؟ ان رواتب الضباط الصغار ضئيلة جدا للأسف ولا اريد الحرمان في حياتي.
طقطقت مادج باسنانها وقالت
-هناك بعض العزاب المناسبين في موبينغ يا عزيزتي الدكتور سترانسوم مثلا فهو وسيم جدا واعتقد ان دخله جيد.
فضحكن كارا
-طوم متزوج من عمله يا مادج واذا نزل يوما من عليائه فسيكون من اجل فتاة جدية لا تمانع في ان تتقاسمه مع مجموعة من الاهلين المرضى.
نفضت رماد لفافتها ثم اشعلت لفافة اخرى وتابعت قائلة
-اني اتسائل احيانا اذا كان طبيبنا المحترم يشكو الوحدة فعلا فقد يكون مسليا اكتشاف ذلك.
فشرحت السيدة كارشلتون لفيفيان
-الدكتور سترانسوم شاب صارم جدا وهو يمارس الطب في الحي الصيني ولسبب ما يفضل المرضى الوطنيين على الاوروبيين.
فاجابت
-لقد التقيته وفهمت انه كان صديقا لعرابي.
فنظرت اليها المرأتان باهتمام مفاجئ وسألتها مادج
-بحق السماء اين التقيته؟ ظننت انك وصلت اليوم؟
-كان في الطائرة القادمة من لندن الى سنغافورة وجلسنا في مقعدين متجاورين.
فتبادلت المرأتان النظرات وسألت كارا
-ما رأيك فيه بعد هذه الرفقة؟
-تبادلنا حديثا مقتضبا. كان يقرأ معظم الوقت.
فعلقت كارا وفي عينيها الزرقاوين لمعة استمتاع
-تصرفه نموذجي فلو اضطر سترانسوم الى الاقامة في جزيرة خالية برفقة فينوس لأبقى أنفه مدفونا في كتاب علمي
واضافت السيدة كارشلتون
-الانسة كونيل التقت جوليان ايضا في طريقها من سنغافورة وهو الذي رافقها الى هنا هذا المساء.
فقالت كارا بعدم اكتراث
-حقا؟ من نقيض الى اخر فجوليان حساس بقدر ما سترانسوم حصين لا تدعي سحر جوليانيجرفك يا انسة كونيل فانه لا يصدق البتة.
اثناء اجتيازهم البهو وخروجهم الى الهواء الطلق قالت فيفيان لجوليان
-لم ادرك مدى اختناق الجو في الداخل.
-هل ضجرت؟
-ولماذا اصاب بالضجر؟ كم هي جميلة الانسة ميتلاند. اتسائل كيف تحافظ على بشرتها في هذا المناخ.
-انك اول امرأة تتفوه بكلمة طيبة بحق كارا في غيابها. جميعهن حسودات ويستمتعن بتهشيمها.
-لابد ان يكون ذلك صعبا او أر في حياتي احدا في جاذبيتها.
-انها فعلا فاتنة انتظري حتى تريها في نوبة غضب فتحت هذا القناع يختفي مزاج هرة متوحشة.
ثم امسك بيدها وقال بنعومة
-لاشك ان وجودي امس في سنغافورة كان ضربة حظ.
سحيت فيفيان يدها بلطف سارا بصمت فتسائلت متضايقة عما اذا كان رفضها المهذب قد اغضبه.
سألها
-هل حذرك احد مني؟
-بالطبع لا لماذا تسأل؟
-انها مجرد فكرة.
-هناك شيء لابد ان اقوله لك لابد انك لاحظت اختلافا في شخصيتي وسبب ذلك انني انسانة غير معقدة. كانت حياتي ضيقة المجالات و...
وتوقفت بحثا عن الكلمات الملائمة لشرح مشاعرها فتابع جوليان عنها
-... ولست معتادة على تشابك الايدي مع الغرباء اليس كذلك؟
احمرت وجنتاها ببطء وحمدت ربها على ظلمة السيارة واضافت
-لست متأكذة من انني اريد تغيير نفسي.
راقبتها يبتعد في سيارته ثم اجتازت كوخ الحارس الهاجه واطفأت نور الشرفة وتسللت الى غرفتها كانت كيم ملتفة على نفسها على سرير ضيق خارج الغرفة ومع ان فيفيان لم تشك مطلقا بمخاوف ليلية الا انها اطمأنت الى وجود الوصيفة بجوارها.
فتحت فيفيان عينيها ونظرت بحيرة الى السقف غير المألوف ثم تذكرت اين هي وقذفت الغطاء بعيدا وضعت قدميها على الارض وهي تتلمس مداسها كانت الغرفة تسبح في ظلال خضراء وحالما وفعت الستائر المسدلة تدفقت اشعة الشمس المتوهجة في صبح استوائي عبر النوافذ.
الينابيع صامتة والحوض يتألق في اشعة الشمس الصباحية. وبينما كانت تجمع بعض البتلات المخملية البيضاء التي وقعت من شجرة الياسمين خلال الليل سمعت صوت طرطشة ماء على مقربة منها. تذكرت حوض السباحة وتسائلت عمن يأخذ غطسة مبكرة.
هبرت الممر وحديقة العشب الى منصة القفز. كانت دائرة الامواج تتسع تحت الخشبة العليا لكن الحوض بدا خاليا للوهلة الاولى. ثم لفت انتباهها لمعان المعدن ورأت أن أحدا قد ترك علبة سجائر معدنية على العشب.
سمعت صوتا في الطرف الاخر من الحوض فاستدارت لترى رأسا داكنا يطفو مجددا. وبعد ان حددت المكان تمكنت من رءية شكل اسمر غامض يتجه نحوها. ولدى اقترابه عرفت انه رجل. وقبل وصوله الى الحافة بمسافة قصيرة ارتفع الى سطح الماء وأمسك بمقبض الحديد وتأرجح الى الارض المبلطة انه الدكتور سترانسوم.
حدق أحدهما في الاخر دقيقة طويلة وبدهشة متبادلة ثم ضاقت عيناه غضبا وسألها
-بحق السماء ماذا تفعلين هنا؟
-انني... انني اقيم هنا ماذا تفعل انت؟
-أليس هذا واضحا؟ ماذا تعنين بأقيم هنا؟
فقالت ملسوعة بترحيبه الخشن
-هذا هو بيتي الان السيد كاننغهام تركه لي.
فمسح الماء المنساب على جبهته وقال بجفاء
-يبدو انني اتطفل كان كاننغهام قد سمح لي باستعمال الحوض لم اكن اعرف ان المالك الجديد قد وصل لن اتطفل مرة اخرى.
وقبل ان تتمكن من الرد عليه اخذ علبة السجائر ومشى نحو الشجيرات.
-دكتور سترانسوم.
فاستدار وكان جسمه الطويل القوي العضلات يتألق . تقدمت فيفيان نحوه وقالت بحياء
-أرجوك لا تذهب ليس هناك ما يمنع استمرارك في استخدام الحوض.
وعندما لم يجبها تابعت
-السيد كاننغهام كان عرابي الم يقل لك انه ترك لي المنزل؟
-لم نبحث في الامر ابدا.
ثم انحرفت نظرته الى نقطة تتعداها على طاولة من الخيزرانتحت مظلة مفتوحة.
-صباح الخير سيدتي. صباح الخير سيدي.
فقالت فيفيان اذ رأت على الصينية ابريق قهوة وفنجانا واحدا وصحنا من شرائح الأناناس
-صباح الخير تشن كيف عرفت أنني هنا؟
-لم أعرف سيدتي هذه قهوة كانت للسيد الطبيب.
-اه فهمت ارجو ان تحضر لي فنجان اخر ربما استطعت ان اشاطر الطبيب قهوته.
-نعم سيدتي.
-ألن تجلس دكتور سترانسوم؟
فتردد لحظة ثم جلس قائلا
-لابد أن يبدو لك هذا غريبا جدا. وأخشى ان يكون تشن غير مدرك بأن الوضع قد تغير في مثل هذه الساعة لا يكون حوض النادي مفتوحا وفي حياة عرابك اعتدت المرور من هنا للسباحة وتناول فنجان قهوة في طريقي الى العيادة.
فقالت بلطف
-لاأرة غرابة في ذلك. بل يبدو ترتيبا معقولا جدا ولا داعي لايقافه بسبب وجودي هنا.
ثم سكبت القهوة وقدمت له الفنجان.
-تناوليه أنت سأنتظر الفنجان الاخر هل لي أن أدخن؟
-طبعا ليتني عرفت انك كنت صديق عرابي خلال الرحلة.
أخذت ترشف القهوة الساخنة ثم قالت بتودد
-أخشى أن أكون تصرفت بغباء شديد في رانغون وأعطيت عن نفسي انطباعا سيئا. أرجو أن لا تسجل ذلك نقطة ضدي.
وأضافت
-قيل لي انك احد القلائل الذين عرفوا عرابي عن كثب واعتقد ان وجهتي نظركما كانتا متشابهتين أريد أن أتصرف بوحي من قناعاته.
قطعت الحديث عودة تشن بالفنجان وبصحن أناناس اخر.
ابتسمت له فيفيان شاكرة وعندما عادت قالت بقلق
-لا أظنه يستلطفني.
فقال الدكتور سترانسوم
-لايعرفك بعد. هاهو سنغ العجوز قادم لم يضيع وقته.
تبعت نظره فرأت صينيا عجوزا يتطلع بحذر عبر الشجيرات.
وبعد استكشاف سريع خرج الى العراء وهو يحمل حقيبة في يد وصرة قماش كبيرة في اليد الاخرى.
وردا على نظرتها المستفسرة شرح لها الطبيب
-سنغ تاجر متجول ويأتي الى هنا مرة في الشهر اظنه عرف بوصولك ووضعك على رأس قائمته. هل أتخلص منه؟
-أرجوك لا أريد أن أرى بضاعته. لماذا كان حذرا الى هذه الدرجة في خروجه من الحرج؟
-لأنه لص عتيق ولو راه تشن لطرده لا تلوميني ان هو سلبك.
وضع الصيني أمتعته على العشب على بعد خطوات منها وتقدم وهو ينحني بتذلل وابتسامته العريضة تكشف أسنانا نافرة ملبسة بالذهب.
-صباح الخير سيدتي. صباح الخير سيدي. هل ترغبين في رؤية أغطية للطاولات وعاجا وبورسلين وملبوسات نسائية جميلة جدا؟ انها رخيصة جدا ونوعيتها ممتازة.
فقالت فيفيان متجاهلة نظرة الطبيب المستمتعة بسخرية
-نعم أرجوك.
جلب سنغ حقيبته وفتحها عند قدميها في الصرة اغطية طاولات مطرزة وبيجامات حريرية زاهية الالوان وقمصان من النايلون ومناديل مطرزة باليد. اما الحقيبة فاحتوت على مجموعة من علب صدفية وتماثيل عاجية وحلى فضية وزينة صينية رائعة التلوين.
كان سنغ بائعا خبيرا يعرف ان السيدات الانكليزيات يملن الى شراء ما يفوق امكانياتهن. وربما ان هذه الانسة الشقراء الشعر قريبة السيد المرحوم كاننغهام فلا بد انها ثرية جدا ولن تعترض على رفعه اسعاره بضعة دولارات. وبعين حذرة على الدكتور أخرج أجود أنواع بضاعته قائلا
-أتعجبك هذه؟ انها من النايلون الامريكي. جميلة جدا هه؟
فهزت فيفيان رأسها نفيا وحاولت الا يحمر وجهها ثم سألت بعجل وهي تشير الى سترة من الحرير. كان الحرير بخضرة شاحبة ومطرزا بشكل رائع بالطيور والازهار قبة ضيقة على الطراز الامبراطوري الصيني القديم ومربوطا من الامام بحزام حريري.
فسألت
-هل لي أن أجربه؟
-بالتأكيد بالتأكيد.
أدخلت فيفيان ذراعيها في الكمين الواسعين لمست التطريز الرائع بأنامل هيابة. كان معطفا يلائم أميرة.
بكم هذا؟
فراح سنغ يسرد حسنات المعطف قبل ان يقول في النهاية بأن ثمنه خمسون دولارا فسألت الطبيب
-كم يساوي بالعملة الانكليزية؟
-حوالي خمسة جنيهات ونصف.
-اذن ساخذه.
وبرغم محاولات سنغ لحملها على رؤية ما تبقى من الاشياء أقنعته بأنها أنهت مشترياتها ودخلت البيت لتأتي بالمال.
ما ان رجل البائع الماكر حتى اعلن الدكتور سترانسوم ان عليه الذهاب الى العيادة فسألته
-ستستمر في استعمال الحوض أليس كذلك؟
-اذا كانت تلك رغبتك.
ودفعها دافع لم تتمكن من تحديده الى مد يدها للمصافحة. ولبرهة شدت أصابعه الرشيقة السمراء على يدها بقبضة مؤلمة ثم رحل.
بعد الغذء قالت فيفيان انها تريد الذهاب الى المدينة للتسوق فانحنى تشن وقال
-سأجلب السيارة ربما كان من الأفضل أن ترافق كيم سيدتي لئلا يطلب الباعة أسعارا باهظة.
-نعم فكرة جيدة اغلب الظن انها تعرف افضل المحلات.
بعد نصف ساعة اوقف تشن السيارة في وسط المدينة وفتح لها الباب قائلا
-سأنتظر هنا حتى تعود سيدتي.
-قد يستغرق ذلك وقتا طويلا خذ السيارة الى البيت يا تشن سأعود برفقة كيم في عربة.
فرفض تشن قائلا
-ليس من المعتاد ان تركب السيدات الانكليزيات في هذه العربات.
-ولملا؟ كل الاخرين يفعلون ذلك.
-العربات ليست دائما نظيفة. سأنتظر
فردت بحزم
-ولكنني أريد الركوب في عربة. انها تبدو نظيفة بما فيه الكفاية كيم يمكنها اعطاء التعليمات للسائق.
فقال بصوت خالي من التعبير
-كما تريد سيدتي.
فأكدت له
-لاتقلق سنكون في المنزل وقت تناول الشاي. تعالي يا كيم.
طوال الساعة التي تلت استكشفت فيفيان السوق بينما كانت وصيفتها الصغيرة تعدو وراءها كحارس متيقظ.
لم يكن للحوانيت نوافذ بل كانت تطل مباشرة على الطريق وبضائعها تنتهك الممر. دهشت فيفيان لمرأى علب عرض للمجوهرات في جانب من الحانوت ونحاسا يضرب الأوعية والمقالي في الجانب الاخر. كانت مخازن الحرير في معظمها تخص هنودا يقفون في المدخل ويسخبون بضائعهم لعرضها على المارة. وحالما يرون سيدة انكليزية يرمون عليها ثوبا من القماش أو قطعتين من النايلون ويثرثرون برشقات من الكلام ثم يرفعون أكتافهم تعجبا وازدراء عندما ترفض الشراء وتتابع طريقها.
فجأة شعرت بلمسة خفيفة على ذراعها ورأت كيم تدلها على محل على الرصيف الاخر.
-سيدتي هذا جيد.
واذ تذكرت ما قاله تشن بأن الوصيفة ستجنبها السلب تبعت الفتاة الصينية الى المخزن المختار وابتاعت بارشاد منها عدة قماشات للفساتين أخدتها الى عند الخياطة وبعد فترة وجيزة كانت كيم مثقلة بالطرود فيما حملت فيفيان طردا يحتوي ثوبا للسباحة وعلبة للماكياج. وباحساس خفيف بالذنب أدركت أنها صرفت مبلغا كبيرا من المال لكن كل شيء كان في غاية الرخص وهي لم تجلب معها الا القليل من انكلترا بحيث وجدت مبررا لهذا التبذير الرائع.
وما ان خرجتا من مخزن بائع الاحذية حتى سمعتا صوت سيارة في الشارع ورأت فيفيان جوليان يبتسم لها من سيارته.
هبط من السيارة واتجه نحوهنا قائلا
-مرحبا كنت ذاهبا لاراك. هل أوصلك الى البيت؟ ماذا كنت تفعلين؟ تبتاعين المدينة كلها؟
-تقريبا لكنني اعتقد اننا بذرنا بما فيه الكفاية ليوم واحد. ارحب بالعودة في السيارة. فحجارة الرصيف هذه حارة كالجمر.
فقال بسعادة
-جيد ادخلي. سأضع أغراضك على المقعد الخلفي. ولكن أين سيارتك؟ هل ينتظرك خادمك الأول في مكان ما؟
-كلا أرسلته الى البيت. كنا سنعود في عربة لو لم يصادف مرورك من هنا.
فقال بصوت بدت عليه الصدمة لدرجة ان فيفيان قررت الا تطلعه بانها ركبتها بعد الظهر
-يا الهي لا يمكنك استخدام هذه الاشياء النتنة.
ولدى اجتيازهم سوق السمك لمحت قامة طويلة تقف عند المنعطف. كان الدكتور سترانسوم. وعندما مروا من امامه ابتسمت له ولوحت بيدها لكنه لم يرد التحية فتسائلت بانزعاج عما اذا كان تقصد ذلك ام انه لم يرها؟




نهاية الفصل الثاني

sara00 07-06-13 02:02 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
منتظرين البقية على احر من الجمر

مغربيةوأفتخر 11-06-13 12:53 PM

شكرا لك على المتابعة

مغربيةوأفتخر 11-06-13 12:58 PM

الفصل الثالت


المدينة تضج بالأطفال. طفل هندي يلهو تحت عجلات عربة. فجأة رأت فيفيان سيارة مسرعة اتية. تأرجح الطفل ثم أسرع الى الأمام... صرخت مذعورة واندفعت وسط الطريق...



يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
نهاية الفصل الثالت

مدموزيل 11-06-13 04:27 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

dane 11-06-13 04:36 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

بوح القصيد 12-06-13 11:09 AM

شكراااااااااااااااااااااا ااااااااااااااااااااااااا ااااااااااااااااااا لك

مغربيةوأفتخر 14-06-13 12:34 PM

شكرا لكن على المرور الرائع

مغربيةوأفتخر 14-06-13 12:36 PM

الفصل الرابع

اخذت تفكر في جوليان. انها توده كثيرا وتعترف بجاذبيته الشديدة ولكنها لم ترحب ابدا بمحاولاته...

نامت فيفيان تلك الليلة بعمق. وحينما استيقظت وجدت ان التورم زال تقريبا من حول كاحلها وقد عرفت هذا من ارتخاء الضمادات. كما زال الالم. كانت تستلقي بترف على الفراش المطاطي العائم حين جائتها كيم بشاي الصباح فأحست بمعنوياتها مرتفعة.
عبرت الفناء وهي تعرج قليلا وفوجئت بمرأى طوم سترانسوم واقفا أمام النوافير يدخن لفافة. قال حالما راها
-صباح الخير جئت لأسبح وبما اني سأعاين كاحلك ايضا فقد دعوت نفسي الى تناول الفطور. كيف أمضيت ليلتك؟
-براحة تامة شكرا. لم احتج الى حبة المنوم التي وصفتها لي.
-عظيم.
ازاح لها كرسيا وجلس قبالتها الى طاولة الفطور. كان يلبس قميصا ازرقا يعزز زرقة عينيه. لحظت سرواله القطني الأزرق وهو يرتدي عادة شورتا كاكيا وجوارب بيضاء طويلة فسألته
-أهذا يوم اجازتك؟
-كلا فأنا أذهب مرة في الأسبوع الى مأوى الاطفال في منطقة غاتا رود واتساءل ان كنت تودين مرافقتي فالرحلة ممتعة واعتقد انك ستودين المرأة التي تدير المأوى.
-يسرني ذلك انما اخشى ان اعرقل عملك؟
-ابدا يمكنك التحدث مع اَنا اثناء معاينتي للصغار. ان ضيوفها قليلون وهي سيدة اجتماعية بطبيعتها. سنغادر حالما اضمد جرحك كيف هو الان؟
-اشعر بوخز خفيف عندما اطوي ركبتي ولا شيء سوى ذلك. حدثني عن مأوى الأطفال.
-انه يضم عشرين طفلا. جاءت اَنا الى هنا منذ خمسة وثلاثين عاما كمبشرة ثم وجدتان لا جدوى من التبشير لكون الدين هنا مشابه لعقيدتها فقررت ان تنذر نفسها للعناية باليتامى والمشردين.
-تبدو لي امرأة رائعة.
-الاطفال مولعون بها ولو كانت تملك المال الكافي لما تركت مشردا واحدا في الطرقات.
عاين كاحلها بعد الافطار وقال انه سيشفى خلال يومين على الاكثر فيما سوف يستغرق الجلف فوق ركبتها اسبوعا ليندمل. قال وهو يعيد الادوات الى حقيبته
-اتعلمين ان الاهالي يطلقون عليك اسم السيدة الصغيرة ذات الشعر الابيض؟ معظمهم لم ير في حياته شعرا اشقر طبيعيا. يسرني انك لم تتبعي موضة الشعر القصير. لا افهم لماذا تصر النساء هذه الايام على التشبه بالرجال.
-تبدو لي انك من النوع الذي يفضل الواقعية على الانوثة.
-افضل مزيجا من الامرين لكن هذا نادر الوجود فالنساء القديرات عاديات الجمال على الاغلب والفتيات الفائقات الجمال قلما يتمتعن بذكاء ورجاحة عقل.
تسائلت في سرها ترى في اي خانة يضعها
غادرا البيت بعد التاسعة بقليل وفي طريقها مرا بمجموعة من النساء يملأن الماء من حنفية عامة وبدت الوان ثيابهنالوطنية كبتلات زاهية تزين الخضرة على جانب الطريق. لوحت لهن فيفيان وقالت لطوم
-يا لهم من شعب جميل الشكل. اتسائل لماذا تظن الشعوب البيضاء انها تفوقهم حسنا. اعتقد ان الجلد الاسمر اكثر جاذبية من جلدنا.
التفت اليها وقال
-انت نفسك بدأت تكسبين سمرة جذابة.
قالت وهي تنظر الى ساعديه الملوحين بسمرة داكنة
-لن تحرقني الشمس ابدا كما فعلت بك.
-اذا اكتسبتي سمرتي يوما فأغلب الظن ستصابين بتجاعيد وانتفاخ تحت عينيك فهذا الطقس قاس جدا على بشرات النساء الا اذا قضين نصف وقتهن في وضع المساحيق وما شابه.
-لن اخشى التجاعيد الا ان الانتفاخ تحت العينين يبدو مثيرا للقرف. متى تبدأ في الظهور؟
اجابها باسما
-اعتقد انك ستنجين منها سنة او اثنتين. هل تتناولين يوميا حبوب البالودرين المضادة للملاريا.
-نعم يا دكتور.
فقال مداعبا
-يا لك من طفلة عاصية.
كان مأوى الاطفال بيتا واسعا مكونا من طبقة واحدة ومشيدا على قوالب اسمنتية تمنع الرطوبة وتسلل الحشرات. سطحه من الحديد الصدئ وجدرانه في حاجة الى الطلاء. بدا المكان مهجورا الا من بستاني عجوز يقص العشب في زاوية الحديقة.
اوقف طوم السيارة قرب الدرجات العتيقة المؤدية الى الشرفة واخذ يضغط على البوق بوتيرة معينة وحالما توقف عن التزمير انفتح الباب المزود بشريط مانع للبعوض وهبط فريق من الاطفال ركضا ليلقي بنفسه على السيارة. كانوا من كل جنس ولون هنود هزيلو الاجسام سود الشعر ضاحكو العيون صينيون ذوو انوف فطساءفتاتان ملاويتان في العاشرة من العمر في لباس وطني. اخدوا يزعقون بأعلى اصواتهم ويقفزون على السيارة كقطيع من الجراء الملهوفة.
وحالما ترجل طوم من السيارة تعلق طفلان صغيران بساقيه فيما تمسك الاخرون بذراعيه مطالبين باهتمامه.
-اين الانسة اَنا؟
زعق عاليا ليسمعوه فأشاروا بأذرعهم الصغيرة واخبروه ان الانسة اَنا في المطبخ. فقال لفيفيان مبتسما
-لنحتمي بالداخل قبل ان يلقوا بنا ارضا. تعالوا ايها الصغار. خذوا هذا فلعله يسكتكم بضع دقائق.
ثم اخرج من جيبه كيسا من الحلوى وقذف به الى احدى البنتين الملاويتين قائلا
-هل لك ان توزعيها عليهم يا خديجة؟ انها تكفي للجميع.
وفيما تهافت الصغار حول خديجة لينال كل منهم نصيبه من الحلوى صعد طوم وفيفيان الدرج ودخلا البيت.
وناداه من الداخل صوت نسائي جهير
-أهذا انت يا طوم؟
فزعق مجيبا
-أجل لقد جئتك بضيف.
-خذه الى غرفتي وقدما لنفسيكما شرابا. سأوافيكما فورا.
فتح طوم بابا في اخر الردهة وقاد فيفيان الى غرفة صغيرة بدت مكتبا وعيادة معا. التقطت فيفيان دبا صغيرا استهلكه طول الاستعمال فصار بعين واحدة واذنان على وشك الانفصال فعلق طوم قائلا
-هذا الدب هدية عيد جائتهم قبل سنتين وقد عمر طويلا باعتبار ان عشرين طفلا اشتركوا في اللعب به.
ثم سمع خطوات ثقيلة في الممر وصرير حذاء فقال
-ها قد اتت اَنا.
اعادت فيفيان الدب الى مكانه واستعدت بعصبية للقاء مضيفتها العالية الصوت والثقيلة القديمين. انفتح الباب فتراجعت الى الوراء على رغم منها.
ان مرأى الانسة اَنا بكستون لأول مرة كفيل بترهيب مطلق شخص فهي اولا بدينة والى حد انها عبرت الباب حشرا وثانيا لأن شعرها الأحمر المصبوغ اشبه بشجيرة برية. حدقت الى فيفيان قم قهقهت بصخب وهتفت
-يا اهي انها فتاة ما اسمك يا عزيزتي؟ اين وجدك طوم؟
قال طوم بسرعة
-اسمها فيفيان كونيل وجون كاننغهام كان عرابها.
-هكذا اذن اهلا ومرحبا بأي شخص يمت اليه بصله. تشرفت يا عزيزتي.
صافحت فيفيان بقبضة ساحقة فقالت هذه الأخيرة
-كيف حالك. ارجو ألا يضايقك قدومي... دون دعوة مسبقة.
-بل تسرني رؤيتك. طوم لماذا لم تقدم للفتاة شرابا؟
-لم تشأ أن تتناول شيئا.
-هراء اسكب ثلاث كؤوس. اجسامنا تحتاج الشراب في المناخ الحار لافراز العرق.
امثتل طوم لطلبها ثم قال بعد ان جرعت اَنا كوبها بنهم
-من سأعاين هذا الصباح يا اَنا؟
-اثنان فقط يا عزيزي ين مصاب باسهال بدأ البارحة وحسين بحساسية في جلد عنقه. عدا ذلك جميعنا معافون والحمد لله. اتودين رؤية المكان يا انسة كونيل؟
-ارحب جدا بذلك.
فقالت الانسة بكستون وهي تنهض بجهد من على مقعدها
-حسن لندع طوم يقوم بمهمته. تفضلي من هنا عزيزتي.
كان كل شيء داخل المأوى نظيفا وزاهيا وحميما بعكس مظهره الخارجي.
وضعت الانسة بكستون على حضنها مجموعة من الجوارب وقالت وهي تشرع في رتقها
-ما رأيك في المأوى؟
اجابتها فيفيان بدفء
-انه رائع جميع الاطفال يبدون سعداء وكل شيء نظيف ومبهج. عندما اخبرني الدكتور سترا... طوم انه مأوى للايتام والمشردين تصورته مؤسسة صارمة الا انه يشبه اي منزل عائلي فيه عدد اكبر من الاولاد.
-لسوء الحظ انه لا يتسع لكل الاطفال المشردين. امنيتي ان افعل ذلك لكنه كما ترين مزدحم بما فيه الكفاية.
لاحظت فيفيان ان صوتها قد رق وهي تتحدث عن المأوى ورأت في وجهها لطفا ناقض عنفوانها السابق. سألتها بهدوء
-هل أساعدك؟ اني ماهرة في رتق الجوارب ولا احب الجلوس بلا عمل فيما يعمل الاخرون.
-ارحب بمساعدتك. هؤلاء الاطفال يبلون الجوارب بسرعة مذهلة. اليك بهذا الزوج انه يخص ونغ.
قذفته اليها ورمت على حضنها علبة ابر وخيطان صوفية وقالت
-اخبريني الان لماذا جئت لهذا البلد وما هي خططك؟
انعشها السؤال المباشر بعد استيائها من حشرية السيدة كارشلتون الملتوية فلم تتردد في شرح ظروف مجيئها. علقت اَنا في الاخير
-فهمت اذن انت تفكرين في بيع البيت والعودة الى انكلترا؟ هل لديك شاب ينتظر رجوعك؟
ابتسمت فيفيان وهزت رأسها نفيا فقالت اَنا
-مازلت صغيرة في السن وخير لك ان تختبري الحياة قليلا قبل ان تقدمي على الزواج.
الرجال مخلوقات غريبة يا عزيزتي. اخالك تتسائلين عما اعرفه عنهم اليس كذلك؟ لقد فقدت رونقي بطبيعة الحلب غير اني لم اكن بدينة وسليطة اللسان قبلا. استغلي شبابك لأنه سيطير في غفلة عنك.
-اتسائل لماذا بقي عرابي عازبا؟
اجابتها الانسة بكستون وعيناها تومضان
-نساء عديدات طرحن هذا السؤال اذ كان رجلا وسيما لكن معظمهن اردن الحصول على ثروته. كانوا يسمونه جون كاننغهام المجنون وهو يطوف شواطئ بورنيو وسوماطرا في يخته الفخم الذي ابتاعه من امريكي مفلس. بالطبع حصل كل ذلك قبل ولادتك. ثم جائت الحرب فوضعت حدا لحياته المائعة وعندما خرج من معسكر الاعتقال الياباني كان قد تقدم في السن فاستقر في موبينغ حتى وفاته. كان يزورني مرة في الاسبوع فنستعرض الذكريات الماضية. كان من خيرة الرجال.
-انتما وطوم كنتما صديقيه الوحيدين؟ اقصد بين الاوروبيين؟
-اجل لم يكن يضيع وقته في رفقة الاخرين وقد صارحهم بذلك. طوم يشبهه فعندما جاء الى الملايو لاحقته اغلب النساء الاوروبيات لكنه سرعان ما افهمهن من خلال تصرفاته انه لن يضيع وقته في معالجة امراض وهمية.
وضعت فيفيان خيطا جديدا في الابرة وقالت متظاهرة بالعفوية
-بأي حال فهو لا يبدو ميالا الى النساء.
رمقتها اَنا بنظرة ثاقبة وقالت
-اجل فهو اقترف غلطة في الماضي ويخشى الوقوع في اخرى. جميع الرجال يصدمون عندما يقعون في الحب فتدير لهم المرأة ظهرها وتزدري حبهم. ان ذلك كفيل بابعادهم عن فكرة الزواج الى الابد وهذه مشكلة طوم.
-لماذا؟ ما الذي حدث له؟
قم اردفت بسرعة
-اسفة. لم اقصد التحشر في امر لا يخصني بتاتا.
-اشك في ذلك فأنت قد تناسبين طوم لانك لست واحدة من اولئك الفتيات المبتذلات الساعيات للتسلية. منذ ست سنوات تقريبا خطب طوم فتاة في انكلترا وقد فهمت من كلامه ان جمالها كان يفوق رجاحة عقلها لكن الرجال الاذكياء كثيرا ما ينجرفون وراء وجه جميل. بأي حال لقد احب تلك الفتاة بجنون وبدت هي تبادله حبه بالمثل والى ان قرر الرحيل الى الشرق. كانت من جهتها تصبو الى ان تكون زوجة اختصاصي ناجح في هارلي ستريت لم ترق لها فكرة السكن في البراري هنا وهكذا جعلته يختار بينها وبين تنفيذ قراره وعندما رفض الخضوع لرغباتها فسخت الخطوبة وهربت مع شاب ثري وافق طموحاتها في البدخ والثراء. ومن حينها اخذ طوم يتحاشى النساء.
-ان تصرفه الجاف اذن هو نوع من الدفاع.
-صحيح وهو يزداد جفافا مع مرور الزمن. بعد اربعين سنة سيصبح عجوزا عازبا مشاكسا لأن فتاة فارغة الرأس لم تقدر قيمته. يجب ان تحاولي تليين عواطفه يا عزيزتي.
- يا الهي لن اجرؤ ابدا على ذلك فأنا بصراحة ارخب جانبه ان يجعلني اشعر باني تلميذة حمقاء مع انه عاملني بمنتهى اللطف منذ ان لويت كاحلي.
-اياك ان تحكمي على المظاهر يا عزيزتي فطوم يخفي انسانية كبيرة تحت مظهره الجليدي ويكفيه انه تقوقع على نفسه ست سنوات طويلة اعتقد انه نسي تلك الخطيبة تمام انما اصبحت عادة لديه ان يتظاهر بنفوره من النساء. سوف ينفضها عنه يوما واذ ذاك سوف يندلع الشرر.
وفجأة قال صوت خلفهما
-من سينفض ماذا؟
قفزت فيفيان مجفلة وقالت اَنا بهدوء
-لاتقلق كنا فقط نثرثر كعادتنا نحن النساء. الانسة كونيل ستبقى لتناول الغذاء وقد نجد لك بعض الفضلات ان كنت تود مشاركتنا.
قال باسما
-اشكرك على خطابك القصير المضياف. انكما مكبتان على العمل لو دريت انكما ستقيمان حفلة خياطة لكنت اتيت بجواربي لأضيف الى المجموعة.
بعد صمت قصير قالت فيفيان
-لابد ان في الشرق كثبر من الناس الخلوقين غير الانانيين بقدر ما فيه اناس شرهين وسطحيين.
فقالت اَنا بحزم
-بالطبع يوجد كرام. عرابك كان واحدا منهم وتلك المستوطنة التي اقامها لهي من افضل المشاريع التي جرى تنفيذها لغاية الان. لا تدعي طوم يقنعك بان الشرق بؤرة فساد.
-لا يمكنه اقناعي لان اعماله تثبت عكس ذلك. اعتقد انه يحاول استفزازي فقط.
قطع حديثهم صراخ طفل خارج البيت فانتزعت اَنا نفسها من كرسيها وهرولت لتستطلع الأمر. فسأل طوم حالما انصرفت
-ما سبب الندبة على رسغك؟
-وقعت مرة من شجرة على ارض شائكة. حدث ذلك منذ سنوات طويلة.
تناول يدها وقال متفحسا الندبة
-لاريب ان الجرح كان عميقا.
-اجل اعتقدت في البداية انهم سيضطرون الى بتر ذراعي لكن الجرح شفي بسرعة.
مر باصبعه على الندبة الممتدة حتى ساعدها فأثارت لمسته الخفيفة رجفة غريبة في اعصابها. احست بدهر يمر قبل ان يفلت رسغها ويسترخي ثانية على الكرسي. ثم اشعل لفافة.
بعد ذلك تحدثوا في امور عامة حتى حان موعد الغذاء حسث كان طاهي اَنا الهندي قد هيأ طبقا من الكاري الذي تشتهر به مدينة مادراس تناولت فيفيان اول لقمة فحرق البهار لسانها وما ان تناولت الطعام المكدس على صحنها حتى عبق وجهها وسالت الدموع من عينيها الامر الذي اضحك رفيقيها المعتادين على الماَكل الحارة. ثم اعلن طوم وجوب رحيلهما فقالت تسأل آنا
-كنت افكر بأن أقوم بعمل نافع اثناء اقامتي. هي تظنين ان الاولاد الكبار سيرحبون بتعلم السباحة؟ يمكنني الاتيان بالسيارة اعدك بان نعتني بهم جيدا.
-هذا اقتراح رائع. أيس كذلك طوم؟ انما هل انت متأكدة من استعدادك لتحملهم.
-بل سأسعد باستضافتهم. ما رأيك ان يأتوا في مطلع الاسبوع المقبل واذ ذاك تكون ساقي قد شفيت؟
لما وصلا البيت عائدين ورأت سيارة جوليان الفخمة متوقفة على الممر تذكرت انه وعد نفسه بوجبة غذاء فهتفت بخيبة
-يا الهي لقد نسيت كليا.
فسألها طوم وهو يوقف سيارته
-نسيت ماذا؟
-اني دعوت جوليان باركلي الى الغذاء. لا بد انه ينتظر منذ الواحدة. والساعة تجاوزت الان الثالثة يا له من اهمال رهيب.
ثم تناولت قبعتها وحقيبتها من المقعد الخلفي وسألته
-هل تتفضل لتناول قهوة يا طوم؟
-كلا شكلاا يجب ان اعود الى عملي؟
جوابه المقتضب المهذب اشعرها بتوتر مفاجئ بينهما فترجلت من السيارة قائلة
-اشكرك جدا لأنك عرفتني الى الانسة بكستون. لقد استمتعت بالزيارة.
-سآتي غذا لمعاينة كاحلك.
ثم حياها بايمائة مهذبة وانطلق بسيارته. وقفت تراقبه انه لم يستدر ويلوح بيده عند المنعطف فأدركت انه غاضب. ما السبب؟ ما الذي قالته او فعلته حتى تجلد وجهه هكذا.
دخلت البيت مقطبة محتارة فاستقبلها تشن في الردهة
-السيد باركلي ينتظرك في الحديقة.
بعدما سرحت شعرها خرجت الى الحديقة فوجدت جوليان مستلقيا على الاريكة الهزازة.
قال وهو يهب واقفا لاستقبالها
-ها قد عدت من تجوالك. تسائلت عما حصل لك. قال تشن انك خرجت مع سترانسوم.
-اسفة جدا جوليان. لا ادري كيف نسيت انك ستأتي للغذاء. اخذني طوم لزيارة مأوى الاطفال في غاتارود ولم اتذكر موعدنا الا حين رأيت سيارتك. اكرر اعتذاري.
اجاب مبتسما
-لابأس لكني لا أعتقد اني احبذ تسكعاتك مع سترانسوم. يبدو انك غزوت قلبه وارجو الا يكون الامر متبادلا.
-لاتكن سخيف. كان ذاهبا الى المأوى بأي حال وفكر بأني قد احب التعرف اليه.
-وجهك يتورد يا طفلتي لا ريب ان لدى سترانسوم سحرا خفيا.
ازداد وجهها توردا واحتجت قائلة
-اوه جوليان لا تشط في افكارك. كانت بادرة صداقة ليس الا.
-لا اؤمن بصداقة بريئة بين رجل وامرأة وخصوصا مع فتاة جذابة مثلك.
اضاف العبارة التالية وهو يجلسها معه على الاريكة ويقربها منه فانتزعت يديها وابتعدت عنه ثم فردت تنورتها لتجعل منها حاجزا وقالت بحزم
-اذا كنت عابثا محترفا فليس شرطا ان يكون كل الرجال مثلك.
-انا؟ عابث محترف؟ انت تصدمينني بهذا القول.
حاول التظاهر بانكسار الخاطر لكنه اردف وعيناه تتألقان
-اصدقيني القول الا تبتهجين في اعماقك اذا اخبرتك رأيي فيك وهو انك من اجمل الفتيات اللواتي رأيتهن في حياتي وانك تغرينني بمعانقتك.
اجابته برود
-بما انني واثقة تماما من انك قلت الكلام نفسه لثلاثين فتاة على اقل تقدير فاجيبك بصدق ان رأيك لا يفرحني.
جاءها تشن لحظتها بشرابها المثلج ولما انصرف سألها جوليان
-ما الذي يعطيم انطباعا باني من النوع العابث؟
-هل تريدني ان اصدقك بانك من النوع الخجول؟ فها انت تتحدث عن معانقتي ومعرفتنا لم تتعد الاسبوعين حتى الان.
-ولم لا؟ ان ذلك لا يجعل مني ذئبا فأي رجل يلتقي فتاة جذابة فمها كالوردة يشعر برغبة في معانقتها باسرع وقت ممكن.
انفجرت ضاحكة وقالت بمرح
-اوه جوليان لا امل في اصلاحك فم كالوردة هذا الاغراء الشاعري انقرض مع سفينة نوح. قد تقول بعد قليل ان بشرتي كالدراق وان عيني كالنجوم. الا تدري ان الفتاة لم تعد تنخدع بهذه التعابير العتيقة؟
لم يأبه لضحكها الساخر وقال هامسا
-بل ان بشرتك تذكرني بالعاج الناعم الملمس اما عيناك فاشبههما بذلك الحوض تحت النوافير اذ انهما صافيتان جدا وتتألقان بالظلال الخضراء المتماوجة فيهما.
تجاوبت على الرغم منها مع هذا الوصف الشاعري مع انها ادركت انه مجرد اطراء. اجل لم تنخدع بتقربات جوليان الناعمة لكنها في الوقت نفسه لم تحس بمناعة تامة تجاه تملقاته وخصوصا بعد الطريقة الجافة التي ودعها بها طوم.
كان جوليان خبيرا في تقييم ردود الفعل الانثوية تجاه تقرباته الغزلية ولذا بادر الى ازاحة تنورتها الوارفة واقترب منها قليلا وقال بصوت اجش
-الا تميلين الي قليلا بالرغم من اساليبي الماكرة؟
فاجأها تصرفه فاحتارت في امرها... قالت وهي تحاول بشجاعة ان تتصنع رباطة الجأش
-بالطبع انا اودك يا جوليان فانت كنت في منتهى اللطف وساعدتني كثيرا منذ التقينا لكني...
فقاطعها بقوله
-اعتقد انك خجولة اذ ترددت ثانية يا حبيبتي الصغيرة...
اقترب منها وعانقها الا انه فوجئ بالنتيجة فبدل ان تحدق اليه بنظرة تذوب هياما -كما تفعل الاخريات- دفعته عنها بعنف وقفزت واقفة تقول بحظم
-لاتكرر هذه الفعلة من فضلك.
ثم جلست على كرسي قريب واكملت الشراب. شعر جوليان بهزيمة واضحة في مهمته الرومنسية. فلو انها صفعته او انفجرت باكية لاستطاع مداراة الموقف اما ان تزيحه جانبا وتفهمه بحزم انها ترفض تقرباته فهذا تصرف خارج عن خبرته وغير معتاد عليه. هتف بحرص
-لاحاجة بك الى كل هذا التحفظ.
فحدقت في كأسها الفارغة بصمت واخد هو يرمق الحصى بغضب وفجأة استرد مرحه المعتاد وقال مستميحا
-اسف يا فيفيان. اننسى الموضوع. اعدك بعدم تكراره.
خيل اليه انها ستمضي في تجاهلها غير انها ابتسمت بدفء ودعته لرؤية مجموعة من الجاد النادرة التي اورثها اياها عرابها. مكث جوليان لتناول الشاي واضيا الوقت في حديث مرح وكأن تلك الحادثة لم تحصل ابدا وكأنمها اخ واخته.
بعد ذلك تجولا في الحديقة وقال جوليان معلقا
-يبدو ان كاحلك تحسن كثيرا.
-نعم والحمد لله. لقد زال معظم الورم واستطيع نزع الضماد غدا مع اني سألبس احذية منخفضة الكعب لبينما يبرأ كليا.
-ما رأيك لو اعرفك الليلة الى ملهى سلستيال؟ انه مرقص محلي مشهور ولديه فرقة جيدة. ان لم ترغبي في الرقص سوف تتسلين بمشاهدة الاخرين. ان بعض الراقصات بالاجرة محترفات ماهرات.
-ارحب بالذهاب. هل ارتدي ثوب سهرة؟
-كلا اللباس فيه عادي مع اني سأذهب الى بيتي لابدل ثيابي. هل يناسبك ان امر عليك حوالي الثامنة؟
بعد انصرافه صعدت الى غرفتها واستلقت على فراشها لتستريح استعدادا للسهرة. استرخت جسمانيا انما اخذت تفكر في جوليان... انها توده كثيرا وتعترف بجاذبيته الشديدة لكنها لم ترحب ابدا بمحاولاته. قد تكون تحفظت اكثر من اللازم لكن ثقتها بان العناق الذي لم يتم بقصد الاستمتاع العابر بات رخيصا ومبتذلا ككلمتي حبيبتي او حبيبي اللتين تجردتا من معناهما العميق لكثرة ما يرددهما الناس في احاديثهم.
بعد عشاء مبكر استحمت وزينت وجهها بعناية خاصة. قررت فجأة ان تغير تسريحة شعرها وبعد تجارب عدة عقصته في مؤخرة رأسها فبدت كثبية اغريقية ثم ارتدت فستانا حريريا بلون الكريم وزينت صدره بعقد الجاد الذي اهدته اياها العائلة الصينية. الضماد حول كاحلها كان الشيء الوحيد المشوه لمظهرها الجذاب فنزعته وهي تشعر ببعض الذنب واملت الا يلاحظ تشن او كيم انها فعلت ذلك. عندما وصل جوليان ليصطحبها وجدها تنتظره على الشرفة وقد دثرت كتفيها وذراعيها بالسترة البرتقالية المطرزة.
كان ملهى سلستيان في وسط البلدة وفوق مدخله لافتة ضخمة تءلق اسمه بالنيون فيمايقف البواب اماه وهو رجل سيخي ضخم الجثة يضطلع ايضا بمهمة الطرد اذا اخل احد الرواد بالامن داخل الملهى. شرح لها جوليان ذلك وهما يعبران الردهة الى قاعة رقص فسيحة مضاءة بانوار خافتة. كانت طاولات الخيزران والكراسي تحيط بالحلبة والى جوار الفرقة الموسيقية يوجد ركن خاص يعرف بصف التاكسي وحيث تنتظر راقصات الأجرة المحترفات قدوم الزبائن الذين يدفع الواحد منهم خمسين سنتا للرقصة الواحدة.
وصلا في وقت مبكر بالنسبة الى سهرات موبينغ الطويلة ولذا وجدا قاعة خالية فاختارا مكانهما تحت مروحة كهربائية سقفية وطلب جوليان شرابا. ثم قال موضحا
-بعد ساعة يعمر لمكان بالرواد ولا يعود هناك موطئ لقدم... اين رباط كاحلك؟
-نزعته عنه اذ ما عدت بحاجة فعلية اليه.
-ما رأيك في رقصة فالس هادئة قبل ان يبدأ الرواد في الهجوم؟
سرعان ما زال جمودها بفعل الموسيقى الحلوة ورقص جوليان البارع. لم تحضر في الماضي الا بضع حفلات راقصة لكن خفة قدميها وتجاوبها مع الايقاع عوضا عن قلة خبرتها. ثم انتقلت الفرقة الى معزوفة سريعة الايقاع فسحبها جوليان من الحلبة قائلا
-من الأفضل ألا تحملي قدمك ضغطا مرهقا في الوقت الحاضر.
بدأت الفرقة مقطوعة فوكستتروت بطيئة فرقصا ثانية ولدى عودتهما الى مكانهما نظر جوليان الى المدخل ثم قال
-لقد جائت كارا مع الشاب فوغسون. هل ندعوهما لمجالستنا؟
هذه الليلة بدت كارا ميتلاند اكثر روعة وفتنة. كانت ترتدي فستانا قطنيا برتقالي اللون ودثارا اصفر مع قرطين فضيين يتدليان من اذنيها وتنتعل حذاء اصفر. اما رفيقها وهو ملازم اول فكان شابا طويلا وخجولا بعض الشيء وبدا واضحا انه مبهور بجمالها الساحق.
اظهرت كارا ابتهاجها بدعوة جوليان وخيل الى فيفيان ان رفيقها تقبل الدعوة على مضض. عادوا جميعا الى الطاولة وطلب جوليان شرابا. ثم سألت كارا وهي تزيح الدثار عن كتفيها برشاقة
-سمعت انك تعرضت مؤخرا لحادثة يا انسة كونيل.
اجابتها الاخرى مبتسمة
-كانت بسيطة وشفيت منها تماما.
احتشد الملهى بالرواد وبينهم كهول ورجال أعمال صينيون اضافة الى مجموعات من المواطنين البريطانيين وعدد من جنود الجيش الذين جاؤوا لينفقوا رواتبهم على الرقص والاستمتاع باجازاتهم القصيرة بعيدا عن حياة المعسكر. ثم ظهرت مغنية في ثوب ضيق من الساتان الأسود وراحت تشدو اغنية حزينة حول علاقة حب كتبت لها نهاية مدمرة.
واذ التفتت فيفيان صوب الباب رأت فجأة طوم سترانسوم يدخل برفقة زوجين هنديين.
لاحظ مايكل انجفالها فقال بسرعة
-اتشعرين بتوعك؟ لقد شحب وجهك كليا.
-صحيح؟ لكنني على ما يراك. الجو خانق هنا أليس كذلك؟
-اجل انه يجعل المرء يحن الى برد انكلترا وصعيقها. فأنا أحلم احيانا بالثلج ثم استيقظ واجد غرفتي كالفرن. اعتقد ان البلدان الاستوائية لا تلاءم اجسامنا.
طرحت عليه سؤالا آخر وهي تراقب الطبيب ورفيقيه يجلسون الى طاولة في الجهة المقابلة لحلبة الرقص. ازاحت كرسيها قليلا بحيث اصبحت تواجه الحائط واملت الا يتعرف عليها بسبب تسريحتها المختلفة.
سألها جوليان
-هل وجود طوم سبب شحوب وجهك؟
-كلا بالطبع. لكنه قد يغضب اذا رأى الضماد منزوعا كذلك اوصاني بالراحة يوما او اثنين.
-ذلك هراء فأنت أدرى منه بحالة قدمك. كل الاطباء يحبون اصدار الأوامر للناس ويعاملونهم كاطفال. انظري هناك زبون يزعج احدى الفتيات.
وبينما كانت جالسة في زاويتها رأت احدى الراقصات تتهرب من زبون يحاول معانقتها. كان الرجل يضحك بصخب ويلف خصرها بذراعيه بقبضة قوية فيما هي تلوي وجهها بعيدا عن فمه.
فهتفت فيفيان بقلق
-لماذا لا يتدخل أحد؟ جوليان الا يمكنك ايقافه؟
قال بتكاسل
-لا ارغب في لكمة على وجهي. لا بد انها فتاة جديدة وسوف تتعلم قريبا كيف تواجه هذه التحرشات.
تقلص فمها بغضب وقبل ان ترد عليه بجواب لاسع انفصل احدهم عن حشد الراقصين فغمغم جوليان
-هاهو طبيبنا الشجاعيسارع الى نجدتها.
قلصت فيفيان يديها ورأت طوم سترانسوم ينقر بيده كتف الرجل الذي استدار متعثرا ليرى الشخص الذي قطع عليه محاولاته. وهنا بادرت الراقصة الى اغتنام الفرصة فانتزعت نفسها من قبضته التي استرخت مؤقتا. ولما شعر انها افلتت منه اطلق شتيمة حنق واستدار ليصب نقمته على الطبيب.
ندت عن فيفيان صرخة مكتومة حين رأته يمد ذراعه ليسدد الى طوم لكمة شرسة لكن هذا الاخير ازاح رأسه في اللحظة المناسبة ثم ادخل قدمه بين ساقي الرجل وقذفه من فوق كتفه حيث سقط ارضا محدثا صوتا عنيفا. وقبل ان يستفيق من الصدمة ويقف على قدميه وصل الحارس السيخي العريض المنكبين وساعده احد الجنود الشبان على رفع الرجل المشاكس وجره الى الخارج.
تجاهل طوم الجموع المحتشدة حوله فأصلح ياقة عنقه وازاح خصلة الشعر التي سقطت على جبهته ثم رأته فيفيان يعتذر الى المرأة الهندية التي كان يراقصها قبلا وبعد ذلك انفض المتفرجون وعادت السهرة الى طبيعتها.
وقال جوليان
-ضربة موفقة يبدو ان سترانسوم ماهر في الجودو.
-يسرني ان شخصا شهما قد تدخل.
-اوه كفي عن تهجمك. لا يمكننا جميعا ان نكون ابطالا.
-لنفترض اني كنت مكان تلك الفتاة.
-وذلك امر مختلف طبعا.
-لاارى سببا للاختلاف.
-يا طفلتي العزيزة لماذا لماذا تصبين غضبك علي؟ الفتاة لم تصب بأذى والرجل القي خارجا. ما الداعي الى تضخيم الامر؟
عضت شفتها وردت بهدوء
-اسفة لم تغضبني انت وحدك بل موقف الاخرين ايضا اذ اكتفوا بالتفرج والتسلي. كان خوف الفتاة واضحا ولو لم يتدخل الدكتور سترانسوم لبقيت تعارك ذلك الوحش لغاية الان.
بلغت الساعة الحادية عشرة وبدأت فيفيان تشعر بالتعب لم تشأ ان تطلب الى جوليان ان يعيدها الى البيت لان الاخرين لم يظهروا ميلا لانهاء السهرة.
ولكي تكفر عن تهجمها على جوليان قبلت ان تشاركه رقصة فالس اخرى وظنت ان طوم لم يراها لان الاضواء اصبحت اكثر خفوتا. ثم رقص جوليان مع كارا فاستأذنت مايكل في الذهاب الى غرفة التواليت.
وجدتها تغص بفتيات التاكسي وكن يتحدثن بحماسة عن بطولة الطبيب الذي انقذ زميلتهن الجديدة. كانت الفتاة نفسها تجلس في زاوية وحولها بضع زميلات يخطن كم فستانها الممزق وقد بدت شديدة الشحوب ومتورمة العينين. ابتسمت لها فيفيان مشجعة بعدما شعرت بموجة احتقار طازجة تجاه كل الرجال الذين تقاعسوا عن مساعدتها.
لدى خروجها التقت طوم وجها لوجه. وردت له التحية وهي تكبت رغبة في العودة الى غرفة التواليت. قال ببرود
-لم اتوقع ان اراك هنا. هل اقدم لك شرابا؟
-لقد جئت مع بعض الرفاق...
فاكمل عنها يشير برأسه الى طاولتهم
-لن يفتقدك فوغسون لانه قد اختفى على ما يبدو.
لم تره فعلا فتابع طوم وهو يقودها الى المقصف
-اظنه لم يتوقع عودتك قبل عشر دقائق فالنساء يقضين هذا الوقت عادة في اصلاح زينتهن.
جلسا على كرسيينعاليين وطلب طوم كوبيين من عصير الانناس دون ان يستشيرها. خطر لها ان تعاتبه على هذا التصرف ثم طغت روح عليها الدعابة فسكتت. الموقف مضحك فعلا فقبل خمس دقائق فرحت لانه لم يلاحظ وجودها لكنه رآها وانتظر خروجها من غرفة التواليت. قال وكأنه قرأ أفكارها
-لدي انطباع غريب بأنك كنت تتهربين مني.
وردت بصوت مختنق
-انها حقا فكرة غريبة
-لكنني لم اخطئ فيها.
قالت بدون ان تنظر في عينيه
-لاادري ماذا تقصد.
-انت لا تتقنين الكذب يا فيفيان. تخشين ان اؤنبك على الرقص بكاحل ملتو اليس كذلك؟
نظر الى قدمها قبل ان تجد وقتا لاخفائها وقال
-اذن ازلت الرباط. ما كان يجب ان تفعلي ذلك.
قالت بسرعة
-اعلم انك اوصيتني بالراحة لكن الالم زال ومنظر الرباط لا يسر النظر.
-سواء كان بشعا ام لم يكن فمازال ضروريا. لا احب ان يتغاضى مرضاي عن تعليماتي اكملي شرابك لاوصلك الى البيت.
-دكتور سترانسوم لا ادري باي حق ...
قاطعها بحزم
-لا تجادلي سأترك خبرا لرفاقك.
فأعلنت بحرارة
-لااريد العودة الى البيت. قد تكون طبيبا لكن ذلك لا يعطيك الحق باصدار اوامرك الي.
تأمل محياها العابق ثم قال
-اتذكرين حادثة رانغون؟
-انها تختلف تماما.
-ستذهبين الى البيت.
-لن اذهب.
وفجأة أحاط رسغها بأصابع فولاذية وقال بهدوء
-لا احسبك ستقاومينني وتثيرين فضول الحاضرين.


نهاية الفصل الرابع

Sama Sharaf 15-06-13 09:58 AM

كأني أحلم , قصة رائعة وسرد مثير . شكرا على الجهود المبذول لكتبتها.

Sama Sharaf 15-06-13 11:17 AM

أين البقية فلا يوجد إلا صفحتين فقط أرجو إظهار بقية الصفحات لان المفروض أنها قصة كاملة وشكرا جزيلا

bobgadi 15-06-13 03:15 PM

شكرا شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

lamba 15-06-13 04:16 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

nissweetaa 15-06-13 05:18 PM

رااااااااائئئئئئئئئئئئئئئ ئئئئئئئئع

نسمة صيف 1 16-06-13 09:00 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

super Yara 16-06-13 10:34 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

أحلى جاوووويد 17-06-13 08:42 AM

روايه رائعه يعطيك العافيه

axel 17-06-13 10:22 AM

شكرا جزيلا على الرواية ... رائعة
تسلم ايديكى

مغربيةوأفتخر 17-06-13 12:42 PM

شكرا لكم على الردود الحلوة اليوم راح احط لكم الفصل الخامس كامل
اسفة على التأخير لكن الكتابة بتاخذ وقت

مغربيةوأفتخر 17-06-13 12:44 PM

الفصل الخامس


-تمددت على الفراش وفكرت ان طوم سترانسوم يشكل لغزا محيرا. فقبل ساعة وصفته بأنه لا يطاف اما الان... الان ماذا؟ كانت لا تزال تحلل عواطفها المتضاربة عندما ساقها النوم الى عالمه...


حدقا ببعضهما البعض في معركة تحد صامتة حيث تألقت عينا فيفيان غضبا وشمخ انفها تمردا. وبالرغم من جسمها المتقلص نفورا واستياء فقد ادركت انها الخاسرة لا محالة. قالت في الاخيرة بنبرة لاسعة حانقة
-امرك يظهر ان ذهابي هو الخيار الوحيد. هل تسمح بأن اتي بدثاري؟
نادى احد العمال وكلمه بالكانتونية فأومأ الرجل وهرول بعيدا.
فقال طوم
-سيجلبه الى السيارة اوصيته كذلك بأن يخبر باركلي انك متوعكة ولا تريدين حرمانهم من متابعة السهرة.
-انت لا تطاق.
-هذا ما قيل لي قبلا. هل نذهب؟
-لا موجب لان تقبض على ذراعي.
فارخى رسغها وغادرا القاعة. لما اصبحا خارج البناء عبرا الشارع الى حيث اوقف سيارته وحالما اتخذت مكانها سمعا هتافا خلفهما فاستدارت واذ بجوليان يقطع الشاعر مهرولا وسترتها على ذراعه. هتف بقلق
-ماذا حدث؟ قال النادل انك اصبت بعارض صحي؟
لقد املت ان ينقذها جوليان لكن نظرة طوم الصارمة سحقت ذلك الامل سريعا.
اخذت نفسا عميقا واجابته
-لاتقلق يا جوليان. بدأ كاحلي يؤلمني فعرض الدكتور سترانسوم ان يوصلني الى البيت.
-لماذا لم تصارحيني بذلك؟ انها لشهامة منك ان تتدخل يا سترانسوم لكني لو علمت لقطعت السهرة فورا.
اجابه طوم بسلاسة
-لم تشأ الانسة كونيل ان تضطرك الى ترك ضيفيك الاخرين وبما اني سأضمد قدمها ثانية ارتأيت ان اوصلها بنفسي.
-اوه في هذه الحالة قد يكون من الخير ان تفعل. هل يمكنني المساعدة في اي شيء؟ اشعر اني المسؤول الوحيد عما حدث.
-بل الذنب ذنب الانسة كونيل لانها خالفت تعليماتي.
بدا جوليان منذهلا من هذه الادانة الصريحة. جلس طوم خلف المقود وادار المحرك. فوضع جوليان السترة حول كتفيها قائلا
-سأزورك عذا صباحا. يؤسفني ان السهرة انتهت بهذا الشكل يا عزيزتي.
اجابته وهي تبتسم بوهن
-لا عليك لقد استمتعت بها بالرغم من ذلك.
-تصبحين على خير اعتن بها يا سترانسوم.
انطلقا بالسيارة فلبست السترة والقت رأسها على ظهر المفعد.
كانت تحس صداعا وارهاقا وعدم قابلية لمواصلة الشجار. صحيح انها اغتاضت لانه ارغمها على قطع السهرة لكنها سرت ضمنا لخروجها من القاعة الخانقة والعابقة بالدخان.
فتح علبة سكائره وعرض عليها واحدة فرفضت شاكرة. فأشعل لفافة وسألها
-لماذا لم تستنجدي بباركلي؟
-فكرت في ذلك انما وجدت ان لا فائدة ترجى من ذلك فهو يتحاشى التورط في المشاكل.
-اتقصدين اني كنت سأحدث مشكلة؟
-ليس تماما انما لديك موهبة خاصة في تنفيذ رغباتك. أليس كذلك؟
-طبعا فلا جدوى من اتخاذ القرارات اذا لم يعمل المرء على تنفيذها.
-هل تثق دائما بصحة ارائك ووجهات نظرك؟
-بصورة عامة.
-لا ريب ان الثقة الشديدة بالنفس تزود المرء باكتفاء كبير.
-انها ضرورية للاضطلاعبأية مسؤولية فالطبيب مثلا عليه ان يتخذ قرارات سريعة ولا يسعه ان يتردد.
-اجل... كان معك صديقان هنديان. الن يتساءلا عن غيابك؟
-اخبرتهما اني سأغادر المكان.
صمتا فترة واخذ جفناها يرفان وهي تقاوم النعاس. ثم قال فجأة
-توقعت ان تقذفيني بعبارات نارية ام تراك تخططين لانتقام اكثر هدوءا؟
-ارهاقي يحول دون مشاجرتك. كان يوما طويلا.
فقال ضاحكا
-لقد ارحتني. انت عصبية المزاج يا فتاتي ولو ان كل مرضاي مثلك لاحتجت الى اجازة طويلة.
عندما وصلا البيت تناول حقيبته من المقعد الخلفي وفتح لها باب السيارة. كان الارهاق يشعرها بدوار وفي ضوء الردهة بدا وجهها شاحبا وقد احاطت بعينيها هالات سوداء. قال فورا
-اصعدي توا الى فراشك ودعي وصيفتك تساعدك. سأنتظر في غرفة المكتب.
ساعدتها كيم على الاغتسال وارتداء بيجامة قطنية. تدثرت بعباءة رقيقة واستلقت على الفراش ثم طلبت الى الفتاة ان تستدعي طوم.
قال وهو يدخل الغرفة
-ستأتي لك كيم بحليب دافئ. قد لا تحبين الحليب لكنه سيفيدك كثيرا.
ردت ببسمة خفيفة
-اذا رفضت شربه فسوف تسقطه في حلقي على ما اظن.
انتشر ضوء المصباح على شعرها المنسدل ومحياها الخالي من الزينة فبدت كطفلة مستسلمة.
جلس على حافة السرير وفحص كاحلها بأصابعه السمراء النحيلة التي تجمع بين القوة واللطافة. تألمت حين لمس موضع اللكمة ثم قال وهو يضمد قدمها برباط نظيف
-من حسن الحظ انك لم تتأذي كثيرا. هل شددت الرباط؟
هزت رأسها نفيا وودت لم تزيح خصلة الشعر التي هوت على جبينه. قالت فجأة
-كان لطفا منك ان تنجد الراقصة الصغيرة.
-اعتقد ان رفيقها لم يتعمد ايذائها. انه رجل مزارع ومن شأن اي واحد مثله ينعزل اسابيع طويلة في مزرعة نائية ان يتحامق بهذا الشكل. انه على الارجح شاب خلوق في اوقات الصحو.
تذكرت عيني الرجل المحمرتين الشرهتين ويديه الخشنتين اللتين كساهما الشعر الكثيف فقالت باشمئزاز
-بدا متوحشا.
قال وهو يثبت الرباط
-هناك عرق وحشي في كل منا لكنا نضبطه معظم الوقت.
طرقت كيم الباب ودخلت بكوب حليب على صينية. شربته فيفيان بامتعاض فقال طوم
-الان سأتركك لتنامي في سلام.
-بالنسبة الى فك الرباط هل ستأتي غذا ام اذهب انا الى العيادة؟
-سأزورك بعد الغذاء على الارجح.
ثم تناول يدها وقال هامسا
-نامي هنيئا يا صغيرتي.
بعد رحيله نزعت العبائة واطفأت المصباح. تمددت على الفراش وفكرت ان طوم سترانسوم يشكل لغزا محيرا فقبل ساعة وصفته بأنه لا يطاق اما الان... الان ماذا؟ كانت لا تزال تحلل عواطفها المتضاربه حتى ساقها النوم الى عالمه.
جاء السيد ادمز الى موبينغ بعد عشرة ايام. قال عندما التقته في المطار
-لا موجب لاسئلك ان كنت احببت الملايو فأنت تبدين فتاة مختلفة يا عزيزتي.
وافقته فيفيان مبتسمة
-هذا ما اشعره بنفسي. اني استمتع بحياتي كما لم افعل مطلقا من قبل.
بعد تناولهما الغذاء تطرق المحامي الى موضوع الارث فقالت الفتاة وفي عينيها ظلال قلق
-اعترف باني لم افكر في المستقبل بعد. كنت لفرط استمتاعي ارجئ التفكير باستمرار.
-افهم من قولك انك غير مستعجلة على العودة الى وطنك؟
فهتفت
-مستعجلة؟ لو اني اجد طريقة ما لبقاء هذا البيت مفتوحا لقضيت عمري هنا.
-اه اذا حزمت رأيك على ناحية معينة على الاقل.
فقالت باسى
-هناك فارق كبير بين التمني وتحقيق الامنيات.
-ليس دائما. بأي حال لا حاجة للاسراع في اتخاذ قرار. انا بادرت الى زيارتك لظني انك لم تحبي المكان.
قالت وهي تتلفت حولها بنظرة حانية عبرت عن شغفها بالبيت
-لا يسع المرء الا انا يغرم بكل هذا.
فعلق قائلا
-عندما اعربت عن رغبتك في الاستقرار هنا استنتجت انك اعجبت بالبلد وبالمنزل بشكل خاص.
-صحيح فالبيت رائع واعيش كالاميرات وحتى لو كان مجرد كوخ خشبي لرفبت في البقاء. هناك اشياء في هذه البلاد تسحر المرء. من الصعب ان افسر. ان الحياة في انكلترا تبدو كالحة جدا بالمقارنة. هل يوحي كلامي باني عديمة الولاء لوطني؟
-لا اظن ذلك يا عزيزتي فبعضنا يخلق للسفر ولايجاد مستقر جديد لنفسه. لقد امضيت زهاء اربعين سنة في سنغافورة واستطيع القول اني سأمكث فيها حتى مماتي. بالطبع انا فخور بجنسيتي الاسكتلندية وكثيرا ما احن الى التلال والاكواخ التي عرفتها صبيا لكن اذا رجعت اليها اليوم فسيبقى قلبي هنا.
-ادرك ما تقصد. انا لم يمض على وجودي هنا الا وقت قصير ومع ذلك اشعر بحيوية عجيبة... وتوجد اشياء كثيرة استطيع فعلها... سكان المستوطنة مثلا انهم يحتاجون الى من يساعدهم ويعتني بهم. اوه على فكرة لقد دعوت الدكتور سترانسوم والانسة بكستون الى العشاء.
حدتثه عن الانسة بكستون وكيف انها ستدرب اولاد المأوى على السباحة. ثم اردفت
-افكر ايضا في تأسيس حضانة لاطفال المستوطنة. انما قد يكون من السخف ان افعل ذلك لاني لن امكث هنا طويلا.
-لعله من الأفضل ان تنتظري قليلا.
فسألته
-هل تظن يا سيد ادمز ان هناك امكانية لاجد عملا في سنغافورة او في كوالا لامبور كي استطيع البقاء في الملايو؟
-اذا بعت المنزل فلن تضطري الى كسب عيشك وارجح كذلك ان تتزوجي في المستقبل القريب.
قالت ضاحكة
-وكيف اعتمد على زواج لم يحصل بعد؟ من جهة ثانية ينبغي ان اقوم بعمل مفيد اذ لا احد يعيش حياة ترف مطلق هذه الايام كما لا اريد بيع البيت لأي كان.
فقال المحامي
-ان مجموعة الجاد تساوي مبلغا كبيرا من المال سيمكنك من البقاء في البيت لمدة معقولة. في السنوات الاخيرة قدم عدد من خبراء الجواهر عروضا مغرية لابتياع القطع افراديا. لن نجد صعوبة في ايجاد شار.
-اجل فكرت في ذلك لكني اظن انها يجب ان تقدم الى متحف اذا لم يكن هناك بد من نقلها خارج البيت فأنا لا اريد المتاجرة بشيء امضى عرابي سنوات طويلة لجمعه.
تابعا الحديث حتى موعد الشاي وبعد ذلك دخل ادمز غرفته ليستريح فيما اشرفت فيفيان على التحضير لحفلة العشاء الصغيرة.
عند العشاء جلسوا جميعا يتسامرون وسرعان ما اكتشف السيد ادمز والانسة بكستون ان لهما اصدقاء مشتركين في سنغافورة وبما ان المحامي كان التقى طوم في مناسبات سابقة فسرعان ما اكتسب الحديث حرارة.
تحدثوا في مواضيع عديدة ثم انخرطت آنا وادمز في نقاش حول الثوانين المتعلقة بتبني الأطفال وقال طوم لفيفيان
-هل نتجول قليلا في الحديقة؟ لا اظنهما سيفتقدان غيابنا لعشر دقائق.
خرجا بهدوء من الابواب الزجاجية وعبرا الفناء المضاء بالمصابيح الى الحديقة. فهتفت فيفيان مشيرة الى اسراب من الذباب الناري المشع كالجواهر
-اوه انظر يا له من مشهد.
ثم سألته وهي تنظر الى وجهه المغمور بضوء القمر
-ترى اين تختبئ هذه الحشرات في النهار؟
-في النهار تصبح مجرد حشرات بشعة تختبئ في الفجوات.
-من الصعب تصديق ذلك. انها تبدو في غاية الروعة في ضوء القمر.
-نور القمر يؤثر ايضا على اشياء اخرى. انه كالماء اذ نظرت في بركة ورأيت فيها حجرا فانه يبدو لك قريبا من السطح لكن اذا مددت ذراعيك لوجدتيه بعيدا عن متناولك. نور القمر يشوه الحقائق بشكل ما.
فعلقت مبتسمة
-هل انت رجل واقعي بطبعك ام انك تصر كطبيب على رؤية الاشياء في الوانها الحقيقية؟
-اني كرجل وطبيب معا افضل الواقع على الخيال. ان الأشياء القيمة لا تحتاج الى ضوء لتظهر اصالتها.
كانا يعبران الدرب الضيق الذي يحيط بالمرج وعلى مقربة من السياج الكثيف الذي يفصل الحدائق عن الشجيرات البرية وفجأة قبض رسغها بقوة وهمس يأمرها
-لاتتحركي.
امتثلت لأمره وتجمدت مكانها وما هي الى لحظات حتى رأت شيئا اسود كحبل ملتو ثم ادركت انه ثعبان. بقي مكانه ساكنا لأقل من دقيقة وقد جعله سكونه اكثر شرا. ثم حرك رأسه قليلا وانسل ملتويا حتى اختفى في العشب القريب.
ارخى طوم ذراعها وقال
-زال الخطر. اتساءل ما الذي جاء به الى هنا؟ انهم يختبئون عادة في الوهاد.
-هل كان... ساما؟
-لا اعتقد ذلك ولكن لما المجازفة. ما بك؟
ارتجفت قرفا وقالت متلعثمة
-لاشيء... أشعر فقط...
فاحتواها فجأة بذراعيه وقال يطمئنها
-لقد رحل. لاتخافي. ان الثعابين والافاعي لا يلسعون الا عندما يؤخذون على حين غرة.
-آسفة لم ار ثعبانا من قبل.
-انك طفلة... وعلى فكرة سيقيم الجيش حفلة راقصة في الاسبوع المقبل. هل تودين حضورها؟
-اوه طوم كان بودي ان ارافقك لكن جوليان دعاني الى حضورها معه.
ترك يدها وتناول علبة سكائره فقالت بسرعة
-ليتك دعوتني قبله.
قال وهو يقدم لها العلبة
-من المؤكد انك ستستمتعين بصحبة باركلي.
تناولت لفافة وقالت وهو يشعلها لها
-انت لا توده أليس كذلك؟
-لااتعاطى معه كثيرا.
-انك تتهرب من السؤال.
فرد بصوت فاتر
-الشبان امثاله يحترفون اللطف مع النساء.
-انه انتقاد خبيث. اعلم انه يجب الغزل ولكن لا ضير في ذلك.
-شرط الا تأخذي غزله على محمل الجد.
-بالطبع لا. اننا مجرد صديقين.
فقال بحزم
-مادام يلتزم هذه الصداقة.
-ولماذا لا يلتزمها؟
-لان علاقاته السابقة مع النساء لم تقتصر على الصداقة.
قالت ببرود
-لم ادرك بأنك تعطي اذنك للشائعات.
-لا افعل. لكني اعرف نوعية باركلي.
-انك تظلمه كثيرا.
سألتني رأيي فيه واصريت على معرفته.
قالت بكبرياء
-اني فتاة راشدة وقادرة على اختيار اصدقائي.
-يا طفلتي العزيزة لم اقل لك عكس ذلك لا شأن لي بمن تختارين من الاصدقاء.
هتفت مغتاظة
-ليتك تكف عن تسميتي طفلة عمري اثنان وعشرون عاما.
رد بجمود
-آسف سأكف عن ذلك.
استلقت على سريرها الكبير ولاحقها السهد الى ما بعد منتصف الليل. اقنعت نفسها مرارا وتكرارا بأنه من السخف ان تدع جدالا تافها مع طوميثير اعصابها. وهمست بصوت عال
-لماذا؟ لماذا اكثرت بما يظنه عني؟
مرت الدقائق وعندما اشا عقربا الساعة الى الواحدة نهضت من الفراش واخذت تتجول في ارجاء الغرفة المعتمة وهي تتسائل عن الفارق الكبير بين علاقتها بطوم وعلاقتها بجوليان. فمع جوليان تشعر بالراحة والاسترخاء اما مع طوم فتنتابها سلسلة من العواطف لا يمكن التكهن بها وتراوح بين الهناء الطفولي عندما يكون لطيفا معها وبين العداء اللاسع عندما يسخر منها ويستبد بها. هذه الليلة كاد ان يبكيها فكرت بحرارة
-اني اكرهه اكره ثقته وتهذيبه البارد وتهكمه. اكره كل شيء فيه وليتني ما التقيته ابدا.
في تلك اللحظة عينها ادركت انها تحبه... ادركت ان الحب قد زحف في غفلة منها وبدون استئذان ليلف خيوطه حول قلبها. اكتشافها اشعرها بمرارة عميقة لان الوقوع في حب رجل كطوم سترانسوم لا يمكن ان يجلب السعادة ابدا.
عصر اليوم التالي سافر ادمز شمالا الى بينانغ حيث ينتظره عمل اخر ونصحها عند الوداع بأن تستمتع بوقتها اسبوعا او اسبوعين لبينما يجد لها عملا لائقا في سنغافورة او في اية مدينة اخرى في اتحاد الملايو.
لما رجعت من المطار وجدت جوليان ينتظرها فحيته بلهفة املت ان تلهيها رفقته المرحة عن افكارها المضطربة. قررا ان يسبحا حتى موعد الشاي ويذهبا من ثم الى السبنما في موبينغ.
استلقيا بعد السباحة على مناشف كبيرة تحت مظلة مخططة. ارتكز جوليان على مرفقه وقال وهو يراقب حركاتها الرشيقة.
-اتعلمين انك تصعبين على الوفاء بوعدي؟
-اي وعد؟
-بان لا اغازلك ثانية.
ادارت وجهها صوبه لكن عينيها المحميتين بنظارتين داكنتين لكم تكشفا له شيئا من رد فعلها. اقترب منها وازاح نظارتيها ثائلا
-هل لك ان تفكري الان؟ انا لا احب النكث بوعدي لكن اذا اصريت على ان تبدي كحورية جميلة فاخشى ان يتغلب الاغراء على ارادتي.
حدقت الى وجهه تبحث فيه عن جواب لسؤالها. انه وسيم جدا وبارع في الحب على الارجح. اضاف وكأنه قرأ أفكارها
-ما الذي يجعلك تظنين انك ستستمتعين الان بعناقي في حين انك نفرت من محاولاتي السابقة؟
قالت وهي تجلس الى جانبه
-لأن الأمور تغيرت وتعرفت اليك الان اكثر.
-انا ايضا ازددت معرفة بك يا دميتي. انت من النوع الذي يعتقد ان القبلات تعني الحب وان الحب يعني الزواج.
اجابته بهدوء
-انا لا أوهم نفسي بأنك تحبني يا جوليان اذا كان هذا ما تقصده.
-كلا لا اقصد هذا وما دمت قد ذكرت الامر فاعلمي اني لست واقعا في حيك بل لا اؤمن بوجود الحب. اما انت فتؤمنين به يا عزيزتي انما لا تحبينني لماذا اذا هذا الترحيب بقبلاتي؟
-بحق السماء هل عليك ان تحلل هذه الامور باستمرار؟
-ليس من عادتي ان احلل لاني لا اعرف فتيات كثيرات مثلك.
-لكنك تعتقد ان لدي دافعا خفيا؟
-اجل لابد من وجود سبب.
-ما اشد تواضعك اظن ان مطلق فتاة ترحب بغزل شاب وسيم مثلك.
قال باسما
-اطراءك لن يجديك نفعا يا فتاة وان كان ما تقولينه صحيحا فلماذا لم تنجذبي الى سحري من قبل؟
-اوه هذا اغرب جدل سمعته في حياتي خير لي ان اعود الى السباحة.
مدت يدها لتتناول قبعة السباحة لكنه اعتقل ذراعها وادارها صوبه وعانقها.
ازاحته بلطف وقالت
-لقد حان موعد الشاي. فسوف يطل تشن قريبا.
وغطست في الحوض قبل ان تعطيه فرصة للجدل. اشعل لفافة واخذ يراقب اطرافها السمراء وهي تسبح الى الجهة المقابلة حيث خرجت من الماء وجلست على الحافة تضحك من بعيد. وفجأة سألته
-هل لي ان اطرح عليك سؤالا خاصا جدا؟
-من كل بد فحياتي كتاب مفتوح وليست لدي اسرار اخجل منها.
-جوليان هل كنت على علاقة سابقة مع كارا ميتلاند؟
تقلصت يده وقال بوجه جامد
-لماذا تسألين؟
-لانه تكون لدي انطباع بانكما كنتما على علاقة في الماضي اما انك كنت تحبها او العكس.
-قلت سابقا اني لا اؤمن بشيء اسمه الحب وكذلك كارا لا تؤمن به على ما اظن. انها تحب الحرية والاستمتاع بالحياة.
اجابت فيفيان بتؤدة
-قد يكون ذلك مجرد ستار فهي لا تبدو سعيدة بالفعل. ربما هي ملت الاستمتاع بالحياة.
بعد تناول الشاي توجها الى موبينغ. كان الفيلم ملونا ويدور حول دراما عاطفية ذات حبكة مألوفة. جلسا في الصف الأمامي واصر جوليان على الامساك بيدها. بعد ذلك تجولا في السوق ثم عادا الى البيت.
حالما اصبحا داخل البوابة اوقف جوليان السيارة واخذها بين ذراعيه. لما اقترب منها انتزعت نفسها منه. فسألها
-ما الامر يا حبيبتي؟
-عناقك لا يعني لي شيئا.
-من السها ان اصلح ذلك.
هذه المرة الصقها به... ولما اخلى سبيلها انتابتها صدمة لكونها ادركت ان علاقة عابثة كهذه لن تبرئ قلبها الموجوع.
بدا ان جوليان استشف مشاعرها فقال
-اسمعي يا فيفيان انت فتاة محافظة لانك كالكثيرات امثالك لم تتح لك الفرصة لان تتخلي عن تحفظك. اما انا فشعاري في الحياة هو ان اعيش ليومي ولهذا السبب لا اعرف فتيات كثيرات على غرارك. لقاءنا اوجدته الصدفة واجد نفسي في وضع جديد وصعب نوعا لان تورطي مع فتاة محافظة يخالف قواعدي ولا ادري بالتالي كيف اتصرف.
-الا يمكننا ان نظل صديقين؟
-افهمتك قبلا يا دميتي اني لا اؤمن بوجود صداقة محضة بين الرجل والمرأة. لو كنت انت من النوعية الاخرى لكنا استمتعنا كثيرا وافترقنا وديا في نهاية الامر ولو كنت انا من نوعية اخرى لتبادلنا التنهدات الرومانسية والنظرات العذبة لكن كلا الحلين صعب بحكم الظروف.
لاذت بالصمت لعجزها عن الجواب. احزنتها فكرة انتهاء صداقتهما وادركت في الوقت نفسه صحة كلامه.
وعندما شيعته الى الباب قالت له مودعة
-سافتقدك يا جوليان. قد تكون خروفا اسود في قطيع ابيض ولكني اعتقد انك من افضل الناس خلقا.
احنى رأسه وقبل جبينها بلطف بالغ وما هي الا لحظات حتى كانت سيارته البراقة تنطلق بعيدا كالسهم.
بعد بضعة ايام وبعد ان اعادت الاطفال الى المأوى لفروغهم من درس السباحة بعد عصر صاخب امضته معهم دعتها الانسة بكستون الى العشاء. ولما انتهيا من تناول الطعام جلستا على الشرفة فقالت آنا
-لقد قمت بعمل انساني يتقاعس عنه معظم الناس. على فكرة لقد تخلف طوم عن زيارته الصباحية المعتادة. سيأتي غذا على الارجح. هل رأيته مؤخرا؟
فقالت فيفيان متظاهرة بالعفوية
-لم اره منذ سهرة العشاء.
-هناك رزمة كنت اعتزم ارسالها اليه مع البستاني فهل لك ان تؤدي لي خدمة وتوصليها الى بيته في طريق عودتك؟
وافقت فورا اذ لم تجد مبررا للرفض.
لكن حين عبرت البوابة ورأت سيارته متوقفة امام المدخل تخذ قلبها يخفق بانفعال. تركت المحرك دائرا وترجلت من سيارتها وفيما هي تصعد الدرج خرج الخادم. فأعطته الرزمة. ولما استدارت عائدة فاذا بها تسمع صوتا مألوفا ينادي
-لم كل هذه العجلة؟
-طلبت الي الانسة بكستون ان اوصل لك رزمة. ولم اجد ضرورة لازعاجك شخصيا.
- انت لا تزعجينني. تفضلي واشربي شيئا.
فتح باب السيارة فقالت متلعثمة
-كلا الوقت متأخر يجب ان اعود. ارجوك انا...
-اذ قدت السيارة بسرعة وذعر فقد تصطدمين باول شجرة. ادخلي.
تهدلت كتفاها وترجلت وهي تتنهد مستسلمة. ثم سألها وهما يدخلان غرفة الجلوس
-هل تسلمين الرزم دائما وكأنها قنابل موقوتة؟ اجلسي قبل ان تسقطي ارضا. لم كل هذا الذعر؟
-لست مذعورة. كل ما في الامر اني لم اعتزم القيام بزيارة رسمية من اجل تسليم رزمة.
رفع حاجبيه ولم يعلق. بعد قليل دخل الخادم بصينية شراب وطبق الساندويش.
وقال طوم
-لحم بقري بارد. فاتني اليوم طعام الغذاء. هل انت جائعة؟
هزت رأسها نفيا واخذت ترشف شرابها المثلج فيما انهمك هو في الطعام. تلفتت حولها تتفحص الغرفة وقد تغلب الفضول على اضطرابها.
بدا واضحا ان البيت يخص رجلا عازبا لخلوه من اية لمسة انثوية. وباسثتناء رفوف الكتب المتكئة على احد الجدران وكدسات الاوراق والمجلات على الطاولة لما اختلف المكان عن غرفة في فندق. لم تكن هناك زهور او وسائد او صور او زينة باسثتناء مدى محلية الصنع معلقة على الجدار المقابل للكتب.
جرع طوم كأسا اخرى من الشراب فلاحظت شعره المشعت والظلال القاتمة حول فمه. ثم رأته يمرر يده على عينيه وكأنه مصاب بصداع. قالت بصورة عفوية
-تبدو متعبا.
-كان يوما حافلا بالجهد. ثلاث ولادات تحطم دراجة نارية وفوق كل ذلك حادث انتحار.
ابتسم لها فترنح قلبها ونسيت لقاءهما البارد الأخير. بدا متعبا واحدث سنا واكثر ليونة مما ازال حواجز دفاعها وجعلها تسأله باسترخاء
-ماذا انجبت الامهات ذكورا او اناثا؟
-كلهم ذكور... لا تسلي عن فرح ابائهم احدى الامهات استعصت عليها الولادة فنقلتها الى المستشفى واظنها ستتخطى مرحلة الخطر.
تقدم الى الاريكة حيث تجلس وقدم لها لفافة ثم جلس الى جانبها فاستطاعت ان تشم رائحة المطهرات على جلده.
-وماذا عن الحادثة؟
-انه صبي ارعن كان يقود دراجته بسرعة رهيبة وصادف مروري بمكان الحادث قبل وصول الاسعاف. انه سينجو على الارجح. اما الفتاة التي انتحرت فقد تأخرنا في اسعافها.
سألته بوقار
-لماذا يقتل الناس انفسهم؟ لابد ان الانتحار يتطلب شجاعة فائقة.
-شجاعة ويأس. انها نهاية بشعة. هذه الفتاة في الخامسة عشر. خسارة كان بامكان آنا ان تساعدها وتعتني بأمرها.
اشاحت رأسها بعيدا. انها لا تنفعل بسهولة لكن تفكيرها في وصول تلك الفتاة الى حضيض التعاسة ولجوئها الى الموت كمهرب وحيد اشعرها بمأساوية الشباب والأمل فسد الأمل حلقها وارتجفت شفتاها.
ادارها طوم صوبه وهتف
-فيفيان لا تبكي يا عزيزتي. آسف. لم اقصد تكديرك.
صوته القلق ولمسته الحانية اثرا فيها جدا فألقت رأسها على كتفه وراح هو يمسد شعرها ويهمس لها مطمئنا. فحزنها العميق على الفتاة المستة اطلق عواطف حياتها الماضية المكبوتة وعجزت عن التحكم برد الفعل التي اجتاحها. وفي الاخير سكنت عاصفة عذابها وحل مكانها احساس رائع بالارتياح والاسترحاء.
ناولها منديلا كبيرا من الكاكي فمسحت به دموعها واطلقت تنهيدة طويلة. استكانت الى صدره العريض وحين سمعت دقات قلبه المنتظمة تصاعدت في داخلها موجة هناء رائعة.
-اتشعرين الان بتحسن؟
اومأت برأسها فأبعدها بلطف حازم فاذ باحساسها السعيد يخبو فجأة وينتابها حرج شديد من تصرفها الفاضح. احترقت وجنتاها وقالت بصوت مختنق
-آسفة جدا.
تطلع اليها لنظرة لم تفهمها وقال بهدوء
-ليس هناك ما يستوجب اسفك.
-ينبغي ان اذهب. تأخرت كثيرا.
نهض واقفا ولم يحاول اقناعها بالبقاء. ثم قال وهما يتوجهان الى السيارة
-كان يجب ان تأتي بكنزة. فطقس الليل بارد.
-لا عليك. سأطون بخير.
جلست خلف المقود وادارت المحرك فسألها
-امتأكدة من استطاعتك اجتياز الطريق الوعر في الظلام؟
-اجل لقد اجتزته عدة مرات من قبل.
-شكرا على ايصال الرزمة.
انحنى الى الامام فاحست للحظة بدفء يده الضاغطة على ذراعها ثم تمنى لها ليلة سعيدة وعاد الى البيت.
بعد حوالي ربع ساعة كانت تجلس في غرفة المكتب تحتسي شرابا ساخنا حين رن الهاتف في الردهة. سمعت تشن يرد على المكالمة وتسائلت عمن يمكن ان يخابر في هذه الساعة المتأخرة. اطفأت النور وخرجت الى الردهة فيما كان تشن يعيد السماعة الى مهدها. سألته
-من الذي خابر؟
-الطبيب يا سيدتي. اراد ان يطمئن الى سلامة وصولك.
- اوه... فهمت. ليلة سعيدة يا تشن.
-ولك ايضا يا سيدتي.
صعدت الى غرفتها وجلست الى طاولة الزينة تضع المساحيق المسائية على وجهها. ابتسمت لصورتها في المرآة وقد غمرها فرح مفاجئ.



نهاية الفصل الخامس

صلفا 17-06-13 04:51 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

sarah.124 18-06-13 02:10 AM

Merciiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii

intisar 18-06-13 07:50 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

مغربيةوأفتخر 18-06-13 12:56 PM

شكرا لكم على المتابعة

مغربيةوأفتخر 18-06-13 12:58 PM

الفصل السادس


غادر جوليان المعسكر بسرعة جنونية جعلت فيفيان تتمسك بطرف المقعد. ولما بلغا الطريق العام زاد من سرعته. وفجأة اوقف السيارة واطفأ المحرك...


قبل ساعات من موعد حفلة الجيش صعدت فيفيان لتستريح في غرفتها ولم تقدر ان تغفو لكثرة هواجسها فأخذت تقرأ كتابا عن القبائل القديمة التي تعيش في الادغال الكثيفة الواقعة في شمال موبينغ وغربها. انهت الفصل الأول ثم وجدت نفسها عاجزة عن استيعاب السطور فوضعت الكتاب جانبا واستسلمت لأفكارها القلقة.
هي سيحضر طوم الحفلة؟ هذا السؤال كان الباعث على توترها. قال جوليان ان جميع الاشخاص المرموقين سيحضرونها وقد يقرر طوم الا يحضرها لهذا السبب بالذات ومع ذلك شعرت بامكانية ذهابه نظرا للانسجام الجديد الذي نما بينهما ليلة اخذت له الرزمة.
شعرت بشيء من الذنب لتقبلها رفقة جوليان في حين ان الاستعدادات التي انجزتها بلهفة كانت لصالح رجل اخر. فأملها الواهي بان ترى طوم هناك جعلها تهيء الفستان المعلق في الخزانة كي تبدو جميلة في عينيه... في الصباح غسلت لها كيم شعرها وفوحته مرات عديدة بماء العطر بعد ان اضافت له نوعا خاصا من العطر الصيني كي يلتمع كالذهب ويبعث اريجا ناعما.
تناولت عشاء خفيفا في الساعة السادسة ثم استحمت بماء فاتر الحقته بدوش بارد ثم لفت جسمها المتألق بعباءة قطنية وبدات تزين وجهها.
رشة خفيفة من البودرة لمسة رشيقة من ظلال العيون مسحة بسيطة من الزيت الملمع على حاجبيها واهدابها الطويلة الداكنة. هذا كل ما احتاجته لتبرز صفاء بشرتها الملوحة بالشمس. ولما طلت شفتيها بلون زهري ادخلت كيم شريطة فضية في شعرها الأشقر ثم عقصته بشكل ثاج.
وقالت فيفيان مبتسمة
-الان جاء دور الفستان.
قهقهت الوصيفة بانفعال وهرولت الى الخزانة فأخرجت منها الثوب الذي صممته فيفيان بنفسها. كان من الشيفون الابيض المهفهف صدره مفصل ببساطة كبلوزة اغريقية وتنورته كثيفة الثنايا استهلكت اثني عشرة ياردة من القماش. اما الخصر فيلفه وشاح عريض من الشاش المرصع بالفضة صنع مدينة بنارس.
زينت فيفيان عنقها بعقد الجاد وتأملت شكلها في المرآة. تراءى لها لوهلة اولى انها تواجه فتاة غريبة اذ بدت اطول قامة وذات نحول اثيري فيما تألقت عيناها بخضرة تحاكي الجاد الذي يزين عنقها.
انتظرت وصول جوليان وسألها وهو يجلسها داخل السيارة
-ملهوفة؟
-جدا اشعر كسندريلا.
-اذن ارجو الا تختفي في منتصف الليل فالحفلة قد تمتد حتى الفجر.
عندما دخلا بوابة المعسكر رأت ان سرداقا ضخما قد اقيم خارج مطعم الضباط وقد زين بأضواء ساحرة وقناديل ملونة.
استقبلهما عند مدخل السرادق الكولونيل ميتلاند وهو رجل طويل القامة شائب الشعر ولم تجد فيفيان اي شبه بينه وبين ابنته الرائعة الحسن. قادهما احد الجنود الى مائدة وفيما انشغل جوليان بطلب الشراب تلفتت حولها تتفحص المكان. الاعمدة ملفوفة بأوراق النخيل وكل مائدة مزينة بزهور استوائية. اما الضباط فيرتدون سراويل سوداء ضيقة واحزمة قرمزية عريضة وسترات بيضاء قصيرة تحمل شارات ذهبية.
كان هناك عدة اشخاص صينيين ورفيعي المقام يجلسون الى مائدة الكولونيل في اثوابهم الرسمية وفيما بدت السيدات الاوروبيات في فساتين سهرة عصرية ظهرت الصينيات في اثوابهن الوطنية المطرزة. اما الهنديات فكن يرتدين الساري الجذاب. سألها جوليان عن رأيها فيما ترى فقالت
-انها رائعة. اشعر فعلا اني سندريلا اخرى اذ لم احضر من قبل احتفالا راقصا كهذا.
-هل نرقص؟
-اجل فلا اريد ان اضيع دقيقة من الوقت.
اتجها الى قاعة الرقص حيث تعزف فرقة الجيش فلم تلحظ نظرات الاعجاب التي لاحقتها. لكن جوليان فطن لها ولذا انطوت لمسته على شعور بالملكية وهو يدور بها على الحلبة وقال لها مبتسما
-اني اشتم رائحة منافسة ففي اي لحظة سوف يصطف الشبان المنبهرون بك لينتزعوك مني.
ضحكت اذحسبته يمزحلكن سرعان ما اتضحت صحة كلامه حين تقدم الى مائدتهما احد معارف جوليان داعيا اياها الى الرقص ثم امضت نصف الساعة التالية تنتقل من رفيق الى اخر حتى جاء جوليان واستعادها من احدهم. فقال لها مداعبا
-ارأيت اني كنت مصيبا؟ لقد وصل اصدقائي. تعالي اعرفك اليهم.
-آسفة لاني تركتك بمفردك. لم اقصد ان اهجرك لكني لم استطع التهرب منهم بسهولة.
رد مبتسما
-اخشى ان تتركي وراءك بعض القلوب المحطمة يا حلوتي.
عرفها الى مجموعة اصدقائه وفيما كانت تتحدث مع روس وليزا كارتر وهما زوجان شابان يملكان مزرعة مطاط في ضواحي موبينغ الشمالية خيم صمت مفاجئ على الشرادق فاستدارت الرؤوس نحو المدخل كما لو ان قوة مغناطيسية جذبتهم.
كانت كارا ميتلاندتجول بعينيها الزرقاوين في المكان المكتظ وتواجه الجمهور المنسحر بوقفة دراماتيكية متأنية ثم ابتسمت لرفيقها واتجهت الى مائدة والدها.
وهنا اخذ الجميع يتكلم دفعة واحدة فقالت ليزا كارتر باعجاب
-يا له من ثوب.
وقال زوجها
-يا لها من فتاة.
التفتت الى جوليان فاذ به يشعل لفافة.
فتحت مروحتها العاجية وحدقت اليها تفكر. تستطيع بدون ان ترفع رأسها ان تتذكر مظهر كارا بالتفصيل... ثوب الحرير الارجواني الملتصق بقوامها الرائع والذي لا تجرؤ على ارتدائه الا امرأة فائقة الثقة بنفسها وبشكلها. القرطان المتدليان بألق على عنقها البض الشعر الأسود المسحوب عن جبينها الأملس والشفتان الفاقعتان الحمرة والمنفرجتان عن ابتسامة ساخرة.
في الحادية عشرة بلغت الحفلة اوجها ومع مرور الدقائق بدأت فيفيان تفقد الأمل بمجيء طوم. حاولت اقناع نفسها بانه قد استدعي ربما لزيارة مريض وبذلت جهدا لمشاركة الاخرين لهوهم ونكاتهم.
وما بين رقصة واخرى اقترحت ليزا كارتر ان تستريحا قليلا فوافقتها فيفيان وذهبتا مع الى غرفة التواليت.
اخدتا تصلحان زينتهما فخاطبتها ليزا بصراحة وصدق
-لقد فوجئت بك الى حد ما فانت تختلفين تماما عن صديقات جوليان.
-لست صديقة حميمة له بل مجرد صديقة عادية.
-هذا ما قصدته.
-ليزا انا لا احب التدخل في ما لا يعنيني لكن جوليان يقلقني احيانا.
-من اي ناحية؟
ترددت فيفيان لخشيتها من مغبة المصارحة لكن ميلها العفوي الى الفتاة اشعرها بانها اهل للثقة. فأضافت دون مواربة
-اعتقد انه يحب كارا ميتلاند.
-انت ذكية فمعظم الناس لا يفهمون حقيقة جوليان ويظنونه قاسي المشاعر. اوه كان في الماضي شابا لعوبا... والى ان التقى كارا.
-ماذا حدث حينذاك؟
اشعلت ليزا لفافة وقالت و هي ترقب تصاعد الدخان
-كنت في النادي ليلة التقيا وبدا وقتها كما لو انه ضرب على رأسه بهراوة كذلك بدت كارا. ظلا طوال السهرة يحدقان الى بعضهما البعض. بعد ذلك اكتسب انجذابهما كل اعراض الحب المحموم. جاء بها مرة الى مزرعتنا وقضيا النهار يهاجمان بعضهما بعضا ويتبادلان نكاتا لاذعة اقلقت زوجي لفرط حدتها وهو عادة لا يلحظ انفعالات الناس الداخلية. لم يكن يبدو عليهما حبهما المجنون لبعضهما الا حين يظنان ان الاخرين لا ينظرون صوبهما.
توقفت ونفضت رماد لفافتها فسألتها فيفيان
-ثم لماذا...؟
-لماذا افترقا؟ لان كليهما لم يجرء على الظهور بمظهر الاحمق فكلاهما معروف بحبه للهو والعبث جوليان يتبجح دائما بانه عازب خالد وكارا تسلي نفسها برفقة الشبان ولا تلبث ان تتركهم حالما تضجر منهم. وحين وقعا اخيرا في الحب الحقيقي لم يجرؤا على الاعتراف به خشية ان يقلب احدهما الطاولة على الاخر.
فهتفت فيفيان
-هذا تصرف جنوني فلا بد انهما ادركا حبهما العميق لبعضهما البعض.
-اشك في ذلك فمن الصعب على الرجل العابث ان يعترف بالحب لخشيته من الاصابة بخيبة. ومن جهة كارا تصوري نفسك واقعة في حب رجل لا يعطيك اي دلالة على حقيقة شعوره نحوك فهل تجدين الجرأة على مصارحته بحبك لمجرد الظن بانه يبادلك هيامك؟
فقضمت فيفيان شفتها وقالت
-لا اعتقد ذلك انما الرجال هو الذين يبادرون عادة بالمصارحة.
-صحيح لكن بوسع المرأة ان تعطي الرجل دلالة واضحة على انها ستتقبل حبه في حين ان كارا حجبت مشاعرها عن جوليان.
-الا يمكنك ان تخبريه؟
-لن يصدقني ابدا. انهما يحتاجان الى مواجهة كارثة للاقرار بالأمر الواقع. اذا حوصرا مثلا في بناية محترقة فقد يسارعا الى الاعتراف وباستثناء ذلك لا يمكن لأحد ان يساعدهما على مواجهة الحقيقة.
عادا الى الطاولة فوجدا الخدم يقدمون سلطات باردة ومعجنات بالكاري والنقانق وكلها مصنوعة في مخبز المعسكر. وفيما كانت تتناول بوظة الاناناس بلا شهية سمعت صوتا يقول
-مساء الخير. هل لي ان اجلس واياكم؟
فأزاح جوليان كرسيه ونهض يقول
-مرحبا يا سترانسوم. سمعت انك خارج البلدة.
كادت البوظة تنسكب على حضن فيفيان لعظم المفاجأة فحياها طوم بهدوء وردت له التحية بصوت مهتز فيما راح قلبها يهدر بين ضلوعها.
قالت له بخفة حين جلس الى جانبها وجاءه النادل بصحن سلطة
-لم احسب انك ستأتي.
فقال وهو ينظر باعجاب الى شعرها وثوبها وكتفيها الناعمتين
-احقا؟ كنت خارج البلدة كما قال باركلي لكني استطعت العودة لحضور الاحتفال. هل تستمتعين بالسهرة؟
-كثيرا.
كل ما هيأت في ذهنها من عبارات سلسة تقلصت فجأة. انحنى الى الامام ليتناول قطعت خبز فاختلست النظر اليه ولاحظت ان سترته البيضاء تبرز سمرته الغجرية قال لها
-البوظة بدأت تسيل في صحنك.
ازاحتها جانبا وقد فقدت شهيتها. خاطبها جوليان فأجابته آليا. وروى احدهم نكتة فشاركت في الضحك. كانت اشبه بممثلة تؤدي الدور المطلوب منها فيما قلبها يضرب جوانب صدرها لفرط احساسها بوجوده قربها.
اخيرا عادت الفرقة الى العزف فدعاها روس كارتر الى الرقص ثم رقصت مع جوليان ورجلين اخرين قبل ان تتحول الفرقة الى مقطوعة فوكستروت وسألها طوم
-هل تسمحين لي بهذه يا فيفيان؟ من بعد اذنك يا جوليان.
اجاب الشاب ملوحا بحركة قبول مبالغ فيها
-بالطبع يا صديقي.
كانت الحلبة مزدحمة فقربها ذوم الى صدره وبرغم الحر احست بجفاف يده وبقبضته الحازمة على يدها. رقصا في صمت واغمضت عينيها مستسلمة للايقاع المتهادي.
لما انتهت المعزوفة ظل ممسكا بيدها وقادها عبر باب فضي الى حديقة خلفية. جلسا على اريكة من الخيزران وقدم لها لفافة. وفي ضوء الولاعة التقت عيناه الضيقتان الغامضتان بعينيها المفعمتين رقة وبهجة.
-تبدين الليلة في غاية الجمال.
فأجفلت بحيرة وتسارعت انفاسها. كم من المرات تسائلت عما سيكون شعورها اذا خاطبها يوما بهذه النبرة المميزة والان حدث ذلك فشعرت بخوف مفاجئ كالذي انتابها ليلة حاول جوليان اثارة عواطفها لكن هذا الخوف اشد حدة والحاحا.
ضغط على كتفها ضغطة خفيفة وسألها هامسا
-فيفيان هل انت طفلة ام امرأة؟
انقشعت الغيمة التي كانت تحجب القمر ففاضت الحديقة بوهج باهت. قال بلطف
-لا احسبك تعرفين نفسك. خير لنا ان نعود قبل ان يتسائل رفاقنا عن مكاننا.
مس كتفها مرة ثانية ثم ساعدها على النهوض فانتهى بذلك لقاؤهما القصير.
رافقها الى الطاولة واستأذن بالانصراف فشعرت فيفيان انها قد فشلت في التغلب على عقبة مهمة... هل انت طفلة ام امرأة... تردد السؤال في ذهنها وتسائلت عن مقصده؟ كيف كان عليها ان تجيبه؟
وسمعت جوليان يستوضحها
-تبدين مكتئبة يا حلوتي. ماذا قال لك سترانسوم حتى تكدرت الى هذا الحد؟
-لا شيء... لا شيء بتاتا. ارغب في احتساء شراب بارد.
رفع ابريق الشراب وملأ كأسها ففاض السائل على مفرش المائدة. اعتذر منها وجفف اللطخة بفوطة السفرة. لاحظت ارتجاف يديه وهو يشرب كأسه ويملأ آخر.
رفعت ليزا حاجبيها ورمقت فيفيان بنظرة ذات معنى. ثم وقف وامسك برسغ فيفيان داعيا اياها الى الرقص.
فكرت انها اذا استطاعت ان تبقيه نصف ساعة على الحلبة فقد تجنبه الوقوع في وضع حرج انما لسوء الحظ التقيا كارا ميتلاند ورفيقها عند باب قاعة الرقص. املت ان يقتصر اللقاء على تحية عابرة الا ان كارا خيبت رجاءها حين قالت لجوليان وهي تبتسم له باشراق
-جوليان اين كنت تخبئ نفسك؟ لقد تفاجأت الان بوجودك هنا.
ثم التفتت الى فيفيان قائلة
-مساء الخير انسة كونيل. هل لي ان اعرفك الى الكابتن ساندفورد؟ انحنى لها الرجل الطويل العريض المنكبين وقال
-كنا في طريقنا الى المقصف. هل ترافقاننا اليه؟
قبل جوليان الدعوة بسرعة وشوقا طريقهم وسط الزحام الى المقصف المجاور لقاعة الرقص. كان الجو عابقا بدخان اللفائف واضطروا الى الوقوف لعدم وجود مقاعد شاغرة.
طلبوا شرابا وسرعان ما اخلي كرسي فجلست كارا عليه وادخلت لفافة في مقبض مرصع بالماس. بادر الرجلان الى اخراج ولاعتيهما فسبقه جوليان الى ذلك. شكرته كارا وهي تضع اصابعها البضة حول رسغه لتثبت اللهب فرأت فيفيان عضلات فكه تتقلص.
الدقائق العشر التالية كانت عذابا بالنسبة اليه اذ عمدت كارا بقسوة واضحة الى مغازلة الكابتن ساندفورد حيث شبكت ذراعها بذراعه ورمقته بنظرات مغرية وهي تناديه "حبيبي جيمي" كلما خاطبته. كان اداء بارعا من شأنه ان يقنع مطلق شخص غريب بانها مغرمة به فعلا ويجعله يتسائل في الوقت نفسه عما يجذبها الى رجل يخلط كلامه بقهقهات سخيفة مجلجلة.
اخذت فيفيان تراقبهم واستغربت عجز جوليان عن استشفاف تصرف كارا المخادع ثم خشيت ان يفقد اعصابه اذا استمرت هذه التمثيلية وان يصب جام غضبه على الكابتن الغافل عن الدافع الحقيقي الى مغازلات كارا المداهنة. امسكت بيده غريزيا فاحست انه غير شاعر بوجودها مع انه ضغط على يدها وابتسم لها باقتضاب وهتفت كارا
-حبيبي جيمي انهم يعزفون اغنيتنا. تعال نرقص.
تقلصت يد جوليان بعنف فكادت فيفيان ان تصرخ الما. ثم قالت حالما انصرفا
-هل لنا ان نخرج قليلا من هذا الجو الخانق؟
حدق اليها بدون ان يبصرها فأخذتها الشفقة عليه وقالت لتخفف غضبه
-انها ما تصرفت هكذا الا لتثير حنقك يا جوليان.
-ماذا تقصدين بحق الشيطان؟ وهل يهمني اذا ارتأت ان تقذف نفسها على ذلك الحمار المغرور؟
طلب كأسا اخرى من الشراب ولما خذرته من مغبة ذلك صرخ فيها
-كفي عن النق بحق السماء انا ادرى منك بمصلحتي.
بدأ الناس يراقبونهما بفضول وتصورتهم فيفيان يتهامسون بخبث وشماتة. قالت له بوصت منضبط
-عن اذنك. سوف اعود الى السرادق.
-اسف يا فيفيان لقد جرحتك.
-لا بأس.
قاربت الساعة الثانية صباحا فبدأ المدهوون ينصرفون تباعا. ثم قال الزوجان كارتر انهما سيذهبان بدورهما كذلك اقترح جوليان ان ينصرفا ايضا مما اثار استغرابها.
سألتها ليزا عندما دخلتا غرفة التواليت لاسترداد دثاريهما
-أأنت متأكذة انك ستكونين في امان؟ اخشى عليك من تهور جوليان في قيادة السيارة. بوسعنا ان نوصلك نحن الى البيت.
-اظنه سيغضب اذ ذهبت معكما ويبدو الان اهدأ حالا.
غادر جوليان المعسكر بسرعة جنونية جعلت فيفيان تتمسك بطرف المقعد ولما بلغا الطريق العام زاد سرعته فخطر لها ان تطلب اليه تخفيفها لكنها فضلت الا تشوش تركيزه على القيادة. بعد قليل بدأ هدير المحرك ووهج الأضواء الأمامية يحدثان فيها تأثيرا مخدرا فأغمضت عينيها. وفجأة توقفت السيارة فرمشت اهدابها وسألته
-هل وصلنا البيت بهذه السرعة؟
اطفأ جوليان المحرك وقال باسترخاء
-فكرت ان ننهي السهرة باحتفال خاص.
نظرت من النافذة فرأت السيارة متوقفة في مرآب غريب اردكت انه بيته.
-هل انت جاد في دعوتي الى زيارة بيتك في الساعة الثانية والنصف صباحا؟ ماذا دهاك يا جوليان؟
-ومن سيعلم بالأمر؟ انسي تحفظك يا حبيبتي.
جذبها اليه وحاول معانقتها فانتزعت نفسها من قبضته الخشنة ثم فتحت الباب وقفزت مهرولة على الطريق.
تبعها جوليان وحاول الامساك بذراعها فهتفت وهي تتراجع
-لا تلمسني من فضلك.
-اتواجهين مشكلة؟
استدارا معا وقد اجفلهما الصوت الثالث الذي انبعث فجأة من الفضاء. ثم خرج شخص طويل من ظل شجرة وسمعا طوم سترانسوم يسأل ببرود
-هل يزعجك باركلي؟
فانفجر جوليان هاتفا
-اسمع يا سترانسوم. لقد تحملت منك الكثير هذه الليلة. ما هدفك من التسلل الى حديقتي كصعلوك؟
تجاهله طوم وقال لفيفيان
-سآخذك الى بيتك.
فزعق جوليان ثائرا
-ايها الشيطان لقد حاولت احتكارها في الحفلة والان تجرأت على المجيء الى هنا. انت نذل حشري في رأيي وهذه المرة تخطيت حدودك هيا اخرج من هنا فورا.
قذف طوم لفافته في القناة ولمعت عيناه كالفولاذ. قال لفيفيان دون ان ينظر اليها
-هل لك ان تذهبي وتنتظريني في السيارة؟ لن اتأخر كثيرا.
اوشكت ان تتمثل لطلبه لكن جوليان قفز فجأة الى الامام ليسدد لكمة عنيفة الى رأس طوم الذي تفادى الضربة بساعده الأيسر ولكم فك جوليان بضربة رشيقة وكأنه يتعامل مع تلميذ هستيري. ترنح الشاب لحظة ثم تهاوى متأوها فأسنده طوم وقال لها
-لابأس لم يتأذ. اذهبي وانتظريني في السيارة.
بعد دقائق خالتها ساعات خرج طوم من البوابة واقبل صوبها... هل سيلومها على الحادثة ويؤنبها بتهكمه اللاسع كما فعل في مناسبتين سابقتين؟
لكن حين صعد الى جوارها واضاء نور السيارة الداخلي لم تر على وجهه تلك النظرة المعنفة التي توقعتها بل قال مبتسما
-آسف لأني فعلت ذلك على مشهد منك.
-أهو بخير؟
-اجل لكنه مضعضع. خادمه سيعتني به. وماذا عنك انت؟
-انا بخير كيف صادف وجودك هنا؟
-خطر ي انه قد يتمادى معك فلحقت بكما.
-يسرني انك فعلت ذلك اذ افزعني السير في الظلام.
صمتا بعد ذلك ولدى وصولهما البيت اوقف طوم السيارة وقال ناظرا الى ساعة يده.
-انها الثالثة تقريبا. هل تأذنين بدخولي دقيقة او اثنتين؟
اومأت برأسها.
كانت الردهة مضاءة وقد ترك تشن على العربة طبقا كبيرا من السابدويش وتيرموس قهوة. اقترحت فيفيان ان يخرجا الى الحديقة فتبعها طوم وهو يجر العربة. ثم سألته بصوت خفيض
-هل تظن اني سأوقظ الجميع اذا ادرت النوافير؟
-لا اظن ذلك.
فتقدمت من الزر الكهربائي على الجدار ولمسته.
مرت لحظة صمت تبعها حفيف ثم حلق رذاذ النوافير كماس يتوهج في ضوء القمر.
جلسا على الاريكة الهزازة قالت حين شرع طوم يسكب القهوة
-اذا جلس المرء امام نافورة فسرعان ما ينسى مشاكله مهما كانت مقلقة. وهذا العلاج هو ارخص بالطبع من الذهاب الى طبيب نفسي.
فرد طوم مبتسما
-انت سعيدة في هذا البيت اليس كذلك؟
-اجل انما اعتقد انه من الحمق ان اتمادى في السعادة واتجاهل التفكير في المستقبل الى اجل غير مسمى. لا يمكنني ان اظل فراشة لاهية الى الابد.
غمغمت
-يخامرني شك بانك تحبذ وجود المرأة داخل البيت.
-اعتقد ان البيت هو المكان الطبيعي للنساء.
-هل تقصد انه يتوجب عليهن ان يلائمن اوضاعهن مع خطط ازواجهن حتى لو تعارض ذلك مع مشاريعهن الخاصة؟
اشعل لفافة وقال
-اجل في وضع كهذا على المرأة ان تقدم عمل زوجها على عملها فالرجل هو الشريك الاقوى مركظا بين الاثنين وهذا المبدأ يهود الى الازمنة البدائية عندما كان الرجال صيادين ومحاربين واذا انكرنا هذا المبدأ نوجد العديد من الصراعات المضرة.
-أليس هناك مجال للتسوية في عصر الحضارة والرقي؟
اجابها بجمود
-لايجب ان تكون هناك اية حاجة للتسوية لان المرأة لا تعارض قرارات زوجها المهمة اذا كانت علاقاتها صحيحة ومتبنة بل تقنع بدورها الانثوي وتتركه يقود المسيرة. اظنك تعتقدين انها وجهة نظر عتيقة؟
فهزت رأسها قائلة
-بل اوافقك عليها.
بقيا لوهلة طويلة يحدقان الى بعضهما بعضا. وببطء شديد امسكها طوم من رسغيها وجذبها اليه.
-سيدتي. سيدتي.
ايقظها الصوت كضجيج بعيد ولم تع شدة الحاح النداء الا حين ارخى طوم يديها فجأة. وفي اللحظة نفسها رأت تشن يهرول صوبهما آتيا من جناح الخدم. كان يزرر سترته فيما بدا شعره الأملس مشعتا وبالرغم من هرولته لم ينسى ان ينحني لهما قبل ان يقول
-اعذر عن ازعاج السيدة في هذه الساعة...
فقال طوم بحظم قاطعا عليه مقدمته
-ما الأمر؟
-وقعت حادثة في المستوطنة يا سيدي. هناك فتاة صغيرة متضررة والناس يحتاجون المساعدة.
فسارع طوم الى نزع سترته وحزامه وقال مصدرا التعليمات اليهما معا
-فيفيان اركضي واحضري حقيبتي من السيارة. وانت يا تشن خذني الى بيت الفتاة وستلحق بنا السيدة فيما بعد.
رفعت فيفيان ذيل فستانها وركضت عبر البيت ولما عادت الى الحديقة حاملة الحقيبة لم تجد فيها احدا فهرعت صوب الدرب الضيق الذي يؤدي الى المستوطنة.
لم تجد صعوبة في ايجاد البيت لان الاهالي تجمعوا امامه. افسحوا لها الطريق لدى وصولها فدخلت الغرفة الوحيدة ذات الارضية الترابية والجدران المصنوعة من القش. كانت المصابة طفلة ملاوية في الثانية عشرة من عمرها ترقد على سرير رخيص متداع بين والديها من دهة وطوم من الجهة الاخرى اما سائرالعائلة فيجثون على مقربة فيما وقف تشن عند مؤخرة السرير يحمل مصباحا زيتيا.
لما وصلت فيفيان خاطب طوم الخادم الأول بالكانتونية ثم ناول تشن المصباح لوالد الفتاة وغار البيت مسرعا.
بعد ذلك حاطب طوم والديها فلم تفهم فيفيان كلامه لكنها رأت في اعينهم خوفا ثم ولولت الام وجثت على ركبيتها تتمتم شيئا كالصلاة.
في الاخير استدار طوم الى فيفيان وقال متناولا منها الحقيبة
-ارسلت تشن الى البيت ليخابر المستشفى كي يرسلوا سيارة اسعاف فاالفتاة كما ترين مصابة بحروق عميقة. لقد وصلت في الوقت المناسب واوقفتهم عن دهن حروقها بالشحم. لا يمكننا ان نعالج صدمتها قبل وصول الاسعاف فالاغطية قذرة واخشى من تسرب الجراثيم الى جسمها. هل لك ان تحملي المصباح عن والدها؟ قد يسقطه من يده لفرط جزعه.
كان يتكلم ويخرج من حقيبته شاشا معقما ليغطي به اماكن الاحتراق وحالما لامس جلد الفتاة صرخت متأوهة ونز العرق من وجهها المتقلص وهي تغرز يديها النحيلتين في فراش القش.
خاطبها الطبيب بالملاوية فحدقت اليه برجاء اخرس. جس نبضها فرأت فيفيان فمه يتقلص. متى يصل الاسعاف؟
لقد تحول لون الفتاة الى شحوب رمادي وازرقت شفتاها واصبحت تتنفس ببطء ووهن كذلك بدأت ترتجف بالرغم من الجو الرطب داخل الكوخ والتماع العرق على جبينها.
جس طوم نبضها ثانية ثم مسح القسم الاعلى من ساعدها بسائل مطهر وحقنها بدواء مسكن. رفرف جفناها واطلقت تأوها أخيرا وبعد ذلك ارتخى جسمها بفعل ال****.
في الاخير سمعت فيفيان الناس في الخارج يهرجون بانفعال وتلا ذلك هدير محرك فغمرها الارتياح. بعد خمس دقائق انتهى كل شيء اذ نقلت الفتاة الى سيارة الاسعاف ورافقها والدها وطوم الى المستشفى.
قبل الظهر رن التلفون فركضت فيفيان الى الردهة والتقطت السماعة
-موبينغ 43
-فيفيان؟ انا طوم.
-اوه يسرني انك خابرت. كيف الفتاة؟
-اظن انها ستنجو.
-رائع هل عرفت كيف حصلت الحادثة؟
بدأ يخبرها ثم سمعته يكلم شخصا الى جواره وعاد بعد ذلك ليقول لها
-اعتذر عن قطع الحديث. لا يمكنني ان اشرح لك الان. خابرتك لادعوك الى حفلة زفاف ملاوي هذه الليلة ان لم تكوني متعبة.
قفز قلبها فرحا وقبلت الدعوة بلهفة
-اتفقنا سأمر عليك في الساعة الرابعة. الى اللقاء.
سمعت اقفال خطه فغمغمت مبتهجة: الى اللقاء...
حمل بريد الصباح رسالة من انكلترا وجدت فيها فيفيان ثلات صفحات بخط خالتها الصغير. استغربت لهجة الرسالة الاسترضائية لكنها احست من خلال السطور ان خالتها قد اكتشفت الان قيمتها كخادمة كانت تساعدها مجانا ولذا صارت تخاطبها بتودد وهدوء اعصاب. وضعت الرسالة جانبا لتجيب عليها في وقت لاحق وتوجهت الى المستوطنة حيث زارت والدي الفتاة المصابة. لدى عودتها اخبرها تشن ان هناك شخص اسمه السيد وونغ جاء من كولا لامبور لرؤيتها.
لم يضيع السيد وونغ الوقت فاعلمها بلغة انكليزية ممتازة تشوبها لكنة امريكية انه سمع برغبتها في بيع البيت وبما انه كان يبحث منذ مدة عن مستقر ريفي فهو مستعد لدفع ثمانين الف دولار ثمنا لبيت النوافير السبعة والاملاك المجاورة له.
كتمت فيفيان شهقة استغراب ثم ابتسمت على رغم منها. فقبل ستة اشهر لم تكن تملك شيئا سوى النفقة الاسبوعية الوهيدة وها هي الان تواجه رجلا غريبا يعرض عليها سعرا خياليا لا يدق
ويبدو ان السيد وونغ اخطأ فهم ابتسامتها اذ انه انحنى الى الامام وقال ملوحا ليديه البدينتين
-السعر ليس كافيا؟ حسن سأدفع تسعين ألف دولار.
-لكني لم اقرر البيع نهائيا يا سيد وونغ ويجب ان استشير محامي الخاص قبل التفكير بعرضك.
-بالطيع بالطيع فكري على مهلك.
بعد نصف ساعة غادر الضيف في سيارة كاديلاك توركوازية يقودها سائق في بزة رسمية وبادرت فيفيان الى ارتداء ثوب سباحة وقصدت الحوض. فكرت في المقابلة الغريبة وهي تعوم في الماء الدافئ وكان السيد وونغ قد قدم لها لطاقة عمل انيقة علمت منها انه يملك حديقتي ملاه وفندقا وثلاث دور للسينما.
فكرت لو ان السيد وونغ زارها قبل بضعة اسابيع لكانت ربما رغبت في البيع اما الان فكل شيء قد تغير.
جاء تشن في الساعة الثالثة والنصف يعلن قدوم السيد باركلي لزيارتها. خطر لها ان تزعم غيابها عن البيت اذ لن يضير جوليان ان تقاطعه فترة من الزمن اضافة الى عزوفها عن مواجهته لكنها ما لبثت ان لانت وطلبت الى تشن ان يدخله.
عندما ظهر باركلي كانت منكبة على كتاب ولم ترفع رأسها الا حين سعا تشن واعلن وجوده. فقالت بفتور
-مساء الخير. هل لك ان تجلس؟
ظل واقفا وبدا محرجا الى حد كادت معه ان تشفق عليه. قال بارتباك
-يؤسفني ان ازعجك لكني اردت الاعتذار عن ليلة امس. اني نادم جدا في الواقع على تصرفي الاحمق والدنيء.
هم بالانصراف فاستوقفته قائلة
-قبلت اعتذارك يا جوليان. هل نحاول ان ننسى ما حصل؟
-ايمكنك ان تنسي؟
-اظن ذلك.
نظر الى اصابعها المزينة بطلاء مرجاني ثم غطاها بيده وقال بصوت خفيض
-فيفيان... هل ترضين الزواج مني؟


نهاية الفصل السادس

صافي الروح2010 19-06-13 12:38 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

الهنوووووف 19-06-13 03:08 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

مغربيةوأفتخر 20-06-13 12:51 PM

الفصل السابع


-وقف جوليان معتذرا مودعا واذ هما يتعانقان دخل طوم فجأة... ادارات فيفيان رأسها والتقت عيناها نظرة طوم الباردة والمزدرية في آن. وحينما جاء الليل لم تنم بل جلست في غرفتها تنتظر رنين الهاتف.


حدقت فيفيان باستغراب وذهول وقالت بصوت مصدوم
-لا يعقل ان تكون جادا.
-اجل انا جاد. قد لا تكون لحظة مناسبة تماما لعرض الزواج لكني لم اتحقق من مشاعري نحوك الا بعد ما جرى ليلة امس.
-وكيف تشعر نحوي؟
-ربما انت تؤمنين بالقول المأثور بان الفهد لا يستطيع تغيير رقط جلده... اقر باني لم افكر في الزواج جديا حتى... حتى ليلة امس اذ ادركت فجأة كم ستكون الحياة خاوية ان رفضتي رؤيتي ثانية... لا اعرف كيف اوضح الامر جيدا والحقيقة انك اول فتاة جعلتني اشعر برغبة في الاستقرار. ادرك اني لست عريسا لا ينبغي خسارته يا عزيزتي انما بوسعنا ان نستمتع بالحياة وسأبذل اقصى جهدي لاسعادك.
اخذت تعبث بساعة يدها بحركة عصبية. لقد فاجأها بعرضه غير المتوقع وتحتاج الى وقت لاختيار كلماتها. الجواب بسيط انما التعبير عنه صعب لأن اشياء كثيرة تتوقف عليه. وقالت في الاخير
-جوليان اخبرتني قبل بضعة ايام انك لا تؤمن بالحب. هل غيرت رأيك؟
-لا ادري. ربما كان الحب شيئا يحتاج الى تعلم وانا لم ارغب من قبل في تعلمه.
-والان هل انت متأكد من رغبتك هذه؟
-انت لا تثقين بي ولست متأكدة من صلاحيتي كزوج أليس كذلك؟ يعلم الله اني تصرفت بشكل لا يدعو الى التقة لكن ذلك لا يعني اني لن اكون في مستوى الازواج الصالحين مادام الدافع موجودا لدي. ولو لم اكن عازما على اسعادك يا عزيزتي لما طلبت اليك ان تتزوجيني.
-جوليان كيف يمكنني ان اجيبك وقد فاجئتني بكل ذلك؟
-هل تحاولين افهامي بلطف انك ترفضينني نهائيا؟
-اجل هذا جوابي مع الاسف. الا ترى اننا غير متلائمين بتاتا؟ انا لست الفتاة التي تناسبك يا جوليان وفي خلال اسبوع او اثنين ستحمد الله على خلاصك مني.
قال بدفء وهو ينهضها من مكانها
-ليت كل النساء على غرارك يا عزيزتي.
كان من المتوقع بالنسبة الى كليهما ان يتعانقا ولو للحظة في تعبير اخوي راقي محض واذ بهما يتعانقان سمعا صوتا خلفهما فأدارت فيفيان رأسها والتقت عيناها نظرة طوم الباردة والمزدرية في آن وقبل ان تستطيع التحرك او الكلام استدار على عقبيه وغادر البيت غاضبا.
انذهلت بادئ الأمر ثم احست كما لو ان تيارا كهربائيا قد صعقها حين ادركت معنى انصرافه المباغث. دفعت جوليان جانبا وهرولت الى البيت تعبر الردهة الى الشرفة حيث رأته يصفق باب السيارة خلفه. قفزت على الدرجات دونما وعي وكادت ان تلقي نفسها على مقدم السيارة لتمنعه من الانطلاق. هتفت له
-طوم اين انت ذاهب؟
قال بصوت كلسه الصوت
-وهل يهمك ذلك؟
-لكن... الزفاف...
-ماذا عن الزفاف؟
غصت بريقها ثم قالت بتماسك
-حسبت اننا سنحضر حفل عرس.
اطلق ضحكة خشنة اجفلتها واجاب
-يبدو ان لديك وسائل اخرى للتسلية يا آنسة كونيل. لا تدعيني الهيك عنها.
اذهلها تعبير وجهه المتوحش. لا يعقل انه ظن...
قاطع تساؤلها صارخا
-ابتعدي عن الطريق.
تراجعت الى الوراء آليا فانطلق بسيارته كالمجنون مثيرا رذاذا من الحصى آلم قدميها الحافيتين.
ناته لكن صوتها ضاع في هدير المحرك ولم تدرك كم من الوقت وقفت تحدق بوجوم الى الدرب الخالي.
هم جوليان باللحاق بها ثم وقف مكانه وراح يقضم شفته مفكرا. وما لبث ان هز رأسه محتارا واتجه الى سيارته. لو ان اي شخص غير طوم رآها تعانق جوليان لافترض سوء الظن ومع ذلك صعب عليها ان تتفهم كيف اعتقد طوم انها كانت تشجع جوليان بعد بضع ساعات من لقائهما الدافئ ليلة امس يبدو ان لديه سببا وجيها لعدم الوثوق بالنساء. غمست القلم بالمحبرة الفضية لتكتب له وبدأت تكتب بلهفة محمومة لكن ذكرى نظرته الزرقاء الجامدة جعلت مهمة شرح الحقيقة مهمة شاقة.
كانت تمزق الصفحة الرابعة عندما قرعت كيم الباب لتخبرها ان الشاي جاهز. اجابتها انها لا تريد تناوله وتظاهرت بالانكباب على الطاولة كيلا ترى الوصيفة وجهها. وحين مزقت الصفحة السادسة ادركت استحالة المهمة. كذلك اذا حاولت رؤيته او مخابرته بالهاتف لتشرح له الحقيقة ستعرض نفسها لمزيد من الاذلال...
وحينما جاء الليل لم تنم بل جلست في غرفتها تنتظر رنين الهاتف. ولما بلغت الساعة العاشرة ولم يخابرها مات املها الضعيف في ان يكون راجع افكاره وندم على استنتاجه الخاطئ. تملكها يأس عقيم وادركت ان قصر سعادتها الرملي قد تهاوى باكمله.
بعد بضعة ايام توجهت الى موبينغ لتبتاع بعض ادوات السباحة لاطفال المأوى. اتمت مهمتها في المتجر ودخلت الى احد المقاهي وفيما كانت تقلب صفحات مجلة مدعوكة سمعت صوتا فاترا يقول
-هل لي ان اجلس معك انسة كونيل؟
رأت نفسها تواجه كارا ميتلاند. لم تنتظر كارا اذن فيفيان بالجلوس بل طرحت حاجياتها على الكرسي الاضافي وطقطقت باصبعيها تستدعي نادلا.
لم تقدر فيفيان ان تجد مطلق سبب يدعو كارا الى البحث عنها وتمنت لو تنزع الفتاة نظارتيها الشمسيتين لتقرأ تعبير عينيها. وقالت كارا برقة
-اذا اردت الصراحة يا انسة كونيل فأنا لا اودك.
-اوه... لماذا؟
-لانك مخلوقة منافقة فمن حين مجيئك وانت تتعالين علينا بتصرفاتك تماما كما كان يفعل السيد كاننغهام العجوز.
-اعتبر ذلك اطراء اذ احب ان يشبهني الناس بعرابي.
-قد تستطيعين خداع الرجال انما لا يمكنك ان تنجحي في خداع امرأة لاننا معشر النساء نعرف بعضنا بعضا.
واضافت
-ان كنت مترفعة فعلا الى هذا الحد فلماذا تحاولين استدراج جوليان باركلي؟
فكرت فيفيان اذن هذا هو بيت القصيد لابد انها بدأت تقلق... ان استطعت ان ابعث فيها مزيدا من القلق فقد احل مشكلة جوليان... قالت لها
-لم يخطر لي انك حارسة جوليان يا انسة ميتلاند.
-لست حارسته لكنه صديق لي ولا اريده ان يقع في شرك فتاة رخيصة تسعى الى ثروته.
-وكيف ستثبتين له خداعي يا انسة ميتلاند؟
-لن اجد صعوبة في ذلك وانا لا اهدد جزافا.
فعلقت فيفيان بخبث شديد
-ما الذي جعلك تعتقدين انه سيصدقك ويكذبني؟ قد يكون تلهى بك فترة قبل ان اظهر على المسرح لكنه لا يبدو شديد الاهتمام بك الس كذلك؟
-لا توهمي نفسك بانك ستنجحين في ايقاع جوليان في شرك الزواج يا انسة كونيل. فهو ليس غبيا.
خيل اليها للحظة ان كارا ستقذفها بعصير اليندورة اذ بدا واضحا انها تشتعل غضبا بالرغم من نظارتيها الداكنتين وتابعت فيفيان قائلة
-من الطبيعي ان تغتاظي فأنت جذابة جدا ولست معتادة على المنافسة ولا سيما في الملايو حيث الفتيات العازبات نادرات نسبيا. لكني لا ارى موجبا لكل هذا الاهتمام لمجرد ان جوليان نفذ من شركك ولديك معجبون كثيرون غيره. ام تراك تخططين مثلي للحصول على ثروته؟
فأجابتها كارا بصوت جليدي
-لاتعولي كثيرا على نجاحك معه فأنا تخليت عن جوليان قبيل مجيئك الى الملايو لكني اذا لاغبت في استرجاعه فثقي بأني لن اجد صعوبة في ذلك. اعتقد انه بدأ يمل رفقتك.
جمعت فيفيان اغراضها ودست ورقة نقدية تحت الصحن. ثم ازاحت كرسيها قائلة
-ان جوليان سيد نفسه واعتقد انه سيتسلى كثيرا عندما اخبره كم انت مهتمة بامره.
واستطردت قائلة
-من جهة اخرى فقد لا يروق لجوليان ان يعلم بحديثنا ولذا قد اعدل عن اخباره. وداعا انسة ميتلاند.
لدى وصولها البيت وجدت رسالة من ادمز يعلمها فيها انه وجد لها عملا مناسبا في احدى المقاطعات الجنوبية كرفيقة لابنة سلطان المقاطعة. شرح ادمز ان الفتاة في السابعة عشرة من عمرها وان السلطان يرغب في ارسالها الى جامعة بريطانية لكنه يريد لها رفيقة انكليزية ذكية كي تدربها لمدة سنة وتهيئها للعيش في اوروبا. وكتب ادمز مضيفا
-ان سموه يتعاطف مع تحرير النساء ولن تكوني مقيدة باي شكل. ابنته فتاة ساحرة واعتقد انك ستجدين العمل ممتعا ومفيدا في آن.
طوت فيفيان الرسالة ووضعتها في جيبها. تبدو بالفعل فرصة ممتازة كما ان الراتب الذي ذكره المحامي في غاية الكرم. قضت النهار تفكر في العرض الى ان حل الليل حتى توصلت الى قرار.
سوف تقابل السلطان شخصيا وفي حال حصولها على الوظيفة ستبيع بيت النوافير السبعة الى السيد وونغ.
بعد عشرة ايام طارت جنوبا الى رانغور. لقد ارسل السلطان طاشرته الخاصة لاحضارها فوصلت القصر عند الظهر. استقبلها الضابط المساعد مرحبا بقدومها ثم اقتدت الى جناح فخم حيث افرغت حقيبتها وصيفة كهلة واعلمتها ان لديها وقتا كافيا للاستحمام قبل موعد الغذاء.
وفيما كانت تسرح شعرها انتابها احساس مخيف بان هناك من يراقبها. تلفتت في ارجاء الغرفة وتسائلت عن وجود ثقب خفي في احد الجدران. ثم سمعت صوتا خفيفا اتيا من جهة النافذة فتقدمت على رؤوس اصابعها وانحنت على حافتها باحتراس تنظر صعودا ونزولا على الافريز الحجري المحيط بالجناح.
ثم سمعت ضحكة مكتومة وقفزت مجفلة حين رأت صبية ملاوية تجثم على الحافة الناتئة.
-مرحبا هل تختبئين مني؟
نهضت الفتاة واقفة وكانت ترتدي صدارا توركوازيا وتلف جسمها الجذاب بسارونغ توركوازي واصفر. اما شعرها الاسود الكث فكان معقوصا في جديلة تتدلى على خصرها ولها وجه من اجمل الوجوه التي رأتها فيفيان في حياتها. قالت ببسمة اخاذة
-انك الانسة كونيل اليس كذلك؟ ارجو ان لا تكوني غاضبة مني لكني كنت متشوقة الى رؤية شكلك.
فهتفت فيفيان مستغربة
-اتعنين انك ابنة السلطان؟
-نعم. اسمي صبرية هل تأذنين بدخولي؟
-بالطبع. تفضلي يا صاحبة السمو.
رفعا صبرية ثوبها الطويل وارجحت ساقيها السمراوين فوق حافة النافذة. كانت تلبس خلخالا محاطا باجراس فضية دقيقة وصوت الخلخال فضح وجودها. احتوت فيفيان بنظرة شاملة جذابة ثم سألتها
-ما اسمك الاول يا انسة كونيل؟
-فيفيان.
-كم عمرك؟
اخبرتها فيفيان فهتفت
-احقا؟ لا تبدين انك بلغت هذه السن.
-كيف تعلمت تكلم الانكليزية بهذه الطلاقة؟
-اوه لقد احطت بالمربيات الانكليزيات منذ ولادتي. كن مضجرات للغاية وخشيت ان تكوني على غرارهن انما اتضح لي الان اننا سنستمتع كثيرا برفقة بعضنا البعض.
فلفتتها فيفيان قائلة
-لكن اباك لم يوظفني بعد. قد لا يجدني ملائمة لمرافقتك.
-سيوافق اذا وجد اني اميل اليك.
كان السلطان في حوالي الستين من عمره ذا شعر اشيب خفيف ووجه مجعد بعض الشيء يدل على علم وثقافة. كان يجلس الى مكتب ولما عرفته ابنته الى الضيفة دار حول مكتبه وصافحها قائلا
-اهلا بك في رانغور يا انسة كونيل. يسرنا ان نتعرف اليك. ارجو ان تكوني وجدت كل شيء حسبما ترومين؟
اجابت وهي تنحني بتؤدة
-اجل اشكرك يا صاحب السمو. انه لشرف كبير ان ادعى الى زيارتكم.
قال بجدية
-اعتقد ان ابنتي عجزت عن كبح لهفتها الى رؤيتك. اخشى ان تصبح مستهترة. اذ مكثت في انكلترا سنة او اثنتين قد تتقوم تصرفاتها الرعناء. ما رأيك انت؟
ايتفتت الى صبرية المتظاهرة بالحياء والوقار واجابت وشفتاها تختلجان مرحا
-اعتقد ان وجودها هناك قد يحدث تأثيرا معاكسا يا صاحب السمو قد تنجح ابنتك في جعل الانكليز اقل... جمودا.
فضحك السلطان.
بعد الغذاء ابعد السلطان ابنته عن الطريق وعاد مع فيفيان الى غرفة المكتب. قال حالما جلسا
-علمت يا انسة كونيل انك تودين البقاء في الملايو انما يصعب عليك ماديا ان تديري البيت الذي ورثته عن عرابك... ذلك الرجل الذي كنت اكن له اعمق الاحترام. اتظنين انك ستكونين سعيدة بالعيش مع ابنتي هنا؟
فردت بحرارة
-انا واثقة من ذلك.
-يجب ان اشرح لك ان صبرية حادة الذكاء بالرغم من تصرفاتها المراهقة. املي كبير في ان تحصل على شهادة جامعية في الاقتصاد لان ذاك سيساعدها على مواجهة المشكلات التي سترثها بعد وفاتي. كان لي ولدان ذكران قتلا في الحرب وقد جعلتها ولية عهدي بموافقة المجلس الاستشاري. سوف ترين بنفسك يا انسة كونيل انها ستكون خطوة ثورية كبرى لان القضية النسائية ماتزال في مهدها. لذا من الضروري ان تتزود بالعلم والمعرفة لتواجه مسؤوليتها المستقبلية.
ثم طرح عليها عددا من الاسئلة الدقيقة اجابته عليها فأومأ باستحسان
-اعتقد انك الفتاة التي ابحث عنها يا انسة كونيل. الوظيفة لك ان كنت تريدينها.
وهكذا تم الاتفاق على ان تأتي للسكن في قصر رانغور حالما تسوي امورها في موبينغ.
عادت فيفيان الى موبينغ في صباح اليوم التالي. شيعتها صبرية وفيما كانت الطاشرة ترتفع فوق حدائق القصر لوحت بيدها للجسم النحيل الواقف على المدرج. خلال الرحلة تجددت ثقتها بصوابية قرارها. لكن فور وصولها الى البيت هاجمتها من جديد الحيرة السابقة. احست ان بيعه سيكون بمثابة القضاء على ملكية غالية.
بعد الغذاء استدعت الخدم واخبرتهم بما سوف يحصل. ظهر الحزن الشديد على وجوه الجميع باستثناء تشن الذي تلقى النبأ بوجه جامد مما اثار فيها حيرة واضطرابا.
انصرفوا الى اعمالهم فخابرت ادمز بالهاتف وطلبت اليه انيفاوض السيد وونغ في بيع المنزل ثم امضت بقية النهار تنتقل من غرفة الى غرفة محاولة اقناع نفسها بصوابية تصميمها وبأنه من السخف ان تعذب نفسها بشكوك لا اساس لها من الصحة.
وفي حوالي الثامنة تبلورت فجأة الفكرة التي راودتها طوال النهار فبادرت الى تغيير ثيابها وارتدت فستانا من الكتان وركضت الى المرآب لتخرج السيارة.
حين وصلت الى بيت طوم ورأت النور ينبعث من خلال ستائر غرفة الجلوس احست بقرصة استرهاب وكادت ان تقفل راجعة لكن حاجتها اليائسة الى التحدث مع شخص ما طغت على جبنها فأوقفت السيارة ثم صعدت بعزم الى المدخل المسقوف.
-مساء الخير.
-مساء الخير.
ظل واقفا عند الباب ويداه مدفونتان في جيبه. مرت لحظة صمت مطبق ثم نهضت فيفيان قائلة
-جئت لأودعك.
بقي صامتافأردفت متلعثمة
-لا اتوقع ان نلتقي ثانية لذا اردت ان... اشكرك على مساعدتك.
-اين ستذهبين؟
-وجدت عملا في رانغور وسوف ابيع البيت.
-فهمت لا ريب انك ستجدين رانغور اكثرا امتاعا من موبينغ.
-ارجوك... ادرك اك غاضب... اكني...
-غاضب؟ لم تعتقدين ذلك؟
-اوه لا عليك. انك لن تفهم بأي حال.
قال بلطف
-لو كانت لدي فكرة عما تلمحين اليه لهان الموقف ربما.
-انت تعرف جيدا عما اتحدث لكنك ترفض الاقرار بذلك لاني اذا اثبت لك خطأ ظنك ستضطر الى الاعتذار الذي تأباه على نفسك.
-استمري. لا تحجمي عن اتهامي بأي شيء فلن تنجرح مشاعري.
-مشاعرك؟ لا اعتقد ان لديك شيئا منها. اوه قد تعطف على مرضاك لكنك لا تهتم بالاخرين. كل ما يهمك هو ان تحتفظ بتلك الهالة الرائعة من التفوق. ارجو ان تفعل... ارجو الا يشعرك احد بالندم او الخجل او انعدام الثقة لانه اذا حصل ذلك فلن تتحمل كرامتك ضربة قاصمة كهذه. كنت اظن اننا صديقان ولما رأيتني في ما بدا لك موقفا مشينا سارعت الى ادانتي ولم تترك لي فرصة للتفسير فأثبت بذلك عن مدى صداقتك لي.
فغمغم قائلا
-فهمت اذن كنا صديقين. ربما كنت تبغين علاقة اكثر امتاعا. اهذا ما يثير حنقك؟ هل اغتضت لأني لم انهج نهج باركلي؟
تقدم منها فجأة ووضع يديه على كتفيها فزعقت حانقة
-كيف تجرؤ على قول كهذا؟ اتركني.
-ليس قبل ان اثبت لك بعضا من قدراتي العاطفية. ما بك تتظاهرين بالنفور من عناقي في حين انك لم تعترضي على عناق باركلي؟
شدها الى صدره بقوة وعبثا حاولت الافلات منه. قالت بخوف
-طوم ارجوك... لم اقصد ما قلته... كنت غاضبة...
لكنه خنق توسلها بعناق عنيف وسريع.


نهاية الفصل السابع


نور منسى 20-06-13 06:50 PM

:248081::248081::248081::248081::248081::248081::2 48081::248081::248081::248081::248081::248081::248 081::248081::248081:جميل جدا

مغربيةوأفتخر 21-06-13 12:40 PM

الفصل الثامن


-توقف القطار ببطء فقادها تشن وسط الازدحام الرهيب الى مقصورتها ووضع فيها حقائبها واستدار مودعا بحزن صامت..

انتشر فجأة مرض الزحار وضرب المنطقة باكملها واخذ يفتكبالناس حتى امتلأت بهم المستشفيات. كان ذلك بالنسبة الى فيفيان تجربة غريبة ومثيرة نفسيا. ابرقت الى السلطان شارحة له السبب الذي اوجب تأجيل سفرها. انصرفت بكل قواها الى ادارة مستشفى خاص اقامته في منزلها حيث كانت تعمل ساعات طويلة بلا انقطاع وهي تركض في ارجاء البيت تغير الشراشف تنقل اوعية الماء تهيء اكواب الحليب والسكر تقيس الحرارة وتغسل اجسام مرضاها. كانت تشتغل بدأب وصبر حتى يفتك الاجهاد بظهرها وعينيها. فقد كان هناك شيئ يحثها على الاستمرار. كان طوم يعود المرضى يوميا ولفرط انهماكها في عملها لم تكن تحس بالارتياح لحصولها على ارشاداته المهنية وتشجيعه.
نزعت المنديل عن رأسها وقالت وهي تمرر اصابعها في شعرها
-لقد عمل تشن بشكل دؤوب مع انه ما يزال يتظاهر بعدم رضائه عن كل هذا. سوف افتقده حين ارحل.
-اذن ما تزالين مزمعة على الرحيل؟
-طبعا.
عادا فجأة الى موقعهما القديم لم يعودا طبيبا وممرضة بل رجلا وامرأة... قالت
-لكنني عدلت عن شيء واحد اذ لن ابيع البيت. سوف اسأل الانسة بكستون ان كانت تود استعماله مأوى للأطفال. لا ادري لماذا لم افكر في ذلك من قبل. لم تفرحني في الحقيقة فكرة بيعه الى السيد وونغ.
-هل اخبرت آنا؟
-كلا لم اجد وقتا لذلك. ابرقت الى آدمز وطلبت اليه الغاء مفاوضات البيع وايجاد شار لمجموعة الجاد المال سيشكل منحة صغيرة واعتقد ان عرابي كان سيوافق على بيعها من اجل غاية كهذه.
-لكن ماذا عنك انت؟ ان ثمن البيت كان سيؤمن لك ثروة.
-اجل لكني لا احتاجها. انا شابة ولدي عمل. سأتدبر أموري.
مساء احد الايام احست فيفيان بثقل كبير. شقت طريقها الى الردعة وهي تتمسك بالاثات خشية السقوط. كان كل شيء يموج امام بصرها وامتلأت اذناها بطنين مزعج. رأت تشن يحدق اليها من مكان بعيد. خاطبته فبدا انه لم يسمع كلامها فمدت يدها الى زر الكهرباء اذ خيل اليها ان الدنيا اظلمت فجأة. وهنا احست نفسها تهوي ثم تلقفها الصمت والظلام بشكل فجائي.
بعد اسبوع من ذلك التاريخ قاس طوم حرارتها وجس نبضها ثم قال
-لاريب انك بدأت تضجرين من هذه الغرفة. سأسمح لك بالخروج نصف ساعة. لقد اصبت بنوبة ثوية من الحمى. يجب ان تأخذي الامور بتمهل.
ساعدها على ارتداء روبها وحملها الى الحديقة حيث الشاي والساندويش موضوعين على طاولة خيزران امام الاريكة الهزازة.
قال بعد ان سكب الشاي وقرب الساندويش من متناولها
-اذن تم الاتفاق على ان تنتقل آنا والأطفال الى هنا بعد رحيلك؟
-اجر واصر تشن على البقاء لمعاونتها. كنت قلقة على مصير الاخرين لكن كيم فاجأتني بوجود خطيب لها يعمل مساعدا في مخزن تبريد اما سائر الخدم فسوف يعملون في بيوت بعض العسكريين. وهكذا توصل الجميع الى حلول سعيدة.
فكرت في نفسها لقد حلت مشكلات الجميع باستثناء مشكلتها هي...
على الرغم من مرضها كان الاسبوع الذي مضى سعيدا بالنسبة اليها فطوم كان يعودها مرتين في اليوم ويعاملها بلطف كبير لن تنساه ابدا. انها تدرك بالطبع انه يعامل جميع مرضاه باللطف والعناية ذاتهما ولكن العاشق يرضى بفتات الخبز ان لم يستطع الحصول على رغيف كامل...
وعادت تقول له
-لم اشكرك بعد على عنايتك بي. كنت غاية في اللطف.
فقال مداعبا
-انتظري حتى تصلك فاتورتي.
-متى استطيع السفر؟
-هل انت متلهفة كثيرا على الرحيل؟
-لقد تسلمت الوظيفة ولا يمكنني التأجيل الى ما لا نهاية.
-معك حق. يمكنني القول انه بعد اسبوعين تصبحين قادرة على السفر شرط الا تجهدي نفسك خلالهما.
صمت قليلا واضاف
-ظننت انك قد تفكرين في البقاء لتساعدي آنا فهي ستحتاج الان الى معاونة.
اجابت بهدوء
-لقد اقترحت علي ذلك لكن اعتقد ان السفر خير لي.
-ستجدين بالتأكيد فرصا اكثر في رانغور.
-فرص؟
-اقصد انك ستتعرفين الى اناس في سنك.
-هل ابدو لك صغيرة جدا؟
فتأمل روبها الزاهي وشعرها المسحوب الى الخلف بشريطة صفراء وفمها الرقيق البريء وقال باسما.
-تبدين الان في السادسة عشرة.
-مجرد طفلة.
-لم اقل ذلك فلم يكن هناك اي شيء طفولي في تحويلك البيت الى مستشفى وفي ارهاق نفسك بالتمريض.
-لماذا يعتبر كل واحد في عمرك ان سن العشرين لا تختلف كثيرا عن سن المراهقة؟
اجاب ضاحكا
-ربما لانها بعيدة عن متناولنا. انتظري خمس سنوات لتري كيم ستتغير ردود فعلك ايضا.
-ليتني في الثلاتين من عمري.
-لماذا تريدين بلوغ الثلاتين؟
-لانك لن تعاملني اذ ذاك كتلميذة مدرسة سخيفة.
-اتذكرين ليلة الحفلة وكل هؤلاء الشبان الذين رغبوا في مراقصتك؟ الم تشعري بانه كانت لديك سلطة خاصة عليهم لانك فتاة شابة ورائعة الحسن؟
كان يراقبها بتركيز فاحست بالدماء تصعد الى عنقها وتابع قائلا
-من الطبيعي ان تشعري بذلك لكن ان حاولت فرض تلك السلطة على رجال هم اكبر سنا منك فاللعبة تصبح خطرة لان رجلا في سني يتجاوب بشكل اعنف من تجاوب شاب فتي. رجوت ان تكوني قد ادركت ذلك بعد الذي حصل في بيتي تلك الليلة.
والتهبت وجنتاها وقالت بسرعة
-كلا لا افهم لم احاول ابدا... ان اغريك... على عناقي.
-ليس بطريقة تلقائية ربما لكنك تسائلت ان كنت سأعانقك ولما فعلت انتابك خوف شديد.
حدقت اليه بدهشة حقيقية فقال موضحا
-لا تسيئي فهمي الذنب كان ذنبي لاني نسيت كم انت صغيرة. لهذا السبب بالتحديد يجب ان تخالطي ابناء جيلك والى ان تتعلمي كيف تدارين هذه المواقف.
قالت بصوت جامد
-فهمت سأحاول ان اتذكر ذلك. اعتقد ان هذا ما اغضبك حين ظننت اني كنت اسمح لجوليان بتقبيلي. لانه اكبر سنا مني.
تقلص وجهه لحظة ثم قال باقتضاب
-شيء من هذا القبيل.
نظر الى ساعته ونهض واقفا
-يمكنك البقاء هنا لفترة قصيرة ان اردت لكن يجب ان تنامي في السادسة. سأمر عليك غذا.
-شكرا.
فمد يده وقال مبعثرا شعرها
-نامي براحة يا صغيرتي.
ذات صباح كانت تجلس في الحديقة تراقب سحلية تزحف على الجدار صوب فراشة غافلة عندما خرجت كيم لتعلمها بأن الانسة ميتلاند تود رءيتها.
كانت كارا كعادتها فائقة الأناقة في قميص بيضاء وتنورة قطنية سوداء مخرجة بزهور بيضاء وحمراء من القش. قالت فور وصولها
-صباح الخير. ارجو ان تكوني تحسنت.
-اجل. شكرا. هل لك ان تجلسي؟
جلست كارا ونزعت نظارتيها الشمسيتين فلاحظت فيفيان شيئا غريبا في وجهها لم تستطع تحديده بادئ الامر ثم ادركت بانذهال انها كانت تبكي اذ رأت آثار دموع على محياها الرائع بالرغم من مكياجها البارع. سألتها بسرعة
-ما بك؟ الديك مشكلة؟
اغمضت كارا عينيها وتنفست بعمق وكأنها تستمد شجاعة على الكلام
-انا احبه.
-اعرف انك تحبينه.
-تعرفين؟
-اجل ادركت ذلك منذ فترة طويلة.
حدقت اليها كارا غير مصدقة ثم بدأت تبكي.
جففت كارا دموعها ثم استقامت في جلستها وقالت متنهدة بحزن
-انت اخر شخص يمكنه ان يساعدني لان جوليان واقع في حبك.
-هذا هراء ايتها الاوزة الغبية. فعلاقتي بجوليان ليست اكثر من حدود الصداقة.
فقالت كارا ودموعها تتجمع من جديد
-لكنه اخبرني انه طلبك للزواج.
-لقد عرض علي الزواج ولكنه لم يقصد ذلك. اسمعي لقد آن لنا ان نتحدث بدون رسميات. لقد اردت اطلاعك على هذا منذ زمن بعيد الا اننا كنا نتصادم دائما بطريقة مهذبة ومتمدنة. لم يطلب جوليان الزواج مني الا لانه كان في ثورة غضب على شخص اخر وهذا الشخص هو انت.
صمتت كارا ثم قالت بذهول
-لا اصدقك.
-حسن لا تصدقيني. استمري في تعذيب نفسك. استمري في التظاهر بانك لا تشعرين نحوه بذرة حب وبأنك سعيدة جدا بمغازلة كل هؤلاء الضباط الصغار السخفاء. ربما تحبين ان تصبحي عانسا عجوزا وحيدة. لماذا جئت الى من الاساس؟
تهدلت كارا على كرسيها قالت وهي تلوي منديلها باصابعها النحيلة
-اردت التحدث الى شخص ما. ليس لي اصدقاء ووالدي لن يفهمني ابدا اذ لا يفكر الا في شؤون الجيش.
-الا ترين ان كبريائك هي التي تردعك عن مصارحته؟ لا يمكنك التشبث بكرامتك عندما ترغبين في تحقيقامنية كبيرة.
-اني حائرة في امري وافكاري. لا يجب ان ازعجك بمشكلاتي فأنت ما تزالين مجهدة.
فقالت كارا بسرعة
-كنت على وشك الذهاب.
ثم اردفت تخاطب فيفيان
-هل لي ان ازورك ثانية؟
-بالطبع انا مسرورة لانك زرتني اليوم.
ولما انصرفت سأل طوم
-لم ادر انك على علاقة ودية مع كارا.
واضاف
-سمعت ما كنت تقولين لها لدى وصولي... حول رغبتك في البقاء هنا.
-سوف اندم على ترك المنزل. هذا شعور طبيعي.
-اذن لماذا ترحلين؟
-لاني اردت مغادرة موبينغ. اوه طوم كف عن استجوابي الاتفاق تم وانتهى الامر.
فقال ناظرا اليها لتركيز
-امتاكدة ان رحيلك لا علاقة له بباركلي؟
فقفزت واقفة واخفت قبضتيها في جيبي تنورتها بعنف كاد ان يمزقهما
-افهمتك ان جوليان لا يعني لي شيئا على الاطلاق بل اعلم انه يحب كارا وهي تبادله حبه. هل اقتنعت الان؟
قال ببرود
-استغرب عصبيتك لمجرد اني اردت التأكد من انك تفعلين الشيء المناسب لمصلحتك.
-لا موجب لأن تشغل بالك بمصلحتي. انا قادرة تماما على حماية نفسي.
افعلي ما بدا لك... اني اتسائل ان كنت ستتخلين يوما عن استقلاليتك العنيفة هذه؟
-انت تنسى اني لم احصل عليها الا مؤخرا.
-اتلمحين الى اني احاول السيطرة عليك كما كانت تفعل خالتك الرهيبة؟
-بالطبع لا ادرك انك تقصد ان تكون عطوفا.
-هل ستتركين موبينغ بسببي؟
فتورد خذاها وسألت باستغراب
-ماذا تعني بذلك؟
هز كتفيه قائلا
-انت لا تودينني كثيرا. اليس كذلك؟
ابتلعت ريقها وردت بصوت اجش
-انا لا انفر منك.
-لكنني توافقينني على اننا لم ننسجم ابدا مع بعضنا البعض؟
-كنا نختلف احيانا وننسجم تماما في احيان اخرى.
لوح بيديه متضايقا وقال بخشونة
-لماذا لا تعترفين بأنك كنت تكرهين تدخلي في شؤونك وانك بدأت تخافين تقرباتي منذ ان عانقتك؟ فكلما لمستك احسك تتقلصين.
هتفت بحرارة
-هذا ليس صحيحا. انا كرهت فقط طريقة عناقك كما لو... كما لو كنت تحاول معاقبتي على ذنب ما.
حدق اليها برهة ثم قال بنبرة غريبة
-ربما كنت اعاقبك. ربما ذكرتني بشسء نجحت في نسيانه.
-اتقصد خطيبتك؟
سألها متوترا
-ماذا تعرفين عن ذلك؟
-اعرف فقط انك كنت مخوبا الى فتاة تزوجت من سواك.
-ذلك صحيح جزئيا. تلقيت ضربة مؤلمة منذ زمن بعيد. لكن خلافا لما تعتقده النساء فان قلة من الرجال تتيح لعلاقة حب فاشلة ان تهدم حياتها يا عزيزتي.
-اذن لماذا لم تتزوج؟
-لسبب واقعي جدا هو اني لم التق ابدا بفتاة رغبتني في الزواج.
العاشرة من صباح اليوم التالي وصل مدير قسم الشحن في شركة وايتواي مع مساعدين صينيين ليوضبوا مجموعة الجاد التي سترسل الى سنغافورة لتحفظ هناك حتى موعد البيع. اختارت منها فيفيان كتذكار قطعة نارية تمثل حصانا شامخ العنق مجعد العرف. اما سائر القطع فقد وضعت في علب مبطنة ونقلت كلها الى خزانة حديدية.
بعد انصراف الشاحنة بقليل سمعت صوت نفير سيارة عال ثم ظهرت سيارة جوليان. وحالما رأته يساعد كارا على الترجل منها ادركت ما حدث. وقفت تستقبلهما على الدرج وهما يقبلان صوبها باسمين ومتشابكي الايدي.
تنحنح جوليان استعدادا للكلام لكن كارا مدت يدها اليمنى بسرعة فرأت فيفيان خاتما رائعا من الزمرد يتلألأ على خنصرها.
هتفت بحرارة
-انت مخطوبة اوه انا فرحة جدا لاجلكما. متى حدث ذلك؟
قالت كارا وعيناها تتوهجان
-ليلة امس. اردنا ان نزف اليك الخبر قبل الجميع.
-كم يسعدني هذا. اهنئك يا جوليان. متى ستتزوجان؟
رد جوليان باسما
-في اسرع وقت ممكن. لقد ارغمت كارا والدها على الموافقة وانا ابرقت الى اهلي اعلمهم باني قادم مع عروسي على اول سفينة. سنودع المناطق الاستوائية الى غير رجعة ونستقر في الوطن لنصبح اهدأ واسعد زوجين في الوجود. اليس كذلك يا حلوتي؟
ضغط يد كارا ونظر اليها بزهو حنون وكأنه لا يصدق حسن حظه بالحصول عليها. اومأت كارا موافقة. لم تبد ابدا بمثل هذا السحر المتوهج كان جمالها قبلا يتميز بروعة تمثال بارردة اما الان فقد اضفى عليها تفاعل الحب القا وحيوية جديدين. قالت لها فيفيان
-هيا ندخل. اريد ان اعرف كل ما تنويان فعله.
قالت كارا بلهفة
-ستبقين لحضور الزفاف اليس كذلك؟ لقد باشر جوليان الحصول على الترخيص وانا سأبتاع حاجيات الزواج من سنغافورة ولذا فلن نؤخرك الا يوما او اثنين.
-تعلمين اني اتمنى البقاء لكنني اتفقت مع الانسة بكستون على ان تنتقل الى هنا يوم الخميس ويجب ان التحق بوظيفتي في اسرع وقت بعد كل التأير الذي حصل.
فقال جوليان بالحاح
-هراء لن يضيرك ان تؤجلي سفرك بضعة ايام. يجب ان تبقي لان كارا تريدك ان تكوني اشبينتها.
قالت بتردد
-لا ادري كيف سأتمكن من ذلك. ارجوكما لا تغضبا مني. تعلمان كم ارغب في حضور الزفاف لكني وعدت بأن أصل رانغور في التاسع عشر من هذا الشهر وقد يعدل السلطان عن توظيفي اذا اجليت الموعد مرة اخرى.
بعد ان غادر جوليان وكارا التجأت فيفيان الى غرفتها وطرحت نفسها على السرير واضناها كل ذلك الجهد الذي بذلته لاخفاء لوعتها اثناء وجودهما. لقد ابتهجت في الصميم لخطوبة كارا وجوليان وحالما زاولها شعور بالانفعال والاهتمام المبدئي بدأت سعادتهما الطاغية تعذبها في الخفاء واخذت كل كلمة نطقاها تفتح جراحا طازجة في قلبها الملتاع. كان اسوء ما مرت به في حياتها هو اضطرارها الى سماع خططهما الملهوفة ومراقبة نظراتهما المتقدة واستشعار التيار المتدفق بينهما.
هتفت الانسة بكستون بدهشة حين رأت فيفيان تدخل مكتبها
-عزيزتي فيفيان لم اتوقع زيارتك هذا المساء.
-جئت اودعك.
-تودعينني؟ لكنك قلت انك ستسافرين صباح الخميس؟
-اجل بيد اني بدلت خططي. سأغادر الليلة. لقد اتممنا كل الترتيبات لذا لا جدوى من تأخري. سوف يرسل تشن امتعتي الثقيلة في وقت لاحق.
-فهمت.
مظهر الفتاة اقلق الانية بكستون اذ كانت باهتة اللون كالشبح وفي عينيها نظرة غريبة ومحمومة تقريبا. من الواضح انها تعاني مشكلة عميقة. قالت لها بهدوء
-اعتقد انك ستستقلين قطار الثامنة الى كوالالومبور ثم تتابعين السفر نهار الغذ. اذن لديك وقت لشرب فنجان من الشاي.
اجابتها بصوت متوتر
-شكرا لا اشعر بعطش. يجب ان اتوجه الى المحطة فقد يصل القطار باكرا. ارجو ان تراسليني لاطمئن الى امورك.
-ساراسلك بالطبع. لقد قدمت لنا خدمة جلى يا عزيزتي ولن انسى فضلك ابدا. لكني ارجو ان تزورينا بين فترة واخرى. رانغور ليست بعيدة عنا وقد اصبح لديك عدة اصدقاء هنا سيرغبون في رؤيتك. هل سيوصلك طوم الى المحطة؟
-كلا فكرت... ان اطلب اليك توديعه بالنيابة عني فأنا قررت السفر قبل ساعات فقط ولم اجد وقتا لرؤيته بنفسي.
-لكن يا فتاتي العزيزة لا يمكنك ان ترحلي بدون ان تودعي طوم سينجرح شعوره كثيرا. ثم اني لا افهم الداعي الى سرعتك هذه. هل لديك مشكلة؟
-ليست هناك اي مشكلة. كل ما في الامر... اوه ارجوك الا تستجوبيني يا آنا يجب ان الحق موعد القطار ولا اقدر ان ارى طوم. قولي له... قولي له اني سأكتب له قريبا جدا.
وقبل ان تتمكن آنا من مجادلتها القيت فيفيان دراعيها حولها في عناق يائس وسريع وخرجت من البيت مهرولة.
بعد ثلث ساعة كانت تذرع رصيف المحطة بقلق. تأخر القطار فأعلمها تشن انه يميل دائما الى التأخر مقدار نصف ساعة عن الموعد المحدد.
كانت المحطة تغص بالمسافرين الذين جلسوا منحشرين على المقاعد الخشنة او جثموا مرتكزينعلى الحائط وهم يثرثرون او يتبادلون عبارات وداع مطولة مع اهاليهم المجتمعين بكثرة. رأت كذلك اكداسا من سلال الدجاج مكومة امام الاعمدة المزخرفة التي تسند السقف.
في الاخير اعلن صفير بعيد وصول القطار فبدأ الجميع يتدافعون ويتسابقون لتأمين مراكزهم. توقف القطار ببطء فقادها تشن وسط الازدحام الرهيب الى مقصورة مكيفة في الدرجة الاولى. ولما امن لها مقصورة النوم ووضع فيها حقائبها استدار ليودعها. كان وجهه الشاحب متقلصا بالكآبة. قالت له بصوت مختنق
-اعتن بنفسك يا تشن. اشكرك على هنايتك البالغة بي ساكتب اليك.
فقال بحزن
-لا يليق بالسيدة ان ترحل.
شعرت بغصة تسد حلقها ثم سمعت ضجة في الممر وما لبث ان انفتح باب المقصورة بعنف وهتف طوم سترانسوم بخشونة
-ها قد وجدتك. عليك ان تخرجي يا فتاتي. القطار سيغادر بعد ثلاث دقائق ولن يكفي هذا الوقت لتشرحي لي قصدك هذه المرة.
انزل الحقائب يا تشن وانتظرنا في الفناء.
فصرخت فيفيان وهي تحاول الافلات من يده القابضة على رسغها
-ماذا حدث؟ ما القضية؟
-الجواب عندك انت.
جرها معه الى الممر ولما بلغ الباب قفز منه الى الرصيف وانزلها خلفه. بعد ذلك قادها من يدها الى مكتب مدير المحطة حيث صفق الباب واقفله من الداخل ثم التفت اليها وقال بصوت كالجليد
-تكرمي الان واخبريني لماذا هربت من البلدة كالمجرمين؟
فسألته وهي تفرك رسغها المتضرر
-كيف عرفت اني نويت الرحيل؟
-خابرتني آنا بالهاتف ولولا ذلك لاضطررت الى اللحاق بك حتى كولالومبور.
-لم اجد وقتا لاخبرك. طلبت اليها ان تبلفك رسالة. اما الان فاسمح لي بالخروج من هنا. لا يحق لك ان تجرني من القطار بهذه الطريقة. اذا فاتني القطار سوف...
سوف ماذا؟
وفجأة انهارت معنوياتها وهمست بصوت معذب
-اوه يا طوم ما الذي حملك على المجيء؟
تقدم منها بسرعة واعتقل ذراعيها قائلا
-لان آنا اخبرتني انك تتهربين من توديعي. لاني اكتشفت اني لن استطيع التخلي عنك. لانك جزء مني.
حدقت اليه غير مصدقة فسألنا بعنف
-الست كذلك يا فيفيان؟ الست كذلك؟
فاحنت رأسها وهمست
-دائما كنت كذلك.
-اذن لماذا اخفيت عني حبك بحق السماء؟
هزت رأسها لعجزها عن الكلام فهتف
-ايتها الحمقاء الصغير ايتها المجنونة الصغيرة...
الصق رأسها بكتفه واطلق تأوها نصفه ضيق ونصفه انتصار. كان تشن ينتظرهما. قال له طوم
-خذ الحقائب الى منزل الانسة بكستون واخبرها ان السيدة كونيل ستقضي الليلة عندها فهي عدلت عن السفر الى رانغور.
فعلق تشن والابتسامة تكلل وجهه
-حاضر ايها الطبيب. عظيم جدا ايها الطبيب.
-والان هل نحاول حل العقد؟
فقالت متلعثمة
-لا... لا استطيع ان اصدق هذا.
اخذ وجهها بين يديه وغمغم وانفاسه تلفح وجهها
-هل صدقت الان؟
بقيت لحظة تمسك انفاسها وقد خشيت الى حد ما ان تثق بالتجاوب المجتمع في كيانها. ثم تنهديت بارتجاف واحاطت عنقه بذراعيها مستسلمة لمشاعرها التي كبتتها زمنا طويلا.
في وقت لاحق اضاء طوم نور السيارة الداخلي وتأملها بنظرة مفعمة بالفرح والرقة وقال
-لا افهم لغاية الان لماذا لم تحدسي شعوري نحوك اذ يفترض في النساء ان يستشعرن هذه الامور.
-لاني لم التق رجلا مثلك من قبل. كنت تبدو دائما شديد الصرامة والتحفظ.
-قد تجهلين يا حبيبتي انك تحدثين في تأثيرا بدائيا غير معقول. وفي مناسبات عدة تمنيت لو استطيع قتل باركلي لانك اوليته ثقتك.
-ارجوك كرر ذلك يا طوم.
-ماذا؟ كلمة حبيبتي؟
-طالما حاولت ان اتصور كيف سيكون وقعها وعجزت عن ذلك.
-بعد مضي خمسين سنة سوف تملين سماعها. متى ستتزوجينني؟
-في اسرع وقت ممكن.
-يمكننا قضاء شهر العسل في بيانغ اذا شئت. لدى احد اصدقائي فيلا في شمال الجزيرة ذات مسبح خاص. ما رأيك؟
فغمغمت كالحالمة
-فكرة رائعة طالما اشتهيت السباحة في ضوء القمر.
-هناك امر واحد فقط هل تدركين ما انت مقدمة عليه كزوجة لطبيب؟ هل يمكنك ان تسعدي في الملايو طوال حياتك؟
فوضعت يدها في يده وقالت بقناعة ورضا
-انا احبك واحب الملايو. لكن اذا خطر لك ان تأخذني الى القطب الشمالي فسوف اسعد هناك ايضا يا اعز طبيب على قلبي.



نهاية الفصل الثامن


مغربيةوأفتخر 21-06-13 12:41 PM

تمت

ارجو انها تكون نالت اعجابكم

ترجمان الحياه 22-06-13 05:40 PM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

الملاك الاسود 22-06-13 08:48 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

م ـفـ ح طة بـ ح ـبه 24-06-13 02:45 AM

شكرًا شكرًا شكرًا شكرًا شكرًا

سماسه 24-06-13 01:16 PM

الف شكر حبيبتى الله يخليكى


الساعة الآن 06:20 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.