آخر 10 مشاركات
هيا نجدد إيماننا 2024 (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          328 - العروس المتمردة - جوليا جيمس (اعادة تصوير) (الكاتـب : سنو وايت - )           »          نصيحة ... / سحر ... / الأرملة السوداء ... ( ق.ق.ج ) بقلمي ... (الكاتـب : حكواتي - )           »          الجبلي .. *مميزة ومكتملة* رواية بقلم الكاتبة ضي الشمس (فعاليات رمضان 1436) (الكاتـب : قصص من وحي الاعضاء - )           »          آسف مولاتي (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          أسيرة الثلاثمائة يوم *مكتملة * (الكاتـب : ملك علي - )           »          شيوخ لا تعترف بالغزل -ج3 من سلسلة أسياد الغرام- لفاتنة الرومانسية: عبير قائد *مكتملة* (الكاتـب : noor1984 - )           »          إحساس جديد *متميزة و مكتملة* (الكاتـب : سحابه نقيه 1 - )           »          مشاعر على حد السيف (121) للكاتبة: Sara Craven *كاملة* (الكاتـب : salmanlina - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-11-13, 01:11 AM   #11

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي







الفصل التاسع

الأموات لا يعودون للحياة..
للوهلة الأولى أصيبت (ليلى) بالرعب لمرآه،لكنها فطنت إلى أنها ليست في (غرناطة) ،إذن فكل شيء ممكن..

هي تعرف هذا الوجه جيدا ولا يمكنها أن تنساه..شعره الأسود الكثيف،حاجباه العريضان،عيناه المكحولتان الخضراوتان كالزيتون الإشبيليّ،أنفه الأقنى،شفتاه المقوستان،ذقنه المرصوع ولحيته الخفيفة النابتة..

مدت يديها واحتضنت وجهه بين كفيها..إنه هو..نظرت في عينيه مباشرة وقلبها يكاد يقفز من صدرها من الانفعال..

- (حسن) !

وقف الشاب مذهولا كالبقية الذين لحقوا به إلى المطبخ..
- شلون عرفت إسمي؟!
خرج صوته مضطربا كيديه اللتان رفعهما ليمسك بيدي (ليلى) ويبعدهما عن وجهه برفق..
أفاق الجميع من ذهولهم فأسرعت (ملك) إلى (ليلى) تجذبها من ذراعها بعيدا وهي تقول:
- شو بك يا (ليلى) ؟! ..
لكن عيني (ليلى) ظلتا معلقتان بوجه (حسن) ..الضيف المنتظر..
- إنتي شفتيه من قبل؟
قالت (ليلى) وكأنما لم تسمع شيئا:
- أنت لم تمت..لقد جئت إلى هنا ولم تمت

بدا لـ (ملك) أنها تهذي فأخرجتها من المطبخ وهي تقول بصوت منخفض:
- شو عم بتقولي؟ الزلمة عايش الله يحميه..شو قصدك بها الحكي؟
التفتت (ليلى) إليها وقالت وقد سمعتها أخيرا:
- كيف جاء إلى هنا؟ منذ متى وأنتم تعرفونه؟
- بسم الله الرحمن الرحيم.. (ليلى) إنتي شو حصلك؟ هاد إبن خالتي،أخوه لـ (أحمد) ..مهندس الاتصالات اللي خبرتك عنه من قبل

كان جسد (ليلى) يرتجف وهي لا تعي ما يحدث حولها..أمن المعقول ألا يكون هو؟ ..لكن كيف وصل الشبه لهذه الدرجة؟ والاسم أيضا! ..
خرج (حسن) من المطبخ برفقة (أحمد) والذي كان ذهوله لا يقل عن ذهول أخيه..وسمعت (ملك) أمها تناديها كي تضع الطعام على المائدة..فربتت (ملك) على كتف (ليلى) ودخلت إلى المطبخ..
جلس (حسن) على أحد المقاعد محاولا تجنب النظر إلى (ليلى) والتي لم ترفع عينيها عنه وقد أغلقت قبضتيها بقوة محاولة تخفيف ارتجافهما..لكن هيهات وحبيبها يجلس أمامها لا تقو على لمسه مرة أخرى..أصابها الاضطراب..هل هو زوجها أم لا؟ ..

نظر إليها ليجدها لا تزال مسددة نظراتها إليه،فتعجب منها ثم تنحنح وقال:
- يا آنسة..أنا بشبه حدا تعرفيه؟
حتى صوته مثل صوت زوجها..كادت تجن..
- يلا يا شباب الأكل جاهز
التفت (حسن) إلى خالته وقام محاولا الهرب من تلكما العينين..
- (ليلى) ..قومي يا بنتي مشان تاكلي
ساعدتها (ملك) على القيام وأجلستها على أحد الكراسي ثم جلست بجوارها..مضت دقائق من الصمت قطعها (أحمد) في محاولة لتلطيف الجو العام:

- شو رأيك يا خالتي بها المفاجأة؟
ابتسمت الأم وقالت:
- والله اشتقنالك يا (حسن) ..لإيمتى رح تضل بـ (دركوش) ؟
قال (حسن) ممازحا:
- رح ضل لحتى تقلعيني من هون
قالت (ملك) بحبور:
- والله مو مصدقة..كنت فقدت الأمل إني شوفك مرة تانية..معقول أنت هون وكمان رح تضل عنا؟ ..أكيد أنا بحلم ما؟

كانت (ليلى) تستمع للحوار وهي تعبث في صحنها بالملعقة..هذا (حسن) آخر..له عالمه وأقرباؤه وأحباؤه الذين يفتقدونه ويسعدون لعودته..
رفعت ناظريها إليه لتجده يتحدث مبتسما ثم تلتقي عيناه بعينيها فتتلاشى الابتسامة من على وجهه،وتحل محلها الدهشة والارتباك في نفس الوقت من تلك المرأة التي لا تكف عن مطاردته بعينيها..

- أكلك بعده طيب يا خالتي..بس يا ترى (ملك) مستواها هيك ولا رح تعذب (أحمد)
ضحكت الأم وقالت:
- (ملك) أكلها أطيب من أكلي
نظرت له (ملك) بانتصار وبدأت تساعد والدتها لتنظيف المائدة ومعهما (ليلى) ..
- أرجو المعذرة..سأذهب إلى الغرفة قليلا
كانت (ليلى) قد انتهت من غسل الصحون لتقول (ملك) :
- طبعا حبيبتي خدي راحتك

خرجت (ليلى) من المطبخ وكانت مجبرة على المرور من أمام الشابين للدخول إلى غرفة (ملك) فحاولت تجنب النظر إلى (حسن) لكنها لم تستطع..لم ترتو ولن ترتوي من النظر في وجهه..وجه حبيبها..
ألقى نظرة سريعة عليها وهي تدخل إلى الغرفة،وبعد أن أغلقت الباب خلفها سأل (أحمد) بصوت خافت:
- مين هاي البنت؟ وشو قصتها؟
نظر له (أحمد) مليا ثم قال:
- لو خبرتك قصتها ما رح تصدقني
- ليش؟
- لأن قصتها ما في عقل يستوعبها،شي خيالي
- والله شوقتني لأعرف..احكي لشوف
انضمت إليهما (ملك) وأمها وراحت (ملك) تضيف بعض التفاصيل التي لا يعرفها (أحمد) ،و (حسن) ينظر إليهما فاغرا فاه وهو يحاول استيعاب كل ما يقال..

- متأكدين إنها مو مجنونة؟
- لا طبعا مجنونة شو؟ وحتى لو مجنونة فيه حدا مجنون بيكون عارف تفاصيل تاريخية متل هيك؟
أمسك (حسن) بذقنه وهو يقول:
- فعلا شي غريب..
ثم تابع بحذر:
- طيب فيني إحكي معها لأعرف شو القصة؟
رفعت (ملك) إحدى حاجبيها في دهشة وقالت:
- نحنا قلنالك كل شي
التفت إليها وقال:
- بدي إسمعها منها واسألها كم سؤال
- ليش؟

ارتبك (حسن) لكنها نجح في إخفاء ارتباكه وهو يقول:
- يعني مشان نعرف كيف نقدر نساعدها..
وأمسك بذقن (ملك) يقرصه مداعبا وهو يقول:
- وبطلي أسئلتك اللي بلا طعمة..
ثم أحاط كتفها بذراعه وهو يقول:
- اشتقتلك يافصعونة..
وطبع قبلة على خدها وهو يقول لأمها:
- وينن (رسلان) و (محمود) ؟
- رح يتأخرو شوي..
ثم قالت لـ (ملك) :
- اتركي يرتاح يا بنتي أكيد هو تعبان
قام (حسن) فنهضت معه (ملك) ..
- لا خليكي..أنا ماني غريب

وذهب إلى غرفة ابني خالته،وأغلق الباب ثم جلس على طرف الفراش..
رفع يده ولمس موضع كفي (ليلى) على وجهه قبل قليل..أحس بقشعريرة تسري في بدنه..لقد فزع في البداية عندما اقتربت منه إلى هذا الحد،وتجمد جسده وعقله عندما مدت يديها تلمس وجهه بتلك الطريقة..انتبه إلى أنها كانت تعرف اسمه،لكنه رجح أن يكون أحدهم قد تحدث أمامها عنه..تنهد ثم استلقى على الفراش محاولا النوم،لكنه ظل يفكر في قصتها الغريبة..



* * *

كان الضيق باديا على وجه (ليلى) ..
- أعطهم الكتب يا (حسن) وإلا قلبوا حياتنا جحيما
التفت إليها (حسن) وهو يقول:
- ليفعلوا ما يريدون
قالت تحاول إقناعه:
- أعطهم الكتب وأبق المصاحف
- لا يا (ليلى) لن أفعل
- لا تكن عنيدا
- ولا تكوني ملحاحة

لم يبرح ذهنها مشهد ألسنة اللهب التي تأكل الورق في جشع ونهم..كان ذلك منذ عام يقل أو يزيد، لم تعد تذكر فقد تشابهت الأيام بعد احتلال القتشاليون بلادهم،وجمعهم لكل الكتب في المدينة وحرقها أمام الأعين الملتاعة..

وكانت تخاف على زوجها أن يمسه أذى لو عرف أحدهم بوجود بعض الكتب لديهم؛لذا فقد فكانت تحاول إقناعه بتسليم الكتب التي لديهم حتى لا يصيبهم مكروه،لكنه كان عنيدا كعادته..مثلها تماما..لهذا كانا دائمي الجدل..يتعالى صياحهما في النهار ثم ينتهي الأمر بقبلة على الرأس منه أو منها..

بعد أيام حمل (حسن) الكتب وخبأها في حانوته..
- لماذا لم تتخلص منها؟
- لن أتخلص منها وأنت تعرفين ذلك فلا تحاولي معي يا (ليلى)
- لماذا إذن كبدت نفسك عناء حملها من هنا إلى هناك،والمخاطر تحدق بنا؟
نظر إليها بعينيه ذواتي اللون الزيتوني وقال وهو يمسح على شعرها:
- كي لا تتعرضي للخطر أنت أو أي أحد في هذا البيت
- لكنك أنت من ستتعرض للخطر
- لا يهمني..طالما أنك ستكونين بخير

خفق قلبها ثم ارتمت بين ذراعيها لتدفن وجهها في صدره،فتسللت إلى أنفها رائحة الخزامى العطرة التي تفوح من ثيابه..
- لا أريد أن يصيبك سوء يا (حسن)
ضمها إليه أكثر وقال:
- كل شيء مكتوب..
وأبعدها عنه برفق ثم احتوى وجهها بين كفيه وقال:
- والله لم يكتب شيئا علينا ليضرنا به..كل أمرنا خير

كانت تحب النظر في عينيه المكحلتين،وكانت تضحك كثيرا عندما يحاول (عليّ) تقليد أبيه وهو يضع الكحل أمام المرآة،فيدخل إصبعه في عينه ويبكي..لكنها لم تضحك تلك الليلة،ولم تستطع النوم..لا تدري لماذا..كان قلبها يضطرب كل حين وهي تسمع صوت زوجها يتحدث مع أبيها وهي تتحرك في المنزل..
أوت إلى فراشها لتشعر بزوجها يحيط جسدها بذراعه..
- (ليلى)
- إمم
- أنا أحبك

التفتت إليه وقد علت الدهشة وجهها..لماذا يقول هذا الكلام في هذا الوقت؟ ..لكنها لم تقل شيئا فقد كانت تشعر بالقلق..لماذا تشعرين بالقلق يا (ليلى) ؟..حاولت تهدئة نفسها بأن التصقت به كمن يختبئ من عدو ما فضحك زوجها وهو يقول:
- ما الأمر؟ ..هل تخافين من الظلام؟
ضحكت رغما عنها وقالت بعد أن اتكأت على ذراعها:
- أنا لا أخاف من الظلام..هو من يخاف مني
اتكأ على ذراعه هو الآخر في مواجهتها ثم مد يمناه وراح يداعب شعرها الأسود..لكن قبل أن يقول شيئا سمع جلبة في الخارج،فهب من الفراش وخرج من الغرفة ليجد رجال الديوان يصيحون بالقشتالية والتي يفهمها بصعوبة..
انقضوا عليه وقيدوا يديه ثم جروه جرا إلى الخارج وقد ألجمت المفاجأة لسانه وألسنة كل من في المنزل..


* * *

هرعت (ملك) إلى غرفتها عندما سمعت صوت صياح (ليلى) ..
- بسم الله الرحمن الرحيم..شو بك يا (ليلى) ؟
انفجرت (ليلى) في البكاء فضمتها (ملك) إلى صدرها وهي تقرأ المعوذتين وتمسد على شعرها، لكن (ليلى) لم تكف عن البكاء فنادت (ملك) أمها كي تحضر بعض الماء..خرج (حسن) من غرفته على صوت خالته و (أحمد) ليجد خالته تدخل غرفة (ملك) ..

- شو في؟
- شكل (ليلى) شافت كابوس..
ثم التفت إليه وقال مشاكسا:
- سبحان الله شافت وشك إجتها الكوابيس

لكن (حسن) لم يضحك على دعابة أخيه واتجه إلى الغرفة بينما (أحمد) يناديه:
- لوين؟
وقف قرب الباب لكنه لم يجرؤ على الاقتراب أكثر..وسمع صوت (ملك) تقول:
- انتي منيحة هلق؟ ..
أومأت (ليلى) برأسها أن نعم..
- الحمد لله..تعي اقعدي معنا برة ولا تضلي لحالك

قامت (ليلى) ووضعت حجابها على رأسها ثم خرجت مع المرأتين لتفاجأ بـ (حسن) يقف قرب الباب..تبادلا النظرات ثم خفضت رأسها لتجلس على أول مقعد أمامها و (أحمد) يسألها عن حالها.. رفعت عينيها لتصطدما بعيني (حسن) ،ويخفق قلبها مجددا..


يتبع ...........


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-11-13, 05:44 AM   #12

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25



الفصل العاشر

أعدت (ملك) أكواب الشاي لهم وجلست بجوار (ليلى) ..
- (حسن) كان زوجي!

التفتت إليها الرؤوس لتقول (ملك) :
- ليش..إنتي متزوجة؟!
أومأت (ليلى) برأسها إيجابا لتقول (ملك) :
- كيف ما إجا عابالي إسألك؟ ..
ثم أردفت:
- بصراحة مو مبين عليكي

ساد الصمت للحظات فقال (حسن) :

- لها الدرجة بيشبهني؟
نظرت له (ليلى) مليا ثم قالت وعيناها في عينيه:
- لو رأيته لظننت أنك تنظر في مرآة..
اتسعت عيناه وقد ساد الصمت مرة أخرى..

- آسفة لما حدث

- لأ..لا تعتذري..ما حصل شي
نظر له (أحمد) باستغراب لكن (حسن) لم يلحظ ذلك،وقالت (ملك) :
- أكيد هو قلقان عليكي هلق
نظرت لها (ليلى) بنظرة حزينة وقالت:
- زوجي مات
- يا الله..آسفة كتير..العمر إلك
- كيف مات؟

نظر (أحمد) إلى أخيه ثم لكزه في ذراعه خفية..

- قتله القشتاليون..
وأخذت نفسا عميقا ثم بدأت تقص عليهم تلك الأحداث التي أرقت مضجعها مرارا وتكرارا..

- زوجي كان ابن عمي،وبعد أن بدأت حملات التنصير رحل أبوه وأمه وبعض من إخوته إلى (فاس) ،لكنه رفض الذهاب معهم وترك (غرناطة) ،كما أنني كنت حاملا بطفلي الثاني بعد إجهاض، فدعاه أبي للعيش في بيتنا..انتقلنا إلى هناك وبدا أن الحياة ستسير هادئة..أنجبت (عليّا) وبعده بعام أنجبت (زهرة) ..


كان (حسن) يعمل نجارا..يذهب لحانوته في الصباح ويعود بعد الظهر ثم يذهب مرة أخرى قبيل المغرب ليرى ما فعل الصبية ويغلق الحانوت..


صدر أمر لأهل (غرناطة) بتسليم كل ما لديهم من كتب وإلا تعرضوا للعقوبة..لكن (حسن) كان مولعا بالقراءة،طلبت منه أن يسلمهم الكتب ويترك المصاحف فقط لكنه رفض..أنا أيضا أحب القراءة لكني كنت أخشى عليه من بطش القشتاليين..خاصة رجال ديوان التحقيق..


أغمضت عينيها في ألم وازدردت لعابها ثم واصلت حكايتها:

- نقل الكتب إلى حانوته ليجنبنا أي خطر..ويبدوا أن أحد الخونة وشى به فقبض عليه رجال الديوان..اقتحموا البيت ليلا واعتقلوه،وبعدها صرنا نسأل كل من يمكن أن يكون له صلة أو معرفة بأحد رجال الديوان حتى وصلنا إلى (غارثيا أليخاندرو) ،رجل من أعيان المدينة وله الكثير من العلاقات،كما كان من القلة الذين لا يحملون ضغينة لأهل (غرناطة) ،لذا فقد وافق على مساعدتنا..

سكتت مرة أخرى ثم تابعت وهي تشعر بغصة في حلقها:

- عرفنا أنهم وجهوا لزوجي عدة تهم منها ممارسة السحر!
- سحر؟! ..
كانت (ملك) لا تكاد تصدق ما تسمع..
- ليش..شو علاقة الكتب بالسحر؟!
ارتسمت ابتسامة ساخرة على فم (ليلى) وقالت:
- بعض الكتب كانت عن التداوي بالأعشاب،فأعدوها أعمالا سحرية وتم الحكم عليه
صمتت وهي تقاوم دموعها،فقالت (ملك) في فضول:
- بشو اتحكم عليه؟

- الحرق حيا!


وانفجرت في البكاء وسط ذهول الجميع،فراحت (ملك) تربت على كتفها محاولة تهدئتها..مسحت (ليلى) دموعها وقال (حسن) :

- بعتذر منك..ما بعرف شو بدي قول
رفعت (ليلى) عينيها الدامعتين إليه وقالت:
- ليس ذنبك أنك تشبهه
وساد الصمت مرة أخرى ليقطعه هذه المرة رنين هاتف (أحمد) ،فقام ليرد ثم استأذن منهم وأخبرهم أنه سيعود بعد ساعة..فقامت (ملك) وقالت محاولة تلطيف الجو:
- أنا عملت حلو..رح جيبو هلق
وذهبت إلى المطبخ لتلحق بها أمها..

نظر (حسن) إلى (ليلى) ..مسكينة هذه المرأة،لقد عاشت مأساة مرعبة..لكن موت زوجها كان رحمة به بعد الأهوال التي لاقاها في السجن..


رفعت عينيها إليه مرة أخرى..كان قريبا منها بدرجة تكفي لرؤية عينيها..كانتا سوداوتين كالليل، ولم تكن (ليلى) بيضاء بل كانت قمحية اللون،ذات جبهة عريضة،وأنف أشم..شفتاها رقيقتان مع قليل من التحدب..

- قلتي عندك ولاد..قديش أعمارهم؟
- (عليّ) أربع سنوات،و (زهرة) ثلاث سنوات
ظل صامتا لثوان ثم قال:
- إنتي أصلك عربي؟
ابتسمت وقالت:
- لا..أنا أندلسية الأصل..أجدادي كانوا من المولَّدين
- كنت مفكر إنك عربية..لون بشرتك وعيونك بيقولو هيك
احمر وجهها قليلا وخفضت عينيها ثم قالت:
- أهل (الأندلس) خليط من العرب والإسبان والبربر،ومن الصعب أن تجد أحدا منا نقي الأصل
قال محاولا إطالة الحديث بينهما:
- لو ضليتي سهرانة رح ورجيكي صور حلوة كتير لـ (غرناطة) وأماكن تانية بـ (إسبانيا)
بدأ شبح ابتسامة يظهر على شفتيها..

- الحلو للحلو

جاءت (ملك) وأمها حاملتين صحونا بها (كريم كاراميل) ..حملقت (ليلى) في صحنها لتضحك (ملك) وتقول:
- هاد إسمه (كاراميل) ..طيب كتير،ورح عرفك شلون منعمله
بدأت (ليلى) بالأكل ليرتفع حاجباها وتبتسم ثم تواصل الأكل وهي تنظر في الملعقة كل مرة.. أعجبها الطعم المر لطبقة السكر التي تعلو الحلوى..وكان (حسن) يتابعها بعينيه ويبتسم هو الآخر،تبدو كطفلة صغيرة تكتشف الأشياء لأول مرة..


* * *

عاد (أحمد) ومعه (رسلان) و (محمود) ليعلو صوت ضحكاتهم مرحبين بابن خالتهم..وبعد صلاة العشاء اعتذر (رسلان) و (محمود) للجميع وذهبا للنوم فلديهم عمل عند الفجر..

- طيب..وأنا بدي روح هلق بدكن شي؟
قام (أحمد) من مكانه بينما (ملك) تقول:
- خليك شوي..لسة بكير
- إيه لسة بكير يا (أحمد) ..واستنى شوي رح إعمل سهرة ولا بالأحلام..
ثم قال لـ (ملك) :
- ممكن تساويلنا شاي يا (ملك) ؟
- طبعا حبيبي تكرم عينك

تعجبت (ليلى) من طريقة كلام (ملك) مع (حسن) ..

- طيب أنا ما في إلي حبيبي؟
قالت (ملك) وهي في طريقها للمطبخ:
- لا ما حزرت..لسة بكير لتسمع هالكلام
ضحك (حسن) ثم قال لأخيه:
- أنا لو محلك كنت تركت البيت من هاللحظة

ضحك الأخوان بينما (ليلى) تنظر إليه..إلى (حسن) ..حتى ضحكته تشبه ضحكة زوجها..كان عندما يضحك ترتفع زاوية فمه اليمنى عن اليسرى قليلا..


قام (حسن) وأحضر حقيبته التي كان قد وضعها قرب الباب ثم أخرج منها جهازا فتحه كالكتاب، ثم ضغط فيه على زر لتضيء شاشته..حانت منه التفاتة إلى (ليلى) ليجدها تنظر للجهاز بفضول فقال:

- هاد إسمه (لاب توب) أو كمبيوتر محمول
- مثل التلفزيون؟
- يعني..بس مو كتير..بس لما تستعمليه رح تعرفي الفرق
خرجت الأم من المطبخ وقالت:
- أنا داخلة نام..بدكن شي يا ولاد؟
- يسلمو خالتي..بس خليكي قاعدة شوي
- لا إبني..ما فيني إسهر متلكن
عادت (ملك) بعد قليل حاملة أكواب الشاي،ثم جلست بجوار (حسن) وبجانبها (ليلى) ..

- هذا قصر الحمراء!


صاحت (ليلى) بتلك العبارة وهي تشير للشاشة عندما رأت خلفيتها،فابتسم (حسن) وقال:

- إيه صح
مدت يدها لتلمس الشاشة وقد تسارعت نبضاتها من الانفعال..ترى ما حال الحمراء الآن؟ ..
- هل لا يزال موجودا؟
قال وهو يحرك يده على لوحة اللمس:
- طبعا..هاي الصورة من وقت قريب
- الذي رسمها شخص محترف
التفتت (ملك) إليها وقالت:
- رسمها؟ ..لأ يا (ليلى) ..هاد مو رسم..هاد تصوير بالكاميرا
- كاميرا!

شرحت لها (ملك) الأمر،فأعادت (ليلى) النظر إلى الشاشة وهي تشعر بمزيج من المشاعر المتضاربة..خمسمئة عام مرت عليه وهو لا يزال شامخا..

- أكيد إنتي بتعرفيه أكتر مني
قطع صوت (حسن) تفكيرها لتقول:
- ليس تماما..فأنا لم أدخله في حياتي..
ثم تابعت:
- لكني كنت أراه كثيرا عندما أمر على ضفة نهر (حدرُّه)
اقشعر جسدها عندما تذكرت آخر مرة مرت قربه..
- بتعرفي إنه هلق صار مزار سياحي؟ ..
نظرت إليه مستفهمة فقال:
- يعني الناس صاروا يجو من كل العالم ليدخلو هاد القصر ويتفرجو على كل شي فيه
- وسمح لهم القشتاليون بذلك؟
- القشتاليين اليوم مو متل قبل..هلق صار إسمهم الإسبان،وأصلا محل حكمهن صار بـ (مدريد)

لزمت الصمت..العالم تغير كثيرا..لم تكن قد اعتادت بعد على أنها في زمن آخر،لم تستوعب الأمر بعد..

فتح (حسن) معرض الصور وراح يريهم الصورة تلو الأخرى،وتختلف ردود فعل (ليلى) مع كل صورة،لكن القاسم المشترك بين كل أحاسيسها كان الحنين إلى (غرناطة) ..
كانت (ملك) تستند على كتف (حسن) مما جعل (ليلى) تتعجب مرة أخرى من مدى العلاقة بينها وبين (حسن) ،وللحظة شعرت بالغيرة..كانت تراه زوجها..


* * *

- (ملك) ..هل (حسن) قريب منك جدا؟

أغلقت (ملك) الضوء واندست بين الأغطية بجوار (ليلى) ثم قالت:
- إيه..هو بيكون أخي بالرضاعة أصلا..
أجابتها (ملك) على سؤالها قبل أن تسأل..
- ليش بتسألي؟
- لقد تعجبت فقط من تبسطك معه لتلك الدرجة
ضحكت (ملك) ثم قالت:
- (حسن) رضع مع أخي (محمود) من إمي
وواصلت (ملك) الحديث وهي لا تدري أنها أثلجت صدر (ليلى) بكلامها..

في اليوم التالي وبعد عودة (رسلان) و (محمود) من العمل أخبراهم أنهما مضطران للسفر إلى (دمشق) ..

- ليش يا إبني؟ البلد في حرب الله يسترها عليك
قال (رسلان) :
- شغل يا إمي..شو بدنا نساوي يعني..وكمان مو كل البلد فيها مشاكل
- طيب قديش رح تضلو هونيك؟
- يعني ممكن أسبوع
- الله يحفظكن

نظر إليه (حسن) نظرة ذات مغزى لكنه لم يتكلم،وبعد الغداء جلس مع الأخوين في غرفتهما وتحدثا طويلا..وفي الصباح انطلق الشابان تصحبهما دعوات أمهما..




يتبع ...........


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-11-13, 05:50 AM   #13

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25




الفصل الحادي عشر


لم تكن (ليلى) وحدها السعيدة بوجود (حسن) ..بل كان هو الآخر يسعد بوجودها وبانبهارها عند رؤية ما هو غريب عنها وعن عالمها..كان يشعر أنه أصبح مصدرا لسعادتها،فبعيدا عن كونها ترى فيه صورة زوجها،كان هو الذي يعرفها بكل جديد..يريها الصور ويشرح لها تاريخ (غرناطة) التي لم ترها، وكيف أن الإسبان صاروا يقدرون الحضارة الأندلسية في هذه الأيام،وأن المسلمين يعيشون بحرية في (إسبانيا) ،سواء كانوا من الوافدين أو من أهل البلد نفسها..

كانت تلك المعلومات تسر (ليلى) بقدر ما تحزنها؛فقد تبدل الحال وصار أهل البلد بالأمس هم أقلية اليوم..


عندما يكون (حسن) في الخارج كانت تتربع أمام التلفزيون..ذلك الجهاز العجيب،كانت تتعجب كيف يعرض ما يحدث في العالم على قطعة الزجاج تلك،وخطر لها خاطر..لو رأى القشتاليون هذا الجهاز لحاكموا كل من بهذا المنزل بتهمة ممارسة السحر..


صدرت عنها ضحكة خافتة،خاصة عندما تخيلت أنهم سيصابون بالجنون عندما يجدون هذا الجهاز في معظم البيوت،قد يبنون زنازين جديدة لاستيعاب كل تلك الأعداد من المعتقلين..


كانت أيضا تتخيلهم وهم يسبون أهل الدار وقد ثارت ثائرتهم عندما يجدون بقية الأجهزة الغريبة..ربما لن يعتقلوا أحدا،بل سيعودون أدراجهم معلنين للملك والملكة أنهم فشلوا،وسيتركون عملهم للحفاظ على ما تبقى لهم من عقل ولحماية أنفسهم من كل ذلك السحر،وليس بعيدا أن يتركوا (غرناطة) بأكملها..


ضحكت مرة أخرى ثم وضعت يدها على فمها خشية أن يكون أحد ما قد استيقظ..تلفتت حولها ثم عاودت مشاهدة التلفزيون..كانت تمسك بيدها أداة التحكم عن بعد وقد تعلمت من (ملك) كيفية استخدامها فراحت تتنقل بين المحطات ثم توقفت عند إحداها..كانت هناك امرأة ذات شعر بني قصير تصيح وتولول كالثكالى..


" ولادنا اللي ماتوا في (سينا) يا دكتور (مرسي) ..فين حقهم؟ ..إنت رئيس الدولة والمسؤول عنها..قربت تكمل سنة في الحكم ومفيش حس ولا خبر..انت فاتح الباب عالبحري لـ (غزة) أهلك وعشيرتك عشان يموتو في ولادنا اللي هم مش من أهلك وعشيرتك وعشان كده مش هامك أمرهم "


تجعدت جبهة (ليلى) وقد اشمأزت من تلك المرأة التي تنعق كالغربان،ولاحت منها نظرة لأعلى يمين الشاشة لتجد ثلاثة أحرف غير عربية..غيرت المحطة ثم انتبهت إلى أن المرأة قد ذكرت كلمة (غزة) وأن هناك من مات..هل هناك حرب في (غزة) أيضا؟ ،وتذكرت ذلك اليوم عندما أخبرها (أحمد) أن اليهود قد أقاموا دولة على أرض (فلسطين) ..يا الله..ما هذه النكبات التي تتعرض لها الأمة الإسلامية! ..


اتكأت على الأريكة وقد شدت الشال الصوفي على كتفيها جيدا،وراحت تتابع ما يجري على تلك الشاشة..


بعد نصف ساعة فتح (حسن) باب الشقة بهدوء ليجد البيت مظلما إلا من ضوء خفيف،فأغلق الباب وأضاء المصباح الصغير الذي يعلو باب الشقة ليعطي إضاءة خافتة..دخل ليجد شخصا ما ينام على الأريكة المواجهة للتلفزيون المفتوح على إحدى المحطات..ظن أنها (ملك) فاتجه إليها وهو يقول بصوت منخفض:


- (ملك) ..قومي نامي جوة..

ثم اقترب وهزها من كتفها..
- (ملـ..) ..
ارتد عنها عندما وجدها ليست (ملك) ..كانت (ليلى) ..وقد غفت أمام التلفزيون..توقف للحظات لا يدري ماذا يفعل..تأملها وهي نائمة في هدوء..كان جزء من شعرها قد ظهر من تحت حجابها ليراه (حسن) ..أسود كالليل..كعينيها..

انتبه من شروده ثم أشاح ببصره بعيدا وهزها من كتفها بحذر هذه المرة كي تنهض..فتحت عينيها في كسل لترى وجهه،ابتسمت ثم اعتدلت في جلستها لينحسر الحجاب من على رأسها،فوجدته يشيح ببصره ويلتفت قليلا بجسده بعيدا عنها وهو يقول:

- قومي نامي جوة..هيك رح تبردي

انتبهت للهجته وتصرفه فتذكرت أنه (حسن) آخر..تلفتت حولها تبحث عن حجابها،ثم شدته على رأسها وقامت من على الأريكة وذهنها لا يزال مشوشا،ثم دخلت الغرفة دون كلمة أخرى..


لم تشعر بالحرج منه،ولم يفهم عقلها بعد كيف ولماذا تتستر أمامه،وكانت تجاهد لإقناع نفسها أنه ليس زوجها لكن الأمر لم يكن هينا..استلقت بجوار (ملك) ولم تفكر كثيرا،فقد غلبها النوم بسرعة..



* * *

- (حسن) ..خد (ملك) و (ليلى) وروحو شي محل،البنت ما شافت الشارع من يوم اللي إجت

نظرت إليها (ليلى) ثم إلى (حسن) ..
- طبعا..أكيد (ليلى) رح تنبسط..
ثم التفت إلى (ليلى) وهو يقول:
- مو هيك يا (ليلى) ؟
ابتسمت (ليلى) وأومأت برأسها إيجابا،ثم أنهت طعامها بسرعة ودخلت مع (ملك) لترتدي ثيابها.. ثم نزلت معها هي و (حسن) ..
- رح فرجيكي نهر (العاصي) يا (ليلى) ..أحلى نهر بنظري

كانت هذه هي المرة الثانية التي تخرج فيها من البيت،لكنها المرة الأولى نهارا..مشت معهما وهي تنظر إلى الشارع حولها..كانت هناك عبارات مكتوبة على جدران المنازل،استطاعت قراءة بعضها..


" الله أكبر عليك يا بشار "

" الله..سوريا..حرية وبس "
" بشارالكلب خائن عميل "
" الله يلعنك يا حسن نصر اللات "

فهمت أن هذه عبارات مناوئة للحاكم الظالم والذي يدعى (بشار) ،فيوميا تسمع دعاء أم (ملك) عليه..

كان هناك بعض المارة القليلون،ثم خرجوا إلى شارع آخر،وظلوا هكذا حتى وجدت نفسها أمام نهر كبير،وعلى الضفة الأخرى كان هناك الكثير من الأشجار ورأت جبلا يقف شامخا على مسافة ليست بالقريبة..ذكرها بجبال الثلج في (غرناطة) ،لكن جبال الثلج كانت بعيدة جدا..تذكرت نهر (حدرُّه) وقصر الحمراء..كانت كلما مرت على ذلك النهر رأته وهو شامخ كهذا الجبل..

- شو..عجبك المنظر؟

- كثيرا..
ثم التفتت إلى (حسن) وقالت:
- هل يمكنني النزول فيه؟
ابتسم (حسن) ونظر إلى (ملك) التي بدا على وجهها الحماس فقال:
- طيب تعي معي..
سارت الفتاتان بجوار (حسن) وهو يخبر (ليلى) عن هذه البلدة الساحرة..
- (دركوش) ..نحنا منسميها عروس (العاصي) ..لو شفتيها من فوق رح تشوفي شلون الجبال حاميتها بعد الله،ورح تشوفي كمان (العاصي) وهو بيمر بوسطها متل الزئبق..
الشجر دايما موجود على جوانب النهر،بس في بعض الأماكن رح تلاقي البيوت بتطل دغري عالماي..

ثم أشار لجهة ما وهو يتابع:

- في مكان بعيد شوي عن هون بتلاقي النهر بيفصلنا عن (تركيا) ..
والتفت إليها وقال وهو ينظر لها مباشرة:
- بلد العثمانيين
اتسعت عينا (ليلى) وقالت:
- لا زالوا موجودين؟
- الموجودين هلق هن الأتراك،أحفاد العثمانيين،بس اتغيروا كتير للأسف..
وتابع سيره وهو يواصل:
- رح احكيلك عن (تركيا) بيوم..
واصلوا المسير حتى وجدت نفسها قريبة من الماء..
- هلق تقدري تنزلي

نظرت له وعلى وجهها ابتسامة طفولية..خلعت نعليها،ورفعت عباءتها قليلا ثم نزلت..كانت تفعل ذلك في نهر (حدرُّه) ..واقشعر جسدها عندما تذكرت تلك المطاردة التي اضطرت فيها للنزول إلى النهر مرغمة..


كانت المياه باردة فانتابتها رجفة لكنها اعتادت عليها بعد قليل،انضمت لها (ملك) وراحت تمشي معها وهي تركل الماء بقدمها..عندما كانت صغيرة كانت تلعب مع أبناء أخوالها وأبناء عمومتها بهذا الشكل..لم يكن هنالك قشتاليون أو غيرهم..فقط أهل (غرناطة) الطيبين الذين لا هم لهم إلا أن يعيشوا بسلام..


كان (حسن) يتابع الفتاتين بعينيه وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة واسعة،وقد سره رؤية (ليلى) وهي تلهو مع (ملك) كطفلتين صغيرتين..


- (حسن) ..تعا معنا

نظر (حسن) إلى (ملك) التي كانت تلوح له بيدها،فأشار لها أنه لن ينزل فتقدمت إليه وهي تحاول إقناعه..

توغلت (ليلى) في الماء قليلا وأغمضت عينيها متخيلة نفسها في (غرناطة) ..تكاد تسمع صوت الأطفال يلعبون هنا وهناك..وتسلل إلى أذنيها صوت الأذان ففتحت عينيها لتسقط دمعة كانت قد تجمعت بين جفنيها..كان هذا الصوت يصدح خمس مرات كل يوم،قبل أن يحرمهم منه القشتاليون للأبد..


- (ليلى) ..اطلعي من الماي،بدنا نروح لنصلي

خرجت (ليلى) وقد ابتل طرف ثوبها وسارت معهما وهي تنظر إلى أشكال البيوت،كانت تختلف كثيرا عما اعتادت عليه،لكن هذا الاختلاف لم يعجبها،فبيوت الأندلسيين كانت أكثر جمالا..

دخلت مع (ملك) إلى مصلى النساء في أحد المساجد لأداء صلاة الظهر،ارتعد جسدها لذلك الصوت المجلجل في أرجاء المسجد..يا الله..آخر مرة دخلت فيها مسجد (غرناطة) كانت أثناء التعميد بعد أن تحول إلى كنيسة..شعرت بغصة في حلقها..كان ذلك اليوم مؤلما،فلم يكن أحد يعي ما يحدث وهم يتلقون ماء التعميد على رؤوسهم،وقد اختلطت دموعها بقطرات ماء التعميد التي تناثرت على وجهها، شعرت حينها بالخزي والضعف وهي تنهض والقس يرسم علامة الصليب عليها..


- الله أكبر الله أكبر

انتبهت على صوت الأذان الذي انتزعها من ذكرياتها القاسية..التفتت إلى (ملك) فوجدتها تنظر إليها لكن شفتيها كانتا تتحركان بالتسبيح،ثم قامت لتبدأ الصلاة..لم يكن هناك سوى ثلاثة نساء في المسجد بخلاف (ملك) و (ليلى) ،وقد اصطففن بجوار بعضهن البعض لأداء الصلاة..

وبعد أن انتهت الصلاة التقت الفتاتان بـ (حسن) ليعودا إلى البيت..

- (حسن) ..إمي بدها شوية اغراض
- قولي لشوف
وأملت عليه (ملك) ما تريد وهي تسير معه إلى إحدى البقالات القريبة..
- أهلين إستاذ (حسن) ..صارلنا زمان ما شفناك
سلم (حسن) على البائع وهو يقول:
- بتعرف الشغل وظروف البلد هالإيام
زفر البائع وقال:
- الله يزيح هالغمة
- آمين

وأملاه ما يريد ثم التفت إلى الفتاتين وقال وهو يشير للطاولة التي اصطفت عليها بعض العلب الصغيرة:

- شوفو شو بدكن من هون..
راحت (ملك) تفكر بينما (ليلى) لا تعرف ما هية ما ترى،فضحك (حسن) وهو يقول:
- خلاص لا تعذبي حالك،أنا رح جيبلك شي طيب..
ثم اتجه إلى ثلاجة ذات باب زجاجي و (ليلى) تنظر له بامتنان..أحضر أشياء مخروطية الشكل ملفوفة بورق ملون،ثم نقد البائع ماله وانصرف مع الفتاتين وهو يقول موجها كلامه لـ (ليلى) ويشير إلى الحقيبة البلاستيكية الصغيرة:
- رح يعجبك كتير

ابتسمت (ليلى) ..كانت تشعر أنه معلمها،ولكن لم العجب؟ فلطالما كان زوجها هو معلمها وحبيبها..شعرت بقلبها يخفق..أجل إنه حبيبها لكنها الآن مكرهة على التعامل معه كأي رجل غريب.. وكم كان هذا يؤلمها..


عاد الثلاثة إلى البيت وقد أحست (ليلى) بالانتعاش..ثم بدأت بمساعدة (ملك) وأمها في تحضير الطعام..وجاء (أحمد) ليتناولوا طعامهم جميعا ثم يحضر (حسن) الأشكال المخروطية ويقدم أولاها لـ (ليلى) ،لتتركها على الفور وهي تقول:

- إنها مثلجة
ضحك (حسن) وقال:
- إيه..هيك بناكلها..
ثم واصل وهو يمزق الغلاف الورقي ويقول:
- إسمها بوظة

أمسكتها (ليلى) مرة أخرى وفتحتها كما فعل (حسن) ،ثم راحت تراقبه وهو يأكل منها فنظرت إليها وقضمت منها قضمة..بدت الدهشة على وجهها وهي تستشعر مذاقا لم تعهده من قبل..

- طعمها غريب
- فيها شوكولا
- ماذا؟
قال (حسن) :
- هي ما بتعرفها يا (ملك) ..
ثم التفت إلى (ليلى) وقال:
- الشوكولا من شجرة إسمها الكاكاو،اكتشفها (كريستوفر كولومبوس) لمن راح للعالم الجديد
- (كريستوفـ..) ..
سكتت قليلا ثم قالت:
- تقصد (كريستوبال كولون)
- إيه صح..
وواصل:
- شاف ثمرة الكاكاو هونيك،بس واحد تاني هو اللي جابها لـ (إسبانيا) ،بعد سقوط (الأندلس) بخمسين سنة تقريبا

نظرت (ليلى) مرة أخرى للمخروط المثلج بيدها وهي تتخيل وجوه أطفالها هي و (عائشة) عندما يتذوقون هذا الشيء..دمعت عيناها لكنها جاهدت نفسها ومنعتها من التساقط..



* * *

بعد يومين..


في مساء بارد..كانت تجلس (ملك) و (ليلى) أمام التلفزيون،وفي المقعد المجاور لـ (ملك) كان يجلس (حسن) وبجواره (أحمد) ..

أخذ (حسن) جهاز التحكم من (ملك) وهو يقول:
- يا الله..أصابيعك ما بتتوقف أبدا..خلينا نشوف شي قناة
توقف عند محطة إخبارية ليصعقه المذيع وهو يقول:

" وقامت قوات الجيش السوري بقصف مدينة (قطنا) بـ (ريف دمشق) ،وأسفر القصف عن مقتل عشرة أشخاص،وأنباء عن وجود آخرين،كما اعتقلات قوات (الأسد) بعض مواطني البلدة و.. "


تجمدت أطرافه ولم يسمع بقية الكلام..ثم هب من مكانه وأحضر هاتفه المحمول وراح يضرب أزراره بتوتر..


- شو بك يا (حسن) ؟

نظر (حسن) إلى أخيه بنظرة يملؤها القلق،لتتساءل (ملك) هي الأخرى:
- شو في؟ ليش اتفزعت هيك؟

لكنه لم يسمعها وهو يسمع صوت الرسالة المسجلة على الطرف الآخر،تفيد بأن الهاتف الذي يتصل به مغلق..فسقط قلبه بين قدميه..




يتبع ...........


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-11-13, 05:59 AM   #14

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25




الفصل الثاني عشر


- ما الأمر؟
كانت هذه (ليلى) وقد توجست خيفة من ردة فعله عند سماعه الخبر،كما أن نظرات عينيه الزائغة لم تكن تنبئ بخير..

- (رسلان) و (محمود) هونيك
خرج صوته مبحوحا لتحملق به العيون الستة في صدمة..
- شو قلت؟
نظر (حسن) إلى (ملك) وقال:
- إن شاء الله ما يكون حصلن شي
- أخواتي هونيك؟ وإنت كنت بتعرف؟
- إن شاء الله يكونوا بخير يا (ملك)
- ليش ما قلتلنا؟ طيب..هن قالوا انهن رايحين عا (دمشق) ..ليش راحوا (قطنا) ؟

كانت تساؤلات (ملك) كالخناجر في صدر (حسن) ،وكانت (ملك) قد تملكها الانفعال وهي تقترب من (حسن) وتقول:

- شو كانوا عم بيساووا هونيك؟ قالوا شغل بس أكيد مو هاي الحقيقة
لم يقابلها سوى الصمت..فقال (أحمد) :
- (حسن) احكيلك شي كلمة
رن هاتفه المحمول فرد بسرعة من دون أن ينظر إلى اسم المتصل..
- آلو.. (عدنان) ..شو في؟ ..
وصمت قليلا لتبدوا الصدمة على وجهه ثم يقول:
- و (محمود) ؟ ..إنت متأكد؟ بركي عرف يهرب..طيب..طيب..خلاص مستنيكن

سقط قلب (ملك) في قدميها وهي تتوقع أسوأ الاحتمالات..استندت بظهرها إلى الحائط وهي تضع يدها على صدرها..

أنهى (حسن) المكالمة فقال (أحمد) :
- وينو (محمود) ؟ و (رسلان) منيح؟
رفع (حسن) عينيه إليهم وهو لا يدري كيف يخبرهم،لكنهم سيعرفون عاجلا أم آجلا..
- (محمود) ..
وازدرد لعابه وتابع:
- اعتقلوه

وضعت (ملك) يدها فمها بينما تمر بعض المشاهد الماضية أمام عيني (ليلى) لتشعر بأحشائها تتقلص..

قال (أحمد) محاولا أن يبدوا هادئا:
- و (رسلان) ؟
كانت (ملك) تعرف الإجابة قبل أن ينطق..
- استشهد
انهارت (ملك) على الأرض وقد انفجرت في البكاء وهي تردد..
- إنا لله وإنا إليه راجعون.. إنا لله وإنا إليه راجعون..

وانهمرت الدموع من عيني (ليلى) .. (رسلان) كان أول وجه رأته عندما قدمت إلى هذا المكان.. لماذا يحدث هذا لكل من له ذكرى طيبة لديها؟ ..التفتت إلى (حسن) وقلبها يخفق بعنف وكأنما يصرخ فيه..لا أريد أن أفقدك أنت أيضا..

أتت الأم إلى الصالة لتجد (ملك) تبكي والبقية صامتون،فتوجست خيفة مما ترى..
- شو في يا ولاد؟
الفتت إليها أعين الجميع ولم ينطق أحدهم..لكن دموع (ملك) و (ليلى) أفزعتها..
- ليش عم تبكو يا بنات؟ ..شو حصل؟ ..
ثم قالت بحذر:
- (رسلان) و (محمود) حصلن شي؟

علا صوت نشيج (ملك) ليمسك (حسن) بخالته ويجلسها على أحد الكراسي وهو يقول:

- ارتاحي يا خالتي
- (حسن)
تجنب النظر إليها وهو لا يدري كيف سيخبرها..
- أخي (رسلان) يا ماما.. (رسلان) ..قتلوه الكلاب




* * *

فتح (حسن) الباب وعاون زميليه في إدخال جثمان (رسلان) إلى البيت،الذي كانت به بعض النسوة من الجيران اللواتي قدمن لسماعهن صوت بكاء أم (رسلان) ..

انهارت الأم فور رؤيتها لوجه ابنها المخضب بالدم،وجلست بجواره وهي لا تكاد تصدق ما ترى،وقامت (ملك) بإحضار قطعة قماش مبللة ثم جلست بجوار أمها وراحت تمسح الدماء من على وجهه لتظهر ابتسامته جلية واضحة للناظرين..

لم تتمالك أمه نفسها وأقبلت عليه تقبله ودموعها تغرق وجهه الباسم،وتحولت دموعها إلى بكاء مرير،بينما الجارات يحاولن مواساتها وهن يبكينه..وطبعت (ملك) قبلة على جبين أخيها لتتسلل إلى أنفها رائحته الزكية،فاحتضنته وقد اشتد بكاؤها وهي لا تصدق أنها لن تراه مرة أخرى..


نظرت له أمه مرة أخرى من بين دموعها وهي تتذكر كل مراحل حياته منذ ولد حتى الآن.. تذكرت عندما كانت تعرض عليه خطبة الفتيات واحدة تلو الأخرى لكنه كان يقول لها..


" يا إمي أنا ما رح إتزوج من هون"

" لكان من وين يا إبني؟ "
فيبتسم وهو يقول:
" إن شاء الله رح تكون حورية من الجنة "

كانت صدمتها مزدوجة،ابن معتقل والآخر مقتول،فعلا صوت بكائها حتى بدا كالصراخ فقطعه (حسن) قائلا بحزم:

- خالتي..لا تصرخي هيك حرام..
أسكتها صوت (حسن) الباكي فتابع:
- ولا تبكي..
وواصل موجها كلامه للجميع:
- ما بدي حدا يبكي..إبنكن شهيد..المفروض تزغردو،إبنكن مات بطل،واليوم إن شاء الله رح يبات بالجنة..
بدأت (ملك) تزغرد والدموع تغرق وجهها ومن بعدها أمها والنساء واحدة تلو الأخرى..

أما (ليلى) ..فقد كانت تقف في أحد أركان الغرفة وهي تنظر للجسد المسجى على الأرض،وقد تذكرت أخاها الذي أحضره زملاؤه من حانوته مغشيا عليه،ليموت بعدها بأيام بسبب مرضه الذي لازمه منذ فترة..


ضمت قبضتيها بشدة وهي تضغط على أسنانها ودموعها تسيل في صمت..هي تعرف مرارة الفقد جيدا..تعرفها أكثر منهم جميعا..الزوج والأخ والأب..صدمات متتالية صفعتها بلا رحمة،وها هي تفقد شخصا آخر ارتبط في ذهنها بالشعور بالأمان..هو أول وجه رأته بعد هروبها من ملاحقيها..



* * *

شيعت جنازة (رسلان) بعد الفجر مباشرة وعاد الجميع منهكين من السهر والبكاء..

- خالتي قومي نامي
- ومن وين رح يجي النوم يا إبني
قال (حسن) وهو يربت على كتفها:
- سهرك ما إلو فايدة..قومي نامي حبيبتي..
ثم التفت إلى (ملك) التي كانت تسند رأسها على ظهر المقعد مغمضة العينين..
- وإنتي كمان يا (ملك) ..يلا قوموا ناموا
قال (أحمد) معقبا:
- إيه..يلا (ملك) ..يلا خالتي..
ثم قال لـ (ليلى) :
- (ليلى) ..ممكن تاخدي (ملك) عا أوضتها؟

قامت (ليلى) وهي تومئ برأسها وأخذت بيد الفتاة ودخلتا إلى الغرفة بعد أن ذهبت الأم إلى غرفتها..

- (أحمد) روح عاشغلك يلا مشان ما تتأخر
- لأ..رح ضل هون يمكن يحتاجو شي
- أنا جنبهن..
ثم تابع بصوت منخفض:
- لازم تروح لأن مصدر دخلهن الرئيسي انقطع هلق..لازم أنا وإياك نغطيلهن مصاريفهن
قام (أحمد) متثاقلا ثم خرج مشوش الذهن..قام (حسن) وأطفأ المصباح مكتفيا ببعض الإضاءة الخافتة التي تأتي من خلف الستائر المسدلة..سمع صوت باب غرفة (ملك) يفتح فوجدها (ليلى) ..

- بسم الله الرحمن الرحيم

- شو في؟
غطت (ليلى) رأسها وهي تقول:
- ظننت أنك خرجت عندما سمعت صوت الباب
- هاد كان (أحمد) ..
صمت لثوان ثم قال:
- (ملك) فيها شي؟
هزت رأسها وقالت:
- لقد نامت..

ثم قالت بعد تردد:

- هل أصنع لك طعاما؟
- لا..ما فيني آكل شي
- إذن سأعد لك الشاي
ودخلت إلى المطبخ ثم عادت بعد قليل وفي يدها صحفة عليها كوب من الشاي..
- يسلمو إيديكي..ليش عذبتي حالك؟
ابتسمت ابتسامة مرهقة وقالت:
- ولو..أنا ما عملت شي
التفت إليها وابتسم لأول مرة منذ ساعات وقال:
- والله وصرنا نحكي شامي
- كنت أريد أن أرى هذه الابتسامة..
اختفت الابتسامة من على وجهه لتحل محلها الدهشة فقالت (ليلى) وهي تشيح بوجهها بعيدا وقد شعرت ببعض الحرج:
- أعني..أردت التسرية عنك قليلا

ساد الصمت بينهما فتناول (حسن) كوب الشاي ليرشف منه ويدفئ يديه على جانبي الكوب.. أدارت (ليلى) رأسها إليه وراحت تنظر إليه على الضوء الخافت القادم من خلف الستائر..

- كنت تعرف مسبقا أنهما لم يذهبا لعمل كما ادّعيا
نظر لها ثم عاود النظر إلى كوبه وقال:
- إيه كنت بعرف..بس هن ما كذبوا،كانوا رايحين (قطنا) مشان يوصلولهن شحنة طحين،لأن كان فيه نقص في الطحين هونيك وما كان فيه خبز..بس قوات (بشار) الكلب حاصروا المكان من يومين وبعدها قصفوه..

تهدج صوته في آخر كلمة فأشاح بوجهه بعيدا لتمتد يد (ليلى) بتلقائية لتربت على ذراعه وتشد عليه..التفت بسرعة ناظرا إلى يدها لتسحبها وقد انتبهت لما تفعل..رباه..متى سينتهي هذا الارتباك الذي ألم بعقلها؟ ..

- آسفة..أنا..
سكتت..لا تدري ماذا تقول..
- لا تعتذري مرة تانية لهيك تصرفات..بعرف إنها مو مقصودة

أحست (ليلى) بالحرج الشديد،فظلت صامتة..لا تستطيع حتى الآن تصديق أن الرجل الجالس بجوارها ليس زوجها..إنه يشبهه في كل شيء،حتى طريقة كلامه وحركاته..

- و(محمود) ..ماذا عنه؟
- ما بنعرف شي عنه..من وقت اللي اعتقلوه انقطعت أخباره
- لماذا يحدث هذا؟ ..
التفت إليها (حسن) مستفهما فقالت:
- لماذا يحاربون إخوانهم؟ هم ليسوا محتلين ليفعلوا هذا
- بيعملو هيك لأن بدهن السلطة بأي تمن،وكمان اللي بيحكمو البلد وبإيدهن السلطة علويين،متل الأدارسة..شيعة يعني
- وهل أهل الشام شيعة؟
- لا طبعا نحنا مو هيك..أصلا خمسة بالمية ويمكن أقل كمان هن العلويين بها البلد،وللأسف هن يللي بيتحكمو في البلد،وبيحاربو أهل السنة..

صمت قليلا ثم تابع:

- الدين صار مُحارب في الدول الإسلامية يا (ليلى) ..إنتي كنتي في بلد فيها محتل بيطمس هويتها الإسلامية،نحنا متلكن بس الفرق إن اللي عنا هن أهل البلد..مو بس بـ (سورية) ..بكل الدول الإسلامية تقريبا،واللي بيحارب الإسلام هن المسلمين،فصار المحتل مو بحاجة ليدخل أرضنا لأن اللي بده إياه حصل..

(حافظ الأسد) الرئيس السابق قتله شي تلاتين ألف من الإخوان المسلمين بـ (حماة) ،بدعوى إنهم اغتالوا رجال مهمين وحاولوا يقتلوه هو شخصيا،وبغض النظر إن كانت هالروايات صح ولا لأ،ما كان فيه مبرر أبدا إنه يدخل (حماة) ويدمرها كلها ويقتل آلاف البشر بسبب بعض الأشخاص،كان بيقدر يكمش المتهمين ويحاكمهم بس هو كان فرعون من فراعنة الزمن..وإبنه بيكمل المسيرة..



- من هم الإخوان المسلمون؟

- هاي قصة طويلة،بس عموما هن ناس مضطهدين بكل زمان ومكان..كان أصل نشأتها زلمة إسمه (حسن البنا) ..
- اسمه (حسن) ؟

ابتسم (حسن) لملاحظتها التي لم ينتبه لها هو من قبل وقال:

- إيه.. (حسن) ..كان مصري،وبها الوقت كان الإنجليز محتلين (مصر) مع بقية الدول اللي احتلوها.. (البنا) كان من وهو صغير بيحب الدين وبيكره الاحتلال اللي نشر الفساد الديني والأخلاقي في المجتمع..فكانت دعوة (البنا) دعوة إصلاحية دينية شاملة لكل نواحي الحياة،ولهلق موجودين مو بس في (مصر) ..
- ولماذا هم مضطهدون؟

- لأن أي حدا بيهمه أمر الإسلام لازم يكون مضطهد،بس مو من الاحتلال هالمرة..الحكام اللي إجو بعد الاحتلال ما كان بدهن الدين يتدخل في كل شؤون الحياة،خاصة السياسة،وهاد يللي كان بده الاحتلال لهيك تركو هادول الحكام لأنهن على هواهن..والإخوان كانت أهم أسباب ظهور جماعتهن إنهن يساعدوا في إصلاح المجتمع..والإصلاح الديني أهم شي طبعا..وهاد كان سبب اضطهادهم هن وغيرهن من الجماعات الدينية..


وصار الدين في المدرسة كتاب صغير،وفي المسجد خطبة جمعة بتكون متراجعة من قبل حتى لا يكون فيها أي نقد للحكام أو تدخل في الأمور السياسية..وأي شخص بيدل مظهرو إنه متدين بيكون مشكوك في أمره..


- ماذا تقصد بأن مظهره متدين؟

- يعني لو مرأة منقبة أو زلمة بلحية متلا..أو حدا بيتردد عالمساجد كتير..

لم تصدق (ليلى) ما تسمع..ففي أكثر العصور ظلما في (الأندلس) لم يحدث وأن اضطهد الملتحون؛لأن كل الرجل كانوا كذلك،وكانت النسوة تغطين وجوههن،كما أن المساجد كانت جامعات لتعليم العلوم الشرعية وغيرها ولم يمنع منها أحد حتى النصارى واليهود..فهل أصيب الناس بالجنون؟ ..


حتى الخائن (أبو عبد الله الشقي) طلب من النصارى أن يتركوا للمسلمين حرية ممارسة الشعائر الإسلامية وهو يسلمهم مفاتيح (غرناطة) ،ولم يهن المسلمون ويُنزع الحجاب عن نساء (الإندلس) إلا بعد الاحتلال القشتالي..


- أحيانا تسمعي ناس بتقول إن (بشار) ما بيحارب الإسلام،بس بيحارب الإرهاب..طيب ليش بيهدم المساجد؟


- يهدم المساجد!

- إيه..هدم المساجد وقتل الأطفال والنساء والشيوخ والشباب،وحتى الأشجار والحيوانات ما سلمت من فساده

شعرت (ليلى) بأن هذا الزمن لا يختلف كثيرا عن زمنها،فالقتل والتشريد والاعتقال والاضطهاد هنا وهناك.. لكن متى ينتهي كل هذا؟ ..متى؟ ..




يتبع ...........


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-11-13, 06:04 AM   #15

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25


الفصل الثالث عشر


مر شهران على استشهاد (رسلان) واعتقال (محمود) ،ولم يعرف أحد أية معلومات عن الأخير.. وبدأت الحياة تنتظم إلى حد كبير في البيت الذي أصبح يقيم فيه (حسن) و (أحمد) بشكل دائم..
- (ليلى) ..هاد إلك
أخذت (ليلى) من (حسن) هاتفا محمولا بدا جديدا وقالت:
- شكرا..لكن..لماذا تعطيني إياه؟
- لأنك الوحيدة اللي مو معك موبايل،وأكيد رح تحتاجيه بيوم..
ثم تابع وقد حول بصره عمدا إلى الحاسوب:
- شلون رح إطمن عليكي يعني؟
ارتسمت على وجهها ابتسامة خفيفة ثم قالت وهي تقلب الهاتف في يديها:
- لكني لا أعرف كيفية استعماله
قبل أن ينطق قالت (ملك) وهي تجلس بجوارها:
- أنا رح علمك

نظر لها (حسن) بضيق لكنها لم تلحظ ذلك،فعاد ينقر على أزرار حاسوبه ثم قال وهو يشير إلى الشاشة:
- (أحمد) ..سمعت عن حركة (تمرد) ؟
- لأ..شو قصتها؟
- هاي حركة لسحب الثقة من دكتور (محمد مرسي)
اعتدلت (ملك) وقالت باستنكار:
- ليش؟ شو عملهن الرجال؟ كل شوي يطلعوا يحرقوا في البلد وهو ساكت كرمال الحرية اللي بيحكوا عليها..كان عاجبهن الفرعون يعني؟
قال (أحمد) :
- بس هو ما عمل شي،لا لبلده ولا إلنا ولا للمسلمين
قال (حسن) :
- ومن إيمتى وهادول العالم بيهمهن الإسلام يا (أحمد) ؟ ..صحيح في ناس بتتظاهر مشان حقوقها بس كمان فيه ناس ما بدها دكتور (مرسي) لأنه من تيار إسلامي
- صحيح معاك حق..بس لا تنسى إن الحياة صارت صعبة كتير،الزلمة فشل في إنه يحتوي بعض الأزمات

هنا تدخلت الأم ولأول مرة منذ بدء الحوار:
- لا يا إبني..لو كان فاشل ما كانوا عملوا كل هالمصايب،كانوا تركوه عاحاله ليعرف العالم كله إنه فاشل
قال (حسن) مستحسنا كلامها:
- الله عليكي يا خالتي..هيك الكلام المظبوط..
ثم تابع مضيفا:
- وأكيد إنت عارف إن (أميركا) هي المحرك الخفي للأحداث

كانت (ليلى) تتابع الحديث محاولة الإلمام بخيوط الموضوع على خلفية المعلومات التي عرفتها منهم ومن التلفزيون..لا تفهم لماذا يكره الناس من يريدون أن يقيموا الدين بين أظهرهم..لقد امتلأت سجون محاكم التفتيش بالمؤمنين الذين لا يرضون عن الإسلام بديلا،وكما عرفت من (حسن) أنه قامت ثورة من أهل (غرناطة) فيما بعد لاستعادة الحكم الإسلامي ودحر المحتل،لكنها لم تنجح للأسف..كان الناس يحاربون لأجل الحفاظ على الحجاب وحِلق تعليم القرآن،والحفاظ على المساجد من أن تتحول من دور عبادة لله إلى دور شرك به..

(مرسي) حاكم مصر كان يحارَب لأنه من الإخوان المسلمين،أو من التيار الإسلامي كما يُقال.. هذا التيار الذي يدعو للتمسك بالدين وترك عبودية الطغاة والتوجه لعبادة الله..لو رأى أهل (الأندلس) حال المسلمين اليوم لماتوا كمدا،وهم الذين بذلوا أرواحهم وتعرضوا لألوان من العذاب لرفضهم ترك دينهم..

انتفضت (ليلى) فجأة من مكانها وأسرعت إلى الحمام وهي تضع يدها على فمها،فذهبت خلفها (ملك) لترى ما بها..
- (ليلى) ..فيكي شي؟
خرجت (ليلى) من الحمام وقد بدا الشحوب على وجهها وهي تقول:
- لا تقلقي..ربما أصبت في معدتي
- طيب حبيبتي تعي ارتاحي بالغرفة،يمكن اتعرضتي لهوا بارد بعد ما اتحممتي

أدخلتها الغرفة ثم أعدت لها كوبا من النعناع الساخن،فشربته (ليلى) شاكرة ثم نامت لتتغلب على الدوار الذي انتابها..لكنها استيقظت من نومها بعد منتصف الليل،وهرعت إلى الحمام لتفرغ معدتها مرة أخرى ثم خرجت لتستند إلى الحائط وقد خطر في بالها خاطر مرعب..

بدأ جسدها بالارتجاف..لو أن ما تفكر به صحيحا فتلك مصيبة كبرى..أغمضت عينيها وبدأت دموعها تسيل،ثم أغلقت فمها بيدها لتمنع صوت بكائها المكتوم..

- (ليلى) ..ليش عم تبكي؟! ..

انتفضت (ليلى) وفتحت عينيها لتجد (حسن) يقف أمامها والقلق يملأ عينيه..رغم الظلام النسبي للمكان إلا أنها رأت ذلك..
- إنتي منيحة؟ شو بك؟
انتبهت على صوته فأحنت رأسها قليلا وقالت بصوت ضعيف:
- أنا بخير
- لأ..شكلك ما بيقول هيك..لازم نروح للدكتور ليشوف شو بك..
رفعت عينيها إليه مرة أخرى وقد تجمعت فيهما الدموع لتتساقط رغما عنها..إنها تعرف ما بها.. تعرف أنه ما من طبيب يداويها..
- (ليلى) ..
شعر بالخوف لما رآها على هذا الحال..وكادت يده أن تمتد لتمسح دموعها لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة..
- طيب طالما إنتي منيحة..ليش عم تبكي هلق؟
خفضت رأسها مرة أخرى ولم تستطع الرد،فماذا عساها تقول..نزلت خصلة من شعرها على جبينها فمدت يدها لترفعها لتنتبه إلى أنها تقف أمامه بلا حجاب..

- (ليلى) ..
التفت الاثنان على صوت (ملك) الناعس وهي تكمل مقتربة منهما:
- وينك؟ ..
ثم نظرت إلى (حسن) وقالت:
- شو في؟ ..
ظل الاثنان صامتان كتمثالين،ولكل منهما أسبابه..
- ولك إنت ليش ساكت؟
اندفعت (ليلى) إلى الحجرة ودموعها تتناثر،لتنظر إليها (ملك) ثم إلى (حسن) الذي رفع كتفيه مشيرا إلى أنه لا يفهم شيئا،فذهبت (ملك) وراءها ومن خلفها (حسن) ..توقف عند الباب ليهوله ما سمع..

- إنتي موجوعة يا (ليلى) ؟ طيب نشوف دكتور؟
رفعت (ليلى) رأسها لترى (ملك) دموعها التي أغرقت وجهها..
- لا علاج لما أنا فيه يا (ملك) ..لا يوجد علاج قادر على مداواتي
راحت (ملك) تمسح على رأسها لتفاجأ بارتفاع درجة حرارتها فقالت:
- حرارتك مرتفعة يا (ليلى) ..إنتـ..
قاطعتها (ليلى) :
- أنا لست مريضة..
سكتت لتبتلع مرارة الكلمة قبل أن تنطقها..
- أنا حامل!
تجمدت (ملك) للحظات ثم قالت ببطء:
- شلون يعني؟ ..إنتي مو قلتي إن زوجك مات من أكتر من سنة؟

روت لها (ليلى) ما حدث منذ اعتقال والدها وحتى الجرم الذي ارتكبه (أرماندو) ،وكانت تتوقف بين كل جملة تجاهد دموعها ثم تواصل،أما (حسن) فقد اجتاحته مشاعر شتى وهو يستمع لتلك القصة المؤلمة..المحتل والطاغية لا يتغيران في أي زمان ومكان،يستعملان الأساليب القذرة ذاتها في كسر أصحاب الحق وإذلالهم..كم من حرائر أوذين في (الأندلس) و (الشيشان) و (أفغانستان) و (البوسنة) و (فلسطين) و (العراق) و (ليبيا) و (بورما) وأخيرا وليس آخرا (سورية) ..

كان وقع كلمات (ليلى) على (حسن) كوقع الصواعق،وقد أحس بغصة في حلقه لشعوره بالعجز والمهانة..

يا رب نجنا من القوم الظالمين..


* * *

كان الحرج قد بلغ من (ليلى) مبلغه وهي تجلس مع (ملك) و (حسن) في انتظار نتيجة التحليل، أحست بالضيق عندما عرفت أنه سمع القصة،لم تكن تريد أن تتعرى أمامه بهذا الشكل،لكن في الوقت ذاته كان هناك إحساس خفي قد بدأ بالنمو داخلها دون أن تدري..

- مدام (ليلى يعقوب) !
انتفضت (ليلى) قائمة فأمسكت (ملك) بيدها لتعيدها لمقعدها بينما قام (حسن) وأخذ الورقة من الممرضة..ظل ممسكا بها لبعض الوقت،لكنه أعطاها لـ (ليلى) أخيرا..
أخذت منه الورقة دون أن تنظر إليه ثم فتحتها،لتقرأها (ملك) ويبدو على وجهها البشر..
- أول مرة إفرح لما أعرف إن حدا مريض
التفت (حسن) إليها بينما (ليلى) تنظر لها دون فهم،فأشارت (ملك) إلى الورقة وهي تقول:
- نتيجة التحليل سلبية..إنتي مو حامل،بس أكيد آخده برد ولا شي،لهيك رح نكشف عليكي عند الدكتور الباطني

رغم أن الخبر كان مطمئنا إلا أن (ليلى) لم تُسَر كثيرا،فمجرد تذكرها لتلك الحادثة كان كفيلا بتعكير مزاجها طيلة اليوم..فلم تسمع الطبيب وهو يتحدث مع (حسن) ويخبره عن الأدوية اللازمة لها..
- لا تخاف يا إستاذ،مدامتك رح تكون بخير إن شاء الله
ارتبك (حسن) بينما منعت (ملك) ابتسامتها حتى خرجت من حجرة الكشف..
- الزلمة مفكرها مرتك يا بيك
قالت (ملك) هذه العبارة وضحكت بينما نظرت إليها (ليلى) وهي تقول:
- من تقصدين؟
ضحكت (ملك) مرة أخرى وقالت:
- الدكتور مفكر إنك مرتو لـ (حسن)
احمر وجه (ليلى) وشعرت بقلبها يخفق بشدة..لكنها لم تنظر إلى (حسن) ..كانت تشعر بالحياء منه..لأول مرة! ..

دخل الثلاثة إلى البيت ليجدوا (أحمد) قد عاد..
- شو؟ خالتي قالت إنكن رحتوا عالمستشفى..خير
قالت (ملك) :
- ولا شي.. (ليلى) تعبت شوي،رحنا للدكتور وكتبلها شوية أدوية
أتت الأم إلى حجرة الجلوس وقالت:
- سلامتك حبيبتي..أكيد السمك يللي أكلتيه أول أمس تعبك شوي
صحيح..كيف لم تفكر في هذا الأمر؟ ..ابتسمت في وهن ثم استأذنت للدخول إلى الغرفة،واستأذن (حسن) بدوره ودخل لغرفته..
- شو بهن هادول؟
ردت (ملك) وهي تدخل إلى الغرفة لتبدل ثيابها:
- ولا شي..لا تشغل بالك

ودخلت إلى الغرفة لتجد (ليلى) تجلس على طرف الفراش دون أن تبدل ثيابها..
- (ليلى) ..لساتك متضايقة؟
وجلست بقربها لتفاجأ بـ (ليلى) تنهض فجأة وتندفع من الغرفة إلى الحمام،وبعد أن خرجت وجدت (أحمد) يقول وقد بدا على وجهه القلق:
- سلامتك يا (ليلى) ..ارتاحي ولا تتعبي حالك
نظرت إليه وابتسمت بوهن،لكنها لم تلبث أن تتحرك حتى سقطت على الأرض..
- يا الله.. (ليلى) .. (ليلى) ..
اندفعت نحوها (ملك) وراحت تربت على وجهها بلطف..
- حرارتها مرتفعة كتير
خرج (حسن) من الغرفة عندما سمع (ملك) ،ثم جلس على الأرض بجوار (ليلى) ليجدها قد فتحت عينيها..
- إنتي منيحة؟
هزت رأسها ثم قالت بوهن:
- لا تقلقوا..شعرت بدوار بسيط وحسب

كان قلب (حسن) يخفق كطبول الحرب..وقامت (ملك) بمساعدتها على النهوض ثم أدخلتها إلى الغرفة،وأعطتها الدواء ثم دثرتها جيدا وخرجت..
- عطيتيها الدوا؟
- إيه..
ثم قالت محاولة تلطيف الجو:
- إن شاء الله رح تتحسن..لا تخافوا
وقالت كلمتها الأخيرة وهي تنظر إلى (حسن) ،ثم دخلت إلى المطبخ وأحضرت ماء باردا ودخلت إلى الغرفة لتضع بعض الكِمادات الباردة على رأس (ليلى) ..

- مسكينة هالبنت والله..
قال (أحمد) هذه العبارة ثم تابع:
- أكيد كانت محتاجة لأهلها في هيك ظرف
تنهد (حسن) ثم قال:
- أكيد..
ثم واصل مغيرا الموضوع:
- تعا لنساعد خالتي،ما بيصير نتركها لحالها في المطبخ

كان الصمت يلف الغرفة و (ملك) تضع الكِمادات الباردة على رأس (ليلى) ،والذي كان يموج بكثير من الذكريات..منها ما هو جميل،ومنها ما هو سيئ..تذكرت عندما مرضت آخر مرة وأقبل أطفالها عليها..كم تشتاق إليهم،وتشتاق إلى أمها و (عائشة) ..

انحدرت دمعة من عينها لم تلحظها (ملك) بسبب الإضاءة الخافتة في الغرفة..الآن فقط تأكدت (ليلى) أنها ليست في عالمها،وهي تعرف أنها لن تعود،والسبب هو الحقير (أرماندو) ..

بدأت دموعها تنحدر واحدة تلو الأخرى،حتى بدأ جسدها بالارتجاف وعلا صوت بكائها..
- خلاص حبيبتي لا تبكي..الحمد لله شكوكك ما طلعت بمحلها..
ازداد بكاء (ليلى) ..كانت تبكي على كل شيء..كل شيء جميل تركته خلفها..كل شيء سيئ حدث لها..كل ما يحدث للمسلمين منذ قرون..

راحت (ملك) تمسح على رأسها لكن (ليلى) لم تتوقف..ازداد بكاؤها وعلا صوتها..يقينها بأنها ليست في حلم كان يمزقها،ولم تجد سبيلا للتعبير عن البركان الثائر في داخلها إلا بالبكاء..

اعتدلت في الفراش عندما شعرت بأنها لا تستطيع التنفس،ولم ينقطع بكاؤها المر،فأخذتها (ملك) بين ذراعيها وراحت تربت على ظهرها وهي تقرأ آيات من القرآن علّها تهدأ..

انتبهت أم (ملك) على صوت البكاء الصادر من الغرفة..
- يا ربي..هالبنت حالتها صعبة كتير..الله يهون عليها

وافقها (أحمد) على كلامها بينما (حسن) يشعر بقلبه يتمزق..صوت بكائها كان كالأسواط التي تجلده بلا رحمة..كم تحملت من مصائب..فقدان الزوج والأهل،والانفصال عن عالمها لتجد نفسها في مكان أسوأ..تحملت الذل لترعى أسرتها الصغيرة،ليكون جزاءها الاغتصاب..

غص حلقه عند هذه النقطة..ها هي تجربة مجسدة أمامه لمعاناة المئات من السوريات بل ربما الآلاف ممن انتهكت أعراضهن..كان يعرف أن سببا من أسباب بكائها المحموم الآن هو هذا الأمر، وخوفها مما حدث بالأمس بأن تكون حاملا من سفاح..

كان يريد أن يدخل إلى الغرفة ويخفف عنها..يريد أن يخبرها ألا تخاف؛فهو لن يسمح لأحد بإيذائها،ولو كان الثمن حياته..


* * *

تماثلت (ليلى) للشفاء لكنها صارت صامتة معظم الوقت..كانت بعض الجارات يأتين لزيارة أم (ملك) من حين لآخر،للاطمئنان عليها والسؤال عن (محمود) ،وكم كانت هذه الزيارات تسعد الأم الثكلى،بينما كانت تضايق (ليلى) بعض الشيء عندما تعلق إحداهن على طريقة كلامها،وتتساءل من أين أتت،فتجيبها (ملك) بأنها هاربة من (جسر الشغور) بعد القصف الأخير..

وكان (حسن) يبذل كل ما في وسعه لإخراجها مما هي فيه؛فصار يعلمها كيف تستخدم الحاسوب، وكيف تتصفح المواقع لمعرفة ما يحدث في العالم..

بعد العشاء وبينما (ليلى) تغسل الصحون دخل (حسن) منتهزا فرصة أن لا أحد معها في تلك اللحظة..
- (ليلى) ..
التفتت إليه (ليلى) فقال:
- ممكن إسألك سؤال؟
- طبعا
صمت قليلا ثم قال:
- لساتك شايفتيني زوجك؟ ..

توقفت عن العمل وراحت تنظر له بحيرة..لكنها أشاحت ببصرها وراحت تواصل عملها بيدين مرتجفتين..
- شو؟ لها الدرجة السؤال صعب؟
- لا..مو هيك
ابتسم كعادته عندما يسمعها تتحدث باللهجة الشامية،خاصة عندما تختلط بلهجتها الأصلية..
- لكان شو؟
- ما فكرت بهذا السؤال من قبل
- طيب خليني إسألك بطريقة تانية..لمن بتشوفيني،بتجي صورة زوجك عابالك ولا بتحسي إني حدا تاني..حدا غريب

انتبهت لهذا الأمر..بالفعل لم تعد تفكر كالسابق؛أصبحت تستحي منه على غير عادتها من قبل،لم تعد تتبسط في التعامل معه،لأنها أيقنت أنه غريب بالفعل..
نظرت إليه وقد اصطبغت وجنتاها بحمرة الخجل،ثم أشاحت ببصرها على الفور..حتى نظراتها اختلفت؛لم تعد تقو على النظر إلى عينيه مباشرة كالسابق..
- أنا..يعني..كيف بدي إشرح..يعني..
تلعثمها أكد له أنها لم تعد تفكر كالسابق..فابتسم ثم قال:
- خلاص لا تجاوبي..أنا عرفت الإجابة لحالي..
ثم تابع في همس:
- بتعرفي..بدي هلق روح لـ (غرناطة) ،ودور عابيتك يلي كنتي ساكنة فيه
نظرت له مرة أخرى وقد اضطرب قلبها..
- لماذا؟

قبل أن يتكلم..دخلت (ملك) إلى المطبخ:
- خلصتي يا (ليلى) ؟
انزلق الصحن من يدها لكنها أمسكته قبل أن يسقط على الأرض،فاتسعت ابتسامة (حسن) وقال:
- طيب..ما رح عطلكن يا صبايا
وخرج من المطبخ بينما (ملك) تقول:
- (ليلى) ..ليش خدودك حمرا؟!
أولتها (ليلى) ظهرها وقالت وهي تتابع العمل:
- لا..لا شيء
ابتسمت (ملك) وقالت في خبث:
- طيب..عاراحتك

وانقضى الوقت و (ليلى) تتحاشى النظر إلى (حسن) حتى أوت إلى فراشها..سمعت صوت أزيز هاتفها فأمسكت به لترى أن هناك رسالة لها..من (حسن) ..
تسارعت دقات قلبها ونظرت إلى (ملك) لتجدها تغط في النوم،فقامت من مكانها وفتحت النافذة ثم أخذت نفسا عميقا وفتحت الرسالة..


" أمر على الديار ديار (ليلى) ..أقبل ذا الجدارِ وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي..ولكن حب من سكن الديارا

عرفتي هلق ليش كان بدي روح عابيتكم في (غرناطة) ! .. "




يتبع ...........


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-11-13, 06:07 AM   #16

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25




الفصل الرابع عشر


لم تنم (ليلى) في تلك الليلة..ظلت تردد بيتي الشعر في عقلها مرارا وتكرارا،ورغم أنها تحفظهما عن ظهر قلب إلا أنها شعرت وكأنما تقرأهما لأول مرة..وظلت تتقلب في فراشها حتى نامت قبيل الفجر..

لكن اليوم التالي كان مختلفا..كان مخيفا..

أصيبت (ليلى) بالهلع عندما سمعت صوتا قويا كاد يصم أذنيها..
- ما هذا؟ من أين يأتي صوت هذا المدفع؟
- تركت (ملك) ما بيدها وقد أصيبت بالرعب هي الأخرى..
- هاد مو مدفع يا (ليلى) ..هاد صوت غارة..الله يستر
تكرر الصوت مرة أخرى لتقول أم (ملك) :
- يا رب..يا رب تمرق على خير هالمرة..
ثم استدركت:
- وينهن (حسن) و (أحمد) ؟

ارتاعت الفتاتان وأسرعت (ليلى) إلى هاتفها تنقر أزراره بأصابع مرتجفة أخطأت طريقها عدة مرات..وضعت الهاتف على أذنها وصوت قلبها يعلو على صوت رنين الهاتف في الجانب الآخر..

" (ليلى) ..إنتو بخير؟ .. "
أغمضت عينيها وقد سالت منهما الدموع..الحمد لك يا الله..
" (ليلى) ! "
انتبهت (ليلى) لترد بصوت باك:
- الحمد لله..نحنا بخير..أين أنت؟
" أنا جايي "
سمعت أصوات صياح حوله فقالت:
- (حسن) ..شو هالأصوات اللي عندك؟
" ولا شي..لا تخافي..نحنا جايين "
- أنتم؟

انقطع الخط قبل أن تسمع ردا..

- (أحمد) ما بيرد!
التفتت (ليلى) إلى (ملك) والتي كاد القلق يقتلها..وقبل أن تتحدث إحداهن سمعوا صوت انفجار جديد..ثم سكنت الأجواء بعدها،وبعد ربع ساعة تقريبا سمعت النسوة طرقا على الباب،فأسرعت (ملك) إلى الباب وجسدها كله ينتفض رعبا..
- (أحمد) !

صاحت (ملك) في ذعر عندما رأت (حسن) ومعه رجل آخر يسندون خطيبها كي يستطيع الدخول إلى البيت..

- لا تخافوا..أنا منيح
كانت ثياب الرجال الثلاثة مغبرة..
- شلون منيح يعني؟ شو اللي حصل يا إبني؟
ربتت (ليلى) على كتفها وقالت:
- هدي حالك يا خالتي..رح نعرف كل شي
انتهى (حسن) وزميله من ربط قدم (أحمد) لتقول (ملك) :
- شو حصل؟ قلي شو حصل يا (حسن) ؟
انصرف زميلهم الثالث ليقول (حسن) :
- طيب هدي حالك شوي..الزلمة قدامك متل الفرس
ثم ضربه على ساقه المربوطة ليتأوه (أحمد) ألما وتضحك (ملك) رغم الدموع المتجمعة في عينيها..
- بتضحكي يا (ملك) ؟ بس استني لطيب وأنا رح ورجيكي
ضحك الجميع وقالت أم (ملك) :
- شغلتونا عليكن..شو حصلكن؟

ارتمى (حسن) على أحد المقاعد وهو يقول:

- كنا قريبين من مكان القصف،بس الحمد لله ما حصل شيء
أشارت (ملك) إلى ساق (أحمد) وهي تقول:
- وليش (أحمد) هيك؟
ضحك (حسن) وقال:
- هاد مو من القصف..نحنا لمن سمعنا صوت الانفجار ركضنا،بس خطيبك الأبضاي طاح على الأرض وهو عم يركض،واتصابت رجله
انفجر الجميع في الضحك بينما (أحمد) ينظر إليهم في غيظ..


* * *

اقترب شهر رمضان ولم يجد (حسن) فرصة للتحدث مع (ليلى) ،خاصة أنها لم تكن تعطيه تلك الفرصة..كانت تخشى أن تظلمه..تخشى أن تقارن بينه وبين زوجها الراحل في يوم ما..


- (ليلى)

- بسم الله الرحمن الرحيم..ليش تختبئ في الظلام؟
- ما عرفت إتكلم معاكي،قلت لحالي استناكي هون بركي تطلعي من الغرفة هادي المرة
- كنت تنتظرني كل يوم؟
- إيه..كل يوم بعد ما بينام الكل..
وأخذ نفسا عميقا ثم قال:
- (ليلى) أنا بدي إتزوجك..

لم ترد..وأحست بالدماء تندفع إلى وجنتيها،محولة إياهما إلى جمرتين ملتهبتين..

- ما بدي رأيك هلق،فكري عامهلك،ومهما كان جوابك أنا رح إتقبلو..
كادت أن تتكلم..تخبره برفضها،لكنها لم تفعل لأنها كانت تريده..إلا أن تلك المخاوف كانت مسيطرة عليها بشدة..
- بشو عم تفكري؟
انتبهت من شرودها وقالت بصوت مبحوح:
- ولا شي..
ثم تنحنحت وقالت:
- معك حق..رح فكر
- ناطرك يا (ليلى) ..بس لا تتأخري علي


* * *

كان الصمت يلف البيت في ذلك اليوم..صمت ممتزج بالدهشة والصدمة..صمت لا يقطعه سوى صوت التلفزيون وهو يعيد الخطاب الذي بث قبل لحظات..مد (حسن) يده إلى جهاز التحكم عن بعد ليغلق الجهاز في عصبية وهو يقول:


- ماني مصدق..بهاي السهولة بيعملوها..بعد ما حسينا إن فيه أمل بالتغيير يعزلوه هيك؟

قالت (ملك) بصوت باك:
- شو كنت متوقع يعني؟ دولة العسكر انتزع منها الحكم بالقوة،وما قدرت تبعد عنه..
وبدأت في البكاء..
- ولك الله يلعنهن دنيا وآخرة
ربتت (ليلى) على كتفها وهي تقول:
- خلاص (ملك) ..هدي حالك
- شو بدو يصير هلق؟ رجعنا لنقطة الصفر..وكل الإسلاميين رح يعتقلوهن مرة تانية..شو عملولهن الإسلاميين؟ ..مشان بدهن يحكمو بشرع الله يكون هاد هو جزاءهن؟

التفت (حسن) إلى (أحمد) وقال:

- هلق فهمت إن الموضوع ما كان أزمات كهربا ولا بنزين؟ فهمت إنهن خططوا لكل شي حتى يلاقو حجة يعزلوه بسببها؟
- ما كنت مفكر إن الموضوع هيك..
ثم تابع:
- بس دكتور (مرسي) ما أخد قرارات حاسمة من البداية
- إيه أنا معك ما أخد قرارات حاسمة..بها الحالة المفروض تطلع المعارضة تقله شو الصح وشو الغلط مو تعزلو..وكمان..

سكت قليلا ثم قال وهو يشعر بالمرارة:

- هادول اللي تبع حزب النور..الله لا ينور طريقهن..بدل ما يساعدو الرجال يتحالفوا مع الشياطين ليشيلوه؟ مفكرين إنهن رح يصيرو بأمان؟ مفكرين إن الشريعة هيك رح تحكم؟ والله مو مصدق..هادول ما بيتعلموا من التاريخ..
ونظر إلى (ليلى) وهو يتابع:
- متل ما باع (أبو عبد الله الصغير) أبوه..باعوه الإسبان..بكرة رح يبيعوهن هن كمان..ما بيعرفوا إنهن ضحوا بالثور الأبيض والدور جاي عليهن

غص حلق (ليلى) عندما تذكرت تلك الذكرى السوداء..التاريخ يعيد نفسه مع اختلاف الشخصيات والأدوار،ولا يتعلم أحد أبدا رغم آلاف الكتب التي سطرت محن الأمم..وها هي الحريات تصادر، ويسجن الشرفاء،وتلفق التهم،تماما كما حدث في (الأندلس) ..ينقض الطاغية العهود والمواثيق فور أن يشعر بقوته وهوان خصمه..


ولم تمض بضعة أيام حتى استيقظوا على أول مشهد دامٍ في كنف حكم العسكر..ثم ظهر المشهد الثاني بعد أسبوعين في دراما مأساوية،امتزجت فيها أصوات الابتهال في جوف الليل من حناجر الآلاف في (رابعة) ،بأصوات القنابل والرصاص الذي يحصد الأرواح بلا هوادة..


ما الذي يحدث في العالم؟ ..لماذا اختلت الموازين؟ حتى موازين الظلم أصابها الخلل؛فبدلا من أن يكون المحتل هو المتصدر لدور السفاح،قام الحكام بهذا الدور ونجحوا فيه نجاحا منقطع النظير أبهر أعداءهم أيّما إبهار..فجيوش المسلمين التي كانت ترابط على الثغور تحمي حمى الديار،وتصد العدوان عن حرماته،أصبحت هي التي تنتهك هذه الحرمات،وتفتح الأبواب للعدو كي يعبث في بلادهم كيفما شاء..


وبدلا من أن يسمع المسلم صرخة أخيه فيسرع لنجدته،إذ به يغلق الأبواب في وجهه،فيتهمه بالإرهاب،ويغلق الحدود ويعيد العلاقات مع حكومات السفاحين،وفوق ذلك..يطرد من جاءه مستجيرا من الرمضاء فإذا بذلك المستجير يجد نيرانا تكاد تلتهمه،ويصبح بين مطرقة المحتل الداخلي وسندان الخذلان الخارجي..



* * *

صباح الثلاثاء..الثالث عشر من أغسطس..كان آخر عهد (ليلى) بمجازر (الأسد) ..


لم يكن (أحمد) قد عاد بعد من عمله،وكان (حسن) قد خرج لقضاء بعض الأمور..

- (ملك) ..ارتاحي شوي يا بنتي..ليش قاتلة حالك هالقد؟
- (أحمد) كان بدو ياكل يبرق من فترة،وقلت لحالي رح إعملو مفاجأة اليوم
ضحكت (ليلى) وقالت:
- يا بختك يا (أحمد)
نظرت إليها (ملك) وقالت بخبث:
- وفيه حدا تاني يا بخته..أول ما جاب سيرة الكسكس المغربي لقينا رفيقتنا قلبت المطبخ فوقاني تحتاني
احمر وجه (ليلى) وقالت مدافعة:
- مو هيك..حبيت تجربو أكلنا بس

ضحكت (ملك) وأمها فقامت (ليلى) وأخرجت الثياب من الغسالة وخرجت للشرفة هربا منهما، وبعد أن انتهت من نشر الثياب دخلت لمساعدة أم (ملك) في بقية أعمال المنزل..


فجأة سمعت النسوة صوت القنابل والرصاص مرة أخرى،لكنه كان أقرب هذه المرة..قالت (ملك) شيئا ما،لكن (ليلى) لم تسمعها فقد طغى صوت الانفجارات على أي صوت..ثم فجأة شعرت بشيء يصطدم برأسها وغابت عن الوعي..


بعد ساعتين تقريبا أفاقت على أصوات صياح وبكاء..حاولت النهوض من مكانها لكنها لم تتمكن من الحركة؛كان هناك شيء ثقيل يجثم عليها،ورائحة الغبار تزكم أنفها..سعلت مرة،وسعلت الثانية،ثم فتحت عينيها لتجد أنها في مكان مظلم،اللهم إلا من بعض خيوط الضوء التي تدخل من مكان ما هنا أو هناك..


حاولت الحركة ثانية لتشعر هذه المرة بآلام في أنحاء متفرقة من جسدها..


" في حدا هون..سمعت حدا بيسعل "

" همة معنا يا شباب إذا بتريدو "

ماذا يحدث؟! ..

سمعت أصواتا تطرق على تلك الأشياء الثقيلة التي تجثم عليها..بدأ شعور الألم يتضح أكثر فأكثر وتمكنت من تحديد بعض مواطنه..

اقتربت أصوات الناس الذين يتحدثون ويتصايحون،وأحست بالحمل الثقيل ينزاح قليلا،ثم فجأة غمر وجهها ضوء الشمس،فأغمضت عينيها وأدارت رأسها إلى الجهة الأخرى لتتجنب هذا الضوء القوي..


- إنتي منيحة يا آنسة؟

فتحت عينيها تدريجيا لتجد بضعة أوجه تطل عليها من الأعلى،وبعضها قد تغطى بالدم..لم تفهم بعد ما الذي يحدث..
- طلعوها يا شباب
تأوهت (ليلى) عندما أحاط أحد الرجال ظهرها بذراعه ليرفعها من بين الأنقاض..وراحت تئن وهي تشعر بألم شديد في ذراعها اليسرى..
- أين أنا؟
لم يسمعها أحدهم فقد كان هناك الكثير من الصراخ،كما أن صوتها خرج واهنا..راحت تسعل بشدة فقال الرجل الذي يحملها:
- لا تخافي..رح تكوني بأمان

بدأت تشعر بالدوار الشديد فأغمضت عينيها بقوة ثم فتحتهما..لترى في مجال بصرها رجالا يركضون هنا وهناك،يحملون نساء ورجالا وأطفال،ويهرعون من مكان إلى مكان..والدماء تغطي الكثيرين..

وقفز إلى ذهنها ذلك الحلم الذي رأته قبل أشهر في (غرناطة) ! ..هل يتحقق الآن؟ ..

دخل بها الرجل إلى مبنى سمعت فيه صراخ أطفال ونساء،ورجال يصيحون،ثم وضعها الرجل على الأرض..أدارت رأسها لتجد أطباء يركضون هنا وهناك،والدماء تغطي ثيابهم..ووجدت أحدهم يقبل عليها ويقول:

- شو إسمك؟
قالت بصوت واهن:
- (ليلى)
ثم سعلت..
- بشو حاسة؟
- أشعر أن..جسمي كله عم يوجعني
غطاها الطبيب وراح يفحص جسدها بسرعة..
- الحمد لله..ما فيكي غير كدمات

وتركها ليرى مصابين آخرين..حاولت النهوض واتكأت على ذراعها اليمنى ليهولها المنظر..عشرات الأجساد المسجاة على الأرض..لا تدري إن كانوا أمواتا أم أحياء..بعضهم يئن من الألم وبعضهم يشير بيده،وآخرون يرددون الشهادة..


كانت الدماء تغرق الأرض بشكل مخيف..وتذكرت أنها رأت مشاهد مشابهة في المحطات التلفزيونية عندما يكون هناك أخبار عن قصف مدينة ما..فهمت الآن ما يجري..يبدوا أن القصف تم هذه المرة فوق رؤوسهم..


- (ملك) !

تذكرت صديقتها فتحاملت على نفسها ونهضت رغم الآلام المنتشرة في جسدها..راحت تتسند على الجدار وهي تتحرك وتنظر يمنة ويسرة،وقد بدا لها المنظر مرعبا أكثر وهي تراه من موضعها.. وراحت تبحث عن وجه (ملك) بين الجرحى لكنها لم ترها..خرجت من المبنى وكادت تصطدم بأحد الداخلين إليه وهو يحمل فتاة غارقة في الدماء..

كادت (ليلى) أن تخرج من المبنى لكنها انتبهت إلى أن ثوب تلك الفتاة يشبه ثوب (ملك) الذي كانت ترتديه..فهرعت خلف الرجل الذي وضعها على الأرض ليأتي طبيب ويفحصها..

- (ملك) .. (ملك) ..استيقظي
- بتعرفيها؟
- أجل
حاول الطبيب إسعافها لكنها لم تتحرك،ولم تستجب..فصاح الطبيب لأحد زملائه:
- شهيد جديد
ونهض ليرى مصابا آخر..

اصطدمت الجملة بأذني (ليلى) وشلت حركتها..ظلت تحدق في الجسد الذي أمامها حتى جاء أحدهم وحمل (ملك) ليضعها بجوار الشهداء الآخرين..


جلست (ليلى) بجوارها وهي لا تصدق ما ترى.. أمسكت بطرف ثوبها وراحت تمسح الدماء من على وجه (ملك) ..إنها هي..كان لديها أمل أن تكون فتاة أخرى..لكنها هي.. (ملك) ..


كان جسد (ليلى) ينتفض بشدة ودموعها تنهمر دون أن تشعر..كانت في حالة من الذهول عندما سمعت صوت (حسن) ..

- (ليلى) ..الحمد لله إنك منيحة
نظرت إليه بعينين زائغتين..ثم نظرت إلى (ملك) ،وقد شعرت أن لسانها قد شل،فأشارت إليها ليصاب بالخرس هو الآخر،ثم يفاجأ بـ (ليلى) تمسك بيد (ملك) وهي تقول من بين شلالات دموعها:
- (ملك) ..تعالي معنا..أنت بخير

- (ملك) ! ..

التفت (حسن) ليجد (أحمد) يقف خلفه وهو ينظر إلى جثة خطيبته ثم ينفجر في البكاء..
- خالتي كمان ماتت يا (حسن)
قال (أحمد) هذه الجملة وجلس بجوار (ملك) وهو يمسح على شعرها ويبكي..أما (ليلى) فقد كانت تشد ذراعها لتترك عليه آثارا من دمائها وهي تردد ذات الكلمات..ثم تلتفت إلى (حسن) وتقول:
- لماذا لا تتحرك؟ ..
وعادت إلى الفتاة وهي تقول:
- سأذهب لأحضر لك طبيبا

وقبل أن تنهض صاح فيها (حسن) وقد أغرقت الدموع وجهه:

- (ملك) ماتت يا (ليلى) ..ماتت..ما رح ينفعها الطبيب
نظرت (ليلى) إلى (ملك) ثم انفجرت في البكاء،وألقت بنفسها على صدر الفتاة وصوت بكائها يتعالى..

جذبها (حسن) ليبعدها عن المكان فأمسكت بثيابه وهي تصرخ:

- لا تتركني أنت أيضا..لا تتركني يا (حسن) ..لا أريد أن أفقدك..
ثم ارتمت على صدره وأحاطت جسده بقوة وهي مستمرة في صراخها:
- أنت آخر من تبقى لي..لا تتركني..لا تبتعد
أبعدها (حسن) عنه برفق وراح يمسح الدماء التي كانت تغطي جبينها وهو يقول:
- لا تخافي يا (ليلى) ..ما رح اتركك..رح ضل جنبك..لا تخافي



يتبع ...........


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-11-13, 06:13 AM   #17

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Elk



خاتمة

في الطريق إلى (أنطاكيا) ..كانت (ليلى) تسند رأسها المضمد على كتف (حسن) ..تذرف الدمع حينا،وتحاول منعه أحايين أخرى..وكان (أحمد) يجلس بجوار أخيه..واجم الوجه..جريح الفؤاد..قد جفت مقلتيه من كثرة البكاء..


تهتز بهم العربة على الأرض غير الممهدة داخل الأراضي السورية،فتعتدل (ليلى) في جلستها وتصلح حجابها ثم تعود لوضعها السابق..

الصمت يخيم على العربة،لا يقطعه سوى صوت هدير المحرك وبكاء أحد الأطفال،لتضمه أمه وتربت عليه حتى يهدأ..

تذكرت عندما أخبرها (حسن) أن نهر (العاصي) يفصل بين (سورية) و (تركيا) ..رادوتها حينها الأحلام كي تعبر النهر وتذهب إلى (تركيا) ..أرض العثمانيين..لكنها لم تتخيل أن الأمر سيصبح قسرا وإجبارا في يوم ما..


بدأ الطريق يستوي وتظهر بعض اللافتات على الطريق مكتوب عليها بحروف لاتينية وعربية، وعلى جانبي الطريق كانت ترى المزارع التي تشير إلى أنهم قد شارفوا على الحدود التركية..


لاح من بعيد علم أحمر يتوسطه هلال ونجمة ذوا لون أبيض،وبعد دقائق توقفوا عند لافتة حمراء كبيرة بعرض الطريق،مكتوب عليها كلمات بحروف لاتينية..تحدث السائق مع الرجل الواقف أسفل تلك اللافتة ثم دخلت السيارة،ومضت في طريقها حتى وصلت إلى وجهتها التي كانت توليها من البداية..


- وصلنا بالسلامة يا شباب

نزل الركاب وأخذ كل منهم أغراضه وحقائبه من فوق العربة،ثم تحركوا مع البقية حتى وصلوا إلى لافتة حمراء أخرى بعرض الطريق..مروا من تحتها وبدأت إجراءات الدخول..
نظرت (ليلى) لتجد أمامها سورا حديديا كبيرا أحمر اللون تتوسطه بوابة،ويظهر من خلفه شارع واسع..كان حولها الكثير من النازحين الذين ينتظرون مثلها انتهاء إجراءات الدخول..

استقبلهم الجنود الواقفين على البوابة بالابتسام،في محاولة لبث الأمل في قلوب هؤلاء الهاربين من جحيم مستعر،قتل وأصاب منهم الآلاف..

كانت الخيام البيضاء مصفوفة بشكل منظم..ونظرت (ليلى) حولها لتجد بعض الأطفال يركضون هنا وهناك وقد تعالت منهم الضحكات..ابتسمت..رغم أن هؤلاء الصغار رأوا الأهوال،إلا أنهم لا زالوا صغارا يحبون اللعب رغم كل شيء..

- هاي خيمتنا يا (ليلى) ..

انتبهت على صوت (حسن) ..
- ادخلي ارتاحي لبين ما روح مع (أحمد)
دخلت (ليلى) ..كانت الخيمة صغيرة،لكنها نظيفة وبدت مريحة بعض الشيء،فجلست على الحشية الصغيرة الموضوعة على الأرض..ومضت دقائق من الانتظار حتى عاد (حسن) ..
- حمد الله على سلامتك حبيبتي
ابتسمت (ليلى) بوهن بينما يغلق (حسن) ستار الخيمة جيدا ثم يجلس بجوارها..خلعت حجابها ثم أراحت رأسها على صدره،وأخذ يعبث بشعرها بعض الوقت ثم أبعدها عنه برفق وقال:
- إن شاء الله ما بنطول هون،من شوي قلت لـ (أحمد) بدنا نشتغل ونخرج من المخيم،لأن فيه ناس ما بتقدر تشتغل وأكيد رح يحتاجو يعيشو بالمخيم أكتر منا
- معاك حق
- أكيد تعبانة..خلينا نرتاح شوي وبعدين منشوف شو رح نعمل

أطاعته على الفور فقد كانت منهكة من البكاء والسفر وكل شيء..نامت بجواره وهي تشعر بالحرج،لكنها ابتسمت وهي تفكر فيما حدث قبل يومين..كانت توقع عقد الزواج وهي لا تكاد ترى أمامها من كثرة الدموع التي كانت تهطل من عينيها كالمطر في يوم عاصف..لا تظن أن هناك من تزوج في ظروف كهذه في التاريخ..صدرت منها ضحكة فوضعت يدها على فمها بسرعة كي لا يستيقظ (حسن) ..


- بشو عم تفكري؟

- إنت ما نمت؟
- لأ..
ثم قال:
- من زمان ما سمعت ضحكتك
احمر وجهها قليلا ثم قالت:
- بفكر في زواجنا..كان غريب
ضحك هو الآخر وقال:
- كان لازم يصير هيك،حتى تكوني جنبي على طول،وأقدر دير بالي عليكي منيح
ساد الصمت لدقائق غزا فيها النوم عينيهما،فاستسلما له لعله يخفف عنهما بعض الآلام..


* * *

على ضفة (العاصي) جلس الثلاثة ينظرون إلى النهر العنيد،الذي أبى إلا أن يسير عكس التيار..

- أتعجب من حال الدنيا..
نظر الأخوان إلى (ليلى) ..
- في (غرناطة) كنا نهرب من أرضنا كي ننجو من بطش القشتاليين..وقتها كان العثمانيون يرسلون إلينا المساعدات التي لم تصل بسبب ظروف الحروب التي كانت مشتعلة في كل مكان تقريبا..
سكتت للحظات ثم قالت وعلى وجهها ابتسامة:
- وكأنما أراد العثمانيون أن يردوا إلي اعتباري..استضافوني على أرضهم كما لو كانوا يعتذرون عما حدث قبل خمسمئة عام،رغم أن تقصيرهم كان غير مقصود

ضحك (حسن) وقال:

- شفتي قديش الدنيا صغيرة
قال (أحمد) مشاكسا:
- بالمناسبة..أنا بعرف رجال أصغر من زوجاتهم بسنة أو اتنين ويمكن عشرة..بس ما شفت زلمة أصغر من مرتو بخمسمية سنة
ضحك (حسن) و (ليلى) بشدة ليقول (حسن) :
- والله ما خطر ببالي هالشي
وضحكوا مرة أخرى..
- صحيح يا (ليلى) ..انتي بتعرفي تحكي أسباني ما؟
نظرت (ليلى) إلى (أحمد) وقالت:
- بتقصد القشتالية؟ ..
أومأ (أحمد) برأسه فقات:
- طبعا..
ثم أردفت وكأنما تتذكر أحداثا بعيدة:
- انجبرنا نتعلم القشتالية،ونغير أسماءنا..متل كل شي انجبرنا عليه
قال (حسن) ممازحا:
- طيب خلاص..رح نشغلك سفيرة بالسفارة الإسبانية هون

ضحكت (ليلى) وواصلوا حديثهم الضاحك،في محاولة لطمر أحزانهم،لكن الزمن يأبى إلا أن يجدد تلك الأحزان والآلام..لكن هذه المرة كانت من مكان آخر..

كانت هناك بعض الأسر التركية تأتي لزيارة المخيمات من حين لآخر،لتوطيد علاقات الأخوة مع أولئك المكلومين والتخفيف عنهم..ولمح (حسن) شارة صفراء مثبتة على صدر أحد الرجال،لكنه لم يلق لها بالا إلا عندما وجد الكثيرين يعلقونها..

- شو هاي العلامة يا أخي؟

كان معهم أحد السوريين الذي يجيد التركية فقام بنقل السؤال للرجل..
- هذه علامة (رابعة)
- (رابعة) شو؟
رفع الرجل كفه وقد ضم إبهامه مشيرا برقم أربعة ثم قال:
- هذه العلامة تضامنا مع إخواننا في (مصر) ،بعد مجزرة (رابعة)

تبادل الثلاثة نظرات الدهشة ليروي لهم الرجل ما حدث في ذلك اليوم،لتظهر الصدمة على وجوههم..ها هم العسكر في (مصر) ينهجون نهج سفاح الشام شبرا بشبر..ولكن لم العجب..هذا ديدن الظالمين في كل زمن..يسعون دوما لإخراس الألسنة التي تصدح بالحق..


رغم كل شيء كانت (ليلى) تشعر بالتفاؤل..المسلمون يتضامنون مع بعضهم البعض ولو بأشياء رمزية،ورغم بعض الخونة والمقصرين إلا أن هذا الحماس الذي كان في عيني الرجل التركي بعث في داخلها أملا بالخلاص من الظلم..


كانت تستمع للرجل معجبة بهؤلاء الشباب الذين وقفوا في مواجهة الظلم،محتشدين في الشوارع يوميا..ينهال عليهم الرصاص كالمطر فيزيد إصرارهم على إكمال المسيرة،كما كان من إخوانهم في الشام من قبل،وفي كل مكان يبغي فيه أهله الحرية والعدل..



* * *

قبيل مغادرة (ليلى) و (أحمد) وزوجها للمخيم،وقفت تنظر إلى المكان حولها..انتابها شعور عابر بالحزن..كل هؤلاء ينتظرون العودة في يوم ما إلى وطنهم..إلا هي..

- شو؟ ليش واقفة هيك؟
التفتت (ليلى) إلى زوجها وقالت:
- ما فيني إرجع عابلدي..أنا صرت لاجئة وين ما روح
أحاطها (حسن) بذراعه وقال:
- بلاد المسلمين وطنك
قال (أحمد) معقبا:
- الحدود صنعها المحتل ليفرق بيناتنا..بالنسبة إلي..الحدود تراب
ابتسمت وقالت:
- صحيح المكان والزمان متغير..بس الأحداث بتتكرر..

نظر إليها (حسن) و (أحمد) مستفهمين فقالت:

- بيوم..أنا كنت في (غرناطة) ..كان الظلم والتهجير والعذاب موجود،وأول لما إجيت لهون وشفت الحريات اللي كنا محرومين منها في بلدنا،فكرت إني أخيرا اتخلصت من العذاب،وكنت شايفة إن صلاتي بأمان ووجود مصحف معي يهون بعده أي ألم..لكني كنت مخطئة..

وسكتت للحظات ثم قالت:

- لقد تركت (غرناطة الأندلس) بكل معاناتها،لآتي إلى (غرناطة الشام) ..وأجد معاناة أخرى،لكن على الطريقة الحديثة..
وسكتت مرة أخرى ثم تابعت:
- لكني واثقة بأن هذه المعاناة ستنتهي قريبا،ولن تكون هناك (غرناطة) أخرى..لا في الشام ولا في (مصر) ولا في أي بلد مسلم

والتفتت إلى الأخوين لتجدهما ينظران إليها وعلى وجهيهما ابتسامة أمل..وقال (أحمد) :

- إن شاء الله رح نرجع..نعمر (سورية) ونعيش بأمان
قال (حسن) موافقا:
- صح..وحتى لو ما رجعنا..إن شاء الله ولادنا رح يرجعوا ويجمعوا المسلمين تحت راية وحدة

هبت نسمة رقيقة داعبت وجوههم،وكأنما توافقهم فيما قالوه،وتنتظر معهم ذلك اليوم..



(تمت بحمد الله)


وللحديث بقية في المستقبل القريب بإذن الله..





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-11-13, 06:42 AM   #18

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Elk



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف حالك إن شاء الله دائما بخير ؟

***

عندما احن لمن احبهم ادعو لهم
اللهم اكتب لهم هذا العام من خيرك
ما لايخطر ببالهم

***

قراءة ممتعة لكم جميعاً......



شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-11-19, 02:46 AM   #19

توته مصطفي

? العضوٌ??? » 432747
?  التسِجيلٌ » Oct 2018
? مشَارَ?اتْي » 55
?  نُقآطِيْ » توته مصطفي is on a distinguished road
افتراضي

الحدود صنعها المحتل ليفرق بيناتنا..بالنسبة إلي..الحدود تراب
ابتسمت وقالت:
- صحيح المكان والزمان متغير..بس الأحداث بتتكرر..
متي يفهم المسلمون انهم اخوه ؟
متي يستقظ ضمير هذي الامه؟
متي تعود الشام وفلسطين؟
متي نتحرر من احتلال الصهاينه لبلادنا؟
سيكون ذلك كله إذا تعلمنا ديننا وتمسكنا به



رااااااااااائعه
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .


توته مصطفي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-21, 05:58 PM   #20

هاجر جوده

مشرفة منتدى الروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية هاجر جوده

? العضوٌ??? » 402726
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,915
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي tunis
?  نُقآطِيْ » هاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond repute
افتراضي

رواية راائعة جداا
تاثرت بيها كتير و احيي كاتبتها على هذه الحبكة
انها تجمع بين ازمنة مختلفة في قصة و تطرح قضاياهم و تاريخم بصورة ملخصة و مفهومة شي تستحق الشكر عليه ..
رغم الوجع في هذه القصة عن تاريخنا الاسلامي و وين كنا و كيف اصبحنا الان بين معاناة الشعوب و اضطهادهم
الا انها لم تبخل ببعث الامل ..
تسلمي لامار على النقل الجميل


هاجر جوده غير متواجد حالياً  
التوقيع
"وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم." ❤




رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
وغلا

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:30 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.