آخر 10 مشاركات
321- سهام من حرير - ميراندا لي (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          تائــهــة في عتمتـك (الكاتـب : نسريـن - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          91- بين ضفتي الحب -كيت والكر -عبير كتاب عربي (الكاتـب : Just Faith - )           »          A Walk to Remember - Nicholas Sparks (الكاتـب : Dalyia - )           »          305 - عــــلاقات خـــطرة ليليان دارثي(كتابة /كاملة )** (الكاتـب : الملاك الحزين - )           »          At First Sight - Nicholas Sparks (الكاتـب : Dalyia - )           »          347 - الراقصة والأرستقراطى - سوزان بيكر - م.د ** (الكاتـب : * فوفو * - )           »          دين العذراء (158) للكاتبة : Abby Green .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-02-14, 11:21 AM   #21

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الثالث عشر



إياس : كنت أفكر بها في كل وقت وفي كل مكان ، لكني لا أستطيع الوصول إليها رغم أنها قريبة مني جداً جداً ، أجد حاجزاً من نار يفصلني عنها لا حاجزاً خشبياً ، صعب أن تعيش ممتلكاً خيارات غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع .. وأن تمتلك ضغوطات غير قابلة للتنفيس .. ومشاعر لا يشعر بها أحد ، صحيح أني أستطيع الوصول إلى الدكتور ومحادثته لكن في ذلك بعض بجاحة ، صحيح أن باستطاعتي محادثتها لكن عقاب الله بالمرصاد ، صحيح أني أحبها لكن حبي مكبّل ضعيف مقابل الكثير من القيود ..كالموءودة التي تكافح لأجل الحياة مبعدة بعض التراب عن أنفها لمجرّد أن تتنفس .. وفي النهاية يكون دفنها ودفن يديها وأنفها المشهد الآخير !

كان حالي أشبه ما يكون بطنجرة ضغط ، أغلي من الداخل موشكاً الانفجار وظاهري هادئ ساكن لا يبدي أي شيء ، كنتُ في تلك الأيام حساساً جداً سريع الانفعال على غير عادتي في البيت والجامعة والعمل .

وتحت تأثير حالي تلك .. كنت أشعرُ بعينيّ أمي ترمقني من أعلاي إلى أسفلي بتأمل ، أحس ببرد عينيها يلفني مسكناً بعض الحرارة التي أجدها في داخلي ، وقد كنتُ لا أظهر لها أني أشعر بها تنظر إلي وبشكل ملفت ، حتى إني أذكر مداعبة أخي لها بقوله : ( أكل هذا الحب في قلبك يا أمي مكنون لإياس ؟ ) ، فتتبسّم معلنة محبتها للجميع بنفس القدر !

بعد مرور أيـام .. وحين دخولي إلى البيت في العاشرة مسـاءاً قادماً من العمـل نادتني أمي - وكانت تجلس في صالة البيت - ، لم أنتبه لندائها إذ كنتُ غارقاً ساهياً سارحاً في خيالات كثيرة ، نادت مرّة أخرى بصوتٍ أعلى قليلاً فالتفتُ صوبها وابتسمتُ ، دعتني للجلوس وإياها فوضعتُ حقيبتي عند الدرج وأقبلتُ نحوها بخطوات أجرّها جراً حتى لا تشعر صاحبة القلب الرقيق بما أعانيه من إعياء نفسي وذهني وجسدي .

قدّمت لي كوباً من العصير ثم انطلقت بروح الأمومة تحلّق في سمائي ، تحدثَت عن كل شيء .. الجامعة والمسجد والبيت والعمل وبيوت الأعمام والأخوال والسفر والذكريات القديمة ، كانت تستولد الضحكة من فِيّ وتعصرها من شفتيّ عصراً ، إن ابتسمتُ ضحكتْ .. وإن ضحكتُ من طرفة انفجرتْ مقهقهة سعيدة ، لم يبقَ إلا بابٌ واحدٌ في حديثها لم تطرقه - كعادتها - وقد كنتُ أنتظر قلِقاً خشية أن تشرع في الحديث عنه وأنا لا طاقة لي به .

وكان ما أخشاه .. قالت أمي بعد أن ارتشفت من كوب عصير البرتقال الذي أمامها :
أم إياس : ما رأيك الآن يا بني ؟ أنبحث عن المحظوظة التي ستسرقك مني ؟ كنت أسأل في الأيام الماضية عن بعض الفتيات ذوات الدين والخلق والجمال والدلال والحسب والنسب ، أسأل عن فتياتٍ بعينهنّ ممن هن جديرات بك ولن أستخسر أن أهبك لإحداهنّ ، فما ترى ؟

كنتُ أمسك بفطيرة صغيرة محشية بالجبن موشكاً قضمها ، ولمّا أن انتهت أمي من سؤالها كنت قد قضمتها ومضغتها وبلعتها ، ارتبكتُ وتغير وجهي مُفترّاً عن ابتسامة صفراء ميتة قائلاً ..
إياس : من أين لكم هذا الجبن الطيّب ؟ لا أذكر أن اشتريت لكم جبناً آخر مرة ؟

أم إياس : ألهذه الدرجة تستحيي من ذكـر الزواج ، لا تغيرّ الموضوع يا ولدي وأجبني ، لقد وجدتُ لك فتاة باسم الله ما شاء الله ، لا أدري كيف أعماني الله عنها من قبل ، وهي بالتمام والكمال على مواصفاتك وأكثر ، إن وافقتَ اتصلتُ بهم غداً أخطبها لك .
إياس : همممففف .. قبل ذلك أريد أن أحدّثك بحديثٍ ما كنت لأطلع عليه أحداً أي أمّه ، استقر في صـدري منذ أسبوعين وأنا أكتمه وأتحاشا إظهاره رغبة في قتله ، وبما أنك حدثتِني يا قرة العين بموضوع الزواج فأريد أن أفاتحك به !
أم إياس : أشعر بك يا ولدي .. أشعر بك ، ما جلستُ هنا إلا منتظرة هذا الحديث منك وإن ألبسته عدة ملابس إلا أن القصد يأبى إلا أن يكون جلياً في النهاية ، قل ما عندك يا روح أمك .
إياس : أمي .. لمّا اتصلتِ بأم رؤى تخطبينها أكانت مُرحّبة أو لم تكن مرحبة ؟ وهل ذكَرت موقف الأب من الزواج من طالب أم لا ؟ وهل عرّضت نحو عيبٍ ما وهي تتحدث ؟ أريد أن أعرف فقط .
أم إياس : وأيضاً كنت أظن أن هذا ما يشغل تفكيرك ، الحق أني لستُ من اتصل عليهم يا بني ، ولكن لي صديقة قريبة جداً مني تكون ابنة عم أم رؤى كانت هي واسطة ما بيننا ، والحق أنهم لم يذكروك بعيبٍ ولا بسوء ولم يشيرو إلى أيٍ من ذلك .
إياس : أمي ! لستِ أنتِ من خطبها منهم ؟
أم إياس : لا يا بني ...
إياس : ولمَ يا أمي ؟ لمَ ؟ أترينني شاباً تائهاً ضائعاً لا يُرفع به رأس ؟ أم ترينني سيئ خلق قليل دينٍ لا يُفخر بقربه ؟ أم أنا طالب لا أحد يقبل به فأردتِ أن يكون الرد على غيرك وليس في وجهك ؟ لمَ يا أمي ؟ ألا ترين أن تواصل الأهل وثقتهم بأبنائهم وسمعتهم وتقديمهم إلى غيرهم أكثر بريقاً وأكثر لمعاناً وأجمل في أعين أهل الفتاة ، ذلك أن الشاب يبدو في أعينهم حائزاً على ثقة والديه !
أم إياس : بلى والله .. بلى والله .. أفخر بك وأعتز ، وما جلستُ مجلساً من مجالس النساء إلا قلتُ قال ابني إياس وفعل ابني إياس وأهدى لي ابني إياس ، لكني فعلت ما فعلت ظناً مني أنه الأفضل ، خصوصاً وأنهم لا يعرفون من نكون ، ولا يُستساغ أن أمدحك وأنت ابني وأن أمدح والدك وهو زوجي ، فأحببت أن أجعل صاحبتي بيننا حتى تخبرهم عنّا ما يشاؤون ، لا تقسُ عليّ يا ولدي فأنا والله لك ناصحة محبة .

إياس : ولمّا رأيت والدتي تاثرت من حديثي الذي أطلقته دون إدراك مني بادرتُ إليها مقبلاً رأسها ويديها معتذراً ومتأسفاً ثم أهويتُ إلى قدميها لأقبلهما فأمسكت رأسي من شعره ورفعته إليها ثم نظرت إليّ وقالت ...
أم إياس : ليس لرأسٍ حوى القرآن أن يكون تحتي ولا لفمٍ قرأ القرآن أن يقبل قدمي ، ارفع رأسك فما غضبتُ عليك يا بني وما أنا بالغضوبة ، ولكني أحببت أن تقدر موقفي وأني إلى جانبك في صفك ولست إلى ضدك !
إياس : أمي .. لي طلبٌ واحدٌ منك ، أعـدك وعد حرٍ كريم أن لا أسألك بعده سؤالاً ، وأرجو أن تجيبيني إليه ، ارحمي فلذة كبدك يا أمي واشفِ قلبه المعلّق بفتاة أحبّها ، أمي .. أرجوك .. أرجوك اخطبيها منهم مرة أخرى فلقد دعوت ربي من قبل ولا أظنه إلا سيستجيب لي !
أم إياس : ماذا ؟؟؟؟ أخطبها مرة ثانية ؟؟؟؟ وماذا يقول عنّا الناس ؟؟؟؟ إياس يخطب فيُرد ثم يعود مرة ثانية لمن ردته ؟؟؟؟ أليس لديك كرامة نفس ؟؟؟؟ ألا تحترم سمعة والدك الكريم المحبوب ؟؟؟؟ كنت أظنك أعقل من ذلك وأرقى فكراً وأكثر احتراماً لذاتك وأهلك ، نحن عائلة محترمة كريمة ذات مكانة وقدر ، إن ردت فتاة ابننا فهي الخاسرة إذ حُرمت شاباً ديّناً خلوقاً مهذباً ذا جاه وسمعة حسنة ، اعذرني يا ولدي لا أستطيع أن أفعل ما تريد !
إياس : لكِ ما تريدين يا أمي .. أمركِ مطاع ، لكنكِ علمتِني صغيراً أن لا أهتم بأقوال الناس كثيراً ما دمتُ أعمل ما أراه صحيحاً ، أتذكرين يوم أن امتنعتُ عن الذهاب للحلقة بحجة أن كل من فيها أصغر مني ولأن أبناء الحي يسخرون مني لجلوسي مع الصغار ؟ أتذكرين أنك قلتِ لي أن أفعل ما أراه صائباً وما يرضي ربي وأن أترك من يسخر مني لأنه سيندم يوماً أن لم يفعل مثل فعلي الصحيح ؟ هذا كل شيء يا أمي .. نظرت للأشياء كما علمتِني أنتِ ، ما نظرتُ إلى قول الناس ولا إلى رأيهم ما دام ما أفعله يرضي ربي أولاً ثم يرضيني .

إياس : قبلتُ يدها ثم دعوت لها بخير الصباح وقمت نحو غرفتي ، كنت أغالب دمعتي ألا تسقط متشبثاً ببعض ما تبقى لدي من تماسك الرجولة وبأسها ، استلقيتُ على فراشي أنظر إلى السقف بحزنٍ طاغٍ جارف ، كون بابٍ فُتح ثم أغلق سريعاً .

كنت أنظر إلى السقف بحزنٍ وأتأمله وأرسم عليه أحزاني وألوّنها .. بالأسود ! يا لهذا السقف ؛ بالأمس كنت أنظر فيه إلى نفسي ممسكاً بيد رؤى نجري على أرضٍ خضراء أسبقها وتسبقني .. كنتُ أنظرُ فيه إلى قدحٍ مزخرفٍ سُكب فيه عصير بارد أشرب منه مرة وتشرب هي منه أخرى .. كنتُ أنظر فيه إلى رؤى وقد سخطت عليّ في أمرٍ وهي تصرخ وتعاتب وأنا أسمع إليها بهدوء .. كنتُ أنظر فيه إلى رؤى حاملاً .. نفساءَ .. أماً تُعد ابنها للمدرسة .. كنتُ أنظر فيه إلى كل شيء ، أما الآن .. فهو جدار أسود عديم الآلوان ... ورحتُ أغط في نومٍ عميق !

صباحاً .. استيقظتُ ونزلتُ لأفطر ، فإذا والدي ووالدتي بانتظاري على طاولة الإفطار - بعد أن ذهب إخوتي لمدارسهم وجامعاتهم - ، تحدثنا سوياً واستمعنا إلى نشرة أخبار الصباح من الجريدة التي يمسك بها والدي ويقرأ ، ولمّا أوشكتُ على القيام والتأهب للذهاب لجامعتي قالت لي والدتي وهي باسمة :
أم إياس : تحدّثتُ مع والدك بشأن الموضوع الذي حدثتني عنه البارحة ، اختلف معي كثيراً فيما ذهبت أنا إليه ، وطلب مني أن أقوم بما طلبته مني لأريحك وأريح قلبك يا ولدي ، وهاهو رقم أم رؤى في جوّالي وسأتصل بها في أقرب وقت .
إياس : حقاً ؟ جزاكم الله خيراً .. جزاكما الله خيراً !

إياس : كِدتُ أفقد عقلي من فرحي ، حتى إنني نسيت أن أقبل رأسي والديّ ، خرجتُ من البيت والسعادة تملؤني وكأن الله أعاد إليّ الحياة من جديد ، كنت طول الطريق أحمد الله وأستغفره وأسبحّه دون شعور ، ياااااه .. أصبحَ الحلمُ ممكناً وقريباً مرة أخرى !

مرّ اليوم سريعاً .. عُدتُ ظُهراً إلى البيت تحملني الريح .. لا قدميّ ، وكان المطبخ قبلتي فاستقبلته أبحث عن أمي ، استفسرتُ منها أكان شيء ؟ وماذا قالوا ؟ ومتى سيردون ؟ متعجلاً الأمرَ كنتُ ، فأرتني جوّالها فإذا هي قد اتّصلت على أم رؤى خمس مرات وفي كلها كان جوّالها مقفلاً ، أخذتُ جوّال أمي منها حتى أتصل أنا لها ، كنت أتصل كل خمس أو عشر دقائق تقريباً ويكون الجهاز مقفلاً ، وبعد العشاء .. جربتُ أن أتصل وكانت المفاجأة أن تم الاتصال فعلاً ، فرميتُ الجوّال على والدتي وأشرتُ إليها أن تحدّثي ، قامت والدتي مسرعةُ صوب غرفتها وأقفلت الباب، ثم خرجت بعد نصف دقيقة ، كان صوت الباب وهو يُفتح بهذه السرعة مُزعجاً لي ، ولكن وجه والدتي كان فرحاً ...
إياس : ما الأمر يا أمي ؟


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-02-14, 11:22 AM   #22

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الرابع عشر



إياس : اندفعتُ نحو أمي قائماً أجري بسرعة لأحدّثها عند باب غرفتها حتى لا تؤجّل الحديث متعذّرة بوجود إخوتي ، سألتها مستعجلاً ما الخبر ؟ هاتِ البشرى ! فلم تزل تنظر إليّ مبقية على ابتسامتها ، وهي تقول :
أم إياس : رحّبت بي جزاها الله خيراً ، لكن !
قاطعتها وكأني أنتزع الحديث منها انتزاعاً ولا ثَمَّ ذرة صبر بقيت في جعبتي ...
إياس : لكن ماذا ؟ .. ماذا ؟
أم إياس : قالت إنها خارج البيت مع بناتها وستتصل بي حالما تعود إلى بيتها !

إياس : في ذلك اليوم .. لم أذهب إلى عملي بل تغيّبتُ عنه ، كنت أمني نفسي أن أنتهي تماماً من موضوع رؤى هذا الذي أشغلني لعل الله أن يحدث فرجاً ومخرجاً ، كانت الدقائق منذ الظهيرة وحتى موعد إجابة أم رؤى على الهاتف تمر بطيئة جداً ، لكنها لم تكن بأي حال كبطء الدقائق وأنا أنظر إلى جوّال أمي خلسة انتظاراً لاتصال أم رؤى .

يا لدقائق الانتظار التي تحرق ذرات صبرنا حرقاً في قلوبنا ، لا أقسى من الصبر على المصيبة إلا الصبر على لحظات الانتظار لها والتي تطول وتطول حتى إن الصبر ذاته ليُسلخ منها ، خوفٌ وترقب ووجل وتكهنات وتأملات .. أمانٍ تنسج بخيوط العنكبوت .. ازدياد في النبض وتعرّق في الجسد وبطء في الإدراك والاستيعات .. و .. و يرنّ الجوّال بعد ساعة !


تذهب أمي مرة أخرى نحو غرفتها مرة أخرى في امتثال لهيئة أم إسماعيل ساعيةً بين الصفا والمروة ، وبين من تبحث عن ماء ليروي رمق ابنها الجاف .. وبين من تبحث عن فتاة تشفي قلب ابنها العاشق ! كانت الصورة أمامي وأنا أنظر إلى أمي ترد على الهاتف وهي تغمز لي بعينها قبل أن تقفل باب غرفتها .

... وانتظار آخر وإن كان أقسى من سابقه !

أجد أن هناك نسبة وتناسباً بين شعورنا بطول الوقت وبين إداركنا لأهميّة ما ينتظرنا إن كنّا نريده ، وبين قصر الوقت إن كنّا لا نريد ما نتتظر ، أتصدق !؟ تلك الست دقائق الأخيرة التي قضتها أمي تحادث أم رؤى كانت أطول في شعوري من تلك الساعة !!

أسندتُ رأسي إلى الجدار واتكأتُ عليه .. وخرجت أمي ، غشتني سعادة لا توصف وأنا أشاهد ابتسامتها تشق وجهها من أذنها إلى أذنها مروراً بتلك الثنايا البادية ، هرعتُ إليها فأشارت إليّ أن اجلس مكانك ، أقبلت نحونا ثم جلست وقالت ..
أم إياس : اتّصلتُ بهم .. رحبوا بك كثيراً .. حصل حديث جانبي بيني وبين أمها حول ما حصل في المرة الماضية فأخبرتني أن هناك من استعجل الرد منهم ، ولذا كانت إجابتهم بالرد حينها ، طلبت مني أمها بعض الوقت للتفكير على أن تردّ عليّ لاحقاً - إن شاء الله - .

إياس : فرحتُ أيما فرح بهذا الرد المطمئن المبشّر فآليت على نفسي إلا أن أتصدّق حالاً ، ركبتُ سيارتي قاصداً مكتب جمعية خيرية قريبة من بيتنا فألفيتها مغلقة لا أدري ما سبب إغلاقها ، صرتُ أبحث عن أي فقير في الطريق فلم أجد ، فما كان لي بُد من أن أشتري بعض ساندويشات من أحد المطاعم مع بعض الشراب ثم أهديها على عمّال محطة البنزين المقابلة لحيّنا السكني .

عُدت إلى البيت وأنا بين فرحٍ مُطعّمٍ بخوف من خيبة قد تأتي لاحقاً ، نمتُ أسعدَ نومة نمتها منذ زمنٍ طويلٍ جداً ، قمت آخر الليل وقد شبعت واكتفيت من النوم ، توضّأت وصليت لله ركعتين ثم أوترتُ ، وفي دعاء الوتر كان الثناء على الله والشكر والحمد له ، لم أتطرق في دعائي لشيء سوى ثنائي على الله بما هو أهله مع تسبيحٍ وشكر وحمد .. ثم استلقيتُ على فراشي منتظراً آذان الفجر ...!

ريّان : بصراحة يا إياس أتعجّب من هكذا صبرٍ وإصرار على نيل رؤى وأنت لم ترها من قبل قط ، ربما تجد في نفسك ميلاً لفتاة سمعت عن جمالها .. سمعت صوتها تتحدث متغنجة .. اممم شممت عطرها ففتنت بها ؛ لكني لا أجد أدني مبرر يمكن أن أتقبله في تبرير كل هذا التعلّق بفتاة لا تعرف عنها إلا ما حدّثتك أمك به عنها ومواقف حصلت في المكتب مرتين أو ثلاث .

إياس : هذا فيمن يريد الجسد يا ريّان ! ولست أريد جسداً ، أرى الجميلات الفاتنات الساحرات تفوح منهن رائحة العطور الآسرة يمشين بتغنج وتكسّر .. أرى الخصور الهيف والتمايل وإبداء المفاتن وكشف أعلى الصدر في المستشفى ؛ لكن ذلك لا يحرّك فيّ رغبة الزواج من إحداهنّ ولا مجرّد تفكير ، لست أريد دمى .. لست أريد أجساداً ملونة ، ربما سأعيش في لذة جسدية شهرين أو ثلاثة وربما امتد ذلك سنة لكني بعدها لن أبالي أنكحتُ امرأةٌ أم جداراً ، إنما أريد ما هو أسمى من لغة الأجساد .. أريد روحاً !

ريّان : روحاً ؟ وهل ستتزوج مواتاً ؟

إياس : أريد روحاً تغشاني بسكينتها .. بابتسامتها الصادقة المخلصة التي لا تطلب من ورائها نفعاً سوى الحب ، أريد روحاً تملؤني تفائلاً إن أرهقتني صروف الزمان .. روحاً متجددة لي أراها كل يومٍ بملابس الأخلاق الساحرة .. روحاً تغمرني إيماناً بالله وتشجيعاً على الطاعة إن ضعفت أو تكاسلت .. روحاً تدفئني إن أقبلت إليها خائفاً وجلاً أنادي بها زملوني دثروني .. روحاً تريد روحي .. تريد روحي أنا .. تعانقها وتشبعها راحة وطمأنينة وأنساً وسروراً واستقرار وسعادة ، صدقني إن تعانقت الأرواح فلا عليها أتعانقت الأجساد أم تنافرت .

لن أتزوّج مواتاً ولا جثثاً هامدة ، لكني أراهنّ متأثرات بالمسلسلات ، يرين في الزوج شيئاً يُشبع في الفراش ويُشبع على مائدة الطعام ، ولو نقص المصروف ريالاً واحداً لحزمت الحقائب ونادت بصوت يسمعه من في بيت أهلها (اذهب لبيت أهلي ) ، ووالله لو قالت لي امرأة ذلك لما رددتها إليّ ولو توسّط لها من توسط .

لأجلك ذلك كنت أريد رؤى .. لا يهمني أكانت بيضاء أم سمراء .. ناعمة الشعر أو خشنته .. واسعة العين أو صغيرتها .. مليحة الثغر أو مكسورة الأسنان ، عندما تتلبس روحها بروحي سأراها ملكة جمال الدنيا ولن أقدّم عليها أحداً !

ريّان : تعيش في وهم .. كل الفتيات سواء .. طبخ وغسل ثم فراش آخر اليوم .. وهكذا ، لا أجد ميزة لإحداهنّ على أخرى إلا في ما تتخيله أنت عنهنّ ، دعك من الرومانسية التي لا نحسنها نحن العرب .


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-02-14, 11:23 AM   #23

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

إياس : أفنت زوجتي " لينة " شهوراً وهي تبحث لك عن زوجة صالحة تسعدك وتعينك وتسرّك إذا نظرت إليها ، فما عليك من غضاضة حين تقول ذلك وتتبجح بأنهنّ سواء بعد أن رزقك الله بـ " منال " فتاةً صالحة من بيت صالح بأخلاق فاضلة ، ولو رأيت ما رأيته من أخلاق الفتيات وجرأتهن على الرجال وطول ألسنتهن ومزاحمتهنّ لنا في الممرات والمكاتب كاشفات الوجه ضيّقات الثياب لما قلت ما قلت !

ريّان : الحمد لله على نعمه .. طيب .. وماذا جرى بعد ذلك ؟

إياس : عشتُ بعد ذلك اليوم بين خوف ورجاء ، أرجو وأتمنى ثم أخاف فقد أمنيتي ، هذه هي الفرصة الأخيرة لي لأفوز برؤى ، كنت أبحث عن أي شيء أتقرّب به إلى الله لعله - سبحانه - أن يرحمني ويجبر كسري ، حتى رأيت وأنا خارج من صلاة العصر في لوحة إعلانات المسجد دعوة للصدقة على الأيتام ، فحدثتُ نفسي .. ولمَ لا أذهب لدور الأيتام فأبهجهم وأضحكهم علّ الله أن يضحكني .

ركبتُ عندها سيارتي إليهم ، وذهبت قبل أن أصلهم لأحد محلات الهدايا الصغيرة فاشتريت بكل ما في جيبي من مال هدايا ولعباً صغيرة لأدخل بها السرور عليهم ، وصلتُ فمنعوني من الدخول عليهم - لست أدري لماذا ؟ - ، فأصررت عليهم والعبرة تخنقني وأريت المسؤول تلك الهدايا التي حملتها إليهم .. فوافق على مضض .

دخلتُ على الأيتام .. رأيت حالهم وعيشتهم .. رأيت أعينهم الحيرى تجول في المكان تبحث عن من تُسكنه فيها من أبٍ أو أم لم يلتقو بهم قبلاً ، ابتسمتُ وسلمتُ عليهم .. استأذنتهم أن ألعب معهم فوافق بعضهم واعترض آخرون .. لكنهم تحت توسلاتي اللطيفة والممازحة لهم وافقوا جميعاً ، لعبت معهم .. ضحكنا .. جرينا معاً .. تعانقنا .. قبلنا بعضنا ، ما كان يمرّ بقربي يتيم إلا حملته بسرعة ورميته إلى أعلى ثم استقبلته واعتنقته وقبلته ، جربتُ واقعياً المسح على رأسٍ اليتيم .. وياله من شعور باللين والانكسار يملأ قلبك ، كنت أشعر وكأني أمسح على قلبي .. كأني أنفض عنه آلامه .. ويالها من لحظة تلك التي يرفع فيها اليتيم رأسه لينظر إليّ مبستماً وأنا أداعبه مدخلاً يدي في شعر رأسه !

كنتُ أن ألعب معهم .. آخذهم واحداً واحداً .. دون أن يحسّوا بامتيـازٍ لأحدهم على صاحبه .. آخذهم فرادا إلى زاوية في ساحتهم ، فأفتح لواحدهم كيس الهدايا ليختار أيّها شـاء ، وهكذا مر الوقت سريعاً إلى أن اقترب وقت آذان المغرب ولم يتبقّ معي إلا لعبتين ثنتين ، كنت قد تعبتُ من اللعب معهم وتركتهم يلعبون أمامي وجلستُ في ناحية من المكان أرقبهم ، كنت أنظر إليهم يتضحاكون وهم يلعبون ما أتيتهم به من هدايا بسيطة صغيرة ، كنت أنظر إلى السماء .. باكيَ القلب .. ثم أهـوي بها إلى الأرض أدعـو ربي في صدري .. ( يا رب .. هؤلاء ضعفاء مساكين أيتام أطفال .. يا رب وأنت الكريم الرحيم الأرحم مني .. يا رب فأضحكني كما أضحكتهم .. يا رب فأضحكني كما أضحكتهم ) ، قطع علي الدعاء طفل صغير جاءني يجري وهو يقول ( لمَ تنظر إلى السماء هكذا يا إياس ؟ ) ، قلت له ( لأني أحمد الله أن جعلني آتي إليكم اليوم فأفرح معكم .. أتحفظ سورة الحمد ؟ ) ، قال ( نعم ) ، وقرأ أمامي سورة الفاتحة كاملة دون أي خطأ ، وبدون شعور اعتنقته وقبلته .. ثم تذكرتُ أنه بقي لدي هديتين ثنتين .. فقلت له : ( هذه هديّة لك لأنك تحفظ القرآن بشكل ممتاز .. وهذه الأخـرى أهدها أنت على أي صديق لك تريـد ) ، ضحك فرحاً ثم قال ( خذها أنت .. أنت أحسن صديق ) .

خرجتُ من دار الأيتام وأنا أحمل نفسي حملاً من انكسار قلبي .. متماسكاً لأن لا تسح دموعي ، كنتُ طول الطريق إلى مقر عملي أدعو الله أن يتقبّل عملي وأن يرزقني ما أتمنّى .

دخلتُ مكتبي سريعاً رغبة مني أن لا أتلقي رؤى في أي مكان ، أشعر بهيبة لها خصوصاً بعد اتصال الأمس ، أنجزتُ عملي والبسمة تغشى محيّاي بشكل ملفت ولم يعهده أحد من الزملاء منذ شهور ، كان كل من مرّ في الممر ورآني من النافذة الزجاجية التي تطل على مكتبي لوّح بيده إليّ مسلماً مبتسماً ، ويأبى الفضولي - وهي كنية لأحد الموظفين - إلا أن يقتحم مكتبي مسلماً .. مرحباً .. ومباركاً ، يظن أني قد خطبت امـرأةً ما لذا أنا سعيـد ، صرفته بلطف - كالعادة مع الفضوليين - ولم أخبره شيئاً !

وهكذا مرت الأيام وأنا في انتظار الرد ، مضى أسبوع .. أسبوع ونصف .. بدأ القلق يتسرّب إلى قلبي ، ومع هذا كنتُ أوهم نفسي أنهم لولا موافقتهم المبدئية لما تأخروا كل هذا الوقت ، فلربما احتاجوا وقتاً أكبر ليتعرفوا علي بشكل أفضل .

مضى أسبوعان ولا ثمّة خبر .. اتصلت والدتي كثيراً بأم رؤى لكنها كانت مغلقة جوّالها ، فلم يكن من حلّ حينها إلا أن ترسل لها رسالة نصّية تستفسر فيها عن الأمر وماذا أتم فيه ، فكان الجواب سريعاً .. ومؤلماً ( الحمد لله على كل حال .. يبدو أنه لا يوجد نصيب .. رزقكم الله بخير منّا ) .

اتصلت أمي مباشرة بأم رؤى .. لست أدري ما دار بينهما من حديث تماماً ، لكن ما علمته كان كافياً لأن تسودّ الدنيا كله في وجهي وأن أذهل عن عقلي فأفقده مدة ليست بالقصيرة وأقوم بأعمال جنونية ، قالت لي أمي عن أم رؤى أن ابنتها هي من رفضت الزواج ، رغم أنها - يعني الأم - وأبوها موافقين على ذلك !

ريّان : وما الجنون الذي عملته ؟ كسّرت سيارتك مثلاً ؟ ضربت أمك ؟ مشيت عارياً على أسوأ تقدير !؟

إياس : جنون .. وجنون فقط ، انقطعت عن دوامي أسبوعاً و ...


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-02-14, 11:23 AM   #24

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الخامس عشر



إياس : جنون .. وجنون فقط ، انقطعت عن دوامي أسبوعاً وكذلك غبت عن جامعتي ، كثيراً ما أجلس في صالة البيت لأخرج عن جوّ غرفتي التعيس .. وكثيراً ما تخنقني العبرة فأقوم نحو غرفتي لأخرج ما في صدري ، أشعر بأن الدنيا كلها انطبقة عليّ فلا مهرب لي منها ، أحس أني أتنفّس من ثقب إبرة صغيرة .. بالكاد يكفي الهواء الداخل منها لأن يشفي حشرجات صدري الباكي .

صرتُ أخرج إلى الكورنيش لأسير فيه ، وما أكثر ما ابتعدت عن أعين الناس وجلست على أحد الصخرات المرصوفة على شاطيء البحر وبدأت أبكي ، دمع الرجل عزيز يا ريّان .. دمع الرجل ثمين .. الرجل لا يبكي إلا من عظيم يهزّ قلبه وروحه ، لم أكن أبكي لأن أمنية ما لم تتحقق لي فقط ؛ فهذا شيء اعتدناه في هذه الحياة ، كنت أبكي لشيئين اثنين ...

أبكي لأن رؤى هي من ردني .. هي من جرحني ، وكان السبب أنها " لا تريدني آنا " ، وماذا فيّ أنا ؟ بقدر ما وهبتها ساعات التفكير والحب والخيال .. تركلني بقدمها ؟ أهذه هي طبيعة المرأة التي يخلص لها في الحب حبيبها ؟ أيلزم أن يقسو الرجل على المرأة لتسكن إليه ؟ أيلزم أن يرتفع عنها لتهفو نحوه ؟

وأكبر من رد رؤى لي .. شعرت بحقارتي عند ربي ، شعرت بأنه غاضب عليّ ، شعرتُ بأني لا أستحق رحمته وكرمه وجوده ، شعرت بأن لدي معصية كبيرة جداً .. جداً منعت عني فضل ربي ، أنا مؤمن أكثر من أي شيء آخر أن رحمة ربي واسعة وأن ربي حكيم عليم .. ولذا .. ما كان ليمنع رحمته عني إلا من جرم فعلته .. جرم عظيم .. صرت أبكي وأستغفر ربي .. أناديه من قلبي .. ( ربِ لا أريدها .. ربِ أريدك أنت .. ربِ أنا تائب .. ربِ بصّرني بذنوبي .. ربِ اغفر لي ما علمته وما لم أعلمه ) .. أريد أن أعرف ذنبي .. لا لأنالها .. ولكن أستغفر منه .. لأستغفر منه وأتوب إلى ربي

اعتنق إياس المصحف الذي كان بيده مرة أخرى .. بقوة ، وشرع يبكي أمامي بكاء طفلٍ صغير ، يبكي ويجهش بالبكاء وصدره يهتز ويرجف حتى خفت أن يصيبه شيء من ذلك فابتدرته مفاتحاً له ..

ريّان : أهذا هو الجنون الذي تتحدث عنه ؟ هذا ليس جنوناً .. ما أسعدك إذا بدأتُ تنقب في أخطائك ولم تبتعد عن ربك ، نحتاج كثيراً إلى تفكيرك هذا يا أخي في تصحيح ما نقع فيه من أخطاء ورفع ما يُلمّ بنا من مصائب وكوارث !

بدأ يسكن من بكائه رويداً .. رويداً - وأنا أغبطه على حساسيته في شعوره نحو ربه - ، ثم رفع رأسه بعد أن هدأ قليلاً ونظر إليّ بعينيه الحمراوين الباكيتين ..
إياس : لم أنتهِ بعد .. لم أنتهِ ، ما رأيك لو عدنا إلي البيت لنتحدّث هناك فأنا أريد أن أريك شيئاً ؟

دخلنا شقته ثم قادني نحو مكتبه الذي توسّط مكتبته ، جلست على الكرسي بجانب الطاولة منتظراً له ، وتوجه هو نحو أحد رفوف مكتبته وسحب كتاباً طبيّا ضخماً كبيراً وأتى به ووضعه على الطاولة ، ما زلت أذكر شكل الكتاب الضحم الكبير والذي يُخيّل إليّ أن عدد صفحاته يتجاوز الألفي صفحة ، وسط الكتاب بيننا ثم فتحه من المنتصف وأخرج ورقتين ثنتين ، أخذ بكل يدٍ ورقة ورفعهما أمامي وقال بصوتٍ هادئ خافت بعد أن عقد حواجبه ...
إياس : هذا هو الجنون !

ريّان : لم أفهم ! ورقتين .. وردية ورصاصية .. ما علاقة الجنون بهاتين ؟
إياس : بعد أسبوع من غيابي من دون عذر .. عُدتُ إلى المكتب مرة أخرى ، وكثيراً ما كنتُ أفكّر بتلك التي لا يفصلني عنها إلا حاجز خشبي لو رميت عليه أحد الملفات المرصوفة فوق بعضها أمامي .. لتهشّم ، كنتُ أفكّر بها كثيراً .. في عملي وجامعتي .. وأكثر ما كانت تتداعي صورتها الخياليّة إلي وأنا أقرأ هذا الكتاب الضخم .. كنتُ أراها في كل صفحة منه حتى أني لربما أقضي في الصفحة الواحدة ساعة كاملة ، كان تفكيري بها مؤثراً كثيراً على إنتاجيتي وعملي وبادياً كذلك على صفحة وجهي ، فجاءني الفضولي - هو نفسه الأول ! - يسليّني ويُحدّثني ، وكان مما أخبرني به أن زميلنا في المكتب / سلمان خطب الأسبوع الماضي وأقام احتفالاً صغيراً في المكتب بهذه المناسبة في غيابي ، واشار إلى وقوع أحداث دراماتيكية في خطبته ، كان يريد الزواج من ابنة خالته التي كان يحبها مذ كان صغيراً فمنعه زوج خالته من ذلك بحجة أنها هي التي لا تريـد .. بينما الحقيقة أنه هو لا يريـد أن يزوّج ابنته من صحفيّ - كما يقول - ، وهنا لم يستسلم سلمان للأمر بل بحث عن طريقة حتى وصل إلى ابنة خالته واستفسر منه فإذا هي موافقة وإنما الرد كان من أبيها ، فبحث عن من يتوسّط له عنده .. وفعلاً تمت الخطبة !

ريّان : صاحبك هذا فضولي ملقوف درجة أولى !!

إياس : جاءني إبليس - نعوذ بالله منه - وقال لي .. ولمَ لا تفعل ما فعله سلمان ؟ بدأت أفكّر جدياً خصوصاً وأنه لا يلزمني ركوب مشاق للوصول إلى رؤى .. فهي هاهنا بجانبي ، وأيضاً هذا ينفي عني الشكوك في كونها من رفضني وردّني ويجعلني أكرهها ويقلب حبها في قلبي بغضاً .. ربما ، بداية استصعبتُ ذلك ورأيته فعلاً مشيناً فما عند الله من الفضل والخير والبركة والنعيم لا يُنال بسخه وغضبه ، لكني استمرأتُ ذلك مع تكرار التفكير وتزيين الشيطان لي ذلك العمل ، ولله در ابن القيم إذ يقول ( دافع الخطرة ..فإن لم تفعل صارت فكرة .. فإن لم تفعل صارت همّاً وإرادة .. فإن لم تفعل صار عملاً وسلوكاً .. فإن لم تفعل صار عادة وسجية ! ) .

ريّان : هنا الجنون بعينه .. وماذا فعلت !!؟

إياس : بلاوي !!


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-02-14, 11:24 AM   #25

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السادس عشر



إياس : آهـ من تلك الأيام .. أرجو الله أن يعفو عني ويغفر لي ، فقد كنت حينها مجنوناً حقاً لا أدرك مالذي أفعله ، كنت واقعاً تحت ضغط نفسيٍ رهيب أفقدني صوابي .. أفقدني حسن التدبير .. أفقدني فهم حقيقة ما أفعله إن كان صحيحاً أو خاطئاً ، وما أكثر ما نعيش تحت الضغوط ونعيش في دوّاماتها التي تفسد بوصلة اتجاهاتنا وتجعلنا نسير من غير هدى .. دون وعي .. ولا أدنى استشراف للمستقبل ، كم كنتُ اتمنى لو أنني خرجتُ من المكتب مبتعداً عن ضغط الحب الذي أعماني لأفكّر في الأمور وأقيّمها بشكل صحيح بدل أن أجاري التيار في نفسي والذي لم يترك لك فسحة لأن أفكر بغير الحب ( ! ) ، تعلمتُ من تلك الأيام أن أبتعدَ دوماً عن مركز التأثير النفسي قبل اتخاذ قراراتي حتى لا أصاب بالعمى فأقدم على أمور أدرك لاحقاً أنها خاطئة .. بل هي محض جنون !

ريّان : ألمس من حديثك ندمك على محبة " رؤى " ...!؟

إياس : حب رؤى ؟ هـه ! لم أندم عليه محبتي لتلك الإنسانة يوماً ، لكني ندمتُ على الذي أسرفت به نفسي باسم " حب رؤى " ، فضيّعت حقوقاً وارتكبتُ أخطاءاً ودمّرتُ حياتي وجرحتُ كبريائي وشوّهت صورتي .. وآذيتُ رؤى !

ريّان : طيب ومالذي قمتَ به ؟ يبدو فظيعاً !

إياس : ألا ألتمس منك العذر بأن تقيلني عن أن أخبرك إبقاءاً على كبريائي وصورتي عندك ؟

ريّان : صورتك عندي ؟ كلنا نرتكب الأخطاء يا إياس ، من منّا ذاك الذي لم يرتكب خطاً ؟ المهم هو تصحيح المسار بعد الانحـراف وأن لا يبقى الإنسان مداوماً على نفس الخطأ الذي ارتكبه سابقاً ، أن لا يبقى أسيراً له .. فكلما أراد الخروج من مستنقع الخطأ إلى واحة الراحة والطمأنينة .. تذكّر أن ثيابه نتنة وجسده متسخ بالأوحال .. فيعود مرة أخرى وكله يأس إلى ما كان يفعله سابقاً ، هاه .. ستكمل أم ستكمل ؟

إياس : الله المستعان .. لمّا أخبرني سلمانُ بما أخبرني به ؛ بدأت أفكّر بطريقة جدّية بأن أتواصل مع رؤى بأي وسيلة كانت وأرى إن كان ثمة موانع تمنع من إتمام ما أريده ، فكثير من الزيجات توأد من البداية عند وجود بعض العراقيل أو الغموض عن أحد الأطراف ، خشيت أن يكون هناك سرٌ ما في ذهنها ولذا أقدمت لأن أكتشفه ، بقيت أفكّر لأسبوع متردداً أأقدم أم أحجم .. ولو أقدمت .. فما هي الطريقة الأكثر قبولاً .. وهل ستقبل هي تصرفي هذا أم لا .. إلخ من الأسئلة .

أتصوّر أنك تفكّر الآن بنفس ما كان يفكّر أهلي به يوماً ، وهو : ما هذه الثقة لديك بأنها ستوافق ؟ ما الثقة التي لديك بأنك ستتزوجها ؟ ولا أخفيك أني كنت أسأل نفسي كثيراً أسئلة من هذا النوع ، فأقنع نفسي أني دعوت الله كثيراً .. وأنا أثق بالله .. ومهما كان من عراقيل فسيستجيب الله دعائي .. كل ما عليّ أن لا أتعجل في طلب استجابة دعائي .

ريّان : يا إياس .. لا تناور مبتعداً .. ما الذي فعلته ؟

إياس : ذات ليلة .. بقيت في المكتب وتأخرتُ عن الانصراف ، صحيح أن أنجزتُ أعمالي لكني بقيتُ أفكرّ في وسيلة أتواصل فيها مع رؤى ، وبينما أنا كذلك إذ سمعتُ صوت الباب يُغلق من المكتب المجاور ، فرفعتُ رأسي وأنا على مكتبي لأنظر من خلال الزجاجة الصغيرة المجودة طرف الباب فإذا رؤى خارجة .. والتقت عيني بعيني وهي تنظر إلى مكتبي في لمحة عابرة !

استعذت بالله وصرفتُ نظري سريعاً وكانت قد ولّت وذهبت ، جاءني الشيطان مستعيناً بنفسي الأمّارة بالسوء ليُزينا لي أمراً محرماً ، حيث صرتُ أشعر باللوم والتأنيب مما جرى - رغم كونه عابراً - ، كنتُ أشعر وكأن أحداً ما يُحدثني .. ( أما تخاف الله ؟ كيف تنظر إلى امرأة أجنبية لا تحل لك ؟ وكيف تفكّر أن تكلّمها ؟ لا .. لا .. يجب أن تبحث عن أمرٍ مباح تستخدمه .. وأنت نيتك الخير والزواج .. وليست تنوي فعل الحرام .. ولذا ما رأيك لو كتبت لها ورقة صغيرة وتذكر فيها ما تريد .. في هذه الحالة لن تكلمها .. لن تسمع صوتها .. لم تراها .. ولن تشم عطرها لو كانت متعطرة .. ولن تخلو بها أيضاً ! .. كل ما في الأمر ورقة .. مجرد ورقة .. ألست تقرأ لها في المجلة الأسبوعية ؟ أليست هي تقرأ لك أيضاً ؟ ما المانع إذاً لو أرسلت لها ؟ ولا تدري .. ربما يوفقك الله للزواج منها فيرزقكما الله ذرية صالحة ترفع راية الإسلام عالياً ! )

ريّان : هذا شيطان محنّك يذكّرني ببعض الكتاب ممن يزينون المنكرات .

إياس : جلستُ في مكتبي حتى منتصف الليل متظاهراً أني أنهي أعمالي حتى خرج معظم من في قسمنا من موظفي الشركة ، أخرجتُ ورقة من درجي وبدأتُ أكتب .. تحية وسلام .. ثم إظهار لاستحيائي من مراسلة فتاة .. ثم ثناء على عملها .. ثم التماس لأن تعيد النظر في موضوع ردها لي وعدم قبولها بي زوجاً ، كتبت كل ذلك بأسلوب رصين وجادٍ ليس فيه أي تمايع أو لين ، بعد ذلك ثنيتُ الورقة ووضعتها في مظروف ، ثم تسللت إلى مكتبها بخفّة ووضعتها في درجها الأوّل لتقرأها في الصباح .

خرجتُ وقلبي ينبض بين زوايا تلك الورقة ، كنتُ آمل أن تُحـدث فرقاً أو تسرّني بنتيجة إيجابية ، أشغلني التفكير بها في كل وقت .. كيف ستتقبلها ؟ هل ستقرؤها ؟ ماذا ستكون نظرتها لي ؟ هل ستكرهني ؟ هل .. هل .. هل ؟؟؟ لم أتناول طعاماً ولا شراباً في ذلك .. إي وربي .. قلقي كان مذهلاً لي عن أي شيء ، كنت أنتظر xxxxب الساعة أن تتحرك .. كنت أرقبها أن تلدغ موعد ذهابي ليصرخ بي أن أسرع وانظر ماذا جرى !

ذهبت ُ مبكراً للعمل ولم أنتظر xxxxبي .. كنت آملُ أن أنهي أعمالي سريعاً حتى أخرج من مكتبي سريعاً لتتمكن رؤى إن أرادت أن ترد عليّ من وضع ما ستكتبه ، وقد حصل أن خرجتُ سريعاً حقاً ثم انتحيت بسيارتي نحو إحدى النواحي ونمتُ بها منتظراً نصف الليل والجوع والقلق قد فعلا بي الأفاعيل .

ولمّا تأكدتُ أن الجميع قد ذهب عُدتُ إلى مكتبي كلي أمل وشوق لحرف ستخطّه رؤى .. لكنها لم تفعل ، أصبتُ بصدمة وألم .. ليس فقط من عدم ردها .. بل لخشيتي أن ما فعلته ربما أسقطني من عينها وبغّضني إليها فهي فتاة صالحة طاهرة تقيّة نقيّة عفيفة لا تحسن التعامل مع تلك السخافات .. وتحتقرها ، لكني - رغم ظني - ظللت أسلّي نفسي وأرقب ردها أسبوعاً ، فلربما أرادت أن تفكر في الموضوع ملياً .


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-02-14, 11:24 AM   #26

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

بعد أسبوع .. كررت المحاولة مرة أخرى .. خصوصاً بعد أن سقط الكثير من الحاجز النفسي الذي كان يمنعني مما أقوم به ، كتبت لها هذه المرة بعض مشاعري .. صدق أو لا تصدّق .. كتبت لها شعراً .. ترجيّتها .. قدّمت لها كل ما تريد .. طلبت منها أن تشترط عليّ أي شيء وأنا موافق على أي شيء .. تريد تركي للطب ؟ تريد سفري لمدينة أخرى ؟ تريد أن أتخصص بتخصص معين ؟ تريد معيشة معينة ؟ تخشى من كوني طالباً ؟ أجبتها عن كل تلك الأسئلة وأني رهن إشارتها ، وأني أمتلك مالاً كافياً لي أنا يكفيني لأن أعيش ست سنوات دون عمل .. لعلها أن توافق .. أو حتى أن ترد .. لكنها لم تفعل !!

بقيت أرسل لها كل ثلاثة أو أربعة أيام بنفس الطريقة الأولى علّ قلبها أن يلين فتجيبني ، لكنها لم تكن تفعل ، وبقدر الألم الذي سببه لي تجاهلها لي .. إلا أنها كبرت في عيني كثيراً ، أحببتها أكثر وأكثر .. أحببت طهرها ونقاءها وصفاءها .

ريّان : كم مرة أرسلت لها يا إياس ؟

إياس : كثيراً .. كثيراً .. ربما اثني عشر أو ثلاثة عشر مرة .. كلها بنفس الفكرة ونفس الترجي والاستجداء ، كنتُ أطلب منها على الأقل أن ترُد بالرفض فقط ليطمئنّ قلبي فلا ألوم نفسي لاحقاً كوني لم أوفر سبباً ولا باباً لنيلها إلا طرقته .

وذات ليلة ... وفي منتصفها .. بعد أن فرغ قسمنا من موظفيه ، أخرجتُ قلمي لأكتب لها كما كنت كما أكتب سابقاً ، لكني الكلمات استعصت علي هذه المرّة .. في مقابل خيانة من عيني التي استرسلت هذه المرّة تسبل دمعها ثراً ، كنت رغم ما أفعله أشعر بتأنيب ضميرٍ أسكته باستمرار بالأماني الكاذبة التي أحلم بها ، لكن ضميري هذه المرة استيقظ .. بعد أن عصيتُ ربي .. وأفسدتُ صورتي .. وارتكبتُ الأخطاء تلو الأخطاء .

أقفلت أضواء مكتبي وخرجتُ محزوناً متجهاً نحو سيارتي ،أول ما ركبتها بحثتُ عن أي شريط قرآن .. كنت أشعر بوحشة في قلبي .. ولن يطمئن إلا بذكر الله .. وليس ثمة أفضل ذكر من كلام الله .. من القرآن ، انطلقتُ عبر شوارع مدينتي النائمة نحو البيت ، وفي طريقي كنت أستمتع بسياط الآيات وهي تجلد قلبي العاصي الذي فرّط في جانب ربّه وأراد أن يأتي البيوت من غير أبوابها .. شعرتُ بوقاحة ما فعلته .. شعرتُ بسوء ما اقترفته .. نعم .. لقد استيقظتُ من غفلتي !

دخلتُ غرفتي .. استلقيتُ على سريري وشرعتُ أبكي .. أبكي .. لم أتصوّر نفسي يوماً قليل أدبٍ وسيء خلق ! لم أتصوّر نفسي يوماً ملاحقاً لفتاة ومعاكساً لها ! لم أتصوّر أن حافظ القرآن الذي عاش في بيت مؤمن .. الذي تعرّض لكثير من المشاكل والمضايقات بسبب تمسّكه بدينه .. قد صار عديم غيرة على أعراض المسلمين .

وبعد أن أخرج دمعي كل ما في قلبي .. جلستُ على المكتب في غرفتي وكتبت خطابين ، الأول كان خطاب استقالة من العمل سأقدمه إلى مدير الشركة غداً - إن شاء الله - ، والخطاب الثاني .. وهو هذا الذي نسخته في يدك .. قررت أن أرسله إلى رؤى .. ولكني لن أقتحم هذه المرة مكتبها ولن أقترب منها .. حيث أرسلته لها عبر البريد .. تفضل .. اقرأهُ .

ريّان : حسناً ، تقولُ في الرسالة ..

السلام عليكم ورحمة الله أختي الكريمة

أرسلها لكم أخيرة وكلي حياء ..

فقط .. أود أن أعتذر عن كل إزعاج سببته ، ربما جرحتكم وآذيتكم وأقلقتكم فاعذروني يا أخيّة ، عسى الله أن يتقبّل ما أدعو به لكم ، لقد كنتم أرقى مني سلوكاً وأدباً زادكم الله من فضله ، تصرفت معكم بسوء وبما لا يليق ، لكنكم واجهتموني باحترام أكبره فيكم ..

كنت كمثل النائم أو المجنون الذي لا يـدري ماذا يفعل ، استيقظت على أفعال سيئة قمت بها ، دمعي يا أختي يغطي وجهي وأنا أكتب لك الآن .. وخذيها مني يا رؤى .. أنتي راقية حقاً !

تمنيتك .. وزادت رغبتي لحبي لأبيك وشخصيته ، حتى إن أمي تشبهني به أحياناً ، لكني بعد ذلك ملتُ عن والدك إليك وصرت أريدك أنتِ لذاتك ، ربما .. سأكتب قصة يوماً عن كيف انقدت إليك ، وأني لم أعرف أنك رؤى خالد التي معي في العمل إلا في رمضان الماضي !!

رغم انقيادي .. تمنعت عليّ تكراراً .. أهديتك قلبي لكنك رددته .. ربما قدر الله أني لا أستحقك .. فأنت أعلى مني قدراً ..

أخيراً ..
أردت أن أنقطع عن العمل في الأيام القادمة وربما لا أعود أبداً ، فأحببت أن أودعك يا أختي وأتحلل مما سببته لك ، آسف يا رؤى بقدر الدموع التي تهلّ من عيني ، أعتذر منك بصدق .. سامحني يا أخيّة ، والله لا أدري .. أما في قلبي من حزن هو لفراقك أم لأني آذيتك !!!

سأفرح ..
ربما أطير فرحاً لو جاءني يوماً خبر أنك غيّرت رأيك .. صدقيني ربما أموت فرحاً ، ولكن مهما يكن .. فأنت الدرة في عيني ما بقيتُ !!

انتبهي على نفسك .. الله الله في دينك وعلاقتك بربك .. أرجو أن أكون صفحة بيضاء في كتابك .. تذكريني بالخير يا رؤى وادعي لي .. ادعي لي بأن أنجح هذه السنة .. فدرجاتي سيئة جداً مما كنت أجده في نفسي .. أسأل الله أن يحفظك .. ويسترك .. ويسعدك .. أسأل الله أن يحقق أمانيك ..

يا رب ..
إن أمتك هذه سترتني وعفت عن خطأي نحوها ولم تفضحني رغم إساءتي لها ولو أرادت أن تفعل لفعلت ، اللهم فاسترها يوم العرض واعفُ عنها .. اللهم فاسترها يوم العرض واعفُ عنها .. اللهم فاسترها يوم العرض واعفُ عنها ..


في حفظ الله يا أختي ..
إياس !


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-02-14, 11:25 AM   #27

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

إياس : في صباح اليوم التالي ذهبتُ إلى مكتب البريد وأرسلته إلى عنوان عملنا باسم ( رؤى خالد ) ، وأيضاً ذهبتُ إلى مقر العمل صباحاً أيضاً بخلاف المعتاد وهو دوامي المسائي .. وقدّمت استقالتي من العمل إلى مدير المؤسسة ثم عُدتُ إلى البيت ، استقبلتني أمي وأنا عائد من جولتي السريعة هذه ، وهي تُزغرد ووجهها يتطاير منه الفرح في كل اتجاه ... تقول ...
أم إياس : أينك يا ولدي ؟ تأخرت البارحة في العودة إلى البيت ، أبشرك .. البارحة اتصل بي أهل خطيبتك يبدون موافقتهم عليك ويرحبون بك زوجاً لابنتهم ، أتصدق .. هؤلاء من ينبغي أن نفرح بمناسبتهم ليس غيرهم .
إياس : خطيبة ؟ وافقوا ؟ عن ماذا تتحدثين يا أمي !؟
أم إياس : ألم تفوضني تفويضاً كاملاً بعد اتصالي الأخير بأم رؤى قبل أشهر بأن أخطب لك تلك الفتاة التي حدثتك عنها ؟ كنت طول الفترة الماضية أستزيد من السؤال عنها وأستخير ربي لنا دون أن أخبرك ، ثم اتصلت بهم أمس ظهراً خاطبة ابنتهم لك فلم يمهلوني ولا حتى عشر دقائق إلا وردوا المكالمة موافقين يرضونك زوجاً لابنتهم !
إياس : ما شاء الله ...
أم إياس : اسمها لينة .. طالبة في السنة الثالثة في كلية العلوم .. ذات دين وخلق وعقل راجح .. حافظة للقرآن .. متفوقة في دراستها .. جميلة جمالاً ساحراً .. كل من حولها في مجتمعها يحبها .. ماذا تريد أكثر ؟

إياس : غشاني صداع فظيع كِدتُ أن أسقط من فرطه على الأرض ، ابتسمتُ مجاملة في وجه أمي شاكراً ثم رميت نفسي بأقوى ما أستطيع على إحدى الكراسي الموجودة في صالة البيت .. وأنا أتعجب من تسارع الأحداث هكذا ، ذهلتُ ودهشتُ مما فعلته أمي بي ومثله من قبول أهل لينة السريع ، تناولت الصحيفة اليومية الملقاة على بجانبي وبدأت أقرأ الأخبار متشاغلاً علّ الصداع الذي استولى على رأسي أن يخف قليلاً .

تريد الحقيقة ؟ لم أعد أستوعب أنني خطبت وأن أهل المخطوبة موافقون وأنهم معجبون بي ، ما زلتُ أعيش وهماً اسمه " رؤى " ، لم تخرج رؤى من ذاكرتي بعد ، ما زلت معششة في رأسي مستولية على عرش قلبي وليس لأحد أن يداني منزلتها .

مرّ اليوم كأي يومٍ من أيامي .. إلا أني لم أذهب إلى العمل الذي استقلت منه ، وكنتُ قد أضمرتُ في نفسي أن أذهب إلى مكتبي آخر الليل لألملم أوراقي وأجمع أغراضي بعد ذهاب الموظفين ، وهذا ما حدث .. فبعد تناولي للعشاء صعدتُ إلى غرفتي ولبستُ ثيابي ثم خرجتُ متخفياً من باب المطبخ كي لا يراني أيّ من والديّ خارجاً .

سرتُ والأيام الخوالي تتبارى في خيالي أيها يستدعي نفسه أولاً .. ليجرحني أولاً ، الأحلام والخيالات والأماني والدعوات تضطرم محترقة في رأسي .. كلها من الماضي ، أسير وأتأمل المدينة والناس نيام .. كانت عيني تهلّ ببعض الدمعات وأنا أذكر الله وأستغفر مما كنت أفعل .. أدعو الله أن يلطف بقلبي الذي ما يزال يحبها .. أسأله أن يرحمني ويجبر انكساري .. آه من أيام السهر تلك التي كنت أتقلب فيها على فراشي مستحضراً ما سأفعله معها من ضحكات ونزهات وسفرات .. من آلام وآمال ستنغص علينا حياتنا .. كنت .. وكنت .. وإلى أنت وصلت إلى المبنى !

ترجلتُ ودخلتُ وتوجّهت إلى مكتبي ، استثارني الضوء المنبعث من مكتب رؤى وأنا أسير في الممر ، اقتربت وأنصتُ فإذا بي أسمعها وهي تبكي .. لا تتكلم .. كانت تبكي فقط ، تألمتُ لحالها كثيراً وبقيتُ هكذا متلصصاً عليها وقد رابني أن تكون بسوء ، وفجأة .. أسمع وقع خطواتها متجهة نحو الباب ، جريتُ سريعاً نحو مكتبي واختبأتُ تحت الطاولة ، فتحت باب مكتبي ودخلت بكامل حجابها وسترها .. وأثناء دخولها رنّ هاتفها .. فأجابت ( حـالاً حالاً يا أبي .. دقيقة فقط وآتيك ) ، تسمرتُ مكاني خشية أن تعلم بي وعندها ستحدث مشكلة ، لم تمضِ ثوانٍ حتى خرجت وأنا أسمع لها نشيجاً .

انتظرت لدقائق حتى أتيقن خروجها من المبنى ثم جلستُ على الكرسي وأوقدت الأضواء ، فإذا هي قد وضعت على طاولتي مظروفاً صغيراً ، استعجلتُ كلّي إليه لأفتحه ، فإذا هو يحوي هذه الرسالة التي بيدي !

ريّان : عجيب .. عجيب .. إذاً ردت عليك في آخر الآمر ! ماذا كتبت فيها ؟

إياس : كتبت لي في ذلك المظروف ...

أجبرتني على الرد حتى أريح قلبي براحة قلبك ..
لعلها الأولى والأخيرة ..

ليتك لم تعتذر .. فمن تقرأ له الآن هو من كان يجب عليه الاعتذار عن كل ألم وهم وضيق سببه لك ،اعلم يا إياس أني لم أعب عليك شي مما مضى ، كنت أشعر بما تشعر به ، وكنت كلما رأيت كتاباتك ؛ تزداد حرارة دعائي وبكائي لك !

إياس .. والله إني أحبك ، ومنزلتك الرفيعة عندي لم تتغير ولن تتغير ،أدعو لك في كل ليلة .. وبين آذان وإقامة .. وأتحيّن قطرات المطر .. وفي وقت رجوعي من العمل ، حيث لا أحد معي في السيارة .. أسبح في دعوات أسأل الله أن يتقبلها ، امتحاناتك .. ومذاكرتك كانت أحد همومي ، صدقات تصدقتها نويتها لك ، مفكرتي .. دفتري .. يحملان الكثير الكثير لكني أخفيها .

اعلم يا إياس علماً يقينيـاً .. إن كتبك الله لي ستأتي رغم كل مانراه عائقاً بمنظورنا نحن البشر ، وإن لم تكن أنت .. فمهما فعلت لن يجدي ، رزقك لن يأخذه أحدٌ غيرك ، ولن تأخذ رزق غيرك ، هذا ما كنتُ أؤمن به في الفترة الماضية ، لذا فعلت ما بوسعي واستسلمت تمااااماً للقدر .

وفي النهاية ..أشكرك على كل شي .. على كل نبضة قلب أهديتها .. على كل حرف كتبته .. على حسن ظنك العظيم العظيم فيّ !

اسمع لتمتمات قلبي ورددها معي :
رب عجل بخير القضاء ..
رب انزع حبي من قلبه إن كنت تعلم في سابق علمك اني لست له ..
الآن وفوررررررررراً !
رب انزع كل ميل له إن كنت تعلم في سابق علمك أنه ليس الشخص الذي اخترته لي ..
الآن وفوررررررررراً !

رب عوضه خيراً مني إلم أكن له، أسعد حياته بفتاة تملأ حياته رضا وسرور ، واجعله ينساني إلى الأبد ، رب عوضه بفتاة تجمع ميزات رآها بي - حسن ظن منه - ، و لا تجعل فيها من عيوبي التي أعلمها شي .

يارؤوف ارأف بقلبين سلما لك الأمر كله ، استسلما وعلما أنه مهما كان و مهما سيكون هو الخير بعينه ، والشر بغيره ومهما فعلا و قالا ، فدعاؤهما سيسّير القدر لما فيه خيرٌ لهما .. ثقة بك .. ونِعم بك ، وأن ماكُتب سيقع .. مهما كانت الظروف !

ربي تعلم مافي نفسيهما ... تعلم طبيعتهما وما يصلح لهما ... فاكتب الخير حيث كان ورضهما به !

أرجوك .. انتبه لدراستك وأشغل نفسك بها ، لا تنقطع عن العمل في المجلة إلى الأبد فالعمل الإعلامي يحتاجك ،أرجو أن تطمأنني على نفسك بعد هذه الرسالة ولو بحضور عابرٍ لك في المجلّة ، لم أستطع النوم بعد رسالتك !!

سامحني سامحني عن كل شيء فهذا آخر شيء بيننا ، إلى اللقاء يا إياس .. وإن لم يكتب في هذه الدنيا ؛ ففي الجنة المتلقى بإذن رب إياس ورؤى .

والله لا أعلم هل ما كتبته لك يرضاه ربي أم لا ؟ فالشيطان يقول لي .. هو ليس رجلاً أجنبياً أجنبياً ، إنما هو خاطب أجنبي .. لكن لعلها الأخيرة ... و خبايا القدر لايعلمها إلا الله !

نبض وفاء لك مادام نبضي لم يقف ...
رؤى ،

ريّان : يا أخي هذه لعّابة .. تريد أن تعلقك بها ولكن لا تريد أن تتزوج بك .

إياس : دعك من كونها لعّابة أو غير لعّابة ؛ لمّا قرأتُ أحرفها ما تمالكتُ نفسي إلا أن سجدتُ شُكراً لله ، أحسست بأن الأمل عاد من جديد ، وأن زواجي من رؤى بات غير مستحيل الآن ، فهي - إن شاء الله - لن تمانع لو تقدمت لأبيها بنفسي .

ريّان : تتقدم لأبيها ؟ يا رجل أمك خطبت لك فتاة أخرى !

إياس : أعلم .. وهذا ما جعلني أتعجل أمر خطبتها مرة ثالثة ، وجعلني لا أنام تلك الليلة منتظراً أذان الفجر لأظفر بأول خيط من الخيوط التي ستقودني إلى رؤى وأبيها ، حيث قررت أن أصلي الفجر في مسجد الدكتور ( مراد ) لأحصل منه على مكان عيادة الدكتور خالد وأوقات تواجده فيها .. ورقم جوّاله أيضاً .

ريّان : اسمح لي أن أقول بأنك متهوّر يا إياس .

إياس : ربما .. ولكني حصلت على ما أريد !


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-02-14, 11:26 AM   #28

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الأخــير



ريّان : حصّلت ما تريد ؟ ومن قال لك أنك حصلت عليه ؟ أما زلتَ متعلقاً بتلك العفيفة - كما تقول - بعد رسالتها !؟

إياس : احفظ لسانك .. وانتقِ ألفاظك .. وأحسن صياغة ما تقوله ، نعم .. هي عفيفة شريفة تقيّة نقيّة صالحة طاهرة غصباً عنك وعن كل ما لا يريد ، عجباً لك أيها الإنسان الانتقائي !

ريّان : ما لكَ غضبت ؟ كنتُ أسأل فقط ، ولم أصفها بشيء !

إياس : وكيف لا أغضب !؟ لا داعي لتعريضك بها والسخرية بطريقة الضرب ثم الهروب ، ما كان عليك أن تقول ما قلته عنها ، ليس لأنها " رؤى " ، ولكن لأنها فتاة مسلمة قبل أي شيء له حق حماية العرض والشرف .

ريّان : اعذرني ما كنت أعلم أن سيتبادر إلى ذهنك كل هذا ..

إياس : أتعلم يا ريّان ! لدينا جميعاً مشكلة في النظر إلى الأخطاء عموماً والأخطاء في هذا المجال خصوصاً ، تأمل معي .. أرسلتُ لها أنا أربعة عشر رسالة ( 13 الأولى + 1 الأخيرة ) ولم تُنكر عليّ ذلك ، بل إنني لما ترددت في الحديث عن رسالتي الأخيرة أقنعتني بأنه خطأ من الماضي وأن علّي تصحيحه وعدم الالتفات إليه ، لم تشر إلي أني منافق .. ولا إلى أني خدعت الناس بمظهري الصالح .. حتى وجهك لم يكن ليتمعّر وأنا أحدثك عن أفعالي المشينة ، بينما هي برسالة واحدة أسقطتها وجرحتني بالحديث عن عفتها ، ما لكم كيف تحكمون ؟!!

هي رسالة .. مجرّد رسالة .. لستُ أهوّن من خطئها .. هي بأسوأ أحوالها ستكون خطأ من صغائر الذنوب تجبه التوبـة الصالحة ، لا يجب أبداً أن نصوّر الأخطاء أكبر من حجمها الطبيعي ، تخيّل معي رجلاً جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نادماً على تقبيله امرأة أجنبيّة عنه .. ليست رسالة .. بل قبلة ! .. خطأ شنيع .. لكن مُعلمنا لم يصوّر الأمر على أنه زنا .. لم يصوّر الأمر على أنه نقص في الشرف .. لأنه يعلم أن الأمر لا يعدو كونه قبلة .. الأمر انتهى وانقضى ولا يسعنا الحكم على حياة ممتدة سنوات .. بناء على موقف واحد ، ولك أن تتخيل أن الله أنزل في ذلك الرجل قُرآناً يُتلى إلى يوم القيامة ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنـات يُذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) ، سبحانك يا الله .. تأمّل الآية .. سمّى المخطئ ذاكراً .. لم يسمّه قليل عفة .. لم يسمّه بأي وصف سوى وصف الذكرى لأنه تذكّر بعدما حاد عن الصواب ( إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) .

أتصدّق ؟ نحن نقع في الخطأ الأكبر من حيث لا نشعر ؛ حينما نصف المخطيء بأبشع الأوصاف وكأننا نوعز له بأن لا عودة إلى مكانك بيننا ، نخلق بيننا وبينه حاجزاً .. نجعله يفرّ منّا .. لا يمكن لإنسانٍ أن يعيش بين قومٍ يرونه ناقصاً ، هذا لو افترضنا حقاً أن الإنسان قد ارتكب جرماً بشعاً .. فما بالك والخطأ أصغر بكثير مما نتصوّر .

أما الخطأ الثاني فهو أننا نخلط المعصية المحرمة شرعاً .. بما يُحرّمه المجتمع عُرفاً ، بل وأحياناً نصوّر ما يراه المجتمع محرماً عرفاً أكبر من الحرام الشرعي ، أنت أنت يا ريّان .. كم مرّة وقعت عينك على صورة محرّمة وُضعت على صفحة غلاف إحدى المجلات ثم نسيت نفسك وبقيت تتأملها !؟ أتعلم أن خطأك هذا أعظم عند الله من رسالة رؤى !؟ أتعلم أن انتقاصك أنت لرؤى وغيبتك لها أعظم عند الله من رسالتها !؟ لكنك غافل عن هذا وساهٍ ؛ لأن المجتمع لا يرى في هذا شيئاً كبيراً وقد اعتاد الناس عليه ، بخلاف ما فعلته هي مما نستقبحه عُرفاً .. أكثر من استقباحنا له شرعاً !

هذا كلّه .. عدا أن عيب الفتاة مضروب في عشرة مقارنة بعيب الرجل ، أربعة عشر رسالة مني لم تشفع لي أن أنال وصفاً قبيحاً منك ؛ بخلاف رسالة واحدة جاءت منها على تردد فنسفت بسببها برج عفتها ، يا ريّان .. الإنسان إنسان .. ليس ملاكاً .. له مشاعر .. لديه نفس أمّارة بالسوء .. خلفه شيطان يدفعه .. كل هذا عدا لحظات ضعف تصيبه فتجعله قريباً من ارتكاب الأخطاء ، أبونا آدم نبيّ يا ريان .. ليس بشراً عادياً .. ولكنه عصى ربّه فأكل من الشجرة ، أفأسقط هذا الفعل الخاطيء من آدم وصف النبوّة !؟ أبونا آدم سمّى ابنه عبد الحارث يا ريّان .. أفأسقط ذلك منه شرف الأبوّة !؟

لن نكون منصفين أبداً إن حكمنا على الأخرين من خلال مواقف عابرة ، وتأكد أننا سنقع يوماً ضحيّة لتصنيف غيرنا لنا بناء على أخطاء لنا عابرة أيضاً ؛ إن لم نحاول تصحيح الوضع من خلال رؤية الخطأ بحجمه الطبيعي دون الاستعانة بعدسات مكبرة .. ومن خلال تقبل المخطيء ونسيان خطأه الذي وقع فيه على حين ضعف منه وعدم اجتراره كل حين .

ريّان : أظنك مصيباً فيما قلت .. إيـه .. أسأل الله أن يغفر لنا ..

إياس : وبخلاف ما تظنّه أنت .. رسالتها تلك قربتها لي كثيراً .. كثيراً جداً ، زادت محبتها في قلبي .. شعرتُ أني أحب أحداً يحبني ولستُ أبادل الحب مع أحدٍ لا يراني شيئاً ، ولك أن تتصور قدر الدموع التي سكبتها حين سجدت شكراً لله .. دموع شكرٍ أن الله كان سميعاً لدعائي .. دموع ألمٍ وشفقة على ما سببته لـ " رؤى " من ألم حتى أخرجها ذلك عن طورها وعن ما اعتادته من رزانة ، أدركتُ كم كنتُ جارحاً لها ومضايقاً لمشاعرها بعد أن كنت أظن أني أنا الوحيد الذي يتألم ويُحس .

ريّان : طيب هل خطبتها مرة ثالثة حقاً ؟ وما علاقة د. مراد بذلك !؟

إياس : د. مراد ؟ لم أنطق اسم ( مراد ) في حديثي كله .

ريّان : يا رجل ! لتوّك قلت أنك ستصلي الفجر في مسجد د. مراد .

إياس : أنا قلتُ مراد ؟

ريّان : نعم !

إياس : لا لا .. كنت أقصد الدكتور مؤيّد صديق الدكتور خالد المقرّب .

ريّان : آها ..

إياس : صليت الفجر في مسجد د. مؤيّد والتقيته .. سلمت عليه .. تعجب من حضوري له فجراً ، تساءل عن السبب .. فأجبته بأني أريد رقم جوّال الدكتور خالد ومكان عيادته لأمر لا يحتمل التأخير ، نظر إليّ نظر ريبة ثم قال لولا أنه يعرفني جيداً ويعرف أني لست أريد الدكتور خالد بسوء لما أعطاني تلك المعلومات عنه .

وحتى بداية الدوام .. وأنا أدور بسيارتي حول مبنى عيادة الدكتور خالد انتظاراً لمقدمه ، كنتُ أحضّر ما الذي يمكن أن أقوله له وما الذي يمكن أعرّف به عن نفسي ، بيّت حديثاً منمّقاً وزخرفته وجمّلته حتى لا أرتبك أو أتلعثم ؛ فقد زرع الله للدكتور مهابة في قلبي .. إضافة إلى هيبة ما أنا مُقدم عليه من عمل .

رأيتُ الدكتور يدخل بنايته أمامي فإذا بأطرافي ترتعد .. ارتبكتُ .. حتى طريقة قيادتي لسيارتي نسيتها فما صرت أفرّق بين المكابح ودواسة الوقود .. وقد حماني الله بصلاتي للفجر جماعة وإلا لكنت حتى الآن أرقد في المستشفى نتيجة حادث اصطدام مع شاحنة البلدية المخصصة لجمع القمامة !

توقفت أستجمع قواي وأرتب أفكاري من جديد ، قررت حينها أن أعدل عن فكرة مقابلة الدكتور وجهاً لوجه إلى الاتصال به هاتفياً ؛ ربما سيكون ذلك أقل هيبة في نفسي ، أخرجتُ هاتفي الجوال لأتصل به .. أدرتُ الاتصال .. ثم قطعته سريعاً ، ماذا سأقول للدكتور

امممـ... يا للمصيبة ، ألهذه الدرجة أجد أني لا أستطيع التصرف بشكل تلقائي !؟ هل سأُحرم من رؤى لأني لا أستطيع أن أحادث والدها وأطلب يدها منه !؟ هل بعد كل هذا الجري الطويل وراءها سأقف قبل خط النهاية !؟

كنت متوتراً جداً لدرجة لا يمكن أن أصفها ، كنت خائفاً أيضاً من أن لا أجد ترحاباً من الدكتور خالد ، كنت خائفاً أن لا يكون اللقاء الأول بالشخصية الأولى لديّ لقاءاً ودوداً ؛ وحينها سأخسر رؤى .. وسأخسر والدها أيضاً ، عزمتُ أن أتريّث إلى العصر حتى أرتاح قليلاً وأهدأ ، وأن أتّصل به حينها لعل الله أن يُحدث حينها أمراً .

بعد صلاة العصر .. أمسكت جوالي وبدأت أستحضر بعض الحديث الذي يمكن أن أتحدث به مع الدكتور ، فشلتُ أيضاً في أن أهيّء نفسي هذه المرة أيضاً ، جلستُ أفكّر .. رأيتُ أن أصلي استخارة ثم أتصل به وليحصل ما يحصل .

صليت ركعتين ثم أمسكتُ جوّالي بيدي المرتعشتين .. فيد واحدة لا تكفي لأن تمسكه ( ! ) .. واتصلتُ ، طووط .. طووط .. طووط .. طووط .. طووط .. طووط .. طووط .. طووط .. طووط .. طووط .. ولا ثمة من يرد على الجوال ، جلست واتكأت على مساندَ وضعت للصف الأول وأنا أفكّر .. هل أتصل به مرة أخرى أم ماذا أفعل !؟


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-02-14, 11:26 AM   #29

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


لم آخذ الوقت الكافي حتى بدأت شاشة جوّالي الذي كنتُ وضعته على وضعية الهدوء - كوني في مسجد - تومض .. والرقم رقم الدكتور خالد وهاهو قد عاود الاتصال بي حين لم يُجب على هاتفه ، بدأ قلبي يقرع الطبول ويستنفر الأدرينالين في دمي لأصبح في أعلى وضعية للاستعداد ...
إياس : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
د.خالد : السلام عليكم ورحمة الله ..
إياس : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. حياك الله د. خالد .. أهلاً وسهلا ..
د.خالد : أهلاً وسهلاً .. من معي ؟
إياس : معك إبنك إياس بن ...
د.خالد : ونعم .. أنعم وأكرم .. مرحباً بك يا إياس .. سعيد بسماع صوتك يا بني !
إياس : أنا أسعد بذلك وأشرف يا دكتور ..
د.خالد : أهلاً بك يا بني .. خيرٌ إن شاء الله .. مالذي يمكنني أن أخدمك به ؟
إياس : أولاً وقبل شيء يا دكتور .. أشهد الله وملائكته أني أحبك في الله يا دكتور !
د.خالد : الله يحبك ويرفع قدرك .
إياس : أتصل بك يا دكتور بخصوص ابنتك " رؤى " سبق وأن خطبها أهلي مرتين ولم تحصل موافقة ، ولا أخفيك يا دكتور أني بها راغب ولمناسبتك طالب ، فما رأيت إلا أن أتصل بنفسي لأعبر لك عن رغبتي بها يا دكتور وأن أخطبها منك أنت مرة ثالثة .
د.خالد : أتشرف بك يا بني .. سألتُ عنك في المرتين الأولى والثانية وما جدت إلا ما ترفع به رأسك .. لا أعيب عليك شيئاً ، لكن الرد لم يكن مني ولا من أمها ، هي التي رفضت يا إياس وليس أنا ، لا أفشي سراً إن قلت لك أنني في مسألة الزواج بالذات لا أحب التدخل بين الطرفين ، هذه حياتهما ويجب أن يتخذا قرار الارتباط بنفسيهما دون تدخل من أحد ، صحيح أني أشير مجرد إشارة ورأي لكني أترك الأمر في النهاية لأصحاب القرار ، لكني أعدك هذه المرة أن أكلّمها بنفسي وأن أعرض عليها رأيي .
إياس : جزاك الله خيراً يا دكتور وبارك فيك .. لي طلب أخير إذا سمحت لي .. أرجو أن يكون اتصالي هذا بيننا ، فأنا أحدثك الآن دون علمٍ من أهلي ؛ لأني لا أعتقد أنهم سيخطبون لي نفس الفتاة مرة ثالثة ، أنت أدرى بحساسية هذه الأمور عند الأهالي يا دكتور .
د.خالد : ههههه .. وهذه صفة أخرى تزيد من إعجابي بك يا إياس ، أعجبتني كثيراً ثقتك بنفسك واتخاذك للقرار وإصـرارك عليه حتى لو تخلى عنك أقرب الأقارب ، أكبر فيك نفسك هذه يا بني .. وأعدك أن لا يكون إلا الخير إن شاء الله .
إياس : شكراً لك يا دكتور .. السلام عليكم ..
د.خالد : مع السلامة !

إياس : وأقفلت السمّاعة ونفسي كلها انشراح وطمأنينة ، سقطت عني هموم كثيرة كنت لا أعرف كيف أستخرجها من صدري ، والحمد لله أن ذهب ما كان في صدري منها .

ريّان : يبدو د. خالد شخصاً لطيفا طيباً ...

إياس : إي والله .. ما كنت أتصوّره بهذه الطيبة التي غمرني بها ، صحيح أنه لم يكن في بالي إنساناً غضوباً أو سيء الخلق لكني ما توقعته بهذه النفسية اللطيفة التي تكسر الحواجز بينك وبينها ، جزاه الله عني خيراً فلقد امتص حماسي واندفاعي ، لكن رغم جوابه المطمئن والذي يدعو للتفاؤل ، لم أكن هذه المرة متفائلاً ولم أعقد الآمال ، بل تريثتُ حتى أعلم ما نهاية الأمر .

بعد أسبوعٍ من اتصالي .. زارتني قريحتي الشعرية المهلهلة ، فكتبتُ أبياتاً وأرسلتها إلى جوال الدكتور - رغم تخوفي - ، أحببت أن تكون تذكيريّة بالموضوع الذي بيننا ؛ إذ لم أشأ أن أعيد عليه الاتصال .

ريّان : إلا هذه .. أنت تكتب الشعر ؟ ههههه ، وماذا كتبت ؟

إياس : دعني أفتح ملفي أستخرجها منه .. أينها .. أينها .. امممـ .. ليست هذه .. ولا هذه .. وجدتها .. هذه هي ، أرسلتها للدكتور خالد أذكر بعد صلاة العصر مباشرة بعد أسـبوعٍ تماماً .. أقول فيها :
إليكم أسـوق الحرف يأتي مسلّماً ويزجي التحايـا بالمـودة ترفلُ
ويطرق بابـاً بت أرجو دخـوله ويذكر أني أرتضيـه ، وأقـبلُ
فباطنـه أصـل المكـارم والنهى وظاهـره عـز وفخر مُـدوّلُ
وأني لكم بـاغٍ أريـد وصالكم فما قولكم يا عمُ راضٍ وقابلُ ؟
سأبهج إمّا كنت ذا حظـوة بكم وأنك يا عمي رضيت وتقـبلُ
وإني إذا شطّـت ركـابي عنكمُ وصـار نتاج الأمر ما ليس آملُ
سـأبقى وفيـاً بالمحبّـة نحوكم وتبقون لي رمـزاً يقول ويعملُ
لكم قدركم عندي عليـاً مكرماً وإن قصرت فيكم حروفٌ تبجلُ
فما الـود تمثيل وتدبيج أحرفٍ ولكن على ما في القلوب المعولُ

ريّان : ما شاء الله لا قوة إلا بالله .. ست سنوات بجواري ولا أعلم أنك شاعر .. ماذا جرى بعد إرسال الأبيات ؟

إياس : بعدها مباشرة .. اتصل بي د. خالد وهو يضحك ويقول :
د.خالد : ما شاء الله .. ما شاء الله .. ماذا أبقيت لغيرك يا إياس ؟ شاعر أيضاً ؟ أعجبتني أبياتك كثيراً زادك الله من فضله ، لا تقطع عنّا رسائلك إن كانت كهذه يا بني ، حتى أنا أحبك وليس الحب تمثيلاً كما قلت .
إياس : ثناؤك وسام على صدري يا دكتور .. شكراً لك !
د.خالد : بالنسبة للموضوع الذي اتصلت عليك من أجله .. امممـ .. لا أدري بمَ أقدم ولا ماذا أقول .. الحقيقة أن رؤى ما زالت متمسكة بموقفها ، ربما لكونها متخرجة حديثاً ولديها بعض الخطط والأعمال التي تريد أن تفعلها ، فهي - كما علمت منها - لا تفكر في الزواج حالياً .
إياس : الحمد لله على كل حال .. الحمد لله !
د.خالد : لا تيأس يا بني .. ثق أن الخيرة فيما اختاره الله لنا ولك .. دعوت الله كثيراً بأن يكتب لكما الخير .. تأكد يا بني أنك لست معيباً لدي بشيء .. بل إني أشهد الله أنك كبير في عيني كثيراً .. أشريك بمال الدنيا أنت ووالدك الذي سمعت عنه كل خير .. ولو كان الأمر بيدي لما تأخرت لحظة .. لكنه خيارها وعليّ أن أحترمه .
إياس : الحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله ..
( كنت أقولها والعبرة تخنقني وقد بدا ذلك في صوتي .. فتنبه لذلك الدكتور )
د.خالد : يا بني .. لا تحزن ولا تحمل في صدرك هموماً لست تملك أمامها شيئاً .. والله يا بني عندما أتأمل حياتي أجدها مليئة بالمشكلات والآلام .. لكنه قدر الله ويلزمنا الرضى به .. وإلا كيف نكون من المؤمنين إن لم نكن كذلك ؟ عندما أشاهد نفسي الآن بعد خمسٍ وعشرين سنة من تخرجي أحمد ربي على تصريف قدره .. كانت كثير من الأمور تحدث لي وأتألم منها وأتمنى عكسها .. لكني علمت الآن أنها الخيرة ،أتعلم يا بني أن خطبت خمس مرات قبل أن أتزوج أخيراً ؟ بل في إحدى المرات ألغي الزواج رغم أننا وصلنا إلى مراحله الأخيرة ؟ تألمتُ حينها وصاق صدري ولكني أدرك الآن أن الخير والسعادة فيما اختاره الله لي رغم تضجري منه في حينه .
إياس : صدقت يادكتور .. صدقت .
د.خالد : وفقك الله لكل خير يا إياس .. ورزقك الزوجة الصالحة التي تعفك وتسرك إذا نظرت إليها .. لا تنسَ أن تزورني في مكتبي ، فأنا أرقب لقياك وأتمنى لو تشرفت معرفتك عن قرب .
إياس : رفع الله قدرك يا دكتور .. أنا من يتشرف بك حقاً !
د.خالد : أتركك في حفظ الله .. السلام عليكم
إياس : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته !

ريّان : ياااااه .. أنا أحببت الدكتور خالد هذا رغم أني لا أعرفه ولم يسبق أن قرأتُ له ولا التقيتُ به ، يبدو رجلاً محترماً خلوقاً من النوع المحبوب الذي يأسرك بطيب تعامله ، أما أنت فرثيت لحالك يا صاحبي .. رغم كل ما تحمله في صدرك إلا أنك لم تلق التي تحمله لها .



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-02-14, 12:09 PM   #30

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

إياس : يا رجل .. الحمد لله ، سبحان الله العظيم .. رغم الحزن الألم الذي أحسست به وما زلتُ أحس بها إلى الآن .. إلا أن لكلمات الدكتور خالد أثراً كبيراً في نفسي .. أحببته أكثر وأكثر مما مضى ، كلّما ضاق صدري واشتعل حنيني لرؤى تذكرت كلماته فتأتي لتغسل وجهي مما هطل عليه من دمع الوجد .

ومنذ ذلك الحين .. لستُ أدري أين رؤى .. ولا أدري عمّا حلّ بها .. أسير في شوارع مدينتي فأتذكرها .. حتى حين ذهبتُ لأرى لينة كنت أراها رؤى .. حاولت أن أقنع نفسي أن رؤى ليست لي وأن لينة هي زوجتي فعجزتُ .. طلبتُ من أهل لينة تأجيل الزواج سنتين بحجة أن أنتهي من دراستي والحقيقة أني كنتُ أريد أن أنسى رؤى ، تحملتُ نفسي حتى تخرجي .. سافرتُ إلى هنا .. إليك .. لأنسى رؤى !

ريّان : لمَ لا تبحث عنها الآن بعد ثمان سنوات مما جرى لكما .. ربما إن كانت عزباء ستقبل بك !

إياس : ولينة ؟!!

ريّان : ما بها لينة !؟ ألم يُبح الشرع أربعاً !؟

إياس : حرام عليك .. لينة هذه هي من انتشلني من الحضيض .. هي من أزهرت حياتي .. هي من بنت قلاع الآمال وأعادت الطموح في صدري بعد أن هدّه ما جرى لي .. هي من تحمّلني أوّل أيامي يوم أن كنت أعرض عنها أحياناً .. لم تعترض يوماً على قرارٍ لي .. لم تُكشر في وجهي ولم ترفض لي طلباً ولو كان تافهاً .. لم تلقني إلا بابتسامتها التي تغسل همي كلما عدتُ من عملي .. وفوق هذا أكسر قلبها !؟

أعلم أن شرعنا يُبيح أربعاً .. لكني لا أريد أن أجرح من داوتني .. أحب لينة يا ريّان .. صحيح أني كنتُ أحب رؤى وما زلتُ ، ولكن لينة بتعاملها معي أصبحت في قلبي تحتل مساحة كبيرة ربما تفوق تلك التي تحتلها رؤى .

عشتُ مع لينة ست سنين .. أعترف أن أولاهن كانت سنة عجفاء قاحلة من المشاعر ، صحيح أني لا أسيء إليها ولا أجرح إحساسها بشيء ؛ لكني ما كنت أغرقها بما يغرق بها الأزواج زوجاتهم من معسول الحديث ، ورغم هذا كانت هي من يتودد إلي .. لم تسخط مني .. لم تغضب .. لم تحمل حقيبتها وتخرج من بيتي ، بل بقيت فيه وأسست لها دولة تحكمها الآن ، كنتُ أنا حاكم تلك الدولة .. لكنها أسرتني بطيبة قلبها .. باحترامها لي .. بتعففها عن الحرام .. جعلت نفسها لي خادمة فلم أملك إلا أن أكون لها عبداً !

في أحايين كثيرة .. أفكّر في عجيب تصريف الله لقدره .. وأنه - سبحانه - لا يرد الدعاء .. وإني لأحسب ما رزقني الله به حين تزوجت لينة تعويضاً عن دعائي تلك الأيام وانطراحي بين يدي الله ، فالله - تعالى - لربما يدّخر بعض الدعوات ويرزق عباده من الخير لاحقاً مثل ما كان يسألونه .

ولأني أحب لينة .. وأحب رؤى أيضاً .. لا أريد أن أختبر أي الحبين في قلبي له السيادة ، لا أريد أن أبحث عن رؤى رغم محبتي لها ، تكفيني محبتي للينة رغم الجروح التي تُنكأ كلما تذكرتُ حبيبتي السابقة وتخيلت أني كدتُ لأكون يوماً معها .

ريّان : لستُ أفهمك ..!

إياس : اعذرني .. لأنك لا تفهم الحب .. الحب لا يستشيرك حينما يغشاك .. لا يستأذنك في الدخول .. لا يعرف طرق الباب .. إنما يكسره ويتربع على العرش فيذعن له كل شيء ، ثم هو إن دخل وكان رب البيت مضيفاً كريماً لم يخرج منه أبداً ، أحببت رؤى لسمعتها الحسنة ودينها وأخلاقها وعقلها .. وأحببت لينة لتعاملها الراقي وسلوكها الحساس وطاعتها لي .. ولذا استدام حبهما في قلبي رغم الزوابع ، ولتعلم كل النساء أن حباً لا يقتحم قلب الرجل من هاتين الجهتين فهو حبٌ زائل .. فلا الحب القائم على الجمال ولا المبني على المال ولا المعتمد على الجاه .. سيبقى .. كل تلك الأنواع مملولة إلا ما ذكرته لك !

أتمنى من الله أن يُسعد رؤى فوق أي أرضٍ وتحت أي سماء .. وأن يقرّ عيني بما وهبني إياه من نعيم وخير اسمه لينـة ، وأن يصلح لي رؤايَ الجديدة الصغيرة ، عسى أن تكون يوماً كمثل رؤى !




×××××××××××
النهاية
×××××××××××



 بقلم
يحيى بن صالح السليم


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
للكاتب, مكتملة, السليم, حياة, جديد, حُبّ, سامي, فصحى, وراء

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:08 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.