شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة (https://www.rewity.com/forum/f407/)
-   -   [ حُبّ ] ... من وراء حجاب ! / للكاتب يحيى بن صالح السليم ، فصحى مكتملة (https://www.rewity.com/forum/t296424.html)

لامارا 17-02-14 06:59 PM

[ حُبّ ] ... من وراء حجاب ! / للكاتب يحيى بن صالح السليم ، فصحى مكتملة
 
[/TABLE1]

[TABLE1="width:95%;background-image:url('https://www.rewity.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/79.gif');border:10px double crimson;"]

https://upload.rewity.com/upfiles/RZx88645.png

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نقدم لكم رواية
[ حُبّ ] ... من وراء حجاب !
للكاتب / يحيى بن صالح السليم

https://upload.rewity.com/upfiles/tjv43383.png

قراءة ممتعة لكم جميعاً.....


لامارا 18-02-14 08:01 PM




•●•

::.:: ::.::
..

باسم الله رب القلم ..
باسم الله أكتب حروفي ..

البعض سيتساءل ( من هذا ؟ وماذا يريد ؟ ) ، ولأشفي هذا الفضول المقبول .. أقول :
لستُ سوى كاتب قصّة .. كاتب أو كاتبة لا يهمّ .. رأيتُ من يعيش أحداثاً ويكتوي بنارها ، قلب مرهف .. أسَره بريق الحب .. وشدّته انعكاسات الأضواء على صفحته اللامعة ؛ ولم يدرِ أنّه شفرة قاطعة تدمي الفؤاد وتقطع الأوداج ، فاتّكأ عليها يريد الراحة .. فقطعت شريانه وأراقت دم مهجته وتركت قلبه يثعب أحمرَ الألم !

أكتب عن د. إياس ..
أكتب عن الحبيبة رؤى ..
أكتب وقائعاً ولست أنسجُ خيالاً ..
وأرجو أن أصل للنهاية وبي رمق الحياة !


دمتم بحب
1 / 4 / 1429 هـ

الفصل الأول

استيقظتُ صباح الخميس على رنين هاتفي الجوال .. والذي لم يطق صبراً أن يكتم خبر وصول رسالة جديدة ، تناولته ولمحتهُ سريعاً فإذا التنبيه لرسالة من د. إياس ، لم أندفع بفضولي القاتل لأفتحها هذه المرّة ؛ ربما الشعور الجارف بالنعاس كان كفيلاً بأن يكبح أي اندفاع فضولي .. لذا لم أقرأها .. فأعدته إلى طاولة خشبية منقوشة وُضعت عليها أبجورة فاخرة قربَ سريري ، ثم انقلبتُ بجانبي نحو جهة زوجتي والتي كنتُ اعتدتُ أن أهبها مساحة إجبارية للتأمل في ظهري .
تأملت جمالها الهاديء وهي تتنفس برفقٍ وسكينة منهمكة في نوم عميق ، وقد اكتسى وجهها بتعابير أقرب ما تكون إلى الابتسامة ..
( آآآخ .. ليتني أدري بمَ تحلمين يا منال ! )
عبارة تمتمت بها شفتاي وأنا أرمق منال غارقة في نومها ، امممـ.. ما دمتِ غارقة هكذا في نومك يا حبيبتي ؛ فليس لي إلاّ أن أنام لعلي أن ألقاك مستيقظة في حلمي .

أغمضت جفني ..
وغطيت عيني جيداً ..
وعُدت إلى نومي الهاديء !









..


.,,
,,

•●•

لامارا 18-02-14 08:02 PM




•●•

::.:: ::.::
..

الفصل الثاني

يدٌ ناعمة تتلمس شعري وتدلك رأسي برفق ، وأنفاس دافئة تداعب أذني بحنان ، وصوت ملؤه الدلال والغنج يخاطبني بهدوء وسكينة ..
منال : ريّان .. ريّان .. استيقظ حبيبي .. حان وقت الإفطار !
ريّان : طيب .. طيب .. أمهليني عشر دقائق فقط ريثما تُعدّين الإفطار .. أجدني متعباً قليلاً .
منال : سلامتك من التعب .. بالمناسبة .. صديقك إياس رُزق بمولدته البكر .. أرسل إلى جوّالك رسالة يخبرك بذلك هذا الصباح .

طار النوم من عيني وقمت من فراشي مبتسماً فرحاً وأنا لم أستوعب الخبر جيداً .. وكأنه مزحة ألقيت على مسمعي :
ريّان : حقاً ؟ إياس جارنا .. الدكتور .. صديقي ؟
منال : نعم .. وهو عند زوجته الآن في المستشفى ينتظرها أن تفيق من نومها بعد الولادة ، ويريدك أن تأتيَ إليه وتصطحبني لأمكث عندها .
ريّان : ما شاء الله .. لكن أكل ذلك قاله في الرسالة ؟
منال : لا .. ولكنه لسان حاله ، فهو مغتربٌ عن أهله كما تعلم ، ولا بّد أن تقف بجانبه وأعين زوجته خصوصاً وأنها المولودة الأولى .
ريّان : .. العقبى لك !
ضحكَتْ باستحياء .. ثم خرجت من الغرفة لتعدّ الإفطار بعد أن تأكدت من استيقاظي ،أما أنا فلم أجد أي صعوبة في أن أنتزع نفسي من فراشي ، فالنشاط والأنس بدأ يسري ويدبّ في دمي ، دخلتُ دورة المياه .. غسلتُ وجهي وتوضّأتُ .. ارتديتُ ثوبي وكامل لباسي ، ثم خرجتُ إلى صالة شقتنا الصغيرة بعد أن ركعت ركعتي الضحى .

كان فطوراً خفيفاً ولذيذاً - كالعادة - أتقنته يدا منال ، ولكنها لم تشاركني فيه ، حيث أعدته لي ثم اتجهت صوب غرفتها تستعدُّ للذهاب إلى المستشفى لزيارة لينة .








..


.,,
,,

•●•

لامارا 18-02-14 08:03 PM




•●•

::.:: ::.::
..

الفصل الثالث

خرجنا من البيت سوياً بعد أن أخذت زوجتي معها بعض الضيافة فيما لو أتى زوّار لصديقتها وجارتها لينة ، كان الطريق - كعادة شوارع العاصمة - مزدحماً بالعربات والسيارات بكافة الأحجام ، لقد انغمست في الزحام دون أن أدري خصوصاً وأني ذهلت عن أن اليومَ يومُ خميس .
ورغبة منها في كسر حاجز الصمت القائم بيننا وإشباعاً لفضولها ؛ سألتني منال عن بداية علاقتي بالدكتور إياس وكيف تعرفت عليه أول مرة خصوصاً وأنه ليس من أهل مدينتنا وإنما أتى إليها منتقلاً من مدينة الخبر في المنطقة الشرقية ، ومن جهتي فقد اعتدتُ على هذه الأسئلة الفضولية المقبولة من زوجتي والتي من حقها أن تعرف كل شيء عني ، فزواجي منها لم يكمل عامه الثاني بعد !
إن كثيراً من الأزواج - وحتى الإخوان - تستفزهم بسرعة أسئلة الأنثى الشخصية ، ربما لأنهم يرونها من باب الفضول متناسين أن الدافع الأول لمثل ذلك هو " الحب " ، إن الأنثى تحتاج كثيراً لإشباع عاطفتها وإروائها ليس فقط بالكلام المعسول وتنميق العبارات ؛ ولكن أيضاً بأخبار الحبيب وأيامه التي عاشها ليتغلغل حبه في روحها فتشعر أنه لم يفتها ولا حتى يوم واحد من حياته .. وكأنها وإياه كشيء واحد ، لكَ أن تتأمل عيني الأنثى الباسمتين وهي تستمع إلى قصصك وتميّز نبرة صوتها الدافئة وهي تسأل باسترسال واندفاع .. أجبتها :
ريّان : ألم أحكِ لكِ من قبل قصته ؟ ظننت أني فعلت ! لا بأس ، كنتُ شاباً وحيداً ليس من الدنيا إلا والدي ، كان هو لي الأخ والصديق وحتى الأم بعد أن توفيت والدتي وأنا ابن 15 عاماً ، كنت في عينيه كل هذه الدنيا وقد عشتُ وإياه في البيت الذي نسكن فيه الآن ، تخرجتُ من الثانوية ودخلتُ الجامعة وتخرجتُ منها في قصة طويلة سبق وأن حكيتها لك ، بعد تخرجي .. توظفتُ في الشركة التي أعمل فيها حالياً براتب جيّد ، ولكن في الجانب الآخر خسرَ والدي تجارته وركبته الديون وأصابه من الهم والغم ما الله به عليم ، ولمّا استحال حال والدي إلى هذه الدرجة أقسمتُ عليه أن يستريح في البيت وأن يتركني أعمل ، فراتبي يكفيني وإياه وقد جاء دوري لأرد جميله عليّ ، وبطبيعته العصامية رفض اقتراحي وأصر على أن يبدأ تجارته من جديد ، ولكن سبق قدر الله فقبض الله والدي - رحمه الله - بعد أن ترك لي ديوناً ثقيلة ، ولكن ثقل فراق أبي الذي يعني لي كل شيء كان أكبر على قلبي الصغير الذي لم يختبر الدنيا بعد من كل الديون التي تركها .

وبتودد ورغبة في المشاركة الوجدانية قاطعتني :
منال : ليتني كنت معك مذ ذلك الحين لأخفف عليك بعض هذه الهموم ، وأحمل عنك بعض هذه الأحمال الجسام ، الحمد لله الذي هوّن عليك ورزقك وربط على قلبك حتى بلغت ما بلغت .. وماذا بعد ؟

ريّان : تكونين معي ؟ هههه .. بالكاد وافقتِ وقبلتِ بي زوجاً لمّا تقدمت إليكِ بعد أن قام عودي واكتسى أخضر الورق وصرتُ رجلاً مستور الحال ، ثم بعد هذا تقولين ليتني كنتُ معك يوم أن كنتَ مُعدماً ؟ ، شكراً على شعورك النبيل ، سأقبلها منك هذه المرّة !
منال : ياااه .. عجباً لكم معاشر الرجال .. إن أحسنّا إليكم بالحديث سخرتم منّا ، وإن تبلّدت مشاعرنا أنفتم قسوتنا ، أعتقد أن الرجل مخلوقٌ .. امممـ .. لن أكمل .. أعتقد أن الرجل أجمل مخلوق .. لنكمل الآن .. وماذا عن جارنا ؟
ريّان : حسناً .. حسناً .. سأكمل .. أقسمتُ على نفسي بعد فراق والدي أن لا أتزوج ولا أرفّه عن نفسي بعيشٍ حتى أقضي دينه - رحمه الله - ، فبعتُ سيارتي الفارهة واقتنيتُ أخرى بسيطة ، وقسمتُ بيتنا وجعلته دورين ، دور أسكنه ودورٌ أؤجره حتى أجمع مبلغ دين والدي بأسرع ما أستطيع ، وقد كان ذلك بالفعل .. فلم تمضِ أربع سنوات من عيشة الكفاف التي عشتها - رغم راتبي العالي جداً مقارنةً بمن هم مثلي - إلا وقد قضيتُ دين والدي .
أما إياس .. الطبيب .. الطيب .. الحبيب .. فكان أول مستأجر للدور العلوي قبل ست سنوات ، وكان حين استأجر الدور أعزباً مغترباً قادماً من المنطقة الشرقية ليعمل في أحد مستشفيات الرياض ، استغربتُ من كونه يستأجرُ شقة من دور كامل وهو أعزب ، فأخبرني أنه خاطب وسيتزوّج بعد أشهر من صديقتك الجديدة لينة ؛ بصراحة .. لم أصدق أنه كان خاطباً فتعابير وجهه وهو يحدّثني ليست بتعابير شاب أعزب متديّن سيتزوّج بعد أشهر ، ولا أخفيكِ يا منال أني حتى الساعة لا أدري ما سبب ذلك !
المهم .. في السنة الثانية رفعتُ الإيجار عليه بعد استقراره وزواجه ، فاستضافني في شقته ورحّب بي وأكرمني حتى خجلتُ من نفسي ، ولمّا أقدمتُ على الانصراف ألحّ عليّ بالجلوس .. وقال :
إياس : أريد أن أفاتحكَ بموضوعٍ خاصٍ نوعاً ما ..
ريّان : تفضّل د. إياس .. يسعدني أن أكون معيناً لك إن كان ثمةَ ما ينغّص عليك !
إياس : يا أخي الكريم .. كنتُ سابقاً أستأجرُ منك شقتي بثلاثين ألف ريال ، فلمَ ارتفعَ إيجارها ليصبح ستة وثلاثين ألف ريال ؟ لستُ معترضاً على رفع المبلغ فهذا حق لك ، كما أني لا أحب أن أسـاوم في البيع والشراء فقدوتي من يقول ( رحم الله امرؤاً سمحاً إذا باع .. سمحاً إذا اشترى ) ، ولكني خشيت أن نكون آذيناك بجيرتنا لك ، وإني أحسبك رجلاً صالحاً لن تُقدم على ما أقدمت عليه إلا بعلّة وسبب .. فهل يمكنني أن أعرف سبب ذلك ؟







..


.,,
,,

•●•

لامارا 18-02-14 08:04 PM


::.:: ::.::
..

تابع
الفصل الثالث


كان سؤاله هذا محرجاً كثيراً لي خصوصاً بعدما لقيته من حفاوة وتكريم غمرني بهما ، أضيفي إلى ذلك أنه كان نعم الجار طول فترة إقامته فوق شقتي ، فلم أسمع ولم أرَ ولم ألقَ أيّ أذىً أو إزعاجٍ منه على مدار عامٍ كامل ، بل كان كثيراً ما يدعوني لأرتشف معه فنجانَ شايٍ كلما التقينا دُبرَ كل صلاة !

لم أجدّ بُداً من أن أبوح له بالسبب وإن كنتُ حتى لحظتي لا أجد ما يدفعني لذلك ؛ إلاّ أنه كان كريماً خلوقاً احتواني بابتسامته وصوته الذي كان أقرب وصف يوصف به أنه خافت هامس .. فلم أجد شيء يمنعني من أن أكشف له ما في قلبي ، قلتُ له :
ريّان : والله يا أبا ... ؟ بالمناسبة يا دكتور بمَ تُكنّى ؟
إياس : أبو سارة ..
ريّان : أبو سارة ؟ ولمَ ليسَ سواها ؟ امممـ .. اسم رجلٍ مثلا !
إياس : " سارة " اسم أمي ، وهي أعزّ وأحب شيء رأته عيني يوماً .
ريّان : إيه يا أبا سارة .. أنتَ أمّك وأنا أبي ، ربما هي افتتاحيّة مناسبة لما سأخبرك به ، يا أبا سارة .. إن والدي رحل عن الدنيا ولم يترك لي من الدنيا سوى هذا البيت ، وقد أجّرتُ شطره لأسدد وأقارب في تسديد الديون التي عليّ ، فالدائنون ينتظرون .. ووالدي في قبره موثق بدينه ، وأنا أريد أو أوفيه عنه ، لذا لم أجد إلا أن أرفع عليك إيجار المكان الذي تسكن به ، ليس من سبب إلا هذا ؛ وإلا فأنت جار كريم السجايا لطيف المعشر ما وجدتُ منك سوءاً قط !
إياس : هكذا إذاً ؟ لك كل الحق فيما فعلت يا أخي ، أعتذر من تطفلي عليك وعلى تخطيطك ، ولك عليّ أن أدفع الزيادة كاملة في القسط الأوّل جزاء إزعاجي لك .
ريّان : لا داعي .. لا داعي .. لا ترهق نفسك ، بل اقسمها قسمين مناصفة ، يكفي أن يصل المبلغ لي كاملاً في آخر السنة ، مقدّر لك تفهّمك يا دكتور .

أتظنين أنها انتهى إلى هذا الحد من التفهّم يا منال ؟ لا ! بل إنه لمّا انتهت السنة وحان موعد سداد القسط الثاني جاءني بشيكين اثنين ، أحدهما بقيمة ثمانية عشر ألف ريال وهو المبلغ المستحق ، أما الشيك الآخر فكان بقيمة مئة ألف ريال !
منال : مئة ألف ريال ..!؟ ولكن ما مناسبتها ؟
ريّان : أتاني يقول بأن خير البرّ عاجله ، وهذه قيمة إيجار الشقة لمدة ثلاث سنوات قادمة ، يدفعها مقدماً لي لأنه يريد أن يريح تفكيره من قضيّة السكن ، ولم يشر لا من قريب ولا من بعيد لحاجتي إلى هذه المبلغ رغم يقيني بأن ما دفعه لما فعل هو رغبته في مساعدتي ، قمت له .. عانقته .. لم أملك والله دمعتي يا منال ، وكأنه يشعر بي .. إذ أتاني أحد الدائنين قبل يومين من مجيء إياس يطالبني بقيمة ثمانين ألف ريال خلال أسبوع وإلا فسيرفع أمري إلى المحكمة .
بعد هذا الموقف .. علمتُ حقيقةً ( رُب أخ لك لم تلده أمّك ! ) ، وتأكدُت أن من أغلى ما في الحياة الصديق الصدوق الذي يأتيك قبل أن تأتيه ويُعينك قبل أن تطلبه ويُغيثك قبل أن تستغيث به ، صار لي د. إياس - أو إياس كما يُحبّ أن أناديه -أكثر من جار .. بل وحتى أكثر من صديق ، لقد كان الناصح لي وقد كنت الناصح له كذلك ، عجيب هو قدر الله في تسخير الناس لبعضهم وتسيير الأرزاق لهم سواء أكان الرزق مالاً أو قوتاً أو أغلى منهما وهو الجليس الصالح ، ولطالما تأملتُ حديث الأرواح ( الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها إئتلف وما تناكر منها اختلف ) فلا أكاد أن أتم كلماته حتى ترتسم على شفتيّ ابتسامة التصديق والإيمان بكلام الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - .
منال : ها قد بدأت في الوعظ والفلسفة ، كفاك منهما يا ريّان ، أريد مرّة أن أستمع إليك دون أن تصبغ مقولك بنبرة الفوقية المعلّمة وكأن الناس جُهّال لا يفهمون .. إلا أنت !
ريّان : أعتذر .. هذه آخر مرّة .. أتوب .. لا أعود ثانية .. رضيتي الآن إذاً ؟ على أية حال هذا هو المستشفى أمامنا ، لكن تبقت لنا الخطوة الأصعب من زحمة الطريق والأثقل من وعظي وفلسفتي ، أين سنجد موقفَ سيّارة ؟











..


.,,
,,

•●•

لامارا 18-02-14 08:06 PM


الفصل الرابع

صوتُ وقع أقدامي وزوجتي في ممرات المستشفى يهتك ستار الصمت الرقيق المخيّم على المكان ، حيث كان لا يوجد في تلك الممرات سوانا رغم أن بعض أسراب حمائم الرحمة - أو الممرضات - تغشانا وهي تنتقل من غرفة إلى أخرى ، وتفسير هذا السكون المنكسر أن زيارتنا كانت أواخر الصباح قبيل الظهيرة في الوقت الذي لا يُفتح فيه باب الزيارة ، ولولا أن د. إياس طبيب في هذا المستشفى لما سُمح لنا بالدخول بتاتاً ، كنتُ أسير بخطىً سريعة ثم أتوقف هنيهة منتظراً البطة التي معي والتي لا أدري أتمشي على قدميها أم أنها تحبو !؟
التفتُ إليها ممازحاً وقلتُ :
ريّان : نسيت أن أخبرك بأن من أكثر فضائل إياس عليّ تعريف زوجته لنا بك يوم أن كنتُ أبحثُ لي عن زوجة ، فقد دلتني على ملاكٍ أحببته من كل قلبي وكان لي أنساً وصنع من بيتي جنة .

منال : شكراً .. لا تحرجني يا ريّان .. لا داعي لمثل هذه الإحراجات !
ريّان : لكنّ المؤسف أن الملاك الذي دلتني عليه برغم كل مواصفاته إلاّ أنه كان على هيئة سلحفاة !
منال : من رحمة الله بك أن قلت هذا ونحن في مكانٍ عامٍ وإلا لكنت علمتك كيف تختار مصطلحاتك بعناية يا كتلة الشحم ، لكن تذكر أنك أخذتني من بيت أهلي رشيقة جميلة كغزال ؛ ولكنّ ما في أحشائي منك هو من جعل أمثالك يسبق أمثالي !
ريّان : ههههه .. كنت أمازحك فقط ، لا داعي لمثل كل هذا الشحن النفسي ، كل مرّة أتأكد أننا أحياناً بمزاحنا الذي في غير وقته قد نختلق مشكلات نحن في غنىً عنها ، وكذا كل مزاح لا يقوم على مبدأ احترام الطرف الآخر فإن مصيره ثلم - ولو مقدار شعرة - في الزجاجة المبنية أساساً لعلاقتهما . على أي حال .. ها نحن وصلنا لغرفة زوجة د. إياس .
طَرَقَت زوجتي الباب مستأذنة للدخول فأُذن لها وخرج إياس من عند زوجته ، أتى صوبي مسرعاً فهنّأته وباركت له وتعانقنا ، كان وجهه يتهلل بشراً وفرحاً ، فابنته هذه بِكره بعد حوالي ست سنين من زواجه ، أخذني والبهجة تملؤه لغرفة الحضانة وأدخلني سريعاً ونادى الممرضة بثقة الطبيب الذي يعرف ما الذي يفعله وهو يقول ( Where is my baby ? ) .
فأشارت إليها .. وتوجه نحو بنيّته بخفّة وحملها وكأنه يطير من فرحه ، كنتُ أتأمله فأرى في عينيه نفس ذلك الذي كنتُ أراهُ في عينيّ والدي ، نفس الشعور بالشغف .. نفس الشعور بالأمل .. نفس الشعور بالعطف .. نفس الشعور بالحنان والرقة والرحمة .. نفس الشعور بالحب الجبلّي الذي زرعه الله في قلب الوالدين تجاه أولادهما ؛ والذي من خلاله لم يكن ثمّة حاجة لأن يأمر الله الوالدين في كتابه بأن يُحسنا إلى أولادهما ، ولقد كِدتُ أرقّ وأبكي لمّا تذكرتُ والدي وهو يحملني بنفس طريقة حمله رغم أني لم أكن طفلاً ، فسبحان من غرس هذه المحبة في نفوس الآباء !

لامارا 18-02-14 08:07 PM


تابع

بادرته بعد أن نسيني وانشغل بتلك الجميلة :
ريّان : ما شاء الله .. هذه إذاً العروسة سارة ، أصـلحـ ...
إياس : سارة من ؟ لا .. هذه "رؤى" وسارة تأتي بعدها إن شاء الله !

ريّان : مبارك على أي حال ، سارّة .. حارّة .. رؤى .. أروى .. مروى ، هو مجرّد اسمٍ لك حريّة اختياره ، ولكن ألستَ تُكنّي نفسك سابقاً بأبي سارة تيمناً بأمك ؟ هذا تماماً ما جعلني أظن أنك أسميت عروستك الصغيرة بسارة .. لا شيء غير ذلك .
إياس : امممـ... إن لهذا الاسم قصّة يا ريّان ، قصّة طويلة جداً .. جداً غيّرت حياتي وقلبتها رأساً على عقب ، هي من أتى بي إلى الرياض بعد أن كنتُ مقيماً بين أهلي ، تلك القصّة مؤلمة محزنة غريبة بل ومضحكة ، أفكّر فيها بين حينٍ وآخر فأضحك .. وابكي ، أسترجع أحداثها في أوقات صفائي فيغشاني الحزن والاستغراب ، دفنتها في صدري لثمانِ سنوات ، ولكني أجدني ضعيفاً أمامك فأحدّثك عنها .. آآآهـ من تلك الأيام !
أوووه .. مالذي قلته ؟ أتمنى منك يا صاحبي أن تعذر هلوستي وثرثرتي الغبيّة ، كنت أهذي مجرّد هذيان لا قيمة له ، ربما التعب الذي أصابني نتيجة سهري البارحة والإرهاق الذي أحس به كانا سببين فيما تحدّثتُ به .
خرجتُ وإياس من غرفة الحضانة متوجّهين صوب غرفة زوجته وعلى رأسي علامات استفهام وتعجب كثيرة كنتُ أشعر بها وبثقلها وأنا أسير في ممرات المستشفى ، ما هذا الحمل الثقيل الذي يحمله صديقي إياس في صدره لدرجة تفقده تركيزه ووعيه ، عزمتُ على نفسي أن أسأله لاحقاً بعد أن يهدأ .
واصلنا المسير إلى الغرفة .. وأخيراً وصلنا ، دخلنا على بعد أن طرقنا الباب ، باركتُ لأم رؤى ( ! ) وتحمّدت لها بالسلامة ، واستأذنتها لصاحبي أن أذهب به إلى البيت ليرتاح في مقابل أن أتركها من صديقتها .. زوجتي ، وهكذا اتفقنا جميعاً على أن أعود وإياس إليهم بعد صلاة المغرب - إن شاء الله - ، وأن يتصلوا بنا قبل ذلك إن احتاجوا أي شيء .
ودّعناهما وخرجتُ ممسكاً بيد إياس ومشبكاً أصابعي بأصابعه ، كنتُ أريده أن يستشعر الأخوة ويشعر بالاطمئنان ، علّه أن يزيح عن كاهله بعض ما أثقله من هموم كنت لبلادتي لا أراها في عينيه الطيبتين الممتلئتان طيباً وسماحة ، لم تبدُ منّي إليه ولا منه إليّ أي كلمة ، كان صوت كعب حذائه يملأ الممرات ضجيجاً ونحن في طريق خروجنا من المستشفى ، وأخيراً .. رأينا السماء واتّجهنا نحو سيارتي المركونة في مواقف الأطباء ، ربما نسيتُ أن أخبركم أنني اتصلتُ بإياس حين وصلتُ المستشفى مع زوجتي أسأله عن أقرب المواقف فأشار عليّ أن اقف في موقف زميله الطبيب المسافر لحضور مؤتمرٍ طبّي .
ركبنا سيّارتي وانطلقنا نشقّ طريقنا نحو مسكننا تحت سياط أشعة شمس الرياض الحارقة فترة منتصف الظهيرة ؛ والتي لا ينفع معها لا مكيّف سيارة ولا سواه ، كان الصمت سيد الموقف بيني وبين إياس حتى استوقفتنا إشارة مرورية أطالت إيقافنا ، التفتُ نحو إياسٍ وسألته :
ريّان : سأتطفلُ عليك قليلاً .. طبعاً يمكنك رفض ذلك .. ما قصة اختيارك لاسم رؤى ؟ وما السر في كل تلك التنهّدات والآهات التي أطلقتها ؟ ما الذي تحمله في صدرك يا صاحبي ؟ من هي رؤى هذه ؟
وعلى وقع أسئلتي الفضولية المتتابعة ؛ طأطأ صاحبي رأسه وتنفّس بعمقٍ .. ثم رفعه ملتفتاً نحوي وقد رفع وسط حاجبيه بصورة محزون ثم استرسل يحكي لي ويقول بصوتٍ مصدره قلبه لا لسانه ، فأنا أميّز الأصواتَ جيداً .. يقول :
إياس : كنتُ ...

لامارا 18-02-14 08:08 PM


الفصل الخامس

إياس : كنتُ .. كنتُ .. كنتُ .. ثم ماذا يا ريّان ، أظن اجترار الأحزان مهلك .. قاتل .. بل مغتال للبسمة التي نعيش بها في أوقات أنسنا ، وماذا نصنع بأحزان تجربة عشناها وانقضت ؟ لماذا نتذكرها فنتجرّع غُصتها كل مرة رغم أننا لم نعشها سوى مرّة ؟ دع المصائب تأتي وتتكالب على القلب فتتتكسر نصال بعضها على بعضها حتى نفيق وما في القلب أي نشابٍ عالق لم يعترك مع آخر على مكان انغراسه !
ريّان : صدقني أنا معك .. ثّمة الكثير من الأحزان تُهلكنا باجترارنا لمآسيها ، خصوصاً وأننا نبحث عنها بعد مضي السنوات في قمامة الذاكرة ، فنستخرجها مرة أخرى ونستحضرها في مخيلاتنا ونبدأ من جديد في خوض غمار تلك المأساة خيالاً ؛ ولربما دمعت العين وضاق الخاطر وتكدّر اليوم بطوله نتيجة لتلك الذكرى ، لستُ أتحدّث عن تلك الذكريات يا دكتور إياس ..
إياس : كم مرة قلتُ لك أن لا تناديني .. دكتور ؟ أنا دكتور هناك .. بين جدارن المستشفى .. عند التأوهات والآلام .. عند رؤوس المرضى الذين يطربون عند سماع " دكتور " .. أولئك الذين يرقبون أي بصيص أملٍ في الشفاء ، بل حتى ذلك المكان لا أحب أن أنادى فيه بما ناديتني ، أنا إنسان بسيط لا زلت أتعلّم من هذه الدنيا وأختبرها ، أكره الألقاب والرسميات التي تخلق الحواجز ولو لفظاً .. صدقني ، تأمل قولك : " أخي الدكتور إياس " ألا تستثقلها ؟ ألا تشعر بأن الطب قد حال بين إخوتنا ولو لفظاً ؟ أوليست أجمل لو قلت : " أخي إياس " ؟ أوليس الأجمل منها أن تكتفي بقولك : " أخي " ؟ ألا يشعرك هذا التمازج - ولو كان لفظياً - بيننا بالقرب ، إن كثيراً من الأشياء اللفظية التي لا نعيرها انتباهاً تقع في القلوب موقعاً لا نشعر به إلا بعد زمن !
ريّان : طيب .. طيب يا " أخي " ، كما قلتُ .. أنني أوافقك فيما ذهبت إليه من رفض اجترار الأحزان ، لكن ثمّة أحزان لا نجترّها .. لا نستخرجها .. لا نبحث عنها في زوايا الذاكرة .. هي تعيش دوماً على السطح .. تقتات من سعادتنا الداخلية وإن أبدينا الأنس والبسمة ظاهراً ، تلك الأحزان يجب .. ويجب .. ويجب أن نشاركها مع من يحملها معنا ، إن الأحزان كالأثقال .. كلما ازداد عدد حامليها كلما خفّ الحملُ على المحزون ، خصوصاً إن كان أصحابه من ذوي العصبة أولي القوة في العقل والإدراك ، أعتقد - واعذر تطفلي - أن ما تكتمه هو من قبيل النوع الأخير الذي يستلزم أن تزيح منه شيئاً عن نفسك ، وها قد أظفرك الله بفضوليّ يحبّ الثرثرة مثلي .. فما بك يا صاحبي ؟
إياس : امممففف .. سأحكي لك على لا أن تسخر مني ولا تتخذ مني موقفاً ساخراً أو ناقداً ، هي أحداث عشتها مضت وانقضت بخيرها وشرّها .. وصوابها وخطئها .. وعجرها وبجرها ، لكنها - وبتفاصيلها - ما تزال عالقة في ذهني حتى الآن ، حاولتُ أن أصرفها بكثير من الصوارف ففشلت ؛ غيرتُ مسكني في مدينتي .. ثم غيّرت مقرّ عملي .. ثم غيّرت مدينتي بأسرها .. ثم تزوّجت .. ثم قصدتُ الإنجاب .. وها أنا ذا أكابد جرحاً في صدري ما زال يرعف حتى الآن ، جرحٌ رائحته وطعمه ولونه واسمه " رؤى " ، فتاة عشقتها من كل قلبي رغم أني لم أرها ، لم أحادثها بالهاتف يوماُ ولم أفكّر ، بل إنني كنت أحياناً أراها أمامي فأشيح ببصري عنها تطهيراً لها واحتراماً لذاتها النقيّة .
ريّان : وما قصّة رؤى هذه ؟ يبدو أنني كنت أعيش مع روميو جديد دون أن أشعر ، لا تقل لي أنها زميلة دراسة في الكلية أو طبيبة أعجبتَ بأخلاقها في المستشفى أو حتى ابنة جيرانكم !
إياس : لا ليست كذلك .. بل هي شيء آخر تماماً على الأقل في خيالاتي الحالمة ، لكني لن أحكيها لك الآن فهاقد وصلنا إلى البيت ولن نبقى في السيارة تحت هذه الشمس المحرقة ، وكذلك لن أحكيها لك في البيت الآن لأنك أخذتني من زوجتي لتوصلني إلى البيت وأرتاح .. لا أن أحكي لك قصّة .
ريّان : طيب .. والغداء ؟
إياس : لستُ جائعاً بقدر اشتهائي للنوم في هذه الساعة ، سأذهب إلى شقتي وأقيل فيها حتى صلاة العصر ، لا تنسَ أن توقظني مع الأذان ، فأنا أريد أن أغتسل قبل ذهابي إلى المسجد ، فأنا .. وأنا أنا .. لا أطيق رائحة نفسي !
ريّان : وهو كذلك .. نوماً هنيئاً يا روميو .. هههه .

لامارا 18-02-14 08:13 PM


الفصل السادس

قبل الأذان بعشر دقائق .. كنت أفتح بالمفتاح الذي أعطانيه إياس باب شقته لأوقظه من نومه ؛ أتيتُ قبل الموعد خشيةَ أن لا أستطيع أن أوقظه جرّاء التعب الذي عاناه ، دخلتُ وبدأتُ أتلمّس الجدار باحثاً عن مفتاح الإضاءة الذي أتذكر أنه كان قريباً من الباب ، وبعد أن أشعلت فتيل المصابيح تقدمتُ في داخل منزله متجهاً صوب غرفة نومه ، طرقتُ الباب بهدوء وأنا أنطق باسمه بشكل متتالي : ( إياس .. إياس .. إياس ) ، وإذ بصوته يناديني من الداخل ..
إياس : ادخل يا ريّان .. ادخل !
فتحتُ الباب ودخلتُ فإذا بصاحبي جالسٌ على كرسي مكتبه في أقصى الغرفة مطأطئ الرأس وهو ينكتُ بقلم رصاصٍ كان يمسك به على ورقةٍ أمامه ، ودون حتى أن يرفع رأسه أخبرني أن النوم لم يطرق جفنه سريعاً رغم تعبه ، حيث كان الحديث الذي دار بيننا مُوقداً لحرّ الذكريات في صدره ، ولمّا أن غمضَت عينه رأى في منامه والدَ " رؤى " وهو يُمسكُ بيده ويحدّثه ويضحك ويقهقه معه ، فاستيقظ من نومه .. بل وطار النوم من عينيه وبدأ يسبح في أفكاره وخيالاته ، ثم قام واغتسل وهاهو جالسٌ أمام مكتبه ينتظرُ أذان صلاة العصر .
استوقفته بنبرة متعجبة :
ريّان : وما دخل والد رؤى في الموضوع ؟ وما علاقتك به أساساً ؟

إياس : والد رؤى هو سبب معرفتي بها !
ريّان : مادام هو من عرّفك عليها أوّل مرّة فكيف إذاً يمنعك من الزواج بها ؟ أشعر أنك مشوّشٌ قليلاً يا صاحبي أو أن ما جرى لا يحدث في الكرة الأرضية إلا مرة واحدة ، فتاة ووالدها وأنت .. وهو من عرفك ثم لا تتزوج !
إياس : من قال أنه هو من عرفني عليها ؟ ومن قال أنه منعني من الزواج بها ؟
ريّان : أولم تقل الآن أنه هو من عرّفك بها ؟ وعن منعك من الزواج بها فهذا لا يعدو كونه استنتاجاً مني أنا فقط ، إذ أن كل قصص العاشقين الحالمين الـ.. الـ.. تنتهي بمنع ولي الفتاة من زواج الطرفين ببعضهما .
إياس :لم أقل أنه هو من عرفني بها ، بل قلتُ أنه كان سبب معرفتي بها .
ريّان : أحياناً أشعر أنك تفوقني فلسلفةً ولعباً بالكلمات والجمل .
إياس : وهذا هو الواقع .. ههههه !
ريّان : أخيراً ابتسمتُ وضحكت ، أسعدك الله يا صاحبي وأزاح عنك ما أهمّك ويهمّك ، صدقني ما في الحزن من نفع سوى أنه مدخل من مداخل إبليس على عباد الله ، دعنا من مشاهد الحزن والألم هذه وأخبرني ما قصّة " رؤى " ؟ ومن هو ووالدها وكيف تعرفت عليه ؟ لا أريد أن أنتظر أكثر فرأسي لا يحتمل دخول والدة رؤى وأختها وأخيها وعمتها وخالتها ، فالدائرة لديك تتسع والشخصيات تزداد كلما أمهلتك بعض الوقت .
إياس : اسمع ..كنتُ طالباً جيدَ المستوى ذا هيبة وشعبية في كليتي - كلية الطب - يعرفني الدكاترة وعميد الكلية ، ساعدني في ذلك كون عائلتي عائلة ميسورة الحال وعلاقات والدي الواسعة هنا وهناك ، لكني وفي نفس الوقت كنت ذا لسانٍ ناقدٍ سليطٍ لا يقبل الخطأ ولا يبرره ، وكثيراً ما اقحتمتُ مكاتبَ إدارة الجامعة معترضاً على بعض التصرفات الغبية الساذجة أو منكراً بعض المنكرات الظاهرة ، حتى تضايق مني ومن تصرفاتي الكثير من الإداريين بما فيهم مدير الجامعة ، وفي المقابل ازدادت شعبيتي بين الطلاب كوني صوتهم المسموع .
قدّر الله وأن تم تغيير مدير الجامعة الذي كان بحق رجلاً عملياً فاضلاً رغم شطحاته القليلة ، والذي كان -رغم تضايقه مني - محترماً نظامياً نزيهاً ، وصار بدلاً منه أحد وكلاء الجامعة ممن سبق وتصادمتُ معه بقوّة واشتكيته لمدير الجامعة من قبل ، وقد أصاب هذا التغيير الكثير منّا بالإحباط والاستياء كون هذا المدير الجديد ذا سابقة سيئة عندنا .
كنتُ حينها في السنة الرابعة في الكلية ، وقد تولّدت لدى أهلي قناعة بضرورة زواجي خصوصاً وأني صرتُ أدرس في المستشفى في بيئة مختلطة مليئة بالفتن والمغريات والصوارف مما قد يزيغ المؤمن عن طريقه ولو كان رسوخ إيمانه كالجبال ، فالإنسان مهما كان دينه لا تؤمن عليه الفتنة ، فكيف بفتنة يقول عنها - صلى الله عليه وسلم - : ( ما تركتُ بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) أو كما قال - عليه الصلاة والسلام - ، كانت والدتي تسأل وتأتيني بالأخبار فتخطب لي .. ثم أرد من الفتاة أو أهلها ، كنت أتقبّل الأمر بشكل أريحي تماماً ، فبدل المرأة أربع .. ومن ترفضني الآن ستبكي عليّ غداً ، هكذا كنت أسلّي تفسي وأتقبل الأمر .. والأيام تمضي !
لمّا عُيّن المدير الجديد أراد أن يُحدث نقلة نوعيّة في الجامعة - كما يزعم ! - ، فاستحدث فكرة لم تكن موجودة من قبل في أي جامعة سعودية حينها ، وهي إنشاء مجالس طلابية لكل كلّية يتم فيها تداول الأمور ورفع الشكاوى والنقاش مع أعضاء هيئة التدريس و .. و .. غيرها من الأحلام التي كان يدغدغ خيالنا بها ... امممـ ... ألا تسمع الأذان ؟ دعنا نكمل لاحقاً !

لامارا 18-02-14 08:14 PM


الفصل السابع

بعد أن فرغنا من أداء صلاتنا ؛ بادرني إياس ..
إياس : إلى أين وصلنا ؟

ريّان : إلى فكرة إنشاء المجالس الطلابية !
إياس : آها .. جميل .. قلت لك أنها مجرد فكرة لدغدغة خيالاتنا ، وإلا فإن ثمة خطوات أولى من هذه الفكرة التي وُلدت خديجةً مشوهة ، وحتى هذه الفكرة - فكرة المجالس الطلابية - طغت عليها البيروقراطيةالمقيتة البغيضة ، حيث عينت إدارة الجامعة الأعضاء في تلك المجالس من عندها دون أدنى استشارة للطلاب ، وقد أحسنوا الاختيار - طبعاً أسخر ولست جاداً - ؛ حيث اختير الطلاب ذوو المصالح الشخصية أو أولئك الذين يخافون أكثر من اللازم من التعبير عن وجهات نظرهم .
بعد هذه المهزلة لم أشأ السكوت ولم يشأ الكثيرون مثلي كذلك ، وبدأنا التفكير في تصعيد القضيّة إعلامياً على مستوى الجامعة بشكل ساخر ، وتعدّينا الخط الأحمر أيضاً من خلال الدخول الجماهيري على مدير الجامعة والاعتراض على طريقة اختيار الممثلين ، كان اعتراضنا على طريقة الاختيار مع بقاء احترامنا لمن اختيروا ؛ بل إن أحد المعينين كان من ضمن من اعترض على النظام معنا ، أبلَغَنا المدير أنه سينظر في الأمر .
تم إجراء تحقيق سريع بعد تلك الأحداث واكتشاف الرؤوس المدبّرة للفتنة - زعموا - ، كنت أنا الضعيف النحيل المغلوب على أمره المسكين رأس الأفعى في ذلك التصعيد والذي كان مؤدباً جداً ويتخذ الطرق المشروعة مع الإبقاء على احترام الآخرين ، وعليه .. تم استدعائي لمجلس تأديبي أعضاؤه : مدير الجامعة ووكيلها وعميد كليتنا ورئيس أحد الأقسام وعميد القبول والتسجيل ، بعد مدولات ونقاش ساخن وأخذٍ وردٍ تم تقرير حرماني من دخول اختبار مادتين ثنتين في الكلية تأديباً لي مع إعطائي إنذاراً أحمراً بالطرد من الجامعة إن تكرر الأمر لاحقاً بشكل أو بآخر .
ريّان : يا إلهي .. هذا القرار أشبه ما يكون بمحاكمة عسكرية وليس مجلساً تأديبياً لطالب جامعيّ اعترض على قرار !
إياس : لا أخفيك أن القرار كان صدمة ما كنت أتوقعه يوماً ، فهو إلى كونه سيؤخرني سنة كاملة وسيخسف بمعدلي كون أحد المادتين اللتين رُسّبتُ بهما تعادل ثماني ساعات ؛ أصابني بصدمة نفسية رهيبة كوني سأفارق دفعتي التي أحببتها وأحبتني وسأتخلّف في دفعة أخرى لا أصدقاء مقربين لي فيها ، لقد كان بإمكاني تصعيد الأمر إلى جهة عليا لكن آثرتُ أن أسكت وأكتفي بالضجة التي أحدثناها كونها لقنتهم درساً قاسياً .
ريّان : طيب .. و ماذا حدث لك بعدها ؟
إياس : لا شيء سوى أني أكملت سنتي هذه بدون المادتين ، وسط حزن من والدتي التي تلومني باستمرار على جُرأتي في تصرفاتي ، وانتهت تلك السنة على خير حالٍ والحمد لله ونجحتُ بدرجة رائعة فيما بقي لي من مواد .
ريّان : مع احترامي الشديد يا حبيبي وأخي وصديقي وجاري العزيز إياس ، ما دخل قصة طموحك وكفاحك ونضالك الجامعي بما نحن بصدده من الحديث عن قصتك مع تلك التي تسميها " رُؤى " ، ما مثلي ومثلك إلا كمن قصد المكتبة ليشتري كتاباً عن قصة روميو وجولييت فإذا به يجد الكتاب يتحدّث عن نضال جورج واشنطن ، ما علاقة هذا بهذا ؟
إياس : لا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً !
ريّان : لا تؤاخذني ..!!
إياس : لمّا ابتدأتِ الإجازة الصيفية كان عليّ أرتّب لي جدول عمل ، خصوصاً وأني لن أدرس في السنة القادمة سوى مادتين ثنتين فقط بمعدل ثلاث محاضرات في الأسبوع فقط ، الأمر أشبه ما يكون بإجازة إجبارية وسط زحمة الدراسة ويجب استغلالها بشيء مفيد ، وكثيراً ما تواجهنا أوقات فراغ إجبارية في زحمة أعمالنا الحياتية يقف الناس منها موقفين .. موقف المستفيد المطوّر لنفسه وذاته ممن يبحث لنفسه عن مجالٍ آخر يختبرها فيه .. وموقف الكسول الراغب في الدعة واستغلال كل دقيقة في النوم والاسترخاء دون البحث عن مقومات بناء ذاتية ، وفي مثل تلك الأوقات يتمايز الناس فيما بينهم بين غني وفقير ومثقف وسطحي .
بعد بدء الإجازة بأسبوع تماماً وجدتُ وظيفة بنظام الساعة في إحدى المؤسسات الإعلامية الرائدة ، وبحكم ميلي إلى الكتابة كان هذا العمل بمثابة المفاجئة الغير متوقعة ، سعدتُ بهذا العمل كثيراً ولا أخفيك أني بعد مدة زمنية فكّرت في ترك كليتي والانخراط في العمل الإعلامي ؛ إذ وجدتُ نفسي ومواهبي تتفجر هناك .
خُضتُ مرحلة تجريبية مدة أسبوعين في تلك المؤسسة ، راقتهم طريقة عملي وانبهروا بحرصي الشديد على العمل ، كنتُ أحضر قبل الدوام بنصف ساعة تقريباً ولا أنصرف حتى أنهي ما في يدي حتى لو كلّف ذلك وقتاً إضافياً ، مما جعلهم يرفعون راتبي المتفق عليه إلى حوالي خمسة آلاف ريال .
عُدتُ مسروراً إلى بيتنا أبشرُ والدتي بما كافؤوني به إذ بمجرّد عمل دام ثلاثة أسابيع صرتُ معروفاً في المؤسسة والكل يناديني باسمي حتى المدير العام عرفني شخصياً ، قبلتُ رأس أمي وجلستُ بجانبها مُسنداً رأسي على كتفها وبي نشوة عاطفية لربما تدفعني للبكاء في أي لحظة وبلا سبب ، كل ما أعرفه أنني كنت مبتهجاً أبتلع الهواء من فرحي وسعادتي ، بعدَ السؤال عن الحال .. ثم طرفتين سريعتين لجرّ البسمة على شفتي أمي .. قلتُ لها :


الساعة الآن 10:31 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.