آخر 10 مشاركات
203 -حب من أول نظرة / سالى وينت ورث )(كتابة /كاملة **) (الكاتـب : Hebat Allah - )           »          روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          مستأجرة لمتعته (159) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          غريق.. بين أحضانك (108) للكاتبة: Red Garnier *كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          للحب, الشرف والخيانة (101) للكاتبة: Jennie Lucas *كاملة* (الكاتـب : سما مصر - )           »          الإغراء الحريري (61) للكاتبة: ديانا هاميلتون ..كاملهــ.. (الكاتـب : Dalyia - )           »          25 - أصابع القمر - آن ميثر - ع.ق ( نسخه اصلية بتصوير جديد) (الكاتـب : angel08 - )           »          ❤️‍حديث حب❤️‍ للروح ♥️والعقل♥️والقلب (الكاتـب : اسفة - )           »          ..خطوات نحو العشق * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : smile rania - )           »          [تحميل] إمــا "شيطـــان" أو شـخـص مــهـزوز الـكـــيان/للكاتبة Miss Julian(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-02-14, 08:36 PM   #11

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


كانت ياسمين تتحدث .. وفي عينيها تمتليء الدموع .. كانت تتكلم .. وحرارة
الكلمات .. تكاد تتصاعد من احتراقات الأحرف ..

وهنا أحس قصي بطيف حزين يمر أمام عينيه .. أحس كم هو يتعاطف مع ياسمين بحق ..
أحس كم هي ساذجة .. أحس كم هي مسكينة وصغيرة .. إنها حتى لا تعرف كيف تتصرف
.. إنها طفلة ..

نظر لها بإشفاق حقيقي وقال : أعلم ما تشعرين به ..
نظرت له ياسمين .. وقطبت حاجبيها وقالت : لا تقل مثل هذا الكلام .. حتى تظهر
لي أنك متعاطف معي .. حتى تستطيع أن تحصل علي .. أعرفكم أيها الشباب .. لكم
هذه الأساليب ..

حدق فيها قصي بدهشة .. ثم ضحك .. من أعماق قلبه ضحك ..
ضحك على نفسه .. هذه من المرات القلائل والنادرة التي يتعامل فيها مع البنات
بصدق .. ومع هذا تظن أنه يخدعها .. ترى ما الحكاية .. هل أصبح الناس يصدقون
الكذب .. ويكذبون الصدق .. أهذه الدرجة .. صار الصدق ضائعاً وسط الكذب ..

فنظرت فيه بعين حاقدة وقالت : لم تضحك ؟
توقف عن الضحك .. وقال بابتسامة : أنا آسف .. لم أكن أقصد ..
ولكن ياسمين كانت لا تزال حادة المزاج وقالت : الضحك من غير سبب قلة أدب ..
وبقدر ما يستطيع قصي أن يتعامل مع النبات .. إلا أنه لا يسمح لهن بأن يقللن
من قدره بأي طريقه ..

نظر فيها هذه المرة بقسوة لثواني .. حتى أشاحت ياسمين بنظرها .. وقصي لا زال
ينظر فيها .. ثم أخرج من محفظته خمسين ريال .. يغطي الطلبات ويزيد .. وتركها
على الطاولة .. وقال : لا أسمح لأحد أن يخاطبني بهذه اللهجة .. يبدو أني كنت
مخطئاً .. حين دعوت أمثالكم بأدب إلى قهوة ..

كان لا يهتم قصي للبنات .. بل لا مانع لديه أن يحطمهن .. بدون اهتمام .. إنه
ليس من ذلك الصنف من البشر الذي لا يعاقب الفتيات لأنهن فقط فتيات .. بل قد
يزيد في عقابه لهن .. لأنهن يعتمدن على ذلك .. بل ثق أنك سيضرب الفتاة التي
تمد يديه وبأقسى من ضربتها .. ولن يهتم لبشر أبداً ..

نهض قصي .. وخرج .. وتعكر مزاجه .. وراح يقول في نفسه : غبية ..
"لو سمحت .. لو سمحت" التفت قصي إلى الخلف .. ليجد ياسمين .. بعين مملؤة
بالدموع .. كانت تمسك بيديها .. وتبدو في حال مروعة ..

لم يتحدث قصي .. فقالت ياسمين بتردد : أنا .. أنا .. آسفة .. لم أكن أقصد ..
صار وجه قصي جامداً خالياً من المشاعر وقال : جيد أنك تأسفت ..
ثم تركها وذهب .. ولكن ياسمين لحقت به وقالت : لو سمحت .. لو سمحت ..
نظر لها قصي مرة ثانية .. وهذه المرة نزلت دمعتها .. ومسحتها بسرعة .. وقالت
وهي ترطب شفتيها بلسانها : أنا لا أعرف أحداً هنا .. ولا أعرف ما أفعل ..
وجوالي استقبال .. وقد استهلكت رسائل "اتصل بي" .. هل ممكن أن أتصل من جوالك
........... لو سمحت ..

نظر لها قصي مستعجباً .. يا لها من فتاة .. يا لها من ساذجة .. بل إنها
مسكينة .. كيف أُلقي بها في عالم الوحوش هذا .. بل كيف تركتها أمل تلك
الحيوانة بهذه البساطة ..

هدأت ثورة قصي .. وأحس بالألم لها .. أحس بالماضي الذي راح يعتصره كثعبان سام
.. وراحت نغمات حزينة تسري في روحه .. وراحت عينه تتقلص .. وزفرة حارة من
صدره تخرج لتنفث معها ألماً لا يحتمل ..

وصور تمر في رأسه سريعة .. الحديقة .. "أنا التي كنت ........ " .. ذهول كبير
..

شد قصي على قبضته بمنتهى العنف ..
ثم التفت إلى ياسمين بابتسامة أخت كل الجحيم الذي به وقال لها : هل تحبين الـ
Cinnamon ؟

فنظرت فيه ياسمين وقالت : ما هو هذا السينمون؟
ابتسم قصي وهي يستعجب من انغلاق هذه الطفلة الكبيرة .. التي لم يلوثها جنون
الحياة العصرية .. ثم قال لها : سأريك إياه الآن ..


وبعد دقائق .. كان قصي مع ياسمين وفي يديه علبتين من حلوى القرفة ذات النكهة
الشهية .. جلسا في الطاولة الموجودة أمام المحل .. ثم وضع قصي علبة أمامها ..
ثم فتح علبته .. وقال لها : وكيف سوف تتصرفين مع أحمد؟

نظرت فيه وقالت : ألست غاضباً مني ..
أخذ قصي أول قضمة من الحلوى وقال : لقد اعتذرت .. وبما أنك غريبة من جدة ..
لن أستطيع أن أتركك وحدك .. ليس قبل أن تأتي ابنة خالتك .. تلك تحتاج إلى
تأديب ..

ابتلعت ياسمين ريقها وقالت : لم ؟
فقال قصي : كيف تتركك مع رجل غريب .. قابلته لتوها .. من أجل أن تذهب مع فتى
آخر .. هذه حقارة ..

لم تستطع ياسمين أن تدافع عن ابنة خالتها أمام قوة شخصية قصي .. واكتفت
بالصمت ..

نظر لها قصي وقال : هل تحبين أحمد؟
قالت ياسمين وهي تنظر في العلبة إلى الأسفل : لا أعرف .. لم أحس بأن هناك من
يهتم بي هكذا من قبل ..

ثم التفتت إلى الناحية الأخرى وقالت : أريد أن أرجع إلى المدينة .. وأنا لا
أعرف كيف سوف أتصرف .. ولا أعرف ما أفعل .. ليس لدي من أستشيره حتى .. وأمل
تقول لي بأن أنساه .. ولكنها لا تشعر بما في .. أحس أني وحدي جداً ..

أغمض قصي عينيه .. وكأنما أصابته هذه الفتاة في الصميم .. كم يكره قصي هذه
الكلمة .. وحدة .. كم يحس بها تقتله .. كم يحس بها كحمض يغزو كيانه ..

نظرت فيه ياسمين مرة أخرى وقالت : لا أعرف لم أقول لك كل هذا ..
ثم راحت دموعها تقطر من عينيها ..
نظر قصي إليها .. وهو يحس بإشفاق بلا حدود .. إلى هذه المسكينة .. التي
ابتلاها الله بقريبة مثل أمل ..

مد قصي لها منديلاً .. فمسحت ياسمين دموعها .. ثم أحست بنكهة ساخنة قريبة من
أنفها للقرفة تندفع وبقوة ..

نظرت .. فإذ بقصي يفتح لها العلبة .. ويمد لها شوكة مبتسما وهو يقول : كلي
قبل أن تبرد الحلوى .. إنها لذيذة ..


المشكلة أنهما أمام كل الناس .. دون أي مشاكل .. لقد بات من الصعب .. أن يعرف
الواحد منا من يمشي مع أخته .. ومن يمشي مع صديقته .. ربما الزينة الزائدة عن
حدها تعتبر أول دليل على مثل هذا الفجور ..

مشكلة أن يأمن كل من الشاب والبنت .. أنهم بعيدون عن العقاب .. مشكلة .. أن
يقر المجتمع على مثل هذه الظاهرة .. دون أن يكون هناك رادع ..


نظر فيها قصي .. وهو يضع الشوكة البلاستيكية في فمه وهو يقول : ما بك ؟
نظرت فيه ياسمين وقالت : أنا خائفة ..
فقال قصي : مم ؟
ضمت شفتيها .. وحركتهما ثم وقالت وهي تنظر للأسف : منك ..
لم تبدو الدهشة هذه المرة على وجه قصي .. فهو الآن يعلم من هي هذه الفتاة ..
يعلم أنها أنثى .. لم تتقذر .. لا زالت فاكهة طازجة .. ليست لها الخبرة في
التعامل مع جنون الحياة ..

ثم قال لها : ياسمين .. لست بحاجة أن تخافي .. فأنا لن أؤذيك ..
حدقت فيه ياسمين وقالت : ولم أصدقك ؟
ابتسم قصي وقال : ستصدقيني يا ياسمين .. وأنا أعدك .. لأني لن أخدعك .. ولن
أكذب هذه المرة .. وسأكون بجوارك ..

نظرت فيه ياسمين وهي لا تفهم .. لم تفهم .. أن الخبير سيكون معها ..

لقد قرر قصي .. أن يساعد هذه الفتاة .. لقد قرر قصي .. أن يلعب دور المصلح
هذه المرة ..

لقد قرر .. أن يخلصها من تفاهتها .. لتعرف كيف هي الحياة تمضي .. بعيداً عن
هذا الوحل .. بعيداً عن الحياة الملعونة .. بعيداً عن شياطين الإنس .. بعيداً
عن مواخير الأسواق .. والمطاعم .. وأن يلقن أمل تلك .. درساً لن تنساه في
حياتها .. حتى تتوقف عند حدها .. وعن عبثها بالفتيات العاديات .. حتى
يشاركنها مستنقع الخطيئة ..


ترى ما الذي حصل ؟
وما الذي سوف يفعله قصي ؟

وكيف ستغير هذه التطورات في القصة ..


الخميس
16/رجب/1427
11:23 صباحاً


الجزء الرابع
الفصل الثاني


هذا هو قصي .. يجلس .. في غرفته .. وعلى مكتبه الجميل .. وهو يستمع إلى
الموسيقى عبر السماعات الكبيرة في أركان الغرفة .. بشيء من الاستمتاع ..
وكأنما الكون كله في مكان آخر غير ذلك الذي يجلس فيه .. والنغمات .. تدخل إلى
أذنيه .. وتنصهر في حوض روحه .. لتجعله سحابة بيضاء .. تسمو نحو السماء ..
دون قيود أو حدود .. ورائحة القهوة التركية التي يشربها .. تجعله في قمة
النشوة الفكرية ..


وراح يفكر .. في ياسمين .. تلك المسكينة .. تلك الطفلة التي ألقت بها الظروف
في يد شيطانة آدمية مثل أمل .. استطاعت بقوة شخصيتها .. أن تجعل ياسمين تسلك
معها في مزالق الخطايا ..

وراح يطالع كوبه الذي شارف على الانتهاء .. وعلى بقايا البن في قاع الكوب ..
التي تمايلت فوقها القهوة تجعل البن يتلألأ .. كما لو كان رمل الشاطيء في
الليل .. تقبله أمواج البحر ..


وراحت به الذكرى .. تأخذه إلى هناك البعيد ..
كل شيء له بداية .. كل قصة تخرج من نقطة .. كل حكاية .. لها منطلق ..
بالتأكيد لم يولد قصي ومعه هذه الخبرة .. ولم ينشأ مثل دون خوان أو كما
يسمونه الدنجوان .. بتلك المقدرة السحرية على إغواء الفتيات ..

بل مر بمراحل .. وتطور .. حتى أصبح قصي الذي هو عليه اليوم ..

راح قصي يفكر في إن تركت ياسمين مع أمل .. فإن هذا سيكون الطريق لتكون هي
الأخرى خبيرة ..

إلا أن المجتمع .. قد يتقبل الخبير .. ولا يتقبل الخبيرة ..
المجتمع .. قد يغفر الزلات للرجل ولا يغفرها أبداً لامرأة .. وتلك نظرية
خاطئة .. لا تتسم بأي مقدار من العدل .. ولكنها موجودة .. ومُعاصرة .. تجعل
الفتاة كما يعبرون عنها عود كبريت .. يشتعل لمرة واحدة ..


وراح قصي يحادث نفسه : ترى ما الحل؟
لا بد أن تكون الخطة الأولى .. أن يفرق بين أمل وبين ياسمين ..
نعم هذا هو أهم شيء في الموضوع .. بل إن هذا رأس الموضوع ..
ولكن كيف سيلقن أمل درساً لن تنساه .. كيف سيعلمها الأدب .. ويربيها من جديد
.. وهي عود كبريت محترق في نظره ؟ لا تهتم لشيء .. ولا يفرق معها شيء .. إنها
بالتأكيد .. لن تهتم كثيراً .. إن جعلها تحبه .. ثم تركها لغيره .. لأنها سوف
تجد في اللحظة التي تلي فراقه بها .. عشرة رجال آخرين ..

على كل .. لا تستحق هذا الفتاة .. أن يجعلها ضمن قائمة "الكلاب العشرة" ..
لأنها حتى الآن .. لم تفعل شيئاً كبيراً يدخلها تحت ذلك النطاق المرعب .. كما
أنه لتوه خرج من المستشفى .. وإن قام بذلك .. سيتعب جداً ..



حسناً .. ياسمين سوف تعود إلى أهلها بعد أسبوعين .. وترجع إلى المدينة ..
ولكن المشكلة .. أنها إن بقيت في يد أمل هذين الأسبوعين .. فلن ترجع ياسمين
.. التي يعرفها أهلها .. لقد خاضت لتوها وبسرعة تجربة حب سريعة .. أين ستلقي
بها أمل مجدداً ؟ إنه لن يسمح بهذا أبداً ..

لا يدري قصي .. لم هو مهتم لأمر هذه البنت؟ هل لأنه فقط قرر أن يساعدها ..
وبذلك .. فرض على نفسه واجباً .. لا بد أن يفعله على أتمه .. أم لأنها تذكرها
.. بذلك البعيد؟

على كل لا يهم كثيراً .. المهم .. أن ينتهي من هذا الأمر على الطريقة المثلى
.. وأن يحقق الهدف المنشود ..



إنه الخبير ..

رفع جواله .. وراح يبحث عن رقم ياسمين .. ثم ضغط بالعصا الصغيرة المرافقة للـ
i-mate واتصل عليها ..

وعندما ردت ياسمين .. قال لها : أهلا ياسمين .. كيف حالك ؟
ردت ياسمين : أنا .. بخير ..
ثم أحس قصي أنها تحاول أن تكون أكثر جرأة وقالت : كيف حالك أنت ؟
تجاهلها قصي .. وقال لها : هل أستطيع أن أقابلك اليوم في "جافا"؟
وجافا هذا .. مقهى .. مشهور بمثل هذه المواعيد الغرامية .. ويشتهر بقلة الأدب
.. إنه مكان .. غير لائق للناس المحترمين ..

ارتبكت ياسمين قليلاً .. ولكنها قالت : سوف أرى ..
ولأول مرة .. ينتظر قصي .. بحق أن توافق فتاة على مقابلته .. إنه يريد بها
خيراً هذه المرة .. ولن يحاول أن يلعب إحدى ألاعيبه المعتادة .. وبالتالي ..
لم يحاول أن يضغط عليها كثيراً .. ولكنه كان يريد لقائها ..


انتهى من مكالمتها .. ولكن لم تمضي أكثر من ثلاثة دقائق .. حتى ردت عليه
ياسمين .. وقالت له بأن أمل سوف تخرج مع عمار .. وسوف تتركها في التحلية مول
..

فقال لها : لا بأس سأكون هناك ..
وبعد ساعة .. كان في التحلية مول .. كان على غير العادة يلبس ثوباً أصفر
اللون .. عليه تطريز خفيف ولكن ينم عن ذوق أخاذ .. على ياقته وعلى الأكمام
المفتوحة .. وحذاء أسود فخم .. ذو قاعدة عالية .. وساعة جلدية .. تلمع الفصوص
الماسية على رباعية ثلاثيات أرقامها 3..6..9..12 ..

وبعد دقائق .. كانت ياسمين موجودة ومعها أمل .. وكأنما ذاتهما قبل أيام ..
نفس العباءة المزركشة ذات الوردة الفيروزية .. والأخرى ذات الخطوط الحمراء
القانية ..إلا أن ياسمين هذه المرة كانت تضع مكياجاً خفيفاً وتبدو بعض من
تقاطيعها الحلوة .. كانت ياسمين .. مبتهجة بعض الشيء .. إنها حماسة المقابلات
الأولى التي كان قصي يحفظ تفاصيل العروق التي تظهر فيها ..

أما أمل .. فكانت عيناها تبحث هنا وهناك ولا تستقر على شيء .. وكأنها تعرف كل
من في السوق .. يبدو أنها لم تترك مركزاً تجارياً .. إلا ودخلت فيه .. وحفظت
من فيه من الشباب .. إنه نوع من البنات .. يجبرك على احتقاره .. وعلى الخوف
من مسه .. حتى لا تصيبك بالنجاسة ..


ولكنها لما رأت قصياً هذه المرة .. كانت نظرتها له مختلفة .. كانت تنظر فيه
بقوة .. وهذا ما ابتسم له قصي في نفسه .. يبدو أن الغنى يروق لهذه الفتاة ..
ويغير في تفكيرها .. إنها إذن من ذاك النوع الذي لا يتوارى .. عن الطلب وبكل
وقاحة من أصدقائها من الشباب ما تريد .. كأنها حيوان رمّي .. يعيش متطفلاً
على بقية الكائنات ..

جيد .. هكذا .. سوف تسهل عليه المهمة أكثر بكثير .. لقد كان قصي يجرب مفاتيح
أبواب البنات ويبدو أن الحظ حالفه في المرة الأولى .. أو إن قلنا أنه صار
يخمن نوع الفتاة .. لكنا أقرب للصحة ..

وراحت أمل تتكلم معه على غير العادة .. وتفتعل الضحكات .. بطريقة مبتذلة ..
وقصي يبتسم في سخرية .. وفي عيون تخفي وراءه الكثير .. أما ياسمين .. فلم
تتكلم بكلمة .. ولكن الانزعاج كان واضحاً في عينيها .. وكأنما تقول بلسان
حالها : إنه لي .. فلم تتحدثين معه ؟

وبعد دقائق .. كان جوال أمل يصدر نغماته .. نظرت أمل في الجوال .. ثم قالت :
يوووووووه .. إنه عمار ..

سحبت إحدى شفتيها في انزعاج .. ثم التفتت إلى قصي وقالت : لا بد أن نتقابل
مرة أخرى .. ما رأيك في المرة القادمة .. أن نذهب سوياً إلى مطعم ما أو إلى
أي مكان تحب؟

ابتسم قصي وقال : ولم لا ؟
وبعد دقائق .. كانت أمل قد ذهبت وكانت ياسمين مع قصي .. خيم عليهم صمت لدقائق
.. فقال قصي : ما رأيك أين نجلس ؟

فقالت له ياسمين وهي تنظر فيه بعيونها الكحيلة : ألم تقل أننا نريد الذهاب
إلى "جافا"؟

نظر فيها قصي .. وابتسم بسخرية .. وقال : وأنت هكذا بكل بساطة تخرجين فيها مع
أي شاب بالسيارة إلى أي مكان؟

ارتبكت ياسمين ولم تعرف ما تقول .. ولكنها كانت تحدق فقط في قصي .. الذي قال
: كم مرة خرجت مع شاب في السيارة؟

قالت ياسمين بتردد : ولا مرة ..
بدت من قصي نظرة قاسية .. ممزوجة بقلق وهم .. إنها نظرة تلوح في أعين إخوتنا
الكبار حين يريدون منا أن نتعلم أمراً ما .. ثم قال لها : أتعرفين ما هو
"جافا"؟

فقالت له : مطعم .. أظن ؟
فقال لها قصي بغيظ : أيضاً لا تعرفين أنه في الأساس كوفي شوب؟! تعالي ورائي
.. يبدو أنك سوف تتعبيني كثيراً ..

مشت ياسمين من وراءه منصاعة .. لا تعرف كيف تتصرف .. قادها قصي إلى مقهى صغير
.. وجلس معها في الطابق الثاني بجوار النافذة التي كانت تطل على بهو السوق..
وطلب لها آيس تشوكلت .. وقهوة تركية بالطبع لها ..

كانت الطاولات مربعة .. قصيرة .. عليها مربعات بيضاء وبرتقالية باهتة ..
ويفصل ما بين كل جلسة وأخرى .. جدار قصير .. على حافته أصيص مستطيل عريض ..

وراح يتكلم معها وبدأ بهجوم مباشر: أبكل هذه البساطة تقبلين أن تخرجي مع فتى
؟ ألا تعلمين ما يفعله الأولاد بالبنات .. إن أي أحد يمكن أن يخطفك بكل
بساطة..

لم ترد ياسمين .. ولكنها اكتفت بالنظر لقصي الذي تابع : ثم ما هذه الخرابيط
التي تملأ وجهك ؟ تبدين كبنت قليلة الأدب .. تنتظر أن يرقمها شخص ما ..

ولكن ياسمين .. راحت تنظر بعيون مفتوحة على اتساعهما دون أن ترد بكلمة ..
وراح خط رفيع جداً .. يتلألأ على عينيها من الأسفل ..

فقال قصي : أأنت بلهاء لهذا الحد ؟
هنا .. نزلت الدموع من عيني ياسمين وقالت : لم توبخني هكذا ؟ ماذا فعلت لك ؟
انتبه قصي .. أنه قد أفرط وأثقل عليها .. ولكنه قال على ذات الوتيرة : إنها
الحقيقة ..

فقالت ياسمين .. وهي تدافع عن نفسها باستماتة : وكيف سأتعرف إذا؟
نظر لها قصي وقال : ومن قال أنك لا بد أن تتعرفي أصلاً؟
فقالت : كل البنات يتعرفن؟
فقال قصي : من الغبي الذي وضع في رأسك هذه الفكرة ؟
فقالت ياسمين : بلى كل البنات يتعرفن؟ أليست هذه الحقيقة التي لابد لي أن
أعيش بها ؟!

ثم راحت تنظر إلى الزجاج ودموعها تنزل وهي تقول : لن أبقى طوال عمري ..
والناس تقول عني بالصغيرة التي لا تفهم أي شيء ..

قال لها قصي : وهل بتعرفك على الأولاد .. تصبحين كبيرة؟ وتصبحين الفتاة
الناضجة .. انظري حولك جيداً .. وافتحي عينيك ..

وراح يشير لها بأصابعه إلى عدة فتيات وهو يقول : أهذه الفتيات المحترمات ..
يردن الترقيم؟ إنهن على الأقل لم يكتبن على وجوههن بالأصباغ .. والأحمر
والأزرق .. أنا هنا .. تعال ورقمني ..

ثم فرقع بإصبعيه .. وقال : استيقظي يا ياسمين .. وأفيقي من هذه الأفكار
الغبية .. وفكري في سمعتك .. فتاة .. فكري فيما يريده الشباب منك ؟ فكري في
العار الذي سوف تلحقيه بأهلك ..

نظرت له وقالت : إنك تتكلم مثل مدرستنا في المدرسة ..
قال لها وهو يبتسم بسخرية : يبدو أنك إذا لم تتعلمي منها جيداً الدرس .. يبدو
أنك تريدين أن تحترقي بنار العار .. حتى تفهمي الدرس جيداً بعد فوات الأوان
..

راحت تنظر فيه ياسمين وهي صامتة أمام كلمات قصي الحارقة ..
ثم قالت : ولكن أحمد كان يحبني ..
فقال قصي : ألا تفهمين بعد أنه يخدعك؟ كما يخدع الكثيرات ..
فقالت ياسمين : ولكنه لم يكن كاذباً ..
فرد قصي : لن تستطيعي أن تفرقي بين الصادق والكاذب هذه الأيام ..
ثم تابع قصي وهو يتكلم بجدية : ياسمين .. لقد قلت بأني سوف أساعدك .. ولذلك
أنا أخبرك الحقيقة .. أخبرك بما لن تسمعيه من الأولاد ..

فقالت ياسمين : ومن قال لك بأن تساعدني؟
فقال قصي بقوة : لأنك ستجلبين العار لأهلك .. لأنك سوف توغلين رأس أبويك
الذين وثقا بك في الوحل .. لأنك سوف تجعلين أقرب الناس لك لا يستطيعون أن
ينظروا في وجوه الناس من الخجل ..

وهذه المرة بكت ياسمين .. بكت هذه الطفلة الصغيرة .. كان قصي قاسياً .. كان
لا يرحمها .. ولا يبقي لها من الكلمات إلا ما يوجعها .. كان يوقظ فيها الضمير
النائم .. كان يوقظ في نفسها الفطرة السوية .. وضعت رأسها في بين يديها ..
وهي مستمرة في نزف الدموع ..

وكأن قصي يعرف أن أسلوب الصدام المباشر .. يخلخل الفكر .. ويوصل لحافة
الانهيار من المعتقدات السخيفة .. أسلوب قاسي ولكنه أحياناً فعال ..

جاء النادل السوداني وقال : هل من مشكلة ؟
فقال له قصي ليلهيه : أريد ماءً بارداً لو سمحت ..
وبعد قليل .. رفعت ياسمين رأسها من بين يديها .. فقال لها قصي بصوت دافيء:
حمام النساء من هناك .. تستطيعين أن تغسلي وجهك بالماء .. سأنتظرك ..

وكأنما ياسمين متعودة على السماع والطاعة .. ذهبت إلى الحمام .. وفي هذه
الأثناء .. لم يضيع قصي وقته .. فتح جوالها الذي كان من نوع الفارس .. وبدأ
يبحث بين الأسماء على أحمد .. ولكن عبثاً يحاول .. كانت كلها أسماء بنات ..

قال قصي في نفسه : يا لها من صغيرة خائفة ..
فتح قصي قائمة "السجل" .. بخبرة واعتياد على مثل هذه الحركات .. وحرك بالمؤشر
على اليمين .. وهناك ظهرت القائمة التي تحتفظ بكل المكالمات الصادرة والواردة
.. بكل التفاصيل الدقيقة ..

وراح يبحث عن الرقم الأكثر تكراراً في الأيام السابقة.. وضحك كثيراً عندما
كان أكثر رقم تكرر من المكالمات الصادرة : أسماء الزهراني وأمل .. طريقة
قديمة جداً لإخفاء أسماء الأولاد عن أعين المتلصصين .. ولكنها قديمة ..

سجل قصي هذين الرقمين .. وبعدها ترك الجوال كما هو .. وما هي إلا ثوانٍ فصلت
بين ترك قصي الجوال .. وبين خروج ياسمين ..

جلست ياسمين .. وهي لا تتكلم .. وتنظر بعيداً عن ياسمين .. فقال لها قصي : هل
تحبين الكتابة يا ياسمين ؟

نظرت فيه ياسمين وقالت : الكتابة؟
قال لها قصي مبتسماً : أجل الكتابة ..
فقالت ياسمين باستغراب : أبداً .. آخر شيء فكرت فيه في حياتي الكتابة ..
كان قصي يحاول أن يغير الموضوع .. إن هذه البنت طفلة .. بالفعل إنها طفلة ..
لا تجيد التصرف .. إن أقل هزة تقلب مراكبها .. وأي كلمة تذهب معها .. وتنسى
كل شيء قبله ..

واستطاع قصي في الخمس دقائق القادمة .. أن يغير كل شيء .. وأن يتبادل معها
حديثاً ودياً حول أمور أخرى .. عرف منها أنها تحب تنسيق الزهور .. ولكنها لم
تجد الفرصة المناسبة .. وراح قصي ينقل الحديث معها من وادي إلى آخر .. ووصل
معها إلى المكان الذي يريد .. وصل بها الحديث إلى بيتها .. وكما توقع تماماً
قصي ..

فياسمين .. تعيش في أسرة عادية من المدينة المنورة .. وتعتبر هي البنت
الثالثة .. في وسط عائلة مكونة من أربعة بنات وولدين صغيرين ..

عرف منها قصي .. أنها انعزالية منذ كانت صغيرة .. لا تحب الاختلاط كثيراً
بالناس .. وأن أبوها هو الذي ساهم في تعزيز هذه الشخصية الضعيفة .. بالجفاف
الأسري .. وانعدام الحوار بين أفراد العائلة ..

كانت ياسمين تحكي قصة آلاف البيوت السعودية .. وآلاف البنات .. الذين لم يجدن
أنفسهن .. ولم يجدن أحداً يسمعهن .. ولم يجدن إلا طريقة واحدة للتعبير عن
مشاعرهن وعن أحاسيسهن .. وليجدوا من يحتويهن .. ومن يعطف ويحن عليهم ..
ويلقون منه كلمة عذبة .. ويشاركهن أحلامهم ودموعهن ..

كشفت ياسمين عن حالة كلاسيكية لفتاة سعودية .. لم يجد أهلها التعامل معها
بالطريقة المناسبة .. فآلت إلى مهالك الأقدار ..

وبعد أن فاض بها الكيل من السخرية من أهلها ومن معارفها .. عن هدوءها .. وعدم
ملاحظة أحد لها .. وإحساسها بالعجز .. قررت أن تتغير .. واتخذت من أمل مثلاً
أعلى لها .. لتسير على خطاها .. كيف وأمل شخصية قوية .. تستطيع أن تغير رأي
عائلتها بعنادها .. ورعونتها .. وأحياناً بقلة أدبها .. ولكن ياسمين لم تكن
تفرق .. كل الذي كانت تريده .. أن تتغير .. أي شيء .. غير ياسمين الحالية ..


دام الحديث حوالي ساعة .. قبل أن تتصل أمل مرة أخرى على جوال ياسمين .. فقالت
لها بأنها سوف تقابلها عند أرماني ..

ولكن قبل أن تغادر ياسمين قال قصي : سأتحقق لك يا ياسمين من أحمد .. لنرى إن
كان يحبك أو لا؟

نظرت فيه ياسمين وقالت : وكيف ذلك ؟
فقال : اتركي هذا الأمر لي؟
نظرت فيه وقالت : شكراً يا قصي ..
ابتسم قصي ابتسامة ساخرة وقال : ولكنك سوف تصدمين صدمة عمرك يا ياسمين ..
فقالت ياسمين بتوتر : ولم ؟
فقال قصي : الحقيقة دوماً مرة يا ياسمين .. وقبل أن أتحقق .. فأنا أعرف
الحقيقة .. لأنها واضحة وضوح الشمس ولا تحتاج إلى تحقق .. ولكني سآتي لك
بالدليل القاطع .. حتى تعلمي أي درب تسلكين ..

قالت ياسمين : لا تستبق الأحداث يا قصي ..
فابتسم لها قصي ..

بعد ساعة .. كان قصي في كبينة تلفون يتصل على رقم معين .. رد من الطرف الآخر
.. صوت رجل وقال : ألو ؟

حاول قصي تبديل صوته وهو يقول : أحمد ؟
فرد الرجل بارتياب : نعم أنا أحمد .. من ؟
فأغلق قصي السماعة .. وابتسم .. وقال في نفسه : جيد .. قد وصلنا لك يا شيخ
أحمد ..


وفي المنزل.. وعلى سريره .. كان يمسك بجوال آخر من نوع سوني أريكسون .. وهو
يرسل رسالة إلى جوال أمل .. بكلمات عذبة رقيقة .. ولم يترك اسماً .. بل تركه
بدون اسم .. وبعدها بدقائق .. أرسل رسالة أخرى .. واستمر هكذا .. إلى أن أرسل
حوالي سبعة رسائل ..


ثم أغلق الأضواء ونام .. دون أن يفكر في شيء .. نام هذه المرة .. ولم تراوده
كوابيس اليقظة ..

وقبل الظهر بقليل .. استيقظ قصي .. وفتح عينيه .. نظر إلى مخدعه .. كان يعاني
صداعاً خفيفاً .. دخل الحمام .. واغتسل .. ثم خرج .. وصلى الصبح الذي فاته ..
وهو نائم .. ثم جلس على كرسي مكتبه وأجرى بعض الاتصالات على مدير مكتب أبيه
.. السيد ناظم ..

والسيد ناظم شخص يثق فيه قصي كثيراً .. فقد كان مديراً لمكتب والده منذ أكثر
من عشرين سنة .. بل إن قصي وعى على الدنيا وهذا الرجل موجود .. وأكثر ما يسعد
قصي .. أنه ينفذ الأوامر دون أن يسأل .. ولأنه يعمل في شركة أبي قصي العالمية
.. فإن له نفوذاً واسعاً .. وعلاقاته العامة في غاية القوة ..

وبعد ساعة .. كان قصي يستلم فاكساً طويلاً جداً للغاية ..

وعلى المكتب .. جلس يحتسي القهوة .. وهو يطالع ما بين يديه.. ويدون بعض
الأشياء في ورقة خارجية ..في شيء من الاهتمام .. كان يضع في فمه المحدد
الفسفوري .. في اهتمام بالغ .. وبعد ساعتين من التدقيق ..


تمطى قصي في كرسيه .. وجلس ينظر في الورقة الأخيرة .. التي كانت خلاصة عمله
.. ثم فُتحت عينيه على آخرهما .. وراح ينظر في قوة .. ثم قال : مستحيل ..
أيمكن أن يكون ؟!

ثم ضحك قصي .. ضحك بقوة بالغة .. وقال : هكذا .. تكون اللعبة أسهل وأحلى ..
هكذا .. تكون اللعبة أكثر روعة وجمالاً .. لم أكن أتوقع هذا أبداً .. بل من
كان يتوقع ؟

وراحت في عقله .. تتشكل خطة .. محكمة في قمة الإبداع ..
ترى ما الذي اكتشفه قصي ؟
ما الجميل الذي أسعده بهذا القدر ؟
وإلام يهدف قصي .. وفيم يفكر .. وهل سينفذ خطته المجنونة ؟
سنعرف كل هذا في الفصل الأخير من الجزء الرابع ..


اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-02-14, 08:37 PM   #12

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

6:13 صباحا
18/ رجب /1427 هـ
الجزء الرابع
الفصل الأخير
"ما رأيك ؟" نطق قصي بهذه العبارة .. قبل أن يرفع يديه .. ليرتشف ما تبقى من
كوب القهوة التركية اللذيذة .. وراح ينظر في نزار الذي اتسعت ابتسامته ..
ولاحت في عينيه تلك البقعة الداكنة السوداء والتي كانت عيباً خلقياً منذ
الولادة .. والذي قال .. وهو يحرك يديه : قصي .. ما بك ؟

لم يحرك قصي ساكناً من مكانة .. ولكن ابتسامته الساخرة راحت ترتسم على شفتيه
.. وراحت قطرة من العرق تنزل من على جبينه في هذا الجو الساخن على نهاية
السقالة في كبائن الكناري ..

ثم راح يطالع في البحر .. وقال : لا أدري يا نزار .. شيء غريب يحصل .. لم
يحصل هذا ؟ ولم أفعل كل هذا لهذه البنت .. لا أدري .. ولكن هذا ما جاء في
بالي ..

أخذ نزار يفرقع أصابعه ثم يقول : أنت كالعادة .. تخطط بشكل محترف .. وتصل إلى
النتيجة .. وهذه المرة .. أنا متأكد أيضاً أنك سوف تنجح .. ولكن لأول مرة ..
أراك تحاول أن تساعد بنتاً ..

هبت نسمة حركت القليل من ركود الهواء .. قبل أن يقول قصي : لا يهم كثيراً ..
فأنا لا أفعل هذا من أجلها .. وإنما لإرضاء شيء في نفسي ..

ابتسم نزار .. الذي تعود على شخصية قصي الغريبة .. التي يبدو أنها تعج
بالنرجسية .. ولكن أمثال نزار .. يعلمون أن قصي فعلاً يتصرف بحقيقية .. وأنه
لا يمثل دور القوة .. لأنه قوي بالفعل .. نفوذاً .. وثراءً .. وبدنياً حتى ..
وربما هذه الأسباب التي جعلت نزار يتمسك بصداقة قصي .. عوضاً عن تقدير قصي
لنزار .. وللصداقة التي تجمع بينهما .. ولكنه راح يفكر في نفسه ويقول : كم
أنت غريب يا قصي ..


كان قصي قد قضى يوماً في كبائن الكناري مع نزار .. لتغيير الجو .. ولأنه أراد
أن يركب الـjet .. ثم عاد في نفس اليوم إلى جدة .. ولمن لا يعرف .. فالكبائن
.. في منطقة تبعد عن جدة الآهلة بالسكان والناس والأسواق قليلاً .. وكأنما هي
معزولة .. بجنونها .. وخبثها .. ومساكينها ..


رجع قصي إلى جدة .. ودخل منزله .. وراح يطالع الجوال .. وعلى شفتيه ابتسامة
واسعة .. هذه هي الرسالة الثالثة من أمل التي تسأله فيها عمن يكون ..

ففي خلال الأيام التي مضت .. كان يرسل لها .. وكثيراً جداً .. رسائلاً من
مختلف الأنواع .. وكان يخبرها عن نفسها بحسب ما يعرف .. معتمداً على ما يسمعه
من ياسمين ..

وأما علاقته بياسمين .. كان فيها شيء مختلف .. كان يبدو كأب لها .. كأنه من
يعيد صياغتها من جديد .. كأنه يفتح عينيها على العالم القبيح .. وعلى
الشياطين الموجودة .. ويريها كم هو العالم أسود كالح .. يمتليء بنفايات بشرية
لا بد أن تحتمي منها ..



وفي يوم الأربعاء .. كان قصي يجلس مع ياسمين في مطعم بارنيز بالتحلية .. دخل
قصي وهو يلبس بنطالاً أسوداً .. وقميصاً قصيراً أزرق اللون .. وكانت معه
ياسمين بعد أن أوقفها سائق ياسمين جوار المطعم .. وكأن هذا المشهد يوضح أن
ياسمين تعلمت الدرس جيداً .. كانت عباءتها هذه المرة عادية .. ولم تضع سوى
القليل من قلم الحواجب ..


دخلت مع قصي المطعم .. وجلسواً هناك على طاولة في نهاية المطعم ..
وأخذ قصي يطلب الطعام .. ثم أخذت ياسمين .. تختار .. وبعد أن انتهى قصي من
الطلبات .. قال قصي للنادل : وأحضر لي بيبسي ..

فنظرت فيه ياسمين وابتسمت وقالت : لا .. لا تطلب بيبسي ..
فنظر لها قصي .. فقالت مبتسمة بخجل : إنه مضر بصحتك ..
ووقف النادل .. وقبض على يديه أمام وسطه .. ينظر بلا مشاعر .. أو أي تعبير ..
منتظراً من قصي أن يختار ما يشاء .. إنه لا يهتم لما يجري أمامه .. نظر قصي
إلى ياسمين .. وكأنه يحدق إلى مخ جمجمتها حتى يعرف بم تفكر هذه البنت .. ثم
ابتسم ابتسامته الساخرة .. ونظر إلى النادل وقال : إذا .. عصير ليمون
بالنعناع لو سمحت ..

كأنه ليس مستعداً للخوض في جدال سخيف حول البيبسي ومضاره ..
وبعد أن مشى النادل .. نظر إلى ياسمين .. وراح يفكر :
تباً .. يبدو أن ما كنت أخشى منه قد حصل .. يبدو أن البنت وجدت فيّ رجلاً
تحبه ..

إنها الطريقة التي يعبر بها الفتيات أحياناً عن حبهن .. لهؤلاء الأشخاص ..
إنها الطريقة التي يعبرون فيها .. أنهن يصلحن أن يكن أزواجاً بطريقة لبقة
ولطيفة ..

حتى في الآونة الأخيرة .. انتشرت هذه الظاهرة .. التي تقوم فيها البنت بإيقاظ
حبيبها على صلاة الفجر .. ليصلي .. حتى بات الأمر موضة ..

ابتسم قصي ولكنه راح يقول في نفسه مرة أخرى : سوف تجعلين الأمور صعبة يا
ياسمين .. وتجعلينني أستعجل كثيراً .. وأبداً .. لنهاية هذا الموضوع بأكمله
..


ثم نظر إلى عيني ياسمين وقال : ياسمين ..
فنظرت فيه ياسمين وقالت : ماذا ؟
نظر لها بعين ضيقة .. راحت تلمع عليها أضواء المكان وقال : لا تتدخلي في
شؤوني ..

نظرت فيه ياسمين قليلاً .. وأحست بجرح في داخلها .. وراح قصي ينظر فيها وهو
يقول في نفسه : اكرهيني .. نعم .. اكرهيني أكثر ..

ولكن ياسمين لم تتحمل .. وذهبت ببصرها إلى الجهة المقابلة .. وكأنها تنظر إلى
الناس ..

وبعد قليل .. كان النادل .. يحمل الأطباق البيضاء الواسعة المذهبة الأطراف ..
ويضعها على الطاولة .. بذلك الصوت الكلاسيكي لرنين الأطباق مع الشوك
والسكاكين .. صوت يسيل اللعاب قبل أن ننظر للطعام حتى ..

وكأنما كانت ياسمين منهمكة في الطعام .. ولكن قصي قال لها : هل تعرفين ما حل
بأحمد ؟

فنظرت له ياسمين باستفهام .. وراحت ترمش بعينيها ثم قالت : هل عرفت حقاً ؟
فابتسم لها قصي وقال : هل تريدين أن تري بأم عينيك ؟
راحت ياسمين .. تنظر في قصي .. وهي تحس في عينيه أمراً يخفيه .. ولكنه ليس
بسار بالتأكيد ..

ابتسم قصي .. وقال : غداً .. سأقابلك في كورال مول .. بعد صلاة العشاء ..

وبالفعل .. في اليوم التالي .. كانت ياسمين بعد صلاة العشاء في كورال مول ..
وكان قصي هناك أيضاً .. وراح يمشي معها .. وهو يبحث عن شيء معين .. فقالت له
: عم تبحث؟

ولكن يبدو أن قصي كان قد وجد المكان .. كان محلاً للعباءات .. دخل قصي مع
ياسمين .. ثم قال للرجل : هل لديك طرحة طويلة ؟

فقال الرجل : أظن أن لدي واحدة عريضة ..
فقال قصي : جيد .. أجل .. وأريد أيضاً عباءة مختلفة عن هذا النوع الذي تلبسه
..

وأشار إلى ياسمين ..
فقال الرجل : هناك أنواع كثيرة ..
فقال قصي : أريدها عادية جداً ..
فأخرج الرجل عباءة .. مطرزة بفراشات ذهبية على اليدين .. وفي الظهر أيضاً
تطريز بخرز بنفس اللون .. لفراشة كبيرة .. فنظر له قصي بسخرية وقال : هذه
عباءة عادية ؟

فقال الرجل وهو يعدل من نظارته الطبية : الكثير يلبسون مثل هذه العباءات ..
فقاطعه قصي باستخفاف .. ودون أن يهتم بكلامه وقال : إذا .. أريد عباءة محترمة
لمطوعة .. ربما هكذا .. تستطيع أن تفهم .. أني أريد عباءة عادية ..

حدق الرجل قليلاً في قصي .. ثم راح يبحث بين الأنواع وكأنما لم يسمع اللهجة
الحادة في نبرة قصي .. أو إن شئنا الدقة .. أنه تجاهلها لأنه يسمع الكثير
مثلها كل يوم .. وبعد قليل .. أخرج عباءة .. فيها خرزات سوداء لامعة في أطراف
العباءة السفلية .. وفي الأكمام .. فقال قصي : هذا أكثر شيء محترم لديك ؟

فقال الرجل : إنه نوع لا يلبسه البنات هذه الأيام ..
نظر قصي له باحتقار .. ثم قال : ضعها في كيس ..

وبعد أن خرج قصي من المحل .. نظرت فيه ياسمين وقالت : ما الذي تفعله ؟
فقال قصي بابتسامة : بقي شيئين آخرين ..
نظرت فيه ياسمين باستفهام .. ولكن قصي لم يعرها اهتماماً .. وكان هذا يزيد من
احتراق ياسمين .. التي كانت تمشي وراءه دون أن تفهم ..

وعلى نفس المنوال .. اشترى قصي لها حذاءً رياضياً عوضاً عن ذلك الذي كانت
تلبس وحقيبة يد .. ثم قال لها : أريدك أن تدخلي إلى حمام النساء .. وتبدلي
بهذه الأشياء الجديدة .. ولكن ياسمين توقفت وقالت : قصي .. ما الموضوع ؟ إنك
تسحبني من ساعة .. ولا تتحدث لي .. من حقي أن أعرف ؟

نظر لها قصي وقال : ألا تريدين أن تعرفي أين أحمد ؟ ألا تريدي أن تتكلمي معه
؟

حدقت فيه ياسمين قليلاً .. وكأن أصوات المارة من ورائها خلفية موسيقية لفلم
غامض ..

ثم أخذت من يديه الأغراض ودخلت إلى حمام النساء .. وفي هذه الأثناء .. رفع
قصي جواله السوني أريكسون وراح يبحث بين الأسماء .. إلى أن وصل إلى اسم معين
وأجرى اتصالاً .. استغرق قليلاً .. ثم أنهى مكالمته .. مضت بضع دقائق حين
خرجت ياسمين من الحمامات .. فقال لها قصي : أريدك .. أن تغطي وجهك كاملاً ..

نظرت فيه ياسمين وقالت : ولكن ..
قاطعها هذه المرة قصي بقسوة وبصوت عالٍ وقالت : ياسمين .. أطيعي دون مناقشة
.. وإلا فاذهبي .. ليس لدي وقت لأضيعه معك ..

نظرت فيه ياسمين .. بعيون مملؤة بالدموع .. وقالت : قصي .. أنا لم أقل شيئاً
.. فقط طلبت أن توضح لي .. لم يكن من الضروري .. أن تتكلم معي بهذه الطريقة
..

وراح قصي يكلم نفسه : أجل هكذا يا ياسمين .. اكرهيني .. أكثر .. وأكثر ..
ورغم أن هذا ما كان يصبو إليه قصي .. إلا أن مخرزاً .. كان يخترق قلبه ..
وكان يحس بألم .. كان يحس بأنين .. واحتياج لمن يفهمه .. ورغبة في الانفراد
بنفسه قليلاً .. ولكن لا بد أن يكمل للنهاية ..

لم يرد قصي على ياسمين .. وإنما اكتفى بالسير نحو السيارة .. وراحت ياسمين
تتبعه ..

وعندما وصلوا إلى السيارة .. قال لها : اركبي ..
ولكن ياسمين نظرت فيه وكأنما تقارن بين كلام قصي في البداية .. عن كيف تركب
مع رجل ما في سيارته .. وبين ما يقوله الآن ..

أما قصي فنظر فيها مستفهماً وقال : ماذا ؟
ولكن ياسمين .. لم تفكر .. وطردت كل هذه الأفكار .. وركبت في السيارة .. وركب
معها قصي ..

وبعد لحظات كانت السيارة تمرق في شوارع جدة ..
وداخل السيارة .. كانت ياسمين .. تحس بإحساس غريب .. كانت تحس بقلق رهيب ..
إنها لأول مرة تركب مع رجل في سيارته .. رجل أجنبي عنها .. لا صلة لها به
أبداً .. أحست أنها تكره نفسها .. ياه كم تتمنى أن تعود إلى المدينة الآن ..
كم تريد أن تكون في بيتها الآن .. بين إخوانها الصغار .. ما الذي سلكها في
هذا المنحدر؟ بل لم مددت إقامتها أكثر؟ وانسلت من تحت الطرحة دمعة ساخنة ..
تلوم بها نفسها على غباءها .. على اليوم الذي جاءت فيه إلى جدة .. كانت تحس
بخوف من هذا الرجل الذي معها .. وراحت خيالاتها تفعل الأعاجيب .. وتسرد القصص
المأساوية .. وتضع لنفسها العناوين في صفحات الانترنت : ضحية أخرى .. مأساة
ياسمين .. وازدادت ضربات قلبها حين وصلت إلى هذا الحد .. وانقبضت يدها على
الباب .. كأنها تقول لنفسها .. إن حاول أن يفعل شيئاً .. سأهرب .. كانت تظن
الأمر بهذه البساطة .. لم تكن تدري أنها إن حاولت فقط .. فسوف تموت حين تسقط
على الشارع .. وسوف تدهسها السيارات بلا هوادة ..

وربما هذا الشعور .. عززه طريقة تعامل قصي معها في ذاك الوقت .. وبالقسوة
التي كان يكسو بها عباراته ..

وبعد قليل .. كانوا قد وصلوا إلى شارع صاري .. ولاح مطعم تيمبورا الياباني ..
بلوحته السوداء والحمراء في أناقة .. أوقف قصي السيارة .. ثم قال لياسمين :
هنا يا ياسمين ..

نظرت فيه ياسمين .. فقال قصي : سوف يأتي أحمد هنا ..
فقالت ياسمين : وكيف عرفت ؟
فقال قصي : الليلة يا ياسمين ستفهمين ما قد تقضين سنوات طوال من عمرك لمحاولة
فهمه .. انزلي يا ياسمين وسوف أنتظرك .. قد يطول انتظارك .. وقد تجدينه عندما
تدخلين فوراً .. ولكن .. تحت أي ظرف .. ومهما حصل .. فلا تنزعي الطرحة .. إلا
حين يأتي أحمد .. هل فهمت ؟ تحت أي ظرف يا ياسمين .. مهما رأيتِ ..

فقالت ياسمين : حاضر ..
ونزلت ياسمين من السيارة .. ودخلت إلى المطعم .. وتوجهت نحو قسم العائلات
الذي كان على اليمين .. الذي كان دون حواجز ودون فواصل .. وكأنهم يقولون ..
سنبيح لمن يدخل ومعه نساء أن يكون في مكان يستطيع فيه رؤية نساء الغير طالما
يستطيع الآخرون رؤية نساءه ..

أستغرب بقوة .. ألا توجد حواجز بين الطاولات في كثير من المطاعم .. أم أن هذا
يعطي المطعم أفضلية .. ومظهراً حضارياً أكثر ..

إنما هو مظهر متفسخ أكثر لا غير ..
احتلت ياسمين مكاناً بعيداً .. وجلست تنتظر .. على الطاولات السوداء .. وراحت
تنظر في الستائر البيضاء الجميلة .. وما هي إلا دقائق .. حتى قدم لها النادل
قائمة الطلبات .. واحتارت .. فهي لم تأكد أبداً في حياتها طعاماً يابانياً ..
ولا تعرف أي شيء فيه .. فاتصلت على قصي الذي أخبرها ببعض أنواع السوشي ..

وجلست ياسمين وحدها تنتظر .. وراح الملل يتسرب إلى نفسها قليلاً .. ولم تعرف
ما تفعل .. وراحت تفكر في حياتها .. وفي المكان الذي وصلت إليه وإلى الحال
الذي آلت إليه ..

لا بد أن تنتهي من كل هذه الخرابيط .. مذ أتت إلى جدة .. وحياتها مقلوبة ..
حياتها رأساً على عقب في حال لا يعلم بحالها إلا الله .. ولكن ..

ثم نظرت إلى الأفق .. وكأنها تبحث عن سيارة قصي التي ذهبت .. وراحت في نفسها
تقول : أحس بحنين نحوه .. بل إني أحبه .. صحيح أنه يعاملني بقسوة .. ولكن لا
بد أن هذا في مصلحتي .. هذا مؤكد .. وإلا لم يهتم بي بهذه الطريقة .. وراحت
الأحلام والخيالات تداعب عقلها في رقة .. فابتسمت في نفسها .. ولكنها للحظة
تذكرت أحمد .. وضاعت في حيرتها .. ترى أيهما تحب هي؟

مشكلة حقيقية .. أن تتوهم الفتيات هذه العلاقات العاطفية .. لمجرد شعور
بالارتياح والاهتمام .. مشكلة حقيقية .. أنهن ينخرطن في هذه الحالة من السكر
.. من الضياع .. من الانسلاخ عن عالم الحقيقية .. في خيالات العاطفة ..
فياسمين مثلاً .. تاهت في أوهام الحب .. بين رجلين .. لم يكنا لها أي مقدار
من العاطفة .. ربما قصي قد كان في نفسه شيء من الشفقه عليها .. ولكنه قطعاً
لا يحمل لها الحب .. أو أي شيء من هذا القبيل ..

مشكلة أنهن يخترن فيما هو ليس في يدهن .. وفي النهاية يتهمن المجتمع بالخيانة
.. في حين أنهن قد خن أنفسهن قبل كل الناس .. وقبل كل شيء .. وكانت مشاعرهم
عبارة عن إحساس بسيط .. قاموا بتضخيمه .. وفي النهاية صار حباً من لا شيء ..


وبعد قليل .. جاء النادل .. ووضع طبقاً مصنوعاً من الخشب .. وعليه .. بعض
القطع الخضراء المستديرة .. في وسطها أرز .. وبعض السمك الذي لم تستطع ياسمين
أن تعرف ما هو ..

راحت تنظر إلى الطعام في غباء .. ولم تعرف ماذا تفعل .. وفي النهاية اتصلت
بقصي الذي قال لها بملل حقيقي .. ضعيه في فمك بيديك وامضغيه ..

كان واثقاً أنها لن تستطيع أن تتقن استخدام العصا .. وفعلاً .. تشجعت ياسمين
.. ودفعت باللقمة في فمها .. ثم راحت التعابير في وجهها تتغير .. وأغمضت
عينيها .. وبسرعة .. بلعت اللقمة .. وهي تحس بأسوء طعم في حياتها .. ثم نظرت
بقرف في الطعام .. وقالت في نفسها : سحقاً .. أهذا الطعام يؤكل حقاً ؟

أشارت للنادل .. وابتسمت من خلف الطرحة وقالت في سذاجة : أظن أن الطعام بارد
..

نظر لها الرجل بعين متهكمة وقال : إنه يقدم بهذه الطريقة ..
احتارت ياسمين ولم تعرف ما تقول .. ويبدو أن الرجل قد مر عليه الكثيرين من
الذين لا يروق لهم الطعام الياباني .. وقال لها : ما رأيك في أن أطلب لك
شيئاً تقليدياً .. تستطيعين تناوله ..

فقالت ياسمين وكأنها وجدت من ينقذها : أجل .. أرجوك ..
فقال لها الرجل : ما رأيك في النودلز ؟
نظرت فيه ياسمين مرة أخرى .. فابتسامة النادل وقال : إنها معكرونة تقدم
بالطريقة اليابانية .. ولكنها عادية ..

فقالت له بخوف : ألن تكون مثل هذه الأكلة العجيبة ..
فقال الرجل : اطمئني ..
وضعت ياسمين بعضاً من الماء .. وشربته بقوة .. عل ذلك الطعم المريع يختفي من
فمها وهي تقول : من يتناول طعاماً نيئاً؟

"نعم لقد كان رائعاً .. أرأيت التعبير على وجهها؟" كان هذا الصوت هو أول ما
لفت انتباه ياسمين .. رفعت رأسها وفجأة .. وجدتها : إنها أمل ..

راحت تحدق فيها .. وهي تحس بالدهشة .. ثم تذكرت وقالت في نفسها : أجل .. لقد
قالت لي أن عمار يعزمها على مطعم ياباني في كل يوم خميس .. هل يعقل أن تكون
مصادفة ؟ لا يهم سأذهب لأجلس معها .. سأتخلص من الملل أخيراً .. وعندما همت
بالنهوض .. جاء النادل بالنودلز .. ووضعه أمامها .. راحت تنظر فيه .. كانت
معكرونة .. عليها بعض البيض والخضار وقطع صغيرة من الجمبري ..

ثم راحت تنظر في أمل .. وهمت مرة أخرى بالنهوض .. وهنا رن جوالها .. رفعت
ياسمين السماعة .. " لا تتحركي من مكانك .. ابقي فيه .. وأكملي طبقك " كان
قصي يتكلم .. لم ترد ياسمين لبرهة .. ثم قالت : ولكن ..

فقالت قصي : ياسمين .. اسمعي الكلام .. ولا تدعيني أغضب منك ..
قالها بلهجة آمرة .. قاطعة ..
فقالت : حاضر ..
فتابع : وإياك أن تنزعي الطرحة .. كلي من تحتها كما أكلت السوشي ..
فقالت مرة أخرى بحقد : حاضر ..
وأقفلت السماعة ..
وراحت من تحت الطرحة .. تأكل النودلز .. وفي الحقيقة .. لم يكن هذا جديداً
على ياسمين .. التي كانت في المدينة تفعل هذا .. وكانت في أحيان تأكل من تحت
الطرحة..

وبعد أن تناولت بعضاً منه .. وضعت الشوكة في الطبق وراحت تفكر .. ترى ما الذي
يجعل هذا الطبق مختلفاً كثيراً عن الإندومي؟

هنا ارتفعت ضحكات أمل مع عمار .. اللذبن كانا في حالة من الانسجام .. وإن
الذي ينظر قليلاً .. يعرف أي واحدة هي أمل .. أو حتى عمار الذي كان شعره يشبه
سلك النحاس المنفوش .. نحيلاً إلى الحد الذي يجعله أشبه بتلك الأداة
البلاستيكية التي نغسل بها الحمام .. وتلك القلادات الغريبة التي في رقبته ..
مظهر حقير .. لإنسان تافه .. ولكنه موجود .. وعلى كل .. كلاهما يليق للآخر ..



وهنا حدثت الصاعقة .. التي كانت تنتظرها ياسمين ..
فتح الباب .. ليدخل منه أحمد بجسمه الممتليء .. وذقنه العريضة .. وسوالفه
الطويلة ..

نهضت ياسمين من مكانها .. وهي تحس بأنها ترتجف .. إنه أحمد أخيراً ..
ولكن المفاجأة التي لم تكن ياسمين بانتظارها .. أن أحمد لم ينتبه لها ..
طبعاً لأنها كانت خلف طرحتها .. ولكنه بدلاً توجه إلى طاولة أمل وعمار ..
وبدون مقدمات قال : أتعلمين أنك حقيرة .. وسافلة أيضاً ..

راحت أمل تنظر في أحمد .. والمفاجأة قد ألجمت لسانها .. حتى عمار لم يتحرك من
مكانه .. ثم نظر إلى عمار وقال : أترى هذه البنت .. إنها مجرد حيوانة ..

هنا اشتعلت الرجولة التي يخرجها الشباب من أجل المباهاة وحب إظهار القوة ..
ووقف عمار وقال : ماذا ..

وبكل بساطة قاطعه أحمد المليء بدفعة قوية .. أجلست عمار الذي كان كالريشة
أمامه في المقعد مرة أخرى .. ثم نظر مرة أخرى في أمل وقال لها : إن كنت
تواعدين الآخرين؟ لم كنت تجرين ورائي؟ لم طلبت مني أن أتوقف عن ملاقاة قريبتك
الغبية؟

استجمعت أمل بعضاً من قوتها وقالت : لأنك ستخدعها ..
ضحك أحمد بقوة وقال : ومتى هبط عليك مثل هذا الحنان ؟ أنت الوحيدة بالذات
تعلميننا أجمعين معنى الخداع .. أم لأني اشتريت لها تلك الساعة الغالية؟ لم
تقاومي .. وغرت منها ..

هنا نهض عمار مرة أخرى مستجمعاً ما بقي من كرامته المهدورة .. وقال بعصبية :
اسمع يا ..

قاطعه أحمد وهو يمسك بتلابيبه ويقترب منه .. ويقول : إن لم تغلق فمك الآن ..
كسرته لك .. أتفهم ..

وأمسكه .. وألقى به على الباب ..
اصطدم عمار بالباب .. ثم قال : سأريك من هو الرجل الآن .. وخرج من المكان ..
وجاء مدير المطعم وراح يتكلم مع أحمد الذي قال بلهجة حادة : سوف أخرج .. لا
أقدر أن أكون في مكان واحد مع هذه القذارة ..

فقالت أمل : إنك لم تشتري لها الساعة لأجل عينيها ..
نظر فيها أحمد بوقاحة وقال : لكل شيء ثمن .. وهي ما تزال جديدة .. وساعة مثل
هذه كافية .. لم تكن طماعة مثلك ..

كان حديثاً مقززا عن أغلى ما يمتلكه البشر .. كان حديثاً لا يقال .. كان
نزقاً .. هابطاً لأبعد مستوى ..

لم تمضي ثوان على كلمة أحمد الأخيرة .. حتى دخل عمار إلى المطعم .. ومعه عصا
بيسبول .. واندفع نحو أحمد .. يحاول ضربه .. وكل عمال المطعم أمسكوه في
اللحظة الأخيرة .. واتصل واحد منهم على الشرطة .. فقد كاد الأمر أن يتحول إلى
مذبحة ..


كل هذا حدث .. أمام عيني ياسمين .. التي وقفت منذهلة .. وقفت .. ولم تستطع أن
تتنفس .. وهي لا تصدق ما رأته أمام عينيها .. لم تصدق كل الذي حصل بهذه
السرعة ..

أمل ! أمل هي التي طلبت منه ألا يواعدني ؟! أمل! .. وهو اشترى لي ساعة لأجل
ماذا؟ هل يمكن ؟

مستحيل .. لا هذا مستحيل ..
راحت دموع ياسمين تنزل في قوة .. نهضت .. وراحت تجري .. وخرجت من المكان ..
دون أن تدفع الحساب .. لم تهتم لأي شيء .. فقد كانت مجروحة .. وعندما وجدت
نفسها في الخارج .. كانت تحس أنها وحدها .. كانت تحس أنها تريد أن تنشق الأرض
وتبتلعها .. رفعت جوالها بيد مرتجفة .. واتصلت على قصي .. وقبل أن يتم
الاتصال .. كان قصي جوارها .. ركبت السيارة دون كلمة .. وفي السيارة .. وضعت
رأسها على الزجاج .. وأسلمت نفسها للبكاء .. بكل حرقتها .. بكل ألمها .. بكل
أوجاعها .. بكل ما حمله هذا الشهر من أحداث .. من تفاصيل .. من كرامة نازفة
.. ومن احترام ضائع .. ومن روح مغدورة ..

لم يكلمها قصي .. ولم يقل لها شيئاً .. أوصلها حتى كورال مول .. ولكن ياسمين
لم تنزل من مكانها جلست في السيارة تبكي .. ثم نظرت في قصي وقالت بصوت مليء
بالدموع : كيف عرفت ؟

نظر لها بعين جامدة وقال : لقد بحثت ..
فقالت وهي تصرخ : كيف ؟ قل لي ..
نظر لها بحدة وقال : لا ترفعي صوتك ..
راحت ياسمين تبكي مرة أخرى .. وهنا ارتفعت نغمات جوال قصي .. رفع قصي جواله
الآي ميت وقال : أهلا حبيبتي ..

نظرت ياسمين في قصي وكأن هذا آخر ما كانت تتوقع ..
وقصي كأنما لا يشعر بها .. راح يقول : لا لن أتأخر كثيراً .. عشرة دقائق ..
وأنتهي .. وأتصل عليك مرة أخرى ..

أقفل الخط .. ثم ندت منه نظرة إلى ياسمين .. التي راحت تحدق فيه بغضب .. بكره
حقيقي .. وراح قصي في نفسه يقول : أجل اكرهيني هكذا .. حد الموت ..

وراحت ياسمين تقول : حتى أنت ؟ يبدو أني كنت مخدوعة من الجميع ..
قال لها قصي في قوة : لا .. لم يخدعك أحد .. إنما هذه هي قوانين هذا العالم
.. عالم تعارف الأولاد على البنات .. الجميع .. يتحدثون مع أكثر من فتاة ..
والكثيرات يتحدثن مع أكثر من شاب ..

إنها ليست خيانة ولا غدراً .. ولكنها العادة ..
ألا تعلمين .. أني أعرف أمل؟ وأتحدث معها ..
ثم أخرج من جيبه جواله الآخر السوني أريكسون .. وأظهر قائمة الاتصالات
الصادرة والواردة .. وكان رقم أمل مسجلاً به يملأ نصفه ..

حدقت ياسمين بعين يتطاير منها الشرر .. وقالت : لم ساعدتني إذاً إن لم تكن
تحبني؟

فقال قصي : هل تتوقعين .. أن يحب الشباب بنتاً .. تتعرف على شبان قبلها؟
هل تتخيلين .. أن أحب الفتاة التي تركب معي؟
أفيقي يا ياسمين .. قلتها لك قبلاً .. لسنا نعيش في عهد الرومانسية .. لسنا
في عهد قصص الحب التي تنتهي بالزواج .. لسنا في فلم مصري .. نحن في السعودية
في عالم الواقع .. في عالم الأولاد والبنات .. لا تحلمي بأن هذه العلاقات سوف
تكون بريئة شريفة طاهرة .. الحب هذه هي الكلمة التي تنخدعون بها .. وهي ذاتها
التي نخدع بها أنفسنا .. ونبرر بها زلاتنا .. ولكن في قرارة أنفسنا .. نعلم
ما نفعل ..

ثم بلع قصي ريقه .. وقال كلمة لا يعرف كيف خرجت منه .. إلا أنه قالها : لكل
شيء ثمن ..

وبعدها أحس قصي بألم يعتصر صدره .. بحريق يملأ تكوينه على النهاية .. إنها
أكثر كلمة يكرهها في حياته .. ولكنه كان مضطراً ..

فقالت ياسمين بحقد يكاد يؤجج الأرض سعيراً : الله يلعن هذا العالم ..
فقال قصي بدون أن يبدو عليه أي تعبير : أنت من اختار الدخول فيه .. أنت من
أردت أن تتعرفي .. وأن تحبي .. وألا تكوني ساذجة بلهاء ..

أحست ياسمين أنها تختنق .. وأنها تكره الناس أجمعين .. فتحت الباب وخرجت
وصفقته بقوة ..


تابعها قصي بعينيه .. حتى ذابت وسط السوق .. وهنا راح يكح .. وبقوة .. حتى
امتلأ المقود بالدم .. وأحس أن صدره يتمزق .. وأنه يغيب عن الوعي .. ولكنه
حاول أن يتمالك نفسه .. وضع السيارة على الـ D .. وراح يمشي ببطء .. ولكنه لم
يتوقف عن الكح أو نثر الدم .. كان يحاول أن يعود إلى المنزل بسرعة .. إنه
مرهق .. ولأقصي حد ..

وراحت في مخيلته تدور الأحداث منذ استلم الفاكس .. الفاكس الذي كان يحمل
فاتورتي أمل وأحمد وهي الأرقام التي استخلصها من جوال ياسمين ذاك اليوم في
المقهى .. وهو أمر يتم في العادة بطريقة سهلة .. بأن يخرج الواحد فاتورة بدل
فاقد .. ولكنه اتصل على السيد ناظم .. حتى يضمن أن يتم الأمر في سهولة ..
وراح يستخرج الأرقام الأكثر تكراراً .. حتى يعرف بمن تتصل كل من أمل وأحمد ..
وبالأخص أمل التي كان يريد أن يدمرها .. بأن يجمع كل الشباب الذين تعرفهم في
مكان واحد .. وأن يفضح بعض خياناتها لهم .. إذ إن هذا الصنف من البنات ..
تخفي علاقاتها .. لأنها تجني الهدايا وبعض الأموال حتى من هذه العلاقات على
أن تكون الحبيبة الأزلية .. والفتاة الخالصة لهذا الشاب .. وتعيش حياة رمية
على ما يعطونه إياها .. ولكن المصادفة أتت حين وجدت رقم أحمد قد تكرر كثيراً
في جوال أمل والعكس .. مما يدل أن أمل على علاقة أكثر من جيدة بأحمد .. ومن
المؤكد أنها تستغله .. فقرر أن يلقي بهم أجمعين في بؤرة جحيم .. وبأن يجمع
أحمد وعمار وأمل في مكان واحد .. وبالطبع لابد أن تكون ياسمين موجودة .. حتى
ترى بأم عينيها خيانة قريبتها لها .. وعلاقتها بأحمد حتى تستمع إلى الفضائح
.. ولقد كانت تصب في الصميم ..

فكر قصي .. أن يصيب أمل في مقتل .. فكر أن يصور هذا الأمر في جواله .. وبعد
أيام .. وبواسطة البلوتوث .. لن تجد جوالاً إلا وفيه هذا المقطع .. ولكنه سبق
أن قال بأنه لن يحطم البنت .. ولكنه فقط سيبعدها عن أمل .. ويلقنها درساً
قاسياً ..

وكان لا بد لياسمين أن تكرهه .. وأن تكره هذا العالم .. أن تكره التعرف على
الشباب .. وأن تعرف أين سيجن بها هذا العالم .. وكيف سوف يحرقها كورقة شجر
جافة ..

كان يحس أنه يفعل الصواب .. ولكنه أحس أنه ليس بإنسان .. أحس أنه بالغ في
قسوته .. أحس هذه المرة بوحدته .. أن قام بأمر عظيم .. ولكن من المؤكد .. أن
ياسمين ستلعنه ألف مرة ومرة وسيكون في نظرها الحقير السافل .. سيعيش بطلاً
لنفسه فقط .. ولكن عزاءه الوحيد أن الطفلة يوماً ما ستكبر .. وتفهم .. وتعرف
..


وفجأة .. وبدون مقدمات .. كان الضباب يحيط بالحديقة ذاتها .. وراح المشهد
يتكرر أمام عينيه ويتكون .. وكأنما يعيشه ألف مرة ومرة ..

لم الآن ؟ لم يتذكر الآن ؟

أحس قصي أن الدنيا من حوله تبهت .. وأنها تسير ببطء .. وأمامه شيء رمادي
اللون طويل .. ما هذا ؟ لم انطفأت الأنوار؟


وفي شارع التحلية .. كانت سيارة من طراز لكزس .. قد ارتطمت بعمود في الشارع
.. فقد فيها السائق وعيه .. وكانت الوسائد الهوائية مفتوحة .. والشارع في هرج
ومرج .. ومن بعيد .. راحت أبواق الشرطة تقترب رويداً رويداً ..

الجزء القادم هو الأخير
قصي ال.... وفرح ال....
وهذا الجزء سيكون مختلفاً تماماً ..
سيكون هدية لعشاق الرومانسية ..
وأعدكم أنكم سوف تحلقون فيه بعيداً نحو الشمس ..
فقط مع روايتي الخبير
د.خالد أبوالشامات


اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-02-14, 08:39 PM   #13

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
منذ زمن بعيد أكتب ..
نعم كم أعشق الكتابة ..
فيها أجد نفسي .. وأحياناً .. أُوجد نفسي ..
قد أكون لئيماً .. حين أقول .. بأني أغار .. أغار ممن يكتبون .. أغار ممن
تكون الكلمات في يديهم طوعاً ..

ربما لأن الكتابة .. هي أجمل شيء أستظل به من حرارة الدنيا ..
ربما لأنها النعيم الذي وجد لتتيه فيها روحي الضائعة .. في سنوات الألم ..
وتواريخ الحرمان ..

ولكن الشيء الوحيد الأكيد .. أني أستمتع .. وبكامل هذه الكلمة من معنى .. حين
أكتب ..

أستمتع .. حين تخرج من بين يدي الكلمات .. دون أن أفكر في الكثير منها ..
تخرج من قلبي دفعة واحدة .. بهوجائيتها .. بطريقتها وأسلوبها .. دون أن يكون
لي فيها حظ أو نصيب ..

أجمل الكلمات .. تلك التي كتبت .. دون أن يُعدل عليها ..
أجمل الهمسات تلك التي في وقت الصدق خرجت دون أن تحتاج إلى من يستجلب فيها
الإحساس .. ويستخرج منها الصدق .. بل إنها كتبت .. لأنها تريد الخرج للعلن ..
لأنها تريد أن تعبر عن نفسها .. بالأخطاء اللغوية المتخمة فيه .. والأغلاط
النحوية .. وحتى الزمكانية ..

لا يهم .. فقط حب الكتابة .. وحب التعبير ..
وتفسير الذات بالطريقة التي أهواها ..
في كل قصة .. في كل شيء .. لا بد أن يكون هناك لي منها نصيب .. لابد أن تكون
مشاعري .. لابد أن أكون واحداً من الأحداث .. لابد أن أكون النافورة التي
تطلق الماء .. وتنشر من رذاذها تلك القطيرات اللامعة ..

لابد أن أكون الهواء الذي يحيط بالأبطال .. والشمس التي تشرق عليهم .. ولحظة
الهم التي تقتلهم .. والسيارة التي تقلهم .. والكحل في أعين فاتنات رواياتي

لا بد أن أكون موجوداً .. في كل ركن .. في كل كلمة وهمسة والتفاتة .. وإلا ما
كانت القصة تنبض .. وإلا أحسست أني رسمت لوحة جامدة .. خالية من الإحساس ..
خالية من المشاعر .. والذي هو ما يحركنا في الحياة

( هذا الجزء أطلعني عليه قصي بنفسه )
بمناسبة الجزء الأخير لهذه القصة والذي يتكون من عدة فصول .. القصة .. التي
استمتعت فيها بكتابتها .. وبالإضافات الجديدة على القصة .. قررت أن أهدي لكم
.. أكثر الأجزاء رومانسية على الإطلاق ..

وسترون بأعينكم كيف تكون الرومانسية .. وكيف سأجعلكم تعيشون مع عشقي في بحر
الكلمات .. وكيف سيتمنى كل شخص هنا .. أن يكون بطل قصتي .. وكيف كل فتاة أن
تكون هي البطلة .. فهذا الجزء ليس ككل الأجزاء ولكني ما أطلب منكم سوى القليل
من الهدوء ..
والإحساس ..
والخيال ..

والانتظار ..
اقرؤوا أيها السادة والآنسات الكلمات بقلوبكم ولا تدعوا أعينكم فقط تقرأها ..
وانتظروا حتى يأخذكم بحر الحب ..

الفصل الأخير
الجزء الأول
فرح ال..... .. صاحبتنا تلك .. التي رسمت طريقاً آخر .. للعلاقات التي تنزلق
نحو الهاوية في العادة ..

فرح ال.... .. التي استطاعت في آخر لحظة أن تنقذ نفسها .. بعد أن أيقظ الله
فيها ضميرها ..

هي بطلة الجزء الأخير ..
واسمحوا لي .. أن أعيد رسم فرح أمامكم من جديد .. بذات الكلمات في الجزء
الثالث :

إنها ليست فاتنة في شكلها .. ولكنك تحس بأشياء كثيرة جداً للوهلة الأولى التي
تراها فيها .. تحس براحة غريبة تتسرب إلى نفسك في لطافة .. تدهشك حقاً
براءتها المتناهية .. التي تلوح في عينيها السوداء صفاء بلا حدود .. وعندما
تضحك .. تصغر عيناها في جمال ممتع ساحر .. يجعل النظر فيها .. فرصة نادرة ..
تستحق إسعادها بأي شكل كان .. وجهها المستدير الوضاء يناسب تسريحة شعرها
الأسود القصير .. الذي يرقص كما ترقص السيدات الراقيات .. بكل هدوء وكثافة ..
ينساب من بين كتفيها في نعومة فائقة .. ونغزة صغيرة في ذقنها .. تجعلها أكثر
طفولة وبراءة ..
وإذ ما دققت النظر في شفتيها .. أحسست بأن الكرز قد نبت من شفتيها لامعاً ..
تخلبك ابتسامتها الطيبة .. وكأنها ملاك وردي .. منزهة من الآثام والأخطاء ..
حتى أخطاؤها .. تريد أن تبحث لها عن أي عذر .. إنها ناعمة .. وتستحق لقب أنثى
عن جدارة واستحقاق ..
صوتها .. صدق .. أنك ستتمكن من سماعه من جسدك كله .. حتى إنه يعبر الجدران
والحدود كلها كأنها عزف وتر لقيثارة سحرية ..
وجسدها مثالي في درجة ما بين النحول والامتلاء ..
ورغم ذلك تدهشك الهالات السوداء التي تبدو جلية في كثير من الأحيان عندما
تنزع تلك النظارة الرقيقة .. التي لا يحدها برواز ما .. تكسو محياها كلما
رأيتها وحدها سمات الحزن الشفاف .. مع أنها تبتسم كلما طالعتها ..
تحادثها .. فتجدها مهذبة بعفوية .. تنقصها الخبرة في تعاملاتها .. بل ينقصها
فعلاً .. سوء الظن .. والنظرة السلبية .. والواقعية التي تمكنها من العيش في
زمننا .. ولكنها ليست غبية .. يمكنها أن تفهم وتتعلم .. ولكن الأذكياء الذين
عاشروا الحياة .. يلقبون هذا النوع من الناس بـ ساذجة .. كم هو عجيب منطق
البشر .. منطق يحاول أن يقلل من شأن الآخرين دوماً .. إذ ما كان متفوقاً
عليهم .. وصدقوا أننا لو فتحنا قلوب الناس .. لرأينا بجلاء .. كم الحسد يملأ
النفوس .. وكم احتقار النفس يكاد يخنقها ..

هذه هي بطلة جزءنا هذا .. الجزء الأخير ..
وكانت فرح قد أنهت دراستها الثانوية لتتخرج بنسبة 94.6 %.. كانت أمنية فرح أن
تكون طبيبة .. إنها تود أن تكون طبيبة أطفال .. لأنها تحب الأطفال كثيراً ..
وكانت عائلتها تلقبها بالدكتورة فرح .. وتقدمت فعلاً لكلية الطب في جامعة
الملك عبد العزيز في جدة .. كانت فرحة أهلها بها عظيمة .. كيف لا ؟!وهي
الوحيدة بين أخواتها التي قدمت على كلية الطب ..

وجاءت النتائج .. للأسف لم تقبل فرح في كلية الطب .. ولكنها قبلت في قسم
الصيدلة .. لم تعارض فرح كثيراً .. استسلمت لأمر ربها .. فهي قد استخارت ..
وعمّ الفرح بيت الأستاذ أيمن ال.... بابنته .. فقاموا بحفلة مصغرة .. من
أجلها .. جاءت فيها أختها منى من الرياض .. كان اجتماعاً عائلياً لطيفاً ..
تجتمع فيه المودة والألفة .. وبعض من الحميمية التي خلت منها البيوت ..
وبالطبع .. قدم الكل لفرح هدية خاصة .. فوالدها قد أتحفها بالاب توب الجديد
من نوع dell .. ووالدتها .. تكفلت بتغيير غرفتها بأثاث جديد .. استعداداً
لحياتها الجديدة .. أما أخوها محمد فقدم لها هدية نقدية .. حتى تشتري بها ما
تشاء .. ألف ريال .. وأختها منى حضرت ومعها خاتم صغير ذو فص ماسي بسيط .. حتى
أختها الصغيرة ريم قدمت لها مجموعة من الحلويات قامت بتغليفها في البيت بيدها

غمرت الدموع عيني فرح .. واحتضنتهم جميعاً في حب .. وإنه لا فرحة لأي إنجاز
في الحياة .. ما لم يشاركك فيه من يحبونك حقاً .. وهم ينظرون في عينيك ..
وكأنهم هم الذين أنجزوا .. وهم الذين عبروا صوب النجوم .. ولست وحدك ..

وعلى العشاء .. امتلأت المائدة .. بشهي الطعام المنزلي .. وتورتة كبيرة
بالفراولة التي تحبها فرح كثيراً .. وجلسوا يتكلمون .. ولم يكن موضوعهم إلا
عن فرح .. وكيف ستكون حياتها .. في الكلية .. وما هي نظرة الناس لهم .. وكيف
تغيرت .. فقالت والدة فرح في بهجة : سأكلم خالتك أسيل .. فأنت تعلمين أن قصي
يدرس أيضا في الصف الثالث لكلية الصيدلة ..

هنا نبدأ قصتنا أيها السادة .. فقصي لم يكن غريباً عن هذه الفتاة ..
إنه ابن خالتها ..
إنه الخبير بنفسه ..
بشحمه ولحمه ..
إنه قصي ..

صمتت فرح قليلاً وقالت : على راحتك يا ماما ..
ولكن محمد قال وهو يتناول الليمون .. ليغرق به قطع الدجاج الصغيرة : أنا أكره
قصي هذا .. إنه متعجرف جداً .. ومغرور كثيراً .. ولا يحب الحديث معنا .. علام
يرى نفسه ؟صحيح أن الله قد أنعم عليهم .. ولكن كلنا في النهاية عبيد الله ..
قالت أم فرح : ولكنه مهذب .. لا يخطأ على أحد ..
قال أبو فرح أيمن : أنا مع محمد .. هذا الفتى لا يعجبني ..
وهنا قطبت أم فرح حاجبيها وقالت في شيء من الضيق : إننا لن نطلب منه إحساناً
.. كل ما نطلبه بعض المعلومات .. وإن لم يكن راغباً .. فلسنا بحاجة إليه ..
فرح هي الوحيدة التي ضحكت وقالت : خلاص يا ماما .. لا عليك سنكلم خالتي أسيل
.. والله أنا أحبها كثيراً .. ولكننا لا نرها باستمرار ..
تهلل وجه أم فرح وقالت وقد وجدت أخيراً من يوافقها الرأي : إنها دائما تكلمني
وتسألني عنكم ..

كان من الواضح أن ثمة هوة كبيرة بين العائلتين وانقطاعاً طويلاً .. ولكن الكل
يعلم .. بأمر المشكلة الكبيرة التي قامت على الميراث .. والتي وصلت إلى
المحاكم الشرعية .. الأمر الذي أدى إلى تشتت العائلة التي حوت كل من أم فرح
.. وأم قصي .. كان الكل يعرف هذا الموضوع بجلاء .. حتى قصي وفرح ..
)هذه أول مرة أكتب اسميهما معا (
ولكن العلاقة بين هاتين الأختين مقبولة .. كانت هناك اتصالات من آن لأخر ..
وكانت أسيل قد رأت اسم فرح في الجريدة .. فباركت لأختها .. وهي التي أتت على
أختها .. بأن تسألها في حال احتاجت إلى أمر ما .. فحين كانت تحدثها قالت لها
: لا عليك يا أختي .. سأكلم قصي .. وأتمنى ألا تتردي في طلب أي شيء ..
معلومات أو أي أمر آخر ..
قالت لها أختها : بالطبع يا أسيل لن نستغني عنك ولا عن قصي .. بالمناسبة كيف
حاله الآن ؟
ضحكت أسيل أم قصي وقالت : إنه الآن في ألمانيا .. من أسبوع ونصف قبل أن تبدأ
الدراسة .. وسيرجع بعد 3 أيام ..
الحمد لله أن الحادث الأخير .. لم يكن خطيراً .. ولكنه كما تعلمين أحياناً
يصاب بإرهاق شديد .. ففضل إجراء بعض الفحوصات هناك ..
فقالت أم فرح : يرجع بالسلامة عن شاء الله ..
وبعد الكلام التقليدي .. أقفلت السماعة ..

هاهي الطائرة تحط رحالها على مطار جدة الدولي .. وهاهي الطائرة القادمة من
ألمانيا تفتح أبوابها .. وينزل منها المسافرون الواحد تلو الآخر .. ومنها خرج
قصي .. بابتسامة على شفتيه فيها كل السخرية .. متململاً في مشيته .. وكأنما
الدنيا لا تعنيه ..

وبينما هو ينزل حاملاً حقيبة يده الصغيرة على كتفه في أناقة .. كانت الأفكار
تمر عليه في سلاسة .. فهذه هي المرة الأولى التي يذهب فيها إلى مكان في
الخارج .. ولا يتعرف فيها على فتاة .. بل إنه رفض أن يتكلم مع أي فتاة على
غير العادة ..

لقد كان تأثير أخر علاقتين فيه مروعاً .. علاقته الثلاثية .. وخصوصاً مع روان
التي لم يتمنى قصي أن يؤذيها .. وياسمين .. التي حاول أن يلقنها درساً تستفيد
منها في حياتها .. حتى لو كان الثمن حزنها لأشهر قليلة ..

إلا أنه كان يدرك في أعماقه .. أنه ظلم بنتين .. لم يكن ضمن التصنيف الذي
وضعه قصي في عقله لمن يريد أن يتعرف عليهم من بنات ..

وبعد الحادث .. كانت أمور حقيقة قد جدت في نفسيته وأفكاره .. وجلس في
المستشفى لمدة يومين من الإرهاق .. لم يصب إلا برضوض خفيفة .. وبعدها سافر
إلى ألمانيا .. لإجراء فحوصات أكثر دقة .. ولكن لم يكن هناك شيء جديد ..
نصحوه وشددوا عليه .. بأن يتجنب الانفعالات ..

وقبل أن يسافر قام بمسح أرقامه القديمة .. وأبدلها برقم واحد جديد .. إنه
يريد أن ينسى .. إنه يفكر في الاعتزال .. كان يقول في نفسه .. بأن كفى ..
وأنه حان الوقت للتوقف بعد هذا المشوار الطويل .. وهذا العدد من النساء
الكبير .. ولكن الأفكار كانت تدور في رأسه .. وإنه لم يقرر بعد بشكل حاسم ..

وحين خرج من المطار .. كان نزار في استقباله .. ويبدو أن نزار .. لن يفكر في
حياته أبداً في الاعتزال .. فها هو يلاحق الفتيات بنظراته بفظاعة .. وطريقة
التحديق التي أتمنى أحيانا أن أخرق أعين أصحابها ..

وصل إلى منزله .. وبعد أن سلم على والديه .. في نوع من الرسمية .. وبعيداً عن
الحميمة .. ربما لأنهم قد تعودوا على سفره مع والده أحيانا .. وأحياناً وحده
حتى بات الأمر غير جديد .. ذهب إلى غرفته .. دخلها .. وأضاء أنوار الصالة
الصامتة إلا من أنفاسه .. ومر بخطوات حذائه الغالي .. إلى أن وصل إلى البيانو

ومر بإصبعه بسرعة على أصابعه .. وكأنما يقول له .. ها قد أتيت ..

أخذ حماماً سريعاً .. ولبس ثياباً تليق بالمنزل .. وذهب إلى والدته .. وجلس
يتكلم معها .. إنه يريد أن لا يبدأ على الأقل الآن في العزف .. أو حتى
بالتذكر .. إنه يريد أن يريح نفسه .. وعلقه وبدنه ..
كانت والدته تشاهد برنامج opera .. وكان قصي يكره هذه أوبرا هذه من كل قلبه
.. ولكنه جلس ساكناً .. ولما أحست أسيل أمه بوجوده .. التفتت إليه .. بعد أن
خفضت الصوت وقالت له : قصي .. ابنة خالتك فرح قد قبلت في كلية الصيدلة ..

كانت الحماسة في عينيها وهي تتكلم .. وكأنها أتت بأمر خلاب ..
نظر لها بتساؤل وهو يحتضن المخدة الصغيرة : فرح ؟
قالت له : نعم .. خالتك .. .
قاطعها وهو يشير بيده : تذكرت .. ما شاء الله مبروك ..

قالها ببرود وبدون اكتراث .. وراح يطالع الإعلان في التلفزيون .. ولكن والدته
لم تهتم أبداً ..
قالت له : أريدك أن تساعدها .. فأنت تعلم .. لا يعرفون أحداً من كلية الصيدلة
إلا سواك ..
قال لها بامتعاض : وماذا تحتاج .. إنها كلية كبقية الكليات ..
قالت له والدته بعتاب : خالتك لم تطلب منا شيئاً .. أكثير عليها أن تكلم
الفتاة فقط قليلاً حتى تقول لها كيف هي أنظمة الكلية ..
نظر لها وقال لينهي النقاش : حسناً .. دعيها تكلمني .. وسوف أقول لها ما تريد
قالت له : سوف تأتي غداً ..
قال لها لينهي النقاش الذي صار في نظره مصدراً للقلق : كما تريدين ..

وفي اليوم التالي بعد العشاء .. كانت أم فرح وبناتها الثلاثة .. قد جاؤوا إلى
منزل خالتهم أسيل .. وكعادة الناس .. كانوا يقولون : ما شاء الله ..
ففيلا السيد مناف .. كانت تتغير من فترة للأخرى .. وكانت قد مضت فترة ليست
بالبعيدة على آخر دخول لأم فرح .. لمنزل أختها ..
كانت الفيلا تقع في مواجهة البحر تماماً .. في أكثر المواقع حيوية في جدة
كلها .. الكورنيش .. بصخبه .. وجنونه .. اتصلت أم قصي على ابنها في الملحق
لتخبره أن خالته قدمت ..
وبعد قليل دخل قصي .. وعائلة قصي ككثير من العائلات السعودية .. التي يكشف
فيها ابن الخالة على ابنة خالتها مع حجاب يغطي الشعر .. ولم يهتم كثيراً لهذه
المقابلة .. ولذلك لم يهتم أن يلبس شيئاً مميزاً ..
لبس جينزا أسوداً .. وقميص أبيض قصير الأكمام سادة تزينه المربعات السوداء
..ودخل .. وسلم على خالته ..
وعلى الرغم من أنها خالته إلا أن هناك كان جو من الرسميات .. إن قصي لا يحب
أن يذهب أبداً إلى أي اجتماع عائلي .. إلا ما ندر ..

ثم حانت منه التفاتة إلى بنات خالته ..
عندها رأى قصي فرح للمرة الأولى منذ كانت طفلة .. وأصيب بالذهول ..
ولأول مرة في حياة قصي .. بل إنه ظل يتطلع فيها للحظات .. حتى أن فرح ارتبكت
كثيراً .. واحمر خداها .. فقالت أسيل لتنقذ ابنها :وهذه منى يا قصي .. لم
ترها منذ زمن ..
انتبه قصي أنه يحدق في فرح التي أشاحت بوجهها إلى الأرض في خجل .. ورحب بمنى
.. وبعدها ألقى التحية على الصغيرة ريم ..

وهذه المرة .. انطلق قصي .. لا إرادياً .. وفي لحظات .. كان قصي سيد الحوار
والكلمات .. وأصبح هو البؤرة التي يتمركز حولها الجميع .. بل إن والدته
استغربت منه كثيراً .. إنها بعيدة عنه تماماً .. لا تعرف إلا أن ابنها يعرف
بعضاً من الفتيات .. ولكنها لا تعرف أنه الخبير .. الذي لانت له أصناف البنات
أما قصي .. فجلس يتكلم .. ويضحك الجميع في قالب ما بين الجدية والمتعة ..
والإثارة .. إنه منفعل بحق ..
أول مرة يفقد الخبير هدوء أعصابه .. ولكنه يعلم أنه يتحدث من باب خبرة ..
واخذ يشرح لها عن الكلية .. ويتكلم .. حتى ارتوت فرح من الكلمات ..

هذه الفتاة .. مختلفة تماماً عن كل البنات اللواتي قابلتهن .. لم ينبع منها
طيف ساحر .. لم فيها جاذبية لا تقاوم ..

لم يدرك قصي .. أن هذا هو سحر الفضيلة .. لم يعرف .. أن هذه الهالة .. لا
تنبع إلا من فتاة مثل فرح .. تلك الملاك الصغير .. تلك الفتاة التي ما لوثتها
العلاقات الساقطة .. والمحادثات التافهة .. لم يدرك قصي هذا السر إلا بعد
فترة من ذلك اليوم ..
وكانت فرح بينما هو يتكلم .. تختلس النظر إليه .. كانت خجلة منه .. لم تستطع
أن تباشر تلك النظرات الذكية .. لم تستطع أن تحتمل تلك العيون التي كانت تضج
بالحيوية .. وبالانفعال ..
ولم تدرك أن كل هذه النظرات وتلك الأعين الخجلة التي كانت تملكها .. بأن قصي
يعرف معانيها ويحفظها .. ويعرف أنه استرعى انتباهها وحفيظتها .. ولكنه لم
يبدي أنه يفهم ذلك .. ولم يتعامل معها على هذا الأساس ..

لم يكن وقحاً .. ولم ينظر فيها بنظرات خبيثة .. لم يحدق .. ولكن شيئاً في
النظرات كان ساحراً ..

وانتهى الحديث .. بعد أن جاء محمد .. والحق يقال .. كان قصي قد تغير تماماً
في المعاملة الباردة ..
أخذ يتكلم مع محمد على غير العادة .. لدرجة أن محمد تفاجأ .. ولكنه كان
سعيداً بهذا التحول .. رغم الأفكار التي راحت تدور في رأسه .. إلا أنه كان
يحس بالارتياح ..

استطاع قصي في جلسة واحدة .. أن يغير نظرة عائلة أيمن ال.. ويسلب احترامهم
وودهم في وقت واحد .. وكل ذلك .. من أجل فرح .. من أجل فتاة .. أحس قصي ..
أنها ليست فتاة عادية تمر عليه .. بل إنها أمر جديد مختلف عن كل ما قابله قبلاً ..

وبعد العشاء .. ذهبت فرح وأهلها .. وجاءت أم قصي إلى ابنها.. وقالت باستذكاء
:لقد كبرت فرح .. أنت لم ترها منذ زمن ..

فلم تمر مثل تلك التغيرات على قصي مرور الكرام ..
تطلع فيها قصي بنظراته الساخرة وقال : كلنا نكبر .. وكلنا نتغير ..
فقالت له والدته في جدية : ما رأيك أن أخطبها لك ..
نظر لها وقال في هدوء : أخبرتك سلفاً .. إن الزواج هو آخر ما أفكر فيه ..
قالت له : ولكن الإمكانيات متوفرة .. ثم إنني أريد أن ..
قال لها منهياً الحديث مقاطعاً لها : ولكني لا أريد ..
صمتت قليلاً وقالت : على راحتك ..
لم يعقب بكلام .. ولكنه ذهب إلى غرفته ..

"ما هذا .. لأول مرة يقف أمام فتاة هكذا .. إنها ليست جميلة .. ولكن شيئاً
يشع منها .. شيء غريب لم ألحظه قبلاً .. شيء لم أره في كل الفتيات التي تعرفت
عليهن .. "

وما لبث قصي أن وقعت عيناه على البيانو .. تنهد .. وتوجه إلى دولابه .. وما
بين الرسائل المتناثرة .. أخذ العلبة المخملية .. وفتحها .. وأخرج خاتمه
البلاتيني .. لقد قرر اليوم أن يلبسه إلى نهاية اليوم .. وجلس على البيانو ..
يعزف موسيقاه التي يحبها .. مليئة بالرومانسية .. كلها عاطفة .. وهو مغمض
لعينيه .. وتلوح من تلك العيون .. دموع تخرج من الجفون المغمضة .. لتستقر كخط
على الرموش .. إلى أن توقف عن العزف .. وقرر الخروج .. وخرج .. وأخذ يبحث عن
ضالته كعادته .. فتاة يتسلى عليها ..

عبر الشوارع .. ومر بالأسواق الكبيرة .. ولكن على الرغم من شعوره ذلك الطاغي
.. كان يحس على النقيض .. ببرودة تطفيء تلك النيران المستعرة .. ولم يقدر ..
كان هناك طيف يشغل باله .. إنها فرح .. تلك العيون الخجلة .. تلك النظرات
المختلسة .. الحياء الذي غمرها كلها .. حين كان يوجه لها كلاماً .. الأنوثة
التي كانت تقطر منها .. هناك شيء مختلف .. لم يره قصي في كل الذين قابلهم ..

ولكن لا .. إنها ابنة خالته .. وعند قصي قاعدة .. "إن كنت سافلاً .. وكان
لابد أن تمارس سفالتك .. فلتكن بعيدة عن اهلك .. "
هذا أقل ما يمكنك أن تفعله من اجلهم .. ولأول مرة يرجع إلى منزله دون أن تكون
فتاة قد وقعت في شباكه ..
أول مرة يرجع إلى بيته مبكراً ..
قرر عدم التفكير في اصطياد سمكة كما يحلو لصديقه نزار أن يعبر .. قرر أن لا
يمارس في ذلك اليوم مشوار السخافة ذلك ..

ومضت الأيام .. وبدأت الدراسة .. وبدأ قصي يرتاد الجامعة كعادته وحيداً ..
وحين كان ذلك الدكتور الممل يحاضر .. كان يروق لقصي .. أن يجلس في نهاية
القاعة .. ليفكر وحيداً .. وعلى دفتره الأنيق .. يكتب بالإنجليزية اسم فرح
أكثر من مرة .. من بين تلك الشخابيط الكثيرة وتلك الدوائر التي يحب رسمها
لسيارة أودي .. أو حتى تلك الأفكار التي يكتبها على شكل مقالات قصيرة .. بل
لا يدري لم .. صار يستلذ أحياناً في دخولها بين قائمة الأفكار .. كان طيف فرح
يمر على خياله .. فيجد نفسه يبتسم بدون سبب .. ولكنه لم يكن يهتم بطريقة
مبالغة .. كان يحس أنها مجرد أيام قبل أن ينتهي تأثيرها ..

بعد أيام .. اتصلت به رقم غريب ..
"غريبة! .. لا يعرف هذا الرقم سوا نزار فقط .. وهذا ليس رقمه بالتأكيد .. "
رفع السماعة ..
وكانت .. .. .. .. .. .. .. . !منى .. أخت فرح ..
قالت له بصوت فيه ثقة : آسف على الإزعاج .. أنا منى ابنة خالتك ..
قال لها : مرحبا .. أهلا يا منى ..
قالت له بجمود : أهلا يا قصي .. لقد أحببت أن أسألك عن الكتب فقط .. التي من
المفترض أن تشتريها فرح ..
قال لها وهو يفكر في نفسه .. لم لم تتصل فرح بنفسها؟ :لا داعي لأن تشتري إلا
كتاب الكيمياء فقط وكتاب الإنجليزي الخاص بالمصطلحات الطبية اسمه :
The language of medicine
أما بقية الكتب .. فلها ملخصات تباع في المكاتب القريبة من الجامعة ..
قالت له : شكراً .. وآسفة إذا كنت أزعجتك ..
فقال لها : لا عليك .. وإذا احتاجت فرح أي شيء .. تستطيع أن تكلمني ..
وأقفلت منى الخط ..

وضاع قصي مجدداً في فرح .. هناك شيء غريب في هذه الفتاة .. ما الذي يجعله
يتذكرها بهذه الطريقة ..
هل .. هل هو الحب ؟ولما وصل إلى هذه الفكرة .. أخذ يضحك .. حتى دمعت عيناه ..
وأخذ يقول بصوت عالي : الحب ؟وأخذ يضحك مرة أخرى في سخرية .. كانت تخفي
وراءها ألماً عميقاً ..

وحاول ألا يفكر في الموضوع .. ولكنه لم يستطع .. وبعد أيام .. اتصلت به خالته
وقالت له : كيف حالك يا قصي ؟
تعرف على صوتها بسرعة .. فخالته لها صوت مميز كأنه أحد المدبلجين في
المسلسلات المكسيكية وقال : أهلا يا خالتي ..
فقالت له : كيف حال الجامعة معك ? يقولون بأن هذه السنة صعبة عليكم أليس كذلك ؟
قال لها : يقولون ذلك .. ولكن إن شاء الله ستكون بخير ..
فقالت له : كنت أريد أن أسألك .. من أين نستطيع أن نشتري روب المعامل ؟
كان من الواضح أنها تريد أن تسال هذا السؤال من البداية ..
فقال لها : أي مركز للمعدات الطبية .. أو حتى الثوب السعودي .. يبيع مثل هذه
الأرواب ..
وتستطيعين أن تجدي في هذه المراكز .. ما تحتاجه فرح من أدوات قد تحتاجها في
مادة الأحياء ..

واستمرت المكالمات .. وفي كل مرة كانت خالته تتكلم .. كان يسمع صوت فرح بجوار
أمها .. كانت لا تريد التحدث معه .. ولكن لماذا ؟

وبعد مضي شهر من الدراسة .. اتصلت خالة قصي عليه وسألته عن الاختبارات
الدورية .. فقال لها : اختبار الـbiology سهل .. ولكن عليها أن تذاكر
الـMCQsثم إن هناك chapters مهمة كثيراً ..
قالت له خالته : لحظة .. لحظة ..
وأخذ قصي يسمع .. إنه حوار بين فرح وخالته .. خالته تقول لابنتها .. خذي
كلميه ..
وفرح تقول : لا ..
وأمها ترد عليها : لست أفهم ما يقول .. أنت تعرفين كليتك أكثر مني ..
وبعد حوار دام أكثر من دقيقة ..
سمع صوتاً أنثويا من الطرف الآخر .. كان صوتاً خائفاً مرتبكاً وهي تقول : ألو
فقال لها :بعد أن سمح للصوت بأن يدخل في أذنه ويستبيح جنبات عقله : فرح ؟
فردت : نعم ..
فقال لها : أهلا فرح ..

وأخذ يتكلم ويشرح لها .. وهي لا ترد بكلمة .. إلى أن انتهى ..
كان يحس بأنها محرجة .. وبأنها قلقة .. لذلك تولى زمام الأمر .. ولم يحملها
كثيراً من المشقة في السؤال ..

لقد فعل هذا الأمر على غير العادة حين كان يتكلم مع البنات .. اللواتي كان
يجبرهن بأسلوبه على الحديث .. حتى يذوب حاجز الحياء الذي تملكه بعض البنات ..

فقال لها : ألو .. فرح أنت على الخط ؟
فقالت بسرعة : نعم نعم ..
فقال لها : جيد ..
فقالت له : شكراً ..
وأقفلت الخط ..
ابتسم قصي .. إن هذه الفتاة هي الأكثر براءة في حياته .. الأكثر طهراً .. إن
هذا الصنف هو الوحيد من الفتيات التي لم يكون يرضى بأن يؤذيه .. ربما .. لذلك
كانت فرح مختلفة عن بقية من عرفهم .. إنه لم يسمح لنفسه أبداً .. أن يتعرض
لهذه النوعية من البشر ..
إنه الصنف الملائكي .. الصنف الذي تكون فيه الفتاة كالقطة التي لم تستطع أن
تفتح عينيها للنور ..
إنه الصنف الذي .. .
عندما وصل قصي بتفكيره إلى هذه النقطة أحس بالدماء تفور في رأسه .. وجلس على
البيانو .. وبكل العنف أخذ يعزف .. إن هذا المشهد أصبح مكرراً ومملاً ..
قطرات من الدم تختلط ببعض قطرات العرق ..
وخروج من المنزل .. ولكنه في النهاية لا يستطيع أن يكلم فتاة .. ما الذي حصل له ؟

شهر مذ رجع من فرنسا .. وهو عازف عن الترقيم .. عزف عن هذا كله .. وكان يعرف
السبب .. إنها فرح ..

فرح التي دخلت حياته دون استئذان .. دخلتها دون أن يحسب هو لها حساباً .. دون
أن يخطط كعادته .. أو يدبر للموضوع ..

يا ترى ,,, هل ستكون فرح .. شيئاً جديداً في حياة الخبير قصي ؟؟؟؟
أم ستكون واحدة مثل كثير مثلها ؟؟؟
هل سيحبها قصي ؟؟؟
أم سيخدعها بكل أنانية كعادته ؟؟؟

هذا ما سنعرفه في الفصل القادم


اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-02-14, 08:42 PM   #14

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الجزء الأخير
الفصل الثاني
ها هو قصي .. يجلس في غرفته وحيداً كعادته .. تناثرت على جنبات المكتب تلك
الكتب الدراسية العقيمة .. التي ما تنتهي من مذاكرتها إلا بعد أن تكون قد
نسيت لأولها .. ولكن قصي لم يكن يذاكر .. لقد كان بفكر .. فيمن ؟

في فرح .. الفتاة الرقيقة التي جلس يفكر فيها دون أن يعي ما يفعل ..
لأول مرة يجد فتاة لا يستطيع أن يبعد فكره عنها ..
لأول مرة يجد أول ما تعانق شفاهه في الصباح عند استيقاظه من النوم اسمها ..
بدون تفكير .. فإنه صار ما ينظر في مكان إلا ويجدها فيه ..
شيء غريب !

قصي الخبير .. الذي لانت له شوكة كل فتاة قابلها .. تأتي فتاة وتفعل به كل
هذا .. ترى أتكون نزوة .. ومجرد شعور بحب الامتلاك .. ثم تنتهي مثل سابقاتها
.. هل تكون قصة جديدة .. لنهاية .. يتناثر على أطرافها الدم كما هي العادة ؟
أم أنها بداية لأمر آخر ..

وعندما وصل قصي إلى هذه الأفكار .. ابتسم ابتسامة ممزوجة بالحزن .. ولكن
إحساساً بارداً منعشاً صار ينبعث من صدره ..

وراح على البيانو .. وراح يعزف مجدداً .. وأحس مجدداً .. أنه والبيانو كائن
واحد .. وكأن لسانه صار تلك الألحان التي يعزفها قصي .. إنه يلحن بصوت القلب
ما في النفس من أشجان ..

إذ إن الفكرة الأخيرة .. صارت تحتل مساحة كبيرة من عقله .. ترى .. أتكون فرح
.. مجرد نزوة! هل لأنها فقط محترمة .. أحس باختلافها .. عن كل اللواتي قابلهن
.. هل لأنها مستعففة .. يحس برغبة كبيرة في الحديث معها ..
وعندما وصل التفكير به إلى هذه النقطة .. هوى بقوة على البيانو .. وكأنه يقول
: لا ..

نهض من فوق البيانو في ضيق .. وراحت برودة الغرفة تدخل في أطرافه .. ولكنه
كان يقول لنفسه : إنها ابنة خالتي .. وأنا لن أؤذيها .. حتى لو كانت مثل ...

وهنا أغمض عينيه .. وعض على أسنانه في حقد دفين ..
توجه مباشرة إلى غرفته .. وفتح الدولاب .. فأضاء ذلك المصباح الصغير داخل
الدولاب .. أخرج تي شيرت أخضر اللون .. وارتدى معه جينز سماوي .. واستقل
سيارته .. وخرج ..

سار بين الشوارع .. وهو يحس بالضيق .. حتى وصل إلى شارع التحلية : نعم لا بد
من ضحية .. لا بد أن يفجر غضبه .. لا بد أن ....

ولقطتها عيناه .. فتاة يانعة .. كانت تركب في كاديلاك في المقعد الخلفي ..
ويقود السيارة سائق آسيوي الجنسية .. وراح قصي يقول في نفسه : نعم هذه هي ..

لحق بها .. وعندما وصل إلى الإشارة .. توقف بجوارها .. راح ينظر لها .. وكانت
تنظر إليه .. كانت فتاة جميلة .. قد كشفت على وجهها البرونزي الأخاذ .. وكانت
تضع المساحيق بمهارة وأناقة .. ومن جانب الطرحة التي تعبر في حد ذاتها فتنة
أخرى بعض الشعيرات التي كانت تظاهر إنها تضعها في داخل الطرحة ..

هنا أشار لها قصي أن تفتح النافذة .. وفعلا فتحت النافذة .. وكانت تتظاهر
أنها تسأل عما يريده منها قصي .. تردد قصي قليلاً .. ولكنه جمع أنفاسه وقال :
هل من الممكن أن أقول لك شيئاً ؟

فقالت الفتاة بتساؤل حقيقي : ماذا؟
فقال : أليس من العيب .. أن تخرج فتاة في مثل سنك .. مع سائق .. وتجوب
الشوارع .. ووجهها سافر ؟

عيب عليك .. الله يهديك بس !
فتحت الإشارة .. فأقفل قصي النافذة .. ومشى وترك الفتاة وهي مذهولة .. ثم ..
انفجر من الضحك .. راح يضحك .. ويضحك حتى دمعت عيناه .. لم فعل ذلك ؟ لا يدري
.. ولكنه في اللحظة الأخيرة .. تراجع ..

ولكن عيناه لمعت في حزن .. إذن .. لم توقفه فرح عن الترقيم .. إنه يستطيع أن
يفعل ذلك .. ولكنه لا يريد .. صحيح أن فرح كانت حافزا .. ولكن أيضاً بسبب
علاقته بروان .. وبياسمين .. والحادث الأخير .. وبسبب التعب الذي مر به في
الأيام الأخيرة .. ربما كل هذه العوامل مجتمعة .. كانت السبب ..

رجع إلى المنزل .. ونزع ثيابه .. وجلس قليلاً .. ثم أصدر جواله تلك النغمة
المميزة للرسائل .. فتح قصي الجوال .. فكانت رسالة من فرح :

السلام عليكم .. عفواً للإزعاج ..
كنت فقط أسأل عن أوراق الـ genetics ..
فأنا لم أجدها بين الأوراق التي ابتعتها من مكتبة الأندلس ..
وشكراً ..
لا يدري لم أحس قصي بسعادة .. بذات الإحساس المنعش البارد .. الذي يدخل قلبه
دون استئذان .. كان يقرأ حروف فرح .. ولم يكن يريد أن يفارقها ..

وراح يكتب لها رسالة :
أهلاً يا فرح .. كيف حالك؟ وكيف هي أخبارك ؟
أتمنى أن تكون الجامعة بخير ..
لدي أنا ملخص موجود من السنوات السابقة .. أستطيع أن أرسله لك إن شئت ..
وإن كان لديك أي ملخص ناقص .. سأكون ممتناً بإعطائك إياه .
وكاد أن يرسل .. ولكنه تراجع في اللحظة الأخيرة .. أحس أن كلماته لا تناسب
فرح .. لا تناسب هذه البريئة .. فغير هذه الرسالة .. حتى تكون أكثر أدباً
وقال :

وعليكم السلام ..
لا عليك .. سوف أجعل السائق يوصل لك الأوراق
احترامي
ابتسم عندما كتب هذه الرسالة .. أحس .. أنه إنسان جيد .. أحس بأنه احتفظ
بمبادئه .. ولكن هل لأنه معجب بفرح .. أم فقط لأنها قريبة .. ولأنه لا يريد
أن بؤذيها ..

وعلى هذا الحال .. استمر قصي في علاقته بفرح .. بين تضارب الأفكار .. بين
الحيرة البادية في نفسه .. وفي روحه .. إنه يحس نحوها بشيء من العاطفة ..
ولكنها ليست تلك العاطفة القوية .. ليس ذلك الشعور الأخاذ .. إنه يحس بأنه
المتحكم المسيطر على عواطفه .. ولكنها ما إن تمر بنسماتها عليه .. كان يحس
يريد أن يتلذذ بنعيم القرب منها ..

وبعد فترة .. كان قصي يجلس في بارنيز كافيه على شارع التحلية .. ويحتسي قهوته
التركية باستمتاع .. فلقد أقلع عن الذهاب لستاربكس .. لا لشيء .. إلا أنه
تأكد من أن هذه الشركة تخصص عائداً مالياً إلى اليهود .. إن الأمر ليس كما
يقول البعض : وهل بإيقافك لشراء ما ينتجونه فائدة ؟! ولكن الأمر أنه أقل ما
نستطيع أن نفعله ضد هؤلاء المغضوب عليهم ..

وكان يفكر في علاقته بفرح أيضاً .. إن هذا الموضوع ظل يشغل باله .. لمدة
تقارب الشهر حتى الآن .. وهم الآن على بواكير شهر رمضان .. كان يحدث نفسه
ويقول : أنا متأكد من أنه مجرد إحساس سوف يزول قريباً .. تلك هي العادة ..
عندما نرى شيئاً جميلاً .. ولا نستطيع الوصول إليه وبينما هو كذلك .. جاءته
رسالة .. وكانت هذه المرة أيضاً من فرح :

أنا آسفة على الإزعاج .. ولكن لدي اختبار غداً بايولوجي ..
وما زال أمامي الكثير .. كنت أسأل إن كانت هناك أسئلة مكررة ..
أو حتى فصول مهمة لأركز عليها ..
وشكراً ..
وهنا بدون أن يفكر قصي .. وضع الكوب الورقي على الطاولة الزجاجية .. واتصل
على فرح .. وراح الجوال يصدر تلك النغمة المتقطعة الرتيبة .. انتظر قصي
كثيراً .. وفي النهاية .. ردت فرح .. ولكنها لم تتكلم بكلمة .. فقال لها قصي
: السلام عليكم ..

مرت لحظة صمت قالت بعدها فرح بخفوت : وعليكم السلام ..
أحس قصي .. أن فرح لن تتكلم .. وأحس كم هي محرجة .. وبريئة .. فقال :
هناك أوراق طبعاً من السنوات الماضية .. هناك بعض الأسئلة المهمة .. common
assays ..

فقالت فرح : لا الاختبار فقط اختيار متعدد MCQs ..
فقال قصي .. وهو يبتسم .. لا يدري لم ولكنه مؤكد لإحساس ناعم وحنون : لا بأس
.. سوف آتي لك بها الآن إن شاء الله ..

وهنا سمع فرح تقول بسرعة : لا .. لا .. سوف أطلب من محمد أن يأتي ليأخذها منك

ولكن قصي الذي زادت ابتسامته : كلها ربع ساعة وسوف تكون الأوراق عندك ..

صمتت فرح قليلاً ثم قالت : لا نريد أن نتعبك ..
نهض قصي من مكانه فأصدر الكرسي أزيزه .. وسحب مفتاح سيارته وهو يقول : لا
عليك يا فرح ..

وكأن قصي قد أحس بأنفاس فرح تزداد .. ثم قالت : جزاك الله خيراً ..
كان قصي يحس بالملائكية .. بطهارة هذه الفتاة .. لا يدري لماذا .. كلما أحس
أنه يستطيع أن يستمر في حياته بدونها .. ومن أنها لا تمثل أي شيء بالنسبة له
.. وبأنها مجرد فتاة كأي فتاة في العالم .. تأتي هي لتغير هذا المعتقد في
لحظات .. في ثواني فقط ..

كانت كل هذه الأفكار .. تمر في بال قصي .. وهو يتوجه إلى بيته .. ويخرج تلك
الأوراق التي عاف عليها الزمن .. ثم توجه إلى بيت خالته .. كان يحس بشيء جديد
عليه .. لا يدري ما هو .. ربما لأن ما يقوم به .. يقوم به في النور .. وفي
العلن .. ولا يخشى أن يعرفه أحد .. بل إنه سيوصل لها هذه الأوراق .. وإلى
بيتها وأمام أهلها ..

وصل إلى العمارة التي كانت فيها عائلة زوج خالته أيمن ال.... .. وعندما دخل
إلى العمارة .. كانت رائحة تجعلك تحس بأنك في مكان وسيع وبراحة .. صعد إلى
الدور الثاني .. وضغط على الجرس .. ووقف ينتظر أمام ذلك الباب الخشبي الكبير
ذو المقابض المذهبة .. وبعد قليل .. فتح الباب زوج خالته أيمن .. كان يرتدي
فوق رأسه تلك الطاقية المخرمة .. كان ممتليء الجسم .. يرتدي نظارة طبية فضية
اللون .. ولديه لحية قصيرة جداً تملأ عارضيه .. ثم قال له بابتسامة : تفضل يا
ولدي ..

ولكن قصي مد يده بالأوراق وقال : شكراً يا عمي .. لا داعي لذلك ..
ولكن السيد أيمن .. أخذ بيده وهو يتحدث في أمر لا جدال فيه : تفضل .. لا بد
أن تشرب لدينا الشاي .. هذه أول مرة تأتي فيها إلينا .. أهلا وسهلاً ..

دخل قصي رغماً عنه .. ولكنه عندما دخل .. أحس بإحساس غريب .. أحس بجو دافئ ..
لم يجده ولا مرة في منزله .. أحس بحميمية غير عادية .. وبراحة كبيرة ..

دخل الصالون صحيح أنه ليس بضخامة صالون فيلا قصي .. ولكنه يعتبر وسيعاً عندما
نقارنه بشقة .. كان الأثاث الأحمر القاني يزين المكان .. والإضاءة .. كانت
لها لمسة خاصة .. تعطي إيحاءً بالفخامة تناسقت مع الجدران التي كانت بنفس
اللون .. وكانت المخدات الصغيرة الذهبية تزين الكنبات العريضة ..

جلس قصي .. وهو يحس بحنين عجيب .. وبعد قليل .. جاءه أبو فرح .. ومعه الشاي
.. وراحا يتبادلا الحديث .. كان أبو فرح رجلاً بسيطاً .. خفيف الظل حلو
المعشر .. يتبادل الأحاديث في ودية وفي أريحية ..

أحس قصي أنه لا يريد أن يغادر هذا البيت .. أحس فيه براحة كبيرة .. أحس أنه
المكان الدافئ الذي كان يبحث عنه .. أحس أنه يريد أن ينام هنا .. وأن يرتاح
.. وأن يلقي بماضيه .. وللحظة راح يفكر .. أهذا المكان هو الذي تسكن فيه فرح
؟ لا بد أنها جلست أكثر من مرة على هذه المقاعد .. وابتسم لحظتها ..

وبعد دقائق كانت خالته أم فرح قد جاءت ومعها قطع مثلثة من الكيك اللذيذ ..
وجلست قليلاً .. وأحس قصي أنه قد قضى ساعة بسرعة خيالية .. فشكر الأستاذ أيمن
وخالته .. ثم خرج ..

وعندما وصل سيارته .. جلس قليلاً في المقعد وعلى شفتيه ابتسامة .. أغمض عينيه
قليلاً .. ولكنه تحرك بعد دقائق ..

وصل إلى المنزل .. كانت الساعة الثانية عشرة مساءً .. جلس على مكتبه .. وراحت
أصابعه تحرك قلم الرصاص الذي يحبه كثيراً بين أصابعه .. وراح يكتب ..

أهرب منك
أهرب منك .. أهرب من تقاسيم وجهك الجميلة ..
التي نقشت في قزحية عيني ..
أهرب من تقاطيع وجهك الذي طبع على جفناي من الداخل ..
أهرب من جنوني .. كلما انطبقت هذه الصورتان ..
عندما أغمض عيناي .. لتفتح بوابة الأحلام السرمدية ..
وكأنها رموز وأسرار .. لا تظهر إلا في عالم الخيال المبهر ..
أهرب منك .. رغم أن كل وجه فاتنة ما هو إلا لوحة مقتبسة منك ..
أهرب منك بكل وسيلة معروفة وغير معروفة ..
أقحمت نفسي في كتاباتي كي أهرب منك .. فوجدتني أكتب فيك ..
وأجبرت نفسي أن أنام ..
فزارتني أطيافك في أحلامك ..
أشغلت كل وقتي في كل شيء ..
فتركت كل شيء في منتصفه .. وضاع وقتي في تأملاتي ..
هذا كله .. لأني أوقن أني بأنني لو جعلتك تصلين إلي ..
ولو لدقائق .. فإني سأحترق ..
وأن التنهيدات ستبحر إلى محيط ليس له من شاطئ ..
أهرب منك لأني أفهم أني إن مسست فكري فقط ..
سينطلق الفؤاد من قفصه الفولاذي .. وستتمرد المشاعر على سلاطين العقل
والرزانة ..

أهرب منك .. كي أهيش .. أهرب منك .. ومن كل حلو فيك ..
كي لا أموت ..
أهرب منك رغم أني أبحث عنك ..
ولا بد أن أوضح أن التعقيد في شخصية هذا الإنسان .. قد طغى عليه حتى وصل إلى
كتاباته .. إن المقطع الذي يتحدث فيه عن العيون .. والصورة التي طبعت من
الداخل .. أستطيع أن أفسره في كلمات بسيطة ..

فوجه فرح قد نقش في جفنه .. في الجهة المقابل للعين .. ولكن هناك صورة أخرى
طبعت في عينه هو ..

فمتى تلتقي الصورتان ؟
عندما يغمض عينيه .. أي كلما أغمضاهما كي ينام أو ليفكر ..
وهنا توقف قصي .. وأخذ ينظر بتأمل فيما كتبه .. ويتساءل حقاً حول ما كتبه إن
كان حقيقياً .. إن كان هذا ما في قلبه .. أن هذا مجرد إحساس بالسعادة ..
بالدفيء والحنان ..

هل الكلام صادق أم مجرد كلام يكتبه ؟
فقصي .. يكتب كثيراً فقط من أجل إشباع نرجسيته المفرطة .. وكثيراً ما يضخم
مشاعره .. ويزيد في إحساسه إلى الحد الذي يجعله يكتب خواطراً غاية في الجمال

ولكن الحقيقة التي يدركها .. أنه هذه المرة لم يبذل الكثير من الجهد .. كانت
الكلمات ترتسم بكل أناقة .. بخطه الجميل الرائع .. ودون أي تكلف ..

ولكن الغريب اليوم بحق .. أن هذه الخاطرة كانت سعيدة .. تطير الكلمات في حب
.. على عكس كل خواطره السابقة التي امتلأت بآلام بلا حصر .. بل إن كل خاطرة
له في السابق كانت قمة في الكآبة المفرطة ..

وفي النهاية .. أخذ الورقة وطواها .. ورمى بها على الأرض في إهمال .. وذهب
إلى سريره لينام .. وكأنما بذلك يثبت لنفسه .. أنه لم يحبها بعد ..

إنه العيد .. عيد الفطر .. بعد شهر رمضان الذي انقضى .. فمن الناس من تزود
بالعبادة .. ومنهم من تزود بالمعاصي .. بل بعضهم تفنن في ألوان المعاصي في
شهر رمضان ..

وأتى العيد ليغير بعض المقاييس في منظور الناس .. وليجعل بعض من تزود
بالعبادة .. ينسى كل ما حصل في هذا الشهر .. ويعود الكتان كما كان ..

قصي .. في حالة تفكير متقطع .. إنه يفكر ولكن ليس بجنون مطبق .. إنه ليس ذلك
النوع من الناس الذي يغرق في بحور الحب ويتيه فيه عادة ..

انتهى ترمه الأول .. ونجح كعادته .. بتقدير جيد مرتفع ..
أما فرح فكانت تكلمه من فترة لأخرى .. تسأله عن بعض الأشياء .. لم يكن هناك
من اتصال إلا بسبب حقيقي .. وفي كل مرة كان يشعر بأنها قريبة منه .. وبان
سعادة كبيرة يحس بها عندما يقترب منها ..

أما قصي ..
أرسل لها بعض الرسائل في رمضان .. ولكنها ما كانت ترد عليها أبداً ..
ما اتصل عليها إلا لمرات قلائل ليشرح لها عن أمر ما .. كانت فرح عندما تتكلم
.. شديدة الخجل .. بالغة في الحياء .. وتعتذر أكثر من اللازم .. على إضاعة
وقت قصي .. وتحرج من أن تسأله كثيراً ..

وفي كل مرة يزداد قصي تفكيراً بها .. ولكنه ما يلبث أن يعود لأفكاره السابقة
.. فهو في أفكاره يتمرجح .. ويتقلب .. ولكن أمراً كان مؤكداً لديه .. أن
القرب منها سعادة ..

وجاء العيد .. واجتمعت عائلة أم قصي وأخواله وخالاته ..
ولأول مرة مذ مدة طويلة يذهب قصي .. وجلس هناك .. بثوبه الأبيض النقي ..
وبتقاسيم جسمه الرائعة .. وبذقنه الخفيفة .. ولأول مرة يطالع في العائلة بشيء
من الألفة .. لأول مرة يجد نفسه يجامل ويتكلم ..

وكان هذا الاجتماع في هذا العيد .. محاولة للم الشتات المتفرق .. بعد أن جرت
عدت اتصالات في العائلة .. لتنتهي هذه المشاكل وهذه القطيعة التي استمرت
لسنوات ..

وفضلوا أن يكون الاجتماع في مكان كبير .. وبعيداً عن بيوتهم .. ولذلك كان
الاجتماع في استراحة على نهاية الكورنيش ..

اسمها الأرض الخضراء ..
كانت استراحة كبيرة وواسعة للغاية .. وعلى اليسار ملحق من طابقين .. وبجواره
المسبح ..

وبقية الاستراحة كانت مساحة خضراء ممتدة .. وعلى الركن الأخير ملعب صابوني
صغير ..

كانت لطيفة لمثل هذا الاجتماع ..
وجاءت فرح .. وعرف قصي لم تشجّع أن يذهب إلى هذا الاجتماع .. بالتأكيد من أجل
فرح ..

كان ينتظر حضورها بفارغ الصبر .. وكان يطالع في الأطفال من أبناء أخواله
وخالاته اللذين راحوا يشعلون الطراطيع لتنفجر في السماء بمختلف الألوان
والأشكال ..

وبعد ربع ساعة .. وصلت فرح وأهلها .. كان ينظر لها من بعيد .. دون أن تشعر ..
كانت تلبس عبائتها الطويلة ذات الأطراف المزينة بقليل من الكروشيه .. وبقيتها
كانت سوداء أنيقة تقفل من الجوانب .. لم تضع مكياجاً مثلها مثل بقية بنات
العائلة .. لأن هذا الاجتماع يكون فيه العديد من شباب العائلة ورجالهم ..

وبعد قليل .. تحين الفرصة .. وذهب لها .. .
لأول مرة يجد نفسه بشيء من الحذر أن ترده فتاة .. كان دوماً لا يأبه .. ولكن
فرح كانت إنسانة غير عادية .. على الأقل في نظر قصي ..

كانت فرح ترتشف عصيراً .. وهي تجلس بجوار المسبح .. تشاهد الأطفال الصغار وهم
يسبحون .. إن فرح شخصية محبوبة جداً لدى الصغار .. وكانت تلعب معهم .. وترمي
لهم بعض القطع النقدية وتتحداهم فيمن يجلبها أولاً ..

اقترب منها قصي وقال لها بابتسامته الجذابة: السلام عليكم ..
نظرت فيه فرح .. وارتبكت .. وأخذت تتأكد من حجابها .. على الرغم من أنه كان
محكماً .. أما قصي فأخذ يتأملها بكل إعجاب .. ويقول في نفسه : كم أنت عذبة ..

قالت وعيناها على الأرض وعلى المسبح ..وهي تتحاشى النظر إليه : وعليكم السلام

فقال لها بدون أي تكلف :كيف حال دكتورتنا ؟

وصار خداها بلون الورد القاني وهي تطالع في جهة قصي .. دون أن تنظر إليه ..
ثم قالت : بخير .. الحمد لله ..

فتابع قصي وهو يختلق الأحاديث : ما شاء الله .. لقد عرفت النتائج .. جيد جداً
.. رائع فعلاً ..

فقالت بتساؤل حقيقي وهي لازالت تنظر إلى المسبح .. وتذوب عيناها الخجولة في
اللامكان : أليس تقديراً سيئاً .. أقصد في الثانوية ..

هنا قاطعها قصي بضحكة خفيفة .. وقال لها بكل لطافة : يا فرح .. الكليات
الصحية ليست كالثانوية ..

أحس قصي أن فرح قد ارتجف جسمها .. حين نطق باسمها .. وأحس بنبضاتها تتسارع ..
ولكنه أحس بصفاءها الذي كان بلا حدود ..

لم تعقب فرح بأي كلمة ..
ولأول مرة مذ زمن طويل .. تبقى ابتسامة قصي بكل صدق على شفتيه .. كان سعيداً
.. سعيداً إلى حد لا يوصف .. أحس بأنه يريد أن يطير .. أحس بنفسه بقدرة غير
عادية .. أحس أن الحياة قد عادت إليه من جديد .. بل لأول مرة وجد نفسه قادراً
على نسيان الماضي .. بكامل إرادته .. وأن تلك الرغبة الماسوشية في تعذيب
النفس تتلاشي .. واستمتع كما لم يستمتع من قبل .. أحس أن الحياة حلوة ..
يستحق المرء أن يعيش بين جنباتها .. كان يتكلم معها .. ولسانه يتحدث .. وعقله
في مكان آخر بالتأكيد .. بل قلبه يحلق في جموح بعيد ..

وفي النهاية قال لها بكل ثقة وثبات :فرح .. إن احتجتِ إلي أي شيء .. فأتمنى
أن تتصلي علي في أي وقت .. أنت ابنة خالتي .. ونحن في كلية واحدة .. من
سيساعدك إن لم أساعدك أنا ..

وهنا تجرأت فرح أخيراً ونظرت إليه ..
وعندما التقت عينا قصي بها .. تاه في طفولة عينيها ..
بل إن قصي لم يشاهد مثل عينيها قط في حياته .. عينين هي الطيبة بحذافيرها ..
هي الخجل والرقة معاً .. هي ابتسامات الدنيا .. بل هي الدنيا كلها ..

وكانت نظرتها له لأقل من ثواني .. أحس فيها قصي بكل هذه الأحاسيس ..
ثم أشاحت بوجهها بسرعة في خجل وقالت : بالتأكيد ..
فنهض قصي وتركتها مضى .. وعلى شفتيه ما زالت الابتسامة مزروعة ..
وعندما خرجوا .. رأى فرح وهي تخرج ..
وتعجب .. لقد كانت تلبس حجاباً كاملاً .. يغطي وجهها كله ..
لكنه عرفها من حذائها الأبيض البسيط ..
و عندما رجع إلى بيته .. دخل غرفته .. بكل سعادة .. وجلس على البيانو .. وجلس
يعزف .. وأخذت المقاطع الحلوة تخرج من بين أصابعه .. وهو يعزف بكل نشوة ..
يغمض عينيه .. وابتسامة كلها فرح .. عوضاً عن ابتسامته الساخرة .. وهو يعزف
أروع الألحان الرومانسية .. وهو يهتف في داخله .. باسمها .. كان يهتف باسم
واحد ..

فرح ..
وعندما تعب من العزف .. ذهب إلى أوراقه وأخذ يبحث .. عن ماذا ؟عن خاطرته تلك
أهرب منك ..

ولما لم يجدها .. اتصل على الخادمة .. ولما أتت .. قال لها : كانت هنالك ورقة
هنا قبل أكثر من ..

فجأة قطع كلامه وابتسم لها وقال : لا يهم .. لا بد أنك قد رميتها ..
ثم قال لها : اذهبي .. سأبحث عنها بنفسي ..
استغربت الخادمة التي كانت تتوقع توبيخاً وقسوة في الكلمات كالعادة ..فلأول
مرة يخاطبها قصي ببعض اللين ..

جلس على طاولته .. وهو يحس بقلبه ينبض في جنون ..وفجأة أخذ يضحك .. لقد جن
يومها قصي كما لم يفعل في حياته .. ونام ليلة .. ما نام مثلها من زمن .. بعد
أن اعترف بنفسه أخيراً ..

أحبك .. والله أحبك يا فرح ..
في اليوم التالي .. ذهب إلى والدته .. وجلس معها ليفطر .. وكان قصي أحيانا
يفطر مع والدته وأحيانا مع والده .. وليس كثيراً .. فقالت له والدته : ما شاء
الله أحس بك وجهك مشرقاً ..

قال لها : هذه عيناك المضيئتان ..
فقالت : الله .. الله .. لأول مرة تقول مثل هذا الكلام ..
وجلسوا يتكلمون ..
فقالت أم قصي :
فقالت له : أتعلم .. بنت خالتك فرح .. ما شاء فتاة الله قمة في الأخلاق ..
إنها ما شاء الله تحفظ 5 أجزاء من القرآن .. ولها أدب جم .. والكل يحبها ..
كان كل أخوالك سعيدون بدخولها الصيدلة ..

لم تكن والدته تقصد إثارة موضوع .. وإنما لاحظت البارحة كيف كان قصي يتكلم مع
فرح .. ولأن ولدها هذا غريب .. كانت تتوقع منه أي شيء .. فليس من المفترض أن
يكون كلامه معها دليل على الإعجاب .. ولذلك كانت تجس النبض ..

ولكنها لم تكن تدري أن قصي قد أحبها حقاً .. وأنه أخيراً اعترف لنفسه بهذا
الأمر ..

ولكنه ضحك في نفسه وعادت له سخريته ..
فقال لها : هكذا هو أخوالي .. دائماً يكرهونني .. لم لم يكن هذا شعورهم عندما
دخلت أنا كلية الصيدلة ؟

في الحقيقة إن قصي لم يكن يفرق معه أصلاً أخواله بأي حال .. ولكنه قال هذه
الكلمات فقط كي يجعل أمه تتوقف عن التحدث بتلك الطريقة المتذاكية ويدخل معها
في موضوع آخر ..

وبالفعل .. أخذت أمه تدافع عن أخواله ..
أما هو فأخذ يضحك .. بعد أن نجحت خطته ..
ولكنه كان مسروراً جداً من حديث أمه عن فرح ..
شاب فقط مثل قصي .. يدرك كم هو مذهل بحق .. أن تجد فتاة في حاضرنا هذا بهذه
الصفات .. بهذا التدين المفرح .. لتدرك أنها على الأقل من الممكن أن تحافظ
على بيتها ..

لقد عرف عنها الكثير من الأشياء .. إنها فتاة لا تخرج كثيراً من المنزل ..
لأنها تكره الخروج بلا طائل أو فائدة .. شاب مثل قصي يدرك كم تجني هذه الأنثى
من حشمتها .. يدرك أن أحداً لم يقاومه مثلما قاومته هذه الفتاة ..

لأنه كان واضحاً من أنها معجبة به .. فلغتها هي أبسط لغة في عالم الحب .. اسم
لغتها الخجل .. الذي يصونه العفاف كي لا يخدش الحياء .. صحيح .. أنه لم يعبث
معها ولم يحاول .. إلا أنه لم يرضى أبداً .. أن يضع على هذه اللوحة الجميلة
أي رتوش .. إن فرح من النوع الذي يستحق أن تضعه في حاوية زجاجية لتتأمل فيها
اليوم بأكمله ..

خبير مثله فقط بعرف أن وجود فتاة مثل هذه كنز حقيقي لا يفرط فيه أبداً ..
إنه ما زال الخبير .. مازال قصي .. صحيح أنه أحب فرح .. ولكن هذا لم يقلل من
خبرته .. ولا من ذكائه أبداً ..

ولكنه أخيراً قرر قرر القرار الأخير قرار الاعتزال الحقيقي لأي خبير ..
وحتى يكون صريحاً مع نفسه .. لم يكن فرح هو السبب الحقيقي .. صحيح أنه أحب
هذه الفتاة .. ولكن ليس بجنون .. أحبهاً .. ولكن ما حدث في السابق .. وما فكر
فيه .. كانا أسباباً أكبر .. ولذلك قرر قرراً أكبر.. حتى يؤكد على قراره هذا وحتى لا يتراجع فيه أبداً .. وحتى يغير من حياته وإلى الأبد .. بدلاً من سيره نحو الجحيم بيديه .. لماضي عذب حاضره وربما سيعذب مستقبله إن لم يتوقف عنه ..

ترى مالذي قرره قصي ؟
وما الذي ينتوي أن يفعله مع فرح ؟
وهل سيتمكن الخبير من الاعتزال ؟
هل سينسى ماضيه بهذه السهولة ؟
وما الذي تخبأه الأيام لقصي .. وما الذي تخبأه الأقدار لفرح؟
إنه ما زال الخبير .. مازال قصي .. صحيح أنه أحب فرح .. ولكن هذا لم يقلل من
خبرته .. ولا من ذكائه أبداً ..

ولكنه أخيراً قرر .. قرر القرار الأخير .. قرار الاعتزال الحقيقي لأي خبير ..
وحتى يكون صريحاً مع نفسه .. لم يكن فرح هو السبب الحقيقي .. صحيح أنه أحب
هذه الفتاة .. ولكن ليس بجنون .. أحبهاً .. ولكن ما حدث في السابق .. وما فكر
فيه .. كانا أسباباً أكبر .. ولذلك قرر قرراً أكبر.. حتى يؤكد على قراره هذا
.. وحتى لا يتراجع فيه أبداً .. وحتى يغير من حياته وإلى الأبد .. بدلاً من
سيره نحو الجحيم بيديه .. لماضي عذب حاضره وربما سيعذب مستقبله إن لم يتوقف
عنه ..


اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-02-14, 08:45 PM   #15

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الجزء الأخير
الفصل الثالث
دخل قصي على والدته في غرفة الجلوس .. كانت تطالع التلفزيون .. وبجوارها كوب
من الحليب .. وبعض من قطع الشابورة .. كانت مستمعة أيما استمتاع بهذا الطعام
الخفيف المقرمش .. خصوصاً حين يصدر ذلك الصوت في الفم .. وبلمسمه الخشن ..

تقدم قصي أمام والدته ..ووقف حائلاً لها عن التلفزيون .. فراحت وقطعة
الشابورة في فمها .. ومدت رأسها ليميل على اليسار .. كانت في قمة الإندماج ..


جمع قصي أنفاسه .. وراح لثواني يستمع لضربات قلبه الذي كان يخفق وبقوة وقال :
أريد أن أتزوج ..

ولكن والدته كانت على ذات الوضعية .. وهي تشاهد التلفاز .. وراحت تردد وراءه
: حسناً .. استعمل بطاقة ..

ثم التفتت له بقوة وحملقت فيه وقالت : ماذا ؟ أعد مرة أخرى ..
لم يتمالك قصي نفسه من الابتسام بطريقته الساخرة وهو يقول وهو يمط في الحروف
ويجعل مخارجها واضحة : أريد أن أتزوج ..

ران على الأم لحظة من الصمت وهي تنظر فيه .. وكأن عينيها صارتا قطعتين من
الزجاج .. ثم نظرت فيه بشك وقالت : أتمزح ؟

فقال لها بثقة بعد أن تعدى حاجز الخجل وقال : أبداً .. أريد أن أتزوج ..
ولسوف تدهشين أكثر حين أخبرك بالفتاة ..

راحت عينا الأم تبرق .. وفتحتهما على الأخير وقال : من ؟
فابتسم قصي وقال وهو يوميء برأسه : نعم .. هي .. إنها فرح ..
.أخيراً قرر الخبير أن يتزوج .. أخيراً قرر الخبير .. أن يعتزل .. وأن يبدأ
من حياته مرحلة جديدة ..

وعندما تلقى السيد مناف ال.... والد قصي الخبر .. تقبله في قليل من الحماس .. فمصاريف الزواج .. لا تهمه كثيراً .. ولكن ما يهمه هو اختيار ولده في الفتاة
.. رجل مثل الشيخ مناف .. كما يحب أن يدعوه الناس بهذا اللقب .. عرك الحياة
وعركته الحياة .. وصار شبه متيقن .. من أن هذه الحياة كلها عبارة عن رحلة
تجارية كبيرة .. ولذلك كان يطمح دوماً .. أن يتزوج قصي من فتاة .. على الأقل
في نفسه مستواه المادي .. إن لم تكن أثرى منه .. حتى يضمن الحياة المرفهة
لابنه .. رجل مثل الشيخ مناف .. يؤمن بأن المال هو طريق السعادة الأسطوري ..
ولكنه لن يقل ذلك لقصي .. بعد أن أخبره بقراره .. ذلك أن والده يعلم كم ابنه
عنيد .. ولأنه يعلم أن قصي لا يفكر مثله أبداً ..

لم يقلق كثيراً .. لأن الثروة التي قد يتركها .. تكفيه وتكفي أولاده وربما
حتى أحفاده .. حتى لو لم يضع قدمه في الشركة .. وتركها تسير كما كان أبوه
يسيرها ..

كانت فرح في غرفتها .. وهي ترتب الأوراق .. وتنظر في كتبها في تمعن .. تنهدت
تنهيدة طويلة .. لا زال أمامها الكثير لتنجزه .. لا زالت أمامها عدة فصول لم
تقرأها بعد .. ولا بد أن تنتهي منها قبل أن تأتي فترة الاختبارات الدورية ..
نزعت نظارتها الطبية .. واستلقت على الأرض .. وفتحت ذراعيها .. وأغمضت عينيها
.. وراحت في شبه غفوة .. إنها تلك التي تستيقظ منها ورقبتك تؤلمك كثيراً ..
وترى نفسك قد عرقت بشكل واضح ..

وبعد قليل أذن العشاء .. فنهضت فرح .. بتكاسل .. وذهبت إلى الحمام الصغير ..
وتوضأت .. وراحت تطالع في شكلها .. ثم راحت تنظر بزاوية وهي تقول في نفسها :
نعم هكذا أحلى .. ثم ابتسمت وهي ترفع كتفيها بابتسامة عذبة ..

وبعد قليل .. أتت والدتها وقالت لها .. والدماء تجري في رأسها : فرح حبيبتي

التفتت لها وقالت بعيون متسعة : نعم يا ماما ؟

كانت أمها مرتبكة .. فقالت لها : أريدك أن تأخذي حماماً سريعاً .. لدينا ضيوف ..
فقالت فرح بامتعاض : ولكن يا ماما .. لدي الكثير من الأعمال .. لم أنتهي من ..
نظرت لها والدتها بجدية وهي تقاطعها : فرح .. بسرعة .. ليس هناك وقت .. لا بد
أنها ساعة ويكونون هنا ..

كانت الأم مرتبكة .. وهي لا تفتح الصوالين .. وتعد القهوة .. وقطع الحلويات ..
تنهدت فرح .. وهي تفكر في دروسها .. ووقتها الذي سوف يضيع أدراج الرياح ..
ولكنها سلمت .. ودخلت الحمام .. ولم تمضي كثيراً من الوقت حتى تنهى استحمامها
.. خرجت .. وفتحت دولاب ملابسها الأبيض .. وراحت تبحث بين الملابس .. ثم
انتقت فستانا رقيقاً للغاية .. سماوي اللون .. يمتد طويلاً حتى قدميها ..
عاري الكتفين .. له بعض الخرزات الزرقاء الذي يلتف بطريقة حلزونية بسيطة من
تحت يدها اليسرى .. وحتى فخذها الأيمن .. كان بسيطاً جداً .. وربما كان جماله
الساحر في بساطته ..

تركت شعرها ينساب في حريرية دون أي تعقيدات .. ولبست سواراً من الذهب الأبيض
حول يدها .. ووضعت في أذنيها قرطين على شكل دمعة ..

وخرجت .. وعندما شاهدتها والدتها .. قالت : ما هذا ؟ ارتدي شالاً .. أو
جاكيتاً .. أو حتى غيري هذا الفستان .. فإنه لا يليق ..

نظرت فيها فرح باستغراب وقالت : لماذا؟
فقالت الأم بتنهيدة : كيف سيراك الرجل هكذا ؟
حدقت فرح في أمها وقالت باستنكار : عن أي رجل تتحدثين ؟
قال أم فرح : ماذا ؟ ألا تعلمين .. أن خالتك أسيل وقصي آتين ليخطبوك ؟
وقفت فرح .. وعيناها معلقتان بأمها .. وأحست بأنها تدوخ .. ثم قالت وهي ترمش
بعينيها : خالتي أسيل ..

توقفت الأم ونظرت فيها قليلاً .. ثم ابتسمت .. وفجأة .. وجدت فرح نفسها بين
أحضان أمها التي احتضنتها وهي تقول : كبرت يا فرح .. وسوف تتزوجين .. يا الله
.. لقد مرت الأيام بسرعة ..

كانت فرح تحتضنها وهي لازالت تحت تأثير المفاجأة .. ولم تُمهل كثيراً حين
أصدر جوال أم فرح رنينه إعلاناً بوصول قصي ..

"قصي .. قصي يريد أن يتزوجني .. قصي " كانت هذه الكلمات هي التي تدوي في رأس
فرح .. التي كانت تقر في قلبها .. أن شيئاً قوياً أحست به مذ رأت قصي ..
ولكنها لم تستطع حتى أن تبوح لأحد بهذا الأمر .. كانت تلمح النظرات التي
يخصها إياها .. كانت تحس كلما اقترب منها أو حتى كلما راسلته أن قلبها يخفق
ألف مرة .. بل إنها لا تدري لم راحت تتأمل كنبة الصالون ملياً حين جاء تلك
المرة .. ولم تصاعد الدم في رأسها حين كان يكلمها عند المسبح .. كانت تعترف
في داخلها بأنها معجبة به .. ولكنها ما فكرت أنه قد يتزوجها .. لأنها تعلم عن
المشاكل التي بين العائلتين .. ولأنه لم يمضي وقت طويل كثيراً بينهما ..

ابتسمت وهذه الأفكار تمر في رأسها .. وفجأة .. وجدت أمها أمامها .. وهي تقول
لها : هيا تعالي معي ..

ثم نظرت لها وقالت : ألم تلبسي شالاً بعد ..
وراحت الأم تبحث في دولابها .. حتى وجدت شالاً أبيضاً .. وجعلت فرح ترتديه ..
وراحت فرح تتقدم نحو الباب .. وأحست أن بين كل خطوة بألف دقة في قلبها ..
فتحت الباب .. وحملت أكواب العصير .. وعندما دخلت .. أحست بخجل الدنيا يملأها
.. وأحست أن يديها قد صارتا قالباً من الثلج .. ولكنها تقدمت وعينيها على
الأرض ..

فقالت أم قصي : ما شاء الله تبارك الله ..
كان قصي يجلس غير بعد عن أمه .. كان يلبس ثوباً أبيضاً رائعاً .. تبدو على
ياقاته وعلى الأكمام تلك التطريزات الفضية .. وتبلس شماغاً أبيضاً براقاً ..
وفي يده اليسرى تلك الساعة السوداء التي يبدو أنها ثمينة للغاية ..

كان يبتسم .. وتزيد سكسوكته وجهه جمالاً ..
قمت فرح له العصير .. فنظر فيها قصي .. ولاحظ إحراجها .. وقرر أن يلهو معها
قليلاً فقال : الصلاة على النبي .. سبحان البديع ..

فصار وجه فرح أحمراً كالبندورة .. وغمرها الخجل .. حتى كادت تذوب فيه ..
واتسعت ابتسامتها ..

ثم جلست .. وهي تنزل من فستانها وكأنما تخشى أن ينظر لساقها .. رغم أن قليلاً
من ساقها فقط كان واضحاً ..

هنا قالت أسيل : لقد أصريت أن يرى قصي فرح بشعرها .. هذا هو الشرع .. وأصريت
أكثر أن تريه .. فلا أظن أنك استطعت أن تريه عن كثب .. بنت أختي وأعرفك ..
تذوبين خجلاً ..

هنا التفت لها قصي وقال وعلى شفتيه ابتسامة : كيف حالك يا فرح ..
نظرت فيه فرح نصف نظرة ثم قالت وهي ترخي عينيها : الحمد لله ..
ضحكت أم فرح وقالت لأختها : هل ترين دلع البنات ..
هنا قامت أسيل .. وأمسكت فرح من يدها بلطف وقالت : تعالي يا حبيبيتي ..
نهضت فرح معها .. ويدها مثل الثلج .. وهي تنظر في أمها وكأنها تقول لها :
أنقذيني .. ولكن أمها كانت تبتسم فيها .. وفي لحظة كانت فرح أمام قصي ..
فأجلستها أسيل على المقعد المجاور ..

جلست فرح وكلها يفيض خجلاً .. وكلها يفيض حياءً .. هنا راح قصي يقول لها :
فرح ..

فقالت فرح وهي لا تزال تنظر في يديها : نعم ..
فقال لها : انظري في أولاً ..
فلم تغير فرح من جلستها .. فقال قصي بخفوت : فرح أريد أن أقول لك سراً ..
نظرت فرح إليه في تساؤل فاقترب منها ثم قال بصوت عالي وبحركة سريعة :
بسسسسسسس ..

انتفضت فرح في مكانها .. وقامت فزعة .. وخرجت من الغرفة .. والكل يضحك عليها
.. وعندما وصلت غرفتها .. رمت بنفسها فوق السرير .. وراحت تتنفس بقوة ..
ووجنتيها يكادان يتقطعان خجلاً .. ثم راحت تضحك .. وتضحك .. وتضحك .. حتى
دمعت عيناها ..

خرج قصي من بيت خالته .. وفي الطريق .. كان يتحدث مع أمه التي راحت تقول له :
ما رأيك ؟

فقال لها قصي بابتسامة : نعم أريدها ..
فقالت الأم سعيدة : لقد جعلتك تراها حتى لا تندم فيما بعد .. وحتى تقرر بنفسك ..
ثم نظرت فيه وقالت : على بركة الله إذن ..
لا يدري قصي .. لم رنت كلمة تندم في أذنيه .. أو حتى رنت كلمة القرار بوقع
أكثر حساسية .. ولوهلة .. أحس أنه قد أسقط في يده .. أحس أنه ربما تسرع في
قراره .. صحيح أنه يحس بإحساس جميل تجاه فرح .. ولكنه ليس الحب بتلك الطريقة
المجنونة .. ليس الحب الذي .......

" متى تريد الملكة ؟ " انتشلته والدته من أفكاره في الوقت المناسب .. التفت
لها قصي .. وكانت عيناه كأنما قد تحولت إلى شظية من الجحيم .. ثم قال بصوت
مختنق : في أقرب فرصة ..

التفت إلى الطريق .. وأدرك أخيراً أمراً هاماً .. يبدو أن أحد أهدافه من هذه
الزيجة .. أن ينهي الماضي .. وأن ينسى كل شيء .. وأن ينسى الألم .. وليس
الإعجاب أو الراحة والأنس بفرح فقط ..

وفي الأيام القليلة التي تلت النظرة الشرعية .. كان قصي يفكر كثيراً أنه ربما
تسرع في حكمه .. وربما كان عليه أن يتريث .. كان يفكر في فرح التي يبدو أنها
ذابت من الخجل .. ولربما وقع في قلبها .. وبشكل قوي .. أحس أنه قد يظلمها ..
وهذا الصنف بالذات لا يجب أن يظلمه .. هذا الصنف بالذات .. لا بد أن يقدسه ..
خصوصاً أنه ابنة خالته ..

ولكن كل هذه الأفكار .. لم تغير من الواقع شيئاً ..
وبعد شهر .. كان يوم عقد القرآن ..كان قصي يجلس على سريره .. وهو يحدق في
البيانو الكئيب .. وإلى الأضواء المنعكسة على زاويته في حدة .. لم يزل يفكر
مذ ذاك الوقت حتى الآن بالتردد .. لا يدري لم يحس بالخوف .. أجل .. إن هذا
القرار ليس قراراً سهلاً في نظره .. خصوصاُ في نظره .. إنه ليس أي شاب .. إنه
قصي ..

" يا عريس .. لا بد أن تتجهز " التفت قصي إلى والدته التي تزينت بأحلى الثياب
.. بل كان من الواضح جداً غلاء الفستان الذي ترتديه .. نظر لها مبتسماً وقطع
حبل أفكاره .. وقرر أن لا يفكر في أي شيء .. كل ما فكر فيه .. هو بأنه ينسى
الماضي .. كلما كان بجوار فرح .. وأنه قريباً سوف يتخلص من جحيمه .. ومن
إحساسه .. ومن بحور الدم التي كان ينهي بها علاقاته ..

ارتدى ثوبه الفخم .. كان مصنوعاً من قماش خاص جداً .. ناعم للغاية .. وبارد
.. سهل الحركة .. وفي الوقت ذاته لا يتكسر حين الجلوس والحركة .. له لمعة
براقة .. تجعل من قصي نجماً ساطعاً .. ولكن التطريزات التي تملأ الثوب ..
والأزرار السوداء .. جعلت منه حلة ولا أروع .. ثم ارتدى المشلح الأسود المزين
باللون الفضي الرائع .. وارتدى غترته البيضاء في أناقة .. وعليها ساعة على
أقل تقدير تكفي لشراء سيارة صغيرة .. وخرج .. وخرج معه الأهل جميعاً ..

وكما هي العادة عند أهل الغربية .. فإن عقد القرآن .. يتكفل به أهل العروس ..
إلا إن اتفقا على غير ذلك ..

وصل قصي وأبوه وأصدقاء أبيه وأقاربه .. فلم يكن لقصي أي من الأعمام أو العمات
.. ولم يأتي معه أخواله .. فلقد أصرت أم فرح أن تأتي أسيل أم فرح كأهل عريس
.. بمعنى : أن تكون كأنها ضيفة .. تأتي على في موعد متأخر ولا تساعد في
الترتيب أو في التنسيق .. وكان هذا ما تم ..

دخل قصي إلى فندق الدار البيضاء.. كان فندقاً جيداً .. يقيم فيه العديد من
أهالي جدة زيجاتهم .. فسعره معقول لأصحاب الدخل العادي ..

أصرت أم قصي .. أن تقام بعض التقاليد لأهل الغربية .. فجاء "الجسيس" وقام
بصوته العذب الصداح بإلقاء قصيدة طويلة ملحنة بنغمات شدية .. في حين كان قصي
يحس بإحساس غريب .. كان يحس بأنه في بلورة زجاجية .. وأنه ينظر للعالم من
حولها .. كذب من قال بأن حدث الزواج أمر عادي يمر على قلب الإنسان .. إلا لمن
لا يهتم .. ولا يعنيه الأمر .. ولا يمتلك في قلبه مشاعراً ..

وبعدها جاء عاقد القرآن " المُملِك " .. وجلس بين قصي وأبي فرح .. وبعد أن
تلا الأدعية .. وبعد أن تلا آيات من القرآن .. قال لأيمن ال... : قال : زوجتك
ابنتي فرح على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ..

فقال أيمن : زوجتك ابنتي فرح على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ..
ثم التفت إلى قصي وقال له : قل : قبلت ..
نظر قصي فيه للحظة .. وراحت الأفكار تندفع بسرعة رهيبة في رأسه .. وللحظة
كأنما ألجم عن الكلام .. للحظة تذكر الماضي كله .. بكل تفاصيله .. وتفجرت فيه
المواجع كأنها قنابل .. كان المملك ما زال ينظر فيه .. وأحس قصي أن أنفاسه
تضيق .. وأنه مقدم على ما قد يقطع به رأسه ..

راح الناس ينظرون في قصي .. وعينا المملك تبرق في انتظار ما سيقوله ..
" قبلت " .. نطق بها قصي أخيراً ..
فقال المملك وهو يواجه الناس : بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير ..
في هذه الأثناء كانت فرح من الطرف الآخر .. هي وأهلها وخالاتها والمقربات
تجلس .. وجوالها مفتوح .. وقد وضعت الميكروفون ليسمع الجميع ..

وحين نطق قصي بـ قبلت .. انطلقت الزغاريد .. وملأت أرجاء المكان .. وقبل
الجميع فرح .. وأتت أمها واحتضنتها .. وسالت منها بعض الدموع التي مسحتها
بسرعة .. حتى لا يتيه المكياج .. ويتسخ وجهها ..

وبالعودة إلى قصي .. كان يجلس على الكرسي وهو في حالة من الذهول .. كان ينظر
إلى الناس .. إلى أبيه .. وأخواله .. ومحمد أخو فرح .. وإلى الناس بعد أن
فرغوا من السلام عليه واحداً تلو الآخر ليباركوا له .. ثم التقت عيناه بعيني
نزار .. الذي كان يجلس غير بعيد .. وعلى شفتيه ابتسامة خبيثة ..

" بم كنت تفكر؟ " التفت قصي إلى المملك الذي ابتسم في وجهه بذقنه الطويلة
وراح يكلمه .. فقال قصي مبادله الابتسام : لا شيء ..

ابتسم في وجهه المملك وقال : رأيتها في أناس كثر .. الموقف جلل وعظيم .. لا
عليك .. تمم الله لك بخير ..

وهنا جاء أيمن وقال لقصي : لقد اتصلوا علي .. إنهم يريدونك هناك ..
وعبر قصي مع عمه بين الأروقة .. حتى وصل إلى صالة صغيرة .. قبل قاعة النساء
.. وفجأة .. دخلت فرح ..

وعندما دخلت شهق قصي ..
ففرح كانت أمامه .. قطعة من البدر إن لم تكن شمساً بذاتها .. كانت ترتدي
فستانا وردياً .. ضيقاً من الصدر .. ومنتفشاً من الأسفل .. تمتلئ فيه
التجاعيد بطريقة عشوائية منتظمة .. كانت هيفاء القد .. ويتعلق فستانها بتك
الحبال الصغيرة على كتفيها .. وراحت الخصل السوداء تلتف وتتعرج على رأسها
الجميل في تسريحة جعلتها خرافة من المستقبل .. كانت هذه أول مرة يراها قصي
بكامل زينتها .. وبمثل هذا الفستان الضيق الذي يجسم نصفها العلوي ..

كان وجهها الوضاء .. وابتسامتها الخجولة .. تزيدانها إشعاعا .. وعلى جفنيها
وحولهما .. بعض النقوش الوردية .. جعلت منها كالحلم .. وراحت شفتيها تتأنقان
كأنما كرز ناضج .. لا يستحق إلا القطف ..

وعندما شاهدت قصياً .. ابتسمت في خجل .. وذابت في بعضها كأنها حلوى من الكريم
.. ورفعت يديها وأمسكت بذقنها .. وراحت أظافرها تلمع بذات اللون الوردي ..
وكأنما كلها وردة ناعمة ..

وعلى عدد النساء الذين عرفهم قصي .. على عدد البنات الذي فتنوه .. والذين
فتنهم .. لم يحس بمثل هذا الشعور وهو يرى فرح .. ربما .. لأنه الشعور الوحيد
الذي أتمه بطهر ونظافة .. بعيداً عن اللعب بمشاعر البنات .. واستغلال قلوبهن
.. وإن أكثر ما سلب قلبه .. هو هالة من المشاعر التي راحت تلفهما .. لتجعل
الكون من حولهما حديقة غناء .. زرعت فيها القلوب الحمراء .. في كل مكان ..

وتاه قصي فيها .. تاه للحظات .. مرت عليه كأنها سنوات .. كأنها دهر طويل ..
كأنها عمر بأكمله .. ونسى نفسه .. نسى العالم .. نسى الماضي وعاش في جنة
الحاضر ..

ولن أتحدث عن التفاصيل التي حدثت في الحفلة .. لن أتحدث عن الزفة .. وعن
الفرحة التي فاقت الحدود .. لن أتحدث عن ارتجافة فرح وهي تمسك بيد قصي .. لن
أتحدث عن شعور قصي .. بعد أن أخيراً أحس أنه وجد لقلبه مكاناً .. بعد أن
استطاع أن ينسى الماضي .. ولو لثواني فقط .. لن أتحدث عن حال الناس وحال أم
فرح وأم قصي .. لأنها كل حدث من هذه الأحداث قد يكون قصة بحد ذاتها لها نكهة أخرى .. فكل موقف .. كل همسة ..

كل كلمة .. تستحق أن تسرد بكامل الوصف
وهناك على ركن بعيد .. جلست هي .. وراحت تنظر إلى العروسين بنظرات تنطلق منها
عيون الموت وتحمل المناجل اللامعة .. وراحت على شفتيها ترتسم تلك
الابتسامة بين قهر وشماتة .. بين حقد دفين وإحساس برغبة جموحة في الانتقام ..

كانت تضع قدمها فوق الأخرى .. ازداد توترها .. ثم .. ودون أن تهتم لأحد ..
أخرجت من حقيبتها علبة سجائر سوداء اللون من نوع دوفي دوف .. وبهدوء أشعلت
سيجارة .. وراحت تسحب في هدوء شديد .. ثم تدفع الهواء خيطاً رفيعاً .. لو أنه
امتد حقيقياً .. لأصاب قلب قصي مباشرة ..

.
هكذا انتهت هذه الليلة التاريخية .. كأنها لحظات .. كأنها دقائق مصفاة من
السعادة المختومة ..


استيقظ قصي في اليوم التالي .. بعد يوم مرهق .. وهو يحس بخمول كبير .. ثم راح
يتذكر الأمس .. وراح يبتسم .. وهو يقول في نفسه بسخرية : لقد انتهيت أيها
الخبير .. وولت أيامك .. وها أنت تدخل القفص الذهبي ..

ومرة أخرى .. وبطريقة كريهة تأتيه تلك الأفكار التي تؤلب عليه فكرة أنه ربما
قد استعجل ..

ولكنه نفض الأفكار عن رأسه .. وقرر أن لا يفكر بهذه الطريقة الغبية .. بحث عن
جواله .. ووجده تحت سريره .. وراح يبحث عن رقم فرح .. وعندما وجده .. اتصل
عليها .. وراحت النغمة الرتيبة ترن في ملل .. وبعد قليل ردت فرح .. ولكن قصي
لم يسمع سوى أصوات أنفاسها .. فقال : فرح ؟

كان يحس أن شفتيها قد تمزقتا من الضحك ومن السعادة .. ثم قالت بعد لحظات :
أجل ..

فقال قصي : كيف حالك ؟
فقالت بخفوت : بخير الحمد لله ..
فقال لها بذات الأسلوب : لم تتحدثين هكذا ؟
فقالت : لأنني تحت غطائي في السرير ..
ضحك قصي ثم قال : ولم لا ترفعين الغطاء ؟
فلم ترد فرح .. إلا أن صوت أنفاسها كان كافياً ليعرف ما تخفيه في قلبها من
الحياء .. لما بها من طفولة .. وحركات بريئة .. فقال لها وهو ينهض متجهاً نحو
البيانو : بماذا أحسست ليلة الأمس ؟

فقالت فرح بعد لحظة صمت وصوت الضحكة يكاد يخنقها : لا أعرف ..

كانت فرح في شدة الخجل .. كانت في قمة الحياء .. وكأن ما حدث حلم .. وكأن ما
حدث مجرد كان فلم قصير .. إلا أنه كان فلماً طويلاً .. فلما لحياة عائلة ..


ونكون بذلك قد قمنا بنقلة غير مسبوقة في روايتنا عن الخبير .. وعلى الرغم من
الأفكار التي تحيط بقصي .. وعلى الرغم من المخيلات التي كانت تمر عليه .. إلا
أن لهما لحظات من الرومانسية التي قد لا يحظى التاريخ بمثلها أبداً .. إنها
لحظات من الإحساس الصافي .. لحظات من عصف العاطفة ..


.في تلك الفترة والحقبة من الزمن .. عاش قصي لحظات نسى فيها العالم .. وإن
كان العالم في الحقيقة لا يعني له كثيراً .. ولكنه عاش وكأنه مخدر ..

ولكن ثمة أمر كان لا يجعل قصي يلين له طرف .. ولا يغمض له جفن .. كان كلما
ابتعد عن فرح التهمته الأفكار .. وعاثت به .. وكان لا يهدأ إلا بعد أن يلقاها
أو حتى يكلمها على أقل تقدير ..


أيام في حوض الرومانسية .. أيام في فتنة الشباب .. أيام في روح الحياة .. مضت
بين قصي وفرح .. وكأنها قد صنعت من العسل .. والشهد ..



متى قال لها وقالت له لأول مرة ..
أحبك ؟
.
ذاك موقف قد فاضت رومانسيته بحق ..
.
كان ذلك اليوم .. أول يوم يخرجون فيه مع بعضهم خارج المنزل .. بعد أن ارتجفت
فرح كثيراً وهي في السيارة .. وبعد أن أقنعتها والدتها بأن تخرج وبعد إلحاحها
الكبير ..


خرجا في المساء إلى الكورنيش .. مشيا إلى السقالة الطويلة هناك .. بعد أن سكن
العالم كله .. ولم يبقى إلا هو وهي .. وأنوار الشاطئ البلورية تضيء المكان في
هدوء رائع .. وصوت الموج .. لا زال صداه يتردد في آذانهما حتى يخلق موسيقى
طبيعية .. لها رونقها الساحر ..

كان الجو بارداً .. وكان يلبس معطفاً أسوداً .. قد رفع ياقته ليغطي به رقبته
.. ووضع يده في جيبه .. والهواء البارد يمر على وجهه فيدغدغه .. كشفت وجهها
.. فلم يكن أحد هناك .. حتى أن قصي كتب ذلك اليوم بالتفصيل ..

وقال بأن هذا كان أول ما كتبه بصدق حقيقي مذ أكثر من 7 سنوات .. وكتبها كأنه
يكلمها :

.



كم كانت جميلة ذلك اليوم .. كما لم تكن من قبل أبداً .. لعمري ما رأيت في
حياتي أجمل من روحك .. ولا أحسست بمثل ذلك اليوم قبله أبداً .. على الرغم من
أني مشيت مع كل نساء الأرض .. وجهك الصافي الرائق .. الذي يشع كالقمر في ليلة
التمام .. محمرة الخدين .. كشراب الورد ..

تفركين يدين من حرير في بعضهما .. وتدفئينها بنسيم الأزهار يخرج من شفتين
كأنهما كرز وعنب ..

أخذت يديك ووضعتها في يدي .. فسحبتها في حياء ..
وتاهت عينيك في الأرض .. وأصبح وجهك جانب الكرز ..

كيف لي أن أنسى تلك العيون النجلاء .. تلك العيون الدعجاء .. التي تنظر فيّ
باستراق مباح .. ثم تنظر إلى الأرض .. فتهيم أهدابك خيوطاً سحرية .. كل شيء
فيك مذهل إلى حد الإعجاز .. رائع إلي درجة الكمال .. يومها .. جلست أتأملك
ساعة .. لم أحس فيها إلا بك .. لم أشعر بالدنيا من حولي .. فقط أنت .. أنت ..
فأنت الدنيا كلها .. هل تذكرين كلامنا ؟

أما أنا فأحفظه بكل الحروف ..
قلتُ لك : سعادتي تفوق وصفها حين أراك ..
فابتسمتِ في خجل وقلت أنت: شكراً ..
رداً بسيطاً منك ..
فقلتُ : فهل تصدقين .. إن قلت لك ..
أني أحبك ..
كانت أول مرة أقولها لك في حياتي كلها ..
فدارت نظراتك في الأرض وصار وجهك شطر رمانة ..

وأخذت يداك الناعمتان تغوصان في بعضهما .. ورأسك يقترب أكثر من كتفيك .. ثم
أشحت بوجهك بعد أن رأيت ابتسامة .. لم أرى في حياتي أعذب منها .. ولم تردي ..
وكأنما عقد لسانك ..

فقلت لك وأنا في قمة فرحتي : بل إنك أغلى إنسانة عندي في الوجود .. وأهم
إنسانة .. أنت لي حياتي كلها ..

فلم تردي إلا بتمتمة فاتنة .. كأنما تقبلين الهواء ..
فقلتُ وأنا أمزح وأتصنع التأثر : أنت لا تحبينني صحيح ؟
فالتفتِ إلي .. ومازال خداك لون بساتين الورد ..
تحفها الزهور الوردية والبيضاء .. وقلتِ بابتسامة عذبة خجولة : ولم تقول هذا
؟

قلتُ وأنا على حالي : أنت لا تردين ولا تهتمين ..
ثم نهضت .. قلتُ : حياتي .. ليس لها معنى إن لم تحبيني .. سوف أنتحر .. وأرمي
نفسي في البحر ..

ومشيت باتجاه البحر ..
فقمت أنت والخوف قد أنساك كل الخجل والحياء .. ولحقتي بي .. أمسكت يدي ..
فأحسستُ أن أطرى ما في الوجود قد امتزج بيدي ..

وقلتِ : انتظر .. الله يخليك ..
قلتُ وأنا .. أحاول أن أنزع يديك مني .. وأركب سياج السقالة المرتفعة عن
البحر :لا .. لا سوف أقتل نفسي ..

فقلتِ والخوف قد جعلك أجمل .. جعلك عفوية .. جعلك أكثر صدقاً وشفافية .. جعلك
أقل رزانة وأكثر طيبة :

أرجوك ابتعد عن السياج قد تسقط فعلاً .. فأنا .. أنا ..
ورحت تخجلين ..
وضاعت نظراتك بين قدميك .. وبرق خديك بلون الزهر ..

فقلت وأنا أتصنع الغضب : أنا ؟! أنا لا أعني لك سوى شاب قد عقد قرانه عليك ..
لا أعني لك شيئاً حقيقياً في حياتك .. أعلم ذلك .. لن أستطيع العيش بعد الآن
.. وملت بنفسي أكثر على السياج ..

فقلتِ بهلع : والله أنت لا تعلم ما أنت بالنسبة لي ..
فقلتُ أنا : إذا أخبريني ..
فقلتِ أروع ما قلته في حياتك كلها :
أنا .. أنا .. أنا أحبك أيضاً ..
وبعدها عدت تخجلين ..
وعضضت على أطراف أصابعك .. وأخذت تجرين في حياء ..

بالله عليك أكنت تظنين أني أترك الدنيا وأنت فيها .. أتظنين أني كنت قدر أن
أفارقك هكذا .. فمشيت نحوك .. إلى أن اقتربت منك .. وكنت تنظرين إلى الناحية
الأخرى .. من شدة ما احمر وجهك .. وامتلأت بالدماء ..

فقلت لك : هل تحبينني حقاً ؟
فاستدرتِ ..
وراحت أبصارك حتى الأرض .. وصار وجهك كالتوت ..

فقلتُ : انظري إلي ..
فجمعتِ ما جمعتِ من شجاعة .. ونظرتِ إلي .. ونظرتُ أنا .. إلى الدنيا
بحذافيرها .. لم أرى في حياتي كلها .. أجمل مما رأيت ذلك اليوم .. لا شجر ولا
مطر .. ولا نهر ولا بحر .. ولا زهرة ولا وردة .. كنت شيئاً رأيته مرةً واحدةً
قبل هذا اليوم في ذاك الاجتماع .. وأفقت من سحره .. لأنه لم يدم .. أما الآن
.. فكلما نظرت في عينيك أكثر .. رأيت أكثر وأكثر ..

كنت شيئاً لا يمكن لإنسان أن يصفه مهما أوتي من ملكة التعبير .. وقفت مذهولاً
.. مشدوهاً .. ولم أفق إلا حين أصابك الخجل مرة أخرى ..

وراحت عيناك في ثورة الخجل .. وأصبح خداك .. قطعة من الياقوت ..

وابتعدت قليلاً .. وأنا لم أزل مبهوراً .. ثم أفقت ..
فقلتِ : لقد تأخرنا ..
فقلتُ لك : مازال الوقت مبكراً ..
فقلتِ مبتسمة : أما يكفيك أني قلت لك كلمة لم أقلها إنسان في حياتي كلها ..
فقلتُ وأنا أتخابث : وما هي ؟ لم أسمعها جيداً ..
فقلتِ أنت بسرعة : قلت لك بأني .. .. أحبك ..
فقلت والابتسامة لا تفارق وجهي : أنت يا كل حياتي .. أحبك ..
فاستدرتِ في خجل ..
ودارت نظراتك في الأرض وصار وجهك شطر رمانة ..
ورجعنا بعد ذلك ..

.
.كان قصي يجلس في منزل فرح .. وهو يتمدد على الأريكة في استرخاء .. بعد وجبة
غداء دسمة .. أعدتها فرح بيديها .. وراح يفكر : مضى أسبوعان مذ الملكة .. يا
سبحان الله .. أحسست بها مجرد ثواني .. أيام ..


وهنا أصدر جوال فرح رنينه .. يبدو أن فرح قد نست جوالها مع قصي .. وبدون
اهتمام .. أخذ قصي جوال فرح .. وراح ينظر للرقم ..

عجيب لم يكن الرقم مسجلاً .. تركه قصي .. رغم أن الأفكار راحت تتولد في رأسه
والشياطين وجدوا منافذهم أخيراً ..

أصدر الرنين للمرة الثانية والثالثة على التوالي ..
وفي النهاية قرر قصي الرد .. ربما يكون شيئاً ضرورياً ..
وعندما ضغط قصي على الرز الأخضر :
أهلاً يا حياتي ..
وكان الصوت صوت رجلاً ..

فتحت عينا قصي على آخرهما من الذهول ..
كانت ضربة قاصمة لقصي .. ضربة أحس أن الشياطين كلها تجمعت فيه ..
.



ترى من يكون هذا الرجل ؟
وما طبيعة علاقة فرح به ؟

ومن هي المرأ ة التي كانت في الزواج ؟


اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-02-14, 08:49 PM   #16

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم
أصدر الرنين للمرة الثانية والثالثة على التوالي ..

وفي النهاية قرر قصي الرد .. ربما يكون شيئاً ضرورياً ..
وعندما ضغط قصي على الرز الأخضر :
أهلاً يا حياتي ..
وكان الصوت صوت رجلاً ..

فتحت عينا قصي على آخرهما من الذهول ..
كانت ضربة قاصمة لقصي .. ضربة أحس أن الشياطين كلها تجمعت فيه ..




الجزء الأخير
الفصل الرابع



إنه لا شعور أسوأ من أن تحس أن الضربة قد ارتدت إليك .. قاضية في القلب .. من
أن تصاب بذات النصل .. من أن تحس أن الماضي .. وكل آثامك .. قد قررت أن تعود
إليك بسرب من الجحيم ..

كان هذا هو الإحساس الذي يملأ تكوين قصي .. وهو يستمع إلى صوت الرجل ..
ويتأمل في نبراته في تلك الكلمة البسيطة الصغيرة .. ويحس بالاهتزازات التي
تصدرها حنجرته .. لحظة مضت عليه .. كأنها تاريخ طويل .. حكى فيه مشواره الذي
سقطت فيه البنات واحدة تلو الأخرى ..


راحت أصابع قصي تزيد ضغطها على الجوال .. ولم يتكلم بأي حرف .. راح يستمع إلى
الكلام .. عل الرجل يكون مخطئاً .. فقال الرجل : فرح ؟

وأحس قصي لحظتها بما يعتصر قلبه في منتهى الوحشية .. وكأنما يقضي على آخر
آماله .. على أحلامه العظام .. وعلى الاسم الذي قرر أن يكون له الخلاص من
عذابات الدنيا ووحشياتها .. ومن تأنيب الضمير .. ومن نهايات الدم الأزلية ..
زاد ضغطه على الجوال .. حتى سمع صوت صريره .. ثم قال وعيناه اشتعلتا فصارتا
لهيباً من الغضب : من أنت يا حيوان ؟

هنا .. أقفل الرجل الجوال ..
أما قصي فأمسك الجوال وصار يضغط عليه حتى سمع بعض القطع الصغيرة تتكسر فيه ..

وراح قلبه يخفق في شدة .. فرح .. معقول يا فرح ؟!
لم يا فرح ؟لم ؟ اخترتك من بين كل الناس .. اخترتك وأحببتك كما لم أحب في
حياتي ..

لم يا فرح لم ؟
يبدو أن ذلك الصوت في عقلي .. كان حقيقياً .. يبدو أني كنت مخطئاًَ حين
اخترتها .. كل البنات مثل بعض .. كلهن حقيرات .. فقط يحتجن إلى الأسلوب
المناسب ..

ليتني ما أقدمت على الزواج منها .. ليتني بقيت طوال حياتي ذئباً وحيداً ..
أعيش في عزلتي ..


كان غضبه بلا حدود .. وإحساسه بأن كل خلية فيه تحترق .. وبأن نيران الكون
كلها قد امتلأت فيه .. وراحت مخاوفه السابقة .. وكل التردد الذي كان فيه
يتحول إلى كيان عظيم .. ومارد شيطاني يسيل من شدقيه السم ..

وما هي إلا لحظات .. ودخلت فرح .. بشعرها القصير .. وابتسامتها الحلوة ..
ونظارتها البسيطة .. ولكنها لما رأت قصياً قد احمر وجهه وراحت قطرات العرق
تلمع على جبهته .. أحست بقلق .. وتوجهت إلى قصي وهي تقول : قصي .. ما الـ ...


ولكن قصي نظر فيها وينابيع من الحمم البركانية في عينيه ..
أحست فرح أن هناك أمراً جللاً .. توجهت إليه ورفعت يدها الرقيقة .. وكأنها
تحمي نفسها بها .. ثم توجهت إليه وحاولت أن تتكلم .. ولكنها لم تعرف ما تقول
..

وعلى الرغم من عقل قصي .. كان يخبره بأن يصبر وبأن يتريث .. وبأن ينتظر ليمسك
بها متلبسة بالجريمة ..

إلا أنه لم يصبر .. ولم يقدر أن يحتمل .. كان جرحه كبيراً .. لأنها المرة
الثانية ..

حاول أن يحافظ على سكونه .. وعلى أعصابه .. حتى لا يهشمها في يديه مثل وردة
جافة وقال : لم يا فرح ؟

لم انسلخت في هذا الطريق ؟
وقفت فرح لا تعرف ما ترد ولكنها قالت : قصي ماذا تقصد ؟
حدق فيها بعينين قاسيتين ثم قال : كيف تسمحين لنفسك بأن تفعلي مثل هذا ؟ كيف
تتجرأين أن تفعلي مثل هذا ..

ثم راح يصرخ : لم مثلتي علي دور الحب .. وأنت تحبين غيري .. وأنت تريدين غيري
..

هنا صارت فرح تبكي وهي تقول : قصي والله لم أفعل شيئاً .. ماذا تقول ؟
كان قصي في ثورة من جنون .. لحظة يفقد فيها المرء نفسه .. لحظة يريد فيها أن
يشتعل .. أن يتحول إلى كتلة من الغضب تحرق من حوله .. لم يستطع أن يحكم عقله
أبداً .. فقال : كم رجلاً عرفتي قبلي .. قولي لي ..

راح صوت فرح يختنق بالدموع وهو يقول : والله يا قصي .. لم أتعرف على أحد قبلك
.. والله العظيم ..

فأمسك الجوال .. ووضعه أمام وجهها وقال : من إذا هذا الذي اتصل ؟ من ..
ثم راح قصي يكح .. وراحت قطرات الدم تتناثر على الأرضية .. كانت هذه أول مرة
تشاهد فرح قصي بهذه الحالة .. فلم تعرف ما تتصرف .. ولكنها أمسكت به وقالت :
قصي ..

واستمر قصي في نوبة من الكحة وجلس على ركبتيه .. وراحت قطرات الدم تتناثر
أكثر وأكثر .. وصارت فرح تمسك به وهي تبكي .. ولكنه نهض .. ودفعها عنه بقوة
.. وأخيراً لم تحتمل فرح ..كان قصي يصرخ فيها .. انكفأت على الأرض وراحت تبكي
.. لم تتحمل فتاة رقيقة مثلها كل هذه القسوة .. كل هذه القوة .. كل هذه
الغلظة والغضب ..

أما قصي فقال : أنا المخطيء .. ولست أنت .. نعم أنا ..
ثم أمسك بالجوال .. وألقاه في الأرض فهشمه إلى قطع صغيرة .. وفتح الباب ..
وخرج .. وفي الطريق قابل خالته .. فقالت : قصي ..

ولكنه كأن لم يرها .. تجاوزها .. وخرج من الباب .. وأقفله بقوة وراءه وخرج ..
دخل سيارته .. وهو يلهث من التعب ..


وقاد سيارته .. وهو يحس بحزن عميق .. ملأ كل أركان جسمه .. لم يجد نفسه إلا
في طريق المدينة .. كان يريد طريقاً طويلاً .. ليمشي فيه .. لا يهم مقدار
الوقت .. ولكنه يريد أن يهرب .. من الماضي .. ومن الواقع الذي ظنه سينسيه
الماضي ..

كان قد وصل إلى شبه قرار .. أن هذه الزيجة كانت مجرد غلطة .. كانت مجرد خطأ
في حياته .. لقد تردد كثيراً في اختيارها .. ولكن يبدو أنه قد أخطأ .. حين
أحبها .. وحين اختارها ..

لم تكن هذه المكالمة هي السبب في هذه الفكرة .. ولكنها كانت القشة التي قصمت
ظهر البعير .. وكانت اللحظة التي فصلت قصي عن فرح ..

للحظة .. أحس قصي بالراحة .. أنه تخلص أخيراً من أمر لا يدري إن كان صحيحاً
أو لا ..

راح ينظر للطريق الطويل أمامه .. بشيء من الحزن الكبير .. من إحساس بالضياع
.. وراحت موسيقى ياسر خليفة البحريني .. تسرقه من نفسه .. وتجعله في كوكب آخر
..

راح يتأمل أعمدة النور التي راحت تتابع في سرعة .. وإلى السيارات التي تمشيء
ببطء مقارنة بسرعته ..


وبعد أكثر من ساعتين متواصلتين من المسير .. توقف قصي عند محطة ليملأ البنزين
فتح جواله ليتصل على نزار .. وعندما نظر إلى الجوال .. وجد 56 مكالمة لم
يرد عليها .. و 3 رسائل ..

نظر إلى المكالمات .. وجدها من جوال فرح .. وجوال والدتها .. ورقم منزلها ..
فتح الرسائل :
"فرح" 1 :
قصي والله ليس لي شأن بهذه المكالمات .. إنه شاب يتصل منذ فترة ..
والله إني لا أرد عليه .. ولا أعرفه .. قصي لم تحملني أنا الذنب

"فرح " 2 :
قصي .. أرجوك .. رد علي .. أكاد أموت من الخوف ..
قصي أرجوك .. إني أموت .. لن أستطيع أن أتحمل أكثر

"فرح" 3 :
قصي .. أرجوك سامحني والله ليس بيدي ..
سامحني أرجوك .. فقط كلمني .. حتى لو كرهتني .. فقط أريد أن أطمئن عليك ..
لن أزعجك يا قصي باتصالاتي .. إن أحسست أنك تريد أن تتصل فأنا أنتظرك ..
أرجوك لا تتركني هكذا ..

أمسك قصي رأسه .. وراح ينظر إلى الطريق الذي امتلأ بالكثبان الرملية .. وأحس
أنه ضائع .. وأنه لا وجود له .. ولا كيان .. كم تمنى لو يسير في هذه الصحراء
.. حتى ينقطع به الزاد والماء .. ليموت على أرضها .. عله يجد هناك الراحة
الأبدية .. وينتهي أمامه كل شيء ..


إذا فرح كانت مظلومة .. ولكن إحساساً داخل قصي .. كان يشعره بتعاسة تفوق
الحدود ..

شعور عامر بالوحدة .. فبعد الأيام التي قضاها في رحابها .. أحس أنه قد انتهى
من هذا الأمر .. أحس انه إنسان يستحق أن يعيش .. آه يا فرح .. لم رأيتك ؟

لم قلبت حياتي وغيرتها .. وفعلت ما فعلت ..

ويبدو أن كلا من فرح وقصي لم يدركا .. أنه عندما يقع رقم بنت في يد شاب مثل
سعود .. فإنه لن يتورع أبداً في نشره لأصدقاءه .. وكل معارفه .. حتى إن كانت
البنت محترمة ..تلك هي سياسة الحقراء وتبادل الأرقام ..

استمر قصي في طريقه .. وبعد فترة من المسير .. وجد قصي نفسه في المدينة
المنورة ..

وهناك .. سأل عن فندق الشيراتون .. وقاد السيارة .. إلى هناك .. وصل .. أخذ
غرفة .. وصعد إليها ..

واستلقى على السرير .. ونام .. كان يريد ألا يفكر في شيء .. كان يريد فقط أن
ينام دون أن يحس بشيء .. ولكنه قبل أن ينام .. اتصل على والدته وأخبرها أنه
سيغيب لمدة يومين .. ولم يترك لها تفاصيلاً كعادته .. ولم يستمع لما قالته له
.. ونام ..


وبقي قصي في المدينة لمدة ثلاثة أيام .. كان فيها في حالة من الكآبة .. من
الإحساس بفقدان متعة الحياة ونشوتها .. كان يحس أن شعور الحب في قلبه كان
مزيفاً .. وأنه توهم الحب .. كان يحس أنه غير بقادر على هذا العطاء .. كان
يحس في نفسه بشيء من الخواء ..

وكان في كل يوم يستقبل من فرح وأمها أكثر من اتصال .. وفي النهاية .. استقبل
بعض الاتصالات من أخوها .. ولكنه لم يرد .. حتى والدته لم يرد عليها ..


وفي العصر .. وكما اعتاد قصي .. نزل إلى مطعم الفندق الفرنسي .. وراح يطلب من
القائمة .. وانتظر وصول الطعام وهو يكتب في نوتة صغيرة خاصة بالفندق ويرسم
بعض الشخابيط .. وهناك لمحها .. فتاة قصيرة .. يظهر طرف شعرها الأشقر من تحت
الطرحة .. عسلية العينين .. على وجهها بعض النمش الذي ظهر عادة من التشميس ..
كانت تنظر فيه .. نظر لها قصي للحظة .. والتقت عيناهما .. ولكنه لم يهتم ..
راح ينظر في الطاولة من جديد .. وما هي إلا لحظات إلا وكانت الفتاة تجلس في
المقعد المواجه له .. كانت في غاية الجرأة .. فقالت : هل من الممكن أن أجلس
هنا ؟

فقال قصي بنظرات باردة : ولم ؟
فقالت الفتاة بلكنة شامية قد تكون لأهل الأردن : هل تريد الصراحة .. أثرت
فضولي بشكل غير عادي بطريقة جلوسك هنا .. وبقهوتك التركية التي كنت تطلبها
وبما تكتب .. أنا سوزان عماد مديرة خدمة العملاء بالفندق .. عل أنت سعودي ؟

هنا انتبه قصي إلى العلامة الموجودة على صدرها والتي كان اسمها منقوشاً عليه
بأحرف سوداء ..

ولكن قصي قال وهو يتجاهل سؤالها الأخير : أفضل الجلوس وحدي ..
أحست الفتاة أنها ضيفة غير مرغوب بها .. فقامت بهدوء وهي تقول : أعتذر إن كنت
قد ضايقتك ..

فقال قصي لها دون اكتراث : لا عليك ..
فقالت قبل أن تمشي : لا بد أنها محظوظة ..
نظر فيها قصي وهو يستفهم .. فقالت بابتسامة وهي تشير إلى يد قصي : صاحبة
الدبلة ..

نظر قصي إلى الدبلة .. وشرد .. وراح يتذكر .. أيام الملكة .. والأيام التي
تلتها ..

راح يتذكر .. كم كانت السعادة تجعل من حياته طعماً ولا أحلى .. كم كانت حياته
جنة في وجود فرح .. راحت الذكريات تنساب .. وهو يفكر في تعاسته في الأيام
التي خلت .. في الأيام التي بقي فيها وحده ..

أدرك لم حتى لم يفكر حتى في أي فتاة .. بل إنه ما فكر أصلاً في جنس النساء من
بعدها .. تذكر .. أن عينيه ما صارتا المساح الذي يجمع البنات ويصنفهن ..
ليختار منهن الفتاة المناسبة ..

ترى هل هذا هو الحب ؟ ترى أهذا هو الشعور الحقيقي به ؟
ولوهلة راح يفكر فيما يمكن أن يصل لو افترق عن فرح .. ماذا ؟ ينفصل عن فرح ؟!
.. أحس قصي ببرودة في يديه .. لوهلة .. أحس بأنه لا يستطيع أن يعيش من دونها
.. لوهلة .. أحس أنه لن يحيا إن لم تكن فرح في قاموس حياته .. وأدرك أن فرح
هي قدره ..


كان قصي يحتاج إلى هذه الفرصة من التفكير .. بعيداً ووحيداً .. كان قصي بحاجة
إلى التقرير وبشكل حاسم .. ما هي فرح في حياته .. كان قد شعر بشيء نحوها ..
ولكنه لم يقرر تماماً أنه كان حباً خالصاً .. من أنه كان شعوراً حقيقياً ..
كان في حيرة من أمره .. كانت الأفكار تأخذ به يمينا ويساراً .. ولكنه كان
يحتاج إلى هذه الصدمة .. حتى يعرف قيمة فرح في حياته .. ويعرف ما يعنيه فقدها
..

وفجأة .. ودون مقدمات .. نهض قصي من مكانه .. حتى إنه ترك الطعام .. دون أن
يتناول منه لقمة واحدة .. وذهب إلى الاستقبال .. وقام بإنهاء الإجراءات ..
وبينما هو يخرج .. وجد تلك الفتاة : سوزان ..

ذهب إليها .. وكأنما عاد الخبير .. عاد كما كان .. وراحت ابتسامته الساخرة
ترتسم على وجهه وهو يقول : شكراً لك .. لن أنسى لك هذا الجميل ..

نظرت فيه الفتاة بدهشة ..
ولكنه لم ينتظرها كان قد مشى ..
وفي الطريق .. كان يحس بأن الحياة قد عادت إليه من جديد .. بعد قراره الأخير
.. نعم لقد قرر أن يعيش مع فرح .. لقد قرر أن تكون فرح هي جنته .. إنه يحبها
.. وهذه حقيقة .. وليست مجرد وهم .. إنه يحبها .. ولن يفرط بها بأي شكل كان
.. كان يفكر منذ زمن أنه يريد أن يتزوجها فقط .. لكي يتخلص من الماضي ..
ولكنه اليوم يتزوجها حتى يبني المستقبل ..

وراحت ابتسامته تتسع .. وراح يرى الأفق صار كوناً أرحب ..

كانت الساعة التاسعة حين وصل قصي إلى منزل فرح .. صعد قصي إلى شقة فرح ..
ولما كان هناك .. اتصل على جوال فرح .. وللحظات .. لم ترد فرح .. أحس قصي
بالقلق .. أحس أنه ربما قد تسرع ..

ثم فتح الخط من الناحية الأخرى .. ولم يستمع سوى لصوت شهيق حاد .. تردد قصي
قليلأً ثم قال : فرح ؟

كان من هناك صوت بكاء مكتوم .. ثم صارت فرح تبكي وهي تقول : قصي ؟ .. قصي ..
كانت فرح تبكي .. كان من الواضح أنها في حالة سيئة .. فقال قصي : اهدئي يا
فرح ..

ولكن فرح راحت تقول : قصي .. لم أكن أقصد ..
فقاطعها قصي وقال : فرح أنا أمام باب بيتكم ..
وكأن فرح لم تصدق .. توقفت للحظات لا تتكلم .. ثم سمع قصي صوت سقوط شيء ما ..
ثم فتح الباب .. كانت فرح هناك .. وقفت تحملق فيه .. بعينين أعياها الدمع ..
وجسد أصابه شيء من النحول .. وشعرها التي لم تهتم هذه المرة بترتيبه .. نظرت
في قصي لثواني .. ثم .. راحت وقفزت بين يديه .. وراحت تحتضنه وهي تبكي .. وهي
تقول : الحمد لله ..

أحس قصي كم كان غبياً حين ترك فرح .. أحس أن قلبه لم يكن فيه ذرة من العاطفة
حين فكر أن يبتعد عن فرح .. أحس بدفء عظيم .. يملأ كيانه .. أحس أنه يريد أن
يبقى في أحضانها مدى حياته ..

وهنا لأول مرة منذ سنوات طويلة .. تلألأت على عيني قصي بعض الدموع .. وهو
يحتضنها في حب ويقول لها من كل قلبه : بل سامحيني أنا يا فرح .. سامحيني ..
سأعوض عليك كل شيء سامحيني ..


وبعدها بيوم تغير رقم فرح .. وقام قصي باتصالاته .. ليُفصل رقم ذلك الشاب من
الخدمة نهائياً .. وبارك على هذا العمل بالتأكيد السيد ناظم ..

كانت هذه الحادثة بمثابة النقلة التاريخية في حياة قصي .. اللحظة التي قرر
فيها على إنهاء حياة الخبير .. والبدء من جديد .. بحياة جديدة .. حياة قصي
وفرح ..

قصي .. الذي كان أستاذاً في عالم البنات .. ماهراً إلى حد الإعجاز .. بارع
براعةً منقطعة النظير .. فجاءت فرح تلك الملاك الصغير .. وحولت حياة قصي بكل
فصولها وغيرتها إلى الأبد .. وجعلت حياته جنة سحرية .. توقع قصي أن يعيش فيها
في يوم من الأيام ..

ولقصي حياة رومانسية .. تفجرت ينابيعها أنهاراً بعد ذلك اليوم .. عندما قرر
أخيراً .. أن يترك عنان المشاعر لينطلق بلا هوادة ليكون بكل الحب .. بمنتهى
الجموح .. وبلا توقف .. وكل هذا من أجل فرح ..

فرح .. تلك الأميرة الصغيرة .. التي مذ عقد عليها قصي كتب فيها .. عشرات
الخواطر .. فرح .. التي حتى قصي استحى من أن يخاطبها قبل عقد القران كثيراً
.. كان يحس أن كلماته .. لا يحق لها أن تلامس هالة النور في وجناتها .. كم هي
تكوين لطيف .. لها في قلب قصي محبة تبلغ حدودها القصوى ..

فرح .. التي غرقت في الحب حتى أطراف شعرها .. وباتت الدنيا لها أكثر روعة
وجمالاً .. وطارت بها سحب الدنيا إلى جنة من المشاعر .. وعرف كل من كان
بجوارها أنها عاشقة .. إلى حد الهوس .. عاشقة بأسلوبها الرقيق .. ببراءتها
المتناهية .. وطيبتها الآسرة ..

ولقد أعطاها ما لا تحلم به أنثى أبداً .. أعطاها حباً لا يعطى لامرأة أبداً
.. بكل تهور .. بلا عقل أبداً .. واسمحوا لي أن أخبركم عن رومانسيته المفرطة
.. التي ولأول مرة يقوم بها قصي بلا افتعال .. بل بصدق حقيقي ..

كيف كان يكلمها ؟ كان يتحدث معها بكل رقة .. بكل حنان .. يكلمها في التلفون
.. لساعات طوال .. قد تبلغ أحيانا بدون مبالغة 6 ساعات في اليوم .. تبدأ بعد
الساعة الواحدة .. وتنقطع في الرابعة والنصف صباحاً وقت الصلاة .. وتعود
لتكتمل حتى السابعة أو الثامنة .. وهي كانت تتحدث معه وتنسى الدنيا كلها ..
وأختها الصغيرة ريم .. تأتي كل قليل .. وتقول في ملل .. ألم تنتهي بعد من
المكالمة ؟

كانت تستغرب كيف يقضي كلاهما كل هذا الوقت .. في كلام .. مجرد كلام .. ولم
تكن تعرف ريم .. أي كلام حب كان بينهما .. لم تعرف ريم .. أنهما أحبا بعض
بطريقة غير اعتيادية على الإطلاق .. لم تعرف أن الوقت في الحديث لا يكاد
أحدهما يشعر به أصلاً ..

لقد تسرب قصي إلى حياة فرح كلها .. وأدخلته هي في كل صغيرة وكبيرة في حياتها
.. حتى ذوقها في اختيار الألوان .. وشراء الملابس ..

وهو كان يقول لها من كلام الحب أروعه .. وأحلاه .. وأعذبه .. حتى أن فرح كان
قلبها ينبض ما بين كل نبضة وأخرى ..

ذات يوم قالت له :قصي ..
فقال لها : أنا ليس اسمي قصي .. أنا اسمي .. حبيبي ..
فقالت له بغنج : لاااا .. لا أقدر أن أقولها لك ..
فقال : وأنا لن أرد عليك ..
وجلس يغني ..
وهي تضحك وتقول له : قصي .. قصي ..
ولكنه استمر في الغناء ..
صمتت قليلاً .. واحمرت وجنتاها وهي تقول : حبيبي ..
فرد عليها بسرعة وقال :
أنا هنا يا حبي ..
فابتسمت وأخذت تلعب بشعرها الناعم .. وقالت : لقد كتبت شيئاً .. هل أقدر أن
أسمعك إياه ؟

أما هو فأحس أن الدنيا كلها له تتبسم .. وأن الحب قد ملأ أروقة قلبه كلها ..
وقال لها بحماس حقيقي :يا الله .. جميل جداً .. أنا أنتظر هيا قولي ..

فقالت : حسناً .. ولكنه كلام بسيط .. ليس ككلامك أبداً ..
فقال لها : وهل أنطق إلا بما تغرق فيه أنفاسي ..
فقالت : لم أسمع في حياتي كلها كلاماً مثل كلامك ..
فرد عليها: وهل رأيت أنا أحداً في مثل بهاءك .. في روعتك أو حتى في نقاء
سماءك ؟

فقالت له : هل ستقول في خاطرة مرة أخرى ..
فضحك وقال :لا .. فأنا أريد أن أسمعك أنت ..
قالت : لا تضحك إن كان كلامي بسيطاً ..
فقال لها : لن أضحك عليك أبداً يا عمري .. أيضحك الإنسان على قلبه ؟
أما فرح .. قد ذابت كلياً .. فلا أظن أنها يوماً كانت تحلم أن تسمع مثل هذا
الكلام أبداً ..

فقالت : اسمع :
ساذجة أنا وبسيطة ..
لا أعرف كيف أكتب بطريقة منمقة إليك ..
أخط لك مشاعري بكل عفوية على صحف بيضاء ..
أملأها بالشخابيط تحاكي خط يدي السيئ ..
بسيطة أنا .. لا أعرف كيف أزين كلماتي بلمستك المذهبة ..
كل حروفي من قلبي ..
بلا تكلف أو مجاملات ..
أتعامل مع من أحب بكل طفولة ..
بسيطة أنا .. لا أعرف كيف أهدي الوردة في كيس وردي ناعم ..
بل أخبئها في صدري ..
وأعطيها إياك .. بكل عفوية ..
لا أعرف كيف أتكلم معك بأسلوب خرافي ..
يكل ما في قلبي على لساني ..
أما أنت ..
لم أسمع بمن جدل الكلمات مثلك أبداً ..
وأروع من تضيف عليها قطرات من عطر الحب ..
تقدم هديتك بكل سحر ..
ورغم كل ما في تحبي ..
لو أعطيتك عمري كله ..
فلن أعبر لك ..
عن مشاعري ..
لن أعبر لك عن حبي ..

وهنا وقف قصي في مكانه .. وقال لها : فرح .. سوف آتيك حالاً .. أريد أن أخرج
معك

قالت فرح : أتتكلم حقاً ؟إنها الواحدة صباحاً !
قال لها : لا يهمني أبداً ..
قالت : لا بد أنك تمزح .. والدي سيقتلني ..
كان يعرف قصي أن الأستاذ أيمن ال.... بالفعل شديد في هذه الأمور بحق .. ولا
يحب التهاون خصوصاً فيما يخص بناته .. ولكن قصي لم يكن يهتم لشيء أبداً إلا
فرح .. فرح وفقط ..

فقال لها : وأنا زوجك .. وأريد أن أخرج معك .. لا يهمك يا حياتي .. سأتدبر
الأمر .. ومهما قال لك .. قول لي إنه قصي ..

قالت وهي تحس بحماسة غير طبيعية .. ولكن بخوف : لا يا قصي .. ستحصل مشكلة ..
قال لها : أتريدين مني بعد كل كلامك هذا .. أن أقف ساكناً في محلي .. لا بد
أنك لا تعرفيني أبداً .. هيا تجهزي الآن .. دقائق وأكون تحت البيت ..

وأقفل السماعة ..
كان في حالة من النشوة الغير طبيعية .. إنه في حالة من السكر .. لقد ثمل من
قارورة آدمية .. اسمها فرح ..

ارتدى حلة ولا أروع .. بنطال بيج فاتح أنيق جداً .. وحذاء أبيض في غاية
الروعة .. وقميص أسود ملتصق بجسمه .. تبرز منه تقاسيم عضلاته ..

وبينما هو يخرج .. فتح دولاب الرسائل .. الذي به الخاتم .. ليأخذ الساعة ..
وكأنما فاق قصي من لحظة سكر .. توقف برهة .. وهو ينظر إلى الخاتم .. وأحس
بالذكريات .. تبدأ من جديد .. في عرض نفسها كفلم سينمائي .. ولكنه ولأول مرة
قال بصوت عالي : لا .. يكفي .. سأعيش وأفرح .. وسأنسى كل الماضي ..

وخرج .. وهو لا يفكر .. كان سعيداً بهذه القوة الجديدة .. ثم انتقل بفكره إلى
فرح ..كان يريد أن يعمل لها أمراً غير تقليدي .. ماذا يفعل؟

ثم بزغت في رأسه فكرة رائعة ..وصل إلى مركز الدانوب في شارع حراء .. واشترى
بعض الأشياء ..

وبعد 10 دقائق من خروجه من الدانوب كان جوار البيت .. ونزلت فرح وهي خائفة ..
بعد أن أخبرت ريم .. إن استيقظ والدها أو والدتها .. بأن تقول لهم بأنها خرجت
مع قصي .. وعندما ركبت مع قصي .. أعطاها ابتسامته الجذابة .. وقال لها : أهلا
يا حياتي ..

أما هي فلا زالت خائفة من أبيها .. ومتوترة وقالت : قصي .. والله سوف تحصل
لنا مشكلة ..

فقال لها : لا عليك أبداً ..
قامت فرح لأول مرة بهذه المغامرة بذلك الجو من الخوف .. والمتعة في عمل ما هو
ممنوع .. على الرغم من أنه ليس محرماً على الإطلاق .. وهذا ما كان يسعد قصي
حقاً .. لأول مرة يفعل كل ما هو صحيح فقط .. وخرجا معاً .. وفرحة الدنيا لا
تكاد تسعهما .. ووضعت يداها في يديه .. وأحست بالأمان والدفء .. إنها حتى
نسيت أباها .. بل نسيت كل شيء .. ومشى قصي بالسيارة حتى وصل إلى البحر ..
وهناك بعد ميدان التوحيد .. كانت الدنيا فارغة حقاً ..

قصي .. يحب أن يخرج في هذا الوقت .. لأنه لا يوجد الكثير من الناس .. تستطيع
فرح أن تأخذ حريتها .. وتكشف وجهها إن أرادت .. ونزلت إلى تلك المنطقة
المنخفضة جوار البحر .. وجلس معها .. ما كانت المفاجأة ؟

كانت حفلة شواء .. كان قصي قد أتى بمرجل .. واشترى الفحم .. ولحم الشواء ..
وبعض العصيرات والسلطة الرائعة المذاق .. وخبز .. من الدانوب ..

أما فرح فلم تتمالك نفسها من الفرحة .. كان شيئاً مختلفاً في حياتها .. لم
تعتد على فعله ..

فقالت لقصي : أنا سأطبخ لك ..
فقال لها : أبداً .. هذه الحفلة لك أنت ..
وجلسا يشويان .. وعيونهما فيها فرحة وسعادة وابتهاجقمة الرومانسية .. تكمن في
الحياة الزوجية .. إذ ما كان الزوجان يحبان بعضهما ..

والحمد لله أن فرح رجعت إلى المنزل قبل استيقاظ والديها .. صلى قصي معها في
منزلها صلاة الفجر .. ورجع .. إنها رومانسية الحياة الزوجية .. حتى في العبادة ..

وذات يوم .. جاء قصي إلى منزل فرح ..
وقالت له خالته أم فرح .. بأنها نائمة .. وسوف توقظها حالاً ..
ولكنه قال لها : هل تسمحين أن أوقظها أنا ..
تبسمت خالته وقالت: كما تحب ..
ودخل غرفتها .. وكان هناك حمام صغير لها .. ولم يشعر قصي يوما بنشوة كهذه
المرة .. دخل الحمام .. ورأى معجون أسنانها .. وصندل الحمام على شكل أرنب
لطيف وردي .. ومغسلتها تراصت عليه بعض الكريمات .. خرج من هناك ..ومكتبها
الصغير عليه كتب الصيدلة التي يعرفها ..

ومصباح صغير .. ودولاب أبيض لامع .. ومرآة كبيرة .. وفي الطاولة الخاصة بها
.. أدوات زينتها .. وحقيبة يدها ..

أما السرير فكان يتوسط جدار غرفتها .. وراحت ستائر بيضاء في تغطي زجاج
النوافذ ..

أما هي .. فكانت ملكوتاً آخر .. كانت نائمة على السرير .. ووجد نفسه قصي لا
يكاد ينطق من جمالها .. إنه لا شيء أجمل من أن ترى هذه الصغيرة .. فرح وهي
نائمة .. إنه حتى لم يستطع أن يحول ناظريه عنها .. عيونها المغمضة .. شفاهها
الوردية .. وجناتها الناعمة .. شعرها الكثيف .. وأحلى ما كان فيها يديها ..
حتى أن قصي أخذ يفكر :

أي سحر في يديك يجعلنني أريد ألا أفارقها أبداً .. أي جمال فيها يجعلها
مجسماً في قمة الفتنة .. فأخذ يديها .. وقبلها بكل الحب .. وهنا استيقظت فرح
.. وكان أول ما طالعته .. هو قصي .. فتبسمت ..

وقالت بابتسامة ملائكية : قصي ؟
فقال لها : يا عيون قصي ..
قالت : منذ متى وأنت هنا ؟
قال لها : منذ ساعة ..
فطالعت فيه باستغراب وقالت :ولم لم توقظني ؟
قال لها : جلست أتأمل فيك ..
قالت له : تتأمل في شعري المنكوش ؟
قال لها : ما أحلاك وأنت نائمة ..
فقال له بدلع : قصي .. يكفي هذا الكلام .. من أين لك به ؟
قال لها: من وسط عينيك .. ورحيق شفتيك ..
فقالت له وهي تنهض: طيب .. دعني أغسل وجهي ..
فقال لها : دعيني أغسله لك ..
قالت له بخجل : قصي .. أنا أستحي ..
فقال لها : أنا سوف أريك الحياء ..
وأخذ المخدة .. وأخذ يرميها بها .. فقامت وهي تلقيها عليه .. وتجري من الغرفة
.. إلى أن خرجت ..

وذهبت إلى المغسلة ..
فقال لها : يجب أن أغسل لك وجهك ..
فترددت قليلاً .. فقال لها : ألا تحبينني ؟
فقالت بحياء : بلى ..
قال : إذا دعيني أغسله ..
وأغمضت عينيها .. ووضعت يديها خلف ظهرها .. فبدت كما الأطفال الصغار .. وضع
قصي الصابون في وجهها .. ثم أقفل الماء ..

فقالت : قصي ؟ هيا ..
فقال لها : ما أجملك وأنت هكذا ..
فقالت : هيا .. وجهي كله صابون .. وأنا أخاف أن أفتح عيني في الصابون ..
وكانت أم فرح قد جاءت .. وأخذت تتأملهم في سعادة ..
قال لها : أولاً قولي لي أحبك ..
فقالت في استحياء : ليس هذا وقته ..
قال لها : بلى .. قوليها أولاً ..
فقالت بابتسامة : والله أحبك ..
فغسل لها وجهها ..
وعندما فتحت عيناها .. رأت والدتها .. فذابت من الخجل .. إذ أنها لم تعتد أن
تقول مثل هذا الكلام أمام والدتها .. أما قصي وأمها فأخذوا يضحكون عليها ..
في ذلك لك اليوم كتب قصي خاطرة رائعة بحق :

وأحبها ..
من أعماق قلبي أحبها ..
أحب فرشاة أسنانها ..
والزهرة التي توشي سريرها ..
والغرة التي يتفتق منها جبينها ..
كم أحب أن أقتني دفاترها .. أن أقرأ مذكراتها ..
أن أسرق كشكولها ..
لأقرأ .. لأرى حرفها .. وآثار أناملها ..
وأحس بغضبها على ورقة مسكينة ..
قد تهتك نسيجها ..
وفرحها .. في صفحة طارت منها كلمات الجذل روح أريجها ..
وحزنها في دمعة قلم .. احترقت لطباع الحبر أطرافها ..
وحبها .. في صفحة بلورية .. تضيع فيها عبارات الحب وروداً ..
تحيلها منشوراً .. يشع طيفاً عطراً لطهارة مشاعرها ..
أحبها من نخاع أضلعي أحبها ..
أحب مخدعها .. وحقيبة يدها .. وخماراً يغطي أبصارها ..
ألا ترون معي في كل هذا رومانسية ناعمة ؟ألا ترون كيف أن قصي قد أحبها بحق
؟وفرح التي ما عاد حياتها تعني لها شيئاً بدون قصي .. ما عاد الدنيا تهمها
بقدر قصي .. لم تدري أي ماضي يحمله شاب مثله .. لم تدري أنه كان الخبير ..
كان سيد المعاكسات الذكية .. كان قصي ال..... ..

وفي يوم .. رن جوال قصي .. فأيقظه من النوم .. بعد أن سهر البارحة يكلم فرح
.. رد وقال : ألو ..

وراح من بين الأصوات صوت مألوف لقصي وهو يتسائل : قصي ؟
قال لها : من ؟
ردت عليه الفتاة من الطرف الآخر .. بصوت كأنه فحيح الثعابين وقالت : أنسيتني
يا قصي ؟نسيت سارة ..

وهنا اعتدل قصي .. وقام من نومه .. وأغمض عينيه .. أحس أنه يحلم .. ولكنه ما
لبث في لحظات أن تمالك برودة أعصابه .. وقال : أهلا يا سارة .. كيف حالك ؟

قالت له بصوت حاقد : مبروك على عروستك ..
قال لها بكل قوة وثبات جأش : الله يبارك فيك ..
وهنا قالت الفتاة : سأجرعك الظلم يا قصي .. سأريك أن سارة تأخذ حقها بذراعها
.. وأنها لا تنسى من يهينها .. انتظر .. فسأدمر لك حياتك .. كما خدعتني ..
ولن يرحمك أحد مني أبداً ..


وأقفلت الخط ..
أما قصي .. فظل الجوال في أذنيه مدة طويلة .. أغمض عينيه .. وأقفل الجوال ..
وقال : لا حول ولا قوة إلا بالله .. يبدو أن الماضي لا يريد أن ينساني ..


من هي سارة ؟
ولماذا تريد الانتقام ؟
وهل ستنجح فعلاً ؟
وكيف سيغير هذا مجرى حياة قصي ؟
وما السر الذي لم يتضح حتى الآن ؟
كل هذا سنعرفه في الجزء القادم


اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-02-14, 08:53 PM   #17

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الأخير
الفصل الخامس

إنها قصة قصي .. الخبير .. هذه القصة التي أشغلتني بحق .. فصرت أفكر فيها
ليلي ونهاري .. وتظل الكلمات في رأسي والأفكار هاجسي .. ويذهب قمر مسائي مع
شمس فجري .. وأنا مع قصي بالفعل ..

وإني لأتمنى من كل من سيقرأ هذا الجزء .. أن يتعب نفسه فقط قليلاً .. ويمر
بعينيه على الجزء السابق ..
فقط لمدة دقيقة على الأقل .. أو حتى لمجرد ثواني .. لا أريد أن أفقدكم في
الإحساس .. فأنا في قمة التواصل مع القصة .. بل إنها تمر في مجاري دمي ..

وهذا الجزء مليء بالإثارة .. بالأحداث .. بالرومانسية .. بالمفاجآت .. فقط
اقرؤا بقلوبكم .. وعيشوا مع القصة ..

أصغوا إلى جيداً .. فقصي قد أتى ..

أصوات الموسيقى هنا ناعمة حالمة .. تنساب في هدوء مثير للجوارح .. وصمت غريب
.. تسير على إيقاعه أصوات خرير المياه من نافورة قصي في غرفته .. وفي ذلك
الركن كان قصي يجلس .. ليعزف على البيانو بألحانه الخاصة المنفردة به ..

ولكنه من يرى عينيه .. يدرك أن قصي يعزف بدون أن يدرك ما يفعل بحق .. بتلك
الحيرة التي ملأت قلبه ..
وتفكيره في المجهول .. وما سيأتي به الغد من جنون .. ومن موقعه على خريطة
الحياة ..

سارة .. إنها سارة .. وأغمض عينيه قصي .. وأخذته الذكرى .. إلى تلك الفتاة
التي تعرف عليها قبل سنتين تقريباً .. كانت ثامن فتاة قد تعرف عليها مذ أتى
جدة .. الفتاة الثامنة .. بعد أن بدأ احترافه ..
ثم فتح عينيه .. وراحت تتابع تنقلات أصابعه على المفاتيح البيضاء ..
ثم نهض من عزفه حتى بدون أن يكمله .. وتوجه إلى دولابه .. وفتحه .. فظهرت
الرسائل وقد تراصت بطريقة جذابة .. وفي الرف العلوي .. كان هناك علبته ..
علبة الخاتم البلاتيني .. الذي لم يلبسه مذ أتي من السفر قبل مدة طويلة ..
وبارك على هذا القرار اقترانه بفرح أخيراً ..
وقف قليلا .. وتأمل خاتم الملكة في يديه .. وأداره في إصبعه .. فبرق في جمال
.. وصوت الماء يقطع كل هذا السكون .. ثم أخذ يبحث بين الرسائل ..
إلى أن وصل إلى رسالة ذات مظروف بيج له أطراف محترقة .. وضع عليها هو ورقة
لاصقة بيضاء مكتوب عليها بخط جميل :

سارة ماجد 1421هـ (8)
فتح الرسالة ..
كانت فيها وردة روز ذابلة .. قد تفتت .. ففاحت رائحة الورد المعتق الكئيبة ..
فتح قصي الرسالة التي كانت مطوية بطريقة مختلفة عن الرسائل العادية .. مما
ينم على أن صاحبها صاحب ذائقة جمالية ..

وأخذ يقرأ رسالتها .. كانت أشبه بقصيدة .. ولكنها بلا وزن أبداً ..
تشردت على دروب وجناتي دموع دامية ..
حفرت خندقاً من ألم باكٍ ..
وغرز نصلك المسموم بسم يشوع ..
أهلكني وقتلني برقصات آلامي ..
وارتفعت أدخنة تقطر من الشموع ..
قهراً ودماء .. وشهقات تشنجاتي ..
رميتني كطفل .. مل من عاشقة مفجوعة ..
لحبيب خان حباً أبكى ابتساماتي ..
جعلتني ذا جسد برأس مقطوع ..
عُلق بمقبرة عشاق أموات ..
دم على كتفي الأيمن مسفوح ..
بغدرك يسيل أحلى أيامي ..
أحييت لي في الأرض زروع الورد ..
والفل ودورق الأماني ..
لتدمي لي على أرض ربوع
الحب أقدامي بنزيفها الدامي ..
خناجر هلاك .. وسيف مروع ..
اجتاحتني وحطمت لي كبريائي ..
لم لم تجعلني أيها السافل قنوع ..
بأن حبك ليس من ممتلكاتي ؟
لم أفرغت من بين غدرك نوع ..
من اللهو بمشاعري المخدوعاتِ ..
لن اغفر لك ذنبك المهول ..
حتى أنتزع قلبك بنظراتي ..

وفي الركن على الأسفل كتبت :
"هذه هي نهاية المهزلة"

تنهد قصي بعد طي الورقة .. وأغلق عينيه في كل الألم ..
كانت هذه آخر رسالة من سارة .. بعد أن قلبها في يديه كما يشاء .. صحيح أن
كلماتها بسيطة .. ولكن مشاعرها كانت حاقدة .. كانت تُغرز في العيون بالألم ..

لقد جلس معها شهراً يغدق عليها من حبه .. حتى إذ ما أسكرها حبها له .. وأعمى
قلبها .. جلس يبعثرها كما يريد .. ولكنها كانت واحدة منهن .. كان لا بد أن
تذوق من أصناف العذاب .. كان لا بد من هذا ..
وصحيح أنها كانت فتاة لعوب .. ولكن قصي .. كان الخبير ..
فلما وقعت في يديه أنساها أن في عالم الرجال رجلاً غير قصي .. أنساها الدنيا
كلها .. وقطعت علاقاتها بلا استثناء ..
ولكنه كال لها من الألم ألواناً وأصنافاً .. كانت واحدة من العشرة .. الذين
سماهم قصي .. الكلاب العشرة .. واحدة من عشر فتيات .. أذاقهن قصي مرارة .. لا
يعيشها إلا من يريد أن يعذب فقط .. كان لا يطلب منهن شيئاً .. بل كان يشتري
لهن .. ويعطيهن من المال حتى إن أردن .. وكان لا يطلب الخروج أبداً إلا إن
أردن .. وكان في يوم يعطبهم حباً ما رأوا مثله ..
ولكنه كان في النهاية .. يحرقهم في بحر من الألم في الفجر التالي .. في بحر
من القلق النفسي .. في كوكب من معانة المشاعر بالفعل .. في مرحلة انعزالية .
وأطوار من الكآبة .. والإحساس بعقد الذنب والتقصير .. وتغير الكثير من
المفاهيم .. ثم ينهي الموضوع في النهاية .. بإحراق مشاعرهن في النهاية .. بكل
القسوة .. وكل الكلمات الجارحة ..

تنهد قصي .. وأحس بالذكريات المريرة تمر في رأسه في ألم .. أحس بها تتملكه من
جديد .. من الذي نبش قبرك يا سارة ؟وفتح موضوعاً قديماً ..

وهنا أصدر جواله رنينه المميز .. وكانت فرح .. رد عليها .. فسمع صوتها وهي
تقول : ألو ؟
وكأنما أطفأت هذه الكلمات لهيب إحساسه المحترق .. وجنون الشياطين التي صعدت
في رأسه .. وللحظات نسي سارة .. والماضي .. بل كل شيء ..
وقال لها وابتسامة كبيرة تاهت بين الشدقين : أهلا يا أحلى امرأة بين نساء
الكون ..
ضحكت فرح .. وكانت قد اعتادت على قصي قليلاً .. وصار خجلها أقل من السابق ..
إذ أنها كانت تذوب من الخجل .. فقالت : أهلا بكاظم الساهر ..
فقال : للتو كنت أعزف له ..
قالت :أتمنى أن أراك في غرفتك وأنت تعزف ..
قال لها : مستحيل .. لم ترينني وأنا أعزف .. أنا اعزف منذ زمن طويل ..
فقالت وهي تضحك :ولكني لم أعرفك إلا من زمن قليل .. أكنت تتوقع أن أراك منذ
زمن ولا أعجب بك ..
فقال لها وهو يتأمل كلماتها :
لم أنت دائما تحرجي أن تقولي أحبك؟
قالت بحياء :تعلم أني أستحي ..
فضحك وقال :وأنا أعشقك عندما تستحين يا حياتي ..
فقالت له مغيرة الموضوع :كيف حالك اليوم ؟
وهنا تذكر قصي الموضوع كله فقال بشيء من الوجوم : أحس ببعض الضيق ..
فقالت باهتمام وراح صوت القلق يتخلل صوتها وهي تقول : خيراً ما الموضوع ؟
فقال لها :لا أدري إنه مجرد شعور ..
فقالت : ألا تأتيني لعلي أريحك من الضيق ؟
فقال لها بصدق :كنت للتو أفكر في ذلك ..
فقالت له بسعادة : إذا هيا أنا أنتظرك .. لقد طهوت اليوم .. قطعاً من الدجاج
بصلصة فرنسية .. وعليها بعض البطاطس المهروسة .. وكريمة حلوة .. وبعض
البازلاء والذرة .. التي لن تذوق أطعم منها ..
فقال لها وهو يمزح : أنت طهوتها .. أم خادمتكم ؟
فقال له وهي تدافع : لا والله أنا .. أنا أعرف الطبخ من نعومة أظا ..
فضحك قصي وقال لها : لا أحب أكل المطاعم ..
فقالت له : لن تأكل من يد غير يدي أبداً ..
فقال : ومن هو المجنون الذي يأكل من غير يديك ..
وبعدها بقليل .. أقفل قصي السماعة ..

وذهب إلى غرفته .. وغير ملابسه بسرعة .. وجاء ليخرج .. فوجد الدولاب مفتوحاً
.. ورسالة سارة موجودة هنا .. توقف برهة .. وأحس بالأفكار تعصف برأسه .. وهو
يفكر .. ما الذي ستفعله سارة ؟كيف ستنتقم ؟


كانت الأيام تمضي .. حتى وصلت الأيام واقتربت السنة الدراسية من نهايتها ..
وكانت تلك السنة هي الأخيرة لقصي .. التي بعدها سوف يتخرج .. ولكن لم يكن
يدرك أي من كل المحيطين بفرح وقصي .. بالأحداث التي سوف تتخلل هذه الأيام ..
كانت فرح تجلس مع أختها ريم وهي تساعدها في حل بعض مسائل الرياضيات التي كانت
تكرهها ريم .. وأخذت ريم تقول : صعبة .. والله صعبة .. لا أستطيع حلها ..
فردت عليها فرح : ولم؟ الموضوع سهل للغاية .. فقط طبقي القانون العام
للمعادلات من الدرجة الثانية .. وكل شيء سوف يحل ..
فقالت ريم : لا أعرف كيف نجحت ما شاء الله في هذه المادة ؟
ابتسمت فرح وهي تقول في نفسها : أنت لم تري شيئاً في الحياة بعد .. لا في
صعوبة الحياة .. ولا في صعوبات الدراسة .. ولكنها لم تفصح بما همسة به لنفسها
.. ذلك أنها لا تريد أن تعكر عليها صفو حياتها .. ولتترك النظرة المتفائلة ..
في نفسها ..
فقالت فرح مرة أخرى : اسمعي .. سوف أشرحها لك مرة ثانـ ..
وهنا راح الجوال .. يصدر نغماته إيذاناً بمكالمة جديدة .. فهبت فرح من مكانها
.. وتركت ريم التي لحقتها بكلماتها وهي تقول : طبعاً .. قصي .. له الأولوية
المطلقة ..
لم تتمالك فرح نفسها من الابتسام .. وهي تتوجه مسرعة إلى جوالها لترى من الذي
يتصل .. وعلى الرغم من أن قصي كانت له نغمة خاصة .. إلا أن قصي كان وقتها
خارج البلاد وبالتحديد في دبي .. لقضاء بعض مصالح والده التي اعتاد أن يعتمد
على بعض منها فيها .. ولذلك قدرت أنه ربما يكون اتصالاً دولياً من جواله ..
وربما أن جوالها لم يتعرف على رقمه .. وقصي كما قلنا .. حياته الخاصة .. لها
الأولوية القصوى بعكس الكثير من الناس الذين تعني لهم الدراسة كل شيء ..
ولذلك لم يكن يعني له الكثير أن تضيع منه بعض الأيام دون حضور للجامعة ..
وعندما وصلت إلى الجوال .. أمسكته .. فوجدت رقماً غريباً .. تطلعت إليه في
خوف .. ولكنها قررت في النهاية .. ألا ترد .. فهي ما تزال متأثرة بجراحها من
تلك الحادثة القريبة ..
فتركت الجوال وراحت تنظر له في توتر .. حتى خبت أصوات الرنين .. ثم تركت
الجوال .. وقررت أن تعود مرة أخرى إلى ريم .. ولكن الجوال .. راح يتصل مرة
ثانية وثالثة .. وأحست فرح بالقلق الشديد .. ولكنها لم ترد .. كانت خائفة
كثيراً .. وقررت أن تضع الجوال على الصامت .. ثم وبعد أن تنتهي من تدريس ريم
.. فإنها سوف تعود لتكلم قصي.. وتخبره عن أمر المكالمات الغريبة ..
رجعت إلى ريم التي علت عليها الدهشة .. ظناً منها أنها تركت قصياً من أجلها
.. ولكنها لم تتكلم .. ولكنها في قرارة نفسها كانت سعيدة .. أن أختها تهتم
بها ..

جميلة هي الروابط الأخوية .. والأسرية .. جميلة إن كانت فيها حميمية ..
بعيداً عن الجفاف العاطفي .. والحرمان الحناني ..

وبعد ساعة .. انتهت فرح من شرح آخر مسألة لريم .. ويبدو أن ريم قد بدأت تجيد
مثل حل المعادلات من الدرجة الثانية بطريقة أكثر فعالية .. ثم نظرت فرح إلى
الساعة فكانت قد قاربت على التاسعة .. وذهب فكرها إلى قصي .. "اشتقت إليه ..
سأحادثه .. وفي الوقت ذاته .. سأخبره بأمر الرسائل الغريبة" ..
ذهبت حتى وصلت إلى جوالها .. فوجدت 5 مكالمات لم يرد عليها .. ورسالة واحدة
..
وعندما تأملت في الأرقام .. وجدتها كلها ذات الرقم .. فزاد انزعاجها .. وقررت
أن تتصل على قصي .. ولكن قبل ذلك .. فتحت الرسالة :

أخت فرح .. أنا أميرة .. أنت لا تعرفينني .. ولكني أود أن أتحدث معك حول
موضوع خاص .. حول خطيبك قصي ..

تجمدت فرح .. وهي لا تعرف ما تقول .. موضوع خاص بقصي ؟! .. أميرة ؟! من تكون
؟
وراحت الأفكار تدور في رأس فرح أكثر وأكثر .. وبات من الواضح أن الأمر ليس
كما كانت تظن .. وبأنه قد كان رجلاً .. وإنما بنت .. ولكن كيف تعرف هي قصي ؟

ويبدو أن الفضول لم يقتل القط فقط .. ولكنه .. يقتل الناس في أحيان كثيرة ..
وبدأت فرح تفكر .. ولكنها لم تعرف ما تتصرف .. كانت في حيرة من أمرها .. هل
تتصل على قصي وتخبره بالموضوع .. أم تتصل على الفتاة .. وترى ما لديه .. ربما
...
وراح جوالها يصدر تلك النغمات معلناً عن اتصال جديد .. أمسكت فرح بالجوال ..
وكان الرقم الغريب يتألق مرة أخرى .. وراحت تفكر .. ترى أتكون مكيدة من رجل
آخر .. ولكني غيرت جوالي للمرة الثانية .. حتى عبير لم تصل لهذا الرقم .. فقط
قريباتي .. وبعض صديقاتي المقربات .. حسناً سأرد .. وإن كان رجلاً .. لن
أتكلم .. وسوف أقفل الجوال .. وضغطت على الزر الأخضر ووضعت الجوال عند أذنها
وراحت ترهف السمع ..
"ألو ؟ " انبعث الصوت البناتي من الطرف الآخر .. لتحس فرح بالقليل من الراحة
.. والكثير من القلق .. حول ما سوف تسمعه .. وحول ما سيكون حول قصي .. فردت
وقالت : ألو ..
تنحنحت الفتاة وهي تقول : أخت فرح .. المعذرة على اتصالي بهذه الطريقة ..
وعلى هذا الأسلوب .. ولكني لم أجد بداً من الاتصال بك ..
صمتت فرح وهي تنتظر ما تقوله الفتاة .. فقالت : أنا اسمي أميرة .. امممممممم
.. لا أعرف كيف سأطلب منك هذا الأمر .. ولكن الأمر في النهاية عائد إليك ..
ولكن من الضروري أن أتحدث معك في موضوع هام .. في موضوع يخص خطيبك قصي ..
فقالت فرح : كيف تعرفين خطيبي قصي ..
ضحكت أميرة ضحكة قصيرة ثم قالت : كيف أعرفه ؟ تلك قصة طويلة .. لذلك أريد أن
أقابلك ..
ولا تدري فرح لم أحست برائحة مكيدة .. ربما لأنها لا تريد أن تدخل في مشاكل
مرة أخرى .. ولكنها قالت : لا أظن أني أستطيع ..
فقالت أميرة : أعرف أن أسلوبي غريب جداً .. ومثير للشك .. ولدي فكرة ..
أستطيع أن أقابلك في الجامعة .. في المكان الذي ترغبين فيه .. أعتقد أن هذا
سيسهل الأمر أكثر .. وحتى لا تقلقي مني .. وصدقيني .. سيهمك كثيراً جداً ما
سوف أخبرك به .. أكثر مما تتصوري ..
قالت فرح : على الأقل أعطني فكرة عن الموضوع ..
فقالت أميرة : لا أظن أن الموضوع يحتمل أن يُناقش على الهاتف يا أخت فرح ..
صمتت فرح ولم تعرف بم ترد .. فقالت أميرة وقد كانت المسيطرة على الحوار : ما
رأيك لو تقابلنا عند البازار السنوي بجوار المسرح ؟ أتوقع أن هذا مكان معروف
.. وتستطيعين أن تصلي إليه بسهولة ..
فقالت فرح وهي لا تزال تحس بامتعاض كبير : حسناً ..
فقالت أميرة : سأتصل عليك غداً في وقت الـ break ..

أقفلت السماعة فرح .. وهي تحس بشيء غريب .. كانت تحس بوقوع العاصفة الكبرى ..
ولكنها لم تدرك .. أي عاصفة ستكون .. ولم تكلم قصي .. فعلى كل حال هو سيأتي
غداَ .. وربما لو كلمته .. لكانت القصة قد انتهت نهاية أخرى ..

دخلت فرح الجامعة .. كانت لا تزال متخوفة مما تحمله لها أميرة .. وراحت تستعد
في نفسها .. وراحت تفكر في ما يمكن أن تكون هذه الأخبار .. وفي الوقت ذاته ..
وضعت في بالها .. أنها ربما تكون كاذبة ..

وصلت فرح إلى البازار .. وراحت بعينيها تجول بين الفتيات علها تعرف من منهن
هي أميرة .. ولكنها لم تستطع أن تكتشف .. فهناك الكثير جداً من البنات من
يتجولون هنا وهناك .. رن جوال فرح .. فأخرجته من حقيبتها البيضاء الصغيرة ..
وكان رقم أميرة يتألق أمامها .. رفعت الجوال وردت .. فقالت أميرة : .. أها ..
لقد رأيتك ..
وفي أقل من لحظة .. كانت يد تمتد إلى كتف فرح .. لتربت بطريقة خفيفة على
ظهرها .. التفتت فرح إلى الخلف .. فواجهت فتاة متوسطة الطول .. في طول فرح
تقريباً .. كان عودها الريان أول ما يلتفت الانتباه .. وابتسامتها التي تخفي
ملامح حزن عميق .. ونظراتها الحائرة يجعلانك تتساءل في فضول عن كنه أحزانها
.. كانت تقاطيعها حلوة .. وعينيها واسعة .. فاضحة به جمالها التي غطته
ملابسها البسيطة ..
التقت عيناها بيني فرح .. فقالت أميرة بابتسامة : أهلاً ..

جلست الفتاتان في الكافتيريا بجوار البازار .. وجلست أميرة .. وهي تنظر يمنة
ويسرة .. وهي تفرك يديها .. وراحت بعض الشعرات البنية تطير من رأسها .. ثم
نظرت إلى فرح وقالت : أعلم أنه من المفروض ألا أتكلم .. ولكن .. لا أدري ..
ربما الأفضل أن أتكلم ..
نظرت لها فرح وقالت : كيف تعرفين قصي ؟
صمتت أميرة قليلاً ثم قالت : سأحكي لك القصة .. وأرجوك صدقيني .. فتلك هي
الحقيقة .. وقد تكون الحقيقة المرة التي لم تدركيها بعد .. فقصي يا أختي فرح
.. ليس الشاب الذي تظنين ..
ضاقت عينا فرح من خلف النظارة الطبية .. وراحت تستمع .. فقالت أميرة وهي تنظر
في يديها وهي تقول : قصي .. شاب مثل الباقين .. له العشرات ممن لاكهن تحت
يديه ..
أحست فرح بقلبها الصغير يدق .. أحست بسقف عالمها الوردي يتهاوى .. أحست بالدم
يفور في رأسها .. وأن أذنيها قد بدأ يتورد فيها الدم .. فقالت : ماذا تعنين ؟
فقالت أميرة وهي تنظر لها .. وراحت حدقتا عينيها تزداد اتساعاً : قصي .. يعرف
الكثير .. الكثير جداً من البنات .. وليت الأمر اقتصر على التعرف ..
قبضت فرح يدها بقوة وهي تستمع لأميرة التي قالت : لقد كان شاباً مثل الكثيرين
.. يخرج مع بعضهن ..
قاطعتها فرح بقوة وهي تقول : أنت كذابة .. لن أسمح لك أن تقولي أي كلمة أخرى
عن قصي ..
نظرت لها أميرة بنظرة كسيرة وهي تقول : معك حق ألا تصدقي .. معك حق .. ولكنها
الحقيقة وإن كانت مرة ..
نهضت فرح من الطاولة وهي تقول : أنا لست مجبرة على استماع أي شيء مما تقولينه
..
نهضت أميرة وراحت تتطلع في عيني فرح وراحت عيناها تهتز وهي تقول : أنا آسفة
لم أقصد شيئاً .. ولكن لا بد أن أخبرك الحقيقة .. الحقيقة التي عليها تدمرت
حياتي .. وأصبحت لا أستطيع الزواج .. لأني .. لأني ..
وهنا سقطت من عينيها دمعة مرقت بسرعة على وجهها الجميل .. ثم مسحتها بسرعة ..
ثم نهضت .. وحدقت في عيني فرح وقالت : لأني أخاف من الفضيحة ..
وران صمت طويل .. صمت كان على فرح أشبه بأطول كابوس مر في حياتها بلا استثناء
.. صمت راحت فيه السكاكين تنشب في صدرها .. وتدفع الدم صنبوراً أسوداً .. صمت
رهيب .. ما بين الحقيقة والشك .. وما بين الإحساس باحتمالية صدق هذه الفتاة
..
وفجأة .. وضعت أميرة رأسها على الأرض .. ثم سالت منها الدموع .. وراحت تجري
بعيداً .. ورغم أن فرح كانت تريد أن توقفها .. وأن تطلب منها أن تنتظر .. وأن
تطلب منها التفاصيل .. لم تستطع أن تتكلم .. بقيت واقفة على نفس حالتها ..
بهستيرية الكلمات التي ألقتها أميرة عليها كالصواعق .. وراح العالم من حولها
يصبح فرغاً أسوداً وظلاماً أسوداً .. ظلت هكذا .. أكثر من ربع ساعة وهي لا
تتحرك من مكانها .. ولا تعرف كيف تمشي من مكانها .. "قصي ؟! "


كانت الساعة التاسعة مساءً .. حين حطت الطائرة برحالها في مطار جدة .. خرج
قصي من قاعة المسافرين .. ليجد نزار في استقباله .. ولم يكن لقصي سوى حقيبة
واحدة .. لم ينتظر الكثير حتى يجدها بين الأمتعة التي كانت تسير في ذلك
المسار المتحرك ..
ركب قصي مع نزار في سيارته .. وراح نزار يقود السيارة في هدوء .. ثم قال : هل
حدث شيء جديد؟
زفر قصي وهو ينظر إلى الأفق ويقول : حتى الآن لا .. ولكني لا أعرف ما الذي
يمكن أن تقدم عليه سارة .. لا بد أنها تخطط لأمر ما ..
ظلت عينا نزار على الطريق وهو يقول : انتبه .. فيبدو أنها لن تتركك وشأنك ..
فقال قصي بثقة : لن تستطيع أن تفعل شيئاً ..
نظر له نزار بطرف عينه ثم قال : ومن قال بأنها سوف تنال منك أنت ؟
نظر له قصي .. والتقت عينيهما .. وفهم قصي ما كان يرمي له نزار .. فأغمض
عينيه .. وراح ينظر إلى الناحية الأخرى ..

وصل قصي إلى المنزل .. ودخل .. كانت المصابيح مضاءة .. ويبدو أن ضيوفاً ما في
المنزل .. لم يكن ليهتم قصي كثيراً بأولاءك الضيوف .. لا بد أنهم أصدقاء
والدته .. أو المدرسات في مدرستها بمناسبة قرب نهاية العام الدراسي .. اتصل
على جوال والدته .. فردت عليه .. فقال : لقد أتيت ..
كان من الواضح تلك الضجة التي كانت خلفها وهي تقول : الحمد لله على السلامة
.. خالتك هنا معي الآن .. وفرح ستجدها في غرفتك .. لا بد أنها ملت من ....
"فرح في غرفتي ! .. مصيبة !"
راح قصي يجري باتجاه غرفته .. كم كان غبياً حين ترك دولابه دون أن يغلقه ..
ظناً منه أن لا أحد له الحق بتفتيش غرفته في المنزل .. "
وصل إلى الملحق .. وفتح الباب .. وهناك .. رأى ذلك المنظر الذي لن ينساه طوال
حياته ..
كانت فرح قد سقطت على الأرض .. أمام دولابه .. وهي تمسك في يديها بعض الرسائل
.. والأخرى قد سقطت على الأرض .. وبعض الهدايا .. كانت قد فتحت من تغليفها ..
وبعضها قد تحطمت .. وراحت عيناها على اتساعهما تُفتح .. وأنفاسها تتسارع ..
كان المنظر لا يحتاج إلى تفسير .. تقدم قصي .. وفي قلبه .. العواصف كلها
تندلع .. كان يتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه .. كان يتمنى أن لم يولد ليرى هذا
المنظر في حياته ..
أحس قصي أن الماضي كله يُنبش .. أحس أنه النعش الذي سيموت فيه حاضره .. وأن
كل الحسابات القديمة سوف تظهر .. وأن لا شيء مما فعله سيمر مر الكرام .. بل
بدأ الحساب العسير قد حان الآن .. الآن وقت دفع ثمن الأخطاء القديمة كلها ..
ذلك الذي لم يكن يضع له بالاً .. إنه بالأساس ما كان يفكر أنه سيتزوج بيوم من
الأيام .. ما كان يدرك أن أبواب الشر التي فتحها .. مازالت مستعرة بالنيران
..

فرح .. كانت ساقطة على الأرض .. وقدميها مرميتان ملتوية بدون اهتمام ..
وعيناها مفتوحتان من اتساعهما من الألم .. وقلبها المسكين قد تحطم بأكلمه ..
قد عرفت من هو قصي ..

اقترب منها قصي .. وهو لا يعرف بم يهمس .. ولكنه اقترب .. ثم قال بصوت منخفض
: فرح ..
ولكنها لم ترد .. أخذ ينادي أكثر من مرة .. وهي لا ترد .. اقترب منها .. أمسك
بكتفيها .. ونظر فيها .. فوضعت رأسها على الأرض .. وهو يقول : فرح .. ردي علي
.. فرح .. أرجـ ..
قاطعته وهي تقول : لماذا يا قصي ؟
ثم نظرت إليه .. وقد تفجرت في عينيها الدموع .. نظرت إليه .. وكأن حمم
البراكين كلها لا تجاري وصف الدموع المستعرة في عينيها .. وراحت تقول بألم :
وأنت الذي رحلت بعيداً حين كلمني شاب ليعاكسني .. أنت الذي كنت تغار علي ؟ لم
كنت تتعرف على البنات ؟ لم يا قصي ؟ ما الذي فعلته بك لتعذبني هذا العذاب ؟
لم يا قصي ؟
راح جسد قصي يرتجف .. لأول مرة في حياته .. وأحس بيديه صارتا قطعة من الثلج
.. أما فرح فكانت تنظر له ومن عينيها نهر عظيم وتقول : أتصل بك الجرأة .. أن
تنتهك أعراض الناس ..
نظر لها قصي وقال : لم أفعل ..
نظرت له وقالت : وأميرة ؟ ما فعلت بها ..
قال قصي : من أميرة ؟
صرخت فيه فرح وقالت : وأيضاً لا تذكرها .. لا تذكر من دمرت حياتها بيديك ..
وأنا ماذا ستفعل بي أيضاً .. سترميني ثم لا تذكرني ..
وراحت فرح تضرب وجهها بيديها حتى سال من فمها خيط من الدم ..
أما قصي .. فقد كان لا يستطيع الحركة .. كانت كل خلية من جسمه تئن بالألم ..
كانت كل ذرة تلعنه ألف مرة ..
أحس أنه ضائع في هذا العالم .. وأن ليس له وجود مادي محسوس .. وأن الدنيا من
حولها تفنى كلها .. وأن الحياة ما عادت لها قيمتها .. بل إنه فقد كل الحواس
.. والقدرة على التمييز .. وبدون شعور عندما ضربت فرح نفسها .. ضمها إلى صدره
بقوة .. وقال بصوت مختنق : فرح والله أحبك ..
وبمنتهى الشراسة .. دفعته فرح بعيداً عنها .. وأحس قصي لأول مرة .. أنها
تكرهه من قلبها .. أنها تكرهه من صميم روحها .. ثم ألقت نفسها على الأرض
الرخامية .. وهي تقول : رأسي .. آه يا رأسي .. سأموت ..


أما قصي .. فقد جن جنونه .. وراح يجري .. إلى المنزل الذي فيه والدته .. ودخل
عليهم وهو يقول : الحقوا علي .. وذهب الجميع بفرح إلى المستشفى .. ودخلت فرح
إلى الغرفة مع الطبيب وفرح لا تتكلم .. وظلوا في الخارج ربع ساعة .. وكلهم
يسألون قصي ما الذي حدث وقصي لا يرد عليهم .. وقصي قد انفطر قلبه .. وأحسه
أنه لو يستطيع لقتل نفسه .. وصلبها أمام المستشفى إن كان هذا هو الثمن لتكون
فرح سعيدة فقط .. كان يريد أن يقطع نفسه إلى قطع صغيرة .. ويجعل فرح تدوس
عليه بقدميها ..
خرج الدكتور .. بوجه بارد .. فجرى قصي عنده وهو يسأله بعينيه .. فقال لهم :
صدمة عصبية حادة جداً ..
فقال له قصي : وما الحل ؟
قال له الطبيب وهو يعدل من نظارته : ليس هناك أمر مؤكد .. ولكن اتركوها
لترتاح .. ولا يدخل أحد منكم عليها ..
ثم نظر إلى قصي وقال : أنت زوجها ؟
فقال قصي : أجل ..
فقال الطبيب : أنت كنت آخر من كان معها صحيح ؟
فقال قصي : صحيح ..
فقال الطبيب وهو يعدل من نظارته الطبية مرة أخرى : سنجلس سوية .. لدينا
الكثير لنناقشه ..


وجلس قصي في المستشفى .. ورجعت والدته وبقيت خالته في غرفة فرح .. ولكن قصي
عندما دخل غرفة قصي .. أخرجته خالته ثم نظرت فيه وقالت : ما الذي حدث يا قصي؟
كان قصي جامداً لا يتكلم .. ولكنها صرخت فيه وقالت : ما الذي حدث قلي ؟ هل
أنت التي ضربتها بهذا الشكل؟
نظر قصي لها ثم قال : فليقطع الله يدي إن مددتها في يوم على فرح ..
نظرت فيه الأم وقد استنفذت صبرها وقالت : قلي إذا ما الذي حدث؟
نظر لها بعين كسيرة وقال : عرفت فرح جزءً من الماضي ..

راح جوال قصي يصدر رناته التي ما كانت أبداً تناسب الموقف .. نظر قصي إلى
الرقم .. ولقد كانت سارة :
أرأيت ؟ أستطيع أن أفعـ ..

وهنا قاطعها قصي وأخذ يصرخ في المستشفى وهو ويقول :
أقسم لك يا سارة إن حصل لفرح شيء .. أقسم أني سأقتلك بيدي هاتين .. هل تفهمين
..
أقسم أني سأشرح جثتك بيدي .. وأنت تعرفينني جيداً .. وتعرفين ما أستطيع فعله
.. وتعرفين أني إن غضبت .. فلن يرحمك كائن من يكون في الدنيا .. هل سمعت ؟
وأنك أنت وأهلك وكل من يعرفونك .. لن يذوقوا في هذه الدنيا لحظة راحة .. لو
كلفني أن أسرق أموال أبي كلها .. فقط وأدعك تذوقين ألماً لم تري مثله في
حياتك أبداً .. سأدمرك يا سارة .. هل تسمعين .. سأدوسك كحشرة تحت قدمي وبلا
رحمة ..
هل تذكرين كم كنت رحيماً بك .. هل تذكرين أني ما رضيت أن أنهي على حياتك في
منذ زمن .. هل تذكرين يا سارة أم أذكرك ؟
ادعي لها بالشفاء .. فأنا جاد فيما أقول .. سأنتظر للغد .. وإن حصل لها شيء
.. فثقي أن النور لن تريه بعد اليوم .. ولن يكفيني جحيم الأرض كلها .. ولا
حتى سموم الأفاعي .. كي أنتقم منك ..
سأطرد أباك من وظيفته .. وأجعلك أمك تفصل من مدرستها .. وأختك الصغيرة حذريها
.. فطريقها إلى المدرسة قد يمتليء بالمفاجآت ..
سارة .. ورب الكعبة .. أنت لا تعرفين قصي .. لا تعرفيني حين أحقد .. لا
تعرفيني حين أفجر الكون كله .. حتى أنتقم ..
وأقسم لك أنك سترين عذابي حينها .. ولك أنت عذاب أقوم به أنا وحدي .. ولن
يثنيه عنه أحد في الكون ..
هل تفهمين ؟

لم ترد سارة .. ولكنها صمتت .. وهي تسمع كلمات قصي .. تنصب في أذنيها كالرصاص
.. بل صمت كل من بالمستشفى من مرضى ودكاترة .. وحتى خالته الذي وقفت تنظر فيه
.. وأحست أن الذي أمامها ليس بشراً .. لا بد أنه شيطان ..
وأخذ الكل ينظر إلى قصي .. الذي تحول إلى وحش .. إلى مسخ آدمي ..

إنه لا أسوء في هذه الدنيا .. أن ينتقم الناس ممن تحب .. وأن يطعنوك فيهم ..
قد نحتمل ما يلقيه الناس علينا من أذى .. قد نتحمل .. ما يجرحه الناس بنا ..
قد نستطيع أن نتعايش حين يهيننا بنو البشر .. ولكننا لا نستطيع أن آذوا من
نحب .. إن أساؤوا لمن نحب .. قد نستطيع أن نقتل أنفسنا ونقول : علينا وعلى
أعدائنا .. ولكننا لا نستطيع أن نقتل من نحب .. ولا نستطيع أن نضحي بهم ..
لأنهم علينا .. أغلى من أنفسنا ..

وهذا ما فعلته سارة .. لقد ذهبت إلى فرح .. وقالت بأنها أميرة .. واخترعت هذه
القصة .. اخترعت قصة الفتاة التي قضى قصي على مستقبلها .. وبحكم معرفتها بقصي
.. فقد قدرت أن لديه العديد من العلاقات .. وربما قد يكون فعل هذا الأمر
حقيقة .. قررت أن تدلها على طريق ما .. على مقتل قصي .. بيد الإنسانة التي
يحب .. قررت أن تعطيها جزءً مزوراً من حياة قصي .. حتى تكشف بقية الأجزاء
الحقيقة .. وفي الوقت ذاته .. تصدق هذه القصة الغير حقيقية .. لأنها لن تصدقه
مرة أخرى ..
كانت هذه هي اللعبة الخبيثة .. كانت اصياداً في ماء عكر .. وقد أجادت سارة
ضربتها في الصميم ..


خرج قصي من المستشفى .. وكله يغلي .. لقد كان هو السبب في كل هذا .. ها هو
يدفع أثمان أخطاءه كلها .. في من عشقها بكل حياته .. في فرح .. هاهو يذوق
مرارة الألم بكل المعاني .. ها هو يتمزق من فرط الإحساس الوجع .. وركبتاه لا
تحملاه .. جلس في سيارته .. جلس طويلاً .. جلس يفكر في ماضيه .. جلس يفكر في
كل شيء .. كان كل شيء في جسمه يئن .. كان كل شيء في جسمه يخور .. وإحساسه
بالوجود يخفت .. وضع رأسه على المقود .. وراحت الخيالات تمر في عقله .. ولم
يدر بنفسه إلا وقد نام ..

استيقظ قصي .. على صوت المسجد أمام المستشفى .. وهو يقرأ سورة المؤمنون ..
نزل منها لسيارة مسرعاً ..
وصلى الفجر .. توضأ .. ودخل المسجد .. ولحق الركعة الثانية .. وأكمل الصلاة
..أخذ يصلي .. كما لم يصلي من قبل .. ونزلت دموعه لأول مرة .. لأول مرة مذ
أكثر من عشر سنوات لم يبكي فيها مرة .. ولا نزلت دموعه .. بل إنه لم يسمح
بهذا ولا مرة .. كان أهون عليه .. أن يخرج الدم من فمه على أن يبكي .. ولكنه
الآن فقد كل شيء .. وما بقيت له إلا الدموع .. دموع توبة .. دموع ندم على كل
ما فعل .. دموع مرغها في الأرض .. وهو يدعي أن يشفي الله فرح .. وبكى حتى صار
يتشنج .. إنه قصي .. إنه الخبير .. تكسرت خبرته على جلمود الحياة .. وما
نفعته خبرته هذه أبدا .. كيف لها أن تعيد له فرح .. تلك التي ملأت دنياه فرحة
وبهجة .. كيف ؟؟
حتى أن من صلى بجواره .. أخذ يهديء عليه .. ويذكره بالله .. أحس قصي أنه لا
يريد شيئاً من الحياة .. أحس أنه لا يهتم بشيء إلا فرح .. كانت الاختبارات
على أبوابها .. وكانت السنة الأخيرة .. ولكن شيئاً من هذا لم يمر بباله ولم
يخطر عليه .. كل ما كان يفكر فيه هو فرح ..

ودخل المستشفى وهو كسير .. حزين .. وإن من يراه .. لا يصدق أن هذا هو قصي ..
هذا هو الخبير .. الذي لانت له شوكة نساء الأرض .. واقترب من غرفة فرح ..
دخلها .. كانت فرح تجلس .. وهي تفتح عيناها .. أحس أن الدنيا تشرق من جديد ..
اقترب منها في حذر .. ولكنها عندما رأته .. أخذت تبكي .. وتبكي ..
فقالت له الممرضة: please you cannot stay here.. you have to get out
فقال لها : I am her husband
فقالت خالته وهي تحتضن فرح : أخرج يا قصي .. ألا ترى حالتها ..
فخرج قصي وهو أكثر حزناً مما كان من قبل ..

وتغيرت حياة قصي بعد هذه الحادثة .. تماماً .. ونسي الدنيا كلها .. وصار جل
وقته يدعي لفرح بالشفاء .. بل إن من يراه ليقول عنه أنه قد صار ناسكاً ..
ولكنه كان كلما دخل عليها .. بكت .. وأخيراً منعه الطبيب من زيارتها .. لأن
زيارته لها تؤثر على حالتها كثيراً .. أتى لها أمهر الأطباء .. ثم جلب لها
الشيوخ ..

كان ينتظر أن تنام ليدخل .. ويجلس ليبكي تحت قدميها .. ويمضي ساعات يقبل
رأسها ويديها .. وهو يقول لها سامحيني أرجوك .. لم أقصد .. ويخرج قبل أن
تستيقظ ..


ومضى على هذه الحالة أكثر من شهر .. وكانت حالتها تتحسن شيئاً فشيئاً .. أما
قصي فلم يترك فرضاً في صلاته إلا صار يدعوا لها فيه ..

ذات يوم .. وفي منتصف الليل .. وجد نفسه فوق سرير ضاقت به أبعاده .. وجد نفسه
يصارع النوم .. ليحظى بلحظات من نعمة النسيان .. وإن كانت غير واعية .. وفجأة
.. نهض من سريره .. وأضاء غرفته .. وتأملها جيداً ثم أخرج من صدره تنهيدة ..
تمنى لو خرجت معها روحه .. ثم أخذ ورقة وقلماً .. وبدأ يكتب رسالته ..

الرسالة التي سيقول فيها كل شيء .. لتظهر الحقيقة الأخيرة .. التي أخفاها قصي
طوال هذه السنين ..الحقيقة التي جعلت منه ذلك الشخص ..المليء بالتناقص ..
المليء بالأسرار .. بالغموض ..

ماذا كتب ؟
هذا ما سوف يكون الجزء الأخير والفصل الأخير ..
من قصة ..
قصي ..
الخبير

الساطع
د.خالد أبوالشامات



اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-02-14, 08:56 PM   #18

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

20شعبان 1427
3:08 صباحاً
بسم الله الرحمن الرحيم

ها هو الجزء الأخير .. .
والنهاية الأخيرة لهذه القصة .. .. .
ضعوا بجواركم منديلاً ..
واستعدوا ..

ذات يوم .. وفي منتصف الليل .. وجد نفسه فوق سرير ضاقت به أبعاده .. وجد نفسه
يصارع النوم .. ليحظى بلحظات من نعمة النسيان .. وإن كانت غير واعية .. وفجأة
.. نهض من سريره .. وأضاء غرفته .. وتأملها جيداً ثم أخرج من صدره تنهيدة ..
تمنى لو خرجت معها روحه .. ثم أخذ ورقة وقلماً .. وبدأ يكتب رسالته ..



الرسالة التي سيقول فيها كل شيء .. لتظهر الحقيقة الأخيرة .. التي أخفاها قصي
طوال هذه السنين .. الحقيقة التي جعلت منه ذلك الشخص .. المليء بالتناقص ..
المليء بالأسرار .. بالغموض ..



بسم الله الرحمن الرحيم

إلى زوجتي الحبيبة .. فرح ..

إنها الثالثة صباحاً يا فرح .. ورسالتي هذه أكتبها إليك .. وأنا لأول مرة
أكتب رسالة منذ أكثر من 7 أعوام .. أتمنى أن تدركي فقط كل كلمة فيها .. حاولي
أن تفهمي التعقيد .. حاولي أن تجدي لدي من وسط هذه السطور شيئاً واحداً فقط
.. كي تفهميني على حقيقتي .. وأن تتخيلي كل شيء .. وأخيراً حاولي أن تسامحيني
.. ولكني لن أعتب عليك .. ولن ألومك إن لم تفعلي ..
هذه الرسالة .. ليست محاولة للاستعطاف .. ليست رسالة أحاول بها أن أستميل
قلبك .. إلا أني أريدك أن تعرفي الحقيقة كاملة ..

وفي حياتي كلها .. لم أهتم أن تسامحني فتاة .. إلا واحدة .. كان اسمها .. نور
..
إنها فتاة توفيت في الخامسة عشرة من عمرها .. بعد أغرب قصة حب قد تسمعي عنها
يا فرح .. إنها قصة الحب .. التي بدأت من النهاية .. بل إنها انتهت قبل أن
تبدأ حتى .. ولا تسخري منها .. فإنها فتاة لا أهتم أن أحرق الدنيا من أجلها
.. وإن كانت قد ماتت ..

بل وستتعجبي كثيراً إن قلت لك .. أن نور هذه .. كانت صديقة .. للفتاة التي
أحببتها ذات يوم من كل قلبي .. "لمياء"
لمياء .. سأذكر هذا الاسم مادامت السموات والأرض .. فتاة لم أشاهد في جمالها
فتاة في حياتي أبداً .. وصدقي أنها فتاة ما إن خرجت ومشت .. إلا تغيرت معالم
الدنيا من جمالها الباهر .. كانتا كلتاهما من مكة ..
وأنا .. وقعت في حب لمياء أسيراً .. كانت لي .. حبي الأول .. كانت حبي الأعمى
إن كنت تدركين ذلك .. حب بكل ما في من كيان .. حب إن سألتني وقتها عنه ..
فسأقول لك بصدق .. أحبها .. ومن أجلها أفعل ما تريد .. أي شيء .. وكل شيء ..
كنت حينها غضاً .. لين العود ..

وإن أخبرتك بما فعلت للمياء .. فلن تصدقي حتماً .. لن تصدقي حتى إن قلت لك ..
أني احتفظت بكل شيء كان يخصها .. كل شيء .. بل من المؤكد أنك ستسخرين .. إن
قلت لك أن لدي ورقة حلوى .. كانت قد أهدتني إياها في عيد ميلادي ..بل إني
كتبت عليها تاريخ إهدائها لي الحلوى .. والتاريخ الذي أكلتها فيه .. والله
إنها لدي ..
ستعجبين إن قلت لك ..
أني قدمت لها هدية جمعتها في سنة كاملة .. سنة كاملة وأنا أجمع لها هدية ..
لم أطلب من أحد شيئاً .. كان والدي يقدر أن يعطيني .. ولكني جمعتها أنا من
مصروفي الخاص .. وحرمت نفسي حتى من الأكل في المدرسة .. وحرمت نفسي من كل شيء
لأشتري لها .. كي تكون مني أنا فقط ..
صنعت لها حقيبة كاملة من الهدايا .. حقيبة سفر .. وملأتها بما لا يخطر لك على
بال .. من كل أنواع الهدايا .. عطور .. وقمصان فاخرة .. بل إني طلبت لها
هدايا من الخارج .. حتى لما تكدست الحقيبة وامتلأت .. أهديتها لها .. وأنا
أقول في نفسي ليتني أهديتها شيئاً أحلى .. لربما تلك الحقيبة كلفتني أكثر من
17,750 ريال ..
أتعلمين معنى مبلغ كهذا لمراهق في الرابعة عشرة؟

كنت كل يوم اكلمها .. حتى كانت فاتورة جوالي تصل ألف ريال كل شهر .. إني أكتب
لك بلغة الأرقام .. أكتب لك كل شيء .. لتعلمي الحقيقة كاملة .. ولتعيشي معي
الألم كله .. وتذوقي في فمك مسحة من كأس الموت الذي شربت منه ..
علك تفهمينني يا فرح ..

أعطيتها حباً لم يعطه إنسان لإنسانة في هذه الدنيا .. بكل جوارحي .. أحببتها
وقدمتها على نفسي في كل شيء .. حتى دعائي في صلاتي أن يحفظها ربي .. ولربما
لو قلت لك أني مستعد أن أموت من أجلها .. لظننتِ أني كنت أبالغ .. ولكني حقاً
.. كنت سأكون سعيداً بالموت على أن تصاب هي بشيء ..

كنت وقتها نقيا كالينابيع الصافية .. منتشياً كورود حانية .. طيباً .. في طور
الأطفال .. شاعرياً لأقصى درجة .. بل رقيقاً تهزني الكلمة .. وحساس .. تجرحني
الهمسة .. مرهفاً إلى حد الفتيات .. كتبت لها 245 رسالة حب .. في كل يوم
رسالة .. وقد أتخلف في يوم .. فأجد نفسي أكتب في اليوم الذي بعده أكتب ثلاثة
مرة واحدة .. وكانت ردودها على رسائلي قليلة .. ولكني وقتها أقسم لك .. أن
رسالة واحدة منها بكل رسائلي وهداياي ..

فرح .. لقد كانت لي حباً غير عادي .. كنت مخلصاً لها لدرجة أني كنت لا أطالع
التلفزيون .. لأني أعتبر ذلك خيانة .. وحتى أهلي عرفوا أني أحب .. ولكنهم لم
يهتموا كثيراً .. تلك هي السياسة التي عشتها في حياتي .. طالما أني بخير ..
طالما أني أسير في حياتي بطريقة عادية .. فلا شيء يهم ..


حتى جاء اليوم .. الذي لن أنساه في حياتي كلها .. بل هو يوم أتذكره كل يوم في
صباحي ومسائي .. وكأنه انطبع على جدران عقلي .. وصار فيها تمثالاً ضخما لا
يمكنني أن أتجاهله أبداً .. يوم يقض مضجعي ليلاً .. ويؤلم ظهري كثيراً ..
ويسكب على مرارتي كلها في كل لحظة .. ما اختليت بنفسي يوماً إلا هزتني ذكراه
.. وصفعتني .. وركلتني بمنتهى بقسوة .. وشدت شعري .. وامتصت دمي .. وهتكت
إحساسي كله ..

جاء يوم .. تمنيت فيه أن أفعل الكثير جداً .. ولكني بعده .. قمت بأكثر من هذا
الذي تمنيت ..

اتصلت بي نور .. صاحبة لمياء .. كانت مرتبكة كثيراً ..أما أنا استغربت من
اتصالها كثيراً .. ثم طلبت مقابلتي .. ترددت كثيراً .. فانا أعتبر هذا خيانة
عظمى .. يشنق آثمها .. فأصرت وبشكل غريب .. إلى أن صرخت في وقالت : إنه موضوع
يخص لمياء ..
ورغم أني أعرف نور .. وبأنها فراشة في حلة ملائكية .. رفضت أنا .. فتوسلت هي
.. رفضت مرة أخرى .. فبكت ..

نزلت إلى جدة خصيصاً لهذا اللقاء مع السائق .. فقد كنت وقتها أعيش في مكة ..
وكانت نور عند خالتها ومع أهلها في فندق البلاد يقضون يومين للاستجمام ..
ذهبت على مضض لمقابلتها ..
وأصررت على أن يكون اللقاء في الحديقة .. أي أن يكون مكاناً عاماً .. قابلتها
..
لازالت يا فرح أذكر ذلك اليوم .. بمنتهى الدقة .. بدون أن أنسى منه لحظة
واحدة .. كانت الساعة التاسعة مساءً .. وكان الجو حاراً ورطباً .. وإحساس
بالكتمة من الهواء الذي لا يتحرك .. دخلت الفندق .. من البوابة التي تطل على
الفلل والحديقة .. وكانت الأنابيب البلاستيكية في طور التركيب .. تمهيداً
لتجديدها كما كان يبدو لنظام جديد في ري الحديقة .. وكان القوس المصنوع من
أوراق الشجر يتعاقب كل أربعة أمتار ليضفي مهابة لطيفة على المكان .. ورحت
أمشي .. حتى وصلت إلى الحديقة الكبيرة التي تطل على الفلل هناك .. ولما
اقتربت .. جاءت نور .. بنت سمراء طويلة ونحيلة .. ليس فيها من معايير الجمال
الكثير .. سوى ذلك الصمت الذي يطوقها في أحيان كثيرة .. قد يظهر أحياناً من
خلف أذنها بعض الشعيرات السوداء الطويلة لتلعب برقة مع قرطها الذي لطالما
كانت تعلقه في أذنها والذي كان على شكل فراشة .. ولا زالت أحتفظ بهذا القرط
إلى اليوم ..
ومن بين عينيها الصغيرتين .. ينحدر سكون عجيب .. ولكن صدقي أن لا شيء فيها
يغري بالكثير .. كانت عادية .. فقط لمن لا يعرفها ..

تقدمت نحوي .. ورحت أنا أنظر لها وأحاول ألا أطالع في وجهها كثيراً .. كنت
مرتبكاً .. وأنا أقول : ما الموضوع ؟ هل حصل للمياء شيء ؟
نظرت في نور وكانت صامتة .. وكأنها تتأمل في .. كانت نظرتها وكأنها تهيأني
لما سيأتي تبعاً .. لما تخفيه في جعبتها .. طلبت منها الحديث وأنا متوتر ..
فتكلمت .. وليتها لم تتكلم ..
ما زلت أذكر نص كلامها حرفاً حرفاً وأنا أكتب لك هذه السطور ..


قالت لي : قبل كلامي .. أقول لك أنا آسفة .. وأتمنى أن تتحملي إلى النهاية ..
فهذه آخر مرة أستطيع أن أتحدث فيها معك ..
لم أفهم ماذا تقصد .. ولكنها أشاحت بوجهها قليلاً .. وملأت رئتيها بالهواء ..
وقالت وهي تنظر لي :
لمياء .. لا تحبك .. لمياء .. على علاقة بشخص آخر ..
سمعت أنا كلامها .. ولكني ما أحسست بشيء .. بل أنا فقدت قدرتي على الإحساس ..
وكأنما هوت بفأس كبير على رأسي .. فأرداني على الفور صريعا .. لاحظت هي هذا
الشيء .. ولكنها تابعت :
لمياء تعرفت خلال علاقتها معك على أكثر من شخص .. دام أطولهم معها أربعة أشهر
.. بل ذات يوم كلمت أكثر من 4 أشخاص .. في نفس اليوم .. وقابلت منهم اثنين ..
ولكنها .. لم تحبك حتى ..
عقدت يديها أمام صدرها .. وراحت تنظر إلى الناس الذين يمشون .. وكأنما تتحاشى
نظراتي عيناي المحملقة والمكذبة .. واستمرت لتقول : لمياء لم يعجبها أبداً ..
شخص رقيق مثلك .. كانت تسخر منك دوماً .. بل كثيراً ما تجاهلتك .. وتجاهلت
اتصالاتك .. ثم تخترع هي تلك الأكاذيب التي تصدقها أنت بحسن نية .. بل إنها
بعد أن تنهي كذبتها .. تأتي إلي وتقول لي : هل رأيت قمة البساطة .. شاب سهل
جداً ..

ولك يا فرح أن تتخيلي منظري .. منظر طفل .. حبى أول خطواته في سن المراهقة ..
كانت له لمياء هي الدنيا .. وكانت هي الروح .. وهي طعم الحياة ومعناها ..
وأنا في قمة الذهول .. وأحسست الدنيا فراغ عظيم أهوي فيه إلى مالا نهاية ..
وان رأسي يحيط به مغناطيس قوي .. يشتت قدرتي على الاستيعاب ..

فقالت وهي تنظر لي وأحسست أنها في انفعال شديد تحاول أن تخفيه : لك الحق ألا
تصدق .. ولكنها الحقيقة ..
وليكون كلامي بدليل .. انظر بنفسك ..

ووضعت أمامي علبة حمراء كبيرة ..
قلت لها بحذر: ما هذا ؟
قالت وأحسست عيناها قد بدآ بالاحمرار : كل رسائلك ..
فقلت وأنا لم أستحمل لأدافع إلى الرمق الأخير: وأيضاً سرقتها من لمياء .. ألا
يكفيك أنك تكذبين عليها .. لم تريدين أن تفرقي بيني وبينها .. ما مصلحتك ؟
ثم بدأت أستعيد تحكمي في الأمر وأنا أقول بثقة : كلامك هذا كلام حقير وسخيف
.. ولن أصدقه ..

وليتني لم أقل هذه الكلمات .. لا تعرفين إحساسي بالندم على هذه الكلمات يا
فرح .. إلى اليوم .. وهذا الإحساس يقتلني ..

نظرت لي .. ثم أغمضت عينيها المحمرتين .. ونزلت دموع لم أشهد مثلها في حياتي
.. وعضت على شفتيها .. ثم مسحت دموعها بسرعة .. وقالت وهي تدير وجهها بصوت
متقطع : لك الحق أن تكذبني .. ولكن حاول أن تسأل لمياء .. عن أي رسالة من
رسالاتك .. وسترى أنها لم تكن تقرأ واحدة منها حتى ..
قلت لها وأنا أكاد أجن : إذا كيف كانت ترد علي ؟ أجيبي ؟

وهنا نظرت في .. بعيون ملأتها الدموع .. وشفاه إلتوت من الألم .. وخدود محمرة
من الانفعال .. وظهر بعض شعرها من تحت حجابها .. وقالت بصوت منكسر .. صوت فيه
النهايات كلها :أنا التي كنت أحبك .. أنا .. أنا التي كنت أكتب الردود عليك
.. أنا التي كنت أحفظ رسائلك بكل سطر فيها .. أنا التي ما رضيت أن تتركك
لمياء هذه السنة كلها .. أنا التي ..

وهنا لم تستحمل .. وسقطت على الأرض تبكي .. وتبكي .. وبدت كأنما ذبلت ..
وانكمشت أكثر وأكثر .. وهي تضع يديها تغطي به وجهها .. ثم تمالكت ما بقي لها
من قوة وقالت وهي تنظر لي بصوت متهدج : تخيلت أنها من الممكن أن تحبك يوماً
.. تمنيت آن تكون سعيداً معها .. ففي ذلك الوقت .. سأكون أنا سعيدة ..
كنت أقنعها بأنك شاب جيد .. ولكنها لم تكن ترى فيك سوى أموالك يا قصي .. كانت
تتفاخر أمام صديقاتها دوماً .. أنها أكثر من استطاعت استنزاف فتى .. وأكثر من
استطاعت أن تجعله يعطيها المال .. هل تذكر الألف ريال التي طلبتها منك يا قصي
وقالت بأنها لحاجة ماسة وضرورية .. وأن أباها قد منع عنها المصروف لأنه شك
بعلاقتها بأحد ؟ هل تذكر ؟ لقد قامت بحفلة في بيت سارة في جدة بهذه الأموال
هي وبقية البنات ..
كل الوقت الذي كانت فيه لمياء تتحدث من جوالي .. كان جوالها يستطيع الاتصال
.. لم تكن قد انتهت بطاريته .. أو نسيته في البيت كما كانت تقول ..
أنا ..
لقد رسبت هذه السنة في المدرسة لأني أفكر فيك .. نقص وزني 10 كيلو .. من فرط
حبي لك ..
وأنت لم تفكر في .. كان كل عقلك يمتليء بلمياء .. ولم تفكر إلا فيها ..
وتجاهلت أي اهتمام لي بك ..
أنا ..

ثم تطلع في السماء وكلها دموع .. وقالت : يا الله خذ عمري .. ثم قامت .. وقد
اتسخت عباءتها .. وأخذت تجري وتجري وتجري .. وأنا ذاهل لا اعرف كيف أتصرف ..
وقفت في مكاني لا أتحرك .. وقطرات العرق أغرقتني .. من هول الصدمة .. من عشق
مدمر .. من إحساس لأول حب تعيشين فيه خدعة من الطراز الرفيع ..

بعد يومين .. أمضيتهما وأنا لا أكاد أشعر بشيء .. لم أذق فيهما طعاماً أبداً
.. كل ما كان في ذهول .. حتى النهاية ..
كان والدي مشغولاً في إيطاليا في صفقة تجارية .. وجلست معي والدتي ولكنها
كانت مشغولة .. وما احتجتها في حياتي مثل ذلك اليوم أبداً .. وفي النهاية
قررت أن أتصل بنور .. يجب أن اعرف الموضوع كله .. واتصلت .. وردت .. وقلت لها
: لا بد أن أقابلك .. صمتت يرهة ثم قالت : تستطيع أن تأتي لي في مستشفى
السلامة .. غرفة 3004
أما أنا فتوترت قليلاً وقلت : ما الموضوع ؟
قالت لي إنها مريضة بعض الشيء .. وذهبت لها بالفعل .. في صباح اليوم التالي
.. حين يغادر أبويها لأعمالهم ..
ذهبت إلى هناك .. ودخلت المستشفى .. وصعدت إلى الطابق الرابع .. ولما اقتربت
من الاستقبال الخاص بالطابق .. سألت عن الغرفة 3004 .. فقالت : أتقصد الفتاة
التي تعاني من تضخم في القلب ؟
تمعر وجهي وأنا أقول لها : لا أقصد نور فارس ..
فقالت الممرضة : نعم .. نور فارس .. المصابة بتضخم في القلب ..
فقلت لها : وكيف حالها الآن ؟
صمتت الممرضة قليلاً .. ثم قالت : الحمد لله استطعنا إنقاذها البارحة .. فقد
كانت حالتها حرجة .. ولكن الحمد لله .. كان عليها ألا تبذل مجهوداً كبيراً ..
وكان عليها ألا تنفعل كثيراً .. قلنا لها هذا أكثر من مرة .. بأن هذا مضر
كثيراً بصحتها ..

أما أنا فما عادت تحملني قدماي أكثر من هذا .. فالمفاجآت تكاد تقلني واحدة
تلو الأخرى .. جلست على أقرب كرسي .. لمدة تزيد على الساعتين .. وأنا في ذهول
تام .. ولم أهتم حتى لكلام الممرضات ..
وفي النهاية .. قمت وطرقت لها الباب .. ودخلت ..
ورأيت نور .. ونسيت أمر لمياء أمام هذه المأساة الإنسانية .. أما نور التي
كانت الشاشة الإلكترونية تسجل بجوارها كل ما يحصل لها من تغييرات .. وفي
يديها راح المغذي .. يدخل الطعام إلى جسمها الناحل ..

جلست أمامها .. كالمسحور .. ونسيت لم أتيت أنا هنا .. أخبرتني أنها مريضة منذ
سنوات بهذا المرض .. وأن حالتها حرجة .. وأنها أرادت أن تخلص ضميرها .. وأن
تخبرني عن الموضوع ..
تذكرت موضوع لمياء .. فحاولت ألا أثقل عليها وهي بهذه الحالة .. فقلت : نور
.. أريد منك الصدق .. أرجوك .. ما هو شعور لمياء تجاهي .. هل تحبني أم لا ؟
نظرت في نور .. ثم طالعت في قدميها .. وتملكتها النظرات الحزينة .. ثم قالت :
أظن أنه لا بد أن تسمع بأذنك .. فتحت السماعة بجوارها من تلفون المستشفى ..
وراحت أصابعها ببطيء تسجل رقم بيت لمياء .. وبعد قليل ردت لمياء .. وسمعت
بأذني الحقيقة .. حين فتحت نور المايكروفون .. إذ إن الجوالات في ذلك الوقت
لم يكن فيها مايكروفون .. فقط التلفونات العادية ..
فقالت نور : متى ستأتي يا لولو ؟
وكان هذا دلع لمياء .. فقالت : سآتي والبنات اليوم في السابعة ..
فقالت نور : ألم يتصل بك قصي ؟
ازدادت ضربات قلبي .. وأنا اسمع اسمي .. وكأن كل شيء سار بالبطيء .. وأنا
أسمع كلمات لمياء .. التي قالت وهي تضحك : الحمد لله لم أسمع صوته من يومين
..
قلت في نفسي : ربما تقصد أمراً آخر .. ثم تابعت لمياء : هذا الولد مثل اللبان
حين يلتصق بك .. لا يتركك .. كم هو ممل ؟
تجمدت في مكاني وأنا أحس بكوب من الثلج البارد يغرقني .. رغم أن قطرات العرق
كانت تتفصد من جبيني ..
فقالت نور وهي تنظر في : حرام عليك يا لمياء .. إنه مسكين .. إنه يحبك كثيراً
..
فقالت لمياء : حرام ؟ والله إنه غبي .. نور إن كنت تريدينه فخذيه .. لطالما
كنت تحبين هذه النوعية من البشر .. ولكن أنا .. لا يمكن .. أن أقبل بمثله ..
لا أحب أمثاله من الذين يبحثون عن الكمال والمثالية .. والحب الخالص .. تخيلي
.. لم يطلب مرة حتى قبلة على الجوال ..
ثم أخذت تضحك في سخرية .. وأنا أغمض عيني .. لتنزل منها الدموع بصمت .. دموع
من دم .. دموع لجرح الكرامة ..
ولكن نور لم تتوقف .. ولكنها قالت : لا بد أنك تتطلعين إلى مروان .. صحيح ؟
فقالت لمياء وبدى على صوتها الحماس : مروان هذا أمر آخر .. إنه أفضل
الموجودين ..

لم أطق احتمالاً فقلت لنور وأنا لا أهتم لشيء : يكفي ..
فقطعت نور الخط .. وراحت تنظر في .. راحت تنظر في الشبه إنسان الذي تحطم
أمامها .. راحت تطالع فمين أهدرت كرامته .. وداست عليها حقيرة مثل لمياء ..
رميت بنفسي على الكرسي .. وأنا في نوبة بكاء صامتة .. وأنا أضع وجهي في يدي
.. وأنتحب .. ثم سمعت صوت نور وهي تبكي وتقول : قصي .. الله يخليك .. لا تبكي
.. قصي أرجوك .. لا تبكي ..
ولكني لم أستطع أن أقاوم إحساسي بالذل .. أجل يا فرح .. إحساسي بالذل .. ولكن
نور لم تتوقف .. نهضت رغم كل التعب الذي بها .. رغم كل شيء .. حاولت أن تنهض
من مكانها .. ولكنها تعثرت وسقطت على الأرض ..
قمت نحوها وأنا أطمأن على حالتها .. فتحت عينيها في ألم وهي تقول : أرجوك يا
قصي .. أرجوك : لا تبكي ..


ومن يومها داومت على زيارتها وجلست أزورها .. لمدة أربعة أيام .. وبعدها خرجت
..
فرح .. أقسم لك أني تعلمت الحب كله في هذه الأيام الأربعة .. عشت في هذه
الأيام الأربعة .. أحلى أيام حياتي .. رأيت ما افتقده سنوات من الحرمان
العاطفي .. من الجفاف الذي عانيت منه في أسرتي .. من كل شيء ..
كنت عندما أذهب لها يا فرح .. كنت أحس أني أقبل على الدنيا .. صدقي يا فرح أن
تلك الأيام كانت هي الأيام الوحيدة في حياتي .. حتى أتيت أنت ..
عرفت كيف هي مشاعر الإنسان تكون .. عرفت كيف يكون البشر ذو قلب .. وهي لم
تملك لتقدمه لي سوى مشاعرها الصادقة .. مشاعر الحب الدافئة .. التي تجعلك
تنسين الدنيا بأكملها .. نور هي الذي علمتني كيف أحب .. وصاغت ذلك بالحب الذي
لم أعرفه في حياتي كلها أبداً ..
وصدقي يا فرح .. أني لم أكن لئيماً معها .. كنت أخطط للزواج بها .. صدقي ..
أني لم أتمكن من البعد عنها .. طوال الشهر الذي تلى خروجها من المستشفى ..
صدقي أني كنت معها إنساناً طيباً .. لن تجديه في عالم تعارف الأولاد والبنات
.. واشتريت خاتماً بلاتينياً .. لأقول لنفسي .. أنا لها .. ولها فقط ..
لم تكن نور جميلة يا فرح .. ولكن كان لها قلب .. أرست به للحب معاني أخرى ..
حب لا يهتم للشكل أبداً .. شهر لم أذق في حياتي كلها مثلها أبداً من طعم الحب
الذي لا يدنسه شيء .. ورحت أقرأ رسائلها التي لم أكن أنظر لها بتلك النظرة
الفاحصة .. التي ظننت أن لمياء كانت تكتبها .. ورأيت ما خلف السطور الخجلة ..
رأيت أكثر من الكلمات .. كلمات فتاة أطار الحب قلبها حتى وصل إلى عالم النجوم
..
هل تفهمين يا فرح هذا النوع من الحب .. الذي ينتشلك من قاع الأرض إلى نهاية
السماء وما بعد السحب والغيوم .. ذلك الحب الذي يجهلك وبدون تمثيل .. تغرقيم
في بحر من تحبين .. حتى يلاحظ عليك الناس هذا .. فتبتسمين من تعليقاتهم
الساخرة .. وأنت تحكين شعرك .. الحب الذي يجعلك .. ترسمين القلوب في دفاترك
بتلك الطريقة البريئة .. أو حتى الحرفين الأولين من حروف اسميكما في كل مكان
.. الحب العذري الذي اختفى من عالمنا ..
كانت تحب الموسيقى .. كانت تحب عزف البيانو .. ولذلك ابتعت واحداً .. وراحت
أتعلم فيه .. من اجلها ..لأني أحبها .. وكم تمنيت يوماً .. أن تكون موجودة
حتى تسمع ألحاني اليوم .. ألحاني صنعتها فقط من لنور .. خاصة بها .. كم كنت
أتخيلها .. وأتخيل حتى إحساسها .. إحساس لن تستطيعي أن تحسي به إلا وأنت في
تلك القاعة الوسيعة .. وسط آلاف الحشود من الناس .. وأنت لا تعين في الدنيا
هذه كلها إلا لذلك الصوت من العزف
.. لتلك النغمات التي ربما لا تعني لأحد شيئاً إلا أنت .. إحساس يفوق الوصف
.. أن نحس باهتزازة في أجسادنا .. أن نحس بارتعاشة في أطرافنا .. وفي أعيننا
دمعة تصر على النزول .. وهي تجعلنا نحلق .. فوق أبعد من الغيوم .. فوق أبعد
من مدارات الأفلاك .. وأحس أننا وحدنا وقد سلط على الضوء وأنا في حالة من
الإحساس الذي لا أستطيع أن أصفه حتى .. كل رنة .. كل مقطوعة .. لها معنى خاص
.. لها تفسير خاص .. لا تحصلين عليه إلا أنت ..
كنت أتخيلها : تنظر في تبتسم في حنان كعادتها .. لأنها ستدرك أن كل رنة وتر
.. كانت فقط لها ..


ولكنها يا فرح .. وببساطة وقسوة هذه الكلمة :
ماتت بعد هذا الشهر ..
ولن أتحدث عن موتها .. ولن أتحدث عما حصل بعد ذلك .. فأنا قد كنت أعيش الألم
يوماً بيوم .. ولحظة بلحظة .. لن أتحدث عن تلك الصرخة التي أطلقتها يوم ماتت
.. لتجعلني حتى اليوم مريضاً .. أتقيأ الدم من فمي .. كلما تذكرت ذلك اليوم
.. يوم بكيت من قلبي .. حتى احترقت عيني من الألم .. حين انغرست أشواك الموت
في ظهري كما الأوشام .. وراحت يدي تنطلي بالدم .. والصداع الذي لازم روحي
وكأنما أجبر على أن أدخل يدي في رأسي .. وأن أمس بها تعاريج دماغي ..
وسأمنع عنك عذاب كلماتي .. التي تصف حرقة القلب المسكين .. وأيام الوحدة ..
والنوم وأنا أرتجف من الحزن .. والدموع تنصف على وجنتي .. والحمى التي
لازمتني طويلاً ..

ولكني سأخبرك عن الحقائق .. عن أن موت نور الذي لم يكن عادياً .. بل كان
غريباً .. ماتت قريباً على بعد شارع من فيلا لمياء .. بعد أن اصدمت بها
السيارة .. ولم يكن وجودها في الشارع في الساعة الحادية عشرة مساءً وحدها ذا
معنى .. وتأكدت تماماً من ذلك حين اتصلت على لمياء .. وسألتها .. ولمحت في
صوتها الارتباك .. وتظاهرها في البداية أنها لا تعلم شيئاً .. ليتضارب كلامها
في النهاية . أن نور جاءت عندها ولم تعرف لم خرجت ..
وأدركت أن هناك أمراً .. وأن هناك موضوعاً يختفي .. ولا بد أن أعرفه ..
وعندها يا فرح .. أصبحت قصي ال..... الذي سمعت عنه .. والذي لا أدري حتى هذه
اللحظة ما سمعت .. ولكني سأخبرك بكل شيء .. حتى تفرقي بين الحقيقة وبين الكذب
..
قررت يا فرح أن أكون الخبير .. الذي تلوك له شوكة النساء .. حتى أعرف الحقيقة
.. قررت أن أكون قصي الذي لا تقف في طريقة امرأة .. قررت أن أعرف لم ماتت نور
.. وان أذيق من كان السبب في ذلك أشنع العذاب .. وصدقي يا فرح أن في قلب كل
إنسان طيب .. مارد متوحش .. وقد نهض ماردي أخيراً .. وصرت أنا كائناً آخراً
.. ولا أنكر أني عانيت من انفصام في الشخصية .. ما بين قصي .. الإنسان ..
وقصي زير النساء .. الذي يذبح الفتيات على سكين قسوته .. دون أن يرف له طرف
..
لا أنكر اني تقيأت الدم .. ولازالت أتقيأه حتى الآن .. ولكن كل هذا من أجل
نور .. وصدقي أنه لم يكن هناك شيء يهم .. بعد نور .. ضاع كل شيء .. لأنه لم
يكن لي في هذه الحياة إلا هي ..
ولكني لم أستطع أن أجازف .. كان لابد لي من حقل تجارب .. ولأن في تلك الخصلة
الآدمية والإنسانية .. ولأن في حفظاً للود .. فإني لم أختر أي فتاة أبداً ..
لم تكن أي فتاة هي من أجرب عليها أفكاري .. لأن كل فتاة طيبة .. كانت طيفاً
آخر من نور .. بل والله يا فرح لم تطف عيني على فتاة محترمة أو يظهر عليها
بعض الاحترام .. إلا ثلاثة : سمر و ريناد وياسمين .. وما وقعت منهن إلا ضحية
واحدة .. أتذكرها إلى اليوم .. وأتمنى أن أراها في يوم ما .. حتى أعتذر لها
من كل قلبي ..
ولا تظني يا فرح .. قد فعلت شيئاً يخدش شرف أي بنت .. وقد لا تصدقين والله إن
قلت لك .. أنه لمن النادر أن أمس هؤلاء الفتيات .. وربما لا تصدقين أكثر إن
قلت لك .. أن السبب كان ببساطة أني أحتقرهن .. أحتقر فرائسي .. الذين كنت
أختارهم .. فتيات لا يزن في ميزان الاحترام إلا القليل .. مروا على قبلي بمن
جعلهم مثل لقمة سائغة في أيدي غيرهم .. الفتيات الذين يحتاجون إلى إعادة
تربية .. بل يحتاج أهاليهن هذه التربية ..
ولكني كنت أختار لهم عذاباً خاصاً .. سنوات من الألم النفسي .. ومن القلق ..
ومن العاطفة المتهتكة .. والحب الذي يموت في النهاية .. بطريقة يبقى تأثيرها
قوياً .. ينشر الكآبة في حنايا القلب ..
فرح .. لا أبالغ إن قلت لك .. بأنه مر على أكثر من مائة فتاة .. حتى أصل إلى
ما أريد .. ووصلت .. إلى أبعد ما أريد ..
لم أبدأ بلمياء كما تظنين ..ولكني بدأت بصديقاتها المقربات .. وتعرفت عليهن
واحدة واحدة .. بعد أن وصلت إلى درجة من الاحتراف تكفي حتى أستطيع أن أتعامل
مع كل واحدة منهم بطريقة تناسبها .. وواحدة تلو واحدة .. كنت أعرف خفايا
القصة الحقيقية .. وتفاصيل الحادثة التي كانوا يخفونها ..
ووصلت إلى الشلة التي كانت لمياء تتزعمها .. شلة البنات العشرة .. الذين
سميتهم بالكلاب العشرة ..
هل تعلمين من هن الكلاب العشرة يا فرح ؟ إنهم الفتيات اللواتي كن موجودات مع
لمياء يوم ماتت نور .. الفتيات اللذين وافقوا أن يتواجد أولاد خالة لمياء
معهن في البيت .. ورحن يتحدثن معهم .. في حين أن نور التي أتت للمياء ذلك
اليوم مصادفة .. لتقول لها عن أنها تحبني ..
الكلاب العشرة هن الذين وافقوا أن يحاول أحد أبناء خالة لمياء أن يأخذ نور
معها في جولة بالسيارة .. قد يبدو للعامة الهدف منها غير واضحاً ..
فهربت نور من منزل لمياء .. بعد أن أدركت بعد وقت غير بعيد .. أنهم لم
يخبروها بوصول سائقها أكثر من مرة .. وأنهم أخبروه .. أن سائق لمياء سوف
يوصلها للمنزل .. وكانت لمياء قد فعلت هذا نكاية بنور التي أخذت عليها قصي
الذي كان طريدتها .. لينتهي الأمر بحادثة تنهي حياة نور ..
فرح إن هذه ليست قصة مسلسل خليجي قديم .. ولكنها قصة حقيقية .. عن ثلة من
البشر .. راح الحقد يعمي قلوبهم .. وراح الغباء يسيطر على أفكارهم .. وبات من
السهل إيذاء الناس دون التفكير في العواقب ..

قد لا تصدقينني يا فرح .. ولكنها والله الحقيقة .. الحقيقة التي تقتلني في
اليوم والليلة ألف مرة وأنا أتذكر كل الألم الذي زرعته لمياء في نفسي ..

وحلفت أن عذاب لمياء سيكون هدف حياتي يا فرح .. وقلت لبراكين الغضب .. ثوري
..ومجدي في راحتي النيران لأقذفها في الأعين الحمقاء ..
ويا بحاري السوداء اعزفي لحن الموت على قيثارة الخلود .. وانشدي تراتيل
النهاية على مقابر الأحياء ..
جعلت من خططي سهاماً .. أن تحصد لمياء والكلاب العشرة ولا تتركهم .. كما لو
كانت المناجل اللامعة .. تجتز الأعناق بلا هوادة ..
ورفعت راية الانتحار الأخيرة .. وألقيت بنفسي كألف قنبلة مدمرة .. لأمزق
الوجوه .. وأشوي الجلود .. وأغرس أظافري وأنشبها مطعمة بالسم في قلوبهن بلا
رحمة .. وأكيل لهم من الآلام ما لا يليق إلا بمذاق الدم في مفهومي أنا ..
نعم .. سأضحك بسخرية .. وأشرب من كأس الدم حتى الثمالة .. حتى يحسوا بما
أحسست به أنا من ألم .. طوال هذه الأيام التي قضت فيها على حياتي كلها ..

فرح .. أستطيع أن أختصر عليك مقدار الألم والفظاعة التي ستحسين بها .. وأقول
لك نهايتها في جمل قصيرة .. فقد أدمت لمياء على الكحول .. وبعض أنواع
المخدرات البسيطة .. وكانت في تصنيف خاص وحدها فقط ..
أذقتها من الألم .. ما ذهبت من أجله إلى طبيب نفسي .. وجرعت لها من كؤوس
الموت أكثرها حرقة .. وتركتها شبه آدمية .. لا ينفع معها شيء أبداً .. صدقيني
.. لن أخبرك أكثر عما فعلته بها كي لا تكرهيني ..
ولكن ما أستطيع أن أؤكده لك بما لا يدع مجالاً للشك أني لم أمسها أبداً يا
فرح .. وأنا أقسم على ذلك ..


فرح .. أقولها لك .. وصدقيني إن شئت .. كل مرة أفعل فيها ما أفعل .. أبصق
دماً .. أحس أني رسول الجحيم وأني في قمة الألم .. ولكني لن أستطيع أن أسامحن
أبداً على ما فعلن بنور .. أبداً ..
وعلى الرغم من ذلك .. إلا أني في كل مرة أنهي أمر واحدة منهن .. أصاب بإحباط
يدمر كياني كله .. ويهد جسدي هداً .. وأجلس أنا في مغطسي .. لأحوله حماماً من
الدم .. بل إن هذا المنظر أصبح مألوفاً لدي .. أمتلئ بتأنيب الضمير .. بكل
مرارت الدنيا .. لا شيء أكثر قسوة عليك من ضميرك .. لا شيء يجلس معك ليلك
بنهارك .. ويحرمك كل يوم من النوم .. لا شيء إلا ضميرك ..
حتى صرت أكره النوم .. لأني ما إن أضع رأسي على مخدعي .. إلا وأتذكر كل ما
قمت به .. وتمر الأسماء علي واحدة واحدة .. وكل الأحداث والخدع .. خدعة خدعة
.. وأحس بدناءة النفس .. وتقريع الضمير .. وأحاسيس ما لا قدرة لإنسان على
طاقتها .. ولكني أستمر .. رغما عني والله ..
دعوت ربي كثيراً أن يخلصني مما أنا فيه .. فكرت أن أذهب لطبيب نفسي ليعالجني
.. أعلم أن حالتي مرضية .. ولكن أسطورة الخبير قصي .. وكبريائها الأجوف ..
وإحساسي أني لا بد أن أكمل الانتقام حتى النهاية .. منعوني من ذلك ..


فعلت كل هذا يا فرح .. وقررت أن أمر حياتي في سبيل هذا الانتقام .. وكنت
راضياً بهذا الثمن .. كنت موافقاً .. أن تنتهي حياتي في أي لحظة .. وأنا أسير
في هذا الدرب .. ولكني لم أظن أبداً يا فرح .. أنه سيأتي اليوم الذي أقابلك
فيه يا فرح .. لم أظن أني سأتمكن مجدداً يا فرح من أن ألتقي بامرأة تكون لي
الدنيا من جديد .. وأن تعني لي كل شيء في الحياة .. وأن حياتها ستكون أغلى من
حياتي .. وضعت حساباً .. لأن تتدمر حياتي .. ولكني لم أضع حساباً لأن تتدمر
حياة من أحب ..
فرح قبل أن أقابلك .. كنت الخبير .. كنت الرجل الخارق الذي تستطيعين أن تريه
في أفلام الكرتون .. ولأجلك أنت .. اعتزلت هذا العالم .. وتركته بلا رجعة ..
يوماً بعد يوم .. أحسست أني سأتمكن من أن أعيش حياة طبيعية .. كما يعيش بني
البشر .. وأن تكون لي ذكريات حلوة .. وأن أجد في هذه الدنيا من أبادله الشعور
بالحب والمشاعر النبيلة ..
جئتِ أنت .. لتكوني حياة أخرى لي .. لتنتشليني من جحيمي .. وتفتحي لي أبواب
الدنيا التي حرمت منها منذ الخامسة عشرة من عمري .. وعلمتني معنى الحياة من
جديد .. أنت فقط يا فرح .. معك عرفت للحياة طعمها الحقيقي ..
كم أتمنى أن أحتضنك يا فرح الآن .. وان أقول لك والله وبكل الصدق .. شكراً يا
فرح .. أن كنت نقطة الضوء في حياتي التعيسة .. أن كنت وهج الألم في سويداء
روحي ..


فرح .. لك حرية التصرف في أن تبقي رسالتي .. أو أن تحرقيها .. أو حتى تريها
لكل الناس .. لست أهتم لحياتي بعد الآن .. أما أنا .. سأسافر بعيداً .. لا
أدري ربما أمريكا أو بريطانيا .. ولكني بالتأكيد لن أبقى هنا أبداً .. لن
أرضى أن ألوث أرضاً تحملك .. لن أرضى بأن أكون في مكان تعيشين فيه .. أنا
مجرد نفاية سامة .. أنا مجرد أوساخ .. أنا لاشيء .. ولكني أريدك أن تعلمي
شيئاً واحداً فقط ..
أني بصدق يعادل كل الكذب الذي خلقته في كل السنوات التي مضت في حياتي ..
والله أحببتك .. ولأكون أكثر دقة .. أكثر من لمياء بكثير .. بل حتى أكثر من
نور ..
بل إني لم أتخيل والله يا فرح .. أن أحب بهذه الطريقة .. وأن يكون للحب هذا
المعنى ..

أنا غير مستعد لأن أخوض التجربة مرة ثانية وأن أفقد مرة أخرى .. أستطيع أن
أتعايش مع ألمي .. ويكفيني أن أظل أحبك طوال عمري .. حتى إن كرهتني مدى
الحياة .. لن أطلب منك شيئاً .. إلا أن تحاولي أن يكون لك فقط بعض الرحمة ..
وأن تنسيني .. حتى لا تسامحيني إن لم تريدي .. ولكن لا تتذكري رجلاً خبيثاً
مثلي .. رجل سيء لا يستحقك أبداً .. فلك الحق أن تكرهيني .. طوال عمرك وأتمنى
بالفعل أن تكوني سعيدة في حياتك .. ووالله يا فرح .. ما حاولت استعطافك في
كلمة مما قلت ..

فرح أنت طالق .. يا أطيب من أحببت في حياتي
من شخص .. أحبك أكثر من روحه .. وسيظل يحبك إلى الأبد .. ولن يحب أحداً غيرك
أبداً في حياته ..

قصي ..
وكانت هذه الرسالة قد امتلأت بقطرات الدماء .. طوى قصي رسالته .. ووضعها في
ظرف أبيض صغير .. وأقفله .. وحين نهض .. كانت الرؤية باهتة لديه .. وببساطة
.. سقط على الأرض من على مكتبه ..



اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-02-14, 08:57 PM   #19

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل ما بعد الأخير
وصلت الرسالة إلى فرح .. وقرأتها وحدها .. ولم يطلع أحد على الخبر ..
ومن سوء الحظ .. أن الاختبارات كانت قد بدأت .. ودخل قصي اختباراته .. وهو في
كيان آخر .. في عالم آخر .. بل إنه ربما كان يحضر اختباراته لا لشيء .. إلا
أنه لا يريد أن يفكر في أي شيء ..

ومن الصعوبة أن أنقل الإحساس بالألم هنا .. الإحساس بالوحدة على دفتي القصة
.. وإن المرثية ستكون أفضل ما أضعه هنا للكتابة عن هذين الروحين .. قصي وفرح
..

ومن السخرية .. أن نتائج هذه الامتحانات ظهرت .. ونجح قصي في كل المواد ..
وكان تقديره العام مقبول .. ولم يهتم كثيراً بما حصل .. بل إن النجاح لم يكن
يعني له أي شيء .. تقبل الخبر في هدوء .. ولكن الخبر كان يعني له شيئاً آخر
.. كان يعني له الإشارة الخضراء للرحيل .. إلى الذهاب إلى هناك .. إلى أبعد
من البعيد دون أن يهتم بأي شيء .. وهذا ما كان يطمح له ..
مضى على رسالته إلى فرح أكثر من شهر ..

وربما اليوم الذي كان يسبق رحلته .. له كآبة منفردة ..
ففي ذلك اليوم .. علمت والدته بخبر طلاقه لفرح .. وكذلك علمت عائلة السيد
أيمن ال... بهذا الخبر .. الذي كان واقعاً كوقع الصاعقة عليهم .. وكأنما
يبارك على هذه الخطوة .. وهذه النهاية التي فصلت بين قصي وفرح إلى الأبد ..

ولذلك لم يحاول قصي أن يجلس في البيت .. بل كان خارج البيت طوال الوقت ..
وكان قد أقفل الجوال .. حتى لا يتصل عليه أحد ..
راح يتجول في طرق جدة للمرة الأخيرة .. قبل السفر .. راح يعبر في النهار من
شارع التحلية .. وكأنه للمرة الأولى يعبر فيه .. وهو يتأمل الأسواق .. والناس
.. والسيارات .. وعمال النظافة .. والأضواء المنعكسة على أسطح المحلات
الزجاجية ..
ثم توقف هناك عند مكتب الخطوط الجوية السعودية .. ليقطع تذكرته الأخيرة ..
التي سوف يخرج بها بدون عودة .. إلى استراليا .. بعد أن قرر أن يتحصل على
الجنسية الاسترالية .. حتى يبقى هناك للأبد ..
وإنه ليس هناك أكثر إيلاماً من أن تشعر .. من أنك لا بد أن ترحل للبعيد .. بل
أبعد من البعيد .. حتى لا تؤذي أحب الناس إليك .. من أنك شيطان .. تستحق
النفي .. وأنك كائن غير مرغوب فيه ..

كان قد دبر هذا الأمر .. بعد أن أخبر والده أنه يريد الذهاب للدراسة في
أستراليا في جامعة أهلية .. ولم يعارض الوالد كعادته .. ما دام هذا ما يريده
ولده ..
وربما أن هذا ما عمق الشعور في قصي بأنه إنسان منبوذ .. حتى والده .. لا يهتم
كثيراً بهذا الشأن .. فقط أعطاه ما يكفي للمال ..
وقام قصي فعلاً بمراسلة جامعة أسترالية لإكمال دراسته .. وإن كان الموضوع بحق
.. أنه يريد أن يبتعد ولا شيء أكثر ..

وراح قصي يقود السيارة مرة أخرى .. ولا يدري لم قادته السيارة إلى منزل فرح
.. وكأنه يودعه للمرة الأخيرة ..
هذا المنزل الدافيء .. الذي أحس فيه بما لم يحس فيه بمنزله .. هذا المنزل
الذي يحوى أغلى جوهرة موجودة له في الدنيا .. الإنسانة أحبها من كل قلبه ..
الإنسانة التي عنت له كل شيء ..

أوقف السيارة بجوار المنزل .. وراح يحدق في نافذتها .. ومن عينيه انسلت دموع
حزن .. دموع ألم .. وفي نفسه ألف ندامة .. آه يا فرح .. من كان يظن أنني كنت
سأحبك هكذا .. وراحت عينيه تنزل إلى الأرض .. وإحساسه غارق في الهم ..
كم كان يتمنى أن تفتح فرح النافذة .. كم كان يتمنى فقط أن يراها .. كم كان
يتمنى فقط أن تهل عليه .. كالملائكة .. لتزهر الورود في حدائق قلبه .. كم كان
يتمنى أن تقبل فرح ..
وهنا وجد نفسه يبكي بحرقة .. وهو يحس أنه على بعد أمتار قليلة منها ولا
يستطيع حتى أن يقترب منها قليلاً ..
نعم هو من كتب على تلك الورقة قرار طلاقها .. ولكنه كان القرار الأصوب من
أجلها .. إنه يعلم أنه تكرهه الآن .. ربما بقدر الحب الذي أحبته ..

وبقي على هذا الحال .. ونام في السيارة .. نام لليلة الأخيرة بجوارها ..
استيقظ في الصباح .. على صلاة الفجر .. فذهب وصلى .. وخرج من المسجد .. وتوجه
إلى المنزل .. دخل البيت .. ودخل الملحق بهدوء .. وراح يرتب أغراضه ويجهزها
للسفر ..
ثم فتح دولابه ذلك .. ومن بين كل الأشياء وقع بصره على العلبة المخملية ..
أمسكها بين يديه .. ثم فتحها .. وراح الخاتم البلاتيني يتألق في العلبة
الجميلة .. نظر للخاتم في حنان .. ومسحه باصبعه .. ثم قال : آسف يا نور ..
فلقد أحببتها أكثر منك ..
ثم أغمض عينيه .. ووضع العلبة بكل التقدير على الدولاب .. وأقفل الدولاب ..
وحمل حقائبه بكل الهدوء وخرج .. ولم تنتبه حتى والدته التي كانت تنتظره طوال
اليوم .. ثم نامت من التعب .. ذلك أنها لم تكن تعلم بموضوع سفر قصي .. فهو لم
يخبرها .. بل أبقى الموضوع سراً .. إلا عن أبيه ..

حمل حقائبه .. وراح يتمشى في شوارع جدة مرة ثانية .. بدون هدف محدد .. حتى
جاء وقت الغداء .. انتقى مطعماً شعبياً .. وراح يأكل فيه كآخر مرة يأكل مثل
هذا الطعام ..
وبعد أن انتهى .. قاد سيارته نحو شركة أبيه .. ووضع المفتاح لدى السيد ناظم
.. ثم استقل سيارة أجرة نحو المطار .. ولا يدري قصي .. لم كان يحس أنه يريد
من معجزة أن تحصل .. كم كان يتمنى لو يرى فرح الآن .. ولكنه أوهم نفسه بأنه
قادر على الابتعاد .. وأنه يستطيع أن يتحمل مرارة الفراق ..

وصل إلى المطار .. وأنزل حقائبه .. وهو يتأمل يمنة ويسرة .. ولكن عينيه كانت
تعود خائبة .. ودخل المطار .. وهو يبحث في أوجه المسافرين عن نظرة تخص فرح ..
ولكن للأسف لم يجد ..
وبعد ساعة جاء موعد رحلته .. وراح الموظف المسؤول يعلن عن موعد الرحلة ..
أخيراً استطاع قصي أن يفهم .. أن فرح لن تسامحه .. فهو لا يستحق ذلك .. لم
تخطيء في حقه مرة .. ولكنه أخطأ جداً .. ودخل الطائرة

وأقلعت الطائرة .. وغادرت بذلك مطار جدة وللأبد ..
وفي الطائرة .. كان وحيداً .. فلم يكن أحد على قمرة الدرجة الأولى إلا هو ..
كان قصي يجلس ويفكر .. وفجأة .. انتبه أنه لن يستطيع أن يرى فرح مرة أخرى ..
وربما لأول مرة تظهر له هذه الحقيقة على شكل إحساس .. انتابه بقوة .. وأحس
بشيء من الضيق .. وفجأة ازدادت حدة الضيق .. وراح يكح .. ويكح .. حتى تناثرت
قطرات الدم مرة أخرى ..
أحس قصي أنه يريد أن يبكي .. ولكن ما عاد يفيد البكاء .. وما عاد يفيد الندم
.. وراح يقول : يا ليتني أستطيع أن أفعل أي شيء من أجلك يا فرح ..
"وماذا تستطيع أن تفعل من أجلها ؟"
التفت قصي إلى مكان الصوت .. كانت فرح هناك .. راح قصي يفتح عينيه بقوة ..
ولكن يبدو أن هذه هي الحقيقة .. كانت فرح موجودة هناك ..
ومن فرط المفاجأة لم يستطع قصي أن يقول كلمة ..
أكملت فرح .. بعين جامدة : ربما كل ما تستطيع أن تفعله من أجل فرح .. هو أن
تدمر حياتها أكثر من الآن ..
كان قصي لا يدري هل يحلم هو أم أن فرح أمامه ؟
كيف جاءت إلى الطيارة .. لا بد أن هذا حلم ..
كانت فرح بعيدة عنه .. وراحت تلعب في خيط انسل من أحد المقاعد .. نظرت إليه
.. وامتلأت عينها بالحقد .. والكره ..
وقف قصي .. وراحت عينه تلف بألف كلمة .. اقترب منها .. كأنه يريد أن يتأكد من
أن فرح حقيقة ..
اقترب حتى بدت على بعد خطوتين منه فقط ..
مد يده إليها .. واهتزت عينه بالدموع .. ولكن فرح لم تتحرك من مكانها ..
مد يده أكثر .. حتى لمس كتفها من فوق عباءتها السوداء .. فاقشعرت يده كأنه
تعرض لتيار كهربائي ..
وعرف أنها حقيقة .. وأنه لا يحلم ..
وضع يديه على شكل هرم أمام وجهه .. وراح يضغط بحافة يده تحت عينيه ..
نظرت فرح إلى النافذة .. بوجه جامد خال من المشاعر .. ثم التفتت إليه ..
وقالت : لم يا قصي؟
وبدأ صوتها بالاختناق ..
نظر لها قصي بحزن حقيقي وقال : لأني أحببت من كل قلبي .. وما ظننت أني سأحب
مرة أخرى يا فرح ..
قالت فرح : هل تعلم مقدار الألم الذي أصابني ..
وصارت الدموع تنزل من عيني فرح ..
فقال قصي : أعرف .. ولكن ثقي .. أني ذقت سمه أكثر يا فرح .. أعلم أنك لن
تسامحيني في حياتك .. أعلم .. ولك الحق .. ما فعلت بك كان حقيراً ..
لم يحس قصي بشيء في هذه اللحظات .. إلا بفرح ..
لم يحس بغرابة الموقف .. ولا غرابة المكان .. ولا حتى المضيفة والمضيف اللذان
حاولا أن يفضا النقاش .. ولم يحس حتى بمحمد أخو فرح الذي تناقش معهما على
انفراط ..
كل ما كان يشغل قصي في تلك اللحظة هو فرح .. التي راحت تقول في استهزاء: هل
كنت تقول مثل هذه الكلمات لكل البنات اللواتي كنت تعرفهن ؟
احمرت عينا قصي وهو يحس بكلمات فرح كالخناجر وقال بصوت متحشرج : نعم كنت أقول
.. ولكني والله اليوم يا فرح صادق .. والله العظيم ..
عقدت فرح يدها أمام صدرها وقالت : وما الذي يجعلني أصدقك؟
نظر لها قصي وقال بحيرة حقيقية : أعلم .. أنه لا يوجد شيء في الدنيا يقنعك
بان تصدقيني .. ولكن والله هذه هي الحقيقية يا فرح ..
صرخت فيه فرح وقال وهي تقترب منه : حرام عليك .. لقد دمرت حياتي .. حرام عليك ..

وقصي أسلم نفسه لها .. وهو يحس بالذل .. بالانكسار .. قصي خبير البنات ..
تكسرت كل نصاله وكل أشراسه .. على يد أرق مخلوقة في الكون .. على يد فرح
ثم أمسكت بقميصه وأخذت تشده نحوها وهي تقول والدمع قد سال من الأحداق : لم
جعلتني أحبك؟ لم دخلت حياتي ..
فلم يستطيع قصي أن يحتمل أكثر .. احتضن فرح بقوة .. وقال بصوت مختنق ..
سامحيني يا فرح .. أرجوك سامحيني .. والله إني إنسان من لحم ودم .. والله
أشعر بالندم .. أشعر بالمهانة .. سامحيني يا فرح .. فوالله ما قصدت أن أمسك
بأي سوء ..
كانت فرح في حضن قصي .. وهي تضرب عليه .. وتبكي .. وقصي يحتضنها .. كم كان
يتمنى .. ألا يفارق هذا الحضن حتى الموت .. إنه متيقن .. أنها سوف تتركه الآن
.. إلى غير رجعه .. إنه مؤمن تماماً .. أن فرح كانت فقط تريد أن تقول ما في
قلبها .. كان يتمنى أن يموت هذه اللحظة .. وهو في أحضان فرح .. حتى ينتهي كل
شيء .. حتى لا يعيد مشوار الألم .. ومسلسل العذاب الذي لا ينتهي ..
عذاب أن يعيش مرة أنقاض قصة أخرى مدار حياته القادمة ..
التفت إلى يد تربت على كتفه .. نظر إلى صاحبتها .. كانت خالته تقف .. وخلفها
أمه .. ابتسمت خالته ابتسامة مصطنعة وقالت : يا ولدي .. ما قد حصل حصل .. ولا
بد لنا أن نعيش الحاضر .. وأن ننسى الماضي .. ونحن لا نرضى أن ينحل الميثاق
الغليظ بهذه السهولة ..
ثم التفتت إلى أم قصي وقالت : ما رأيك يا أسيل؟
تقدمت أسيل إلى قصي ورفعت يدها وألقتها كالقنبلة على وجه قصي .. ودوى صوت
انفجارها على خد قصي .. الذي صار لم يدرك إلا أن طنيناً قوياً راح يرن في
أذنه ..
ثم قالت أسيل : أهكذا تتركنا دون أن تقول شيئاً؟ على الأقل ناقشنا .. على
الأقل .. قل شيئاً .. تظن نفسك كبيراً .. تتخذ مثل هذه القرارات السخيفة بدون
مشورتي أو مشورة أبيك؟
أقسم لك أني لن أرضى عنك .. إن لم تعد .. وفرح معك .. هل فهمتني..
ولكن قصي .. امتلأ بحزن كبير .. هم لا يدركون أن الأمر ليس برغبته .. إنما هي
فرح .. وللحظة نظر إلى فرح .. التي مسحت دموعها .. فبدا وجهها وقد احمر أنفها
وعيناها .. وهي تصلح حجابها .. ثم قالت وهي تنظر في الأرض : يبدو أني الفتاة
العاقلة في النهاية التي تريد أن تصلح بيتها .. وعلى الرغم من أني لم أخطيء
في أي شيء .. إلا أني ..
ولم تكمل فرح كلمتها .. لأن قصي احتضنها بكل ما يمتلك من قوة .. دون أن يهتم
لأحد .. وراح يبكي .. وهو يقول لها في أذنها : فرح .. أحبك والله يا فرح ..
وراح يخفي نفسه في حضنها .. وكأنه لا يصدق .. ثم راح يطالع في عينيها .. التي
صارت حمراء والدموع تتجمع فيها .. فقالت له : لم يهن على الحب؟ ولا الأيام
الحلوة التي كانت بيننا .. ولم تهن أنت علي يا قصي ..
نظر لها قصي .. بعيون امتلأت بالدموع وهو يقول : كنت مستعداً لأن أدفع عمري
فقط لأستمع إلى هذه الكلمة فقط مرة أخرى في حياتي ..
ضحكت فرح ضحكة صغيرة ثم قالت : ولم تهن علي دعوة المشوي التي فعلتها من أجلي
ضحك قصي .. من كل قلبه .. ضحك .. وغنت له الدنيا .. ضحك .. وغادرت فلول الليل
هاربة .. ضحك قلبه صدق الحب .. ونقاوة المطر .. ضحك طهر الرباط المقدس .. ضحك
قصي لميلاده الجديد ..

يبدو .. أننا في أحيان كثيرة نخطيء في أحكامنا .. فمن اقترح هذه الفكرة .. هو
السيد مناف ال.... والد قصي .. بعد أن علم بأمر طلاق فرح .. من والدة قصي ..
وبعد أن اتصل بنفسه على فرح ليعرف منها الموضوع .. فاخبرته فرح بكل شيء بعد
أن صدمها خبر قرار قصي بالسفر .. كان مؤمناً بحكم تجاربه الواسعة في الحياة
.. أن الدنيا لا تنتهي عند هذه الأحداث .. وأن الماضي لا يجب عليه أن يحدد
المستقبل .. ولأنه رجل لا يستسلم بسهولة للفشل عند أول الطريق ..
استطاع باتصالاته الواسعة أن يدبر مقعداً لها ولأم قصي .. وأيضاً أم فرح ..
ومحمد أخي فرح .. واستطاع أن يجري اتصالاته بالسيد أيمن ال..... .. ليقنعه
بالفكرة حفاظاً على الوقت .. فلم يكن قد بقي على الرحلة إلا ساعات قليلة جداً
.... ورغم أن السيد أيمن ال.... لم يوافق احتفاظاً بكرامته .. إلا أنه وتحت
إلحاح السيد مناف ناقش الموضوع بعقلانية .. وأوضح له المشكلة بطريقة مبسطة ..
وبأن ما فعله قصي ليس إلا طريقة الحب الكلاسيكية التي لا تجري عليها الحياة
الحقيقية .. شرح له السيد مناف أن ابنه قد أخطأ وكان خطؤه جسيماً .. وأن فرح
أصبحت جزءً من العائلة ولا يحق لقصي أن يتخذ مثل هذه القرار لوحده .. وأنه قد
تسرع جداً .. وكيف أن العائلة لا بد أن تسعى للإصلاح بين الزوجين في أول
عقبات حياتهما .. لا أن تزيد الهوة .. وتساهم في عدد حالات الطلاق ..
واقتنع أخيراً أيمن على مضض ..

لا يجب أن تنتهي كل القصص الخليجية بنهاية مأساوية .. ولا يجب أن يموت
الأبطال في النهاية .. بل يستطيعون أن يكونوا سعداء .. فقط إن قرروا ذلك ..
وفرح كانت قد قررت ذلك .. قررت أن تحتفظ بزوجها .. وأن تمنحه فرصة ثانية ..
وأن تنسى ماضيه .. فمن منا لم يخطيء .. وإن ظللنا نحاسب كل الناس على الماضي
.. فمن المؤكد أننا لن نستطيع أن نعيش مع بني البشر الخطائين ..

هاهو المشهد الأخير ..
على شاطئ البحر في المنطقة الشرقية .. في الهاف مون .. التي انتقل إليها قصي
أخيراً .. ليبتعد عن الدنيا كلها .. وينسى الماضي كله .. ويبدأ مع فرح من
جديد .. إنساناً آخر ..

وقفت معه فرح بكل الحب .. على طرف صخرة .. وهما يشبكان أيديهما ببعض .. وأخرج
قصي من جيبه علبه سوداء .. فتحها .. فبرق الخاتم البلاتيني .. ونظر في فرح
التي تبسمت له .. فأمسكاه كلاهما .. وبكل القوة .. ألقياه في البحر
نظر قصي في عيني فرح .. التي نظرت له بكل الحب .. وراح يشبك يديه في يديها
مرة أخرى ويبتعد نحو الأفق ..

النهاية
9:50 مساءً
يوم الخميس
28 شعبان 1427 هـ

د.خالد أبوالشامات


اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-02-14, 07:02 AM   #20

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف حالكم إن شاء الله دائما بخير ؟

قراءة ممتعة لكم جميعاً.......



شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
البواب, الشامات, الكاتب, حامد, يثير, فصحى

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:43 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.